رسالة رومية – الإصحَاح ٨
حياة جديدة رائعة في الروح
أولاً. مقارنة بين الحياة في الروح والحياة في الجسد
أ ) الآية (١): لا شيء من الدينونة.
١إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ.
- إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ: هذا الإعلان البسيط هو لأولئك الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وبما أن الله الآب لا يدين يسوع، فلن يُدين من هم فِي المسيح يسوع. فالذين هم في المسيح يسوع ليسوا مدانين الآن ولن يكونوا مدانين ولا يمكن أن يُدانوا.
- كلمة ’إِذاً‘ لها أهميتها. فهي تعني أن ما يقوله بولس مبني على حُجة منطقية، كما لو أنه يقول: “أستطيع أن أثبت ما أقوله هنا.” وهذا ما يريد أن يُثبته: إن كنا واحد مع يسوع وهو رأسنا، فلا شيء من الدينونة علينا الآن. فلا يمكنك أن تُبرئ الرأس وتُدين اليد. ولا يُمكنك أن تُغرِق القدم ما دامت الرأس فوق الماء. ففي اقتراننا بيسوع سيصدر الحكم النهائي لصالحنا وهو: “لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ.”
- فِي الْمَسِيحِ: “يدل هذا التعبير على وجود اتحاد داخلي وروحي بين المسيح والمؤمنين. وهذا ما يُعبَّر عنه أحياناً بالقول: المسيح في المؤمنين، ولكن يشير التعبير هنا إلى وجود المؤمنين في المسيح. فالمسيح موجود في المؤمنين بروحه، وهم موجودون في المسيح بالإيمان.” بووله (Poole)
- الحكم ليس ’إدانة أقل‘ كما يظن البعض ويقولون أن وضعنا قد تحسن قليلاً في يسوع. ولكن الحقيقة هي أنه لم يتحسن بل قد تحول بالكامل إذ لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ علينا بعد.
- قد نحتاج أن ننظر إلى الجانب الآخر من المعادلة: إذا لم تكن في يسوع المسيح، فهناك دينونة عليك. “ليست حقيقة مُبهجة ولكن الضرورة موضوعة علينا أن نوضح للآخرين تلك الحقيقة. فما شهد به الله في الكتاب المقدس هو ما يجب أن يشهد به عبيد الرب للناس: إذا لم تكن في المسيح يسوع وكنت تسلك بحسب الجسد، فأنت لن تفلت من الدينونة.” سبيرجن (Spurgeon)
- لا شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ: هذه الحالة من الثقة والسلام تأتي بعد الارتباك والصراع الذي تميز به الإصحَاح السابع من رسالة رومية. والآن يحول بولس نظره إلى يسوع ويجد مكانته فيه. فهذا الإصحَاح يتجاوز كونه مجرد إجابة لرومية ٧؛ فهو يربط بين الأفكار التي طرحت من بداية الرسالة.
- يبدأ الإصحَاح الثامن من رسالة رومية بعبارة: لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ؛ وينتهي بعبارة: لا شيء سَيَفْصِلُنَا، وفيما بينهم لا شيء سيهزمنا.
- السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ: لا نجد هذه الكلمات في أقدم مخطوطات رسالة رومية، وهي لا تتفق مع تدفق سياق بولس هنا. وربما تمت إضافتها بواسطة ناسخ، إما عن طريق الخطأ أو اعتقاداً منه أنه يقدم المساعدة لبولس بإضافته لهذه الكلمات من رومية ٤:٨.
- بالرغم من حقيقة إن أولئك الذين هم فِي الْمَسِيحِ لا ينبغي أن يسلكوا حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ، إلا إن هذا ليس شرطاً ليكونوا بلاَ أَيَّةُ دَيْنُونَةٍ. فوضعنا في يسوع المسيح هو سبب وقوفنا بلاَ دَّيْنُونَةِ.
- “يؤكد لنا الدارسون أن هذا ليس جزءاً من النص الأصلي. ولا يمكنني الآن الخوض في أسباب هذا الاستنتاج، لكني اكتفي بالقول إنها أسباب جيدة ومتينة. فأقدم النسخ لا تحتوي على هذا الجزء، والإصدارات لا تؤكده، كما أن الآباء الذين طالما اقتبسوا من الكتاب المقدس لم يقتبسوا هذه الجملة.” سبيرجن (Spurgeon)
- لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ: نحن نستقبل هذا الإعلان المجيد من محكمة الله برغم عدم استحقاقنا. ولكن لأن يسوع حمل عنا الدينونة التي نستحقها، أصبحت هويتنا الآن في يسوع الذي لن يُدان ثانية، وكذلك نحن.
ب) الآيات (٢-٤): التباين بين الحياة في الروح والحياة في الجسد.
٢لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. ٣لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ، ٤لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ.
- نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ: كان نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ قوياً وبدا مطلقاً. فكل خطية نرتكبها وكل مقبرة نراها دليل على ذلك. ولكن نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لا يزال أقوى ويحررنا مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ.
- لقد تحررنا من نَامُوسَ الْخَطِيَّةِ، وعلى الرغم من أن المؤمن يجب ألا يفعل الخطية لأنه قد تحرر من سيادتها إلا أنه حتماً يخطئ. لكننا تحررنا من ناموس الْمَوْتِ إذ لم يعد له سلطان مستمر على المؤمن.
- تخبرنا الآية في رومية ١:٨ بأننا قد تحررنا من ذنب الخطية، وتخبرنا الآية في رومية ٢:٨ بأننا قد تحررنا من قوة الخطية.
- لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ: يستطيع النَّامُوسُ أن يفعل أشياء كثيرة؛ فهو يستطيع أن يُرشدنا ويُعلمنا ويُخبرنا عن شخصية الله، لكنه لا يستطيع أن يمنح جَسَدنا الطاقة؛ هو يستطيع أن يعطينا المعيار، لكنه لن يستطيع أن يمنحنا القوة لإرضاء الله.
- يقول موريس (Morris) نقلاً عن مانسون (Manson): “ناموس موسى لديه الحق ولكن ليس لديه القدرة، وناموس الخطية لديه القدرة ولكن ليس لديه الحق؛ أما ناموس الروح فلديه الحق والقدرة معاً.”
- “نحن نرى أن الناموس ضعيف لأننا ضعفاء تجاهه: فالشمس لا تستطيع أن تمنح الضوء للعين الكفيفة، وذلك ليس بسبب عدم قدرة الشمس بل بسبب عجز الشخص الذي تسطع عليه.” بووله (Poole)
- فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ: الناموس ضعيف لأنه يتحدث إلى جَسَدنا، فهو للجسديين ويتحدث إليهم كجسديين، بينما يغيرنا عمل الروح وذلك بصلبه الانسان العتيق ومنحنا الإنسان الجديد – فهذا مبدأ أسمى من الجسد.
- “إن الكرمة لا تُنتج العنب بموجب قانون صادر عن البرلمان؛ فالعنب هو ثمر حياة الكرمة؛ لذا فإن السلوك الذي يتوافق مع معيار الملكوت لا يتم بموجب أي طلب حتى وإن كان صادراً من الله، بل هو ثمر تلك الطبيعة الإلهية التي يعطيها الله كنتيجة لما فعله في المسيح ومن خلاله.” هووك (Hooke)
- مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ: لا يستطيع الناموس أن يهزم الخطية لكنه يستطيع أن يكشفها. ويسوع وحده هو الذي يستطيع أن يهزم الخطية، وقد فعل ذلك من خلال عمله على الصليب.
- إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ: لكي يهزم الخطية، كان على يسوع أن يتشابه مع أولئك المقيدين بها بأن يصير فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ. وقد اختار بولس كلماته بعناية، بوحي من الروح القدس، فلم يُشر إلى أن يسوع جاء في جسد الخطية، بل أنه جاء في شبه جسد الخطية.
- لا يمكن أن نقول إن يسوع جاء في جسد الخطية لأنه كان بلا خطية، ولا أنه جاء في شبه الجسد لأنه كان حقاً إنساناً وليس شِبه إنسان. ولكننا نستطيع القول بأن يسوع جاء فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ لأنه على الرغم من كونه إنساناً لم تكن في ذاته خطية.
- دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ: لقد أُدينت الخطية في جَسَدِ يسوع لأنه حمل الدينونة التي نستحقها. وبما أننا في المسيح، فإن الدينونة التي نستحقها قد عَبَرَت عنا.
- لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا: لأن يسوع قد أَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ ولأننا في المسيح، فنحن هكذا نُتمم الناموس. فقد أُتِم الناموس فينا فيما يتعلق بالطاعة لأن بر يسوع هو أساس برُنا. وقد تحقق حكم الناموس فينا فيما يتعلق بالعقاب لأن أي عقاب يطالب به الناموس قد سُكِب على يسوع.
- لا يقول بولس أننا أوفينا البر الذي يتطلبه الناموس، ولكنه يقول بدقة أن البر الذي يتطلبه الناموس قَد أُتِم فينا. فهو لم يتم بنا بل فِينَا.
- ببساطة: يسوع كان البديل عنا؛ فقد عُومل يسوع كشخص خاطئ حتى نُعامَل نحن كأبرار.
- فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ: أولئك الذين يستمتعون بهذا هم السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ، وتتميز حياتهم بطاعة الروح القدس وليس الجسد.
- يريد الله أن يسيطر الروح على جسدنا. فعندما نسمح للجسد أن يسيطر على الروح، نجد أنفسنا مقيدين بالإثم واليأس الذي اتسمت به حياة بولس في صراعه في رومية ٧، لذا يجب أن يكون سلوكنا حَسَبَ الرُّوحِ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ.
- يعني السلوك حَسَبَ الرُّوحِ أن يوجه الروح القدس مسار واتجاه وتطور حياة المرء، وهي حركة مستمرة ومتدرجة.
- “لاحظ جيداً أن الجسد موجود؛ ولكن المرء لا يتبعه، لكنه موجود. فالجسد يصارع ويحارب ويُربك ويُحزن وسيظل موجوداً إلى أن يؤخذ إلى السماء، وهو بمثابة قوة غريبة ومكروهة. فالجسد ليس هناك لكي يسود على الإنسان ولا يسلك الإنسان حسبه ولا يطيعه ولا يقبله كمُرشد له ولا يسمح له بأن يدفعه إلى التمرد.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (٥-٨): عبث محاولة إرضاء الله في الجسد.
٥فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ، وَلكِنَّ الَّذِينَ حَسَبَ الرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ. ٦لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ. ٧لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ. ٨فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ.
- فَيمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ: يعطينا بولس طريقة سهلة لتحديد ما إذا كنا نسلك في الروح أم في الجسد وهي أن نعرف ببساطة بما نهتم. فالعقل هو أرض المعركة الاستراتيجية التي يتصارع فيها الجسد والروح.
- لا ينبغي أن نظن أن أولئك الذين يهتمون بأمور الجسد هم خطاة آثمين، فقد يكونون أشخاصاً نبلاء لديهم نوايا حسنة. فقد كان قصد بطرس حسناً عندما طلب من يسوع أن يتفادى الصليب، لكن يسوع أجاب بطرس بهذه الكلمات القوية: «اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ» (متى ٢٣:١٦).
- لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ: عندما نهتم بأمور الجسد نجلب الموت إلى حياتنا، لكن السلوك في الروح يجلب حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ.
- يجب أن نحذر من الروحانية الزائفة ونفهم أن ما يعنيه بولس بالجسد هو الأداة التي بها نتمرد على الله. فهو لا يتحدث هنا عن الاحتياجات العاطفية والطبيعية التي قد نفكر بها بل يتحدث عن إشباع تلك الاحتياجات بطرق آثمة.
- لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ: يحارب الجسد ضد الله لأنه لا يريد أن يُصلب ويخضع للرب يسوع المسيح ولا يريد أن يعيش ما جاء في غلاطية ٢٤:٥ “وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ.” وفي هذه المعركة لترويض الجسد يكون الناموس بلا قوة.
- لم يقل بولس أن اهتمام الجسد كان في عداوة مع الله، بل قال ما هو أقوى من ذلك، قال: لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ. “إنه ليس شيئاً أسوداً، بل هو السواد نفسه، هو ليس في عداوة بل العداوة ذاتها، وهو لا يُفسد لكنه الفساد، ولا يتمرد لكنه التمرد، وليس شريراً لكنه هو الشر ذاته. والقلب كذلك، فهو أخدع من كل شيء وهو نجيس، وهو جوهر كل الأشياء الشريرة، فهو لا يحسد الله لكنه الحسد ذاته، وليس في عداوة مع الله لكنه العداوة ذاتها.” سبيرجن (Spurgeon)
- إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ: قد نحاول أن نفعل الخير في الحياة دون الخضوع لِنَامُوسِ اللهِ. وقد نأمل أن نجعل الله “مديون” لنا بسبب أعمالنا الصالحة، لكن هذا لا يحدث. فنحن فِي الْجَسَدِ لاَ نَسْتَطِيع أَنْ نُرْضي اللهَ، حتى وإن كان الجسد يقوم بأفعال دينية تحظى بإعجاب الآخرين.
- يقول نيويل (Newell) عن رومية ٧:٨ “ربما لا يوجد نص واحد في الكتاب المقدس يحدد بشكل تام حالة الضلال البشعة للإنسان الجسدي مثل هذا النص.”
د ) الآيات (٩-١١): المؤمنون مُؤهلون للحياة في الروح.
٩وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ. ١٠وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ. ١١وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ.
- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ: يُعطى الروح القدس لكل مؤمن عند ولادته الثانية، لذا فإن كل مؤمن لديه في داخله أساس أسمى وأعظم من الجسد.
- “ما زال العديد من الأمناء روحياً يعيشون في ظلّ دعوة يوحنا المعمدان للتوبة. وحالتهم هي حالة الصراع الموجودة في رومية ٧، حيث لا يوجد ذكر للمسيح ولا للروح القدس. إنها نفس نَشِطة ولكنها غير مُخَلّصَة وفي حالة صراع بسبب “الواجب” وليس بسبب القبول التام في المسيح وختم الروح القدس.” نيويل (Newell)
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ: هذا يعني أن كل مؤمن لديه الروح القدس. فمن الخطأ أن نُقسم المؤمنين إلى “ممتلئين بالروح” و”غير ممتلئين بالروح.” إذا لم يكن الشخص ممتلئاً بالروح القدس فهو ليس مؤمناً على الإطلاق.
- ومع ذلك، فإن الكثيرين لا يعيشون حياة الإيمان في الملء الدائم للروح لأنهم غير ممتلئين باستمرار بالروح القدس كما أمر بولس في أفسس ١٨:٥، وليس لديهم اختبار أنهار الماء الحي التي تجري من المؤمن كما وصفها يسوع في يوحنا ٣٧:٧-٣٩.
- كيف يعرف الشخص أن لديه الروح؟ اسأل هذه الأسئلة:
- هل قادك الروح إلى يسوع؟
- هل وضع الروح فيك الرغبة في إكرام يسوع؟
- هل يقودك الروح لتكون أكثر على مثال يسوع؟
- هل يعمل الروح في قلبك؟
- وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ: لأن يسوع يحيا فينا، فالإنسان العتيق (الجسد) قد مات، لكن الروح يحيا ويسود، وسوف يحيا خلاصه حتى من خلال أجسادنا الميتة بواسطة القيامة.
- نحن لسنا فقط في المسيح (رومية ١:٨) لكنه هو أيضاً فِينا، ولأن الله لا يستطيع أن يُقيم بمنزل خاطئ، كان على الْجَسَدُ (الإنسان العتيق) أن يموت بمجرد دخول يسوع.
ثانياً. واجبنا: أن نحيا في الروح.
أ ) الآيات (١٢-١٣): نحن مديونون للروح وليس للجسد.
١٢فَإِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَدِ. ١٣لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ.
- نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَد: لم يمنحنا الجسد (بمعنى جسد الخطية المُتمرد على الله) شيئاً جيداً، لذا فليس علينا أي التزام تجاهه كأن نُحسن إليه أو نُشبع رغباته، فنحن مديونون للرب وليس للجسد.
- لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ: يذكرنا بولس باستمرار بأن العيش حسب الجسد ينتهي بالموت. ونحن نحتاج إلى هذا التذكير لأننا غالباً ما نُخدَع بالتفكير في أن الجسد يمنحنا حياة.
- بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ: عندما نُميت أَعْمَالَ الْجَسَدِ (أي نُجبر جسد الخطية على الخضوع للروح)، يجب أن نفعل ذلك بِالرُّوحِ وإلا سنصبح مثل الفريسيين ونتفاخر روحياً.
- يخبرنا بولس بأننا لا نُخلص بعمل الروح فحسب، بل يجب علينا أيضاً أن نسلك بالروح إذا أردنا أن ننمو ونسعى إلى القداسة في الرب. فلا يمكننا أن نكون مثل بعض أهل غلاطية الذين ظنوا أن بإمكانهم أن يبدأوا في الروح ثم يجدوا الكمال الروحي من خلال الجسد (غلاطية ٣:٣).
ب) الآيات (١٤-١٥): العيش في الروح يعني العيش كابن لله.
١٤لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. ١٥إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ».
- فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ: يجب أن ينقاد أَبْنَاءُ اللهِ بِرُوحِ اللهِ، لكن لا ينبغي أن نعتقد أن انقيادنا بالروح هو شرط مُسبق لنكون أبناء الله، فنحن نصبح أولاً أبناء الله ثم يقودنا الله بروحه.
- لم يقل بولس: “من يذهب إلى الكنيسة هو ابن لله” أو “من يقرأ الكتاب المقدس هو ابن لله” أو “من يشترك في مائدة الرب هو ابن لله،” بل جعل اختبار البنوة هو إذا ما كان الشخص ينقاد بِرُوحِ اللهِ.
- كيف يقودنا الروح القدس؟
- نحن ننقاد بالإرشاد.
- نحن ننقاد بالجذب.
- نحن ننقاد بالسلطة الحاكمة.
- نحن ننقاد عندما نتعاون مع القيادة. “هو لا يقول ’أولئك المُحركين بروح الله.‘ كلا، فإن الشيطان هو المُحرك، وعندما يدخل إلى إنسان أو إلى خنازير يحركهم بشراسة. هل تذكر عندما اندفع القطيع من على الجُرُف إلى البحر؟ لذا عندما ترى شخصاً متعصباً وشرساً، فمهما كان الروح الذي بداخله فهو بالتأكيد ليس روح المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- إلى أين يقودنا الروح القدس؟
- يقودنا إلى التوبة.
- يقودنا إلى التفكير قليلاً في الذات وكثيراً في يسوع.
- يقودنا إلى الحق.
- يقودنا إلى المحبة.
- يقودنا إلى القداسة.
- يقودنا إلى النفع.
- إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي: الحياة كابن لله تعني وجود علاقة حميمة مُبهجة مع الله، ليست مثل علاقة العبودية أو الخوف التي أظهرها الناموس. فيمكن لابن الله أن يكون في علاقة وثيقة جداً مع الله حتى أنه يستطيع أن يَصْرُخُ: يَا أَبَا الآبُ! (يا بابا!)
- نَصْرُخُ: “يَا أَبَا الآبُ.” من السهل علينا أن نفكر في ارتباط يسوع بالآب بهذه الثقة، لكننا قد نعتقد أننا غير مؤهلين لذلك. ولكن تذكر أننا في المسيح لنا امتياز الارتباط بالآب تماماً كما يرتبط به يسوع المسيح.
- “في القرن الأول الميلادي أيام الدولة الرومانية، كان الابن بالتبني هو ابن يختاره الأب ليُخلد اسمه ويرثه، فلم يكن أبداً أدنى مرتبة من الابن المولود بالطبيعة.” بروس (Bruce)
- في ظل نظام التبني الروماني، كانت حياة الابن المُتبَنى ومكانته تتغير تماماً؛ فكان يفقد جميع الحقوق في عائلته القديمة ويكتسب كل الحقوق في عائلته الجديدة. وكانت حياته القديمة تمحى تماماً، بما في ذلك كل ديونه، ولا يُحتسب أي شيء ضده من ماضيه.
ج ) الآية (١٦): دليل كوننا أبناء الله: شهادة الروح القدس.
١٦اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ.
- اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ الله: يقول بولس أن أولئك الذين هم أبناء الله، المولودين ثانيةً بروح الله، يعرفون مكانتهم لأن الروح القدس يشهد لأرواحهم بذلك.
- لا يعني هذا أنه ليس هناك من يفكر أو يفترض بشكل خاطئ أنه ابن لله بمعزل عن شهادة الروح. وهناك أيضاً بعض المؤمنين الذين يصيبهم الارتباك والتشويش من شدة الهجوم الروحي عليهم فيصدقوا كذبة أنهم ليسوا أولاد الله، برغم وجود شهادة الروح.
- أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ: ليس علينا أن نتساءل ما إذا كنا حقاً مؤمنين أم لا، فأوْلاَدُ الله يعرفون أنفسهم.
- ينص الناموس اليهودي على أن كل شيء يؤسس على فم شاهدين أو ثلاثة (تثنية ٦:١٧)، وهناك شاهدان لخلاصنا: شهادتنا الخاصة وشهادة الروح.
د ) الآية (١٧): امتيازات ومسئوليات البنوة.
١٧فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ.
- فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا: لأننا في المسيح، فلنا امتياز الارتباط بالآب كما يفعل يسوع. لذلك، فنحن وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ.
- كوننا أولاد الله يعني أيضاً أن لنا ميراث. ففي لوقا ١٨:١٨ سأل الشاب الغني يسوع: “ماذا أعمل لأرث الملكوت؟” لكنه أخطأ في هذا السؤال لأن الميراث لا يكون بسبب الأعمال، بل هي مسألة تتعلق بوجوده داخل العائلة الصحيحة.
- إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ: لأننا في المسيح، فنحن مدعوون أيضاً للمشاركة في آلامه. فأبناء الله ليسوا محصنين ضد التجارب والآلام.
- إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ: في الحقيقة إنّ مشاركتنا في الآلام الحاضرة هي شرط لتمجيدنا في المستقبل. وبالنسبة لله، فهذا جزء من كوننا أبناء الله، بغض النظر عن رغبة أجسادنا في الحصول على الميراث والمجد بدون الآلام.
ثالثاً. الحياة في الروح تجعلنا قادرين على فهم وتحمُل الآلام.
أ ) الآية (١٨): تحليل بولس للآلام الحاضرة ومجد المستقبل: المقارنة بينهما غير ممكنة.
١٨فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا.
- فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا: لم يكن بولس جاهلاً بآلام الوجود البشري؛ فقد عانى الكثير منها ربما أكثر من أي منا. ومع ذلك، ظل يعتبر مجد المستقبل يفوق بكثير آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ.
- الْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا: اعتبر بولس أن الحياة المسيحية بدون رجاء سماوي هي حياة شقاء وبؤس (كورنثوس الأولى ١٩:١٥). ولكن في ضوء الأبدية، يُعَد هذا أحكم وأفضل اختيار يمكن لأي شخص أن يختاره.
- يُسْتَعْلَنَ فِينَا: المجد الآتي لن يُستعلن لنا فحسب، بل سيُستعلن فِينَا أيضاً.
- لقد وضع الله هذا المجد في المؤمن الآن لكنه سيُسْتَعْلَنَ ببساطة في السماء. “’المجد يُسْتَعْلَنَ وليس يُخلق. فالمعنى الضمني هنا هو أنه موجود بالفعل ولكنه غير ظاهر.” موريس (Morris)
ب ) الآيات (١٩-٢٢): كل الخليقة تنتظر وتتوقع هذا المجد الآتي
١٩لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ. ٢٠إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى الرَّجَاءِ. ٢١لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. ٢٢فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ.
- لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ: يرى بولس أن الخليقة ذاتها تنتظر بلهفة اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ لأن الخليقة أُخْضِعَتِ لِلْبُطْلِ بسبب خطية الإنسان، وسوف تستفيد من فداء الإنسان النهائي.
- يصف إشعياء ٦:١١-٩ فداء الخليقة في ذلك اليوم فيقول: فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا.وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ.
- الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى الرَّجَاءِ: الله فقط هو الذي يستطيع إخضاع الخليقة عَلَى الرَّجَاءِ، فهذا ليس عمل الإنسان أو الشيطان.
- حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ: لا يفيد هذا أبناء الله وحدهم بل الخليقة كلها. وإلى ذلك اليوم، تظل الخليقة تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ.
- اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ: بعض الجماعات ذات العقلية “المسيحية الفذة” ترى أن فكرة اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ تعني أن كل الخليقة تنتظر هذه المجموعة المسيحية المتفوقة روحياً لكي تُستعلن بطريقة قوية، وهذا هو الخيال الأناني المحض.
- كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ: “ما تجتازه الخليقة ليس هو أنين الموت بل هو مخاض الولادة.” موريس (Morris)
ج ) الآيات (٢٣-٢٥): نحن أيضاً نئن بصبر من أجل المجد الآتي.
٢٣وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا. ٢٤لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ ٢٥وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ.
- الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ: هذا يعني أننا قد تذوقنا بعض من المجد الآتي. فهل نخطئ إن كنا نتوق إلى تحقيق ما حصلنا عليه في البَاكُورَةُ؟
- مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا: نحن في انتظار التَّبَنِّيَ. وعلى الرغم من أنه بشكلٍ ما قد تمت بنوتنا بالفعل (رومية ١٥:٨)، إلا إننا نتوقع اكتمال البنوة، وهو ما سيحدث عند فِدَاءَ أَجْسَادِنَا.
- الله لا يتجاهل أجسادنا المادية في خطته للفداء، وخطته لهذه الأجساد هي القيامة؛ عندما يلبس هذا الفاسد والمائت عدم موت (كورنثوس الأولى ٥٣:١٥).
- فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْر: إن تحقيق فداءنا هو أمر بعيد المنال، ولكننا نَرْجُوهُ بالإيمان والصَّبْر، واثقين أن الله صادق في كلامه وسيصبح المجد الموعود حقيقة.
- يعلق موريس (Morris) على الصَّبْر قائلاً: “إنه وضعية الجندي الذي لا يرتبك في خضم المعركة بل يحارب بقوة مهما كانت الصعوبات.”
د ) الآيات (٢٦-٢٧): معونة الله متاحة لنا الآن من خلال الروح.
٢٦وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. ٢٧وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ.
- كَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضعفتانا: عندما نكون ضعفاء ولا نعرف كيف ينبغي أن نصلي، الله نفسه يعيننا (من خلال الروح القدس) بالتشفع من أجلنا.
- أَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا: قد تتضمن معونة الروح لنا الصلاة بالألسنة الروحية (كورنثوس الأولى ٢:١٤، ١٤-١٥)، ولكنها بالتأكيد لا تقتصر على الصلاة بلسان غير معروف.
- الفكرة ببساطة هي التواصل بما يتجاوز قدرتنا على التعبير. فلا يمكننا التعبير عن الأَنَّات العميقة بداخلنا بمعزل عن عمل الروح القدس التشفعي.
- هذا بالطبع هو الغرض من موهبة التكلم بالألسنة: تمكيننا من التواصل مع الله بطريقة لا تقتصر على معرفتنا أو قدرتنا على التعبير عما في قلوبنا. وليس الغرض من الألسنة هو إثبات أننا “ممتلئون بالروح” أو أننا “مميزون روحياً.”
- بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ: شفاعة الروح القدس فينا رائعة لأنه قادر على فْحَصُ ْقُلُوبَنا وتوجيه صلواتنا بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ.
هـ ) الآيات (٢٨-٣٠): معونة الله هي وعد ثابت؛ فالله قادر على جعل كل الأشياء تعمل معاً للخير إلى أن نصل المجد.
٢٨وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. ٢٩لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. ٣٠وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا.
- وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ: تظهر سيادة الله وقدرته على إدارة كل جوانب حياتنا في حقيقة أن كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، ورغم أننا يجب أن نواجه آلام الزمان الحاضر (رومية ١٨:٨) فالله قادر على جعل تلك الآلام أيضاً تعمل معاً لخيرنا ولخيره.
- كُلَّ الأَشْيَاءِ: الله قادر على جعل كُلَّ الأَشْيَاءِ، وليس بعضها، تَعْمَلُ مَعًا، وليس بانفراد. وهذا الوعد لأولئك الذين يُحِبُّونَ الله بمفهوم المحبة الكتابية. وكذلك يرتب الله أمور حياتنا لأننا مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.
- لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ: إن السلسلة الأبدية لعمل الله تظهر في العلاقة بين المعرفة المسبقة والتعيين والدعوة والتبرير والتمجيد. فلم يبدأ الله العمل في أهل رومية لكي يتخلى عنهم ببساطة وسط آلامهم الحاضرة.
- “يقول بولس أن الله هو رئيس إيماننا من البداية إلى النهاية. فيجب ألا نعتقد أن الله لن يستطيع أن يفعل شيء إلا عندما نجود عليه بالإذن لذلك.” موريس (Morris)
- بالطبع أنا أؤمن بعقيدة الاختيار المسبق كما يعلمها لنا الكتاب المقدس بوضوح. فهي عقيدة تُستَنتَج حتى وإن لم تَرِد الكلمة صراحة في النص. وإنها حقيقة مثيرة لا تُزعجني على الإطلاق. فحقيقة أن الله قد اختارني وبدأ فيَّ عملاً صالحاً دليل على أنه سيُنجز هذا العمل. فلن يأتِ الله بي إلى هنا لكي يتخلى عني.” سميث (Smith)
- مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ: إن مشاركتنا في هذه الخطة الأبدية هو أمر ضروري لتحقيق هدفه: أن نكون مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِه، وهذه عملية يقوم بها الله بالتعاون معنا، فهو لا يصنع هذا بنا بمفرده.
- لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ: هذا هو الدافع وراء خطة الله. فهو يتبنانا في عائلته (رومية ١٥:٨) لكي يجعلنا مثل يسوع المسيح، مشابهين له في الكمال والإنسانية.
رابعاً. غلبة الحياة في الروح.
أ ) الآية (٣١): يبدأ بولس ختامه لهذا الجزء بالقول: إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟
٣١فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟
- إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ إذا كان كل ما لدينا هي الإصحَاحات الأولى من رسالة رومية، فقد يظن البعض أن الله كان ضدنا. ولكن بولس قد أظهر المسافات التي قطعها الله ليخلص الإنسان من غضبه ولكي يُعدَه للانتصار على الخطية والموت، فمن الذي يشك في أن اللهُ مَعَنَا؟
- “قلوبنا الضعيفة، التي تميل إلى التقيد بالناموس والشك، تستقبل هذه الكلمات بصعوبة بالغة: اللهُ مَعَنَا… ورغم أنهم خذلوه، لكنه معهم. ورغم أنهم جهلة، لكنه معهم، ورغم أنهم لم يأتوا بثمر كثير؛ لكنه معهم.” نيويل (Newell)
- يعتقد الكثيرون أن الله معهم؛ الإرهابيون يرتكبون أفظع الجرائم معتقدين أن الله معهم. ولكن الروح القدس يحمي هذه العبارة بكلمة “إِنْ” لكي نعرف أن مجرد اعتقاد المرء بأن الله معه لا يجعله كذلك. فالله مَعَنَا فقط إن كنا قد تصالحنا معه من خلال يسوع المسيح.
- فَمَنْ عَلَيْنَا؟: ما أهمية وقوف الآخرين ضد المؤمن إن كان الله معه؟ فالمؤمن والله معاً يمثلان أغلبية لا تُقهر.
- من المؤكد أننا قد نُخدع بالاعتقاد بأن اللهُ مَعَنَا بينما هذا ليس صحيحاً (كما هو حال مع أصحاب البِدع وأمثالهم). ولكن لا يمكن إنكار أن الله مع أولئك الذين هم في المسيح يسوع.
ب ) الآية (٣٢): الدليل على أن الله معنا: عطية يسوع المسيح.
٣٢اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟
- اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ: إن كان الآب قد قدم لنا أعظم عطية على الإطلاق، فكيف نفكر أنه لن يهبنا العطايا الأصغر؟
ج ) الآيات (٣٣-٣٩): أمان المؤمن في محبة الله.
٣٣مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اَللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. ٣٤مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا. ٣٥مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ ٣٦كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». ٣٧وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. ٣٨فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، ٣٩وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.
- مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟: نحن في مأمن من كل التهم. وعندما يصدر الحكم ببراءتنا من قِبل القاضي الأعلى، فمن يستطيع اتهامنا؟
- مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟: نحن في مأمن من أي دينونة. فإن كان يسوع هو من يدافع عنا ويدعم موقفنا، فمن الذي يستطيع أن يديننا؟
- يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا: مهما كانت ظروفنا، لا يمكن لأي آلام حاضرة أن تفصلنا عن محبة الله، وهذا يجعلنا أعظم من منتصرين.
- يعلق إيرل (Earle) على كلمة “عُرْيٌ” قائلاً: “هذا المصطلح يوحي اليوم بعرض غير لائق. لكن في ذلك الوقت كان يعني نقص الملابس بسبب عدم قدرة المرء على الحصول عليها.”
- سَيْفٌ: هذه الكلمة تشير إلى الإعدام. وهذا هو البند الوحيد في القائمة الذي لم يكُن بولس قد اختبره بعد (كورنثوس الأولى ١١:٤، ٣٠:١٥).
- يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا: كيف يكون المؤمن أعظم من منتصر؟
- يغلب بقوة أعظم، قوة يسوع.
- يغلب بدافع أعظم، مجد يسوع.
- يغلب بنُصرة أعظم، لا يخسر شيء حتى في المعركة.
- يغلب بمحبة أعظم، قاهراً الأعداء بالمحبة، ويهدي المُضطهدين بالصبر.
- وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا: لا شيء صالح أو شرير يقدر أن يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ.