رسالة رومية – الإصحَاح ٥
فوائد التبرير بالإيمان
“لا يوجد في الكتاب المقدس أي أصحاح مثل هذا الإصحَاح الانتصاري.”
مارتن لوثر (Martin Luther)
أولاً. فوائد الإيمان.
أ ) الآيات (١-٢): السلام والإقامة في النعمة.
١فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ٢الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ.
- فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ: إلى هنا أقنعنا بولس بأن الطريق الوحيد للخلاص هو التبرير بالنعمة بالإيمان، والآن سيخبرنا عن الفوائد العملية لذلك، موضحاً أنها أكثر من مجرد فكرة مثيرة للاهتمام.
- بقوله تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ، يتحدث بولس هنا عن مرسوم قانوني. فتشير الآية في رومية ١٨:١–٢٠:٣ إلى أننا مذنبون أمام محكمة ناموس الله ومجده وأمام ضميرنا. ومن ثم يوضح بولس أن الله يمنح التبرير لجميع الذين يؤمنون بسبب عمل يسوع – أي تتحول عقوبة المذنب إلى تبرير بالإيمان.
- سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: هذه هي الفائدة الأولى. فيسوع قد دفع الثمن كاملاً على الصليب وأرضى عدالة الله من جهتنا إلى الأبد.
- ليس هذا هو سلام اللهالمذكور في مقاطع كتابية أخرى (مثل فيلبي ٧:٤)، بل هو سلام مَعَ الله. فلقد انتهت معركة ذواتنا مع الله بانتصاره وفوزه بنا. ولن يدرك البعض أبداً أنهم ليسوا في سلام مع الله، فهم يشبهون سائق يتجاهل متابعة سيارة الشرطة له التي حتماً سوف تُدركه حتى لو كان لا يدرك ذلك.
- لا يمكن لهذا السلام أن يأتي إلامن خلال رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح. فعمله هو الأساس الوحيد لسلامنا، بل الحقيقة هي إن يسوع هو نفسه سلامنا (أفسس ١٤:٢).
- تَذَكَر أن الكتاب المقدس لا يقول إنه سيكون لنا سلام مع الشيطان أو العالم أو الجسد أو مع الخطية. فلا تزال الحياة معركة بالنسبة للمؤمن لكنها لم تعد معركة يقاوم فيها الانسان مشيئة الله لكنه يسعى فيها لإرضائه. وقد يعتقد بعض المؤمنين أن مقاومة إرادة الله قد تكون أسهل من الحياة الساعية لرضاه. ولكن هذه كذبة خطيرة.
- “يسعدني أن أعرِف أن الخطية تؤلمك وأنك تكرهها. فكلما زادت كراهيتك للخطية كلما كان ذلك أفضل. فالروح التي تكرهالخطية هي روح تحب لله. ولكن إن كانت الخطية لا تؤلِمَك فأنت إذاًلا تتمتع بإحسان الله.” تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon)
- إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ: الفائدة الثانية هي أننا نُقيم في النِّعْمَة التي هي إحسان الله الذي لا نستحقه المُعطى لنا بالإيمان بيسوع.
- النِّعْمَة (أي إحسان الله المُعطى لنا دون استحقاق) ليست هي فقط طريقنا للخلاص فحسب، بل هي أيضاً وصف لمكانتنا الحالية أمام الله. فالنعمة ليست هي فقط بداية حياة الإيمان المسيحي، لكنها أيضاً الاستمرار في تلك الحياة. “الفعل المضارع في عبارة ’الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ ‘ يدل على الاستمرارية.” موريس (Morris)
- يبدأ العديد من المؤمنين بالنعمة ثم يحاولون الوصول إلى الكمال والنضج في التعامل مع الله بمبدأ الناموس وفكرة الاستحقاق. ولكن بولس تكلم ضدهذه النقطة بالتحديد في غلاطية ٢:٣-٣ و١:٥-٤.
- تمنحنا النعمة الطمأنينة: ينظر الله بإحسان إلى المؤمِن الذي في المسيح يسوع ويراه جميلاً جداً ويفرح ويُسر به. فهو لا يحبنا فقط، بل هو مُعجب بنا لأننا في يسوع.
- الإقامة أو العيش في النعمة تعني:
- أنني لا أحتاج أن أثبت أني جدير بمحبة الله.
- أن الله هو صديقي.
- أن باب الدخول إليه مفتوح دائماً.
- أنني قد تحررت من تسوية حسابي، فيسوع دفع الحساب عني.
- أن أقضي المزيد من الوقت فيتسبيح الله وليس في كراهية ذاتي.
- “لم يُمنَح العصاة الغفران بإلغاء عقوبتهم فقط، بل رفع من شأنهم ليُصبحوا في مكانة أعلى – هذه هي النعمة التي نحن فيها مُقيمون.” بروس (Bruce)
- سمات السلوك الصحيح للإنسان المُقيم في النعمة. ويليام نيويل (William Newell)
- أن يؤمن ويقبل أن ينال المحبة بالرغم من عدم استحقاقه فهذا سِر عظيم.
- أن يرفض إعطاء “قرارات” أو “وعود” لأن ذلك يعني الثقة في الجسد.
- أن يتوقع أن يكون مباركاً على الرغم من إدراكه المتزايد بعدم استحقاقه.
- أن يشهد بصلاح الله في كل الأوقات.
- أن يثق في إحسان الله في المستقبل، لكن بضمير أكثر طاعة لله.
- أن يتكل على يد الله المُؤدِبة كدليل على لُطفه.
- الإنسان المقيم في النعمة مثل بولس ليس لديه أعباء متعلقة بذاته بل بالآخرين.
- الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ: إن مَدخلنا للإقامة في النعمة هو فقط بالإيمان من خلال يسوع وليس بأعمالنا. وهذا المَدخَل لا يجعلنا فقط نُقيم في النعمة، بل يسمح لنا بالتواجد في البلاط الملكي السماوي، وهي بركة أعظم من السلام مع الله. “فقد يتصالح شخص مع الملك لكنه لا يستطيع الوقوف في محضره.” بووله (Poole)
- قال ليون موريس (Leon Morris) عن كلمة الدخول ما يلي: “الفكرة هنا هي التَقَدُم إلى مَحضر المَلِك، ولكن السماح لنا بالدخول ليس كافٍ، لأننا قد ننسى أننا لا نَصِل إلى هناك بقوتنا الشخصية، لكننا بحاجة إلى المسيح لكي يُسمَح لنا بالدخول إلى هناك.”
- يقتبس ويست (Wuest) منثاير (Thayer) ويقول: “كلمة ’دخول‘ تشير إلى علاقة المحبة التي نتمتع من خلالها بالقبول ونثق من إحسانه نحونا.”
- صَارَ لَنَا الدُّخُولُ: تشير العبارة إلى أنها إقامة دائمة أساسها النعمة. ولأن إقامتنا مبنية على النعمة، يمكننا فعلاً أن نُقيم في سلام، لأننا نعرف أن هذا التصريح بالدخول قد صار مِلك لنا ولا يُمكِن أن يُنتزَع منا في أي وقت لاحِق.
- “إن هذا التصريح بالدخول إلى مَحضر الله يُعَد امتياز دائم، فنحن لا نَقِف أمامه بغَرَض المُقابلة الشخصية، ولكن لكي نَمكُث معه كجزء من عائلته، حتى ننظر وجهه بالإيمان ونسلك في نوره.” كلارك (Clarke)
- نَفْتَخِرُ (نبتهج) عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ الله: هذه هي النتيجة المنطقية لهذا السلام والإقامة في النعمة. فعندما يكون ارتباطنا بالله على أساس الأعمال يصبح الفخر والابتهاج تكبُراً، لأننا حينها نكون قد أرجعنا ذلك المجد المَزعوم لنا وليس لله.
- “عادةً ما تعني كلمة نَفْتَخِرُ (نبتهج) التباهي، لكنها تعني “الثقة الممتلئة بالبهجة والانتصار.” موريس (Morris)
- لا يعني بولس بكلمة الرجاء هنا عدم اليقين. وقد تَرجِم ج. ب. فيليبس B. Philipps كلمة الرَجَاءِ على أنها اليقين المُبتَهِج.
- تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ: ومرة أخرى نرى أنه لولا النعمة لما تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَان. وإن لم نتبرر بالنعمة بالإيمان، فلن يكون لنا سلام مع الله، ولما استطعنا أن نقيم في النعمة.
- “للأسف عدد قليل من المؤمنين يملكون شجاعة الإيمان! وعندما نجد أحد المؤمنين يجاهر بإيمانه بحُرية،نعتقد أنه يعيش القداسة والتكريس بشكل خاص، لكن الحقيقة هي أنه خاطئ مثلك، ولكنه يؤمن بفيض النعمة.” نيويل (Newell)
ب) الآيات (٣-٤): وعد المجد هو أيضاً للوقت الحاضر.
٣وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، ٤وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً.
- وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ: يتوقع بولس أن يتهمه البعض بأنه بالغ في هذه العبارة، ظانين أن المؤمن لا يحق له أن يتفاخر إلا بعد الموت. ولكن يرد بولس على هذا ويقول: أنا أعلم أن لنا ضيقات كثيرة الآن لكننا نَفْتَخِرُ بها أيضاً.”
- لا يستخدم بولس كلمات روحية مبتذلة أو تقليدية هنا. أولاً، استخدم بولس كلمات قوية. “كلمة الضيقات التي استخدمها بولس هنا هي مصطلح قوي لا يشير إلى مجرد المضايقات البسيطة.”موريس (Morris). ثانياً، عاش بولس حياة مليئة بالضيقات وكان يدرك معناها أفضل من أي شخص آخر.
- عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا: نستطيع أن نفتخر في الضيقات لأنها تنشئ الصبر.
- يجب أن يوضع العدّاء تحت ضغط حتى يتعلم الصبر. وعلى البحارة الذهاب إلى البحر، والجنود إلى المعركة كي يتعلموا الصبر. وكذلك الحال مع المؤمن، إذ عليه أن يجتاز في الضيقات كجزء من حياة الإيمان. وعلينا ألا نرغب في حياة خالية من الضيقات لأن:
- الله يستخدم الضيقات بشكلٍ رائع في حياتنا.
- الله يعلم كم يمكننا أن نحتمل من الضيقات ولا يسمح لنا بما يفوق احتمالنا.
- غير المؤمنين أيضاً يواجهون ضيقات.
- “على المؤمن أن يكون مرحباً بالتجربة وأن يفرح عندما يتعرض إيمانه للإختبار. وأن يقول: ’هأنذا يا رب، اضغط عليَّ كما تشاء.‘ فهل تريد أن تُحمَل إلى السماء على فراش من الريش؟” سبيرجن (Spurgeon)
- “لقدسمعت البعض ينصحون الآخرين بعدم الصلاة من أجل الصبر لئلا يرسل لهم الله الضيقات. ولكن إن كانت هذه هي الطريقة التي يظهر بها الصبر، فينبغي أن أصلي وأقول: ’يارب ائتني بالمتاعب لأني أحتاج إلى الصبر.‘” سميث (Smith)
- “أياً كانت الفضائل التي نمتلكها، فإنها تُصقَل بالضيقات والعكس صحيح. فإذا كان هناك شخص شهواني أو ضعيف أو متهور أو شرير أو سريع الغضب أو متغطرس … إلخ، فإن هذه الرذائل سوف تزيد مع الضيقات. ومن الناحية الأخرى، إذا كان المرء روحياً وقوياً وحكيماً وتقياً ولطيفاً ومتضعاً، فإن الضيقات سوف تُزيد أيضاً من هذه الفضائل.” مارتن لوثر (Martin Luther)
- “يقول بولس أن الضيقات تنشئ صبراً. ولكن ليس هذا هو الطبيعي، فالضيقات تنشئ عدم صبر ويأس، مما يجعلنا نفقد ثمار التجربة. اسأل الذين دفنوا إبنا عزيزاً أو فقدوا ثرواتهم أو عانوا من آلام في الجسد، وسوف يخبرونك أن النتيجة الطبيعية للضيقات هي حالة من الهياج والتمرد ضد الله وشك وعدم إيمان والغضب وكل أنواع الشرور. ولكن التغيير الرائع يحدث عندما يتجدد القلب بالروح القدس.” سبيرجن (Spurgeon)
- يجب أن يوضع العدّاء تحت ضغط حتى يتعلم الصبر. وعلى البحارة الذهاب إلى البحر، والجنود إلى المعركة كي يتعلموا الصبر. وكذلك الحال مع المؤمن، إذ عليه أن يجتاز في الضيقات كجزء من حياة الإيمان. وعلينا ألا نرغب في حياة خالية من الضيقات لأن:
- الصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً: هذه هي السلسلة الذهبية للنمو والنضوج الروحي. فضيلة تُبنى على أخرى حتى ننمو على مثال يسوع.
- يرغب معظم المؤمنين بأن تصقل شخصياتهم الروحية أثناء الضيقات (تزكية) وأن يملكون المزيد من الرجاء. فالتزكية والرجاء هما صفات تنبع من الصبر الذي يأتي من خلال الضيقات. فقد نرغب في الحصول على تزكية أفضل ورجاء أكثر بدون الضيقات، لكن ليس هذا أسلوب أو خطة الله.
- كنت أُفضل أن يفيض الله عليّ أثناء نومي بالصبر والتزكية والرجاء، فأستيقظ وأجد نفسي مؤمناً أفضل، لكن ليست هذه خطة الله لأي مؤمن.
- لذلك نقبل الضيق اتبكل تعقّل وفي ظل تقوى الرب وخضوع عالمين أن الله لديه غرض لخيرنا من كل ضيقة وأنه لا يسمح بأي تجربة فوق احتمالنا. فلن نسعى للتجارب أو نبحث عن الضيقات، لكننا لن نبغضها أو نفقد الرجاء عندما تأتي، “فنحن نثق في محبته في كل ما يسمحبه.”
ج) الآية (٥): برهان الرجاء هو محبة الله التي في قلوبنا الآن والدليل على وجود الروح القدس في حياتنا.
٥وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.
- وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي: الرجاء الذي تنشئه الضيقات لَنْ يَخْذِلَنَا (لاَ يُخْزِي). فنحن نثق في هذا لأن قصد الله هو إتمام عمله فينا – والدليل هو مَحَبَّةَ اللهِ التي انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.
- مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا: على كل مؤمن أن يختبر قدر من هذا حتى يدرِك محبة الله من جهته.
- تُعد حجج بولس الرسول في رسالة رومية صادمة غير أنها منطقية. وفي نفس الوقت فإن الرسالة مليئة بالمشاعر والاختبارات معا لله. فيريدنا بولس أن نعرف الله معرفة صحيحة وأننكون فيعلاقة معه نختبر من خلالها محبته التي انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا.
- لم يعطنا الله محبته بقدر ضئيل بل قد انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا. وقد لا يعي البعض هذا، لكن الله يريدنا أن نُدرك تدفق محبته.
- بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا: تصل محبة الله إلينا بواسطة الرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا. فإن كنا لا ندرك محبة الله فهذا يرجع إلى فشلنا في أن نكون مملوئين من الروح القدس وبعدم سلوكنا في الروح.
- “إن محبة الله هي مثل النور لعين كفيفة، فيأتي الروح القدس ويفتح تلك العين. يا ليت الروح القدس يأتي لكل واحد من الينشر محبة الله التي في قلوبنا للآخرين.” سبيرجن (Spurgeon)
- الروح القدس متاح لكل المؤمنين (رومية ٩:٨). ولكن ليس كل المؤمنين يعيشون في ملء الروح القدس (أفسس ١٨:٥) أو يسلكون حسب الروح (رومية ٤:٨-٥).
د ) الآيات (٦-٨): وصف لمحبة الله لنا.
٦لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. ٧فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضًا أَنْ يَمُوتَ. ٨وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.
- إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ: يصف بولس عظمة محبة الله المعطاة لمن لا يستحق: للضُعَفَاء وللْفُجَّار وللخطاة مما يؤكد أن سبب المحبة هو الله ذاته وليس نحن.
- من هم هؤلاء الفُجار والأشرار الذين مات يسوع من أجلهم؟يخبرنا بولس في الإصحَاحين الأول والثاني ونصف الإصحَاح الثالث من رسالة رومية أننا جميعاً هؤلاء الناس.
- مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ: أرسل الله ابنه لكي يموت فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّار. وربما بدا متأخراً للبعض ولكن عمل يسوع تم في وقته حسب خطة الله، كما يقول الكتاب: “لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه (غلاطية ٤:٤).
- تم إعداد العالم روحياً واقتصادياً ولغوياً وسياسياً وفلسفياً وجغرافياً لمجيء يسوع ونشر الإنجيل.
- يعني تعبير فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ أيضاً أن يسوع مات في الوقت المناسب، عندما كنا خطاة نحتاج إلى مخلِّص. كان التوقيت مناسباً تماماً بالنسبة لنا.
- مَاتَ المسيح لأَجْلِ الْفُجَّار: ذكر بولس فكرة الذبيحة البديلة عندما استخدم كلمة كفارة في رومية ٢٥:٣. وهنا يكرر الفكرة بقوله إن المسيح مَاتَ لأَجْلِ الْفُجَّار. وكلمة لأَجْلِ في اللغة اليونانية القديمة هي huper، وتعني “نيابةً عن” أو “بدلاً من.”
- استُخدمت كلمة huper في عدة مواضع في العهدالجديد. فنقرأ في إنجيل يوحنا ٥٠:١١ “وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَن (huper) الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّها. وفي غلاطية ١٣:٣ نقرأ “اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً (huper) لأَجْلِنَا.
- إن كنت تريد أن تقول بصدق: “يسوع مات من أجلي،” فعليك أن تقول أيضاً: “أنا لا أقوى على خلاص نفسي، لأني شخص فاجر وخاطئ.” فقد مات يسوع ليخلص ويغير الفُجار.
- “إذا كنت ترى أنك أحد أسوأ الناس في العالم أو أن ليس لديك القوة للتغيير أو إن كنت ترى نفسك مُدان أو بلا رجاء، فاعلم أن المسيح قد مات من أجل أسوأ الناس في العالم ومن أجل الضعفاء والمدانين وهو رجاء لمن لا رجاء له ويخلص كل ضالٍ بالتمام.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إن كان المسيح قد مات من أجل الفجار، فهم بلا عذر لعدم قبولهم له والإيمان به للخلاص. ولو كان الأمر غير ذلك، لربما قالوا: نحن غير مستحقين. ولكنك خاطئ والمسيح مات من أجل الخطاة، فلماذا لم يمُت من أجلك أنت أيضاً؟” سبيرجن (Spurgeon)
- فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارّ: تفوق محبة الله أعظم محبة بين البشر. فقد يموت الصالح من أجل البار لكن يسوع مات من أجل الفجار.
- هل يرى بولس فرقاً بين الإنسان البار والإنسان الصالح؟ يبدو أن الفرق في (رومية ٧:٥) هو أن البار هو بار في حياته الشخصية، لكنه قد يفتقر إلى الإحساس بالآخرين. أما الإنسان الصالح فيتفوق على البار بكونه أيضاً طيباً ومحسناً نحو الآخرين.
- وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ: كيف بَيَّنَ موت الابن مَحَبّةُ الآب لَنَا؟ لأنه كان صعباً على الآب أن يُرسل ابنه الوحيد، ولأنه كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه (كورنثوس الثانية ١٩:٥).
- “قد يرى البعض الصليب دليلاً على عدم اكتراث الله الذي ترك يسوع البريء في يد الأشرار ليُعذب ويصلب ولم يفعل شيئاً. إلا إذا كان الآب والمسيح واحد، وأن الصليب أظهر محبة الله.” موريس (Morris)
- إن عمل يسوع على الصلي بمن أجلنا هو دليل الله المُطلق على محبته لنا. وقد يستطيع أن يُظهر المزيد من الأدلة، لكن الصليب يُعد أعظم دليل. فلا يُظهر الصليب محبة الله فقط، بل يظهر أيضاً كراهية الإنسان. ويُثبت أيضاً أنه مهما زادت الكراهية لن تستطيع أن تعلو فوق محبة الله.
- لا تظهر محبة الله كثيراً فيموت يسوع، لكنها تظهر فيمَن مات لأجلهم – خطاة متمردون.
هـ) الآيات (٩-١١): الخلاص من غضب الله.
٩فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ! ١٠لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ! ١١وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ.
- فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ: إن كنا مبررين بعمل يسوع، فيقيناً نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ. فغضب الله المُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ (رومية ١٨:١) قد وُضع على يسوع كبديل عن المؤمن.
- يميل البعض بالفطرة للشك بحقيقة أن هذه الوعود الرائعة هي فعلاً لهم. ولكن الله يريدهم أن يروا بكل بساطة ووضوح التالي: لأنكم تبررتم بدم المسيح، فَبِالأَوْلَى كَثِيراً عليكم أن تكونوا أكثر يقيناً من محبة الله وصلاحه نحوكم، وبِالأَوْلَى كَثِيراً عليكم أن تثقوا به ثقة تامة.
- نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَب: غضب من؟ غضب الله البار. صحيح أننا يجب أن نخلص من العالم والجسد والشيطان، ولكن فوق كل هذا يجب أن نخلُص من غضب الله البار.
- كتب جون تراب (John Trapp) تعليقاً على الكلمات ’عن بِالأَوْلَى كَثِيرًا‘ كالتالي: “أن يأتي الله بالإنسان إلى النعمة هو عمل أعظم من أن يكون الإنسان في حالة النعمة ويأتي به إلى المجد، لأن المسافة بين الخطية والنعمة تبعد أكثر من بعد المسافة بين النعمة والمجد.”
- لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ: إن كان الله قد أظهر مثل هذا الحب العظيم لنا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ، فكم من بركات سنتمتع بها حينما نكون قد صُولِحْنَا مَعَه! إذا كان الله يفعل كل هذا لأعدائه، فكم بالحري يفعل لأحبائه!
- يقول ويست (Wuest) مقتبساً من ألفورد (Alford): “لا يثق الرجل الذي تصالح مع الله بأنه سينجو من غضب الله فحسب، لكنه أيضاً سيملك الثقة في النُصرة والرجاء والفرح في الله.”
- فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!: لا تفيدنا هذه المصالحة فقط عند الموت؛ لكنها تمس حياتنا الآن. فقد انتهى غضب الله على المؤمنين للأبد. لكنه قد يؤدبهم كأب محبّ لا كنوع من العقاب على خطاياهم أو ليدفعوا ثمنها. فالله يسمح بالتأديب بهدف التوبيخ والإرشاد.
- نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ… قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ… نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ: يؤكد بولس على هذه النقطة بوضوح هنا. فما يهم هو ما حصلنا عليه بربنا يسوع. أما ما لدينا من خلال أعمالنا فلا يهم ولا يمكن أن يساعدنا. فالأمر برمته يتعلق بيسوع.
ثانياً. الرجُلان
أ ) الآية (١٢): انتشار الخطية في كل الجنس البشري.
١٢مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.
- كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ: يرى بولس الرسول أن الإصحَاح الثالث من سفر التكوين صحيحاً تاريخياً. فبحسب بولس (وبحسب ما قاله يسوع في إنجيل متى ٤:١٩-٦)، كان آدم وحواء أناس حقيقيين وما فعلوه له تأثيره الـمستمر إلى يومنا هذا.
- يجب أن نفهم أن قصة آدم وحواء ليست اختيارية قد نقبلها أو نرفضها. فبناءً على فكرة بولس الرئيسية هنا في رومية ٥، فإنه لايمكنك أن تنزع الحقيقة من سفر التكوين ٣دون أن تنزع المبادئ التي نضع عليها أساس خلاصنا.
- “يرى بولس أن آدم أكثرمن مجرد شخصية تاريخية، فهو الرجل الأول الذي يمثل “البشرية” كلها كما يُشير معنى اسمه باللغة العبرية. فالبشرية كأنها وجدت في البداية في آدم.” بروس (Bruce).
- بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ: لا يحاول بولس أن يُثبت هذه الفكرة بل ببساطة يقبلها كحقيقة كما جاء في سفر التكوين أصحاح ٣ بأنه بآدم دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وأنه هو المسئول عن سقوط الجنس البشري وليس حواء. فحواء خُدعت فأخطأت أما هو فقد أخطأ بمعرفة كاملة (تيموثاوس الأولى ١٤:٢).
- وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ: دخل الْمَوْتُ إلى العالم وَهكَذَا اجْتَازَ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ نتيجة خطية آدم. فقد قال الله لآدم: «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ» (سفر التكوين ١٧:٢). وفي اللحظة التي أخطأ فيها آدم ساد الموت على الأرض، وكل قبر يعد دليلاً صامتاً على انتشار الخطية وسيادتها منذ زمن آدم.
- وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ: بما أن الموت مرتبط بالخطية، يمكننا أن نعرف أن الجميع أخطأوا لأن الموت سيصيب الكل. ومن كان بلا خطية لن يموت، لكن الجميع سيموتون لأن الجميع أخطأوا في آدم.
- قد يبدو هذا غريباً على آذاننا، لكن بولس يوضح أننا جميعنا أخطأنا ’في‘آدم. فآدم هو الأب المشترك لكل شخص على وجه الأرض؛ فكل إنسان عاش على الإطلاق كان ’في‘ البنية الجينية لآدم، لذلك، أخطأ الجميع بالفعل فيآدم.
- “لقد أخطأ الجميع في آدم؛ فخطية آدم هي خطية الجميع.” موريس (Morris)
- سيفنى البشر بالموت حتى قبل ارتكابهم لأي خطية، لأننا أصبحنا خطاة بخطية آدم وليس بسبب خطيتنا الشخصية.
- قد لا نحب حقيقة أننا قد جُعلنا خطاة بسبب خطية إنسان آخر. وقد نعترض ونقول: “أريد أن أُمثل ذاتي وألا أعتبر آثماً بسبب عمل ارتكبه شخص آخر.” ولكن، إن كنت سأتبرر بسبب عمل شخص آخر فمن المنصف إذاً أن أصبح خاطئ بخطية إنسان آخر. فإن لم نكن قد جُعلنا خطاة بآدم، لما صرنا أبرار بيسوع.
- إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ: قد تُضايقنا حقيقة أن الجميع أخطأوا، لكنها واقع. فأصغر رضيع هو خاطئ وسيموت يوماً. ولقد أدرك داود هذا عندما كتب «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور ٥:٥١).
- هناك دلائل أخرى على كوننا مولودين بالخطية، منها أننا نرى الأنانية والغضبفي أصغر الأطفال، حتى أننا لسنا بحاجة أبداً لتعليم أطفالنا أن يكونوا سيئين فهم يتعلمون ذلك بمفردهم تماماً.
- كون الأطفال الرُضع خطاة لا يعني أنهم سيذهبون إلى الجحيم. أولاً، لأننا نعلم أن إيمان الآباء يقدسهم (كورنثوس الأولى ١٤:٧). ثانياً، كان داودمطمئناً بأنه سيقاب لطفله في السماء (صموئيل الثاني ٢٣:١٢). وأخيراً، نحن نعلم أنه في النهاية، الله قاضٍ عادل وسوف يدين بالعدل (سفر التكوين ٢٥:١٨).
- إذا كان هناك أطفال في السماء لآباء غيرمؤمنين، فهذا ليس لأنهم أبرياء ومستحقون، لأننا كلنا ولدنا خطاة، ب لبسبب رحمة الله الغنية التي شملتهم أيضاً.
ب) الآيات (١٣-١٤): الإجابة على الاعتراض القائل: “اعتقدت أننا جميعنا خطاة لأننا كسرنا الناموس.”
١٣فَإِنَّهُ حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ. ١٤لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي.
- حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ: نحن نعلم أننا قد جُعلنا خطاة بسبب آدم وليس بسبب كسرنا للناموس لأن الخطية والموت كانا في العالم قبل إعطاء الناموس.
- كان الأوان قد فات ليتمكن الناموس من منع الخطية والموت، كما أنه أضعف من أن يخلص منهما.
- لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ: إن سيادة الموت غير الرحيم حتى قبل ناموس موسى يُثبت أن الإنسان كان تحت الخطية قبل الناموس. وقد مَلَكَ الْمَوْتُ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا بنفس الطريقة التي كما حدث مع آدم، توضح أن الخطية كانت متأصلة في كل إنسان.
- آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي: يقدم بولس آدَمَ كمِثَال أو كصورة تعكس يسوع. فكلٍ من آدم ويسوع كانا بلا خطية منذ البدء، وكلٍ منهما قام بشيء كانت له عواقب على كل البشرية.
ج) الآيات (١٥-١٧): التناقضات بين عمل آدم وعمل يسوع.
١٥وَلكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ! ١٦وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ. ١٧لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ!
- وَلكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ: لقد أخطأ آدم خطية كانت لها عواقبها على الجنس البشري بأكمله: فمَاتَ الْكَثِيرُونَ. كذلك يعطي يسوع هِبَةُ مجانية لها عواقبها على الجنس البشري بأكمله، ولكن بطريقة مختلفة. فمن خلال هبة يسوع المجانية، ازْدَادَتْ نِعْمَةُ اللهِ لِلْكَثِيرِينَ. فعمل آدم جلب الموت، أما عمل يسوع فيجلب نعمة.
- مَاتَ الْكَثِيرُونَ: يبدأ بولس في وصف نتيجة خطية آدم. فقد جاء الْحُكْمَ، الذي أدى إلى اِلدَّيْنُونَةِ، ومَلَكَ الْمَوْتُ على الجميع. ولكن هناك أيضاً نتائج لهبة يسوع المجانية: فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ (لأن خَطَايَا كَثِيرَةٍ قد وُضعت على يسوع)، وسَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ الأبدية.
- “لايقول بولس أن الموت قد ملك على جميعنا لأننا أخطأنا لكنه يقول أن الموت قد ساد علينا لأن آدم أخطأ.” موريس (Morris)
- مَلَكَ الْمَوْتُ… فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ سَيَمْلِكُونَ: نستطيع أن نقول إن كلا آدم ويسوع ملكان وكل منهما أسس مُلكاً. ففي عهد آدم مَلَكَ الْمَوْتُ أما في عهد يسوع فنملك نحن فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ، يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- في مُلك آدم مُلك الموت تماماً. فالكل يولد ويموت – معدل الوفيات هو ١٠٠ ٪. لا أحد ينجو. وعندما يولد طفل، لا يتعلق الأمر بما إذا كان الطفل سيعيش أو يموت – من المؤكد أنه سيموت، والسؤال الوحيد هو متى. فنحن ننظر إلى هذا العالم وكأنه أرض الأحياء لكنه في الواقع أرض الموت، ومليارات الأجساد البشرية التي تُطرح في الأرض على مر القرون تُثبت ذلك. ولكن يقول بولس إن مُلك الحياة بيسوع ومُلك المؤمن في الحياة من خلال يسوع أكثر يقينية من الموت!
د ) الآية (١٨): ملخص: الرجلين.
١٨فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ.
- بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ … بِبِرّ وَاحِدٍ: من هذا المقطع، يُعرف آدم ويسوع أحياناً باسم الرجلين، فهما يمثلان البشرية كلها. فكل شخص يُعرف إما في آدم أو في يسوع. فقد ولدنا مماثلين لآدم، ونولد ثانية لنكون مماثلين ليسوع.
- فكرة أن آدم ويسوع ممثلين عن الجنس البشري تسمى”اللاهوت الاتحادي،” لأنه فيظلا لنظاما لاتحادي للحكومة، يتم اختيار ممثلين للتحدث نيابة عمن اختاروهم. فيتحدث آدم عمن يمثلهم، ويتحدث يسوع عن شعبه.
- قد يعترض البعض بالقول: “أنا لم أختار آدم ليمثلني.” لكنك قد فعلت ذلك مع أول خطية ارتكبتها. صحيح أننا ولدنافي هوية آدم دون إرادتنا، لكننا أكدنا هذه الهوية بخطايانا.
- لِلدَّيْنُونَة… لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ: نتيجة اختيارنا لآدم أو ليسوع هامة جداً، لأنه إن اخترنا آدم سنحاكم ونُدان، وإن اخترنا يسوع سننال هبة نعمة الله وتبريره.
- صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ: هل هذا يعني أن جَمِيعِ النَّاسِ متبررون بالهبة المجانية؟ نعلم أننا جميعاً ورثنا لعنة خطية آدم دون اختيار شخصي. ولكن هل هذا يعني أن الجميع سينال فوائد طاعة يسوع بغض النظر عن اختياره الشخصي؟ كلا على الاطلاق. أولاً يوضح بولس أن الهبة ليست مثل الخطية – أنهما ليسا متطابقين في النتائج أو في التطبيق. ثانياً، يدعو بولس عمل يسوع هبة، ولكنه لا يستخدم هذه الكلمة أبداً مع عمل آدم. فنحن نحصل على الهبة بالإيمان. وأخيراً، يُعلم بولس بوضح في كل العهد الجديد أنه لن يخلص الجميع.
- فكيف إذاً صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ؟ فجاءت الهبة بمعنى أنها هدية تُقدم، ولكن ليس بالضرورة أن تُقبل.
- تُعرف فكرة خلاص الجميع بعمل يسوع باسم عقيدة الخلاص الشمولية. “إذا كانت عقيدة الخلاص الشمولية تُعلم هنا فإن بولس ربما يُناقض نفسه لأنه قد وصف الإنسان بأنه هالك بسبب الخطية.” هاريسون (Harrison)
هـ) الآية (١٩): ملخص التناقضات.
١٩لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا.
- بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ: أصبح الجميع خُطَاةً بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِد آدم. أما بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ يسوع جْعَل الْكَثِيرُينَ أَبْرَار. فيقوم كل ممثل بتوصيل تأثير عمله إلى “أتباعه.”
- جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً: شدد بولس على هذه النقطة ثانية. صرنا خُطَاةً بسبب عمل آدم. وبالطبع لقد اخترنا آدم عندما أخطأنا. ولكن بما أن إنسان آخر جعلنا خطاة، يمكن أن نُجعل أبراراً بعمل إنسان آخر.
- هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعلنا نستفيد من عمل يسوع بأي شكل من الأشكال. فإن كان يجب على كلٍ منا أن يقف بمفرده دون تمثيل من آدم أو من يسوع سنهلك جميعاً،لأننا كلنا خطاة ويعوزنا مجد الله. فقط من هو بلا خطية وينوب عنا هو الذي يستطيع أن يُخلصنا، والله يرى أنه من العدل أن ينوب هو عنا لأننا وضِعنا في هذه الفوضى بسبب شخص آخر.
- إذا سرقت أحد البنوك وتمت إدانتي، لا يستطيع أحد أصدقائي أن ينوب عني في سجني لأن هذا ليس عدلاً. فأنا من ارتكب الجريمة، ويجب أن أَلقى عقوبتها. ولكن سيكون فقط من العدل أن يَلقى شخص آخر العقوبة عني إذا كان ذنبي بسبب عمل شخص آخر.
- الذي لا يريد أن يمثله آدم أو يسوع لايفهم أمرين. الأول، أننا لسنا من يملك زمام الأمر، الله هو الذي يضع القوانين. والثاني، أن برنا الشخصي أمام الله هو كثوب عِدة (إشعياء ٦٤:٦). فبالنسبة لله، برنا الشخصي هو زيف كريه؛ لذا فإن وقوفك عن نفسك سيضمن دينونتك.
و ) الآية (٢٠أ): الغرض من الناموس.
٢٠وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ.
- النَّامُوسُ دَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ: أظهر لنا بولس أن الناموس لا يبررنا، والآن يظهر لنا أن الناموس في حد ذاته لا يجعلنا خطاة بل آدم فعل ذلك. فما هو إذاً الغرض منه؟ إن غرض الناموس الواضح هو أن تَكْثُرَ الْخَطِيَّة، فالناموس يُظهر خطية الإنسان من خلال التناقض الواضح بينها وبين معيار الله القدوس.
- تكثر العيوب الموجودة في الأحجار الكريمة عندما توضع في مقارنة مع حجر مثالي أو عند وضعها على خلفية متباينة. وهكذا يُظهِر ناموس الله الكامل عيوبنا، ويجعل خطيتنا تكثر.
٢. لِكَيْ تَكْثُرَ: هناك طريقة أخرى تجعل الخطية تكثر: قلبي الشرير. فعندما أرى خطاً أو قانوناً أركض نحوه كي أتجاوزه أو أكسره بسبب قلبي الشرير. وبهذا المعنى، تكثر الخطية بسبب الناموس لأنه يضع خطوطاً واضحة بين الصواب والخطأ مما يجعل قلبي الشرير يرغب في تجاوزها وكسرها. وهكذا يجعلني الناموس أخطئ أكثر – ولكن ليس لأن هناك خطأ ما في الناموس، لكن الخطأ يكمن في الإنسان.
ز ) الآية (٢٠ب-٢١): مُلك النعمة.
وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا. ٢١حَتَّى كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْمَوْتِ، هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ، لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.
- وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا: إن كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ في الناموس، فإن النعمة ازْدَادَتِ جِداً في يسوع. فعبارة ازْدَادَتِ جِداً تعني حرفياً “فاضت للغاية.” فالله يجعل نعمته تفيض أكثر من الخطية مهما كثرت!
- قد نتوقع أنه حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ يكثر غضب أو دينونة الله، لكن محبة الله مُدهشة لدرجة أن النعمة تزداد كثيراً بدلاً من الغضب.
- إن فاقت النعمة على الخطية، إذاً لا يمكن أن تكون خطايانا أكبر من نعمة الله أو من قدرته على غفرانها، لكن يمكننا أن نرفض نعمته وغفرانه.
- هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ: وكما قال بولس قبلاً، لقد مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ في الموت، لكن النِّعْمَةُ أيضاً ملكت. ويتميز مُلك النعمة بِالْبِرِّ وبالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- تملك النِّعْمَةُ من خلال ِالْبِرِّ. يعتقد الكثيرون أنه حيث تملك النعمة، يتم تجاهل الْبِرِّ وتصبح الخطية حالة طبيعية. ولكن هذا لا يعكس مُلك النعمة أبداً. وقد كتب بولس في رسالة أخرى: “لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ(تيطس ١١:٢-١٢). إذاً النِّعْمَةُ تملك من خلال البر والنِّعْمَةُ تُعلم البر.
- تملك النِّعْمَةُ فَتُؤَدِّيَ إلَى الحَيَاةِ الأبَدِيَّةِ. فنعمة الله تعطينا شيئاً وتأخذنا لمكان ما: تعطينا حياة لا تنتهي. ففكرة الحياة الأبدية تتضمن نوعية الحياة الحاضرة المعطاة لنا الآن وليس فقط عندما نموت.
- تملك النِّعْمَةُ بواسطة يَسُوعَ الْمَسِيحِ. في الملكوت حيث تسود النعمة، هناك مَلْك وهذا المَلْك هو يسوع. فحياة النعمة تنشغل بيسوع والآخرين وليس بـالذات. والحياة المليئة بالنعمة هي حياة تدرك أن هذا الإحسان غير المستحق هو عطية من الله ولا شأن له في ذاتي. فكل شيء يتمحور حول يسوع لا ذاتي. فلا تملك النعمة من خلال الذات بل من خلال يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ: حيثما تَمْلِكُ النِّعْمَةُ، تُحترم معايير الله البار. فالناموسي يخاف أن تعطي النعمة للقلوب الشريرة رخصة لفعل الخطية، لكن بحسب الكتاب المقدس، لا تحتمل النعمة الخطية، بل تواجهها مباشرة وترتفع فوقها لتهزمها. فالنعمة لا تغض الطرف عن الإثم، بل تواجه الخطية بكفارة الصليب وانتصار القبر المفتوح.
- النعمة لا تصادق الخطية؛ فهي عدوها اللدود. “كما تتعارض الحرارة مع البرودة والنور مع الظلمة، هكذا تتعارض النعمة مع الخطية. لكن كما تجتمع النارمع الماء فينفس الوعاء، هكذا تجتمع النعمة مع الخطية في نفس القلب.” توماس بنتون بروكس (Thomas Benton Brooks)
- في قصة سياحة مسيحي (Pilgrim’s Progress) الكلاسيكية لجون بانيان (John Bunyan)، توجد شخصية رائعة تُدعى “السيد صادق” الذي ذهب في طريقه وتقابل مع العديد من رفقائه السائحين؛ بعضهم قد خرج بجرأة وقوة لكنه عاد، والبعض الآخر تعثر في البداية ولكنه أكمل الطريق بشكلٍ جيد. بدأ بعضهم بالإيمان وانتهى بهم الأمر إلى الشك، وآخرون ازدادوا ثقة على الطريق. ومن الواضح أن السيد صادق كان يعرف الكثيرعن رحلة الحياة المسيحية وقد لخص كل معرفته في كلماته الأخيرة:
“استدعى السيد صادق أصدقاءه، وقال لهم: ’أنا أحتضر، ولكني لن أترك وصية ورائي. أما بالنسبة لصدقي، فسوف يذهب معي”… وعندما جاء يوم رحيله، قرر الذهاب عند النهر الذي كانت مياهه قد فاضت في ذلك الوقت، ليتقابل مع شخص تكلم معه مرة في حياته يُدعى “الضمير الصالح” وعندما تقابلا، مد إليه يده وأعانه. وكانت الكلمات الأخيرة للسيد صادق: ’النعمة تسود!‘ وبعدها غادر العالم.”