ميخا – الإصحاح ١
الدينونة الآتية على إسرائيل ويهوذا
أولًا. الدينونة الآتية على إسرائيل
أ ) الآية (١): مقدمة لنبوّة ميخا.
١قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي صَارَ إِلَى مِيخَا الْمُورَشْتِيِّ فِي أَيَّامِ يُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا، الَّذِي رَآهُ عَلَى السَّامِرَةِ وَأُورُشَلِيمَ.
١. مِيخَا الْمُورَشْتِيِّ: كانت مدينة مُورَشَة (وتُسمّى أيضًا مُورَشَةِ جَتَّ في ميخا ١: ١٤) تبعد حوالي ٢٥ ميلًا (٤٠ كيلومترًا) جنوب غربي أورشليم، على الحدود بين يهوذا والفلسطينيين. وهذا يعني أن النبي مِيخَا كان، مثل النبي عاموس، رجلًا من الريف أُرسل إلى المدن ليحمل قَوْلُ الرَّبِّ.
• نحن في الحقيقة لا نعرف شيئًا عن خلفية ميخا أو دعوته، ولكننا نعرف أنه كان واعيًا جدًا لدعوته النبويّة، كما قال هو في ميخا ٣: ٨.
٢. فِي أَيَّامِ يُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا: هذا يعني أن ميخا خدم كنبي في وقت ما بين سنة ٧٣٩ ق.م (بداية حُكم يُوثَام) و٦٨٦ ق.م (نهاية حُكم حَزَقِيَّا). وبما أن حزقيا كان مُصلحًا معروفًا، يُمكننا أن نفترض أن الخطية التي واجهها ميخا ترتبط أساسًا بالفترة التي سبقت الإصلاحات المهمة التي قام بها حزقيا (انظر ٢ ملوك ١٨-٢٠).
٣. الَّذِي رَآهُ عَلَى السَّامِرَةِ وَأُورُشَلِيمَ: كانت السَّامِرَة عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية، وَأُورُشَلِيم عاصمة مملكة يهوذا الجنوبية. وقد وجّه ميخا نبوّته إلى المملكتين، الشمالية والجنوبية.
• كان الملك آحَازَ خلال تلك الفترة هو من أشرّ الحُكّام في مملكة يهوذا. وفي مملكة إسرائيل، توالى عدد من الملوك الأشرار.
ب) الآيات (٢-٥): الرَّبُّ يأتي ليدين إسرائيل ويهوذا.
٢اِسْمَعُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ جَمِيعُكُمْ. أَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. وَلْيَكُنِ السَّيِّدُ الرَّبُّ شَاهِدًا عَلَيْكُمُ، السَّيِّدُ مِنْ هَيْكَلِ قُدْسِهِ. ٣فَإِنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ وَيَنْزِلُ وَيَمْشِي عَلَى شَوَامِخِ الأَرْضِ، ٤فَتَذُوبُ الْجِبَالُ تَحْتَهُ، وَتَنْشَقُّ الْوِدْيَانُ كَالشَّمْعِ قُدَّامَ النَّارِ. كَالْمَاءِ الْمُنْصَبِّ فِي مُنْحَدَرٍ. ٥كُلُّ هذَا مِنْ أَجْلِ إِثْمِ يَعْقُوبَ، وَمِنْ أَجْلِ خَطِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. مَا هُوَ ذَنْبُ يَعْقُوبَ؟ أَلَيْسَ هُوَ السَّامِرَةَ؟ وَمَا هِيَ مُرْتَفَعَاتُ يَهُوذَا؟ أَلَيْسَتْ هِيَ أُورُشَلِيمَ؟
١. الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ: في صور حيّة، رأى ميخا الرَّب نازلًا من السماء إلى الأرض، آتيًا بالدينونة. فإذا كانت الْجِبَالُ والْوِدْيَانُ لا تقوى على الوقوف أمامه، فأي رجاء إذًا للإنسان الخاطئ والمتمرّد؟
٢. كُلُّ هذَا مِنْ أَجْلِ إِثْمِ يَعْقُوبَ، وَمِنْ أَجْلِ خَطِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هذا النزول المهيب والقوي للرب كان فقط مِنْ أَجْلِ خَطِيَّةِ شعبه.
• من السهل أن نتخيّل أن شعب يهوذا وإسرائيل رأى في هذا ظلمًا، فقد نظروا إلى الأمم الوثنية من حولهم ورأوا أنهم أكثر فسادًا منهم. ومع ذلك، يبقى المبدأ ثابتًا: لأَنَّهُ الْوَقْتُ لِابْتِدَاءِ الْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ اللهِ (١ بطرس ٤: ١٧). لكن يحسن بنا أن نتذكّر أيضًا الجزء الثاني من الآية: وَإِنْ كَانَ أَوَّلًا مِنَّا، فَمَا هِيَ نِهَايَةُ الَّذِينَ لَا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ للهِ؟
ج) الآيات (٦-٧): السامرة تُترك خرابًا في الدينونة.
٦«فَأَجْعَلُ السَّامِرَةَ خَرِبَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، مَغَارِسَ لِلْكُرُومِ، وَأُلْقِي حِجَارَتَهَا إِلَى الْوَادِي، وَأَكْشِفُ أُسُسَهَا. ٧وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِهَا الْمَنْحُوتَةِ تُحَطَّمُ، وَكُلُّ أَعْقَارِهَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ، وَجَمِيعُ أَصْنَامِهَا أَجْعَلُهَا خَرَابًا، لأَنَّهَا مِنْ عُقْرِ الزَّانِيَةِ جَمَعَتْهَا وَإِلَى عُقْرِ الزَّانِيَةِ تَعُودُ»
١. فَأَجْعَلُ السَّامِرَةَ خَرِبَةً فِي الْبَرِّيَّةِ: تنبأ ميخا بالدينونة الآتية على السَّامِرَةَ، عاصمة إسرائيل، مملكة الأسباط العشرة الشمالية، وقد تحققت هذه النبوة سنة ٧٢٢ ق.م. عندما سقطت السامرة في يد الأشوريين ودُمِّرت بالكامل.
٢. وَكُلُّ أَعْقَارِهَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ: مزج ميخا بين مفهومي عبادة الأصنام والزنى الروحي. فالأموال التي أُنفِقت على الأصنام وعبادتها ستُفقَد حين يُدمِّر جيش الأشوريين الجبّار السامرة.
• “كانت التماثيل الذهبية، ذات القيمة المادية العالية، لكنها عديمة القيمة روحيًا وسياسيًا، صُنعت من أجور عاهرات المعابد. سيقوم الغزاة بتحطيمها واستخدام المال لتكرار الدورة ذاتها. إنه قلب الإنسان الفاسد فقط هو الذي يمكنه أن يعبد آلهة كهذه!» والتكي (Waltke)
ثانيًا. الدينونة القادمة على يهوذا
أ ) الآيات (٨-٩): أَلم النُطق بالدينونة على مملكة يهوذا.
٨مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَنُوحُ وَأُوَلْوِلُ. أَمْشِي حَافِيًا وَعُرْيَانًا. أَصْنَعُ نَحِيبًا كَبَنَاتِ آوَى، وَنَوْحًا كَرِعَالِ النَّعَامِ. ٩لأَنَّ جِرَاحَاتِهَا عَدِيمَةُ الشِّفَاءِ، لأَنَّهَا قَدْ أَتَتْ إِلَى يَهُوذَا، وَصَلَتْ إِلَى بَابِ شَعْبِي إِلَى أُورُشَلِيمَ.
١. أَنُوحُ وَأُوَلْوِلُ: لم يستطع ميخا أن يتنبأ بطريقة باردة أو غير مبالية. فعندما رأى الدينونة قادمة على شعبه، صار يَنُوح ويُوَلْوِل كَبَنَاتِ آوَى.
• لم يكن ميخا يعلن الدينونة ثم يتثاءب. لقد كان يهتم بشدة حتى أنه بكى مع شعب الله. فواجب الواعظ لا يقتصر على إعلان الدينونة ثم الانصراف. عليه أن يهتم. “كثيرون رفضوا كلام ومنطق المؤمن، لكنهم انجذبوا إلى دموعه ومشاعره الصادقة.” بويس (Boice)
٢. لأَنَّ جِرَاحَاتِهَا عَدِيمَةُ الشِّفَاءِ: إن جِرَاحَاتِنَا الوحيدة التي لا شفاء لها هي تلك التي نرفض أن نأتي بها لله. فعنده كل شيء مستطاع (لوقا ١٨: ٢٧)، ولكن عندما نرفض أن نعترف بخطايانا أمامه، حينها تكون جِرَاحَاتِنَا عَدِيمَةُ الشِّفَاءِ.
ب) الآيات (١٠-١٦): عار دينونة يهوذا واضح بين الأمم.
١٠لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ، لاَ تَبْكُوا فِي عَكَّاءَ. تَمَرَّغِي فِي التُّرَابِ فِي بَيْتِ عَفْرَةَ. ١١اُعْبُرِي يَا سَاكِنَةَ شَافِيرَ عُرْيَانَةً وَخَجِلَةً. السَّاكِنَةُ فِي صَانَانَ لاَ تَخْرُجُ. نَوْحُ بَيْتِ هَأَيْصِلَ يَأْخُذُ عِنْدَكُمْ مَقَامَهُ، ١٢لأَنَّ السَّاكِنَةَ فِي مَارُوثَ اغْتَمَّتْ لأَجْلِ خَيْرَاتِهَا، لأَنَّ شَرًّا قَدْ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلَى بَابِ أُورُشَلِيمَ. ١٣شُدِّي الْمَرْكَبَةَ بِالْجَوَادِ يَا سَاكِنَةَ لاَخِيشَ، هِيَ أَوَّلُ خَطِيَّةٍ لابْنَةِ صِهْيَوْنَ، لأَنَّهُ فِيكِ وُجِدَتْ ذُنُوبُ إِسْرَائِيلَ. ١٤لِذلِكَ تُعْطِينَ إِطْلاَقًا لِمُورَشَةِ جَتَّ. تَصِيرُ بُيُوتُ أَكْزِيبَ كَاذِبَةً لِمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. ١٥آتِي إِلَيْكِ أَيْضًا بِالْوَارِثِ يَا سَاكِنَةَ مَرِيشَةَ. يَأْتِي إِلَى عَدُلاَّمَ مَجْدُ إِسْرَائِيلَ. ١٦كُونِي قَرْعَاءَ وَجُزِّي مِنْ أَجْلِ بَنِي تَنَعُّمِكِ. وَسِّعِي قَرْعَتَكِ كَالنَّسْرِ، لأَنَّهُمْ قَدِ انْتَفَوْا عَنْكِ.
١. لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ: كانت مدينة جَتّ تابعة للفلسطينيين، وكان من المؤلم لميخا أن يتخيّل فرح الفلسطينيين بألم شعب الله.
٢. تَمَرَّغِي فِي التُّرَابِ فِي بَيْتِ عَفْرَةَ: واصل ميخا حتى نهاية الإصحاح استخدام التلاعب بالألفاظ والجناس للإشارة إلى الدينونة القادمة على مدن يهوذا. كانت تلك المدن متجمّعة في منطقة الشفيلاه (أو الشفيلة، أو السُفُوح) – أي المناطق المنخفضة (السهول) الواقعة بين الساحل وجبال يهوذا.
• مع أن ميخا استخدم أسلوب التلاعب بالألفاظ، إلا أن الأمر لم يكن مجرد ألعاب لغوية ذكية – بل كان يرتكز على الفكرة القديمة القائلة بأن الاسم لا يُستخدم فقط كتعريف للشخص، بل يعكس أيضًا طبيعته ومصيره، أحيانًا بشكل نبوي. ومن خلال إظهار كيف أن أسماء تلك المدن تنبأت بمصيرها بطريقة ما، بيَّن ميخا أن شخصيتنا تشكّل مستقبلنا.
٣. بَيْتِ عَفْرَةَ: بالنسبة لميخا، بدا أن الاسم ’عَفْرَةَ‘ يُشبه في نُطْقِه الكلمة العبرية ’تُراب،‘ فدعا سُكان بَيْتِ عَفْرَةَ أن يتذلّلوا بالتراب ترقّبًا للدينونة القادمة.
٤. شَافِيرَ: اسم هذه البلدة يُشبه في نُطْقِه الكلمة العبرية التي تعني ’جميلة.‘ لكنها لن تبقى جميلة طويلًا، ووجّه ميخا تحذيرًا لأهل شَافِيرَ بأن يستعدوا للدينونة.
٥. صَانَانَ: كان اسم هذه البلدة يُشبه في نُطْقِه الكلمة العبرية التي تعني الخُرُوج أو المغادرة. فحين يأتي جيش الحصار لن يتمكن الشعب اليهودي أبدًا من مغادرة البلدة، بل سيُحبَسون داخلها حتى تسقط.
٦. بَيْتِ هَأَيْصِلَ: اسم هذه البلدة يعني المدينة القريبة. وعند مجيء جيش الدينونة، لن تكون قريبة ولا عَونًا لأي بلدة أخرى.
٧. مَارُوثَ: اسم هذه البلدة يعني مرارة، وعند مجيء جيش الدينونة، سيختبر أهل مَارُوثَ مرارة شديدة.
٨. لاَخِيشَ: إن اسم هذه البلدة يُشبه في نُطْقِه الكلمة العبرية التي تعني إلى الخيل. كانت لاَخِيشَ حصنًا مهمًا، وكان على شعبها أن يذهب إلى الخيل للقتال، لكن من المفارقة أنهم سيذهبون إلى الخيل [لاَخِيشَ] للفرار من جيش الدينونة.
٩. مُورَشَةِ: كان اسم هذا المكان، مسقط رأس ميخا، يُشبه في نُطْقِه الكلمة العبرية التي تعني مخطوبة. وهنا يتكلّم عن تقديم هدايا زواج للمدينة، إذ تنتقل من سيادة «زوج» (يهوذا) إلى آخر (الجيش الغازي).
١٠. أَكْزِيبَ: اسم هذه البلدة يُشبه الكلمة العبرية التي تعني خادع أو مُخيّب للآمال. ستسقط هذه البلدة سريعًا، وسيكون سقوطها خداعًا وخيبة أمل لإسرائيل.
١١. مَرِيشَةَ: يرتبط اسم هذه البلدة بالكلمة العبرية التي تعني مالك أو وارث. وسرعان ما سيملكها الجيش الغازي.
١٢. عَدُلاَّمَ: كان هذا المكان هو ملجأ داود عندما هرب من الملك شاول. وسيكون مرة أخرى ملجأ للعظماء والأقوياء من إسرائيل، عندما يُجبَرون على الاختباء في عَدُلَّام.