راعوث الفصل الثاني – راعوث تشتغل في ألتقاط بقایا الحصاد
أولاً. راعوث تلتقط في حقل بوعز
أ ) الآية ١: بوعز ذو قرابة لنعمي
“وَكَانَ لِنُعْمِي ذُوقَرَابَةٍ لِرَجُلِهَا، جَبَّارُ بَأْسٍ مِنْ عَشِیرَةِ أَلِیمَالِكَ، اسْمُهُ بُوعَزُ.”
١.وَكَانَ لِنُعْمِي ذُو قَرَابَةٍ لِرَجُلِهَا: كانت نعمي ذات قرابة بهذا الرجل بوعز عن طریق زوجها المتوفي ألیمالك. نحن لا نعلم ما هي هذه القرابة، ولكنها قرابة على أي حال.
٢. جَبَّارُ بَأْسٍ: بقي بوعز في أرض الموعد، وأعاله االله، في حین تركها ألیمالك ونعمي وكل عائلتهما أثناء المجاعة، وذهبوا إلى موآب. في الواقع، لقد جعل االلهُ بوعز جَبَّارُ بَأْسٍ.
- لقد أتخذت نعمي وعائلتها قراراً منذ عشر سنوات في أوان صعبة، أوان المجاعة. ولكنهم لم یكونوا مضطرین أن یتخذوا هذا القرار الخاطيء، فلم یهلك أهل بیت لحم جوعاً. فقد ظلوا هناك، وقد كانوا مباركین أكثر مما كانت عائلة نعمي مباركة.
- نبرر أحیاناً القرارات الخاطئة نظراً إلى الظروف الصعبة. ولكن االله سوف یعضدنا ویباركنا لكي نتخذ القرار الصائب، حتى في الظروف الصعبة.
٣. ذُو قَرَابَةٍ: هذا یُطلعنا على كلمة جوهریة في سفر راعوث، وهي الكلمة العبریة القدیمة التي تنطق (چویل). فالقول بأن بوعز كان (چویل)، أو ذو قرابة، تعني أكثر من أنه مجرد قریب؛ فقد عَنِىَ القول بأنه نائباً ممیزاً للعائلة. لقد كان رأس العائلة. زعيماً في العائلة.
ب) الآيات ٢-٣: إتفق نصیب راعوث في حقل بوعز
٢فَقَالَتْ رَاعُوثُ ٱلْمُوآبِيَّةُ لِنُعْمِي: «دَعِينِي أَذْهَبْ إِلَى ٱلْحَقْلِ وَأَلْتَقِطْ سَنَابِلَ وَرَاءَ مَنْ أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ». فَقَالَتْ لَهَا: «ٱذْهَبِي يَا بِنْتِي». ٣فَذَهَبَتْ وَجَاءَتْ وَٱلْتَقَطَتْ فِي ٱلْحَقْلِ وَرَاءَ ٱلْحَصَّادِينَ. فَٱتَّفَقَ نَصِيبُهَا فِي قِطْعَةِ حَقْلٍ لِبُوعَزَ ٱلَّذِي مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَالِكَ.
١.دَعِینِي أَذْهَبْ إِلَى الْحَقْلِ وَأَلْتَقِطْ سَنَابِلَ: یأمر المقطع الكتابي في سفر اللاويين ٩:١٩-١٠ مزارعين في إسرائیل ألا یحصدون حقولهم بكاملها. لقد أُمِروا ألا یكمَّلوا زوایا حقولهم في الحصاد، وأن يتركوا بعضاً منه ورائهم. وإن وقعت حزمة من القمح، عليهم أن یتركوها على الأرض وألا یلتقطوها.
- كان هذا واحداً من الطرق لمساعدة المجتمع في إسرائیل. كان على المزارعين ألا یحصدوا حقولهم بكاملها حتى یستطیع المُعوزون والفقراء أن یأتوا ویلتقطون البقایا لأنفسهم.
- يا لها من طریقة رائعة لمساعدة الفقراء. إنه یأمر المزارعين أن یكون لدیهم قلباً سخیاً، والفقراء أن یكونوا نشیطین ویعملوا لتأمين احتياجاتهم بكرامة.
٢. فَذَهَبَتْ: وهكذا أنطلقت راعوث بمبادرة منها لكي تلتقط بقایا الحصاد في الحقول حتى تعول نفسها وحماتها نعمي. وقد بَیّنَ هذا في راعوث الروحَ المثابرة بطریقة عجیبة، وأیضاً مدى روحانیتها؛ فلم تكن لتصبح روحانیة إذا كانت قد استلقت في البیت وصَلّت لأجل الطعام.
٣.فَاتَّفَقَ نَصِیبُهَا فِي قِطْعَةِ حَقْل لِبُوعَزَ: إن الآیة تُفید بأن راعوث صادفت أن أتت إلى ذلك المكان، وبالتأكید كان هذا ما بدا لها. ولكن لم یكن الأمر بالكیفیة التي حدثت فعلاً. فلقد أتت راعوث إلى ذلك الحقل لأن االله أرشدها لذلك.
- وهذا یُبرهنُ لنا جزءاً من الكیفیة العجیبة التي تعمل بها ید االله الغیر مرئیة. فلو كانت راعوث قد مكثت في البیت وانتظرت شعوراً “روحیاً”، لكانت أنتظرت أمداً طویلاً، وأیضاً لكانت قد ذهبت إلى الحقل الخطأ. عوضاً عن ذلك أختبرت راعوث التحرك الطبیعي لید االله الخارقة للطبیعة.
- في أحیان كثیرة عندما نسلك بالروح حقاً، يمكننا رؤیة ید االله غیر المرئیة من خلال التطلع للوراء. فإذا قضینا وقتاً طویلاً محاولین أن نبحث عن یده في طلیعتنا، ربما سنجلب المشاكل لأنفسنا.
ج ) الآیات ٤-٧: بوعز یتعرف على راعوث
٤وَإِذَا بِبُوعَزَ قَدْ جَاءَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ وَقَالَ لِلْحَصَّادِينَ: «ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «يُبَارِكُكَ ٱلرَّبُّ». ٥فَقَالَ بُوعَزُ لِغُلَامِهِ ٱلْمُوَكَّلِ عَلَى ٱلْحَصَّادِينَ: «لِمَنْ هَذِهِ ٱلْفَتَاةُ؟» ٦فَأَجَابَ ٱلْغُلَامُ المُوَكَّلُ عَلَى ٱلحَصَّادِينَ وَقَالَ: «هِيَ فَتَاةٌ مُوآبِيَّةٌ قَدْ رَجَعَتْ مَعَ نُعْمِي مِنْ بِلَادِ مُوآبَ، ٧وَقَالَتْ: دَعُونِي أَلْتَقِطْ وَأَجْمَعْ بَيْنَ ٱلْحُزَمِ وَرَاءَ ٱلْحَصَّادِينَ. فَجَاءَتْ وَمَكَثَتْ مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلْآنَ. قَلِيلًا مَّا لَبِثَتْ فِي ٱلْبَيْتِ».
١. الرَّبُّ مَعَكُمْ: وهذا یكشف لنا شیئاً ما عن قلب وشخصیة بوعز. فمن الجلي أن العاملین لدیه أحبوه، وكانت لهم علاقة طیبة به. يمكنك غالباً أن تعرف الشخصیة الحقیقیة لرجل ذي سلطة من خلال ملاحظة كیفیة تعامله مع طاقمه وكیف یفكرون به.
٢.لاَ تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلِ آخَرَ: لقد كان االله یبارك راعوث بالفعل، والسبب أنه أرشدها إلى حقل بوعز. علم بوعز أنه إذا مكثت راعوث في حقوله فإنها سوف تنال البركة وستجد:
٣. فَجَاءَتْ وَمَكَثَتْ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الآنَ: لم لم تعلم راعوث أنها كانت تحت المراقبة؛ فقد كان الموكل على الحصادین یلاحظ مدى شغلها، وقد أندهش أنها قامت بعمل جید. وحقیقة أنها قامت بعمل جید كانت مهمة جداً، إذ أن هذا قد ترك أنطباعاً جیداً لدى بوعز.
- ونحن أیضاً تحت المراقبة. فالآخرون یلاحظونا في أوقات لا نعلمها، لیروا كیف سنسیر مع االله. وما سیرونه سیصنع فرقاً.
د ) الآيات ٨-٩: بوعز یتحدث بلطف مع راعوث
٨فَقَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ: «أَلَا تَسْمَعِينَ يَا بِنْتِي؟ لَا تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلِ آخَرَ، وَأَيْضًا لَا تَبْرَحِي مِنْ هَهُنَا، بَلْ هُنَا لَازِمِي فَتَيَاتِي. ٩عَيْنَاكِ عَلَى ٱلْحَقْلِ ٱلَّذِي يَحْصُدُونَ وَٱذْهَبِي وَرَاءَهُمْ. أَلَمْ أُوصِ ٱلْغِلْمَانَ أَنْ لَا يَمَسُّوكِ؟ وَإِذَا عَطِشْتِ فَٱذْهَبِي إِلَى ٱلْآنِيَةِ وَٱشْرَبِي مِمَّا ٱسْتَقَاهُ ٱلْغِلْمَانُ».
١. لاَزِمِي فَتَیَاتِي: أولئك كن العاملات في حقل بوعز وكان عملهن ربط القمح المقطع في حُزم. أخبر بوعز راعوث بأن تبقى بقربهن ليعتني بها.
٢. لاَ تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلِ آخَرَ: لقد كان االله یبارك راعوث بالفعل، والسبب أنه أرشدها إلى حقل بوعز. علم بوعز أنه إذا مكثت راعوث في حقوله فإنها سوف تنال البركة وستجد:
- الرفقة (وسط الفتیات).
- الحمایة (أَلَمْ أُوصِ الْغِلْمَانَ أَنْ لاَ یَمَسُّوكِ).
- الانتعاش والشبع (وَإِذَا عَطِشْتِ).
- لقد كان عطف بوعز رائعاً. لیس لدینا أي إشارة حتى الآن على وجود انجذاب عاطفي بین بوعز وراعوث، ولیس لدینا أدنى فكرة كیف بدت راعوث (فحتى لو كانت جمیلة، فإن جمالها على الأرجح كان یعلوه الإرهاق بعد یوم كامل من العمل الشاق). ومع ذلك فقد بسط بوعز لها هذا اللطف والعطف.
- نجد الأمر سهلاً جداً أن نكون لطفاء مع الآخرین عندما نعلم أن هناك عائد ينفعنا من وراء لطفنا. ولكن اللطف الحقیقي يظهر عندما نبذل أنفسنا للآخرین اللذین، على حد علمنا، لا یمتلكون شیئاً لیقدموه لنا.
هـ ) الآيات ١٠-١٣: راعوث تشكر بوعز على عطفه
١٠فَسَقَطَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَسَجَدَتْ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَقَالَتْ لَهُ: «كَيْفَ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيَّ وَأَنَا غَرِيبَةٌ؟» ١١فَأَجَابَ بُوعَزُ وَقَالَ لَهَا: «إِنَّنِي قَدْ أُخْبِرْتُ بِكُلِّ مَا فَعَلْتِ بِحَمَاتِكِ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلِكِ، حَتَّى تَرَكْتِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَأَرْضَ مَوْلِدِكِ وَسِرْتِ إِلَى شَعْبٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ مِنْ قَبْلُ. ١٢لِيُكَافِئِ ٱلرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلًا مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِيَ تَحْتَ جَنَاحَيْهِ». ١٣فَقَالَتْ: «لَيْتَنِي أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي لِأَنَّكَ قَدْ عَزَّيْتَنِي وَطَيَّبْتَ قَلْبَ جَارِيَتِكَ، وَأَنَا لَسْتُ كَوَاحِدَةٍ مِنْ جَوَارِيكَ».
١. كَیْفَ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَیْنَیْكَ: كان موقف راعوث رائعاً. إن كنا نحن في نفس الموقف ربما سنقول:”حسناً، أخیراً لاحظني أحدهم. فلقد عملت طوال الیوم بكد. والآن سیعطیني االله البركات التي استحقها.”
- لا نرى راعوث تتسائل البتة لماذا مرت بكل هذه الظروف الصعبة في حیاتها، بل تتسائل لماذا حدث هذا الخیر لها. وهذا موقفٌ ذو فارق جوهري.
٢. وَأَنَا غَرِیبَةٌ: لقد كان هذا دائماً في فكر راعوث، فلقد كانت موآبیة ولیست من شعب إسرائیل. وعلمت أنها بُناءً على الخلفیة القومیة، فهي لا تنتمي لشعب إسرائیل. مما جعل عطف بوعز علیها مميزاً جداً.
- یخبرنا الكتاب المقدس بأننا یجب أن نكون كُرماء مع الغرباء في وسطنا. فبالنسبة للكثيرين لم تعد العائلة هي أقرب دائرة لهم، بل الأصدقاء، فدائرة المعرفة المقربة تدور حول الأصدقاء. إن وصیة محبة الغرباء تعني أننا یجب ألا نتشارك مع أولئك الذین من معارفنا فقط، بل أیضاً مع أولئك الذین من خارج دائرة معارفنا.
٣. إِنَّنِي قَدْ أُخْبِرْتُ: إن هذا الأمر مُفعمٌ بالحیویة بالنسبة إلى الحیاة في بلدة صغیرة؛ فالكل یعرفون شئون بعضهم البعض، علاوة على أن هذا یُبّین مدى إلتزام راعوث نحو نعمي، فقلد كان الأمرُ مُلفتاً للأنظار.
٤. لِیُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْیَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِیلَ: لقد شجّع بوعز راعوث وكأنها مؤمنة جدیدة بإله اسرائیل. نرى في راعوث مثالاً لمؤمنة جديدة:
- لقد وضعت ثقتها في إله اسرائیل
- لقد تركت إرتباطاتها السالفة
- لقد أتت وسكنت وسط غرباء
- كانت في عین نفسها ضئیلة جداً
- وجدت الحمایة تحت جناحي االله
- على نحو مماثل یجب على المؤمنین المتقدمین أن یكونوا كبوعز من جهة المؤمنین حدیثي العهد كراعوث. قال سبرجن (Spurgeon): “لاحظوا أنه حیّاها بكلمات التشجیع الرقیقة، إذ أن ذلك هو بالضبط ما أرید كل المؤمنین المتقدمین في وسطكم أن یعملوه نحو أولئك الذین یشابهون راعوث. أرید أن تكونوا تهتموا بالمؤمنين الجدد، مخاطبین إیاهم بكلمات تشجيع وتعزية، بهذا يتشجعوا ويتقووا في الإيمان.”
- ومن الجدیر بالذكر أنه بالرغم من أن هذه الكلمات قد قيلت لراعوث، ولكنها كانت بحق صلاة موجهة لله لأجلها. یجب على المؤمنین الصلاة لأجل بعضهم البعض، خاصة المتقدمین لأجل المؤمنين الجدد.
٥. الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِیلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَیْهِ: لقد عَلِمَ بوعز بصورة خاصة إلتزام راعوث نحو إله إسرائیل. وهذه كانت طریقته في إبداء اللطف والتشجیع للمؤمنین بالرب حدیثي العهد.
- تَحْتَ جَنَاحَیْهِ: يا له من وصف بدیع. يقول مورِس (Morris): “إن الصورة هنا هي لطائر بالغ الصغر یصارع تحت جناحي أمه. وهذا یرسمُ معناً للثقة والأمان. (قارن مع مزمور٨:١٧ ،٧:٣٢ ،٧:٢٣).
٦. لَیْتَنِي أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَیْنَیْكَ: كانت هذه طریقة راقیة للتعبیر عن الشكر لبوعز. لقد كانت راعوث شبه مغمورة بعطفه، وكانت مهذبة لحد كافٍ لتقول: شكراً.
و ) الآيات ١٤-١٦: بوعز یستمر في إظهار نعمة خاصة لراعوث
١٤فَقَالَ لَهَا بُوعَزُ: «عِنْدَ وَقْتِ ٱلْأَكْلِ تَقَدَّمِي إِلَى هَهُنَا وَكُلِي مِنَ ٱلْخُبْزِ، وَٱغْمِسِي لُقْمَتَكِ فِي ٱلْخَلِّ». فَجَلَسَتْ بِجَانِبِ ٱلْحَصَّادِينَ فَنَاوَلَهَا فَرِيكًا، فَأَكَلَتْ وَشَبِعَتْ وَفَضَلَ عَنْهَا. ١٥ثُمَّ قَامَتْ لِتَلْتَقِطَ. فَأَمَرَ بُوعَزُ غِلْمَانَهُ قَائِلًا: «دَعُوهَا تَلْتَقِطْ بَيْنَ ٱلْحُزَمِ أَيْضًا وَلَا تُؤْذُوهَا. ١٦وَأَنْسِلُوا أَيْضًا لَهَا مِنَ ٱلشَّمَائِلِ وَدَعُوهَا تَلْتَقِطْ وَلَا تَنْتَهِرُوهَا».
١. اغْمِسِي لُقْمَتَكِ فِي الْخَلِّ: ربما نرى الآن أول إشارة لقصة حب. لقد أظهر بوعز لطف وعطف عظیمین لراعوث في وقت تناول الطعام. لقد كان كافیاً بأن يوجه لها دعوة، ولكنه أیضاً دعاها لكي تشاركه وجبة الطعام بأكملها حتى التغميس.
٢. فَأَكَلَتْ وَشَبِعَتْ وَفَضَلَ عَنْهَا: ربما شعرت راعوث أیضاً بشيء من المشاعر نحو بوعز، إذ فَضَلَ عَنْهَا. لم تأكل كُلَ ما قُدم لها، وهذا یعني أنها لم تُرِد أن تبدو شَرِهة أمام بوعز، وأیضاً كان لها من الرُشد الوافي ما جعلها تأخذ بعض الطعام لنعمي في البیت.
- لقد شبعت راعوث لأنها لَبّت دعوة بوعز الكریمة. لم تكن واحدة من الحصادین، ولكنها جَلَسَتْ بِجَانِبِ الْحَصَّادِینَ وأكلت كأنها واحدة منهم فَأَكَلَتْ وَشَبِعَتْ. وعلى نحو مماثل یستطیع أولئك الذین هم خارج ملكوت االله ومواعيده أن یجلسوا بین الحصادین، تلبیة لدعوة یسوع، وبالإیمان یستطیعون أن یأكلوا ويكونوا راضيين.
- يقول سبرجن (Spurgeon): “لقد أكَلَت وشَبِعَت بالفعل.” وهذا ما سيحدث معك تماماً: سیُشبع عقلُك بالحق الثمین الذي یعلنه المسیح. وسيمتلئ الحب قلبك بیسوع، الذي هو مصدر الحب. سيُتمم رجاؤُك، فمن لدیك في السماء سوى المسیح؟ وسیُرْوى غلیلُ تَوْقك، فما الذي تريده أكثر من أن “تعرف المسیح وأن توجد فیه؟” سيملأ یسوع ضمیرك، إلى أن تملك السلام الكامل. ولسوف يملأ بصيرتك حتى تدرك یقین تعالیمه. وسیُفْعِم ذاكرتك بما فعله معك، وسیشحنُ مخیلتك بما سيفعله. سوف تَشْبَع حتماً.”
٣. دَعُوهَا تَلْتَقِطْ بَیْنَ الْحُزَمِ أَیْضًا: لقد كان هذا أكثر كرماً من الوصیة الموجودة في سفر اللاويين ٩:١٩-١٠، لقد أراد بوعز أن یسمح لراعوث أن تأخذ بعضاً من حزم القمح المحصودة.
٤. وَأَنْسِلُوا أَیْضًا لَهَا مِنَ الشَّمَائِلِ: لقد لقد كان هذا أیضاً رائعاً. فلقد أراد بوعز أن یبارك راعوث، ولكنه لم یبغِ أن یجرح عزة نفسها من خلال التَّصَدُق علیها. لذا جعل بعض القمح یسقط، جاعلاً الأمر یبدو كحادث عَرَضّي، لكي تلتقطه راعوث.
ثانياً. راعوث تقدم لنعمي تقریراً عن أحداث الیوم
أ ) الآيات ١٧-١٨: راعوث تُحْضر ثمار الیوم إلى البیت لنعمي
١٧فَٱلْتَقَطَتْ فِي ٱلْحَقْلِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ، وَخَبَطَتْ مَا ٱلْتَقَطَتْهُ فَكَانَ نَحْوَ إِيفَةِ شَعِيرٍ. ١٨فَحَمَلَتْهُ وَدَخَلَتِ ٱلْمَدِينَةَ. فَرَأَتْ حَمَاتُهَا مَا ٱلْتَقَطَتْهُ. وَأَخْرَجَتْ وَأَعْطَتْهَا مَا فَضَلَ عَنْهَا بَعْدَ شِبَعِهَا.
١. فَالْتَقَطَتْ فِي الْحَقْلِ إِلَى الْمَسَاءِ، وَخَبَطَتْ مَا الْتَقَطَتْهُ: نعم، لقد بارك االله راعوث، وكان الناس كرماء معها. ولكن في الوقت ذاته، عملت راعوث بجد فعلاً. كان هذا نهایة لیوم عملت فیه راعوث بإجتهاد طوال النهار.
- یجب أن ننتفع بمثال راعوث بأن نلتقط كل شيء نستطیعه من كلمة االله:
- لقد عملت راعوث بجد
- لقد أنحنت راعوث لكي تلتقط كل حبة قمح
- لقد استطاعت راعوث أن تلتقط حبة قمح واحدة فقط في كل إنحناءة
- لقد أضطرت راعوث أن تحكم الإمساك بكل حبة قمح، وألا تسقطها على الفور
- لقد أخذت راعوث القمح للبیت لتدْرسه
- لقد أخذت راعوث القمح الذي درسته ومن ثم ذرَّته
- لقد تغّذت راعوث بالقمح
٢. فَكَانَ نَحْو إِیفَةِ شَعِیرٍ: كان هذا نحو ٢٢ كيلوغرام من الشعير، وهذه ثمرة عمل رائع بالنسبة لأناس معدمین.
٣. وَأَخْرَجَتْ وَأَعْطَتْهَا مَا فَضَلَ عَنْهَا: لقد أحضرت راعوث لنعمي بجانب كل حبوب الشعیر، الطعام الذي فضل عنها من وجبة الطعام مع بوعز. وكان هذا بالتأكید بركة لنعمي.
ب) الآيات ١٩-٢٣: نعمي تُسبح االله من أجل صلاحه نحوها ونحو راعوث
١٩فَقَالَتْ لَهَا حَمَاتُهَا: «أَيْنَ ٱلْتَقَطْتِ ٱلْيَوْمَ؟ وَأَيْنَ ٱشْتَغَلْتِ؟ لِيَكُنِ ٱلنَّاظِرُ إِلَيْكِ مُبَارَكًا». فَأَخْبَرَتْ حَمَاتَهَا بِٱلَّذِي ٱشْتَغَلَتْ مَعَهُ وَقَالَتِ: «ٱسْمُ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي ٱشْتَغَلْتُ مَعَهُ ٱلْيَوْمَ بُوعَزُ». ٢٠فَقَالَتْ نُعْمِي لِكَنَّتِهَا: «مُبَارَكٌ هُوَ مِنَ ٱلرَّبِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ ٱلْمَعْرُوفَ مَعَ ٱلْأَحْيَاءِ وَٱلْمَوْتَى». ثُمَّ قَالَتْ لَهَا نُعْمِي: «ٱلرَّجُلُ ذُو قَرَابَةٍ لَنَا. هُوَ ثَانِي وَلِيِّنَا». ٢١فَقَالَتْ رَاعُوثُ ٱلْمُوآبِيَّةُ: «إِنَّهُ قَالَ لِي أَيْضًا: لَازِمِي فِتْيَانِي حَتَّى يُكَمِّلُوا جَمِيعَ حَصَادِي». ٢٢فَقَالَتْ نُعْمِي لِرَاعُوثَ كَنَّتِهَا: «إِنَّهُ حَسَنٌ يَا بِنْتِي أَنْ تَخْرُجِي مَعَ فَتَيَاتِهِ حَتَّى لَا يَقَعُوا بِكِ فِي حَقْلِ آخَرَ». ٢٣فَلَازَمَتْ فَتَيَاتِ بُوعَزَ فِي ٱلِٱلْتِقَاطِ حَتَّى ٱنْتَهَى حَصَادُ ٱلشَّعِيرِ وَحَصَادُ ٱلْحِنْطَةِ. وَسَكَنَتْ مَعَ حَمَاتِهَا.
١. مُبَارَكٌ هُو مِنَ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ یَتْرُكِ الْمَعْرُوفَ مَعَ الأَحْیَاءِ وَالْمَوْتَى: هل هذه هي المرأة ذاتها التي رجعت للبلدة قائلة: “ادْعُونِي مُرَّةَ، لأَنَّ الْقَدِیرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِداً (راعوث ٢٠:١ )؟ هل هي المرأة ذاتها التي قالت: “الرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِیرُ قَدْ كَسَّرَنِي” (راعوث ٢١:١)؟ بالطبع هي ذاتها! هي ترى الآن تدفقاً من خطة االله یظهر للعیان، لذا فهي تستطیع أن ترى بطریقة أفضل كیف أن كل الأشیاء تعمل معاً للخیر للذین یحبون االله.
٢. إِنَّهُ حَسَنٌ یَابِنْتِي: بالتأكيد قالت نعمي لراعوث:”ابقِ مع هذا الرجل بوعز،” ليس لأنه كریم فحسب، بل ذُو قَرَابَةٍ لَنَا أيضاً. وسوف تكتشف أهمیة ذلك في الفصول التالیة.