سفر نحميا – الإصحاح ٢
مُهِمّة نَحَمْيَا
أولًا. نحميا سَاقِي الملك
أ ) الآيات (١-٢): نحميا يقف أمام الملك.
١وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ، كَانَتْ خَمْرٌ أَمَامَهُ، فَحَمَلْتُ الْخَمْرَ وَأَعْطَيْتُ الْمَلِكَ. وَلَمْ أَكُنْ قَبْلُ مُكْمَدًا أَمَامَهُ. ٢فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: «لِمَاذَا وَجْهُكَ مُكْمَدٌّ وَأَنْتَ غَيْرُ مَرِيضٍ؟ مَا هذَا إِلاَّ كآبَةَ قَلْبٍ!». فَخِفْتُ كَثِيرًا جِدًّا،
١. فَحَمَلْتُ الْخَمْرَ وَأَعْطَيْتُ الْمَلِكَ: تخبرنا آخر آية في الإصحاح الأول من السِفر أن نحميا كان سَاقِيًا لِلْمَلِكِ – وكان هذا يُعد منصبًا هامًا في أي قصر ملكي قديم حيث يُعتبر الساقي حارسًا شخصيًا للملك، لأنه كان يتذوق الخمر والطعام قبل أن يتناوله الملك – لضمان عدم تسميم الملك.
• “كان ساقي الملك مسؤولًا رفيع المستوى في القصر، وكانت مهمته الأساسية تتمثل في اختيار وتذوق الخمر للتأكيد أنها غير مسممة، وتقديمها للملك، فكان يتمتع بإمكانية الوصول المتكرر للملك مما يجعله رجلًا ذا نفوذ.” كيدنر (Kidner)
• كان على ساقي الملك أن يكون مُخلصًا تمامًا ويتمتع بصفات مميزة ليثق به الملك بشكل كبير. وإن تمكن أحدهم من زعزعة ولاء ساقي الملك، فإن عملية اغتيال الملك ستكون سهلًا للغاية.
• كان ساقي الملك أيضًا خادمًا للملك؛ وكان مسؤولًا عن اختيار معظم الأطعمة والخمور التي يستمتع بها الملك والبلاط.
• كان ساقي الملك أيضًا مستشارًا محل ثقة الملك. فنظرًا لوجوده المستمر مع الملك، وثقته الكبيرة به، ولكونه رجلًا مميزًا، فمن الطبيعي أن يطلب الملك رأيه في مختلف القضايا التي تُعرض عليه.
٢. وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ: هنا نجد أنه التنويه إلى اليوم المحدد الذي بدأت فيه أحداث الإصحاح الثاني من سفر نحميا، وهو اليوم الذي قدم فيه نحميا الخمر للملك.
• لماذا كان من المهم لله أن يخبرنا بالتاريخ الذي حدثت فيه هذه الأمور؟ أولًا، لإظهار أن نحميا صلّى وانتظر لمدة أربعة أشهر بهذا القلب الذي تم وصفه سابقًا في الإصحاح الأول. فخلال تلك الأربعة أشهر، كانت صلاة نحميا على الأرجح “يا رب، إما أن تزيل هذا الثِقل من على قلبي، أو تُظهر لي كيف أكون الرجل الذي يحمل هذا الحِمل.”
• كما أن التنويه للتاريخ مهم جدًا أيضًا لأنه يحدد التاريخ المُعطى لإعادة بناء أورشليم وأسوارها. يقول دانيال ٩: ٢٥ أنه بعد ١٧٣,٨٨٠ يومًا بالضبط من هذا اليوم – الذي كان سيوافق ١٤ مارس ٤٤٥ ق.م – سيُقَدم المسيح الرئيس إلى إسرائيل. يقدم السير روبرت أندرسون، عالم الفلك والرياضيات البريطاني البارز، حجة قوية بأن يسوع قد حقق هذه النبوءة بالضبط، في اليوم المحدد، عند دخوله إلى أورشليم في ٦ أبريل ٣٢ م. أي ١٧٣,٨٨٠ يومًا بالضبط من التاريخ المذكور بنحميا ٢: ١.
٣. وَلَمْ أَكُنْ قَبْلُ مُكْمَدًا أَمَامَهُ: في ذلك اليوم بالذات، أدرك نحميا أنه لم يحدث أنه كان حزينًا أو مكتئبًا من قبل في حضرة الملك. ولكن في ذلك اليوم عندما لاحظ الملك حزن إرميا، فخِافْ نحميا كَثِيرًا جِدًّا. وكما كان الحال في قصور العديد من الملوك القدامى، كان أيضًا من المحظور أن يكون المرء حزينًا في حضور الملك. لقد كان هذا الفكر مؤسس على أن الملك شخصًا رائعًا للحد الذي يُفترض فيه أن مجرد تواجدك في حضوره يجعلك تنسى جميع مشاكلك. ولهذا السبب فعندما بدا نحميا حزينًا، كان يمكن اعتبار ذلك إهانة فظيعة للملك.
• عندما قال الملك “مَا هذَا إِلاَّ كآبَةَ قَلْبٍ!” عرف نحميا أن الملك قد لاحظ حزنه، وأن الملك أخذ هذا الأمر على محمل الجد. ربما تساءل نحميا في قلبه إن كانت الكلمات التالية التي سيتفوه بها الملك ستكون: “اقطعوا رأسه!”
• كان نحميا خائفًا أيضًا لأنه كان يعلم أنه سيطلب من الملك شيئًا مهمًا للغاية. وأن كثير من الأمور ستترتب بناء على رد الملك على هذا الطلب.
• فهِم نحميا أن تغيير قلب الملك ليس دوره هو. لقد صلى وترك الأمر للرب بدلًا من إعطاء تلميحات ومحاولة التلاعب بالوضع واستغلاله. وفي يوم ما، بعد أربعة أشهر، تغيير قلب الملك. فهل نحن ننزلق في هذا الخطأ محاولين تغيير قلب شخص آخر، بدلًا من ترك الأمر للرب ليقوم به؟
ب) الآية (٣): رد نحميا.
٣وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: «لِيَحْيَ الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. كَيْفَ لاَ يَكْمَدُّ وَجْهِي وَالْمَدِينَةُ بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي خَرَابٌ، وَأَبْوَابُهَا قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ؟»
١. لِيَحْيَ الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ: ربما قال نحميا هذه الكلمات مرات عديدة من قبل. وربما كان هذا شعارًا شائعًا بين حاملي الكأس المحترفين؛ وبما إنهم كانوا يتذوقون الخمر والطعام قبل الملك، فمن الطبيعي أن يتمنوا للملك حياة طويلة طيبة.
٢. الْمَدِينَةُ بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي خَرَابٌ، وَأَبْوَابُهَا قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ: بهذا الرد، شرح نحميا سبب حُزنه. فقد كانت أورشليم مدينة مُدَمرة ومُهَانة.
• لم يكن على أحد أن يخبر الملك بأن الوضع الحالي للمدينة كان مشينًا، ولهذا السبب تعاطف الملك على الفور مع قلق نحميا على كرامة وأمان ورفاهية شعبه.
• يمكننا أن نرى أيضًا لباقة وحكمة نحميا الكبيرين في عدم ذكره لأسم المدينة بالتحديد. ذلك لأنه كان من الممكن أن يربط الملك تلقائيًا اسم “أورشليم” بذكريات سيئة، حيث أنها المدينة التي كانت قد تمردت ضد مملكة فارس وقاومت حُكمهم. لكن بفضل لطف الله وحكمة نحميا، كسب تعاطف الملك قبل أن يكشف عن اسم المدينة التي كان قلقًا بشأنها.
٣. كَيْفَ لاَ يَكْمَدُّ وَجْهِي: لم يكن جواب نحميا حكيمًا فحسب، بل كان أيضًا صادقًا. كثيرًا ما نكون في حالة اكتئاب واضحة أو مضطربين، وعندما يسألنا شخص عن حالنا، نرد ببساطة “الكل على ما يرام” أو “أنا بخير.” وفي تلك الأوقات، نحن لا نكون صادقين.
• يشعر الكثير من الناس بالانزعاج من هذه المعضلة. فعندما يسأل أحدهم عن أحوال شخص ما من باب الأدب فقط، يشعر الشخص المتألم أنه لا يريد أن يكون شاكيًا ومملًا للمُحطين به بسبب مشاكله. ومن ناحية أخرى، نحن نعلم القيمة الرائعة التي يمكن أن تكمن في مشاركة همومنا مع شخص آخر يمكنه أن يصلّي معنا وربما يشاركنا ببعض الحكمة من الكتاب المقدس.
• إحدى الطرق للعيش بهذا النوع من الصدق هي تكوين علاقات مع أشخاص نعرفهم ونثق بهم ومشاركتهم في صراعاتنا واحتياجاتنا. ولكن إذا لم نعرف شخصًا جيدًا بما يكفي لنشعر بالثقة في مشاركة أمور تخص حياتنا الشخصية معه، فيمكننا أن نطلب منهم الصلاة لنا بشكل عام. ليس من الضروري معرفة كل التفاصيل لكي يصلي أحد لأجل شخص آخر، فالله يعرف كل التفاصيل. وفي ذات الوقت، عندما يسأل شخص ما إذا كنا مضطربين، يمكننا أن نكون أيضًا منفتحين على فكرة أن هذا الشخص هو عطية الله الخاصة لنا في هذا الوقت.
• ومع ذلك، يجب علينا تجنب نوعان من الفخاخ. أولًا، علينا أن نتجنب “التسوّق” للحصول على نصيحة، بمعنى: سؤال العديد من الأشخاص، وإخبارهم جميعًا بمشاكلنا حتى نجد النصيحة التي نريدها. ثانيًا، يجب أن نكون حذرين بشكل خاص من التحدث مع الآخرين بطريقة تلقي بالمشكلة على عاتق أشخاص آخرين غير موجودين للدفاع عن أنفسهم وعرض وجهة نظرهم في الأمر. لم يقل نحميا للملك، “أنا حزين لأن أولئك العاجزين في أورشليم كان لديهم ١٠٠ عام لبناء الأسوار ولم يفعلوا شيئًا. إنهم مجموعة من الأشخاص القساة، غير المبالين، والعديمين القيمة.” وصف نحميا المشكلة دون إلقاء اللوم على أي شخص آخر. وعندما نفشل في فعل ما فعله نحميا، فهناك كلمة تعبّر عما نقوم به وهي: النميمة.
• عندما نكون نحن الشخص الذي يطلب منه الآخرون الصلاة أو يأتون إلينا للحصول على المساعدة، يكون من المفيد الحذر من تجربة الرغبة في معرفة كل تفصيل عن المشكلة. بالطبع، سماع تفاصيل مشاكل الآخرين أمر مثير للاهتمام، ولكن ليس من الضروري معرفة كل النقاط الدقيقة، فصلاتنا لا تزال ذات قيمة حتى لو لم نعرف كل التفاصيل. وعدم معرفتنا بالتفاصيل لا يجعلنا أقل قدرة على قيادتهم إلى يسوع لنوال رعايته الحانية. هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى مناقشة أكثر من غيرها. ولكننا قد نريد أحيانًا من الشخص الآخر مناقشتها أكثر من أجلنا نحن وليس من أجلهم هم.
ج) الآيات (٤-٨) طلب نحميا.
٤فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: «مَاذَا طَالِبٌ أَنْتَ؟» فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلهِ السَّمَاءِ، ٥وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: «إِذَا سُرَّ الْمَلِكُ، وَإِذَا أَحْسَنَ عَبْدُكَ أَمَامَكَ، تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا، إِلَى مَدِينَةِ قُبُورِ آبَائِي فَأَبْنِيهَا». ٦فَقَالَ لِي الْمَلِكُ، وَالْمَلِكَةُ جَالِسَةٌ بِجَانِبِهِ: «إِلَى مَتَى يَكُونُ سَفَرُكَ، وَمَتَى تَرْجعُ؟» فَحَسُنَ لَدَى الْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي، فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَانًا. ٧وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: «إِنْ حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ فَلْتُعْطَ لِي رَسَائِلُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ لِكَيْ يُجِيزُونِي حَتَّى أَصِلَ إِلَى يَهُوذَا، ٨وَرِسَالَةٌ إِلَى آسَافَ حَارِسِ فِرْدَوْسِ الْمَلِكِ لِكَيْ يُعْطِيَنِي أَخْشَابًا لِسَقْفِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ الَّذِي لِلْبَيْتِ، وَلِسُورِ الْمَدِينَةِ، وَلِلْبَيْتِ الَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْهِ». فَأَعْطَانِي الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ.
١. مَاذَا طَالِبٌ أَنْتَ؟ على الفور، عرف نحميا أن الله قد منحه نعمة في عيني الملك. لم يكن رد الملك “اقطعوا رأسه!” بل كان “ماذا يمكنني أن أفعل لمساعدتك؟” عرف نحميا في الحال أن الله قد استجاب لصلاته التي دامت أربعة أشهر.
٢. فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلهِ السَّمَاءِ: وعلى الرغم من أن نحميا علم أن الرب قد استجاب لصلاته، إلا أنه صلى مرة أخرى. ولم تكن هذه صلاة طويلة ممتدة لوقت طويل (لم يكن ليقول، “حسنًا أيها ملك، دعني أصلي حول ذلك لعدة أيام ثم أعود إليك”). لكن بدلًا من ذلك، كانت هذه صلاة فورية صامتة “ساعدني يا رب.” عرف نحميا أن هذه كانت فرصة لا تُصدق، ولم يرغب في تفويتها.
• من الرائع أن نتعب بجد في الصلاة، لكن الصلاة لا تحتاج أن تكون طويلة لكي تكون فعاّلة. وطريقة نحميا في الصلاة هنا هي أمر صحيح بشكل خاص عندما لا يسمح الموقف بصلاة طويلة.
٣. تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا: أظهر نحميا مرة أخرى حكمة عظيمة حيث طلب بأدب إجازة وأن يُسمح له بالمغادرة (تُرْسِلُنِي). لقد طلب من الملك أن يشاركه قلقه على أورشليم وأن يصبح شريكًا في إعادة المدينة وشعبها إلى مكانهم الصحيح.
• هنا تم الكشف عن رؤية نحميا: فَأَبْنِيهَا. كان ذلك عملًا ضخمًا وهدفًا كبيرًا. لم يكن نحميا ذاهبًا في رحلة لمجرد جمع معلومات أو لتقصي الحقائق، أو ببساطة ليُخبر قادة أورشليم بمدى سوء عملهم. لكنه ذهب لإنجاز العمل، متوكلًا على الله تمامًا.
• مرة أخرى، يُظهر نحميا حكمة من خلال الإشارة إلى أورشليم دون ذِكر المدينة بالتحديد (تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا، إِلَى مَدِينَةِ قُبُورِ آبَائِي فَأَبْنِيهَا). وعلى الرغم من ذلك، يمكننا القول أيضًا أن نحميا لم يكن مخادعًا. فبالرغم من أن أورشليم كانت تاريخيًا مدينة قد تمردت على بلاد فارس، إلا أنها لم تعد كذلك – ولن تكون فيما بعد.
٤. فَحَسُنَ لَدَى الْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي: لقد استجاب الرب بشكل إيجابي لقلب نحميا المتعاطف، وللشهور التي قضاها في الصلاة، وللصلوات السهمية السريعة التي رفعها، ولإيمانه العظيم، ولرؤيته الكبيرة، ولردوده الحكيمة. فكان الملك متحمسًا من جهة دعم نحميا في هذه المغامرة.
٥. فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَانًا: كقائد كفؤ، من الواضح أنه كان لنحميا خطة. لم تكن الأشهر الأربعة التي قضاها في الصلاة مكرسة للتحدث مع الله فقط، بل أيضًا في الاستماع إليه وفي وضع خطة مُوجّهة بالروح لما يجب القيام به عندما يفتح الله الباب أمامه.
• عرف نحميا مدة غيابه (فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَانًا). وعرف أنه سيحتاج إلى رسائل من الملك للمرور الآمن (فَلْتُعْطَ لِي رَسَائِل). وعرف أيضًا نوعية المواد المطلوبة (أَخْشَابًا)، ونوعية العمل المطلوب (لِسَقْفِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ الَّذِي لِلْبَيْتِ، وَلِسُورِ الْمَدِينَةِ، وَلِلْبَيْتِ الَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْهِ). لقد عرف نحميا كل هذا دون أن يرى بنفسه حالة أورشليم. عرف نحميا الاحتياجات بطلب الرب بعناية وصبر.
• كان لدى نحميا خطة، والله يعمل دائمًا من خلال خطة. الرب إلهنا هو إله مُخطط: أمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ (مزمور ٣٣: ١١). فمن بداية خطة الخلاص وقبل خلق العالمين، وضع الله خطة وهو ينفذها عبر التاريخ.
• قد يبدو أحيانًا أن الله يبارك النقص في التخطيط، وأحيانًا يبدو أن الله يعمل عملًا مباركًا مختلفًا تمامًا عما خططنا له. ولكن في كل حالة، يعمل الله من خلال التخطيط – إذا لم يكن من خلال تخطيطنا نحن، فهو يعمل من خلال تخطيطه هو. ولكن كمبدأ عام، يريد الله أن يُدربنا على العمل كمُخططين، تمامًا كما هو مُخطط.
• أَفْكَارُ الْمُجْتَهِدِ إِنَّمَا هِيَ لِلْخِصْبِ، وَكُلُّ عَجُول (متسرع) إِنَّمَا هُوَ لِلْعَوَزِ (أمثال ٢١: ٥). إن الإيمان ليس بديلًا عن التخطيط. ونحن لسنا روحانيين بشكل غير عادي حتى أننا لا نخطط ونكتفي بالارتجال. قد تكون هناك أوقات لا يمكننا فيها التخطيط ببساطة، ولكن يجب ألا نرفض مبدأ التخطيط.
٦. لِكَيْ يُعْطِيَنِي أَخْشَابًا: كان نحميا أيضًا رجلًا جريئًا، لا يخاف من طلب المساعدة من الآخرين عندما يعلم أن لديهم الموارد للمساعدة. بمجرد أن كان الملك على استعداد ليكون جزءًا من هدف نحميا (فَحَسُنَ لَدَى الْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي)، تابع على الفور طلبه بالحصول على ختم الموافقة الرسمية على المشروع (رَسَائِلُ إِلَى وُلاَةِ) وعلى تمويل الملك للمشروع (لِكَيْ يُعْطِيَنِي أَخْشَابًا).
• لم يطلب نحميا مساعدة الملك لأنه أراد استغلاله. بدلًا من ذلك، أظهر تكريمًا واحترامًا للملك من خلال دعوته للمشاركة في عمل جدير ويستحق. كان يعلم أن الملك قادر على توفير هذه الأشياء وشعر أن قلب الملك كان مستعدًا. لذلك، وضح نحميا للملك كيف يمكنه القيام بما يريد قلبه المستعد أن يشارك فيه.
٧. فَأَعْطَانِي الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ: على الرغم من أن هذا كان مَلِكًا وثنيًا، فإن نحميا فهم أن الله يمكن أن يعمل من خلاله بطريقة عظيمة. يمكن لله أن يوفر احتياجاتنا بطرق غير متوقعة أو غير مرجحة.
ثانيًا. وصول نحميا إلى أورشليم
أ ) الآيات (٩-١٠): الوصول والمقاومة.
٩فَأَتَيْتُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ وَأَعْطَيْتُهُمْ رَسَائِلَ الْمَلِكِ. وَأَرْسَلَ مَعِي الْمَلِكُ رُؤَسَاءَ جَيْشٍ وَفُرْسَانًا. ١٠وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ سَاءَهُمَا مَسَاءَةً عَظِيمَةً، لأَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
١. فَأَتَيْتُ: هذا مثال آخر على قيادة نحميا الصالحة. لقد ذهب فعلًا – سافر ٨٠٠ ميل (١٣٠٠ كم) من فارس إلى أورشليم من أجل القيام بعمل بناء الأسوار والشعب.
• الكثير من الناس لديهم قلب متأثر نحو عمل الرب مثل قلب نحميا. قد يكون لديهم أيضًا قلب للصلاة، ولديهم الحكمة، والرؤية، والخطة والإيمان تمامًا مثل نحميا – لكنهم يمتنعون عن الذهاب وعمل ما يلزم لجعل الهدف حقيقة.
• نحن نستبدل أحيانًا الحديث عن شيء ما بأن نقوم به فعليًا. أن وقوف المرء مع المؤمنين الآخرين والتحدث عن القيام ببعض الكرازة، والصلاة لأجلها، والتخطيط لها شيء، لكن الخروج فعليًا والقيام بها هو شيء آخر تمامًا. إن الرب يتواجد في فعل الشيء وليس الحديث عنه فقط.
• لا ينزعج أعداؤنا الروحيون طالما كل ما نفعله هو التخطيط والصلاة والحديث؛ ولكن عندما يبدأ شعب الله بالقيام بشيء ما، يبدأ الأعداء بملاحظة ذلك.
٢. عَبْرِ النَّهْرِ: إن هذه الكلمات تعني “عبر نهر الفرات،” وهو علامة فارقة مهمة تفصل منطقة عن أخرى. فبمجرد عبور المسافر للنهر، يصبح على الطريق متجهًا نحو منطقة يهوذا ومدينة أورشليم. وفي هذه المرحلة، تحدث نحميا مع وُلاَةِ هذه المنطقة الذين حكموا تحت مملكة فارس.
٣. أَعْطَيْتُهُمْ رَسَائِلَ الْمَلِكِ: جاء نحميا مستعدًا. فقد كان لديه رسائل تظهر أنه أُرسل فعلًا بواسطة الملك، وكان معه رُؤَسَاءَ جَيْشٍ وَفُرْسَانًا. كما كان لديه أيضًا إمدادات كبيرة من الأخشاب من غابة الملك. لقد استجاب ملك فارس حقًا لدعوة نحميا ليصبح شريكًا في عمل إعادة بناء أسوار أورشليم.
٤. سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ: في محطة الولاة، التقى نحميا بهذين العدوين لأورشليم ولكل من يهتم بخير المدينة. وقد سَاءَهُمَا مَسَاءَةً عَظِيمَةً، أنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
• لم يهتم هذان الشخصان بأي شيء طالما كانت أورشليم ضعيفة ومعرضة للخطر؛ حتى وجود الهيكل، وممارسة العبادة به، لم يكن مزعجًا لهما، فقد كان كل ذلك جيدًا طالما أن شعب الله لم يكن قويًا آمنًا وبعيدًا عن التوتر.
• لاحظ متى جاءت هذه المقاومة: ليس في المرحلة القلبية في الإعداد للأمر، ولا في مرحلة الرؤية، ولا في مرحلة الصلاة، ولا في مرحلة التخطيط، بل عندما بدأ التقدم في القيام بشيء ما.
• يخاف بعض الناس من أن يأخذوا خطوات من أجل الرب لأنهم يعلمون أن المقاومة ستأتي. يعتقدون بطريقة ما أن حياتهم ستكون أفضل أو أسهل إذا بقوا في حالة ضعف وفتور أمام الله. إنها خدعة حزينة أن يعتقد المرء أنه يمكن أن يكون له حياة أفضل من خلال التزام نصف قلبي بيسوع المسيح. ستأتي أوقات التحدي للجميع، ولكن عندما نتبع الله ونطيعه بشجاعة، نكون أكثر استعدادًا للتعامل مع هذه الأوقات.
ب) الآيات (١١-١٦): نحميا يقوم بجولة سرية لأورشليم ولأسوارها.
١١فَجِئْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. ١٢ثُمَّ قُمْتُ لَيْلًا أَنَا وَرِجَالٌ قَلِيلُونَ مَعِي، وَلَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِمَا جَعَلَهُ إِلهِي فِي قَلْبِي لأَعْمَلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعِي بَهِيمَةٌ إِلاَّ الْبَهِيمَةُ الَّتِي كُنْتُ رَاكِبَهَا. ١٣وَخَرَجْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي لَيْلًا أَمَامَ عَيْنِ التِّنِّينِ إِلَى بَابِ الدِّمْنِ، وَصِرْتُ أَتَفَرَّسُ فِي أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ الْمُنْهَدِمَةِ وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ. ١٤وَعَبَرْتُ إِلَى بَابِ الْعَيْنِ وَإِلَى بِرْكَةِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ مَكَانٌ لِعُبُورِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تَحْتِي. ١٥فَصَعِدْتُ فِي الْوَادِي لَيْلًا وَكُنْتُ أَتَفَرَّسُ فِي السُّورِ، ثُمَّ عُدْتُ فَدَخَلْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي رَاجِعًا. ١٦وَلَمْ يَعْرِفِ الْوُلاَةُ إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُ، وَلاَ مَا أَنَا عَامِلٌ، وَلَمْ أُخْبِرْ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ الْيَهُودَ وَالْكَهَنَةَ وَالأَشْرَافَ وَالْوُلاَةَ وَبَاقِي عَامِلِي الْعَمَلِ.
١. فَجِئْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ: بعد أن كان في أورشليم ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، لم يكن نحميا قد أخبر أحدًا لماذا كان هناك وما وجّهه الله إليه ليقوم به (لَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِمَا جَعَلَهُ إِلهِي فِي قَلْبِي لأَعْمَلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ).
• لا بد أن الناس قد لاحظوا نحميا عندما جاء إلى أورشليم بمرافقة عسكرية وأخشاب من غابة ملك فارس، لكنه لم يقل شيئًا عن مهمته حتى حان الوقت المناسب. يتعلم القادة الأكفّاء أن يكونوا حساسين لتوقيت الله.
• سافر نحميا إلى أورشليم، مملوءًا بالشغف، وبالصلاة، وبالإيمان، وبالحكمة، وبرؤية كبيرة، وبالدعم من الملك. وعندما وصل أخيرًا إلى وجهته، لم يفعل شيئًا لمدة ثلاثة أيام.
• لَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا: “من الجيد أن يكون لديك أصدقاء مؤمنون، لكن من الخطر أن تظهر كل ما بقلبك ولا تحتفظ به مختبئًا بداخلك. ليكن لك مكانًا سريًا لا يعرف عنه أحد شيئًا سوى أنت والله.” ريدباث (Redpath)
• “ستجد غالبًا أنه من الأفضل عدم مشاركة خططك مع الآخرين. إذا أردت خدمة الله فلتذهب وتفعل ذلك، ثم دع الناس الآخرين يكتشفون الأمر بعد ذلك. ليس هناك حاجة للإخبار بما ستفعله، ويمكنني أن أضيف، ليس هناك حاجة للإخبار بما قمت به، فغالبًا ما ينسحب الله عندما نفتخر بما يتم إنجازه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. خَرَجْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي لَيْلًا: يبدو أن نحميا بدأ من الجانب الغربي للمدينة، ثم توجه نحو الجنوب، مستمرًا عكس اتجاه عقارب الساعة حول أنقاض أسوار المدينة، حتى عاد إلى نقطة البداية.
٣. وَصِرْتُ أَتَفَرَّسُ فِي أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ الْمُنْهَدِمَةِ وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ: لم يكن نحميا مجرد سائح. بدلًا من ذلك، درس بعناية الأسوار الْمُنْهَدِمَةِ وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ. إن كلمة ” أَتَفَرَّسُ” في نحميا ٢: ١٣ و٢: ١٥ هي مصطلح طبي يمكن استخدامه لوصف استكشاف جرح والتحقق منه لرؤية مدى الضرر.
• لأول مرة، رأى نحميا بعينيه ما تم إبلاغه به، وما دعاه الله لإصلاحه. لم يكن بإمكانه أن يقوم بهذه الجولة بعين جافة، دون دموع، وهو عاِلم بمدى الضرر والخوف والفقر وعدم الأمان الذي كانت تعنيه الأسوار المنهدمة في حياة الشعب.
٤. أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ الْمُنْهَدِمَةِ وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ: عرف نحميا أنه لا يمكن أن يتقدم في تتميم مهمة إعادة بناء الأسوار ما لم ير بالضبط مدى سوء الوضع.
• كان بإمكان نحميا التركيز على الأمور الإيجابية في أورشليم. فقد كانوا قد عادوا إلى يهوذا، وانتهى السبي الإجباري. كما كان قد تم بناء الهيكل، وتم تقديم الذبائح والعبادة. التقدم كان بطيئًا لكن كان هناك الكثير الذي يجري في أورشليم ليكونوا شاكرين لأجله – ولكن أحيانًا، علينا أن ننظر إلى الأمور الخطأ، وهذا ما فعله نحميا.
• نخدع أنفسنا إذا نظرنا فقط إلى ما هو جيد. فهناك البعض الذين ليس لديهم مشكلة في ذلك؛ فهم يجدون دائمًا أنه من السهل رؤية ما هو خطأ. هم ممتلئون بالنقد. ويعتقدون أن لديهم الهبة الروحية الفريدة للإشارة إلى ما هو خطأ. ولكن نحميا يعلّمنا بالمثال العملي أنه يجب أن ننظر إلى الأسوار المُنهدمة، وندرس بعناية ما هو الخطأ – ولكن هذا فقط إذا كان لدينا القلب، والصلاة، والرؤية، والاهتمام أن يستخدمنا الله لإصلاح ذلك الخطأ. ليس هناك فائدة كبيرة في مملكة الله لأولئك الذين يقدمون النصح دون أن يعرفوا بأنفسهم طبيعة المشكلة أولًا.
• ولكن بقلوب صحيحة – قلوب جاهزة للعمل – يجب أن نلقي نظرة صادقة. “إنها جهالة مطلقة أن ترفض أن تصدق أن الأمور في حقيقتها إنما هي سيئة بالفعل. إنه لأمر حيوي في أي مهمة نقوم بها لله أن نعرف أسوأ ما في الأمر، لأنه حينما تكون هناك حركة رائعة للروح القدس، فإنها تبدأ بشخص مثل نحميا الذي كان جريئًا بما يكفي للنظر إلى الحقائق، وتشخيصها، ثم النهوض للقيام بالمهمة.” ريدباث (Redpath)
• عندما ننظر إلى المؤمنين من حولنا، نرى أن الكثيرين أقوياء، ممتلئون بالفرح، وينمون في علاقتهم مع يسوع المسيح. الكثيرون يختبرون النصرة على الخطية ونحن ممتنون لذلك. ولكن يمكنك أيضًا أن ترى الأسوار الرمزية في حياتهم وبها بعض الأجزاء المنهدمة. فالبعض منا مجروح بشدة أو محاصر في دائرة الخطية ويريد الخروج من سيطرتها، لكنه لا يعرف كيف يطلب المساعدة. والبعض يشعر ليسوا جزءًا من الأمر، ويشعرون بالغربة. والبعض يحترم ويقدّر الله لكنهم لم يقدموا حياتهم بعد ليسوع المسيح. والله يستطيع، وسيفعل وسيبني كل الأجزاء المنهدمة من هذه الأسوار.
• عندما نتطلع إلى أطفالنا، نعلم يقينًا أننا نحبهم ونهتم بهم. ولكن عندما ننظر إليهم بصدق وتدقيق نرى ضعف شخصياتهم ونقاط ضعفهم. ونبدأ في التأمل بعقلانية فيما سيحدث لهم إذا سيطرت نقاط الضعف هذه على شخصياتهم بالكامل. نحن نفكر فيما سيحدث إذا نشأوا وكبروا رافضين يسوع، وهلاكهم الأبدي إن لم يستخدمنا الله لتدريبهم ورعايتهم.
• بنفس الطريقة، عندما ننظر إلى أعمالنا، علاقاتنا، صداقاتنا، يجب أن نلقي نظرة صادقة، ولا نكتفي فقط بالنظر إلى ما هو جميل.
• عندما ننظر إلى الكنيسة، نحب الكنيسة ونشعر بالامتنان لما يفعله الله هنا. ولكن عندما ننظر بصدق، ربما لا نكون راضين عن التأثير الذي أحدثناه في المجتمع. ولا يمكننا أن نقول إن ما فعلناه يكفي أو أنه لا ينبغي أن نفعل أكثر. فنحن نفكر في الدعم المالي والكرازة وانتشار كلمة الله من خلال الكنيسة، ومع ذلك نعلم أنه كان من الممكن لكل هذا أن يكون أكثر وأنه يمكن للخدمة أن تصل إلى مدى أوسع وأشمل.
• إذا قام شخص ما بجولة في حياتك بنفس الطريقة التي قام بها نحميا في أورشليم، قد يلاحظ العديد من الأجزاء المنهدمة في أسوار حياتك. يقول سفر الأمثال ٢٥: ٢٨ مَدِينَةٌ مُنْهَدِمَةٌ بِلاَ سُورٍ، الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى رُوحِهِ. حياة الكثيرين هي كمدينة منهدمة بلا أسوار – يعيشون بخوف دائم وفقر وقلق. يجب ألا نغمض أعيننا عن هذه الأماكن المنهدمة؛ فالله يريد تغيير حال تلك الأماكن والبدء بخطوات التغيير على الفور.
٥. أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ الْمُنْهَدِمَةِ وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ: كأيّ شيء آخر، أخذ نحميا وقتًا لحساب التكلفة قبل البدء في العمل. كان لديه قلب وإيمان ورؤية – ولكن قبل أن تصبح هذه الرؤية واقعًا، كان عليه أن يرى بالضبط ما يجب القيام به، وما هي التكلفة – من حيث الوقت، الجهد، المال، والقيادة.
ج) الآيات (١٧-١٨): نحميا يلتقي بقادة أورشليم.
١٧ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَرَوْنَ الشَّرَّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، كَيْفَ أَنَّ أُورُشَلِيمَ خَرِبَةٌ، وَأَبْوَابَهَا قَدْ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ. هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَارًا». ١٨وَأَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ، وَأَيْضًا عَنْ كَلاَمِ الْمَلِكِ الَّذِي قَالَهُ لِي، فَقَالُوا: «لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ». وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْرِ.
١. أَنْتُمْ تَرَوْنَ الشَّرَّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ: لم يكن المواطنون والقادة في أورشليم يجلسون في حالة انتظار وترقب ظهور بطل يعيد لهم بناء أسوارهم. على الأرجح كانوا قد قبلوا فكرة أنها مهمة مستحيلة. فقد بدا أن لا أحد يستطيع إصلاح مشكلة دامت ١٠٠ عام. فمنذ سنوات، وببساطة، كلما حاول شخص ما، أوقفهم الأعداء. لذلك، تعايشوا مع الأمر.
٢. ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: والآن، عندما جاء نحميا وشرح رؤيته بإعادة بناء الأسوار إلى قادة المدينة، كان لهذا اللقاء أهمية كبيرة. فلا يمكن لنحميا القيام بالمهمة بمفرده، وكان من الممكن أن يقع في مشكلة كبيرة إذا لم يدعمه قادة المدينة.
• بلا شك أن هذا كان شيئًا صلى له نحميا كثيرًا. ربما صلى مثل هذه الصلاة، “يا رب، لتُعد قلوب قادة أورشليم من أجل دعم هذا العمل الذي دعوتني إليه. دعهم يرون أنني لم آتي لأدينهم أو أنتقدهم، بل فقط للمساعدة. أعطني الكلمات المناسبة للتحدث إليهم مسبقًا حول هذا العمل الذي دعوتني إليه.”
٣. الشَّرَّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ: اقترب نحميا بحكمة من قادة أورشليم. فقد كان عليه فعل ذلك بفطنة. ففي تحقيق أي رؤية أو هدف – أو على الأقل بحجم وهدف رؤية الله، سيكون هناك أشخاص معينون وضروريون لتحقيق الهدف – ويجب أن تحظى بمساعدتهم. إن نهج نحميا الحكيم يعطينا مثالًا يمكننا أن نحتذي به.
• بحكمة، طلب نحميا منهم أن يلاحظوا الأمور الواضحة: أَنْتُمْ تَرَوْنَ الشَّرَّ. أحيانًا، يكون الأمر الواضح هو الأصعب في ملاحظته.
• بحكمة، لم يأتِ نحميا كما لو أنه جاء ليحل مشكلتهم هم: الشَّرَّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. لقد تبنى نحميا المشكلة كمشكلته هو أيضًا، حتى لو لم تكن مشكلته. فلم يلعب نحميا لعبة توجيه اللوم، ولم ينتقد قادة أورشليم، بل ببساطة تعاطف معهم بشأن المشكلة.
• بحكمة، طلب نحميا شراكتهم: هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ. افترض نحميا إذا كان الله قادرًا على التأثير في قلب ملك وثني ليكون شريكًا في هذا العمل، فبالتأكيد يمكنه التأثير على قلوب شعبه للانضمام للعمل. فنحميا لم يأتِ ليفعل ذلك بدلًا منهم، ولكن ليكون شريكًا معهم في العمل الخاص باسترداد أورشليم وشعبها.
• بحكمة، أشار نحميا إلى النتيجة: وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَارًا. لم يكن الأمر يتعلق فعليًا بالطوب والأسمنت، بل كان حول إزالة حالة العار والخوف والفقر وعدم الأمان بين شعب الله. ستستحق الأعمال الشاقة المتعلقة بالطوب والأسمنت العناء لأنها ستكون ذو تأثير روحي حقيقي على الأفراد والمجتمع. فعندما رأى داود جليات وغضب من أن هذا الوحش يلقي العار على شعب الله، قال ببساطة: “أَمَا هُوَ كَلاَمٌ؟ (أليست هناك قضية؟)” (صموئيل الأول ١٧: ٢٩) فبينما كان الجميع يركزون على أنفسهم ويحسبون الاحتمالات الممكنة للموقف، قال داود: “دعونا ننجز المهمة. أنا مستعد أن يستخدمني الله في ذلك.”
• بحكمة، شجع نحميا الآخرين في الرب: أَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ. أكد نحميا للقادة أن هذا المشروع لم يكن مشروعه هو، بل كان مشروع الله. إذا شعر الناس أن رؤيتك تتعلق حقًا بك، وبرفعتك، وبجعلك عظيمًا، فسوف يترددون في المشاركة بحق. ولكن إذا كانت من الله، ويمكنهم رؤيتها، فسيكونون متحمسين لمشاركتك.
• بحكمة، نحميا منحهم الثقة بإخبارهم ومشاركتهم عن تدخل الله الفعلي في الموقف: وَأَخْبَرْتُهُمْ… أَيْضًا عَنْ كَلاَمِ الْمَلِكِ الَّذِي قَالَهُ لِي. يمكن أن يقول نحميا، “انظروا، يمكنكم معرفة أن هذا من الله؛ لقد تأثر قلب ملك فارس بالرب لدعم هذا المشروع.” فإذا كان هناك دليل على يد الله المباركة عليه سيرغب الكثيرون في دعمه. وإذا بدا وكأنه طموح أو جهد إنساني فقط، فسيتردد الداعمون عن حق.
٤. وَأَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ: نلاحظ أيضًا الأمر الذي لم يفعله نحميا؛ وهو أنه لم يتوسل لأحد أو لم يعقد صفقات تعاون مع أحد. لكن كان لنحميا دعوة عُليا من الله، وطلب من الآخرين أن يكونوا جزءًا من تلك الرؤية، ولم يتوقف عن معاملة دعوته كدعوة عُليا. لم ينو نحميا أن يتحول إلى منادٍ ملاهي يسعى لخداع الناس لإجبارهم على فعل أمر حتى وإن كانوا لا يريدون فعله.
• لم يقدم نحميا مكافآت، حوافز، أو عطلات ترفيهية عند بحر الجليل لمن أنجز العمل. فكل مثل هذه الدوافع إنما هي دوافع خارجية وليست مرتبطة بدعوة الله العليا. قال نحميا ببساطة، “دعونا نأخذ هذا الأمر على محمل الجد. نحن نعلم أن هناك عملًا يجب القيام به، والله يقودنا لإنجازه الآن.” اعتمد نحميا على الرب والقادة لخلق دافع داخلي حقيقي. إن الدوافع الخارجية، والتلاعب بإرادة ومشاعر الناس، وتوليد الشعور بالذنب، والضغط على الآخرين، وتقديم المكافآت الجسدية الجذابة يمكن أن تكون مؤثرة لفترة، ولكنها ليست جزءًا من رؤية الله لإنجاز الأمور.
٥. لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ: لقد كان رد فعل قادة أورشليم هذا هو من الله. فقالوا، “نعم يا نحميا، نحن معك.” كان هذا أمرًا ملحوظًا بالنظر إلى الطرق التي تجاوبوا بها معه – وفيما يلي بعد الطرق التي قد نتجاوب نحن بها عندما نقابل تحديًا للمشاركة في عمل.
• كان من الممكن أن ينكروا الاحتياج لبناء الأسوار. “لقد نجونا بدون تلك الأسوار لمائة عام الآن، ولدينا بالفعل الهيكل.”
• كان من الممكن أن ينظروا للمشروع والمهمة على أنها تتطلب الكثير جدًا من العمل. “يا نحميا، هذا عمل جيد، ونحن نأمل أن يسير بشكل جيد بالنسبة لك، ولكن لا يمكننا مساعدتك الآن.”
• كان من الممكن أن يروا أن المعارضة قوية جدًا. “يا نحميا، لا فائدة من البدء في هذا العمل لأن أعداءنا أوقفونا في المرة الأخيرة.”
٦. وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْرِ: إن هذه الكلمات تُظهر يد الله في العمل هنا. كافأ الرب قلب نحميا، وصلاته، وشجاعته، ورؤيته الكبيرة، وأفعاله، وحكمته. فهذا الأمر كان مُلهَمًا من الله؛ وقد حرك الله قلوب القادة للقيام بذلك.
• نحن نعلم أن نحميا كان قائدًا عظيمًا لأن الشعب تبعه. فقد تأثر الشعب الذي كان من المفترض أن يقوده نحميا تأثرًا حقيقيًا.
د ) الآية (١٩): المقاومة ترتفع ردًا على عمل الله.
١٩وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ هَزَأُوا بِنَا وَاحْتَقَرُونَا، وَقَالُوا: «مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتُمْ عَامِلُونَ؟ أَعَلَى الْمَلِكِ تَتَمَرَّدُونَ؟».
١. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ: كانت الأمور تسير بشكل استثنائي جيدًا، لذا ليس من المستغرب أن المقاومة ظهرت مرة أخرى. لقد جاء سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ لمعارضة العمل ومقاومته.
• إن المقاومة الروحية للعمل الذي يريد الله إنجازه هي واقع يفشل العديد من المؤمنين في أخذه في الحسبان وبالتالي يُهزمون فيما يريدهم الله أن يفعلوه.
• لقد تجسد الأقنوم الثاني من الثالوث، يسوع المسيح، ليختبر الحرب الروحية تمامًا كما تفعل أنت؛ وهو يعرف ما يعنيه أن تكون تحت الهجوم، وكيفية الوصول للنصرة، وبالتالي هو يعرف كيف يقود شعبه إلى الغلبة.
٢. سَنْبَلَّط… وَطُوبِيَّا: ظهرا هذان الشخصان لأول مرة في نحميا ٢: ١٠؛ وسَاءَهُمَا الأمر مَسَاءَةً عَظِيمَةً، لأَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. لقد أعلنا عن رأيهما من قبل؛ وها هم الآن سيسعون للقيام بشيء ليقفا أمام التقدم الذي يحرزه نحميا.
• طُوبِيَّا: (اسم يهودي) وقد كان رجلًا ذا نفوذ، حيث كان على قَرَابَةُ من عائلة رئيس الكهنة، وقد حصل على مساعدة من الكهنة (نحميا ١٣: ٤). كان اسم “طوبيا” اسمًا بارزًا في العائلات الكهنوتية لأجيال قادمة. إن اسم “طوبيا” يعني “يهوه طيب” – يا له من اسم غريب لرجل كان خصمًا لعمل الله.
• سَنْبَلَّطُ: كان سنبلط مرتبطًا، عن طريق الزواج، بالعائلات الكهنوتية (نحميا ١٣: ٢٨). وتشير وثيقة قديمة ترجع لهذه الفترة إلى سنبلط على أنه “والي السامرة.” كيدنر (Kidner)
• الْحُورُونِيُّ: قد يعني هذا أن سَنْبَلَّط كان مرتبطًا بموآب. ويذكر لنا إشعياء ١٥: ٥ وإرميا ٤٨: ٣-٥ “حُورُونَايِمَ” كمكان في موآب.
• كان هؤلاء الرجال يهودًا – إخوة لنحميا – وكانوا مواطني أورشليم. ربما كنا نظن أنهم كانوا سيدعمون عمله، لكنهم لم يفعلوا. إن المقاومة دائمًا تكون صعبة؛ ولكن عندما تأتي من الإخوة، يمتزج معها ألم الخيانة أيضًا.
• يوضح الكتاب المقدس أن لدينا أعداء ومقاومين أيضًا، ولكنهم في الأساس أعداء روحيون: ” فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ” (أفسس ٦: ١٢). ومع ذلك، فنحن ندرك أيضًا أن الهجمات من الأعداء الروحيين يمكن أن تأتي من خلال الأشخاص الحقيقيين (متى ١٦: ٢٣). وبالتالي، يمكننا أن نختبر الهجوم الروحي على المستوى الداخلي المباشر من الأعداء الروحيين، أو من خلال أشخاص يستخدمهم أعدائنا الروحيين كأدوات سواء عن قصد أو بدون قصد.
٣. هَزَأُوا بِنَا وَاحْتَقَرُونَا: استخدم سنبلط وطوبيا الاستهزاء في هجومهما. أرادوا أن يشعر نحميا بأنه موضع هزئ، وغبي، وأحمق. إن كلمات هَزَأُوا بِنَا توضح أنهم أظهروا ازدراءهم (وَاحْتَقَرُونَا) بطريقة ساخرة.
• قد يأتي هذا الشعور بالاستهزاء إلينا من الداخل، وذلك من خلال شعورنا بأننا نبدو أغبياء للجميع فيما نعمل أو نفكر أو نقول. أو قد تأتي السخرية من خلال كلمات أولئك الذين يستخدمهم أعدائنا الروحيين سواء بمعرفة أو بجهل.
• يتراجع الكثير من الناس عن تحقيق إرادة الله لحياتهم لأنهم يختبرون أو يخافون من السخرية. إن الرجال الذين لم يخافوا الموت قد تم التلاعب بهم لأنهم لم يريدوا أن يسخر منهم أحدًا. ويبدو أن الرب، سواء عاجلًا أم آجلًا، سيختبر كل مؤمن حقيقي في هذه النقطة؛ من سيعتبر أكثر، الإنسان أم الله. علينا ألا نهتم بشأن ما قد يقوله الناس عنّا أكثر مما يطلبه الله منّا.
• إن الطريقة التي استخدمها سنبلط وطوبيا كأسلحة ضد عمل الله هي الاحتقار والسخرية. وهذا يجب أيضًا أن يجعلنا نفكر في استخدامنا نحن للفكاهة بعضنا مع بعض. إن بعض المؤمنين الذين هم حسني النية هم أدوات للعدو، وكل ذلك من أجل بضع ضحكات.
٤. أَعَلَى الْمَلِكِ تَتَمَرَّدُونَ؟: يُظهر هذا السؤال أنه كان لكل من سنبلط وطوبيا نظرة دونيّة لسلطان الله. إن سؤالهما أظهر أنهما يعتبران أن ملك فارس هو السلطة العليا في الأرض.
• أولًا، لقد كانا جاهلين تمامًا. لم يعرفا عما يتحدثان. فقد منح الملك الإذن لنحميا حتى إن لم يعرفوا بذلك. لقد كان الملك شريكًا في العمل. وفي كثير من الأحيان، وببساطة لا يعرف أولئك الذين يستخدمهم أعدائنا الروحيين ضدنا عما يتحدثون.
• ثانيًا، لم يهتمان مطلقًا بسلطان الله. في الواقع لم يكن مهمًا إن كان ملك فارس ضد هذا العمل أم لا مادام إله السماء والأرض يؤيده. فشخص واحد مع الله يشكل أغلبية. لقد كان يمكن لنحميا أن يعيد السؤال عليهم: “أَعَلَى مَلِكِ الملوك ورب الأرباب أنتم تَتَمَرَّدُونَ؟”
هـ) الآية (٢٠): رد نحميا على مقاوميه.
٢٠فَأَجَبْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: «إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ وَلاَ حَقٌّ وَلاَ ذِكْرٌ فِي أُورُشَلِيمَ».
١. فَأَجَبْتُهُمْ: تجاهل نحميا سخريتهم. وأظهرت كلماته الجريئة والمباشرة أنه لم يتأثر للدفاع عن نفسه ضد هجومهم الساخر والمستهزئ.
• عندما واجه نحميا خيار إرضاء الإنسان أو إرضاء الله، عرف بالضبط ما سيفعل. دعهم يسخرون – فهو سيخدم الرب.
٢. وَقُلْتُ لَهُمْ: لم يقدم نحميا ردًا على كل نقطة بالتفصيل. ولم يُظهر الوثيقة التي تثبت دعم الملك للمشروع. لو فعل ذلك، لكان سنبلط وطوبيا قد ادعيا أنها مزورة أو لكانا قد وجدا اعتراضًا آخر. عرف نحميا أن القلوب التي ترفض الإقناع لن تقتنع أبدًا.
٣. إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ: وفي المقابل أعلن نحميا ثقته في الله. “لا يهم إذا كنتم ضدنا. فعمل الله سوف ينجح.”
• لم يعلّق نحميا العمل حتى يقرر فريق التعامل مع الأزمات أفضل رد على سنبلط وطوبيا. لم يكن سيسمح لهم بتشتيت انتباهه. كان لديه عمل يجب القيام به وكان سيفعله. إذا سمحت لأعدائك بأن يجعلوك تتوقف عما يجب أن تفعله وتعطي كل انتباهك لهم، فإن أعدائك قد فازوا.
• يُعْطِينَا النَّجَاحَ: هناك لمسة من الجرأة المقدسة في رد نحميا. “قد تحاولون إيقاف عملنا، ولكن لن تنجحوا. فالله معنا وليس معكم. أنتم ستفشلون، أما نحن فسننجح تحت عناية إله السماء.”
٤. وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي: أعلن نحميا عن نفسه، من هو وماذا سيفعل.
• لقد كان نحميا وأتباعه عَبِيد الله. وبينما شعر كل من سنبلط وطوبيا بالثقة لأنهما كانا عبيد الملك، كان نحميا عبدًا لله.
• كان لدى نحميا وأتباعه عمل يجب القيام به. ولم يشك لحظة واحدة في أن هذه كانت إرادة الله. كانوا قد اتفقوا على أن يَقُومُوا وَيَبْنِوا (نحميا ٢: ١٨)، وحتمًا سيفعلون ذلك.
• في مواجهة أعدائنا، يجب أن نحافظ دائمًا على إدراكنا لهويتنا ومن نحن وما يجب أن نفعل. إن الفشل في التعرّف على هذه الحقائق سيؤدي دائمًا إلى الهزيمة، وهذه هي بالضبط الأمور التي يريد أعداؤنا الروحيون أن ننساها. لذلك كان من الجيد أن يقول نحميا ببساطة، نَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي.
٥. أَنْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ وَلاَ حَقٌّ وَلاَ ذِكْرٌ فِي أُورُشَلِيمَ: أعلن نحميا الحق الخاص بأعدائه. قد يكونوا هم يهودًا بالميلاد؛ وقد يكونوا هم مواطنين في أورشليم بحسب الشكل القانوني؛ وقد يكونوا امتلكوا عقارات في المدينة لكن قلوبهم أظهرت أن لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ وَلاَ حَقٌّ وَلاَ ذِكْرٌ في مدينة الله.
• عرف نحميا التقدير المناسب لهذين الشخصين بشكل أسرع مما نفعل نحن غالبًا. كان يعرف أنهم ليسوا معه أو مع أورشليم، أو مع الله على الإطلاق – على الرغم من أنهم قد ادعوا ذلك. وكأن نحميا يقول، “أنتم لا تنتمون إلى هنا. إن الله يقوم بعمل عظيم، وأنتم لا تريدون أن تكونوا جزءًا منه. فقط تحركوا بعيدًا.”
• ونحن يمكننا أن نقول الشيء نفسه لأعدائنا الروحيين: “ليس لكم نصيب أو حق أو ذكر فيّ. فأنا أنتمي ليسوع المسيح. أنتم لا تنتمون هنا. يمكنكم أن تبتعدوا بعيدًا لأنني لن أذهب إلى أي مكان آخر غير الذي دعاني الله إليه.”
• لم تتلاش هذه المقاومة على الفور. ونحن غالبًا نتمنى أن تختفي المقاومة ببساطة إذا فعلنا كل شيء بشكل صحيح كما فعل نحميا هنا. ولكن ذلك لم يحدث. لقد عارض هذان الشخصان العمل طوال الطريق حتى انتهى من إنجازه. ولكنهما لم يقدرا أن يوقفاه. لقد تم إنجاز عمل الله، وثبت بالبرهان أنهما كانا مخطئين تمامًا.