راعوث الفصل الرابع
أولاً. الولي الأقرب یتخلى عن حقه في الإفتداء
أ ) الآيات ١-٢: بوعز یقابل الولي الأقرب عند أبواب المدینة
١فَصَعِدَ بُوعَزُ إِلَى ٱلْبَابِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. وَإِذَا بِٱلْوَلِيِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ بُوعَزُ عَابِرٌ. فَقَالَ: «مِلْ وَٱجْلِسْ هُنَا أَنْتَ يَا فُلَانُ ٱلْفُلَانِيُّ». فَمَالَ وَجَلَسَ. ٢ثُمَّ أَخَذَ عَشَرَةَ رِجَالٍ مِنْ شُيُوخِ ٱلْمَدِينَةِ وَقَالَ لَهُمُ: «ٱجْلِسُوا هُنَا». فَجَلَسُوا.
١. فَصَعِدَ بُوعَزُ: یتركنا الفصل السابق مع موقف درامي. من الجلي أن بوعز وراعوث كانا یحبان بعضهما البعض، ویرغبان في الزواج، من خلال ممارسة بوعز لحقه كـقریب/مخلص (چویل). رغم ذلك، كان هناك ولیاً أقرب لراعوث، وكان له الأولویة. فهل سیطالب بحقه كقریب/ مخلص نحو راعوث، ویمنعها وبوعز من الأرتباط ببعضهما البعض؟
٢. فَصَعِدَ بُوعَزُ إِلَى الْبَابِ: كانت بوابة المدینة هي المكان الذي یجتمع فیه رجال المدینة المرموقون الشرفاء، إذ كانت البوابة بالنسبة للمدینة القدیمة في إسرائیل مزیجاً من قاعة مجلس المدینة وقاعة المحكمة.
- يقول هیو (Huey): “لقد كانت بوابة المدینة نوعاً من المحكمة الخارجیة، حیث یَبَّتُ الشیوخ، وأولئك الذین حازوا ثقة وإحترام الناس، في المسائل القضائیة. وكانت أیضاً مكاناً للتجارة، وأیضاً نوعاً من المنتدى أو مكاناً للجلسات العامة”.
٣. وَإِذَا بِالْوَلِيِّ الَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ بُوعَزُ عَابِرٌ: أنتهى وقت الحصاد، وبالتأكید كان بوعز وراعوث قریبین من بعضهما البعض لفترات طویلة أثناء حصاد الشعیر والقمح راعوث ١٤:٣ ولقد كانت لديهم فرصة كافیة للتعرف على بعضهما البعض.
- لقد كان حدیث بوعز لذلك الولي الأقرب دهشةً تامة إذ أن راعوث كانت قد رجعت إلى البیت في هدوء حسب تعلیمات بوعز بعد أن كانت في البیدر (راعوث ١٤:٣). كان هذا براعةُ تخطیط في صالح بوعز.
٤. مِلْ وَاجْلِسْ هُنَا أَنْتَ یَا فُلاَنُ الْفُلاَنِيُّ: عندما دعا بوعز الولي الأقرب، دعاه حرفیاً في اللغة العبریة القدیمة بالـ “الأستاذ فلان الفلاني.” إن كاتب سفر راعوث لا یكشف أبداً عن هویة الولي الأقرب، لأن هذا الولي لم یكن یستحق التكریم. فلقد تراجع عن إتمام إلتزاماته بصفته الولي الأقرب لراعوث.
- یقول بوول (Poole) :”لقد عَرفَ بوعز بلا شك اسمه، وأیضاً ناداه به، ولكن الوحي المقدس قد أهمل اسمه، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه ليس من الضرورة معرفة اسم الشخص، ولكن بشكل كبير كان هذا نوعاً من الإحتقار له وكعقوبة عادلة علیه، إذ أن هذا الذي لا یحفظ اسم أخیه یفقد اسمه نفسه، ویرقد متوارٍ في الثرى في قبر النسیان الأبدي.”
ب) الآيات ٣-٤: بوعز یطلب من الولي الأقرب أن یسترد أرض نعمي (وألیمالك(
٣ثُمَّ قَالَ لِلْوَلِيِّ: «إِنَّ نُعْمِيَ ٱلَّتِي رَجَعَتْ مِنْ بِلَادِ مُوآبَ تَبِيعُ قِطْعَةَ ٱلْحَقْلِ ٱلَّتِي لِأَخِينَا أَلِيمَالِكَ. ٤فَقُلْتُ إِنِّي أُخْبِرُكَ قَائِلًا: ٱشْتَرِ قُدَّامَ ٱلْجَالِسِينَ وَقُدَّامَ شُيُوخِ شَعْبِي. فَإِنْ كُنْتَ تَفُكُّ فَفُكَّ. وَإِنْ كُنْتَ لَا تَفُكُّ فَأَخْبِرْنِي لِأَعْلَمَ. لِأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرُكَ يَفُكُّ وَأَنَا بَعْدَكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَفُكُّ».
١. نُعْمِيَ … تَبِیعُ قِطْعَةَ الْحَقْلِ: كان واجب القریب/ المخلص (چویل) أكثرَ من مهمة الحفاظ على اسم عائلة أخیه في اسرائیل؛ فقد كان الأمر یتضمن أیضاً الإبقاء على الأرض المخصصة لأفراد العشیرة داخل العشیرة.
- كانت الأرض مقسمة بین الأسباط ومن ثَمَّ بین العشائر عندما دخل شعب اسرائیل أرض الموعد في أیام یشوع. ولقد قصد االله أن تبقى الأرض ضمن تلك الأسباط والعشائر، وبالتالي لا یمكن أن تُباع هذه الأرض بشكل دائم. ویجب أن تُرد إلى العشیرة الأصلیة كل خمسین سنة (أنتهى وقت الحصاد، وبالتأكید كان بوعز وراعوث قریبین من بعضهما البعض لفترات طویلة أثناء حصاد الشعیر والقمح لاویین ٨:٢٥ ولقد كانت لديهم فرصة كافیة للتعرف على بعضهما البعض.).
- ولكن خمسین سنة فترةٌ طویلة. لذلك صنع االله تدبیراً للأرض التي بیعت بأن یردها القریب/المخلص إلى العائلة.
- وهكذا، كان القریب/المخلص مسؤولاً عن حمایة أفراد وممتلكات ونسل العائلة الكبیرة، ولا یمكن لكل هذه الواجبات أن تتجزأ.
٢. قِطْعَةَ الْحَقْلِ: حینما أخبر بوعز الولي الأقرب بالأمر، ربط مسألة ملكية الأرض بالموضوع. فأي شخص یرغب في إعادة شراء قطعة من الممتلكات وأن يحافظ عليها لتبقى ضمن العائلة.
٣. فَإِنْ كُنْتَ تَفُكُّ فَفُكَّ: عندما عرض بوعز الأمر على أنه صفقة أرض بحته، لم یتردد الولي الأقرب بالطبع، وقال”:إِنِّي أَفُكُّ”.
- كانت نعمي وراعوث بالتأكید یشاهدان ویسمعان. وكم تملكهم الأسى بلا ریب عندما سمعوا الولي الأقرب یقول: “إِنِّي أَفُكُّ”. فقد سمعاه ینطق بشفتیه موحیاً بأنه سوف یمارس حقه كقریب/مخلص، وكان هذا یعني أنه سوف یحصل لیس فقط على الملكیة قید المناقشة، بل أیضاً سوف یتزوج راعوث، بدلاً من بوعز. ولكن بوعز كان یعلم تماماً ما كان یفعل، وكان الموقف تحت سیطرته.
ج ) الآية ٥: بوعز یُعْلمُ الولي الأقرب بواجبه في الحفاظ على نسل ألیمالك، إذا كان سیسترد ملكیة الیمالك
٥فَقَالَ بُوعَزُ: «يَوْمَ تَشْتَرِي ٱلْحَقْلَ مِنْ يَدِ نُعْمِي تَشْتَرِي أَيْضًا مِنْ يَدِ رَاعُوثَ ٱلْمُوآبِيَّةِ ٱمْرَأَةِ ٱلْمَيِّتِ لِتُقِيمَ ٱسْمَ ٱلْمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِهِ».
١. یَوْمَ تَشْتَرِي الْحَقْلَ مِنْ یَدِ نُعْمِي تَشْتَرِي أَیْضًا مِنْ یَدِ رَاعُوثَ الْمُوآبِیَّةِ: عندئذٍ باغت بوعز الولي الأقرب. لقد أخبر بوعز الولي الأقرب أنه لا یتعامل فقط مع نعمي وملكیة ألیمالك، بل علیه أیضاً أن یتعامل مع راعوث.
- ولأن نعمي كانت متقدمة في السن وقد تجاوزت سن إنجاب الأطفال، فلم یكن متوقع من الولي الأقرب أن یتزوج نعمي وینجب منها أطفالاً للحفاظ على اسم عائلة زوجها المتوفي ألیمالك. وأما راعوث فكانت وضعها مختلفاً، إذ أنها كانت قادرة على الزواج وتربیة الأطفال.
٢. تَشْتَرِي أَیْضًا مِنْ یَدِ رَاعُوثَ الْمُوآبِیَّةِ امْرَأَةِ الْمَیِّتِ لِتُقِیمَ اسْمَ الْمَیِّتِ عَلَى مِیرَاثِهِ: شرح بوعز ما يعرفه الكل، أن الأمر كان صفقة كاملة. فإذا كان شخص ما بصدد ممارسة حق القریب/ المخلص نحو ألیمالك المتوفي، وجب عليه أن یتمم واجبه بالكامل نحو الملكیة وبالنسل معاً.
- بفضل طریقة بوعز الحكیمة – أو ربما الداهیة – في عرض الأمر، كانت تلك المرة الأولى التي ینظر فیها الولي الأقرب للأمر، كان الأمر برمتِه صعباً عليه لیستوعبه على الفور. فقد كان من السهل حسم المسألة عندما كان الأمر یتعلق بالملكیة فحسب، ولكن الزواج من راعوث، فهذه مسألة أخرى.
د ) الآية ٦: الولي الأقرب یتخلى عن حقه في الحفاظ على ملكیة ونسل ألیمالك
٦فَقَالَ ٱلْوَلِيُّ: «لَا أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ لِنَفْسِي لِئَّلَا أُفْسِدَ مِيرَاثِي. فَفُكَّ أَنْتَ لِنَفْسِكَ فِكَاكِي لِأَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ».
١. لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ لِنَفْسِي: رغم أنه كان من الرائع أن یحصل الولي الأقرب على الملكیة المرتبطة براعوث، ولكنه عَلِمَ أن أخذ راعوث إلى بیته وتربیة أطفالها سوف یفسد میراثه.
٢. لِئَلاَّ أُفْسِدَ مِیرَاثِي: ربما كان لهذا الولي الأقرب أبناءاً ناضجون، وقد حصلوا بالفعل على میراثهم في الأراضي. ومشكلة تقسیم هذا المیراث بین أبناء مستقبلیین ینجبهم من راعوث كانت أكبر من أن یرید التعامل معها.
- أیضاً كان هذا الرجل، وبدون شك، متزوجاً، وقد علم أنه من غیر الملائم، على أفضل تقدیر، أن یحضر راعوث للبیت كالزوجة رقم إثنین.
٣. فَفُكَّ أَنْتَ لِنَفْسِكَ فِكَاكِي لأَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ: كان وقع هذه الكلمات لآذان نعمي وراعوث رائعاً. فمنذ برهة بدا الموقف میئوساً منه عندما قال الولي الأقرب: إِنِّي أَفُكُّ. ولكن كانت خطة بوعز تحتوي على مفاجأة، وقد تضمنت الخطة حكمة مباغتة. وقد نجح الأمر.
- ربما یظن البعض أن خطة بوعز كانت خرقاء: فكيف سيفوز بتقديم راعوث وأرضها إلى الولي الأقرب؟ ولكن الخطة التي بدت خرقاء قد نجحت بالفعل.
ثانیاً. المراسم لتوثیق الإجراءات
أ ) الآيات ٧-٨: تقلید النعل في الأتفاقیات التجاریة
٧وَهَذِهِ هِيَ ٱلْعَادَةُ سَابِقًا فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَمْرِ ٱلْفِكَاكِ وَٱلْمُبَادَلَةِ، لِأَجْلِ إِثْبَاتِ كُلِّ أَمْرٍ. يَخْلَعُ ٱلرَّجُلُ نَعْلَهُ وَيُعْطِيهِ لِصَاحِبِهِ. فَهَذِهِ هِيَ ٱلْعَادَةُ فِي إِسْرَائِيلَ. ٨فَقَالَ ٱلْوَلِيُّ لِبُوعَزَ: «ٱشْتَرِ لِنَفْسِكَ». وَخَلَعَ نَعْلَهُ.
١. وَهَذِهِ هِيَ ٱلْعَادَةُ سَابِقًا فِي إِسْرَائِيلَ: صف سفر التثنية ٥:٢٥-١٠ المراسم المتبعة عندما يتخلى قريب عن مسؤوليته. يخلع المُتخلي نعله ثم تبصق المرأة التي تخلى عن إكرامها في وجهه. ولكن الموقف الذي نحن بصدده قد تضمن إلحاق الخزي بالولي الأقرب، فلذلك قد اكتفوا بجزء من المراسم وهو الجزء المتعلق بالنعل.
٢. ٱشْتَرِ لِنَفْسِكَ: قصد الولي الأقرب بهذه الجملة: إن الأرض ملكٌ لك لتستردها لأنك تريد أيضاً الحفاظ على نسل إليمالك من خلال الزواج من راعوث، الأمر الذي لا أريد فعله.
ب) الآيات ٩-١٠: بوعز يبلغ الشيوخ والشعب
٩فَقَالَ بُوعَزُ لِلشُّيُوخِ وَلِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: «أَنْتُمْ شُهُودٌ ٱلْيَوْمَ أَنِّي قَدِ ٱشْتَرَيْتُ كُلَّ مَا لِأَلِيمَالِكَ وَكُلَّ مَا لِكِلْيُونَ وَمَحْلُونَ مِنْ يَدِ نُعْمِي. ١٠وَكَذَا رَاعُوثُ ٱلْمُوآبِيَّةُ ٱمْرَأَةُ مَحْلُونَ قَدِ ٱشْتَرَيْتُهَا لِيَ ٱمْرَأَةً، لِأُقِيمَ ٱسْمَ ٱلْمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِهِ وَلَا يَنْقَرِضُ ٱسْمُ ٱلْمَيِّتِ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ وَمِنْ بَابِ مَكَانِهِ. أَنْتُمْ شُهُودٌ ٱلْيَوْمَ».
١. فَقَالَ بُوعَزُ لِلشُّيُوخِ وَلِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: لقد أعلن بوعز بإبتهاج – بعد أن ختم الإتفاقية بصورة قانونية – أنه سيحافظ على ملكية ونسل أليمالك، وأفضل ما في الأمر كله هو أنه سيتزوج من راعوث، المرأة التي أحبها.
- لِأُقِيمَ ٱسْمَ ٱلْمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِهِ وَلَا يَنْقَرِضُ ٱسْمُ ٱلْمَيِّتِ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ وَمِنْ بَابِ مَكَانِهِ: إن هذا لوصفٌ جيد لفكرة الحفاظ على نسل المتوفي.
٢. رَاعُوثُ ٱلْمُوآبِيَّةُ ٱمْرَأَةُ مَحْلُونَ قَدِ ٱشْتَرَيْتُهَا لِيَ ٱمْرَأَةً: بالرجوع إلى الإصحاح الأول نجد أن راعوث بدت متخلية عن أفضل فرصة لها في الزواج كونها تركت موطنها الأصلي موآب، وأعطت قلبها وحياتها لإله إسرائيل. ولكن وضعت راعوث الله أولاً، لهذا دبر اله لها علاقة أعظم مما كان يخطر على بالها. واليوم سوف يبارك الله أولئك الراغبين في الزواج بالطريقة ذاتها، عليهم فقط أن يضعوا الله أولاً.
٣. أَنْتُمْ شُهُودٌ ٱلْيَوْمَ: وهذا يشرح كيف أن مراسم الزواج أمر جوهري، وكيف أن السلطات المدنية لا بد أن تُقر بها. لقد كان بوعز يحب راعوث وكان لا بد لهذا الحب أن يشهد عليه الجمهور وأن يُوّثق.
- يتساءل الناس أحياناً عن أهمية مراسم الزواج، أو وثيقة الزواج، قائلين: “ألا نستطيع الزواج أمام الله فحسب؟” هناك شيء ناقص في الحب الذي لا يريد أن يُعلن عن نفسه أو لا يريد شهوداً، أو لا يريد للسلطات المدنية أن تُقر بالإرتباط. هذا النوع من الحب لا يرقى ليكون حباً حقيقياً.
- والذين يقولون: “حسناً، تخيل أننا نعيش في جزيرة نائية، وليس هناك من يزوجنا، فهل يمكن أن نكون زوجين أمام الله؟” الإجابة: “نعم، على جزيرة نائية.” ولكنك لست تعيش على جزيرة نائية، فهناك شهود وسلطات مدنية لكي تعلن للكل التزامك بالزواج. الله يريدك أن تفعل ذلك.”
ج ) الآيات ١١-١٢: بركة الشهود
١١فَقَالَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَابِ وَٱلشُّيُوخُ: «نَحْنُ شُهُودٌ. فَلْيَجْعَلِ ٱلرَّبُّ ٱلْمَرْأَةَ ٱلدَّاخِلَةَ إِلَى بَيْتِكَ كَرَاحِيلَ وَكَلَيْئَةَ ٱللَّتَيْنِ بَنَتَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَٱصْنَعْ بِبَأْسٍ فِي أَفْرَاتَةَ وَكُنْ ذَا ٱسْمٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. ١٢وَلْيَكُنْ بَيْتُكَ كَبَيْتِ فَارَصَ ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ ثَامَارُ لِيَهُوذَا، مِنَ ٱلنَّسْلِ ٱلَّذِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ مِنْ هَذِهِ ٱلْفَتَاةِ».
١. فَقَالَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَابِ وَٱلشُّيُوخُ: “نَحْنُ شُهُودٌ”: لقد ابتهج الجميع بلا شك. لقد أثنى ارجال على جمال راعوث، ومدحت النساء حسن طالع بوعز. لقد رأى الكل كيف كان هذا عرساً مليئاً بالعاطفة والحب.
٢. كَرَاحِيلَ وَكَلَيْئَةَ: لقد كان بين هاتين الثنتين ثلاثة عشر طفلاً، وكانتا والدتا أمة إسرائيل كلها. كانت هذه بركة كبيرة بورك بها بوعز وراعوث.
٣. كَبَيْتِ فَارَصَ: ما الذي كان مميزاً في فارص؟ إن قصة مولده مذكورة في سفر التكوين ٢٧:٣٨-٣٠.
- يقول تراب (Trapp): بخصوص عبارة “وَلْيَكُنْ بَيْتُكَ كَبَيْتِ فَارَصَ”: “هذا المُقتحم، كما دعته القابلة، أراد أن يولد قبل أخيه، وأن يأخذ حق البكورية، أصبح بعد ذلك سعيداً بنسل متكاثر ومشرف.”
- يقول كدنر (kidner): “في الواقع، يبدو أن فارص هو سلف كل البتلحميين بوجه عام (أخبار الأيام الأولى ٥:٢، ١٨، ٥٠). فضلاً عن ذلك، أعطى فارص اسمه إلى جزء من سبط يهوذا الذي ينحدر منه (سفر العدد ٢٠:٢٦).
ثالثاً. وعاشا في سعادة غامرة
أ ) الآية ١٣: راعوث وبوعز ينجبان أول طفل
١٣فَأَخَذَ بُوعَزُ رَاعُوثَ ٱمْرَأَةً وَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهَا ٱلرَّبُّ حَبَلًا فَوَلَدَتِ ٱبْنًا.
١. فَأَعْطَاهَا ٱلرَّبُّ حَبَلًا: لم تكن عطية الأطفال مُسلم بها في إسرائيل. إن حقيقة أن بوعز وراعوث كانا قادرين على إنجاب طفل للمتوفي أليمالك كانت دليلاً على بركة الله.
ب) الآيات ١٤-١٦: حياة نُعمي المباركة
١٤فَقَالَتِ ٱلنِّسَاءُ لِنُعْمِي: «مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي لَمْ يُعْدِمْكِ وَلِيًّا ٱلْيَوْمَ لِكَيْ يُدْعَى ٱسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ. ١٥وَيَكُونُ لَكِ لِإِرْجَاعِ نَفْسٍ وَإِعَالَةِ شَيْبَتِكِ. لِأَنَّ كَنَّتَكِ ٱلَّتِي أَحَبَّتْكِ قَدْ وَلَدَتْهُ، وَهِيَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ سَبْعَةِ بَنِينَ». ١٦فَأَخَذَتْ نُعْمِي ٱلْوَلَدَ وَوَضَعَتْهُ فِي حِضْنِهَا وَصَارَتْ لَهُ مُرَبِّيَةً.
١. مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ: أنظر إلى نُعمي المباركة. أصبح لديها حفيد الآن وصارت له مربية، كما وأصبحت مشهورة في إسرائيل.
٢. ٱلَّذِي لَمْ يُعْدِمْكِ وَلِيًّا ٱلْيَوْمَ: من المناسب أن تنال هذه البركة في حياة نُعمي إهتماماً كبيراً في نهاية الفصل. إذ أن رجوعها للرب في الأساس كان بداية لعمل الله الرائع هذا. فلو لم تكن نُعمي قد قررت العودة إلى بيت لحم وإلى أرض إسرائيل وإله إسرائيل، فإن أيا من هذا لم يحدث.
- وهذا برهان مدهش لما يستطيع الله فعله من خلال امرأة فقيرة قد استقامت أمامه.
- والسبب الثاني من وراء هذا الإهتمام هو لأن نُعمي قالت في الإصحاح الأول: ٱلْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدًّا … وَأَرْجَعَنِيَ ٱلرَّبُّ فَارِغَةً … وَٱلرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَٱلْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟» (راعوث ٢٠:١-٢١). آه لو استطاعت نُعمي آنذاك رؤية كيف كان الله سيباركها لأبعد حد في النهاية.
- لا يمكننا أن نلوم نُعمي، فنحن نفعل الشيء ذاته. ولكننا أيضاً لا بد أن نتعلم كما تعلمت هي. لا بد أن نتعلم أن خطة الله كاملة ومليئة بالمحبة حتى لو كنا لا نفهم ما يفعله وكان الوضع ميئوس منه، ثق بأنه يعرف ما يفعله. ولا بد أن نتعلم أن “وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.”
ج ) الآيات ١٧-٢٢: راعوث وبوعز: أسلاف داود ملك إسرائيل
١٧وَسَمَّتْهُ ٱلْجَارَاتُ ٱسْمًا قَائِلَاتٍ: «قَدْ وُلِدَ ٱبْنٌ لِنُعْمِي» وَدَعَوْنَ ٱسْمَهُ عُوبِيدَ. هُوَ أَبُو يَسَّى أَبِي دَاوُدَ. ١٨وَهَذِهِ مَوَالِيدُ فَارَصَ: فَارَصُ وَلَدَ حَصْرُونَ، ١٩وَحَصْرُونُ وَلَدَ رَامَ، وَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ، ٢٠وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ، وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ، ٢١وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ، وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ، ٢٢وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ.
١. قَدْ وُلِدَ ٱبْنٌ لِنُعْمِي: لقد دعا بوعز وراعوث ابنهما عوبيد. وكان لعوبيد ابناً سماه يسى. وكان يسى أبناً لداود. وجاء يسوع من نسل داود.
- يقول كدنر (kidner): “إن يد الله ظاهرة عبر التاريخ. فالله يتمم مقاصده جيلاً بعد جيل. ولأن الفرد منا محدود في حياة واحدة، فإنه يرى النذر اليسير مما يحدث. إن سلسلة النسب طريق مدهشة لإظهار ديمومة قصد الله عبر العصور. إن وقائع التاريخ لا تحدث مصادفة، بل هناك قصد منها كلها. والقصد هو قصد الله.”
٢. أَبِي دَاوُدَ: رجوع نُعمي لبيت لحم، وأصول داود في بيت لحم التي تعود إلى راعوث وبوعز، كلها أسباب دفعت يوسف ومريم إلى الذهاب إلى بيت لحم ليكتتبوا بناءاً على أمر أغسطس قيصر (انجيل لوقا ١:٢). إن راعوث وبوعز هما سبب ولادة يسوع في بيت لحم.
- إن التأمل في يسوع في سفر راعوث لا يبدأ من ذكر الملك داود. بل يبدو يسوع جلياً عبر السفر كله، مرموزاً إليه في بوعز، وفي عمل القريب/المخلص.
- لا بد للقريب/المخلص أن يكون فرداً من العائلة، وصار يسوع بشراً وهو الإله السرمدي لكي يكون قريبنا ويخلصنا.
- كان على القريب/المخلص واجب تحرير أفراد العائلة من العبودية. وهكذا حررنا يسوع من عبودية الخطية والموت.
- كان على القريب/المخلص واجب استرداد الأرض المسلوبة. وسوف يسترد يسوع الأرض التي باعها البشر للشيطان.
- لم يكن دافع بوعز بصفته القريب/المخلص، المصلحة الشخصية، بل محبته الصادقة لراعوث. كذلك كان دافع يسوع في تخليصنا هو حبه الشديد لنا.
- كان لدى بوعز، بصفته القريب/المخلص، خطة لإستراداد راعوث لنفسه، وقد ظن البعض أنها خطة خرقاء. كان لدى يسوع خطة لتخليصنا أيضاً، وربما ظن البعض أنها خطة خرقاء (افتداء البشر بواسطة الموت على صليب قاسٍ؟)، ولكن الخطة نجحت وكان نجاحاً ساحقاً ومجيداً.
- تزوج بوعز براعوث بصفته قريبها/مخلصها، والناس الذين افتداهم يسوع يُدعون بجملتهم عروسه (أفسس ٣١:٥-٣٢، رؤيا ٩:٢١).
- لقد ضمن بوعز لراعوث بصفته قريبها/مخلصها، مستقبلاً مجيداً. ويسوع أيضاً بصفته مخلصنا يضمن لنا مستقبلاً مجيداً.
- ل ملاكاً ليخلصنا، ولكن الملاك لم يكن ليصبح قريبنا. ويسوع، في مجده السرمدي، دون أن يصبح إنساناً، كان بإمكانه أن يخلصنا، ولكنه لن يكون قريبنا. ربما يصلح لنبي أو كاهن عظيم أن يكون قريبنا، ولكن خطيئته الشخصية تجعله غير مؤهل ليكون مخلصنا. وحده يسوع، الله السرمدي الذي صار بشراً، يستطيع أن يكون الولي والمخلص للبشرية.
- يصف (أشعياء ٤:٥٤-٨) العمل العجيب للرب كقريبنا ومخلصنا (چویل): “لَا تَخَافِي لِأَنَّكِ لَا تَخْزَيْنَ، وَلَا تَخْجَلِي لِأَنَّكِ لَا تَسْتَحِينَ… وَوَلِيُّكِ (قريبك/مخلصك) قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ… لِأَنَّهُ كَٱمْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ ٱلرُّوحِ دَعَاكِ ٱلرَّبُّ… وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ… قَالَ وَلِيُّكِ (قريبك/مخلصك) ٱلرَّبُّ.”
- لقد خطط الله منذ الأزل أن يجمع بوعز وراعوث معاً، ومن ثم يجعل بيت لحم نقطة الدخول لمجيء يسوع كقريبنا/مخلصنا الحقيقي، الإله الكامل والإنسان الكامل. ونحن نحتاج، على نحو روحاني، أن نأتي إلى بيت لحم، ونطلب من يسوع أن يخلصنا. كما تقول ترنيمة الميلاد الشهيرة:
آه يا قرية بيت لحم الصغيرة، لماذا نراكِ بلا حراك مع النيام
مر النجوم الهادئة فوق نومك العميق الخالي من الأحلام
والنور السرمدي يسطع في شوارعك المظلمة
تجتمع آمال وترقب السنين في ليلتك الحالمة
كم في هدوء، كم في سكون، قد وهبت العطية العجيبة
حيث منح الله لقلوب البشر بركات سماءه الجزيلة
لا تسمعه الآذان آتياً، بل يدخل المسيح الغالي في عالم الشر
حيث النفوس المتضعة تهم لإستقباله
آه يا طفل بيت لحم، ندعوك أن تنزل إلينا
هلم تفضل وامحو خطايانا ولتولد اليوم فينا
تزف ملائكة عيد الميلاد الأخبار السارة العظيمة لنا بالتهليل
فتعال الينا وامكث عندنا يا ربنا عمانوئيل