ميخا – الإصحاح ٤
الرَّبُّ يملك على صِهيَون المُستَردَّة
أولًا. طبيعة صِهيَون المُستَردَّة
أ ) الآيات (١-٣): صِهيَون هي مركز الأرض المُجَدّدة.
١وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ شُعُوبٌ. ٢وَتَسِيرُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، وَإِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ، وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. ٣فَيَقْضِي بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ. يُنْصِفُ لأُمَمٍ قَوِيَّةٍ بَعِيدَةٍ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا، وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ.
١. جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ… يَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ: هذا يتكلّم عن تمجيد أورشليم، مدينة صهيون، في استرداد الرب النهائي. وسوف يتحقق هذا في المُلك الألفي، حين تَجْرِي شُعُوبٌ إِلَى أورشليم المُستَردَّة والمفديّة كعاصمة الأرض في المُلك الألفي «لِأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْن تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ».
• إن الآيات التي في ميخا ٤: ١-٣ تتكرر في إشعياء ٢: ١-٣. ولأن إشعياء وميخا كانا نبيّين معاصرين، فلا عجب أن يكون روح الرب قد أعطى هذين النبيين نفس الكلمة، ليؤكّد كلمته ويثبّتها.
• إن التحوُّل المجيد لجبل الرب يَبدو رائعًا على نحو خاص إذا ما قورن بما فعله شعب الله الخاطئ بالجبل: لِذلِكَ بِسَبَبِكُمْ تُفْلَحُ صِهْيَوْنَ كَحَقْل، وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا، وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ (ميخا ٣: ١٢).
٢. فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ: ببصيرة نبوية، رأى ميخا العالم يتدفق نحو أورشليم ليلتقي بالرب الإله ويعرفه معرفة أعمق.
٣. فَيَقْضِي بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ: في زمن مُلك المسيّا، لن تكون هناك حروب فيما بعد. ستبقى هناك نزاعات بين الأمم والأفراد، لكنها ستُحل بالعدل والحسم على يد المسيّا والذين يملكون معه (فَيَقْضِي بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ، يُنْصِفُ لأُمَمٍ قَوِيَّةٍ).
• ليس مُلك المسيّا بحدّ ذاته هو الذي سيُغيّر قلب الإنسان. فسكان الأرض سيظلون في حاجة إلى أن يؤمنوا بيسوع وعمله لأجلهم من أجل خلاصهم الشخصي خلال فترة المُلك الألفي. لكن الحرب والنزاع المُسَلّح لن يكونا مقبولَين.
٤. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ: من المهم أن نُدرك أن هذا السلام ليس سلام الاستسلام، بل هو سلام ناتج عن البرّ المفروض. فلن تكون هناك حروب بعد، ولا حاجة بعد للسِيْوف – لذا من المنطقي تحويلها إلى سِكَكًا للحراثة. لن يكون هناك حروب بعد، لأن حاكمًا جديدًا سيكون على الأرض، هو يسوع المسيح.
• يُخبِرُنا مزمور ٢: ٩ بما سيفعله المسيَّا بالعُصاة في ذلك اليوم: تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ.
• نتوق إلى اليوم الذي لا نحتاج فيه لميزانية عسكرية؛ زمن تتحوّل فيه الأموال المُخصّصة للأسلحة والجيوش إلى المدارس والحدائق. لكن ذلك لن يتحقق إلا عندما يملك المسيّا في وسطنا!
٥. وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ: في عام ١٩٤١، ألقى فرانكلين روزفلت خطابًا شهيرًا عن أربع أنواع من الحُرِّيات: حرية التعبير، حرية العبادة، التحرُّر من العوز، التحرُّر من الخوف. ويصف ميخا ٤: ١-٥ أربع حُرِّيات:
• التحرُّر من الجهل (فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ).
• التحرُّر من الحرب (لَا يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ).
• التحرُّر من العوز (يَجْلِسُونَ كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ).
• التحرُّر من الخوف (لاَ يَكُونُ مَنْ يُرْعِبُ).
ب) الآيات (٤-٥): الشعب المُبارَك في صِهيَون المُستَرَدة.
٤بَلْ يَجْلِسُونَ كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ، وَلاَ يَكُونُ مَنْ يُرْعِبُ، لأَنَّ فَمَ رَبِّ الْجُنُودِ تَكَلَّمَ. ٥لأَنَّ جَمِيعَ الشُّعُوبِ يَسْلُكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمِ إِلهِهِ، وَنَحْنُ نَسْلُكُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِنَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.
١. يَجْلِسُونَ كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ: هذا تعبير يُضرب به المثل ويعني الازدهار والسلام (١ ملوك ٤: ٢٥، ٢ ملوك ١٨: ٣١).
٢. وَنَحْنُ نَسْلُكُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِنَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ: في المُلك الألفي، لن يُجبَر سكان الأرض على اتباع الرب. سيَسْلُك كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمِ إِلهِهِ، وأما الذين يَسْلُكُونَ بِاسْمِ الرَّبِّ فسينعمون ببركة عظيمة وسلام.
ج) الآيات (٦-٨): تَجْمِيع صِهيَون المُستَردَّة.
٦«فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْمَعُ الظَّالِعَةَ، وَأَضُمُّ الْمَطْرُودَةَ، وَالَّتِي أَضْرَرْتُ بِهَا ٧وَأَجْعَلُ الظَّالِعَةَ بَقِيَّةً، وَالْمُقْصَاةَ أُمَّةً قَوِيَّةً، وَيَمْلِكُ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. ٨وَأَنْتَ يَا بُرْجَ الْقَطِيعِ، أَكَمَةَ بِنْتِ صِهْيَوْنَ إِلَيْكِ يَأْتِي. وَيَجِيءُ الْحُكْمُ الأَوَّلُ مُلْكُ بِنْتِ أُورُشَلِيمَ».
١. وَأَجْعَلُ الظَّالِعَةَ بَقِيَّةً، وَالْمُقْصَاةَ أُمَّةً قَوِيَّةً: لن يكون استرداد الله فقط للأقوياء، بل أيضًا للضعفاء والمحرومين. فهؤلاء على وجه الخصوص سيختبرون بركة استرداده.
٢. إِلَيْكِ يَأْتِي: لعل هذه الوعود المجيدة بدت رائعة جدًا، حتى ظنّ إسرائيل أنها أقرب إلى الخيال من الحقيقة. لذلك أكّدها الله لهم بقَسَمٍ، قائلًا: إِلَيْكِ يَأْتِي.
ثانيًا. مولد صِهيَون المُستَردَّة
أ ) الآيات (٩-١٠): الألم الذي يسبق استرداد صِهيَون.
٩اَلآنَ لِمَاذَا تَصْرُخِينَ صُرَاخًا؟ أَلَيْسَ فِيكِ مَلِكٌ، أَمْ هَلَكَ مُشِيرُكِ حَتَّى أَخَذَكِ وَجَعٌ كَالْوَالِدَةِ؟ ١٠تَلَوَّيِ، ادْفَعِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ كَالْوَالِدَةِ، لأَنَّكِ الآنَ تَخْرُجِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَتَسْكُنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَتَأْتِينَ إِلَى بَابِلَ. هُنَاكَ تُنْقَذِينَ. هُنَاكَ يَفْدِيكِ الرَّبُّ مِنْ يَدِ أَعْدَائِكِ.
١. حَتَّى أَخَذَكِ وَجَعٌ كَالْوَالِدَةِ: بعد أن وصف مجد صِهيَون المُستَردَّة، أخبرهم ميخا ببعض الآلام التي سيجتازونها قبل أن يتحقّق ذلك. وجزء من الألم سيكون غياب القيادة (أَلَيْسَ فِيكِ مَلِكٌ… هَلَكَ مُشِيرُكِ).
٢. تَأْتِينَ إِلَى بَابِلَ. هُنَاكَ تُنْقَذِينَ: كما هو شائع في كلام الأنبياء، جمع ميخا بين وعود تتحقّق في عصور مختلفة من عمل الله. فبعد أن تحدّث عن الأرض في زمن المُلك الألفي، انتقل الآن ليتكلّم عن خلاص إسرائيل من السبي البابلي.
ب) الآيات (١١-١٣): قوة صِهيَون المُستَردَّة بين الأمم.
١١وَالآنَ قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْكِ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: «لِتَتَدَنَّسْ وَلْتَتَفَرَّسْ عُيُونُنَا فِي صِهْيَوْنَ». ١٢وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ أَفْكَارَ الرَّبِّ وَلاَ يَفْهَمُونَ قَصْدَهُ، إِنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمْ كَحُزَمٍ إِلَى الْبَيْدَرِ. ١٣«قُومِي وَدُوسِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ، لأَنِّي أَجْعَلُ قَرْنَكِ حَدِيدًا، وَأَظْلاَفَكِ أَجْعَلُهَا نُحَاسًا، فَتَسْحَقِينَ شُعُوبًا كَثِيرِينَ، وَأُحَرِّمُ غَنِيمَتَهُمْ لِلرَّبِّ، وَثَرْوَتَهُمْ لِسَيِّدِ كُلِّ الأَرْضِ»
١. قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْكِ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ: مع أن الأمم كانت مُجتمعة ضد إسرائيل، كان الرب معهم (هُمْ لاَ يَعْرِفُونَ أَفْكَارَ الرَّبِّ). سيتعامل الرب مع أعداء إسرائيل بسهولة كما يتعامل الفلاح مع حُزَم القمح في الْبَيْدَرِ.
٢. لأَنِّي أَجْعَلُ قَرْنَكِ حَدِيدًا: حين يستردّ الرب صِهيَون، سيستردّها بقوّة، كثور ذي قرن حَدِيدي. ويتحقّق هذا الوعد بكماله في المُلك الألفي، حين تُرفَع إسرائيل لتكون قوّة عُظمى بين الأمم.
• “الثور الذي يجرّ مِدْراس البيدر يُمثّل شعب الله. وقد زُوّد بقوة فائقة بقرون من حديد، رمزًا لقوته التي لا تُقهر، وَحَوَافِرَ مِن نُحَاسٍ، يدوسُ بها كبرياء العدو وغروره حتى يصير ناعمًا جدًّا.” والتكي (Waltke)