سفر نحميا – الإصحاح ٩
اعتراف إسرائيل بخطيتها
أولًا. أمة تائبة تجتمع
أ ) الآية (١): تجمُّع مُتّسِمٌ بالتوبة الخاشعة.
١وَفِي الْيَوْمِ الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ، وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ وَتُرَابٌ.
١. اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: بعد الانتهاء من بناء السور، وبعد أن بدأ السور يؤدي وظيفته، وبعد أن استمع الشعب وأطاع كلمة الله، وبعد أن قام الروح القدس بالفعل بعمل هام في حياة الشعب – نرى الآن مشهدًا دراميًا يعبر عن التوبة المتواضعة.
٢. اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ: أظهر الصيام حالتهم المتواضعة. اعتبروا أنفسهم فقراء جدًا أمام الله لدرجة أنهم لم يأخذوا طعامًا. كما أرادوا أن يقولوا، “نحن منزعجون للغاية من خطيتنا لدرجة أن الطعام يبدو أمرًا غير مهمًا لنا.”
٣. وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ: هذا يعني ارتداء أقمشة خشنة، مثل كيس الخيش. ومرة أخرى، كان هذا لإظهار فقرهم الروحي الكامل أمام الله. كما أرادوا أن يقولوا، “نحن منزعجون للغاية من خطيتنا لدرجة أن الراحة العادية بالحياة غير مهمة لنا.”
٤. وَعَلَيْهِمْ… تُرَابٌ: هذا يعني أنهم أخذوا حفنات صغيرة من التراب وألقوها على رؤوسهم. كان هذا أيضًا لإظهار خشوعهم أمام الله، وليقولوا: “نحن منزعجون للغاية من خطيتنا لدرجة أن الراحة العادية للحياة غير مهمة.”
• كل هذا يعكس قلبًا خاشعًا – ليس فقط تجاه الله، ولكن أيضًا تجاه الإنسان. لقد فعلوا هذا علنًا، وسيرى الآخرون حالتهم هذه علنًا.
• بالتأكيد كان هناك من بينهم من قال، “لن أُذلّ نفسي وأشارك في هذا الأمر.” ولابد أن يكون هناك من قال، “سأفعل ذلك، فقط ليرى الآخرون أنني شخص روحي أيضًا.” ولكن الكثيرون منهم، إن لم يكن معظمهم، قد جاءوا إلى الله بقلوب متواضعة وتائبة حقًا.
ب) الآية (٢): الاجتماع من أجل عزل أنفسهم.
٢وَانْفَصَلَ نَسْلُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ بَنِي الْغُرَبَاءِ، وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ.
١. وَانْفَصَلَ نَسْلُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ بَنِي الْغُرَبَاءِ: جاء أولئك الذين كانوا من سلالة إسرائيل النقية للاعتراف بخطية أمتهم؛ وَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ.
٢. وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ: كان هذا أمرًا مهمًا. فقد كان عليهم أن يدركوا ويعترفوا بأنهم أخطأوا في تحقيق هدف الله لحياتهم.
• إن كلمة ’الخطية‘ في اللغة الإنجليزية مأخوذة من فكرة ’الخطأ في إصابة الهدف.‘ في مسابقة الرماية، إذا لم يصب المرء الهدف في المكان الصحيح، كانوا يقولون إنه ’أخطأ.‘ قد تخطئ الهدف ببوصة واحدة، أو قد تخطئه بعشرة أقدام – لكن على أي حال يبقى أن هناك خطأ في كلا الحالتين. نحن نخطئ عندما نفعل ما أمرنا الله بعدم القيام به (إما في كلمته، أو في ضميرنا، أو عبر السلطة المشروعة)، أو عندما لا نفعل ما أمرنا الله بالقيام به (إما في كلمته، ضميرنا، أو السلطة). ليست كل الخطايا مثل بعضها، لكن كل خطية في النهاية هي خطية بنفس معنى الكلمة.
٣. وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ: كان هذا مهمًا أيضًا لأنه كان عليهم الاعتراف بأنهم لم يكونوا فقط خطاه، ولكنهم جاءوا من أسلاف خطاه. لقد كان هذا أمر هام بشكل خاص في إسرائيل، حيث كانت هناك تقليد لتمجيد أسلافهم.
• هذا لا يعني أن هناك نوعًا من “اللعنة المتوارثة من الأجيال” ويجب كسرها. فالله لا يعاقب الأطفال على خطية آبائهم، ومن الشر أن نقول إنه يفعل ذلك (حزقيال ١٨). ونحن ندرك أن أولئك الذين نشأوا في بيئة مملؤة بالخطية قد يكررون نفس الخطايا، ولكن ليس بسبب أنهم مجبرون على فعل ذلك – بل لأن بيئتهم جعلت الخطية خيارًا سهلًا لهم.
٤. وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا: ينبغي ألا يبدو غريبًا أنه بعد هذه الانتصارات العظيمة، سواء في استعادة السور الملموسة والاستعادة الروحية للشعب، كان هناك توبة كهذه. فهذا يظهر أن التوبة ليست شيئًا ننتهي منه بعد الإيمان بيسوع، إنه شيء ننمو فيه كلما اقتربنا أكثر منه.
• “التوبة تنمو كما ينمو الإيمان. لا تخطئوا من جهة هذا الأمر؛ فالتوبة ليست شيئًا يخص أيام وأسابيع محددة، أو هي فترات لتكفير مؤقت ويجب التخلص منه بأسرع ما يمكن! كلا، إنها نعمة العمر بأكمله، مثلها مثل الإيمان. إن التوبة هي الرفيق الذي لا يتجزأ ولا ينفصل عن الإيمان.” سبيرجن (Spurgeon)
• “كم مرة كان اكتشاف شيء جديد فيما يخص حلاوة الرب يسوع يصحبه اكتشاف لفساد جديد في قلوبنا. إن الله لن يزرع بذرة حياته على تربة قاسية أو على روح غير منكسرة. إنما هو سيزرع تلك البذرة فقط حيث يأتي إقناع الروح القدس بانكسار القلب، حيث تم ري التربة بدموع التوبة وأيضًا بدموع الفرح.” ريدباث (Redpath)
• لقد حدث هذا التجمع العظيم المتواضع لشعب الله فقط بعد يومين من نهاية الاحتفال البهيج بعيد المظال. لقد اقتربوا من الله، والآن كان الله يجذبهم أقرب إلى ذاته.
ج) الآية (٣): الاجتماع من أجل سماع كلمة الله ولعبادته.
٣وَأَقَامُوا فِي مَكَانِهِمْ وَقَرَأُوا فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ إِلهِهِمْ رُبْعَ النَّهَارِ، وَفِي الرُّبْعِ الآخَرِ كَانُوا يَحْمَدُونَ وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ إِلهِهِمْ.
١. وَأَقَامُوا فِي مَكَانِهِمْ وَقَرَأُوا فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ: إن التوبة الصادقة والاعتراف بالخطية هما عملًا غير مكتمل إن لم يكن هناك سماع للكلمة وعبادة لله. فالله لا يظهر لنا خطيتنا فقط حتى نعترف بها بتواضع، ولكن حتى نستطيع أن نمضي قدمًا فيما هو حق أمامه.
• “في ضوء الإصحاح السابق، يمكننا أن نأخذ بعين الاعتبار أن القراءة لم تكن مجرد سرد للكلمات، ولكن تم إيقاف سرد الكلمة لتقديم تعليقات توضيحية وتطبيقات على الوضع الحالي.” كيدنر (Kidner)
٢. كَانُوا يَحْمَدُونَ وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ إِلهِهِمْ: إن هذا الانكسار للقلب قد قادهم للمجيء بتواضع أمام الله وسماع كلمته. والخطوة الأولى الأكيدة للنهضة هي انكسار القلب هذا.
ثانيًا. صلاة التوبة
أ ) الآيات (٤-٥أ): من يقودون الجماعة.
٤وَوَقَفَ عَلَى دَرَجِ اللاَّوِيِّينَ: يَشُوعُ وَبَانِي وَقَدْمِيئِيلُ وَشَبَنْيَا وَبُنِّي وَشَرَبْيَا وَبَانِي وَكَنَانِي، وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ. ٥وَقَالَ اللاَّوِيُّونَ: يَشُوعُ وَقَدْمِيئِيلُ وَبَانِي وَحَشَبْنِيَا وَشَرَبْيَا وَهُودِيَّا وَشَبَنْيَا وَفَتَحْيَا.
١. يَشُوعُ وَبَانِي: هؤلاء هم اللاويين والقادة المجتمعين لقيادة الشعب في اعترافهم الصادق. لا ينبغي أن نتفاجأ أو نشعر بالفشل، إذا كان يجب أن ننقاد إلى الاعتراف والتوبة.
٢. وَوَقَفَ عَلَى دَرَجِ اللاَّوِيِّينَ… وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: من الواضح أن هؤلاء الرجال الثمانية لم يصلوا الصلاة التالية في نفس الوقت. ربما كانت مكتوبة وتناوبوا، وربما صلوها بشكل عفوي على التوالي، أو ربما (بحسب التقليد) صلّى عزرا هذه الصلاة.
• يُعتقد أن الصلاة التالية هي أطول صلاة في الكتاب المقدس – ومع ذلك فتلاوتها لا تستغرق إلا ست دقائق ونصف فقط. ولا تحتاج الصلاة إلى أن تكون طويلة لتكون مجيدة وفعالة.
ب) الآيات (٥ب-٦): تسبيح إله كل الخليقة.
٥… قُومُوا بَارِكُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنَ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ، وَلْيَتَبَارَكِ اسْمُ جَلاَلِكَ الْمُتَعَالِي عَلَى كُلِّ بَرَكَةٍ وَتَسْبِيحٍ. ٦أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ وَحْدَكَ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ جُنْدِهَا، وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا، وَالْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَأَنْتَ تُحْيِيهَا كُلَّهَا. وَجُنْدُ السَّمَاءِ لَكَ يَسْجُدُ.
١. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ: بعد التشجيع على التسبيح، قدم عزرا سببًا للتسبيح – لأن الله هو الإله العظيم الذي صنع كل شيء. والنظر إلى مجد خليقة الله يعطينا سببًا لتسبيحه، وسببًا لنتواضع أمامه، ونثق به.
٢. جُنْدُ السَّمَاءِ لَكَ يَسْجُدُ: الله يريد منا أن نسبحه، وأن نتواضع أمامه، وأن نثق به – لكنه يعطينا أسبابًا جيدة لذلك. وأحيانًا نريد أسبابنا الخاصة لكي نسبحه، لكن الله يعطينا الكثير من أسبابه هو الخاصة.
ج) الآيات (٧-٨): تسبيح الله الذي اختار إبراهيم وعمل عهدًا معه ومع ذريته.
٧أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ الإِلهُ الَّذِي اخْتَرْتَ أَبْرَامَ وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَجَعَلْتَ اسْمَهُ إِبْرَاهِيمَ. ٨وَوَجَدْتَ قَلْبَهُ أَمِينًا أَمَامَكَ، وَقَطَعْتَ مَعَهُ الْعَهْدَ أَنْ تُعْطِيَهُ أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَتُعْطِيَهَا لِنَسْلِهِ. وَقَدْ أَنْجَزْتَ وَعْدَكَ لأَنَّكَ صَادِقٌ.
١. وَقَدْ أَنْجَزْتَ وَعْدَكَ: بهذه الكلمات كأنه يقول لله، “يا رب، لقد وعدت بهذه الأرض لإبراهيم وذريته، والآن ها نحن هنا. وَعْدَكَ صَادِقٌ حقًا.”
د ) الآيات (٩-١٥): تسبيح الله الذي أنقذ إسرائيل من مصر ورعاهم في البرية.
٩وَرَأَيْتَ ذُلَّ آبَائِنَا فِي مِصْرَ، وَسَمِعْتَ صُرَاخَهُمْ عِنْدَ بَحْرِ سُوفٍ، ١٠وَأَظْهَرْتَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ عَلَى فَرْعَوْنَ وَعَلَى جَمِيعِ عَبِيدِهِ وَعَلَى كُلِّ شَعْبِ أَرْضِهِ، لأَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ بَغَوْا عَلَيْهِمْ، وَعَمِلْتَ لِنَفْسِكَ اسْمًا كَهذَا الْيَوْمِ. ١١وَفَلَقْتَ الْيَمَّ أَمَامَهُمْ، وَعَبَرُوا فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ، وَطَرَحْتَ مُطَارِدِيهِمْ فِي الأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ فِي مِيَاهٍ قَوِيَّةٍ. ١٢وَهَدَيْتَهُمْ بِعَمُودِ سَحَابٍ نَهَارًا، وَبِعَمُودِ نَارٍ لَيْلًا لِتَضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. ١٣وَنَزَلْتَ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَكَلَّمْتَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَعْطَيْتَهُمْ أَحْكَامًا مُسْتَقِيمَةً وَشَرَائِعَ صَادِقَةً، فَرَائِضَ وَوَصَايَا صَالِحَةً. ١٤وَعَرَّفْتَهُمْ سَبْتَكَ الْمُقَدَّسَ، وَأَمَرْتَهُمْ بِوَصَايَا وَفَرَائِضَ وَشَرَائِعَ عَنْ يَدِ مُوسَى عَبْدِكَ. ١٥وَأَعْطَيْتَهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِجُوعِهِمْ، وَأَخْرَجْتَ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ لِعَطَشِهِمْ، وَقُلْتَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَرِثُوا الأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتَ يَدَكَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا.
١. وَرَأَيْتَ ذُلَّ آبَائِنَا فِي مِصْرَ: العلامة الثانية الأكيدة للنهضة (والتي تتبع انكسار القلب) هي التأمل في صلاح الله. عندما يُطرح كبرياؤنا أرضًا، وتتواضع قلوبنا أمام الله، يمكننا أن نبدأ برؤيته على حقيقته – وعندما نرى ذلك، نرى مدى صلاح الله.
هـ) الآيات (١٦-١٧أ): تجاوب خاطئ مع صلاح الله.
١٦«وَلكِنَّهُمْ بَغَوْا هُمْ وَآبَاؤُنَا، وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِوَصَايَاكَ، ١٧وَأَبَوْا الاسْتِمَاعَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَجَائِبَكَ الَّتِي صَنَعْتَ مَعَهُمْ، وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ. وَعِنْدَ تَمَرُّدِهِمْ أَقَامُوا رَئِيسًا لِيَرْجِعُوا إِلَى عُبُودِيَّتِهِمْ.
١. وَلكِنَّهُمْ… هُمْ وَآبَاؤُنَا: كان هذ تجاوبًا بشعًا من إسرائيل مع أعمال الله العظيمة والطيبة. لقد أحسن الله كثيرًا إلى إسرائيل، وَلكِنَّهُمْ بَغَوْا هُمْ وَآبَاؤُنَا. إن خطيتنا سيئة بما فيه الكفاية؛ ولكن عندما ندرك أننا نرتكبها ضد إله لم يعاملنا إلا بالخير فهذا أسوأ بكثير.
٢. وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ… وَأَبَوْا الاسْتِمَاعَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا: هذه هي العلامة الثالثة الأكيدة للنهضة – وهي الاعتراف بخطيتنا الخاصة. عندما نطلب الله بتواضع، ونرى صلاحه، لا يمكننا إلا أن نلاحظ بعد ذلك خطيتنا – إن سواد خطيتنا يقف ضد إشراق نقاوة الله وصلاحه.
و ) الآيات (١٧ب-٢١): رد الله المملوء نعمة على إسرائيل المتمردة.
١٧… وَأَنْتَ إِلهٌ غَفُورٌ وَحَنَّانٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ، فَلَمْ تَتْرُكْهُمْ. ١٨مَعَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا وَقَالُوا: هذَا إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ، وَعَمِلُوا إِهَانَةً عَظِيمَةً. ١٩أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تَتْرُكْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُمْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا لِهِدَايَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلاَ عَمُودُ النَّارِ لَيْلًا لِيُضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. ٢٠وَأَعْطَيْتَهُمْ رُوحَكَ الصَّالِحَ لِتَعْلِيمِهِمْ، وَلَمْ تَمْنَعْ مَنَّكَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ، وَأَعْطَيْتَهُمْ مَاءً لِعَطَشِهِمْ. ٢١وَعُلْتَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا. لَمْ تَبْلَ ثِيَابُهُمْ، وَلَمْ تَتَوَرَّمْ أَرْجُلُهُمْ.
١. وَأَنْتَ إِلهٌ غَفُورٌ وَحَنَّانٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ، فَلَمْ تَتْرُكْهُمْ: كان رد الله الرحيم على تمرد إسرائيل مجيدًا. كون الرب غَفُورٌ فهذا أمر رائع بشكل خاص، مما يشير إلى أنه لا يوجد شيء يمنع الله من العفو عنا سوى رفضنا أن نأتي إليه من خلال يسوع. إنه مستعد أن يغَفُر لنا، إذا كنا نحن على مستعدين لقبول الغفران.
٢. مَعَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا: كان هذا هو رد الله الرحيم على إسرائيل – حتى بعد أن صنعوا العجل الذهبي وعبدوه، فهو لايزال معهم ولم يتركهم. وهو لا يزال يمدهم بالسحابة نهارًا وعمود النار ليلًا، وهو لا يزال يرشدهم بروحه القدوس، ويطعمهم ويسقيهم. وكل هذا لا يُظهر فقط كيف أن إسرائيل مميز، بل كيف أن الله مميز جدًا.
٣. لَمْ تَتْرُكْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ: كثيرًا ما نتأثر بمدى صبر الله مع الخطاة؛ وكيف أن الله بطريق ما يؤخر دينونته الرهيبة ضد هؤلاء الأشخاص الذين يستحقونها بشدة. ولكن يبدو أن صبره علينا أعظم جدًا، نحن الذين نلنا منه أكثر بكثير، لكننا ما زلنا نتصرف كما فعل إسرائيل.
• “إن صبر الله على القديسين، عليّ وعليك، يتساوى أو ربما يفوق رحمته للخاطئ”. ريدباث (Redpath)
ز ) الآيات (٢٢-٣١): دورة العلاقة بين إسرائيل والله.
٢٢وَأَعْطَيْتَهُمْ مَمَالِكَ وَشُعُوبًا، وَفَرَّقْتَهُمْ إِلَى جِهَاتٍ، فَامْتَلَكُوا أَرْضَ سِيحُونَ، وَأَرْضَ مَلِكِ حَشْبُونَ، وَأَرْضَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ. ٢٣وَأَكْثَرْتَ بَنِيهِمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأَتَيْتَ بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي قُلْتَ لآبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَرِثُوهَا. ٢٤فَدَخَلَ الْبَنُونَ وَوَرِثُوا الأَرْضَ، وَأَخْضَعْتَ لَهُمْ سُكَّانَ أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ، وَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِهِمْ مَعَ مُلُوكِهِمْ وَشُعُوبِ الأَرْضِ لِيَعْمَلُوا بِهِمْ حَسَبَ إِرَادَتِهِمْ. ٢٥وَأَخَذُوا مُدُنًا حَصِينَةً وَأَرْضًا سَمِينَةً، وَوَرِثُوا بُيُوتًا مَلآنَةً كُلَّ خَيْرٍ، وَآبَارًا مَحْفُورَةً وَكُرُومًا وَزَيْتُونًا وَأَشْجَارًا مُثْمِرَةً بِكَثْرَةٍ، فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَسَمِنُوا وَتَلَذَّذُوا بِخَيْرِكَ الْعَظِيمِ. ٢٦وَعَصَوْا وَتَمَرَّدُوا عَلَيْكَ، وَطَرَحُوا شَرِيعَتَكَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ الَّذِينَ أَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَيْكَ، وَعَمِلُوا إِهَانَةً عَظِيمَةً. ٢٧فَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِ مُضَايِقِيهِمْ فَضَايَقُوهُمْ. وَفِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ صَرَخُوا إِلَيْكَ، وَأَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ سَمِعْتَ، وَحَسَبَ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ أَعْطَيْتَهُمْ مُخَلِّصِينَ خَلَّصُوهُمْ مِنْ يَدِ مُضَايِقِيهِمْ. ٢٨وَلكِنْ لَمَّا اسْتَرَاحُوا رَجَعُوا إِلَى عَمَلِ الشَّرِّ قُدَّامَكَ، فَتَرَكْتَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، فَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا وَصَرَخُوا إِلَيْكَ، وَأَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ سَمِعْتَ وَأَنْقَذْتَهُمْ حَسَبَ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ أَحْيَانًا كَثِيرَةً. ٢٩وَأَشْهَدْتَ عَلَيْهِمْ لِتَرُدَّهُمْ إِلَى شَرِيعَتِكَ، وَأَمَّا هُمْ فَبَغَوْا وَلَمْ يَسْمَعُوا لِوَصَايَاكَ وَأَخْطَأُوا ضِدَّ أَحْكَامِكَ، الَّتِي إِذَا عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا. وَأَعْطَوْا كَتِفًا مُعَانِدَةً، وَصَلَّبُوا رِقَابَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا. ٣٠فَاحْتَمَلْتَهُمْ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَأَشْهَدْتَ عَلَيْهِمْ بِرُوحِكَ عَنْ يَدِ أَنْبِيَائِكَ فَلَمْ يُصْغُوا، فَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِ شُعُوبِ الأَرَاضِي. ٣١وَلكِنْ لأَجْلِ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تُفْنِهِمْ وَلَمْ تَتْرُكْهُمْ، لأَنَّكَ إِلهٌ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ.
١. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَسَمِنُوا وَتَلَذَّذُوا بِخَيْرِكَ الْعَظِيمِ: لقد بدأت دورة العلاقة بين الشعب والله بإظهار الله إحسانه لشعبه (وَأَعْطَيْتَهُمْ مَمَالِكَ وَشُعُوبًا) وبمباركة شعب الله.
٢. وَعَصَوْا وَتَمَرَّدُوا عَلَيْكَ: ثم في وقت الراحة والوفرة، يبتعد شعب الله عنه.
٣. فَدَفَعْتَهُمْ لِيَدِ مُضَايِقِيهِمْ: ثم يأتي الله بالتصحيح – “نداء تنبيه” لشعبه.
٤. وَفِي وَقْتِ ضِيقِهِمْ صَرَخُوا إِلَيْكَ، وَأَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ سَمِعْتَ… أَعْطَيْتَهُمْ مُخَلِّصِينَ: ونتيجة لذلك، يعود شعب الله إليه.
٥. وَلكِنْ لَمَّا اسْتَرَاحُوا رَجَعُوا إِلَى عَمَلِ الشَّرِّ قُدَّامَكَ: ثم، بعد أن باركهم الرب واكتفوا، تحول شعب الله عنه مرة أخرى، وهكذا تدور العلاقة في هذه الدائرة.
٦. وَلكِنْ لأَجْلِ مَرَاحِمِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تُفْنِهِمْ وَلَمْ تَتْرُكْهُمْ، لأَنَّكَ إِلهٌ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ: ومع استمرار الدورة، تصبح حركات كل دورة أعمق وأعمق – لكن الله لا يتغير.
• إننا نشعر أحيانًا وكأن الله قد تعب منا؛ فلا نستطيع أن نطلب منه أن يغفر لنا ما قد غفره لنا مرات عديدة من قبل. لكن الله لا يمل منا أبدًا، ولا يبتعد عن القلب التائب أبدًا.
ح) الآيات (٣٢-٣٧): التوسل إلى الله من أجل التدخل.
٣٢«وَالآنَ يَا إِلهَنَا، الإِلهَ الْعَظِيمَ الْجَبَّارَ الْمَخُوفَ، حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ، لاَ تَصْغُرْ لَدَيْكَ كُلُّ الْمَشَقَّاتِ الَّتِي أَصَابَتْنَا نَحْنُ وَمُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَكَهَنَتَنَا وَأَنْبِيَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِكَ، مِنْ أَيَّامِ مُلُوكِ أَشُّورَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. ٣٣وَأَنْتَ بَارٌّ فِي كُلِّ مَا أَتَى عَلَيْنَا لأَنَّكَ عَمِلْتَ بِالْحَقِّ، وَنَحْنُ أَذْنَبْنَا. ٣٤وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا وَكَهَنَتُنَا وَآبَاؤُنَا لَمْ يَعْمَلُوا شَرِيعَتَكَ، وَلاَ أَصْغَوْا إِلَى وَصَايَاكَ وَشَهَادَاتِكَ الَّتِي أَشْهَدْتَهَا عَلَيْهِمْ. ٣٥وَهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ فِي مَمْلَكَتِهِمْ وَفِي خَيْرِكَ الْكَثِيرِ الَّذِي أَعْطَيْتَهُمْ، وَفِي الأَرْضِ الْوَاسِعَةِ السَّمِينَةِ الَّتِي جَعَلْتَهَا أَمَامَهُمْ، وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْ أَعْمَالِهِمِ الرَّدِيَّةِ. ٣٦هَا نَحْنُ الْيَوْمَ عَبِيدٌ، وَالأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتَ لآبَائِنَا لِيَأْكُلُوا أَثْمَارَهَا وَخَيْرَهَا، هَا نَحْنُ عَبِيدٌ فِيهَا. ٣٧وَغَلاَّتُهَا كَثِيرَةٌ لِلْمُلُوكِ الَّذِينَ جَعَلْتَهُمْ عَلَيْنَا لأَجْلِ خَطَايَانَا، وَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى أَجْسَادِنَا وَعَلَى بَهَائِمِنَا حَسَبَ إِرَادَتِهِمْ، وَنَحْنُ فِي كَرْبٍ عَظِيمٍ.
١. الإِلهَ الْعَظِيمَ الْجَبَّارَ الْمَخُوفَ، حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ: بسبب هوية الله ومن هو في ذاته، وبسبب هويتهم (كونهم متمردين وأشرار)، كانوا بحاجة إلى الله ليخلصهم من أعدائهم.
• لم تكن إسرائيل دولة مستقلة في أيام نحميا، بل كانت مقاطعة تابعة للإمبراطورية الفارسية وكانت تخضع لضرائب والتزامات باهظة. لذلك طلبوا من الله أن يحفظ عَهْدهِ، وأن يظهر لهم الرَّحْمَة، وأن ينقذهم مرة أخرى من هذا الظلم.
٢. وَأَنْتَ بَارٌّ فِي كُلِّ مَا أَتَى عَلَيْنَا: تعطي هذه الكلمات وصفًا جيدًا لمعنى الاعتراف الحقيقي. إنها كلمات تحمل اعترافًا بأن الله على حق، وأننا على خطأ (وَنَحْنُ أَذْنَبْنَا). فالاعتراف هو الاتفاق مع الله في كلا الأمرين.
• “إنها لحظة عظيمة في حياة المؤمن عندما يستطيع أن ينظر بصدق إلى وجه الله ويقول: ’نعم يا رب، أنت على حق وأنا على خطأ،‘ عندما يتوقف عن المجادلة مع الله، ويتخلى عن جداله هذا. فيقول: ’نعم يا رب، لقد حصلت على ما أستحقه في هذه الموقف. أنت محق؛ أنا مخطئ.‘ هذا هو الشيء الذي يعمله الله في حياتك وحياتي منذ لحظة تجديدنا.” ريدباث (Redpath)
ط) الآية (٣٨): الخلاصة: لحظة القرار.
٣٨«وَمِنْ أَجْلِ كُلِّ ذلِكَ نَحْنُ نَقْطَعُ مِيثَاقًا وَنَكْتُبُهُ. وَرُؤَسَاؤُنَا وَلاَوِيُّونَا وَكَهَنَتُنَا يَخْتِمُونَ».
١. نَحْنُ نَقْطَعُ مِيثَاقًا: كان على إسرائيل أن يصل إلى هذه النقطة، حيث يعرفون من هو الله، ومن هم، فيأتون ويقطعون عهدًا مع الله – حتى أنهم يكتبوه كتابة – ليكرسوا أنفسهم لطرقه.
٢. نَحْنُ نَقْطَعُ مِيثَاقًا وَنَكْتُبُهُ: العلامة الرابعة الأكيدة للنهضة – بعد القلب المنكسر، وبعد التأمل والتفكير في صلاح الله، وبعد الاعتراف بخطيئتنا، هي تجديد طاعتنا. إننا نأتي إلى نقطة تحتاج لقرار، حتى لا يكون عمل الله فينا مجرد خبرة رائعة، بل أمر يشكّل مستقبلنا.
• غالبًا ما يجب أن يصل عمل الله فينا إلى نقطة اتخاذ قرار – حيث يريد منا أن نتخذ موقفًا لأجله، وموقفًا ضد بعض الأمور الأخرى. إذا كنت بحاجة إلى الوصول إلى قرار، يقدم ريدباث (Redpath) هذه الأسئلة لتفحص ذاتك، ولتعطيك فكرة عن كيفية الوصول لقرار:
ماذا عن علاقتي بالناس؟
هل أنا أخلق انطباعًا عن نفسي بأنني رجل أفضل مما أنا عليه حقًا، سواء كان ذلك عن وعي أو بدون وعي؟ هل يوجد شك ولو قليل بتواجد نفاق ورياء في حياتي؟ هل أنا صادق في كل كلماتي وأفعالي؟ هل أنا أبالغ في كلامي؟
هل أنا شخص يُعتمد عليه؟ هل يمكن الوثوق بي؟ هل أنقل بسرية ما قيل لي بثقة؟ هل أتذمر وأشكو في الكنيسة؟
هل أنا غيور، غير نقي، متقلب، شديد الحسّاسيّة، لا تُستأمن؟ هل أنا واعي لذاتي، أشفق على نفسي، أو أبرر نفسي؟ هل أنا متكبر؟ هل أشكر الله أنني لست مثل الآخرين؟ هل هناك من أخاف منه، أو أكرهه، أو أنتقده، أو أشعر بالضيق تجاهه؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا أفعل حيال ذلك؟
ماذا عن تكريسي لله؟
هل الكتاب المقدس هو كتاب حيّ بالنسبة لي؟ هل أعطيه الوقت ليتحدث إليّ؟ هل أذهب إلى الفراش في الوقت المناسب وأستيقظ في الوقت المناسب؟
هل أنا اليوم أستمتع بحياة الصلاة؟ هل استمتعت بها هذا الصباح؟ عندما تواجهني مشكلة في الحياة، هل أتحدث عنها مع الرب أو أصلي بشأنها؟
هل أنا أكسر وصية ما أو أصرّ على فعل شيء لا يسترح له ضميري على الإطلاق؟
متى كانت آخر مرة تحدثت فيها مع شخص آخر عن المسيح؟
هل أنا مستعبد للكتب، للموضة، لأصدقاء، لعمل، أو لرأي الناس؟ كيف أقضي وقت فراغي؟