رسالة تيموثاوس الأولى – الإصحاح ٥
التعامل مع الرعية
أولاً. خلاصة لكيفية التعامل مع شعب الكنيسة.
أ ) الآية (١): كيف تُعامل الرجال في الكنيسة.
١لاَ تَزْجُرْ شَيْخًا بَلْ عِظْهُ كَأَبٍ، وَالأَحْدَاثَ كَإِخْوَةٍ.
- لاَ تَزْجُرْ (لَا تُوَبِّخْ) شَيْخًا: يقدم بولس إرشاداً لتيموثاوس بعدم توبيخ الرجال المسنين عامة. فواعظ شاب مثل تيموثاوس يجب أن يرعاهم بأمانة، ولكن مع مراعاة الاحترام اللائق لسنهم وللحكمة المفترض وجودها عند الرجال المسنين.
- إن أي شخص تقي سوف يراعي احترام المسنين. وقد ورد في الكتاب المقدس: ’مِنْ أَمَامِ الأَشْيَبِ تَقُومُ وَتَحْتَرِمُ وَجْهَ الشَّيْخِ، وَتَخْشَى إِلهَكَ. أَنَا الرَّبُّ (سفر اللاويين ٣٢:١٩). وأيضاً: ’تَاجُ جَمَال: شَيْبَةٌ تُوجَدُ فِي طَرِيقِ الْبِرِّ‘ (سفر الأمثال ٣١:١٦).
- السبب الآخر لوعظ الرجل المسن بدلاً من توبيخه هو أنه ببساطة قد لا يقبل سماع التوبيخ.
- لاَ تَزْجُرْ: إن الفعل اليوناني القديم لكلمة ’تَزْجُرْ‘ في العهد الجديد ليس المعنى العادي للكلمة ’تَزْجُرْ.‘ فهذا هو المكان الوحيد الذي تستخدم فيه هذه الكلمة ومعناه حرفياً ’الهجوم على.‘ فقد طُلب من تيموثاوس ألا يهاجم الرجال المسنين بالكلمات بل يعاملهم باحترام، وأن يعامل الشباب الأصغر سناً باحترام كإخوة.
- لا تعني الوصية بأنه يجب ألا يوبخ تيموثاوس الرجال المسنين نهائياً بل يجب ألا يهاجمهم بتوبيخ قاسٍ.
- بصرف النظر عن قسوة هذه الكلمة، فإن التوبيخ بشكل عام هو واجب مهم للراعي. فالتوبيخ يعني العرض البسيط والواضح لخطية الشخص إما في تصرفه أو في تفكيره. وليست الغاية الأساسية من التوبيخ هي التشجيع بل مواجهة شخص ما بسلوكه الخاطئ أو بتفكيره الخاطئ. وقد بعث بولس رسالة أخرى لأحد الرعاة وضح فيها أهمية التوبيخ بقوله: ’تَكَلَّمْ بِهذِهِ، وَعِظْ، وَوَبِّخْ بِكُلِّ سُلْطَانٍ. لاَ يَسْتَهِنْ بِكَ أَحَدٌ.‘ (تيطس ١٥:٢).
- في يموثاوس الأولى ٢٠:٥ – أي في هذا الأصحاح نفسه – قال بولس لتيموثاوس بأنه ستأتي أوقات لا يجب فيها توبيخ الشيوخ فقط بل يجب فيها توبيخهم علناً. وبناءً عليه، لم يطلب من تيموثاوس في هذه الآية بألا يوبخ أحداً أبداً بل أن لا يوبخ أبداً بأسلوب قاسي وهجومي.
- المشكلة هي أن العديد من الناس يستجمعون كل ما لديهم من قدرة دفاعية أثناء التوبيخ – إن لم يحدث ذلك في وقت التوبيخ، سيكون في وقت لاحق، وذلك بعد قضائهم وقتاً في التفكير والإصغاء إلى كبريائهم. والبعض يصبحون خبراء في انتقاد الشخص الذي جلب التوبيخ ويعتبرون أن مشاعرهم المجروحة أهم من حقيقة التوبيخ.
- لا أحد يحب أن يوبخ، لكن الشخص الحكيم يستخدم التوبيخ كوسيلة قيمة للنمو. قال سبيرجن (Spurgeon): “إن الصديق الناضج الذي ينتقدك من أسبوع إلى أسبوع بلا كلل، هو أعظم بركة لك من ألف معجب إن تحملت انتقاده وامتلكت النعمة الكافية لتكون ممتناً لطريقة تعامله معك.” (من كتابه بعنوان: محاضرات لتلاميذي).
- بَلْ عِظْهُ كَأَبٍ: الوعظ يعني التشجيع على القيام بالعمل الذي نحتاج للقيام به. ويتم الوعظ بأسلوب التشجيع الذي يستخدمه المعلم أو المدرب الرياضي لمساعدة الرياضي لتحقيق أفضل ما لديه.
- الأَحْدَاثَ: هؤلاء يجب معاملتهم كَإِخْوَة، أي كشركاء وأصدقاء في خدمة الإنجيل، ويتم التعامل معهم بدون المراعاة الواجبة لكبار السن.
ب) الآية (٢): كيف تُعامل النساء في الكنيسة.
٢وَالْعَجَائِزَ كَأُمَّهَاتٍ، وَالْحَدَثَاتِ كَأَخَوَاتٍ، بِكُلِّ طَهَارَةٍ.
- الْعَجَائِزَ: يجب معاملة العجائز كَأُمَّهَات، بالاحترام والتقدير اللائق بسنهن. ويجب على الراعي الشاب أن يقبل ويقدر الأمومة التي قد يقدمنها له بعض الْعَجَائِزَ في الكنيسة، ومن اللائق منحهن إكراماً على هذا الأساس.
- الْحَدَثَاتِ: يجب معاملة الحدثات كَأَخَوَات؛ يجب على تيموثاوس كرجل تقي أن يتأكد دائماً أن تصرفاته تجاه الْحَدَثَاتِ طاهرة وفوق الشبهات. فالرجل التقي لا يليق أن يكون عابثاً مغازلاً أو مثيراً أو أن يستخدم ازدواجية في الكلمات (كلمات ذكية يمكن فهمها على أنها غزلية أو مثيرة).
ثانياً. كيفية التعامل مع الأرامل وذوي الاحتياجات.
أ ) الآية (٣): المبدأ العام: ساعد المحتاجين حقاً.
٣أَكْرِمِ الأَرَامِلَ اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ.
- أَكْرِمِ الأَرَامِلَ: لم يوجد هناك في أيام كتابة العهد الجديد نظام حكومي لتقديم المعونات الاجتماعية. وفي تلك الأيام كانت الفئة الضعيفة بشكل خاص تتألف من الأرامل المسنات، اللواتي كن عادة يعشن بدون دعم من الأزواج أو الأولاد البالغين وبدون توفر وسائل لدعم أنفسهن بشكلٍ كافٍ. وهذا هو المقصود بـ ’الأَرَامِلَ اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ.‘
- “إن أحد معاني كلمة ’أَكْرِمِ‘ هو: اِدعم ووفر وسائل العيش. وهكذا يجب أن تفهم الكلمة هنا.” كلارك (Clarke)
- إن المبادئ المذكورة هنا لها أهمية بالغة اليوم، حيث ينظر الكثيرون إلى الكنيسة بأنها الذي يستطيع الفقراء والمحتاجين أخذ الدعم المالي منها.
- قد يخبرك الكثير من الرعاة بالعديد من القصص عن الغرباء الذين يتصلون بالكنيسة ويطلبون نوعاً من المساعدة. ويمكن أن يخبرك الرعاة كم يصعب التعامل مع تلك المواقف بمحبة دون أي نوع من الاستغلال للكنيسة. لقد مر الكاتب بعدة تجارب مع هذا النوع من الأشخاص الذين يتصلون من فندق ويخبرونه بقصة طويلة حزينة ويتوسلون لأجل الحصول على المال بإسم المحبة المسيحية. وعندما أصل إلى الفندق، عادة ما تكون الغرفة في حالة من الفوضى وطبيعة البرامج التلفزيونية المعروضة تكون مقززة، وتوجد أدلة على المكالمات الهاتفية التي أجروها مع الكنائس في جميع أنحاء المدينة باحثين عن رعاة يروون لهم قصتهم المحزنة. وعندما يطلب من الشخص وصف آيته المفضلة من الكتاب المقدس، يكون الشخص دائماً مشوشاً وغير قادر على الإجابة. وفي العديد من المناسبات الأخرى عند مساعدة أولئك المحتاجين، يُطلب منهم أن يتصلوا برعاة كنائسهم لكي يقدموا كلمات شكر، ولكن هذا لم يحدث مطلقاً.
- اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِل: يجب أن تتلقى اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ الإكرام، وتعني العبارة في هذا السياق الدعم المالي المقدم لهن بطريقة كريمة ومشرفة.
ب) الآيات (٤-٦): كيف نميز اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِل.
٤وَلكِنْ إِنْ كَانَتْ أَرْمَلَةٌ لَهَا أَوْلاَدٌ أَوْ حَفَدَةٌ، فَلْيَتَعَلَّمُوا أَوَّلاً أَنْ يُوَقِّرُوا أَهْلَ بَيْتِهِمْ وَيُوفُوا وَالِدِيهِمِ الْمُكَافَأَةَ، لأَنَّ هذَا صَالِحٌ وَمَقْبُولٌ أَمَامَ اللهِ. ٥وَلكِنَّ الَّتِي هِيَ بِالْحَقِيقَةِ أَرْمَلَةٌ وَوَحِيدَةٌ، فَقَدْ أَلْقَتْ رَجَاءَهَا عَلَى اللهِ، وَهِيَ تُواظِبُ الطِّلِبَاتِ وَالصَّلَوَاتِ لَيْلاً وَنَهَارًا. ٦وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ.
- إِنْ كَانَتْ أَرْمَلَةٌ لَهَا أَوْلاَد: إن أولئك الذين يجب أن تساعدهم الكنيسة بشكل مشروع يجب ألا يكون لديهم عائلة يمكنها مساعدتهم. وإن كان لديهم عائلة لمساعدتهم، فهنا تقع مسؤولية القيام بذلك على العائلة.
- يصف هذا المقطع وضع الأرملة ’الحقيقية‘ وهي التي تُركت وحدها وليس لها أحد آخر يقوم بدعمها. “هذا يظهر بأن الأرامل الحقيقيات هن أولئك اللواتي ليس لديهن أولاد ولا أحفاد ولا أقرباء يرغبون أو يستطيعون مساعدتهن أو ليس لديهن أقرباء على قيد الحياة.” كلارك (Clarke)
- فَلْيَتَعَلَّمُوا أَوَّلاً أَنْ يُوَقِّرُوا أَهْلَ بَيْتِهِمْ وَيُوفُوا وَالِدِيهِمِ الْمُكَافَأَةَ: هذا يذكرنا بالمسؤولية المستمرة للأولاد البالغين تجاه آبائهم وأجدادهم.
- “المؤمن الذي لا يلتزم حتى بأفضل معيار وفقاً لواجبه الوثني نحو عائلته، هو الأكثر جدارة باللوم لأنه يمتلك ما لا يمتلكه الوثنيون وهو المثال الأسمى للمحبة في يسوع المسيح.” وايت (White)
- فَقَدْ أَلْقَتْ رَجَاءَهَا عَلَى اللهِ، وَهِيَ تُواظِبُ الطِّلِبَاتِ وَالصَّلَوَاتِ لَيْلاً وَنَهَارًا: على الأرامل اللواتي يجب أن تساعدهن الكنيسة أن يخدمن الكنيسة بطريقة أو بأخرى. وفي هذه الحالة تعطى هؤلاء الأرامل مهمة الصلاة من أجل الكنيسة.
- وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَة: إن الأرامل اللواتي يجب أن تساعدهن الكنيسة يجب أن يعشن حياة تقية. ومن المناسب القول: ” إذا لم يعشن حياة التقوى، فلن تتلقى معونة مالية من الكنيسة.”
- “لا يشير هذا الكلام إلى ملذات إجرامية فاضحة، ولكنه يعني ببساطة انغماس الأرملة في الأكل والشرب وتدليل جسدها على حساب عقلها.” كلارك (Clarke)
- فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّة: إن الحياة لمجرد المتعة والسهولة هي ليست حياة على الإطلاق. إنها موت بالحياة، سواء كانت تعيشها أرملة شابة أو أي شخص آخر.
- العديد ممن يأتون إلى الكنيسة لأجل المعونة نجدهم محتاجين لأنهم عاشوا حياتهم متمتعين بالكحول والمخدرات أو غيرها، والآن يطلبون مساعدة الكنيسة. ويحق للكنيسة أن تقول لهم: “نحن متأسفون لا يمكننا مساعدتك؛ فأنت تعاني الآن من نتائج عيشك المستهتر. وموارد المؤمنين في هذه الحالة ليست مخصصة لمساعدتك.”
ج ) الآيات (٧-٨): من أين يجب أن يتوفر الدعم.
٧فَأَوْصِ بِهذَا لِكَيْ يَكُنَّ بِلاَ لَوْمٍ. ٨وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ.
- أَوْصِ بِهذَا: إن الراعي الجيد سوف يُعلّم هذه الأمور، لكي يعرف الجميع ماذا يتوقع منهم الله.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ: إن طريقة الله في تسديد احتياجات المعوزين لا تتم من خلال جماعة المؤمنين، بل من خلال عملنا المجد.
- فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ: يؤكد بولس بأقوى العبارات على مسؤولية الشخص في توفير احتياجات عائلته وبذل كل ما في وسعه لدعمهم.
- هذا هو الحد الأدنى المطلوب من الشخص المؤمن، فإذا لم يقم به، سيكون تصرفه أسوأ من تصرفات غير المؤمنين.
- “يمكننا أن نضيف إلى ذلك ما فعله يسوع نفسه كمثال عن توفير احتياجات خاصته، وذلك عندما وفر منزلاً لوالدته عند تلميذه المحبوب.” وايت (White)
- لهذا السبب فعندما يخسر شخص ما عمله، يمكننا أن نصلي لأجله بثقة عالمين بأن إرادة الله له هي توفير احتياجات عائلته من خلال العمل.
د ) الآيات (٩-١٠): مساعدة الأرامل الأكبر سناً.
٩لِتُكْتَتَبْ أَرْمَلَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عُمْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً، امْرَأَةَ رَجُل وَاحِدٍ، ١٠مَشْهُودًا لَهَا فِي أَعْمَال صَالِحَةٍ، إِنْ تَكُنْ قَدْ رَبَّتِ الأَوْلاَدَ، أَضَافَتِ الْغُرَبَاءَ، غَسَّلَتْ أَرْجُلَ الْقِدِّيسِينَ، سَاعَدَتِ الْمُتَضَايِقِينَ، اتَّبَعَتْ كُلَّ عَمَل صَالِحٍ.
- لِتُكْتَتَبْ أَرْمَلَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عُمْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً (أي: لَا تُدرِجِ امْرأةً فِي قَائِمَةِ الأرَامِلِ إنْ كَانَ عُمرُهَا أقَلَّ مِنْ سِتِّينَ عَامًا): الفكرة هي أنه إذا كانت امرأة ما عمرها أقل من ستين سنة، فإنها تستطيع إعالة نفسها أو أن تتزوج ثانية. فهؤلاء لا يحتاجون أن يضافوا إلى لائحة من تدعمهم الكنيسة.
- مَشْهُودًا لَهَا فِي أَعْمَال صَالِحَةٍ… اتَّبَعَتْ كُلَّ عَمَل صَالِحٍ: إن هؤلاء الأرامل المقبولين في برنامج الدعم في الكنيسة لا ينبغي فقط أن يكن بالحقيقة أرامل، بل يجب أيضاً أن يتمتعن بشخصية تقية. فقد دعين إلى عمل وخدمة وليس إلى مجرد تلقي حسنات.
- بقوله ’أن تَكُنْ قَدْ رَبَّتِ الأَوْلاَدَ‘ ربما كان في ذهن بولس تربية أولادهن واستقبال الأطفال الرضع الذين تم التخلي عنهم (الأمر الذي كان شائعاً جداً في العالم القديم). “إن كلمة ’رَبَّتِ‘ قد تشير إلى أولاد الآخرين الذين قد تلقوا تعليمهم في الإيمان المسيحي من قبل النساء المسيحيات التقيات.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (١١-١٦): مساعدة الأرامل الأصغر سناً.
١١أَمَّا الأَرَامِلُ الْحَدَثَاتُ فَارْفُضْهُنَّ، لأَنَّهُنَّ مَتَى بَطِرْنَ عَلَى الْمَسِيحِ، يُرِدْنَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ، ١٢وَلَهُنَّ دَيْنُونَةٌ لأَنَّهُنَّ رَفَضْنَ الإِيمَانَ الأَوَّلَ. ١٣وَمَعَ ذلِكَ أَيْضًا يَتَعَلَّمْنَ أَنْ يَكُنَّ بَطَّالاَتٍ، يَطُفْنَ فِي الْبُيُوتِ. وَلَسْنَ بَطَّالاَتٍ فَقَطْ بَلْ مِهْذَارَاتٌ أَيْضًا، وَفُضُولِيَّاتٌ، يَتَكَلَّمْنَ بِمَا لاَ يَجِبُ. ١٤فَأُرِيدُ أَنَّ الْحَدَثَاتِ يَتَزَوَّجْنَ وَيَلِدْنَ الأَوْلاَدَ وَيُدَبِّرْنَ الْبُيُوتَ، وَلاَ يُعْطِينَ عِلَّةً لِلْمُقَاوِمِ مِنْ أَجْلِ الشَّتْمِ. ١٥فَإِنَّ بَعْضَهُنَّ قَدِ انْحَرَفْنَ وَرَاءَ الشَّيْطَانِ. ١٦إِنْ كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ أَرَامِلُ، فَلْيُسَاعِدْهُنَّ وَلاَ يُثَقَّلْ عَلَى الْكَنِيسَةِ، لِكَيْ تُسَاعِدَ هِيَ اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ.
- أَمَّا الأَرَامِلُ الْحَدَثَاتُ فَارْفُضْهُنَّ: يجب كمبدأ عام ألا تضاف الأرامل الحدثات إلى قائمة من تدعمهم جماعة المؤمنين المحلية، لأنهن بشكل عام يستطعن توفير احتياجاتهن ويستطعن أن يتزوجن ثانية.
- يُعلٍّق آدم كلارك (Adam Clarke) على فكرة ’بَطِرْنَ‘ بقوله: “من المفروض أن تكون الكلمة مشتقة من فعل ’ينزع‘ و’يكبح‘؛ وهي استعارة مأخوذة من حصان مدلل تمت إزالة اللجام من فمه بحيث لا يبقى شيء لضبطه أو لتقييده. إن هذه الإستعارة واضحة وسهلة التطبيق بما فيه الكفاية.”
- يُرِدْنَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ: إن بولس هنا لا يدين الأرامل الشابات لرغبتهن في الزواج، إنه فقط يلاحظ بأن العديد من النساء غير المتزوجات هن متعطشات جداً للزواج والرفقة إلى درجة أنهن لا يتصرفن بتقوى فيما يخص علاقاتهن.
- إن الأمر الشائع الذي يحذر منه بولس هو أن العديد من الناس يدخلون في علاقة عاطفية سيئة أو يفسدون الصداقة لأنهم في أمس الحاجة إلى وجود العلاقة.
- لا يحتاح المرء لأن يكون أرملة شابة لينطبق عليه هذا الوصف: ’أَنْ يَكُنَّ بَطَّالاَتٍ، يَطُفْنَ فِي الْبُيُوتِ. وَلَسْنَ بَطَّالاَتٍ فَقَطْ بَلْ مِهْذَارَاتٌ أَيْضًا، وَفُضُولِيَّاتٌ، يَتَكَلَّمْنَ بِمَا لاَ يَجِبُ.‘ فأولئك الذين يقضون وقتاً كبيراً في التكلم عن حياة الناس الآخرين، يحتاجون أن يعيشوا حياتهم الخاصة. “إنها ليست خطية بأي حال من الأحوال أن يتزوج المرء وينجب الأولاد ويعتني بأسرة، ولكنها خطية في كل الأحوال أن يكون الأشخاص بطالين بلا عمل ومتسكعين وثرثارين وفضوليين يغربلون ويفصلون أسرار العائلات.” كالفن (Clarke)
- لا يدين بولس رغبة الأرامل الشابات في الرفقة العاطفية، بل هو يصر على اتباعها والتعبير عنها بأسلوب الطهارة التي يجب أن يتميز بها كل المؤمنين.
- إِنْ كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ أَرَامِلُ، فَلْيُسَاعِدْهُنَّ: يختم بولس كلامه بمبدأ كان قد أشار إليه ثلاث مرات في هذا القسم (تيموثاوس الأولى ٤:٥، ٥، ٨ ). فمسؤولية إعالة الأرامل تقع أولاً على أهل البيت. أما الكنيسة المحلية فهي تعيل الأشخاص المعوزين فعلياً وبشرط أن يكونوا أتقياء.
ثالثاً. كيفية التعامل مع شيوخ الكنيسة
أ ) الآيات (١٧-١٨): ينبغي إكرام شيوخ الكنيسة بحسب مبادئ الكتاب المقدس.
١٧أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ، ١٨لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «لاَ تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا»، وَ«الْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌ أُجْرَتَهُ».
- الشُّيُوخ: يجب أن يتم هنا فهم كلمة شيوخ بمعناها الواسع الدال على أولئك الذين هم في موضع القيادة. فالتركيز هنا هو على الشيوخ الْمُدَبِّرُونَ والمعلمون (الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ). وليس من الضروري على كل شيخ يدبر أن يقوم أيضاً بالتعليم.
- فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ: فإذا كان شيخ (مثل الراعي) يدبر حسناً ويتعب في الكلمة والتعليم (يتكلم بولس هنا بوضوح عن الاجتهاد في العمل)، فهو أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ.
- إن كَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ تعني في هذا السياق تقديم معونة مالية. وقد سبق لبولس أن ذكر بأن بعض الأرامل يستحقن الإكرام (تيموثاوس الأولى ١:٥)، وكان يقصد بكلامه المعونة المالية. والآن يضيف بولس عبارة: ’أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ.‘ ويعتقد البعض بأن الكنيسة لا ينبغي أن تدعم رعاتها وموظفيها وأن الخدمة المدفوع أجرها هي أمر ممقوت، ويقولون أن الكنيسة بدلاً من ذلك يجب أن تستخدم المال لدعم المحتاجين. وهذه طريقة جذابة في التفكير ولكنها ليست كتابية. فلو كان الأشخاص المحتاجين (الذين هم فعلياً محتاجين) يستحقون الإكرام، فإن أولئك الذين يحسنون قيادة الكنيسة والتعليم فيها يستحقون كَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ.
- “إن كل ناقد للملاحظة تقريباً يسمح بأن الوقت هنا يدل على المكافأة والمعاش والأجور. دع الذي يحسن القيادة في الكنيسة يحصل على راتب مضاعف أو راتب أكبر.” كلارك (Clarke)
- يفسر وايت (White) فكرة بولس كما يلي: “إن ما كنت أقوله حول إعانة الأرامل يذكرني بمسألة أخرى تتعلق بمالية الكنيسة، وهي مدفوعات الرعاة. إن الإنصاف والمبادىء الكتابية تقترحان أنه ينبغي تعويض الرعاة بما يتناسب مع ما يقدمونه من منفعة في الخدمة.”
- لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُول: إن المبدأ القائل بوجوب دفع أجرة أولئك الذين يخدمون شعب الله (طبعاً بحسب الإمكانية) هو مبدأ يستند على مقاطع اقتبسها بولس من سفر التثنية ٤:٢٥، وإنجيل لوقا ٧:١٠.
- لقد شرح بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ١١:٩ فكرة أن الذي يزرع أموراً روحية (مثل الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ) من اللائق تماماً أن يجني أموراً مادية من الذين يخدمهم روحياً. ويكتب بولس في رسالة غلاطية ٦:٦ :”وَلكِنْ لِيُشَارِكِ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْكَلِمَةَ الْمُعَلِّمَ فِي جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ.” وفي رسالة فيلبي ١٧:٤ يقول بولس إن مثل هذا العطاء سيتضاعف في حساب المعطي وسوف يشترك في المكافأة الروحية.
- ومن الجدير بالأهمية أن بولس اقتبس من إنجيل لوقا وسماه ’الْكِتَابَ‘ تماماً مثلما سمى المقطع الذي أشار إليه من العهد القديم العبري.
ب) الآيات (١٩-٢٠): كيفية التعامل مع القائد الذي اتهم بخطية.
١٩لاَ تَقْبَلْ شِكَايَةً عَلَى شَيْخٍ إِلاَّ عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ. ٢٠اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَاقِينَ خَوْفٌ.
- لاَ تَقْبَلْ: في هذه الآيات حقق بولس توازناً بين تصديق أي نميمة على قائد في الكنيسة والعمل بموجبها من جهة، وبين تجاهل خطية خطيرة في حياة القائد من جهة أخرى. فكلا التطرفين خطأ.
- “لا شيء يؤذي أكثر من التعامل مع أشخاص كما لو أنهم لا يفعلون أي خطأ والتعامل مع آخرين كما لو أنهم لا يفعلون أي صواب.” باركلي (Barclay)
- “إن سبب هذا الإختلاف واضح: فأولئك الذين يبتغون إصلاح الآخرين سوف يكسبون الكثير من الأعداء، ولذلك يجب توخي الحذر الشديد وبالتالي قبول الاتهامات ضد مثل هؤلاء الأشخاص.” كلارك (Clarke)
- لاَ تَقْبَلْ شِكَايَةً عَلَى شَيْخٍ إِلاَّ عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ: أي اتهام ضد أحد قادة الكنيسة يجب ألا يقبل بشكل تلقائي. بل يجب أن يتم التحقق من التهمة بعناية على فم عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ. وليس مجرد سماع أشخاص سمعوا عن النميمة. فعلى تيموثاوس ألا يقبل أو يشجع الإتهامات التي لا أساس لها ضد قادة الكنيسة.
- يشرح جون كالفن (John Calvin) في تفسيره لرسالة تيموثاوس الأولى بعض الأسباب التي تدفع الناس إلى سرعة قبول الإتهامات ضد الراعي في الوقت الذي ينبغي عليهم ألا يفعلوا ذلك. “فكلما كان الراعي مخلصاً في جهاده لامتداد ملكوت المسيح، كلما ازداد رغم ذلك الحمل عليه، وازدادت شدة الهجمات عليه. وليس هذا فقط، لكن حالما يتم تلفيق أية تهمة ضد خدام الكلمة، فإنه يتم تصديقها بتأكيد وجزم كما لو أنها قد أثبتت سلفاً. يحدث هذا ليس بسبب المستوى العالي من الإستقامة المطلوب من الخدام، بل لأن الشيطان يجعل معظم الناس – في الواقع الجميع تقريباً – يصدقون التهم بسرعة بالغة، ويقومون بدون إجراء تحقيق بإدانة رعاتهم بحماسة في الوقت الذي كان يجب أن يدافعوا عن سمعتهم الحسنة.”
- يشير كالفن (Calvin) إلى وجود هجوم روحي في كل هذا: “إن تنفير الناس من رعاتهم هي حيلة شيطانية هدفها أن تحتقر الرعية تعليم رعاتهم. وبهذه الطريقة لا يتم فقط ارتكاب خطأ بحق الناس الأبرياء الذين لا يتسحقون إيذاء سمعتهم بل يتم إضعاف سلطان تعليم الله المقدس.”
- هناك قصة قديمة تدور حول راعي كان يحاول الدفاع عن نفسه ضد الإنتقادات، فقال: “هناك قصة تدور حول أني طلبت من زوجتي عدم الذهاب إلى كنيسة معينة تعقد اجتماعات غير متزنة. فقال الناس أن زوجتي قد ذهبت على أية حال، وقمت أنا بسحبها من شعرها وإخراجها من الكنيسة، وأذيتها لدرجة أنها دخلت المستشفى. ولكن دعوني أرد على تلك الإتهامات. أولاً، لم أخبر زوجتي بالإبتعاد عن تلك الكنيسة. وثانياً، لم أسحبها خارج الكنيسة من شعرها. وثالثاً، لم تكن أبداً مضطرة للذهاب إلى المستشفى، وأخيراً، لم يسبق لي أن تزوجت وبالتالي فأنا ليس لدي زوجة.”
- ينصح سبيرجن (Spurgeon) في كتابه بعنوان “محاضرات لتلاميذي” راعي الكنيسة أنه عندما يأتي إليه الناس بكلام النميمة يجب أن يقول لهم: “حسناً هذا مهم للغاية، وأحتاج أن أعيره انتباهي الكامل، ولكن ذاكرتي ليست جيدة جداً ولدي كثير من الأمور للتفكير بها. هل يمكنكم كتابة كل هذه الأمور لي؟” يقول سبيرجن إن هذا سوف يعالج المشكلة كلها، لأن الناس لا يرغبون بكتابة نميمتهم.
- اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَاقِينَ خَوْفٌ: ومع ذلك، فإذا وقع قادة الكنائس في الخطية فيجب مخاطبتهم حالاً وبصراحة بتوبيخ علني وذلك لأجل تعزيز الخوف من عواقب الخطية بين القادة وبين أفراد الكنيسة بأكملها.
- لقد عانت العديد من جماعات المؤمنين من المتاعب الناجمة عن خطايا القادة التي لم يتم التعامل معها حالاً وبصراحة. فمن المهم أن يفهم الجميع أن كون المرء من قادة الكنيسة لا يحميه من المسائلة بل إن منصبه يجعله معرضاً لمسائلة أكبر.
- بحسب جون كالفن (John Calvin) فقد حمت كنيسة العصور الوسطى أساقفتها الفاسدين ضد الإتهامات الموجهة إليهم بطلب إحضار ٧٢ شاهداً ليبرروا الأسقف من كل تلك الإتهامات. وهذا مثال صارخ عن الحماية التي يوفرها القادة الفاسدين لغيرهم من القادة الفاسدين.
ج) الآية (٢١): لا تُصدِر أحكاماً مسبقة ولا تمييز بين شخص وآخر.
٢١أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ، أَنْ تَحْفَظَ هذَا بِدُونِ غَرَضٍ، وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ.
- أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ: إن هذه العبارة القوية تعكس جدية طبيعة عمل القادة في الكنيسة. فهم يخدمون إلهاً أزلياً ويجب أن يرضوه أولاً في كل شيء يفعلونه.
- “نستطيع القول بأمان أن الملائكة المختارين هم الذين لم يتورّطوا في خطية أو عصيان على الله (بطرس الثانية ٤:٢)، بل حفظوا رياستهم (يهوذا ٦).” وايت (White).
- لقد أضاف بولس لكلمة المسيح كلمة الملائكة، ليس لأنهم قضاة بل لأنهم سوف يكونون شهوداً في المستقبل على الإهمال والتهور أو السعي وراء الذات أو الإيمان السيء. فالملائكة هم كمتفرجين لأنهم مكلفين بالعناية بالكنيسة.” كالفن (Calvin)
- “وبالفعل فإن الشخص الذي لم يهتز خوفاً من إهماله وكسله من فكرة أن الله والملائكة يراقبون القادة في الكنيسة لا بد أن وضعه أسوأ من الغباء، ويملك قلباً أقسى من الحجر.” كالفن (Calvin)
- أَنْ تَحْفَظَ هذَا بِدُونِ غَرَضٍ، وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ: إن التحيز والمحاباة هي خطايا خطيرة أمام الله. فالعهد الجديد يشدد على التحيز الطبقي (يعقوب ١:٢-٩)، ولكنه يشمل أيضاً المحاباة على أساس العرق والجنس التي تعتبر في العهد الجديد خطية (غلاطية ٢٦:٣-٢٩).
- “لا تعامل أي إنسان في الأمور الدينية حسب مرتبته في الحياة أو بحسب أي مودة شخصية قد تربطه بك. فيجب التعامل مع كل إنسان في الكنيسة كما لو أنه يقف أمام كرسي المسيح للدينونة.” كلارك (Clarke)
رابعاً. كيفية التعامل مع القادة المحتملين في الكنيسة
أ ) الآية (٢٢): كن حذراً بشأن المصادقة على خدمة شخص آخر.
٢٢لاَ تَضَعْ يَدًا عَلَى أَحَدٍ بِالْعَجَلَةِ، وَلاَ تَشْتَرِكْ فِي خَطَايَا الآخَرِينَ. اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِرًا.
- لاَ تَضَعْ يَدًا عَلَى أَحَدٍ: تستخدم هذه العبارة بمعنى الرسامة. فهنا بولس يحذر تيموثاوس من الاعتراف بأهلية الشخص للخدمة قبل إثبات جدارته. فلا ينبغي على تيموثاوس التسرع، إذ لا بد من إتاحة الوقت لإنضاج الشخص وخدمته.
- يعتقد البعض أن التحذير من وضع اليد على أحد بالعجلة هي مسألة تتعلق بقبول عودة الناس التائبين إلى شركة الكنيسة. ويبدو أنه في بعض دوائر الكنيسة المبكرة كان يجب أن يتم قبول عودة أولئك الذين سقطوا في خطايا فاضحة إلى الكنيسة بممارسة وضع الأيادي عليهم والصلاة من قبل قادة الكنيسة. فلو كان الأمر كذلك لكان المقصود بكلام بولس: “لا تتسرع كثيراً” بل دعهم أولاً يظهرون توبتهم.
- تَضَعْ يَدًا: نظراً لأن الرسامة هي ببساطة اعتراف بدعوة الله شخصاً للخدمة، فإنه من الضروري جداً عدم التسرع بالرسامة، بل إتاحة الوقت الكافي لتلك المواهب والدعوات للخدمة بأن تظهر نفسها.
- من المألوف لشخص شاب في الخدمة ألا يكون صبوراً قليلاً، فهو يريد أن يفعل أشياء عظيمة للرب وهو متلهف لمجيء الوقت الذي يقوم فيه الرعاة والشيوخ بوضع أياديهم عليه اعترافاً بعمل الله فيه.
- ومع ذلك فهناك خطر إذا انتظر الشخص تكريس نفسه بالكامل لخدمة الرب إلى حين الاعتراف به خادما بمنحه لقباً أو بوضع الأيادي عليه. لأن ذلك يعني أنه مهتم بالصورة (كيف يبدو للآخرين)، وليس بالجوهر (ماذا يمكنه حقاً فعله الآن للرب).
- اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِرًا: يرتبط هذا الكلام بفكرة مهمة. فإذا كانت قد تمت دعوة تيموثاوس لمراقبة وتقييم حياة الآخرين، فمن المهم له أن يولي المزيد من الانتباه لحياته هو.
- “القصد من التحذير هو للقول بأن أفضل طريقة يمكن لتيموثاوس أن يتجنب فيها الفضائح الناتجة عن وقوع القادة هي أن يتوخى الحذر في البداية فيما يتعلق بشخصية من سيرسمه للخدمة.” وايت (White)
- وَلاَ تَشْتَرِكْ فِي خَطَايَا الآخَرِينَ: نحن جميعاً لدينا الكفاية من خطايانا الشخصية، فلا ينقصنا أن نضيف إليها المزيد باشتراكنا في خطايا الآخرين. وهناك العديد من الطرق التي يمكن أن نشترك بها في خطايا الآخرين:
- عندما نكون مثالاً سيئاً أمامهم.
- بالمصادقة عليهم أو تجاهلهم.
- بانضمامنا إلى كنيسة تنشر تعاليم خطيرة.
ب) الآية (٢٣): نصيحة بولس الطَّبيّة لتيموثاوس.
٢٣لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ.
- اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ: لم تكن مياه الشرب نقية في العالم القديم، وربما كان يتموثاوس يعاني مشاكل صحية بسبب شرب الماء الملوث. ونظراً لأن عملية التخمير سوف تزيل بعض الأشياء الضارة في الماء. فمن الأفضل أن يشرب تيموثاوس خَمْرًا قَلِيلاً بدلاً من شرب الماء طوال الوقت.
- اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلاً: من المحتمل أن تيموثاوس كان ممتنعاً عن شرب الكحول بقصد أن يقدم مثالاً صالحاً للأخرين. ولكن هذا الامتناع كان مؤذياً لصحته، فكان شرب الخمر أكثر سلامة من شرب الماء. لذلك أبلغ بولس تيموثاوس بأنه ليس من الحكمة أن يضحي بصحته من أجل هذا الامتناع. فيمكنه أن يكون نافعاً أكثر لأجل يسوع وملكوته من خلال العناية بصحته في هذا الظرف.
- “يقول بولس ببساطة أنه ليس هناك منفعة في الزهد الذي يؤذي الجسم أكثر مما ينفعه.” باركلي (Barclay)
- أَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ: لقد كان تيموثاوس ضحية لأسقام كثيرة، ومع ذلك فلم يأمر بولس ببساطة بشفاء تيموثاوس بناء على سلطانه الرسولي، ولم يرسل له حتى منديلاً فيه قوة للشفاء (أعمال الرسل ١١:١٩-١٢). وهذا يظهر أن بولس لم يكن لديه قوى معجزية تحت إمرته بل يفعل فقط ما يحثه عليه الروح القدس. وعلى ما يبدو أن الروح القدس لم يحث بولس لشفاء حالة تيموثاوس.
- لو كانت مشيئة الله أن يتم شفاء الجميع الآن، لكان بولس (والروح القدس الذي ألهمه) قاد تيموثاوس بكلامه هذه إلى الخطية لأنه طلب منه أن يأخذ علاج طبيعي بدلاً من الشفاء الألهي. ولكن الله يستخدم العلاج الطبيعي ويستخدم كذلك عمل الأطباء في الشفاء، بالإضافة إلى قوة الروح القدس الفائقة للطبيعة، وليس هناك تعارض بين كل من طريقتي الشفاء.
ج ) الآيات (٢٤-٢٥): صعوبة النظر إلى خطايا الإنسان وأعماله الصالحة.
٢٤خَطَايَا بَعْضِ النَّاسِ وَاضِحَةٌ تَتَقَدَّمُ إِلَى الْقَضَاءِ، وَأَمَّا الْبَعْضُ فَتَتْبَعُهُمْ. ٢٥كَذلِكَ أَيْضًا الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَاضِحَةٌ، وَالَّتِي هِيَ خِلاَفُ ذلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى.
- خَطَايَا بَعْضِ النَّاسِ وَاضِحَةٌ… وَأَمَّا الْبَعْضُ فَتَتْبَعُهُمْ: من السهل رؤية الصراعات والخطايا التي يخوضها البعض، ولكن خطايا البعض الآخر مخفية.
- هناك جوانب يتعامل الله معها في حياة كل منا، وأحياناً يكون أحد الجوانب واضحاً للآخرين وأحياناً لا يكون، فبعض الناس يعتبرون مقدسين لمجرد أنهم يجيدون إخفاء خطاياهم.
- هِيَ خِلاَفُ ذلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى: دائماً ما يتم الكشف عن الأعمال الصالحة في النهاية، لكن الخطايا تكون أحياناً مخفية وسوف تكشف فقط في يوم الدينونة. إن القصد من كلمات بولس هذه لتيموثاوس هو أن يتوخى الحذر عند تعيينه للقادة. فالصورة التي يراها المرء أحياناً من الخارج ليست فعلياً دقيقة. لذلك فنحن بحاجة للتمهل وانتظار الله ليعطينا القدرة على التمييز.