إنجيل متى – الإصحاح ٢٨
الرب يسوع المقام من بين الأموات وإرساليته العُظمى
أولًا. يسوع المقام
أ ) الآيات (١-٣): مريم المجدلية ومريم من بيت عنيا يجدن ملاكاً في القبر.
١وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ. ٢وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. ٣وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ.
- جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ: لقد جاءوا لإنهاء تكفين جسد يسوع الذي قطعه السبت (لوقا ١:٢٤-٣). جاؤوا إلى القبر بَعْدَ السَّبْتِ، أي يوم الأحد (عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ)، متوقعين أن يجدوا جسد يسوع الميت.
- وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ: إنجيل متى هو الوحيد الذي يشير إلى هذا الزلزال. لم يتسبب الزلزال في دحرجة الحجر. بل أن دحرجة الملاك للحجر هي التي صنعت الزلزال.
- “تزعزعت الأرض بسبب آلام المسيح وقيامته؛ أظلمت أولًا لإظهار أنها لا تستطيع تحمل معاناته؛ وحدث الزلزال الآن لتظهر أنه لا شيء يمكن أن يعيق قيامته.” تراب (Trapp)
- يعتقد البعض أن هذا لم يكن زلزالًا عاديًا، ولكنه يشير إلى اضطراب الحراس عند القبر (متى ٤:٢٨). “إن كلمة ’سيسموڤ (Seismov)‘ تعني اهتزاز أو هياج من أي نوع: ربما الكلمة لا تعني أكثر من الارتباك الذي سببه الحراس بسبب ظهور الملاك. كل هذا حدث قبل أن تصل النساء إلى القبر.” كلارك (Clarke)
- لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ: عندما جاءت النساء إلى القبر، رأوا الحجر تدحرج بعيدًا وملاك جالسًا على الحجر. كان باب القبر مفتوحًا على مصراعيه.
- “في الواقع لم يكن هناك حاجة إلى أي ملاك على الإطلاق لإزالة الحجر، إذا كان هذا هو السبب فقط الذي جعله ينزل؛ فالذي قام بالروح القدس له القدرة على إزالة الحجر؛ ولكن كما كان من المناسب أن تشهد الملائكة على آلامه، كان عليهم أن يشهدوا قيامته أيضًا.” بوله (Poole)
- كان الحجر الذي أحاط بجسد يسوع في القبر يشبه بوابة زنزانة السجن، محاصراً جسد يسوع في القبر. والآن أصبح مكان للراحة، حيث جاء الملاك وَجَلَسَ عَلَيْهِ.
ب) الآيات (٤-٦): رسالة الملاك.
٤فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ. ٥فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ : «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. ٦لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ.
- فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ: كان الجنود الرومانيون المسؤولون عن حراسة القبر مرعوبين. حضور الملاك جعل هؤلاء الجنود المحترفين يرتعدون خوفًا.
- “لا يبدو أنه كان مستلاً سيفًا مشتعلًا، ولا حتى أنه تكلم مع الحراس؛ ولكن وجود النقاء التام أرعب هؤلاء الجنود القساة.” سبيرجن (Spurgeon)
- “قيامة المسيح تُرعب عبيد الخطيئة، وتعزي أبناء الله؛ لأنه دليل على قيامة الاثنين، أحدهما سيقوم للخزي والازدراء الأبدي، والآخر سيقوم للمجد الأبدي والفرح.” كلارك (Clarke)
- لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ: للمرة الأولى، سمع أتباع يسوع – النساء المؤمنات – ما لم يتوقعوا سماعه. سمعوا أن يسوع لم يكن في القبر، لكنه قَامَ.
- هناك العديد من الأمثلة في الكتاب المقدس عن أشخاص أعيد إحيائهم قبلًا، مثل ابن الأرملة في أيام إيليا (ملوك الأول ١٧:١٧-٢٤) ولعازر (يوحنا ٣٨:١١-٤٤). تم إحياء كل واحد منهم من الموت، ولكن لم يقم أي منهم من الموت. فكل واحد منهم قام في نفس الجثة التي ماتوا فيها، وقاموا من بين الأموات ليموت مرة أخرى في النهاية. فالقيامة ليست مجرد العيش مرة أخرى، بل إنها العيش مرة أخرى في جسد جديد، بناءً على جسمنا القديم، ومناسب تمامًا للحياة في الأبدية. لم يكن يسوع أول من أعيد من بين الأموات، لكنه كان أول من قام.
- يجب أن نقول أيضًا أن يسوع ما زال قائمًا من بين الأموات. فقد صعد إلى السماء واستمر يحكم كإنسان مُقام، ولا يزال إنسانًا كاملًا وإلهًا كاملًا.
- يمكنك أن ترى العديد من القبور في إسرائيل، فهناك مجموعة منها على جبل الزيتون وخارج الجدار الشرقي لجبل الهيكل. ويمكنك أن ترى قبر راحيل، وقبر داود، وقبر أبشالوم – لكنك لن تجد قبر يسوع في أي مكان. لَيْسَ هُوَ هَهُنَا.
- ’كَمَا قَالَ‘ ذكر هؤلاء النساء – وجميع التلاميذ – أنه كان ينبغي عليهم توقع ذلك. فقد سبق ووعده بقيامته.
- انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ: لم يدحرج الحجر لكي يخرج يسوع. فإنجيل يوحنا ١٩:٢٠ يخبرنا إن يسوع، في جسد القيامة، كان يمكنه أن يمر عبر الحواجز المادية. لقد دحرج الحجر حتى يتمكن الآخرون من رؤية أن يسوع المسيح قام من بين الأموات ويقتنعوا بذلك.
- “إن الدعوة إلى رؤية الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه كانت مناسبة تمامًا للأشخاص الذين شاهدوا جسده يوضع هناك – إذًا لا مجال لأي خطأ.” فرانس (France)
- “تعال وانظر إلى المكان الذي وضعه فيه – أصبح فارغًا الآن؛ ولم يكن هناك أي جسد آخر في المكان، لأن القبر كان جديداً، لم يوضع فيه أحد، يوحنا ٤١:١٩؛ حتى لا يكون هناك أي خداع في هذه الحالة.” كلارك (Clarke)
- حقيقة القيامة واضحة بما فيه الكفاية. ويجب علينا أيضًا أن نتأمل في معنى القيامة. فبكل بساطة، أثبتت قيامة يسوع أن موته كان تكفيرًا فعليًا عن الخطيئة وأن الآب قبلها على هذا النحو. وكان الصليب هو الثمن، والقيامة هي إيصال بالاستلام، مما يثبت قبول الدفع بالكامل.
- وكانت هؤلاء النساء في وقت لاحق ممتنين لأن الملاك أخبرهم أن ينظروا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ. كان من المفترض أن يكون كافيًا سماع شهادة الملاك. ومع ذلك، عندما رأوا الموضع، صار لديهم أساس للوقوف عليه أقوى من شهادة الملاك. “شاهد عيان واحد أفضل من عشرين شاهداً؛ سيصدق الناس ما رأيت إذا لم يصدقوا ما سمعت.” سبيرجن (Spurgeon)
- عندما نرى الْمَوْضِعَ الذي كان فيه، نرى أن الآب لم يترك يسوع.
- عندما نرى الْمَوْضِعَ الذي كان فيه، نرى أن الموت قد دُحر.
- عندما نرى الْمَوْضِعَ الذي كان فيه، نرى أن لدينا صديقًا حيًا وهو يسوع.
ج ) الآيات (٧-٨): تعليمات الملاك لمريم المجدلية ومريم من بيت عنيا.
٧وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا». ٨فَخَرَجَتَا سَرِيعًا مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ، رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ.
- وَاذْهَبَا سَرِيعاً قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ: أمرهم الملاك بأن يكونوا أول الكارزين عن أخبار القيامة السارة. ونظرًا لأن هؤلاء النساء كن بعضًا من الأشخاص القلائل الشجعان لربط أنفسهم بيسوع، فقد كان هذا شرفًا مناسبًا.
- “لم يظهر الرب للذين كانوا رؤساء الكنيسة، بل لنساء بسيطات؛ وكان على الرسل أنفسهم الذهاب إلى مدرسة مريم المجدلية ومريم الأخرى لتعلم الحقيقة الرائعة: “لقد قام الرب بالفعل.” سبيرجن (Spurgeon)
- هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ: هذا أكد للنساء أنهم سيرون يسوع المقام من الأموات. فلم يكن ببساطة قد قام من الأموات فقط، لكنه قام لمواصلة علاقته معهم.
- ربما قال الملاك لهم: “قام، وصعد إلى السماء!” وكان ذلك أفضل من معرفة أنه قد مات؛ ولكن الحقيقة كانت أفضل بكثير. لقد قام، وقام ليكون له علاقة حقيقية مع تلاميذه.
- فَخَرَجَتَا سَرِيعاً مِنَ الْقَبْرِ: فعلت النساء – المليئات بالخوف والفرح العظيم – تمامًا كما طلب الملاك. قال لهم وَاذْهَبَا سَرِيعاً وفعلوا ذلك.
- “من المرجح أن يقابل يسوع القديسين الذين يركضون في طريق الطاعة. يسافر بعض المؤمنين إلى السماء ببطء شديد بحيث تغلب عليهم الحماقات أو العيوب أو النوم أو الشيطان؛ لكن من يطيع أمر المسيح بسرعة، سيلاقي سيده وهو يسير في طريقه.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٩-١٠): مريم المجدلية ومريم من بيت عنيا يلتقيان مع يسوع القائم من الأموات.
٩وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمَا». فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. ١٠فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي».
- وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ: قابلت النساء المسيح عندما أطاعوا وصية إخبار الآخرين عن القيامة.
- إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمَا»: هل هناك شيء آخر يمكن ليسوع أن يقوله لهن؟ ماذا يمكن أن يفعلوا بخلاف التمتع بسلامه!
- المعنى الحرفي للتحية التي قدمها يسوع هي: افرحوا. يلاحظ فرانس (France): “’سلامٌ لكما‘ تمثل التحية اليونانية العادية – مثل ’مرحبًا‘ في يومنا هذا – على عكس المظهر المخيف للملاك.”
- فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ: عندما قابلت النساء يسوع، شعروا بالرغبة للسجود أمامه. قبل ساعة، ظنوا أن كل شيء قد ضاع لأنهم اعتقدوا أن يسوع قد مات. والآن عرفوا أنهم كسبوا كل شيء لأن يسوع حي.
- والجدير بالذكر أن يسوع قبل سجود وعبادة هؤلاء النسوة. لو لم يكن يسوع هو الله، لكان خاطئًا أن يقبل عبادتهم وسجودهم. ولكن لأنه الله، كان من الجيد ومناسب أن يقبل عبادتهم.
- لاَ تَخَافَا. اذْهَبَا قُولاَ لِإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي: قال يسوع للنساء أن يفعلوا نفس الشيء الذي أخبرهم به الملاك.
- لِإِخْوَتِي: “هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها ربنا تلاميذه بهذا الاسم المحبب: لا شك أنهم اعتقدوا أن ربهم سوف يوبخهم على جبنهم وخيانتهم الماضية؛ لكنه أكد لهم بهذه الكلمة الرقيقة أن كل ما حدث في الماضي دُفن إلى الأبد.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (١١-١٥): إخفاء القيامة بدأ برشوة الحراس.
١١وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. ١٢فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً ١٣قَائِلِينَ: «قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. ١٤وَإِذَا سُمِعَ ذلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ». ١٥فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
- قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ : تظهر محاولة التستر هذه شر هؤلاء الكهنة. لقد عرفوا حقيقة القيامة، لكنهم رفضوا تلك الحقيقة.
- فِضَّةً كَثِيرَةً: “في اليونانية حرفيًا تعني: ’أموال كافية‘ – لابد وأنها كانت كثيرة.” فرانس (France)
- وَنَحْنُ نِيَامٌ: يظهر التستر أيضًا حماقتهم. إذا كان صحيحًا أن الحراس كانوا نائمين، فلن يعلموا أن تَلاَمِيذَهُ هم الذين سرقوا جسد يسوع.
- لكي نصدق هذا، علينا أن نصدق:
- أن كل الجنود كانوا نيامًا – كلهم!
- أن كل الجنود انتهكوا القانون الصارم للجيش الروماني الذي يمنع النوم أثناء المراقبة، ويعاقب عليه بالإعدام.
- أن كل الجنود كانوا نيامًا بعمق بحيث لم يستيقظ أي منهم من العمل والجهد والضوضاء اللازمة لدحرجة الحجر وسرقة الجسم.
- أن كل الجنود كانوا نيامًا تمامًا – ومع ذلك عرفوا من هو الذي فعل ذلك.
- يعلق كلارك (Clarke) بحق: “هذه كلام مليء بالسخافات.”
- لكي نصدق هذا، علينا أن نصدق:
- فَشَاعَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ: على مر السنين، كانت هناك اعتراضات كثيرة على قيامة يسوع. فقال البعض إنه لم يمت على الإطلاق، لكنه تعرّض للإغماء على الصليب وتم إنعاشه في القبر. ويقول آخرون إنه مات بالفعل، لكن جسده سُرق. لا يزال البعض الآخر يشير إلى أنه مات حقًا، لكن أتباعه اليائسين ابتدأوا يهذون بقيامته. ولكن الفهم البسيط لهذه الأدلة على قيامة يسوع يجيب على كل هذه النظريات، ويظهر أنهم يحتاجون إلى إيمان أقوى بكثير ليؤمنوا بكل هذا مما تقوله رواية الكتاب المقدس.
- “أفترض، أيها الإخوة، أنه سيقوم أشخاص ويشككون بحقيقة وجود رجل مثل يوليوس قيصر أو نابليون بونابرت؛ وعندما يفعلون ذلك – عندما يقذفون بكل التاريخ الموثوق في مهب الرياح – عندها فقط سيبدأون في التساؤل عما إذا كان يسوع المسيح قام من بين الأموات أم لا، وهذا ما يثبته الكثير من الشهود أكثر من أي حقيقة أخرى مسجلة في التاريخ، سواء كانت مقدسة أم لا.” سبيرجن (Spurgeon)
- نغني أحيانًا: “أنت تسألني كيف أعرف أنه حي؛ إنه حي، لأنه يعيش داخل قلبي.” لكن هذه ليست أفضل طريقة لإثبات أن يسوع حي. إنه يعيش لأن الأدلة التاريخية تتطلب أن نؤمن بقيامة يسوع. فإذا استطعنا أن نصدق أي شيء في التاريخ ، فيمكننا أن نصدق الشهادة الموثوقة المؤكدة لهؤلاء الشهود. قام يسوع من بين الأموات.
ثانيًا. الإرسالية العظمى
أ ) الآيات (١٦-١٧): التلاميذ يقابلون يسوع في الجليل.
١٦وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ. ١٧وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا.
- أَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذاً فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ: لا يخبرنا البشير متى بظهور يسوع لتلاميذه في أورشليم كما يفعل يوحنا. كان متى أكثر اهتمامًا بإظهار أن وعد يسوع في إنجيل متى ٣٢:٢٦ قد تحقق.
- إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ: “مكان الاجتماع مألوف جدًا وترددوا عليه كثيرًا… لكن لم يذكر بالتحديد في الأناجيل.” بروس (Bruce)
- لَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ: لم يكن هذا أول لقاء لهم مع يسوع المُقام؛ لكنه كان لقاءً مهمًا. وفي هذا اللقاء، تلقوا إرساليتهم كرسل.
- سَجَدُوا لَهُ، وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا: رد الفعل الطبيعي على لقاء يسوع الُمقام هو العبادة والسجود، حتى لو اضطر البعض إلى التغلب على عدم اليقين والتردد – ربما شك البعض لأن هذا كان رائعًا جدًا لدرجة يصعب تصديقها، ولأنهم شعروا بالخزي لأنهم تخلوا عن يسوع أثناء آلامه.
- “عندما ميزوه، كان من الطبيعي أن يعبدوه، لكن التجربة برمتها كانت غامضة وساحرة لدرجة أن البعض شكوا… ولكن لا يدل الفعل على عدم إيمان مستمر، بل على حالة مؤقتة من عدم اليقين والتردد.” فرانس (France)
- “يرى دان (Dunn) أن إنجيل متى يذكر هذا الشك بأنه “صدى تاريخي حقيقي” – فالذين كانوا هناك لن ينسوا أبدًا العواطف والمعتقدات المتضاربة في تلك التجربة الفريدة.” فرانس (France)
- حقيقة أن بعض التلاميذ شكوا تناقض النظرية القائلة بأن رؤيتهم يسوع كانت مجرد هلوسة ولدت من رغبة يائسة لرؤيته.
ب) الآيات (١٨-٢٠): يسوع يرشد تلاميذه فيما يتعلق بواجبهم بعد صعوده.
١٨فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، ١٩فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. ٢٠وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.
- دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ: أعطيت هذه المهمة في ضوء سلطان يسوع. ويشير هذا إلى أنها وصية رسمية وليس مجرد اقتراح. إنها نفس الفكرة كما لو أن الضابط ذكّر شخصًا ما برتبته قبل أن يصدر الأمر. ولأنه يملك كُلُّ سُلْطَان، يمكنه أن يرسل من يشاء ليفعل ما يشاء.
- “هيمنت كلمتي ’كُلُّ وجَمِيعَ ‘ على الآيات في متى ١٨:٢٨-٢٠ وربطت هذه الآيات معًا: كُلُّ سُلْطَانٍ… جَمِيعَ الأُمَمِ… جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ… كُلَّ الأَيَّامِ…” كارسون (Carson)
- “السلطة في أيدي بعض الناس أمر خطير، لكن السلطة في يد المسيح بركة. آه، دعه يملك كل السلطة! دعه يفعل ما يشاء بها، لأنه لا يستطيع فعل أي شيء سوى ما هو صحيح وعادل وحق وصالح.” سبيرجن (Spurgeon)
- “نحن نؤمن بهذا السلطان، ونستريح فيه.” سبيرجن (Spurgeon)
- نحن لا نسعى إلى أي سلطان آخر.
- نحن نرفض كل سلطان آخر.
- نحن نعلم أن عجزنا لن يعوق تقدم ملكوته.
- نضع كل سلطاننا بين يديه.
- “إذا لم يكن يسوع المسيح مساوٍ للآب، فهل كان بإمكانه أن يدعي هذا السلطان دون أن يكون مذنبًا بالتجديف؟ بالتأكيد لا؛ بل هذا يؤكد، على أكمل وجه، ألوهيته ومساواته مع الآب من خلال المطالبة وامتلاك كل السلطان في السماء والأرض.” كلارك (Clarke)
- فَاذْهَبُوا: لأن يسوع لديه هذا السلطان، إذًا علينا أن نذهب. فسلطانه هو الذي يرسلنا، وسلطانه هو الذي يقودنا، وسلطانه هو الذي يمكننا. سوف يستمر عمله ورسالته إلى العالم من خلال تلاميذه.
- “بهذا تختتم هذه الآيات بشكل رائع القسم الأخير… لكنها توصل الإنجيل كله إلى خاتمة ديناميكية، والتي هي في الحقيقة مجرد بداية من النهاية.” فرانس (France)
- قال يسوع، “اذْهَبُوا” إلى التلاميذ غير الكاملين. “من سيذهب من هذه المجموعة الأولى من التلاميذ؟ إنه بطرس العنيد، ويوحنا الذي يرغب أحيانًا في أن تنزل نار من السماء لتدمير البشر، وفيلبس الذي كان مع المخلص لمدة طويلة، لكنه لم يعرفه بعد، وإنه توما الذي رفض أن يؤمن دون أن يضع إصبعه في جنبه. ومع ذلك، قال لهم السيد: ’دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا.‘ فأنت الشخص المناسب لتفعل مشيئتي مثل أي شخص آخر. أعلم أنه لا توجد قوة فيكم، ولكني أملك كل السلطان، فاذهبوا.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ: هدف الوصية هو التلمذة، وليس مجرد وجود تابعين أو مؤيدين للقضية. والفكرة وراء كلمة ’تَلْمِذُوا‘ هي تلمذة العلماء أو المتعلمين أو الطلاب.
- وكلمة ’تَلْمِذُوا‘ تذكرنا أن التلاميذ قد تتلمذوا. فلا يتم صنع التلاميذ تلقائيًا عند الإيمان؛ بل هم نتاج عملية تنطوي على المؤمنين الآخرين. فصنع التلاميذ هي القوة لنشر الإنجيل.
- جَمِيعَ الأُمَمِ: في خدمته السابقة، ركز السيد المسيح عن عمد على الشعب اليهودي (متى ٢٤:١٥) وأرسل تلاميذه سابقًا بنفس التركيز (متى ٦:١٠). وفي حالات استثنائية نادرة، خدم يسوع الأمم (متى ٢١:١٥-٢٨). والآن كل هذا في الماضي، وها هو يكلف التلاميذ بأخذ الإنجيل إلى جَمِيعَ الأُمَمِ. فلا يوجد مكان على الأرض حيث لا ينبغي أن يتم التبشير بإنجيل يسوع وحيث لا ينبغي صنع التلاميذ.
- “هدف تلاميذ يسوع، إذًا، هو صنع تلاميذ من جميع الناس في كل مكان، دون تمييز.” كارسون (Carson)
- “يأمرهم المسيح بالذهاب وتعميد الأمم: لكن كم من الوقت مضى قبل أن يفعلوا هذا! وعندما حان الوقت لبدء هذا العمل، لا يبدأه بطرس إلا بعد التحذير المسبق من السماء.” لايفوت (Lightfoot) مقتبس في كلارك (Clarke).
- وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ: وبشكل ملحوظ، نرى أنه عندما أمرهم يسوع بالذهاب إلى جَمِيعَ الأُمَمِ، لم يخبرهم أن يختن أولئك الذين أصبحوا تلاميذًا. بدلًا من ذلك، كان عليهم تعميدهم، مما يشير إلى الانفصال عن اليهودية التقليدية.
- “’بِاسْمِ‘ تعني حرفيًا ’في اسم‘ مما يعني ضمناً الدخول في علاقة من الالتزام التام.” فرانس (France)
- من المؤكد أن الكلمات والسياق يشيران إلى أن التلاميذ هم من يعمدون، والذين هم في السن الذين يمكن تعليمهم ويمكنهم حفظ ما أمر به يسوع.
- يجيب أولئك الذين يفضلون معمودية الأطفال، وإن كانوا غير مقنعين: “لا يعني هذا عدم تعميد الأطفال الذين يؤمنون، لأن الرسل أُمروا بتعميد جميع الأمم؛ والأطفال جزء كبير من أي أمة.” بوله (Poole)
- بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ: “اختبار الله في الأقانيم الثلاثة هي الأساس للتلمذة. وفي الوقت نفسه، يُبرز الاسم المفرد (وليس الأسماء) وحدة الأقانيم الثلاثة.” فرانس (France)
- وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ: التلاميذ يُصنعون من خلال التعليم. وهذا التعليم ليس بالكلمات فقط، ولكن بقوة حضور يسوع الدائم. وهو سيبقى مع شعبه حتى تنتهي مهمة صنع التلاميذ – إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ.
- “حتى الآن كان يسوع وحده هو المعلم، ولم يستخدم البشير متى هذا الفعل ليشير إلى خدمة التلاميذ. ولكن ها هم الآن يأخذون دورهم في التعليم.” فرانس (France)
- يجب أن يكون محتوى التعليم: جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. فأتباع يسوع مسؤولون عن تقديم مشورة الله الكاملة للتلاميذ الجدد.
- وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ: أرسل يسوع تلاميذه في مهمة لإنجازها، لكنه لم يرسلهم وحدهم. فكان وعد حضوره الدائم أكثر من كافٍ لتقوية وإرشاد التلاميذ وهم يطيعون وصية يسوع: تَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ.
- وجوده يعني امتياز، لأننا نعمل مع ملك عظيم. لقد فهم بولس هذا المبدأ جيدًا وعبر عنه في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ٩:٣، حين كتب: فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ. وبما أن يسوع وعد قائلًا: وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ، إذًا فنحن نعمل معه في كل خدمتنا. فنحن بالتأكيد نعمل من أجل يسوع، ولكن أكثر من ذلك، نحن نعمل مع يسوع.
- وجوده يعني الحماية، لأننا لسنا أبدًا بعيدين عن بصره أو إشرافه.
- وجوده يعني القوة، لأننا بينما تمم هذه الوصية العظيمة، فنحن نعمل باسمه.
- وجوده يعني السلام، لأنه يذكرنا دائمًا بأن الكنيسة مِلك ليسوع. إنها كنيسته وعمله. كيف، إذًا، يمكن أن تقلق؟
- “عندما يقول السيد المسيح، ’ها أنا معكم‘ يمكنك إضافة ما تريد؛ هو معك لحمايتك، ولتوجيهك ، ولراحتك، وليتمم عمل النعمة في حياتك، وفي نهاية المطاف إلى تتويجك في الخلود والمجد. فكل هذا وأكثر يتم تضمينه في هذا الوعد الثمين.” تراب (Trapp)