إنجيل متى – الإصحاح ٢٥
خطاب يسوع على جبل الزيتون (الجزء الثاني)
أولًا. مَثَل العذارى العشر
أ ) الآية (١): عشر عذارى يخرجن للقاء العريس في حفل زفاف.
١حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ.
- حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ: انتهى الإصحاح ٢٤ بمَثَل يُقصد به التأكيد على فكرة الاستعداد لمجيء يسوع. ويبدأ الإصحاح ٢٥ بمَثَلٍ آخر يحمل نفس المبدأ.
- عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ: كانت هناك ثلاث مراحل لحفل زفاف يهودي في ذلك الزمان. الأول كان الارتباط، وهو اتفاق رسمي من قبل الآباء. والثاني كان خطوبة، أي الحفل الذي تتم فيه الوعود المتبادلة. والثالث هو الزواج، ويكون بعد حوالي عام واحد عندما يأتي العريس لأخذ العروس في وقت غير متوقع.
- “عندما جاء العريس، خرجت العذارى، اللواتي كن يجهزن العروس، للقاء العريس، ومعهم مصابيح مضاءة، لتوصيله هو ورفاقه إلى المنزل، وإلى العروس التي ستصبح زوجته.” بوله (Poole)
- يتساءل البعض لماذا أورد يسوع عَشْرَ عَذَارَى وليس رقمًا آخر. وبحسب ما ورد في التلمود، هناك عادة عشرة مصابيح في موكب الزفاف. لقد كان هذا هو العدد الشائع لأي حفل زفاف.
- وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ: في هذا المثل، لقد تم بالفعل تنفيذ المرحلتين الأوليين. والآن ينتظر القائمين على ترتيبات حفل الزفاف (العذارى العشر) مجيء العريس للعروس.
- “أن نرى أن العريس هو يسوع نفسه له ما يبرره في ضوء الآية في إنجيل متى ١٥:٩. وقد كان هذا استخدام جريء من يسوع، فقد استخدم وصف العريس في العهد القديم لوصف لله (وليس المسيح) عدة مرات ووصفت إسرائيل كعروس (إشعياء ٤:٥٤-٥؛ ٥:٦٢؛ إرميا ٢:٢؛ هوشع ١-٣، وما إلى ذلك).” فرانس (France)
ب) الآيات (٢-١٣) العذارى الغير مستعدات يُمنعن من الدخول.
٢وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. ٣أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، ٤وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. ٥وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. ٦فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! ٧فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. ٨فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. ٩فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. ١٠وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. ١١أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! ١٢فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. ١٣فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ.
- وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ: البعض من مرافقين العروس كانوا حَكِيمَاتٍ، والبعض الآخر جَاهِلاَتٍ.
- “قال: جاهل وحكيم، وليس سيئًا وجيدًا، لكن عاقل ومتهور، طائش ورصين.” بروس (Bruce)
- وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ: نَعِست الفتيات جميعًا وَنِمْنَ، لأن العريس تأخر (أَبْطَأَ). نرى في هذا المثل، أن العذارى الحكيمات والجاهلات نِمْنَ، لكن الحكيمات كن على استعداد للعمل فورًا عندما استيقظن بشكل غير متوقع. أما العذارى الجاهلات لم يكن مستعدات.
- “إنهم ينتظرون مرافقة العريس في موكب احتفالي، وربما في المرحلة الأخيرة من الاحتفالات حيث يعود بعروسه إلى المنزل لحضور حفل زفاف.” فرانس (France)
- نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ: “’غلبهن النُعاس ونمن نومًا عميقًا‘ هي تعبيرات تنقل بعناية اليونانية الأصلية.” فرانس (France)
- أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا: بدا أن العذارى الجاهلات كن جاهزات للعريس، لأنهن أخذن مصابيحهن. لكنهن في الحقيقة لم يكُن مستعدات، لأنهن لَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا.
- “من الواضح أن المصابيح كانت من النوع الذي يعمل بواسطة الخرق المغطاة بالزيت الملفوفة على عصا وليس كالمصابيح التي وصفت في إنجيل متى ١٥:٥؛ ٢٢:٦.” فرانس (France)
- “كانت مصابيحهن تتكون من مقبض خشبي يمسك في اليد وفوقه الأعلى يحتوي على قطعة قماش أو حبل مغموس بالزيت أو القار (الزفت).” بروس (Bruce)
- زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ: كان لدى العذارى الحكيمات مخزونًا إضافيًا من الزيت.
- فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ… فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولَئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ: في ساعة غير متوقعة جاء العريس لحفل الزفاف. فقامت جَمِيعُ أُولَئِكَ الْعَذَارَى على الفور في إعداد مصابيحهم للإضاءة.
- “’أَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ‘ تعني حرفيًا ’أعددن مصابيحهن‘ لكي تضيء.‘” فرانس (France)
- “إنه تحذير موجه تحديدًا لأولئك الذين يعتبرون أنفسهم مؤمنين، إذ عليهم ألا يفترضوا أن مستقبلهم مضمون دون قيد أو شرط؛ فقد توقع العشرة أن يكونوا في العُرس، وحتى ساعة العرس، لا نجد أي فرق واضح بينهم، ولكن الأزمة هي التي ستحدد المستعدين من غير المستعدين.” فرانس (France)
- أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ: كانت العذارى الجاهلات غير مستعدات لأنهن كن يفتقرن إلى الزيت لمصابيحهن. وفي العديد من المقاطع الكتابية يأتي الزيت كرمز للروح القدس (مثلًا: سفر زكريا ١:٤-٧). فبدون زيت، لم يكونوا جاهزين للعريس. وبدون الروح القدس، لا أحد مستعد لمجيء يسوع.
- زيتُ الزيتون هو رمز جيد للروح القدس لأسباب عديدة.
- الزيت يعمل كمُلين عند استخدامه لهذا الغرض. فالمؤمن الذي يسكنه روح الله لا نجد فيه إلا القليل من الاحتكاك والتلف.
- الزيت يشفي. إذ كان يستخدم كعلاج طبي في أزمنة الكتاب المقدس (لوقا ٣٤:١٠)، وهكذا يفعل روح الله: يشفي ويرد النفس.
- الزيت يضيء المكان عندما يتم حرقه في مصباح – وحيث يوجد روح الله، هناك ضوء.
- الزيت يعطي الدفء عند استخدامه كوقود – وحيث يوجد روح الله، هناك الدفء والراحة.
- الزيت يُنَشِط ويقوي عند استخدامه للتدليك – وهكذا يشجعنا الروح القدس على خدمته.
- الزيت يعطي رائحة ذكية عند وضعه كعطر- وهكذا يفعل الروح القدس أيضًا: يُخرج منا رائحة جميلة تجذب الآخرين.
- الزيت يُلمِعُ عند استخدامه مع المعادن – والروح القدس يمحو الأوساخ ويُنَّعِم حوافَنا الخشنة.
- لا يمكن لأحد أن يكون مؤمنًا حقيقيًا بدون سكنى الروح القدس، كما تقول الآية في رومية ٩:٨ “وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ فَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ.” وربما لم ينوِ يسوع، في هذا المثل، التمييز بين المؤمنين “المملوئين بالروح” والمؤمنين “غير المملوئين بالروح،” بل بين المؤمنين الحقيقيين والمؤمنين المزيفين.
- ومع ذلك، فإن المفتاح ليبقى المؤمن مستعدًا هو أن الامتلاء المستمر بالروح القدس (أفسس ١٨:٥). ويمكن تفسير الكثير من نقاط الضعف والهزيمة والخمول في حياتنا الروحية إذا لم نُمْلأ باستمرار بالروح القدس.
- زيتُ الزيتون هو رمز جيد للروح القدس لأسباب عديدة.
- وَأُغْلِقَ الْبَابُ… الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ: كانت العقوبة قاسية بالنسبة للعذارى الجاهلات. فلم يُسمح لهم بالدخول إلى العرس، وَأُغْلِقَ الْبَابُ أمامهم بعد سماعهم لأقوى العبارات.
- “إن التماس العذارى ورد العريس يذكرنا بالكلمات المُفزعة التي نقرأها في إنجيل متى ٢٢:٧-٢٣. فصيغة ’إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ‘ هي تعبير قاسٍ للرفض الحاسم وليس مجرد بيان للحقيقة.” فرانس (France)
- “عندما يتم إغلاق هذا الباب مرة واحدة، لن يتم فتحه أبدًا. فهناك بعض الذين حلموا بفتح هذا الباب بعد الموت، وهناك الذين ماتوا غير تائبين، ولكن لا يوجد في الكتاب المقدس ما يبرر مثل هذا التوقع. فأي ’أمل أكبر‘ من ذلك المُعلن في كلمة الله هو وهم وشَرَك.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ: الهدف من هذا المثل بسيط هو: كن جاهزًا، إذ أن ثمن الفشل في الاستعداد مرتفع جدًا.
ثانيًا. مثل الوزنات
أ ) الآيات (١٤-١٥): يصف يسوع سيدًا أعطى تعليمات لخدامه قبل الذهاب في رحلة طويلة.
١٤وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ، ١٥فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً. كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ.
- وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ: لم تكن هذه فكرة غريبة في العالم القديم، حيث غالبًا ما كان يتحمل الخدم (عَبِيدَهُ) مسؤولية كبيرة. فهذا كان على الأغلب، الشيء الوحيد الآمن والذكي الذي يمكن لرجل ما القيام به للحفاظ على أمواله.
- “أفضل شيء يمكن أن يفعله بأمواله أثناء غيابه، هو أن يُقسَّمها بين عبيده المختارين، ويتركهم يبذلون قصارى جهدهم في استثمارها.” بروس (Bruce)
- “هذا المثل يتناول السؤال الذي تركتَه وصيفات العروس بدون إجابة: ما هو “الاستعداد؟” فرانس (France)
- فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَاتٍ وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ وَآخَرَ وَزْنَةً: الوزنة لم تكن موهبة أو قدرة (على الرغم من أن هذا المثل ينطبق على مواهبنا وقدراتنا)، ولكن وحدة من المال تبلغ قيمتها ما يعادل ١٢٠٠ دولار أمريكي اليوم، وعلى الأرجح أكثر بكثير.
- “الوزنة لم تكن نوعًا من العملة، بل كانت مقدارًا معينًا من الوزن، لذلك تتوقف قيمتها على نوع المعدن المأخوذة منه، سواء أكان نحاسًا أم ذهبًا أم فضة.” باركلي (Barclay)
- “الكلمة اليونانية ’تالينتون‘ تعني مجرد مبلغ من المال، يساوي عمومًا ٦٠٠٠ دينار.” فرانس (France). “إذا كانت الوزنة تساوي ستة آلاف دينار، فسوف يستغرق الأمر من العامل اليومي عشرينَ عامًا لكسب هذا المبلغ.” كارسون (Carson)
- في تطبيق هذا المثل، من المناسب رؤية هذه الوزنات كموارد للحياة، مثل الوقت والمال والقدرات والسلطة.
- كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ: تم إعطاء العبيد مبالغ مختلفة من المال كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. فتلقى عبدٌ وزنة واحدة فقط، ولكن يجب أن نرى أن هذا لم يكن مبلغًا ضئيلًا. وتلقى البعض الكثير ولكن الجميع تلقى شيئًا والجميع تلقى كمية كبيرة.
- “الوزنة (الموهبة) التي أخذها كل شخص تناسب حالته؛ ولكن الكبرياء والحُمق فقط هو الذي يقود إلى الرغبة وحسد الآخرين على النعم والمواهب المُعطاة لهم. فبالنسبة لبعض الأشخاص، خمس مواهب ستكون ثقيلة للغاية، وموهبة واحدة ستكون صغيرة للغاية.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٦-١٨): العبيد يديرون أموال السيد.
١٦فَمَضَى الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَتَاجَرَ بِهَا، فَرَبحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ. ١٧وَهكَذَا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ، رَبِحَ أَيْضًا وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ. ١٨وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ فَمَضَى وَحَفَرَ فِي الأَرْضِ وَأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ.
- فَمَضَى الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَتَاجَرَ بِهَا: كل من حصل على وَزَنَاتٍ من سيده فعل بها كما يراه مناسبًا. فقد تَاجَرَ اثنين منهم بوزناتهم وحصلوا على المزيد من الوزنات (فَرَبِحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ… رَبِحَ أَيْضًا وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ).
- ’فَمَضَى… وَتَاجَرَ‘ ينطوي على عمل مباشر. “النقطة المهمة هي أن العبيد الصالحون شعروا بمسؤولية مهمتهم وذهبوا إلى العمل دون تأخير.” كارسون (Carson)
- لا نعرف كيف تَاجَرَوا بوزناتهم. ربما قاموا بإعارة المال بفائدة، وربما استخدموا الأموال واشتروا أشياء وباعوها مقابل المزيد من المال. النقطة المهمة هي أنهم ربحوا (استفادوا) لأنهم استخدموا ما لديهم.
- يمكننا أن نقول الكثير من الأشياء الجيدة عن عمل العبيدين الأولين:
- لقد قاموا بعملهم على الفور.
- لقد قاموا بعملهم بمثابرة.
- لقد قاموا بعملهم بنجاح.
- كانوا مستعدين لإعطاء حساب لسيدهم.
- وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ فَمَضَى وَحَفَرَ فِي الأَرْضِ وَأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ: العبد الثالث لم يفعل شيئًا تقريبًا بأموال سيده. لقد حرص على عدم ضياعها (بإخفائها)، لكنه لم يفعل شيئًا إيجابيًا بأموال سيده، على عكس العبدين الأولين.
ج ) الآيات (١٩-٢٣): محاسبة العبدين الأولين.
١٩ وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيل أَتَى سَيِّدُ أُولئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. ٢٠ فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا. ٢١ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. ٢٢ ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، وَزْنَتَيْنِ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ رَبِحْتُهُمَا فَوْقَهُمَا. ٢٣ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ.
- وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَتَى سَيِّدُ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ: التأخير الطويل سيغري العبيد على الاعتقاد بأنهم لن يعطوا حسابًا لإدارتهم، لكنهم بالتأكيد سيفعلون ذلك.
- كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ: كانت المكافأة هي نفسها لكل من العبدين، على الرغم من أن أحدهما مُنِح خمس وزنات والآخر مُنِح وزنتين. فقد قام كل منهما بنفس الشيء وفقًا للموارد التي تلقوها.
- نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ: هذا يدل على أن السيد بحث عن الصلاح والإخلاص في عبيده. فالنجاح المالي الذي تمتع به هاذين العبدين، كان بسبب صلاحهما وأمانتهما (الصَّالِحُ الأَمِينُ). فقد بحث السيد أولًا عن هذه الصفات الشخصية، وليس عن مبلغ محدد من المال.
- “لم يقل: ’أحسنت، أيها العبد الصالح والذكي‘؛ ربما لم يتألق ذلك العبد في نظر أولئك الذين يقدرون البريق. ولم يقل: ’أحسنت، أيها العبد العظيم والمتميز‘؛ لأنه ربما لم يكن معروفًا أبدًا خارج نطاق قريته الأصلية.” سبيرجن (Spurgeon)
- “من الأفضل أن تكون مخلصًا في مدرسة أطفال بدلًا من أن تكون غير مخلص بينما تعلم النبلاء من الشباب. ومن الأفضل أن تكون مخلصًا في قرية صغيرة تقتصر على حفنة من الناس، بدلًا من أن تكون غير مخلص بينما تخدم أكبر رعية، والنتيجة موت الآلاف منهم. ومن الأفضل أن تكون مخلصًا في اجتماع ريفي تتحدث عن المسيح المصلوب، بدلًا من أن تكون غير مخلص في مبنى كبير يتجمع فيه الآلاف.” سبيرجن (Spurgeon)
- ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ: هذه الكلمات تعكس ما سيسمعه المؤمن في السماء. والفكرة هنا تبين أن هناك مكان فَرَح خاص بسيد هؤلاء العبيد، وهم مدعوون للانضمام إلى السيد في ذلك المكان. فمصير العبدين الصالحين الأمينين له معنى سماوي.
- “هذا ليس نصيب العبد، ولكن نصيب السيد الذي أراد أن يقاسم نصيبه مع عبيده المخلصين. ففرح دخولنا ’فرح السيد‘ سيفوق أي فرح نملكه.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذا ما يمكننا أن نقوله عن مكافأة العبدين الأولين:
- تلقوا الثناء من سيدهم.
- تلقوا وعدًا بمباركة المستقبل.
- حصلوا على المجد: ’فَرَحِ السيد.‘
د ) الآيات (٢٤-٢٥): العبد الثالث يعطي حسابًا.
٢٤ثُمَّ جَاءَ أَيْضًا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. ٢٥فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. هُوَذَا الَّذِي لَكَ.
- ثُمَّ جَاءَ أَيْضًا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ: حكم السيد على كل واحد من العبيد بصفة فردية. فإن حاسبهم كمجموعة، فسيكونون قد حققوا أداءً جيدًا: قدم السيد لهم ٨ وزنات وربح ١٥ وزنة . ولكن، حاسبهم السيد على إخلاصهم وجهودهم الفردية.
- “تذكر، يا مستمع، أنه في يوم الدينونة، عليك أن تقدم حسابك الخاص؛ لن يسألك الله عما فعلته كنيستك، بل سيسألك عما فعلته أنت.” سبيرجن (Spurgeon)
- يَا سَيِّدُ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ: حاول العبد الذي دفن وزنته أن يعفي نفسه بإلقاء اللوم على قدرة سيده العظيمة. بل في الواقع، كان يعرف جيدًا أن سيده يتمتع بقدرة هائلة: تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ.
- إِنْسَانٌ قَاسٍ: “جشع وبخيل، ويأخذ كل شيء لنفسه، ولا يقدم أي حوافز لعبيده.” بروس (Brcue)
- عبَّر ماير (F.B. Meyer) عن تفكير هذا العبد بقوله: “لا يمكنني فعل الكثير؛ لن يحدث فرق كبير إذا لم أفعل شيئًا: لن يشعر أحد بعدم وجودي، ولن يفلح جهدي في تغيير مسار الأمور.”
- “الأشرار أذكياء في لوم الآخرين على إخفاقاتهم، وفي كثير من الأحيان على الله نفسه.” بوله (Poole)
- هُوَذَا الَّذِي لَكَ: بدا العبد الثالث فخورًا بنفسه. ونظرًا لأن السيد كان قويًا جدًا ولم يكن بحاجة إلى مساعدته (وفقًا لتفكير العبد)، ظن العبد الثالث أن السيد سيكون مسرورًا لأنه لم يفعل شيئًا ولهذا قال بكل ثقة: ’هُوَذَا الَّذِي لَكَ.‘ ويبدو أنه لم يكن لديه فكرة عن مدى استياء سيده منه.
- يمكننا أن نقول لصالح العبد الثالث أنه على الأقل ما زال يفهم أن ما قد أعطاه يخص سيده. قال: ’هُوَذَا الَّذِي لَكَ.‘ فالكثير من خدام الله المعاصرين يعتقدون أنه عندما يعطهم الله شيئًا، فهو لم يعد ملكًا لله، بل صار يخصهم ويمكنهم القيام به كما يحلو لهم.
- “على الرغم من أن هذا الرجل لم يفعل شيئًا لسيده، إلا أنه لم يعتقد أنه كان خادمًا غير مفيد أو نافع. فهو لم يُظهر أي انكسار أو تواضع أو ندم. لقد كان جريئًا كالنحاس، وقال بلا حياء: ’هُوَذَا الَّذِي لَكَ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- هذا ما يمكننا أن نقوله عن عمل العبد الثالث:
- لم يفكر.
- لم يعمل.
- لم يحاول حتى.
- قدم الأعذار.
هـ) الآيات (٢٦-٣٠): محاسبة العبد الثالث.
٢٦فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، ٢٧فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا. ٢٨فَخُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ. ٢٩لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. ٣٠وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ.
- أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ وَأَجْمَعُ: إدانة هذا العبد الثالث، الذي دُعي هنا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ، كانت قوية. فسلطة السيد لم تعذر أبدًا كسل العبد، بل بالحري أدانة هذا الكسل.
- أولئك الذين لا يعملون من أجل الرب، أو لا يصلون، أو لا يكرزون، لأن الله صاحب السيادة، يدينون أنفسهم بكسلهم. فمن خلال تصرفاتهم (أو عدم التصرف) يظهرون أنهم مثل الخادم الشرير في المثل. هم لا يعرفون قلب سيدهم على الإطلاق. “يخبر رب العبد غير الفعال، أن الخطأ يكمن في كسله وشره، وأن رعبه من سيده كان مجرد ذريعة تافهة وعذر غير معقول.” بوله (Poole)
- كانت التهمة الموجهة إلى هذا العبد الذي دفن وزنته ببساطة، أنه شِّرِّير وَكَسْلاَن. فنادرًا ما نرى الكسل خطيئة حقيقية، وأن علينا أن نتوب عنه أمام الرب. فلو كان الكسل دعوة أو موهبة روحية، لكان هذا العبد ممتازًا.
- “لم يكن غير صادق، فسيده لم يتهمه بهذا، ولكن كان غير مبالي وغير مبادر وجبان. فالشخص الكسول هو: شخص مليء بالشك، وجبان ومتحجز القلب ومحبط وخامل.” بروس (Bruce)
- قد نقول أن هذا العبد لم يخاف سيده بالشكل الملائم، لأنه كان خائفًا من المخاطر والفشل.
- فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا (فائدة): كان يمكن لهذا الرجل أن يفعل شيئًا بما كان لديه. حتى لو لم يُضاعف المال، كان من الممكن أن يكسب بعض الفائدة (رِبًا) على أموال السيد.
- “إذا لم نتمكن من المتاجرة بشكل مباشر وشخصي لحساب ربنا، إذا لم تكن لدينا المهارة أو اللباقة لإدارة مجتمع أو مؤسسة من أجله، فيمكننا على الأقل المساهمة في ما يفعله الآخرون، ونضُم رأسمالنا إلى رأس مالهم، حتى، بطريقة ما، يحصل سيدنا على الفائدة التي يستحقها.” سبيرجن (Spurgeon)
- “منع العهد القديم الإسرائيليين من فرض فائدة ضد بعضهم البعض (خروج ٢٥:٢٢؛ لاويين ٣٥:٢٥-٣٧؛ تثنية ٢٣:١٩؛ مزمور ٥:١٥)؛ لكن الفائدة على المال الذي تم إقراضه لغير اليهود كان مسموحًا به (تثنية ٢٠:٢٣). وبحلول العهد الجديد، ميز العلماء اليهود بين ’الإقراض بفائدة‘ و’الربا‘ (بالمعنى الحديث).” كارسون (Carson)
- لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ: هناك من لديه أشياء (مثل العبد بموهبة واحدة)، لكن يتعامل مع هذه الأشياء وكأنه لا يملك شيئًا. ومع الوقت سيكتشف أن الَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. وأما الأمين الذي يتمسك بما عنده، لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَاد.
- “انظر أن لا تتلقى أي نعمة من الله عبثًا؛ ولا تحسد أولئك الذين لديهم الكثير؛ فالنسبة تختلف اعتمادًا على قدرة الفرد.” تراب (Trapp)
- “لا نحتاج أن ننتظر كثيرًا لنرى إن كنا سنحصل على هذا التضاعف أو أن تؤخذ منا وزناتنا. فالوزنات إما تزداد أو تضمحل في لحظتها.” ماير (Meyer)
- وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ: لأنه كان شريرًا وكسولًا، أظهر العبد الثالث أنه لم يكن خادمًا حقيقيًا لسيده على الإطلاق. فكان من المناسب أن يخرج هو (ومن يشابهونه) إلى الأبد من حضرة السيد.
- كانت السماء هي مصير العبدين الصالحين، وكان الجحيم هو مصير الْعَبْد الشِّرِّير وَالْكَسْلاَن.
- في السياق الأوسع من متى ٢٥، فإن النقطة الرئيسية لهذا المثل واضحة: استعدادنا لمجيء يسوع يتحدد من خلال رعايتنا للموارد التي قدمها لنا.
- يعتقد البعض أن الاستعداد لعودة يسوع هو شيء روحي ومجرّد للغاية. ولكن الحقيقة عكس ذلك. فهي مسألة تتعلق بالخدمة التي نقدمها للرب. ففي ضوء هذا المثل، يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا بمعرفتنا؟ ووقتنا؟ وأموالنا؟ وقدراتنا؟ فخطايا الإغفال [ما لا نفعله] قد تكون في النهاية أكثر خطورة من الخطايا الفعلية [ما نفعله].
ثالثًا. دينونة الشعوب
أ ) الآيات (٣١-٣٣): تجتمع الشعوب أمام عرش الله ويتم الفصل بينهم.
٣١وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. ٣٢وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، ٣٣فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ.
- وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ: هذا ليس مثلًا حقيقيًا؛ إنه وصف للدينونة التي ستأتي بعد المجيء الثاني المجيد ليسوع (الموصوف في متى ٣٠:٢٤).
- فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ: كان يسوع هنا إما مذنبًا بجنون العظمة (الوهم حول قوة الفرد أو أهميته) أو هو بالحقيقة رب المجد، الذي سيحكم الأمم وهو عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. يبدو أن هذا الكرسي (العرش) موجود على الأرض، لأنه يحدث عندما يأتي ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ.
- بعد ثلاثة أيام سيصلب؛ ومع ذلك تحدث عن: ’مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ.‘
- كان حوله حفنة من التلاميذ – واحد سيخونه، وآخر سينكره، والباقين سيتخلون عنه؛ ومع ذلك تحدث عن: ’جَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ.‘
- لقد عاش حياة بسيطة جدًا، كان فقيرًا تقريبًا – ورُفض من قِبل جميع الناس العظماء والأقوياء تقريبًا في العالم؛ ومع ذلك، قال إنه سوف: ’يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ.‘
- وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ: يبدو أن هذه الدينونة الخاصة متميزة عن دينونة العرش الأبيض العظيم الموصوف في سفر رؤيا يوحنا ١١:٢٠-١٥. فهذه الدينونة على الأمم تختلف عن الدينونة النهائية لعدة أسباب.
- تحدث في وقت مختلف: من الواضح أن دينونة العرش الأبيض العظيم المذكورة في سفر رؤيا يوحنا ١١:٢٠-١٥ ستحدث بعد مُلك يسوع المسيح الذي سيدوم ١٠٠٠ عام. وأما دينونة الأمم (متى ٢٥) فستحدث مباشرة بعد المجيء المجيد ليسوع (متى ٣١:٢٥-٣٢).
- تحدث في مكان مختلف: تحدث دينونة العرش الأبيض العظيم المذكور في سفر رؤيا يوحنا ٢٠، في السماء؛ أما دينونة الأمم المذكورة في إنجيل متى ٢٥، فستحدث على الأرض.
- تحدث لأمور مختلفة: تشمل دينونة العرش الأبيض العظيم في سفر رؤيا يوحنا ٢٠، بشكل قاطع جميع الرجال والنساء غير المؤمنين. ويبدو أن دينونة الأمم في إنجيل متى ٢٥، لا تشمل سوى الأمم، أي الوثنيون الذين يتم الحكم عليهم إلى حد كبير على لطفهم ورعايتهم [جزئيًا] تجاه الشعب اليهودي (إخوتي). وقد لا يكون الشعب اليهودي الذي نجا من الضيقة العظيمة في دينونة الأمم هذه.
- تحدث على أساس مختلف: وهذا مشروح في الجزء التالي.
- يُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ: ابن الإنسان – يسوع نفسه – لديه السلطان على تقسيم البشر في هذه الدينونة. فلا توجد ثلاث فئات، ولكن هناك فئتان فقط: الْخِرَافَ والْجِدَاءَ، عَنْ يَمِينِهِ وعَنِ الْيَسَارِ.
- “في الريف كانت الخراف والجداء تختلط خلال النهار، وغالبًا ما كان يتم فصلهم في الليل: الخراف تتحمل الهواء البارد، ولكن الجداء يجب أن تُجمع معًا من أجل الدفء.” كارسون (Carson)
- ينطبق هذا على الدينونة النهائية، عندما يتم تقسيم البشرية إلى مجموعتين فقط. ومع ذلك، في رأي هذا المفسر (بالتأكيد رأي الأقلية)، فإن حديث يسوع هنا ليس عن الدينونة النهائية، ولكن عن الانفصال الذي سيحدث بعد المجيء المجيد وقبل الدينونة النهائية للتعامل مع أولئك الذين نجوا من الضيقة العظيمة.
- بحلول نهاية الضيقة العظيمة (المذكورة في متى ٢١:٢٤ ومقاطع أخرى)، سينقص عدد سكان الأرض بشكل كبير بسبب العوامل التالية:
- اختطاف الكنيسة التي تشمل ملايين من الأشخاص المؤمنين الذين على الأرض (كما هو موصوف في تسالونيكي الأولى ١٦:٤-١٧).
- اضطهاد واستشهاد العديد من أولئك الذين يؤمنون بيسوع بعد الاختطاف وخلال الضيقة العظيمة.
- الموت المريع والدمار الناتج عن الضيقة العظيمة.
- كارثة معركة «هَرْمَجَدُّونَ» والمجيء المجيد ليسوع إلى الأرض.
- ومع ذلك، يمكن للمرء أن يفترض أنه حتى مع شدة كل هذه، سوف يظل هناك العديد من الناس – ربما ٣ مليارات أو أكثر- على الأرض بعد مجيء يسوع في القوة والمجد في نهاية فترة السبع سنوات. من بين هؤلاء سيكون ١٤٤ ألفًا الذين تم ختمهم خصيصًا والحفاظ عليها خلال الضيقة العظيمة والذين يقفون مع حمل الله على جبل صهيون في عودته المجيدة (رؤيا يوحنا ١:١٤-٥). فمن العدل أن نسأل: “ماذا يحدث مع كل هؤلاء الناس – ربما ٣ مليارات أو أكثر – الذين نجوا من الضيقة العظيمة ومعركة هرمجدون؟” هذه الدينونة الصادرة على الشعوب تجيب على هذا السؤال.
ب) الآيات (٣٤-٤٠): دينونة ومكافأة الذين عَنْ يَمِينِهِ.
٣٤ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. ٣٥لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. ٣٦عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. ٣٧فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ ٣٨وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ ٣٩وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ ٤٠فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.
- ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ: إن المكافأة لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ (الخراف) هي أنهم يدخلون ملكوت الآب.
- لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي: تمت الموافقة عليهم على أساس أعمالهم. فلا يوجد ذكر للإيمان أو حتى المغفرة هنا. فهذا الحكم كان قائمًا على لطفهم الأخلاقي.
- بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ: هذا تمييز واضح آخر بين هذه الدينونة الصادرة على الأمم والدينونة النهائية. فتستند دينونة العرش الأبيض العظيم المذكورة في رؤيا يوحنا ٢٠، على ما هو مكتوب في كتاب الحياة. وتستند دينونة الأمم (الشعوب) المذكورة في إنجيل متى ٢٥، إلى المعاملة الإنسانية للآخرين، خاصة المؤمنين من الأمم واليهود (الذين سيُكرهون ويُضطهَدون بشكل خاص في النصف الأخير من الضيقة العظيمة).
- على الرغم من أن إخوة يسوع المؤمنين من الأمم واليهود قد يكونوا أول من يتبادر إلى أذهاننا، ولكن بمعرفتنا لطبيعة يسوع يمكننا القول إنه لا يستبعد الآخرين. “الإخوة هم الفقراء من المؤمنين والمحتاجين والذين يعانون، في المقام الأول، ولكن في النهاية وبشكل استنتاجي أي أشخاص يعاني في أي مكان.” بروس (Bruce)
ج ) الآيات (٤١-٤٦): دينونة ومكافأة الذين عَنِ الْيَسَارِ.
٤١«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، ٤٢لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. ٤٣كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. ٤٤حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ ٤٥فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. ٤٦فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».
- بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا: إن التهمة الموجهة ضد الضالين لا تتعلق بأي انتهاك أخلاقي واضح، ولكن بموقفهم غير المبالي تجاه يسوع (وشعبه)، فإن عدم مبالاتهم قد ختمت على نهايتهم. ومن خلال هذا الإصحاح، تم التأكيد على فكرة أن: سعر اللامبالاة مرتفع للغاية.
- لا يمكننا أن نكون غير مبالين تجاه يسوع ومجيئه.
- لا يمكننا أن نكون غير مبالين تجاه الروح القدس الذي يُعدنا لمجيء يسوع.
- لا يمكننا أن نكون غير مبالين بالموارد التي يعطينا الله إياها.
- لا يمكننا أن نكون غير مبالين تجاه المحتاجين من حولنا.
- لا يمكننا أن نكون غير مبالين تجاه الإنسانية الضالة التي ستُدان.
- “’ذنب‘ الملعون لا ينبع من فعل الأشياء الخاطئة، بقدر الفشل في فعل الصواب. فعدم فعل أي شيء هو وسيلة للدينونة.” فرانس (France)
- اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ: يشير يسوع بوضوح إلى أن الجحيم أُعد لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ. فالناس يذهبون إلى هناك فقط لأنهم قد جعلوا نصيبهم مع الشيطان وملائكته.
- “لقد انضموا إلى الشيطان حين رفضوا الولاء للرب؛ لذلك كان من الصواب أن يُحاكوا تمرده وأن يحاكوا عقوبته.” سبيرجن (Spurgeon)
- النَّارِ الأَبَدِيَّةِ… عَذَابٍ أَبَدِيٍّ: المعنى الحرفي لهذه الكلمة اليونانية القديمة هو ’لأمد بعيد.‘ وكما يقول بروس (Bruce): “إن المعنى الصارم لـ [الأبدية]: لأمد بعيد، وليس إلى الأبد.” وبسبب هذا، اعتقد البعض أن معاناة ’المَلاَعِين‘ ليست أبدية. واقترح البعض أنه سيتم إعادة تأهيلهم وإحضارهم إلى السماء (فكرة الأمل الأكبر)؛ واعتقد آخرون أنهم سوف يتوقفون عن الوجود في نهاية المطاف (فكرة الإبادة).
- ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن معنى كلمة ’آنيون (aionion)‘ في هذا المقطع هو ’أَبَدِيٍّ‘ بالفعل. “يمكن أن تشير كلمة ’آنيون (aionion)‘ إلى الرجوع إلى الحياة أو العقوبة في الزمن القادم، أو يمكن أن تقتصر على مدة الشيء الذي يُشار إليه (كما في متى ١٩:٢١). ولكن في السياقات الرُؤيَوِيّة والأُخرَوِيّة، لا تدل الكلمة على ’زمن المسيا‘ فحسب، لأن هذا الزمن يعاش دائمًا في حضور الله، بل يدل أيضًا على ما هو ’أَبَدِيٍّ.‘” كارسون (Carson)
- بالإضافة إلى ذلك، الترجمة اليونانية للكلمات: ’الأَبَدِيَّةِ‘ و’أَبَدِيٍّ‘ في إنجيل متى ٢٥:٤٦ هي ذاتها. فإن كان الأبرار سيختبرون حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ، فيجب أن نقول إن المذنب سوف يواجه عَذَاب أَبَدِيٍّ. “لكن البعض يرى أن هذه العقوبة ستنتهي: كما لو كان مجد الأبرار سينتهي أيضًا: لأنه يتم استخدام نفس الكلمة للتعبير عن مدة العقوبة، ونفس الكلمة للتعبير عن مدة حالة المجد.” كلارك (Clarke)
- “سوف يذهبون إلى عذاب أبدي، وليس عذاب لبعض الوقت، كما كان يعتقد أوريجانوس.” بوله (Poole)
- “كان لديهم إرادة مُطلقة للخطيئة؛ ولأنه لا يمكنهم إرضاء عدالة الله أبدًا؛ لذلك سيكون عذابهم أبدي.” تراب (Trapp)
- عَذَابٍ أَبَدِيٍّ… حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ: إن هذا الحديث عن حَيَاةٍ أَبَدِيَّة يجعل معظم الناس يعتقدون أن يسوع يتكلم عن الدينونة النهائية. ولكن بالنسبة لأولئك الذين نجوا من الضيقة العظيمة، فإن الدخول إلى المُلك الألفي هو بالتأكيد بوابة الحياة الأبدية. وأولئك الذين لا يدخلون المُلك الألفي سيحصلون بالتأكيد على عَذَابٍ أَبَدِيٍّ.
- الغرض من هذه الدينونة على الأمم هو فصل الشعوب قبل بداية المُلك الألفي ليسوع. الأشرار والقُساة لن يدخلوا؛ الصالحون سيدخلون.