سفر العدد – الإصحاح ١٠
بُوقَان مِنْ فِضَّةٍ، والارتحال من سيناء
أولًا. بُوقَان مِنْ فِضَّةٍ
أ ) الآيات (١-٢): بُوقَان من فضة.
١وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: ٢«اصْنَعْ لَكَ بُوقَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ. مَسْحُولَيْنِ تَعْمَلُهُمَا، فَيَكُونَانِ لَكَ لِمُنَادَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلارْتِحَالِ الْمَحَلاَّتِ.
١. اصْنَعْ لَكَ بُوقَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ: كان البوقان الفضيان يُستخدمان لتوجيه حركة المحلات سواء للارتحال، أو الحرب، أو لجمع الأمة معًا لعقد اجتماعٍ.
• يختلف هذان البُوقَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ عن الأبواق المصنوعة من قرن الكباش، أي بوق الهتاف الذي كان يُستخدَم لإعلان يوم الكفارة (لاويين ٢٥: ٦)، والذي استُخدِم أيضًا عند أسوار أريحا (يشوع ٦: ٤).
• “أعتقد أن فترة زمنية لا بأس بها كانت لازمة ليصنع موسى (أو الصناع التابعون له) هذين البوقين المسحولين من الفضة… لذلك، ربما أمر الله موسى بصُنع هذين البوقين قبل شهور من الارتحال الفعلي للشعب في زحفهم الانتصاري.” ألن (Allen)
• “وصف يوسيفوس هذه الأبواق، كما أنها رُسِمت على قوس تيتوس في روما. وكانت عبارة عن أنابيب مستقيمة، طولها أقل قليلًا من ١٨ بوصة (٤٥ سم)، وتنتهي بفتحة متسعة.” وينهام (Wenham)
• “كان طول هذه الأدوات يبلغ نحو قدمين، وكانت أنابيبها ضيقة للغاية. وعندما يُنفَخ فيها بطريقة معينة، فإنها تصدر صوتًا صافيًا وحادًّا، من شأنه أن ينقل إلى الناس بوضوح الغرض المنشود منها.” كول (Cole)
٢. فَيَكُونَانِ لَكَ لِمُنَادَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلِارْتِحَالِ الْمَحَلَّاتِ: كانت الأبواق هي أدوات مفيدة من أجل ارتحال الشعب إلى أرض الموعد. فدونها سيكون من الصعب جمع الشعب، والزحف صوب كنعان.
• قبل أن نطيع الله، يجب أن نعيره انتباهنا أولًا. هكذا أيضًا، كانت الأبواق تُستخدَم لجذب انتباه شعب إسرائيل.
ب) الآيات (٣-١٠): نظام الضرب بالأبواق.
٣فَإِذَا ضَرَبُوا بِهِمَا يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. ٤وَإِذَا ضَرَبُوا بِوَاحِدٍ يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ الرُّؤَسَاءُ، رُؤُوسُ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ. ٥وَإِذَا ضَرَبْتُمْ هُتَافًا تَرْتَحِلُ الْمَحَلاَّتُ النَّازِلَةُ إِلَى الشَّرْقِ. ٦وَإِذَا ضَرَبْتُمْ هُتَافًا ثَانِيَةً تَرْتَحِلُ الْمَحَلاَّتُ النَّازِلَةُ إِلَى الْجَنُوبِ. هُتَافًا يَضْرِبُونَ لِرِحْلاَتِهِمْ. ٧وَأَمَّا عِنْدَمَا تَجْمَعُونَ الْجَمَاعَةَ فَتَضْرِبُونَ وَلاَ تَهْتِفُونَ. ٨وَبَنُو هَارُونَ الْكَهَنَةُ يَضْرِبُونَ بِالأَبْوَاقِ. فَتَكُونُ لَكُمْ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ. ٩وَإِذَا ذَهَبْتُمْ إِلَى حَرْبٍ فِي أَرْضِكُمْ عَلَى عَدُوٍّ يَضُرُّ بِكُمْ، تَهْتِفُونَ بِالأَبْوَاقِ، فَتُذْكَرُونَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، وَتُخَلَّصُونَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ. ١٠وَفِي يَوْمِ فَرَحِكُمْ، وَفِي أَعْيَادِكُمْ وَرُؤُوسِ شُهُورِكُمْ، تَضْرِبُونَ بِالأَبْوَاقِ عَلَى مُحْرَقَاتِكُمْ وَذَبَائِحِ سَلاَمَتِكُمْ، فَتَكُونُ لَكُمْ تَذْكَارًا أَمَامَ إِلهِكُمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ».
١. إِذَا ضَرَبُوا بِهِمَا يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ: كانت أصوات مختلفة تصدر من البوقين للإشارة سواء إلى اجتماع الجماعة، أو الارتحال، أو الحرب. وكان شعب إسرائيل يسمعون البوق، ويحتشدون وفق التعليمات.
• “إذا اتبعنا التقليد اليهودي، فإن النفخات الطويلة كانت تُستخدَم لجمع الشعب إلى موسى، أي إلى خيمة الاجتماع لأجل العبادة. بينما كانت النفخات القصيرة المتقطعة تُستخدَم لأجل الحرب، وكذلك لارتحال المحلات.” وينهام (Wenham)
٢. فَتُذْكَرُونَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ: وَعَد الله أيضًا بأن يسمع بوق إسرائيل في وقت الحرب، فيحامي عن الأمة. فمن ناحيةٍ، كان الله يسمع البوق، ويستجيب لشعبه في وقت حاجتهم.
٣. وَفِي يَوْمِ فَرَحِكُمْ: كانت الأبواق أيضًا وسيلة للاحتفال باجتماع شعب الله، وبحضور الرب معهم.
• سوف يستخدم الله بوقًا ليجمع شعبه في الاجتماع الأخير، عند اختطاف الكنيسة لملاقاة الرب في الهواء (١ تسالونيكي ٤: ١٦-١٨)
٤. فَتَكُونُ لَكُمْ تَذْكَارًا أَمَامَ إِلَهِكُمْ: من عدة نواحٍ، تعكس طبيعة هذين البوقين الفضيين، واستخدامهما، طبيعة الكرازة وكيفية ممارستها.
• كان تنوُّع الأبواق ونغماتها يمثِّل قيمة وأهمية (اصْنَعْ لَكَ بُوقَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ).
• كان إصدار البوق صوتًا يستلزم جهدًا (طبيعة النفخ في البوق).
• كان ينبغي أن يكون الصوت واضحًا (فَيَكُونَانِ لَكَ لِمُنَادَاةِ الْجَمَاعَةِ).
• كان ينبغي أن يكون الصوت عاليًا بما يكفي ليسمعه الجميع (فَيَكُونَانِ لَكَ لِمُنَادَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلِارْتِحَالِ الْمَحَلَّاتِ).
• إذا استمر الصوت لفترة أطول من اللازم، فإنه يصير مجرد ضوضاء.
• لم يكن مسموحًا للبوقين بإصدار نغمات مختلفة (اصْنَعْ لَكَ بُوقَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ”، وهما على الأرجح كانا بلا صمامات أو آليات انزلاق لتغيير النغمة).
• كان الصوت يجمع شعب الله (فَيَكُونَانِ لَكَ لِمُنَادَاةِ الْجَمَاعَةِ).
• يقود الصوت شعب الله إلى الأمام (لِارْتِحَالِ [لقيادة] الْمَحَلَّاتِ).
• كان على البوقين أن يجذبا انتباه الشعب (فَيَكُونَانِ لَكَ لِمُنَادَاةِ الْجَمَاعَةِ).
• كان على الشعب أن يتجاوبوا مع صوت البوقين (فَإِذَا ضَرَبُوا بِهِمَا يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ).
• كان على البوقين أن يوجِّها الشعب ويقوداهم (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ هُتَافًا [هتاف التقدم]).
• كان الهدف من الضرب بالبوق أحيانًا، هو استدعاء الرؤساء وحدهم (وَإِذَا ضَرَبُوا بِوَاحِدٍ يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ الرُّؤَسَاءُ، رُؤُوسُ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ).
• كان الصوت يخبر الشعب بأخبار سارة (وَفِي يَوْمِ فَرَحِكُمْ، وَفِي أَعْيَادِكُمْ).
• كان الصوت يقود شعب الله إلى الحرب (تَهْتِفُونَ بِالْأَبْوَاقِ [للإنذار]).
• كان على البوق أن يدقَّ إنذارًا (تَهْتِفُونَ بِالْأَبْوَاقِ [للإنذار]).
• كان الصوت يصدر عن آلةٍ صيغت عن طريق الطَّرق أو الضرب العنيف (مَسْحُولَيْنِ تَعْمَلُهُمَا).
• كان الله نفسه أيضًا يسمع الصوت (فَتُذْكَرُونَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ، وَتُخَلَّصُونَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ).
• كان شخص مدعوٍّ، ومطهَّر، ومقدَّس، وممسوح هو المسموح له أن يضرب بالبوق (وَبَنُو هَارُونَ الْكَهَنَةُ يَضْرِبُونَ بِالْأَبْوَاقِ).
• كانت للصوت دلالة خاصة لدى شعب الله (فَتَكُونُ لَكُمْ تَذْكَارًا أَمَامَ إِلَهِكُمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ).
• كان الصوت ينادي بعمل الذبيحة الكفارية (تَضْرِبُونَ بِالْأَبْوَاقِ عَلَى مُحْرَقَاتِكُمْ).
• كان الصوت يحتفي بالسلام مع الله، والعلاقة السليمة معه (وَذَبَائِحِ سَلَامَتِكُمْ).
• لم يكن البوقان يعملان بفاعلية إلا في وجود براهين على حضور الله (أي إن البوقين كانا يأمرانهم ببدء الارتحال، لكن عمود السحاب أو عمود النار كان يُظهِر لهم إلى أين يجب أن يذهبوا).
ثالثًا. الارتحال نحو أرض الموعد
أ ) الآيات (١١-١٣): بدء الارتحال صوب كنعان.
١١وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنْ مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ. ١٢فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي رِحْلاَتِهِمْ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، فَحَلَّتِ السَّحَابَةُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ. ١٣ارْتَحَلُوا أَوَّلًا حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ مُوسَى.
١. ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنْ مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ: نستطيع أن نتخيل الشعور الهائل بالحماس الذي سرى آنذاك في وسط الشعب عندما بدأت السحابة تتحرَّك. فقد كانت هذه علامةً على بدء ارتحالهم من جبل سيناء، ومسيرهم صوب أرض كنعان، الأرض الموعودة لآبائهم ولهم أيضًا.
• كان شعب إسرائيل الآن في طريقهم إلى أرض الموعد. فقد ارتحلوا فيما سبق من أرض مصر ومن العبودية؛ أما الآن، فقد ارْتَحَلَوا مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، وكانوا في طريقهم إلى أرض كنعان، وإلى الحرية.
• فَحَلَّتِ السَّحَابَةُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ: بعد هذا الارتحال الأول من سيناء، كان الشعب قد صار في وضعٍ يسمح له بمواصلة المسير إلى كنعان. “كانت برية فاران عبارة عن هضبة كبيرة تقع شمال شرق سيناء، وجنوب ما سُمِّي لاحقًا صحراء النقب في يهوذا، وغرب وادي عربة. وهي تمثِّل الجزء الواقع في أقصى جنوب أرض الموعد، وكانت هذه منطقة الانطلاق المفترَضة للهجوم على الأرض.” ألن (Allen)
• “توقف الشعب في قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ، وفي حَضَيْرُوتَ قبل أن يصلوا أخيرًا إلى برية فاران (سفر العدد ١١: ٣٥؛ ١٢: ١٦). كانت هذه من أوسع المناطق في البرية التي اجتاز فيها شعب إسرائيل، وأكثرها جدبًا، وكانت تغطي جزءًا كبيرًا من شمال شبه جزيرة سيناء.” وينهام (Wenham)
٢. ارْتَحَلُوا أَوَّلًا حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ مُوسَى: كانت هذه هي المرة الأولى (أَوَّلًا) التي يرتحل فيها شعب إسرائيل في صورة أمة منظَّمة ومتأهِّبة. فإنهم لم يعودوا تلك الجماعة نفسها التي غادرت أرض مصر مثل الغوغاء.
• فقد صاروا مستعدِّين تمامًا للارتحال بصفتهم شعب أرض الموعد، وكان كلُّ شيء متمحورًا حول هذا الهدف تحديدًا، ألا وهو الوصول إلى أرض الموعد:
كانوا قد أصبحوا منظَّمين ومرتَّبين (سفر العدد ١-٤)
كانوا قد تطهَّروا وتنقوا (سفر العدد ٥)
كانوا قد تقدَّسوا وبورِكوا (سفر العدد ٦)
كانوا قد تعلَّموا كيف يعطون بسخاء، وكيف يخدمون ككهنة (سفر العدد ٣؛ ٧-٨)
تمَّ تذكيرهم بإعفائهم من الدينونة، وبالخلاص الذي تحقَّق (سفر العدد ٩)
كان حضور الله ملازمًا لهم لإرشادهم، وصارت لديهم أيضًا الأدوات اللازمة لقيادة الشعب (سفر العدد ٩-١٠)
• “بارتحال شعب إسرائيل من برية سيناء (الآية ١٢)، صاروا في رحلةٍ كان من الممكن أن تؤدِّي بهم إلى امتلاك أرض كنعان في غضون بضعة أسابيع. كان هذا يومًا لا يُنسَى… فأخيرًا، أصبح بنو إسرائيل في طريقهم إلى كنعان!” ألن (Allen)
• ربما نظن أنه بعد كلِّ هذا الاستعداد المكثَّف – أي بعد هذا التحوُّل الفعلي لهؤلاء من عبيدٍ إلى شعب أرض الموعد – سيكون الدخول الفعلي إلى أرض الموعد أمرًا سهلًا. لكنَّ الأمر لم يكن كذلك. فقد كان الاستعداد مجرد استعدادٍ. وكانت التحديات الأكبر لا تزال أمامهم، وهي التحديات التي لم يكن من الممكن مواجهتها إلا بالإيمان. على سبيل المثال، قد يظن الجندي أن التدريب الأوَّلي هو نهاية المطاف، لكنه في حقيقة الأمر ليس كذلك، بل هو مجرد استعداد لتحدٍّ أكبر، أي للمعركة الفعلية نفسها.
ب) الآيات (١٤-٢٨): وصف ترتيب الارتحال.
١٤فَارْتَحَلَتْ رَايَةُ مَحَلَّةِ بَنِي يَهُوذَا أَوَّلًا حَسَبَ أَجْنَادِهِمْ، وَعَلَى جُنْدِهِ نَحْشُونُ بْنُ عَمِّينَادَابَ، ١٥وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي يَسَّاكَرَ نَثَنَائِيلُ بْنُ صُوغَرَ، ١٦وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي زَبُولُونَ أَلِيآبُ بْنُ حِيلُونَ. ١٧ثُمَّ أُنْزِلَ الْمَسْكَنُ فَارْتَحَلَ بَنُو جَرْشُونَ وَبَنُو مَرَارِي حَامِلِينَ الْمَسْكَنَ. ١٨ثُمَّ ارْتَحَلَتْ رَايَةُ مَحَلَّةِ رَأُوبَيْنَ حَسَبَ أَجْنَادِهِمْ، وَعَلَى جُنْدِهِ أَلِيصُورُ بْنُ شَدَيْئُورَ، ١٩وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي شِمْعُونَ شَلُومِيئِيلُ بْنُ صُورِيشَدَّاي، ٢٠وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي جَادَ أَلِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ. ٢١ثُمَّ ارْتَحَلَ الْقَهَاتِيُّونَ حَامِلِينَ الْمَقْدِسَ. وَأُقِيمَ الْمَسْكَنُ إِلَى أَنْ جَاءُوا ٢٢ثُمَّ ارْتَحَلَتْ رَايَةُ مَحَلَّةِ بَنِي أَفْرَايِمَ حَسَبَ أَجْنَادِهِمْ، وَعَلَى جُنْدِهِ أَلِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ، ٢٣وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي مَنَسَّى جَمْلِيئِيلُ بْنُ فَدَهْصُورَ، ٢٤وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي بَنْيَامِينَ أَبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي. ٢٥ثُمَّ ارْتَحَلَتْ رَايَةُ مَحَلَّةِ بَنِي دَانَ سَاقَةِ جَمِيعِ الْمَحَلاَّتِ حَسَبَ أَجْنَادِهِمْ، وَعَلَى جُنْدِهِ أَخِيعَزَرُ بْنُ عَمِّيشَدَّاي، ٢٦وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي أَشِيرَ فَجْعِيئِيلُ بْنُ عُكْرَنَ. ٢٧وَعَلَى جُنْدِ سِبْطِ بَنِي نَفْتَالِي أَخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ. ٢٨هذِهِ رِحْلاَتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَجْنَادِهِمْ حِينَ ارْتَحَلُوا.
١. فَارْتَحَلَتْ رَايَةُ مَحَلَّةِ بَنِي يَهُوذَا أَوَّلًا: ارتحل هؤلاء وفقًا للترتيب الذي أمر به الرب في جزء سابق من هذا السفر. يعني ذلك أنهم أخذوا كلام الله على محمل الجد، وأطاعوه بكل تدقيق، تمامًا كما ينبغي على أولئك الذين يريدون أن ينالوا مواعيد الله أن يفعلوا.
٢. ثُمَّ أُنْزِلَ الْمَسْكَنُ: بعد إقامة الْمَسْكَن في البداية عند سفح جبل سيناء، كانت هذه هي المرة الأولى التي يُحَل فيها الْمَسْكَن ويُنقَل. وقد تمَّ كلُّ شيء حسب أمر الله، وأدَّى كلُّ بيت من اللاويين الدور المكلَّف به.
٣. حِينَ ارْتَحَلُوا: كانت هذه مجرد البداية. وكان المزيد والمزيد من تحديات الإيمان الأخرى ينتظر شعب إسرائيل. وحتى هذه اللحظة، أي حتى بدء ارتحالهم، كان كل ما سُجِّل في سفر العدد ينم عن طاعة ثابتة. ولذلك، فإننا نجد أنفسنا غير متأهِّبين لما سيعقب ذلك من عصيان وتمرُّد من جانب شعب إسرائيل، وللحقيقة المُرة التي مفادها أن جميع هؤلاء الرجال المُبهرين، المشار إليهم في هذه الآيات، سيموتون في البرية بصفتهم جيلًا غير مؤمن لم يرغب في نوال وعد الله بالدخول إلى كنعان.
ج) الآيات (٢٩-٣٢): موسى يناشد صهره بالبقاء مع شعب إسرائيل.
٢٩وَقَالَ مُوسَى لِحُوبَابَ بْنِ رَعُوئِيلَ الْمِدْيَانِيِّ حَمِي مُوسَى: «إِنَّنَا رَاحِلُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ أُعْطِيكُمْ إِيَّاهُ. اِذْهَبْ مَعَنَا فَنُحْسِنَ إِلَيْكَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِالإِحْسَانِ». ٣٠فَقَالَ لَهُ: «لاَ أَذْهَبُ، بَلْ إِلَى أَرْضِي وَإِلَى عَشِيرَتِي أَمْضِي». ٣١فَقَالَ: «لاَ تَتْرُكْنَا، لأَنَّهُ بِمَا أَنَّكَ تَعْرِفُ مَنَازِلَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ تَكُونُ لَنَا كَعُيُونٍ. ٣٢وَإِنْ ذَهَبْتَ مَعَنَا فَبِنَفْسِ الإِحْسَانِ الَّذِي يُحْسِنُ الرَّبُّ إِلَيْنَا نُحْسِنُ نَحْنُ إِلَيْكَ».
١. اِذْهَبْ مَعَنَا فَنُحْسِنَ إِلَيْكَ: كان موسى قائدًا حكيمًا بما يكفي ليعرف محدودياته، وليدرك أنه كان بحاجة إلى المساعدة. كان موسى يعرف أن معونة الله تأتي في كثير من الأحيان من خلال أشخاص مثل صهره، حُوبَاب.
• مع أن الله هو الذي كان يقود شعب إسرائيل، فإنهم كانوا لا يزالون بحاجة إلى مساعدة بشرٍ، أي رجالٍ نظير حُوبَاب. فإن هكذا يخطِّط الله للأمور، إذ يدبِّر في كثير من الأحيان بأن يرسل معونته، على الأقل جزئيًّا، من خلال أشخاص عيَّنهم لمساعدتنا.
• لم يكن الشعب بحاجة إلى حُوبَاب ليخبرهم إلى أين يجب أن يذهبوا، لأن هذا كان دور عمود السحاب وعمود النار. ولكنَّ خبرة حُوبَاب أفادتهم في العثور على الماء، والطعام، وغيرها من الأشياء الموجودة في تلك المواضع التي قادهم الرب للارتحال إليها أو للنزول فيها.
• اِذْهَبْ مَعَنَا فَنُحْسِنَ إِلَيْكَ: “هذا سؤال يجب على كل جماعة من المؤمنين أن تطرحه على نفسها. فهل نستطيع أن نقول بصدقٍ للذين من خارج: اذهبوا معنا فنحسن إليكم؟ وكي نتحلَّى باليقين في هذا الشأن، ألا ينبغي أن يكون كلُّ عضو في الكنيسة قادرًا على أن يشهد بأن إيمانه يمنح الفرح والسلام، وبأن شركته مع الله تجعل الحياة تتَّسم بالنقاء، والقوة، والحرية؟” واتسون (Watson)
• كان رَعُوئِيل هو والد حُوبَاب، وكان معروفًا أيضًا باسم يثرون. “رأى بعض الباحثين القدامى أن وجود هذين الاسمين، أي يثرون ورعوئيل، يدل على أن خروج ٢: ١٨، وخروج ٣: ١ يأتيان من مصدرين مختلفين للأسفار الخمسة الأولى. لكن س. هـ. جوردون (C. H. Gordon) وآخرين أثبتوا أن استخدام اسمين لشخص واحد في الكتاب المقدس ونصوص الشرق الأدنى القديم كان ممارسة شائعة سواء في النصوص الشعرية أو النثرية.” كول (Cole)
٢. لَا تَتْرُكْنَا: كان موسى يَعلَم أن الله يمكن أن يستخدم حُوبَاب بطرق كثيرة، ولذلك كان على استعداد أن يناشده في توسُّل، وألا يَقنَع برفضه الأول. كانت المناشدة الأولى لحُوبَاب مبنيةً على مصلحته الشخصية (فَنُحْسِنَ إِلَيْكَ)؛ أما المناشدة الثانية، التي لاقت نجاحًا، فاحتكمت إلى مدى نفعه لهم.
• “إننا عرضةٌ للغاية في مناشداتنا للآخرين أن نخاطب أنانيتهم. صحيح أننا نغلِّف ذلك بلغة منمَّقة، لكنها تظل تحت مسمَّى الأنانية. ألن تكون مناشدة روح البطولة لدى الآخرين، في دعوةٍ لهم إلى الخدمة والبذل، أكثر فاعلية وإقناعًا؟ يوجد أمر واحد أكيد، وهو أن تلك كانت النغمة التي سادت على دعوة المسيح للبشر في أيامه على الأرض.” مورجان (Morgan)
• “نجد في سفر القضاة آثارًا لأشخاص من نسل حُوبَاب، مدمَجين ضمن شعب إسرائيل. وقد صار أحدهم شخصًا ذا شأن، وهي ياعيل، التي ضربت وتد الخيمة في صدغ سيسرا وهو نائم، وذلك لأنها دُعيت ’امرأة حابر القيني.‘ فعلى الأرجح، أصبح حُوبَاب من ناحية ما عابدًا ليهوه، وانضم إلى صهره وإلى شعبه أيضًا.” ماكلارين (Maclaren)
د ) الآيات (٣٣-٣٦): الارتحال من سيناء: قُمْ يَا رَبُّ!
٣٣فَارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ الرَّبِّ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَتَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ رَاحِلٌ أَمَامَهُمْ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِيَلْتَمِسَ لَهُمْ مَنْزِلًا. ٣٤وَكَانَتْ سَحَابَةُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ نَهَارًا فِي ارْتِحَالِهِمْ مِنَ الْمَحَلَّةِ. ٣٥وَعِنْدَ ارْتِحَالِ التَّابُوتِ كَانَ مُوسَى يَقُولُ: «قُمْ يَا رَبُّ، فَلْتَتَبَدَّدْ أَعْدَاؤُكَ وَيَهْرُبْ مُبْغِضُوكَ مِنْ أَمَامِكَ». ٣٦وَعِنْدَ حُلُولِهِ كَانَ يَقُولُ: «ارْجِعْ يَا رَبُّ إِلَى رِبَوَاتِ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ».
١. كَانَتْ سَحَابَةُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ نَهَارًا فِي ارْتِحَالِهِمْ مِنَ الْمَحَلَّة: عندما بدأ الشعب مَسِيرَهُ إلى أرض الموعد، كانوا منقادين بحضور الله، وليس بقدرتهم الشخصية على تحديد الاتجاهات. فقد كانوا يتبعون السحابة بغض النظر عن المكان الذي يقودهم الله إليه. فإذا لزم أن ينزلوا في موضع وعر، كانوا يفعلون كذلك. وإذا أمرهم الله بأن يرتحلوا من مكان مريح، كانوا يفعلون ذلك أيضًا. فقد سمحوا لله، وليس لحكمتهم الشخصية أو رغبتهم في الراحة واليُسر، بأن يقودهم.
• مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: يشير ذلك إلى المسافة إلى برية فاران (سفر العدد ١٠: ١٢). “كان هذا النوع من العبارات شائع الاستخدام في الشرق الأدنى القديم للتعبير عن المسافة التي كانت الجيوش أو القوافل تقطعها، حيث كان متوسط المسافة التي تُقطَع في اليوم الواحد نحو خمسة عشر ميلًا … وبالتالي، قطع بنو إسرائيل على الأرجح مسافة تتراوح ما بين أربعين إلى خمسة وأربعين ميلًا في هذه المرحلة الأولى من مسيرتهم.” كول (Cole)
٢. قُمْ يَا رَبُّ، فَلْتَتَبَدَّدْ أَعْدَاؤُكَ وَيَهْرُبْ مُبْغِضُوكَ مِنْ أَمَامِكَ: كانت هذه هي صلاة موسى فيما كان حضور الله يقودهم إلى الأمام.
• كانت الفكرة بسيطة كالتالي: “يا الله، تقدَّمنا، وتولَّ أنت أمر أعدائنا. وإذا لم تفعل ذلك، سيكون الطريق الماثل أمامنا خطيرًا بشكل زائد عن الحد.” هذه صلاة يستطيع كل مؤمن أن يصليها. والإيمان الذي تجلَّى هنا يضفي على القارئ شعورًا بأن كنعان سرعان ما ستصير لهم.
• كذلك، هذه الصلاة ملائمة لتذكُّر مجد ربِّنا القائم من بين الأموات وقوته. فعندما قام يسوع، تبدَّد كلُّ أعدائه، ولم يجرؤ أحد أن يقف في وجهه. وإننا نجد كلَّ غلبتنا في مجد قيامته. أشار سبيرجن (Spurgeon) إلى شدة غلبة يسوع في عظةٍ له من هذه الآية، قائلًا:
هُزمت الخطية وتبدَّدت عند الصليب.
هُزمت قوات الجحيم وتبدَّدت عند الصليب.
هُزم الموت نفسه وتبدَّد عند الصليب.
هُزمت آلهة الوثنيين وتبدَّدت عند الصليب.
• “على القادة أن يصلُّوا، وعليهم أيضًا أن يقودوا قوَّاتهم في الحرب، كما كان تشارلز الكبير يفعل، وكما فعل أيضًا ملك السويد الشجاع الراحل، الذي انكبَّ على الصلاة أكثر من القتال.” تراب (Trapp)
• “لم أقتبس هذه الآية إلا لتكون مثالًا ينطبق على تاريخ الكنيسة بأكملها. يبدو لي، من الناحية الروحية، أنه عندما خرَّ لوثر على ركبتيه للمرة الأولى، ابتدأت الكنيسة تنشد قائلةً: ’ليقم الله، وليتبدَّد أعداؤه.‘ وعندما دافع جون نوكس في إسكتلندا عن مجد اسم يسوع، ألم تتكرَّر هذه الصلاة نفسها – ’قم يا الله، وليهرب مبغضوك من أمامك؟‘ وعندما اجتاز وايتفيلد وويسلي، المبشِّران المبارَكان بيسوع المسيح، في هذه الأرض، ألم يتردَّد نشيد إسرائيل هذا نفسه – ’قم يا الله، وليتبدَّد أعداؤك؟‘ أفلا ينبغي إذن أن يكون هذا هو نشيدنا اليوم أيضًا؟” سبيرجن (Spurgeon)
• رأى سبيرجن أيضًا أن هذه الصلاة ملائمةٌ للمُرسلين على الجبهات الأمامية، وللذين يخدمون في الأماكن الوعرة، قائلًا: “هل تخدم الله في مكانٍ يسعى فيه الكثيرون إلى إبطال كلِّ ما يمكنك إنجازه؟ هل أنت مُبشِّر في مدينةٍ، وهل تخدم في وسط عرينٍ من الإثم والشر؟ هل يبدو لك أن ما تفعله في يوم واحد يحطِّمه الآخرون في ساعة واحدة؟ خذ هذا كلَّه إلى عرش النعمة، وقل: ’قم يا رب، و ليتبدَّد أعداؤك.‘” سبيرجن (Spurgeon)
• “ثمة تناقض ومفارقة بين الإيمان الذي عبَّر عنه موسى بهذا اليقين الشديد، وبين ما حدث في الإصحاحات التالية. ففي حين كان موسى متيقنًا بأن الله سيُحسِن إلى إسرائيل، ابتدأ الشعب يتذمَّرون على الشر الذي يصنعه الله بهم (سفر العدد ١١: ١). وفي حين صلَّى موسى كي يتبدَّد جميع أعداء الله، أعلن الجواسيس بأن شعب إسرائيل سيُهزَمون لا محالة أمام أعدائهم (سفر العدد ١٣). فإن الخاتمة الانتصارية لهذا الإصحاح تزيد من وقع المأساة المؤلمة التي نراها في المشاهد التالية.” وينهام (Wenham)
٣. ارْجِعْ يَا رَبُّ إِلَى رِبَوَاتِ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ: كان هذا هو منطوق صلاة موسى عندما كانت سحابة حضور الله تتوقف محدِّدة موضع نزول الشعب. وبالتالي، كانت هذه الصلاة معناها: “هنا سننزل يا رب، فلتبقَ معنا.”
• “ليتنا نذهب أنا وأنت إلى بيوتنا اليوم ونحن نردِّد هذه الصلاة، ممسكين بكلِّ قوة وحماس بقرون مذبح الله. أوصيكم، يا إخوتي في المسيح، ألا تهملوا هذا العمل الشخصي. ليدخل كلُّ واحد منكم إلى مخدعه، ويغلق بابه، ويصرخ إلى ذاك الذي يسمع في الخفاء. وليكن صراخكم هذا محمَّلا بالصلاة التالية: ’قم يا رب، وليتبدد أعداؤك.‘” سبيرجن (Spurgeon)