رسالة تيموثاوس الأولى – الإصحاح ٦
الغِنَى والتَّقْوَى
أولاً. كلمة للعبيد
أ ) الآية (١): كلمة للعبيد بشكل عام.
١جَمِيعُ الَّذِينَ هُمْ عَبِيدٌ تَحْتَ نِيرٍ فَلْيَحْسِبُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ إِكْرَامٍ، لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى اسْمِ اللهِ وَتَعْلِيمِهِ.
- جَمِيعُ الَّذِينَ هُمْ عَبِيد: يطلب بولس من العبيد أن يَحْسِبُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ إِكْرَامٍ، وذلك بأن يكونوا صالحين وعاملين محترمين في خدمة أسيادهم. يطلب بولس هذا ليس على أساس مصادقته لمؤسسة العبودية بل لأجل تمجيد الله (لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى اسْمِ اللهِ وَتَعْلِيمِهِ).
- لقد نشأت المسيحية في بيئة اجتماعية تسودها العبودية. فكان هناك حوالي ٦٠ مليون عبد في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وقد شغل بعض العبيد مناصب متميزة. أما العبيد الآخرون فكانوا يتعرضون لسوء المعاملة. وفي حين أن الكتاب المقدس لم يأمر بالعبودية مطلقاً، إلا أنه سمح بها ونظمها.
- لم ينادي يسوع وبولس وغيرهم في العهد الجديد إلى ثورة عنيفة ضد العبودية (التي ربما، لو تكلمنا إنسانياً، قد تكون فشلت فشلاً ذريعاً). ومع ذلك ومن خلال التحول الذي أحدثه الإنجيل، قام هؤلاء فعلياً بتدمير أسس العبودية والعنصرية والكراهية الطبقية وجعلوا وجود حضارة بدون عبودية أمراً ممكناً.
- إن الكنيسة بحد ذاتها هي مكان قد تم فيه تدمير العبودية. فلم يكن أمراً غير مألوفاً أن يذهب السيد والعبد إلى الكنيسة معاً، حيث يشغل العبد وظيفة شيخ في الكنيسة، وحيث كان متوقعاً من السيد أن يخضع لقيادة العبد الروحية في الكنيسة. فمثل هذا التفكير قد يسبب إزعاجاً للكثيرين، لكنه يمجد الله، وقد أدى في النهاية إلى تدمير العبودية.
- تَحْتَ نِيرٍ: إن هذه المبادىء تنطبق على مهننا في يومنا الحاضر، فعندما نعمل بجد ونكرم أرباب العمل فنحن بهذا نمجد الله. ولكن عندما نكون عمالاً سيئين ولانحترم مشرفيننا فنحن نجلب العار على اسم يسوع المسيح.
- المقطع في رسالة كولوسي ٢٢:٣-٢٤ يحمل هذا المعنى: “أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ. وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ.” فبغض النظر عن شخصية رب العمل الذي نعمل عنده فنحن فعلياً نعمل من أجل الرب وأن نكرم الرب بعملنا.
- لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى اسْمِ اللهِ وَتَعْلِيمِهِ: سيحكم الناس على المسيحية وعلى شخصية الله (اسْمِ اللهِ) وتعاليم الكتاب المقدس (وَتَعْلِيمِهِ) استناداً على سلوك المؤمنين في عملهم.
- ينبغي أن يسأل كل مؤمن نفسه هل هو يقود الناس ليسوع من خلال سلوكه في العمل أم هو يبعدهم عن يسوع من خلال عدم أداء عمله بصورة جيدة، وبالتالي تقديم شهادة غير حسنة عن إيمانه.
ب) الآية (٢): كلمة خاصة موجهة للعبيد الذين يخدمون سادة مؤمنون.
٢وَالَّذِينَ لَهُمْ سَادَةٌ مُؤْمِنُونَ، لاَ يَسْتَهِينُوا بِهِمْ لأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، بَلْ لِيَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ، لأَنَّ الَّذِينَ يَتَشَارَكُونَ فِي الْفَائِدَةِ، هُمْ مُؤْمِنُونَ وَمَحْبُوبُونَ. عَلِّمْ وَعِظْ بِهذَا.
- وَالَّذِينَ لَهُمْ سَادَةٌ مُؤْمِنُونَ: ربما من السهل أن يقول العبد: “سيدي ليس مؤمناً، لهذا هو يتوقع مني أن أعمل بجهد.” ولكن إن كان السيد مؤمناً أو أصبح مؤمناً، فإن العبد قد يفكر كالتالي: “لا ينبغي أن يتوقع مني أخي العمل بجهد، وهو حتماً سيظهر لي المحبة وسيتعاملني بطريقة أفضل من الباقين لأني مؤمن مثله.”
- لاَ يَسْتَهِينُوا بِهِمْ لأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، بَلْ لِيَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ: يمكننا أيضاً أن نتخيل عبداً آخر يقول: “إن سيدي هو أخي، فنحن متساوون أمام الرب. إن أخي ليس له الحق في أن يقول لي ماذا يجب أن أفعل.” إن هذا الموقف يتجاهل حقيقة أن الله يدعونا للخضوع للسلطات سواء كان هذا في البيت أو في الكنيسة أو في مكان العمل. فمساواتنا في يسوع لا تلغي أمر الله في الخضوع للسلطة.
- بَلْ لِيَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ، لأَنَّ الَّذِينَ يَتَشَارَكُونَ فِي الْفَائِدَةِ، هُمْ مُؤْمِنُونَ وَمَحْبُوبُونَ: بناء على هذا المبدأ، نجد أن العبيد المؤمنين الذين يخدمون أسياداً مؤمنين، لا يجوز لهم أن يحتقروا أسيادهم عندما يتوقعون منهم العمل وأن يعملوا باجتهاد. بل بالأحرى، يجب يكون العبد أكثر تكريساً في عمله لأنه يخدم أخاه.
- لا ينبغي لنا أبداً أن نتوقع معاملة خاصة لأن رئيسنا أو المشرف علينا في العمل هو شخص مؤمن. بل يجب أن يحفزنا ذلك على العمل باجتهاد أكثر، لأنه يمكننا عندها أن نكون بركة للأخ الآخر.
- يوضح وارن وارزبي (Warren Wiersbe) هذا المبدأ عندما يربط قصة إمرأة شابة تركت عملاً لتحصل على عمل في مؤسسة مسيحية. فبعد مباشرتها العمل لحوالي شهر، قالت وهي تشعر بخيبة أمل فعلية: “لقد اعتقدت أن عملي سوف يكون سماء على الأرض.” وتذمرت قائلة: “وبدلاً من ذلك لم أجد هناك شيئاً سوى المشاكل.” فسألها وارزبي عما إذا عملت باجتهاد لرئيسها الجديد كما كانت تفعل في وظيفتها السابقة. النظرة على وجهها كانت تشير بالنفي. فقال لها وارزبي: “حاولي العمل باجتهاد أكثر وأظهري لرئيسك احتراماً. فمجرد كونكم جميعاً مؤمنين لا يعني أنه يمكنكم القيام بأقل ما عندكم.” وقد اتبعت المرأة نصيحته وتخلصت من كل المشاكل.
- عَلِّمْ وَعِظْ بِهذَا: إن هذا التعليم مهم بشكل خاص في العالم القديم، حيث قد يعامل العبيد بشكل مختلف جداً من سيد إلى آخر، وأحياناً كانت هناك عنصرية شديدة وكراهية بين العبيد وسادتهم.
ثانياً. المال والاكتفاء والتقوى
أ ) الآيات (٣-٥): تحذير ضد أولئك الذين يسيئون استخدام كلمة الله.
٣إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى، ٤فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ، الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالافْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ، ٥وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هؤُلاَءِ.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ: لقد أشار بولس مرة أخرى في ختام هذه الرسالة إلى الفكرة التي ذكرها في الإصحاح الأول، ومفادها أن تيموثاوس يجب أن يبقى متيقظاً ضد من يسيئون استخدام كلمة الله.
- يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ: قد تعني في هذا السياق استبدال تعليم كلمة الله البسيطة بالتركيز على النبوات والرؤى والاختبارات الروحية الغريبة التي يزعمها الناس. وهو الخطر العظيم الذي حذر بولس تيموثاوس ضده.
- يعلق بووله (Poole) على عبارة ’إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ‘ بقوله: “إذا كان هناك أي شخص يوجه الناس علنياً أو بشكل خاص بتعليمات مخالفة.” فبعضاً من أخطر التعاليم في الكنيسة لا يتم إيصالها من خلال المنبر بل من خلال أحاديث خصوصية وغير رسمية.
- وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ: يحذر بولس تيموثاوس هنا ضد الشخص الهرطوقي المولع بالجدل الذي ترك كلمة الله في سبيل تعزيز أفكاره الخاصة التي لا تتوافق مع كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ. فيحذر من أولئك الذين يتعاملون مع كلمة الله كألعوبة وليس كعطية ثمينة.
- إنك لست بحاجة لأن تكون معارضاً ناشطاً لكلمة الله لتكون عدواً لها. ففشلنا في إعطاء الكتاب المقدس مكانته المناسبة في حياتنا ووعظنا بجعلنا معارضين لكلمة الله.
- “من الممكن عدم الاعتراف بأي أمر شرير أو ارتكاب خطأ واضح وفي نفس الوقت إفساد العقائد الصحيحة عن طريق الثرثرة المتبجحة السخيفة. لأنه عندما لا ينتج التعليم تقدماً أو بنياناً فإنه قد انحرف سلفاً عن قانون المسيح.” كالفن (Calvin)
- كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ: قد يبدو هذا التحذير ضد خطر واضح غير ضروري. ومع ذلك فإن التحذير ضروري لأن أولئك الذين يسيئون استخدام حق الله لا يعلنون عن أنفسهم بتلك الطريقة. إنهم يدعون إكرام كلمة الله بينما هم في الواقع يسيئون استخدامها.
- هناك طرق مختلفة لا يوافق بها الناس على حق كلمة الله.
- البعض ينكرون كلمة الله.
- البعض يتجاهلون كلمة الله.
- البعض يفسرون كلمة الله باتجاه منحرف.
- البعض يُحرِّفون كلمة الله مستخدمين إياها كلعبة يلعبون بها في المناظرات والمجادلات.
- يمكن للمرء أن يكون محاطاً بحق الله، ويمكنه حتى أن يحفظ كلام الكتاب المقدس غيباً بدون أن يؤثر ذلك على حياته الأبدية. فالفضول أو الاهتمام بكلمة الله دون الخضوع لها يشكل خطراً مميتاً.
- في يومنا الحاضر، في زمن تغمرنا فيه المعلومات غير المجدية، من السهل اعتبار الكتاب المقدس بمثابة معلومات غير مجدية أو مصدراً للإجابة على الأسئلة التافهة وليس كتاباً يحتوي الحق الذي يواجهني ويغير حياتي. فدراسة الكتاب المقدس ليست سعياً بلا فائدة والتعامل مع الكتاب المقدس ككتاب معلومات عديم الجدوى هو إساءة له.
- هناك طرق مختلفة لا يوافق بها الناس على حق كلمة الله.
- فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا: هذا يصف أولئك الذين يسيئون استخدام كلمة الله. ومع ذلك، كما يفعل كل المتكبرين، هم لا يرون أو يعترفون بنقص معرفتهم. ومثل معظم الناس المتكبرين، إنهم قادرين على إقناع الآخرين بأنهم خبراء في حق الله، بينما هم في الواقع يسيئون استخدامه.
- إن عدم السماح لكلمة الله بأن تتكلم عن نفسها بإضافة تلفيقك عليها كما يفعل السياسيون المعاصرون وأشخاص العلاقات العامة، هو أسوأ أنواع الكبرياء. فهذا يظهر أن شخص ما لديه ثقة أكبر في حكمته الشخصية وآرائه الخاصة مما بكلمة وحق الله. وبالتأكيد، فإن الشخص الفخور بذاته هو في الواقع لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا.
- إنه الكبرياء ولا شيء آخر يمكن أن يجعل الواعظ يظن بأن قصصه وحكاياته وآرائه أو دعابته يمكن أن تكون مهمة أكثر من كلمة الله الواضحة. فمثل تلك القصص والحكايات والدعابة يجب أن يتم استخدامها لتقديم كلمة الله الواضحة وليس لاستبدالها.
- مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ: إن أولئك الذين يسيئون استخدام كلمة الله قد يكونوا مناظرين خبراء في ممارسة هوايتهم العقائدية، لكن رغبتهم المستمرة في مجادلة العقيدة تظهر عدم رغبتهم في قبول الحق بتواضع.
- إن بولس لا يتكلم هنا عن الناس الذين يبحثون أو يسألون برغبة حقيقية للمعرفة. بل عن أولئك الذين يسألون أسئلة أو يبدأون النقاش بشكل أساسي ليظهروا للآخرين كم هم أذكياء.
- الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالافْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ: هذه هي نتيجة المنازعات والمجادلات التي يقوم بها من يسيئون استخدام حق الله. فتواجدهم في جسد الكنيسة هو مصدر لكل أنواع الانشقاق والاستياء. ومع أنهم قد يبدون خبراء في الكتاب المقدس، هم بالحقيقة يقومون بتدمير كنيسة الله. ولأجل هذا يحذر بولس تيموثاوس قائلاً: ’تَجَنَّبْ مِثْلَ هؤُلاَءِ.‘
- على تيموثاوس أن يتوقع من هؤلاء:
- الْحَسَد منه ومن منصبه (دون الاعتراف بذلك).
- يثيرون الْخِصَام بين المؤمنين.
- يشجعون الافْتِرَاءُ على تيموثاوس والقادة الآخرين في الكنيسة.
- يكونون مصدراً للظُّنُونُ الرَّدِيَّة ودائماً يثيرون الشبهات حول دوافع شريرة ومؤامرات يتهمون بها تيموثاوس وغيره من قادة الكنيسة.
- يحتاج تيموثاوس لهذا التحذير لأن مثل هؤلاء الأشخاص الخطرين ليسوا واضحين كما قد يظن المرء.
- مُنَازَعَاتُ: “أي الخطابات التي لا نهاية لها ولا داعي لها… تشير الكلمة اليونانية إلى إزعاج الأشخاص بعضهم لبعض أو فرك الأشخاص بعضهم بالآخر كما تفرك الخراف الجرباء بعضها بعضاً فتنشر العدوى.” تراب (Trapp)
- على تيموثاوس أن يتوقع من هؤلاء:
- يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ: هذه مميزات أخرى للأشخاص الذين يسيئون استخدام حق الله. فاهتمامهم بأمور الله ليس كله من أجل مجد الله بل هناك دافع جزئي لتحصيل الثروة والرفاهية.
- “بالنسبة لهؤلاء الأشخاص فإن المسيحية كلها تقاس بما تجلبه من مكسب… وبولس يمنع خدام المسيح من أي تعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص.” كالفن (Calvin)
- يتم تقديم المسيحية في يومنا الحاضر على أساس ما تكسبه باتباعك ليسوع من نجاح شخصي وسعادة وعائلة أقوى وحياة أكثر أماناً. وقد تكون هذه الأمور صحيحة إلى حد ما، لكننا يجب ألا نُسَوِّق أبداً الإنجيل كمنتج يقدم لنا حلولاً لكل مشاكل الحياة.
- إن تسويق الإنجيل بهذه الطريقة يجعل أتباع يسوع غير مهيئين تماماً لمواجهة الأوقات الصعبة. ويقولون إذا كان ’منتج يسوع‘ هذا غير فعال، فلماذا لا نجرب منتجاً آخر؟ بالإضافة لذلك، هذا الأسلوب المتبع في المبيعات يحول التركيز عن يسوع نفسه إلى التركيز عما سوف يعطيه يسوع لنا. ويجعل العديد من الناس يبحثون عن البركات وليس الشخص الذي باركهم.
- ينبغي أن نعلن حاجتنا لاتباع يسوع بدون تجاهل البركات المرافقة لذلك، فهو الله، ونحن مدينون له بكل شيء كخالقنا. فما هو حق أمام الله ويمجده هو أكثر أهمية من أي فائدة قد نكسبها.
- نحن بحاجة لرؤية مؤمنين مهتمين بما يمجد الله أكثر مما يحصلون عليه من فائدة.
- تَجَنَّبْ مِثْلَ هؤُلاَءِ: لقد أبلغ بولس تيموثاوس بتعمد عدم مخالطة أولئك الذين يتلقون أو يقدمون الإنجيل بهذا الأسلوب التسويقي.
- “لم يمنع بولس تيموثاوس من تقليدهم فقط، بل يطلب منه تجنبهم كآفات ضارة. وعلى الرغم من أنهم لا يعارضون الإنجيل بشكل علني بل يعترفون به، فإن صحبتهم معدية. إضافة لذلك إذا رآنا الجمهور في ألفة مع هؤلاء الأشخاص فهناك خطر بأن يستخدموا صداقتنا للتسلل لصالحهم. لذلك علينا بذل جهود عظيمة لإفهام الجميع أننا مختلفون تماماً عنهم ولا نشترك معهم بأي شيء على الإطلاق.” كالفن (Calvin)
ب) الآية (٦): المكسب الحقيقي للتقوى.
٦وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ.
- وَأَمَّا التَّقْوَى: هنا بولس يخبر تيموثاوس أن من يسيئون استخدام كلمة الله يعتقدون خطأً أن التقوى هي وسيلة للمكسب المادي. يمكن أن يساء فهم هذه الكلمات لذا أعقبها بشرح.
- وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ: صحيح أن التقوى هي مكسب عظيم، ولكن فقط عندما تكون مصحوبة بالقناعة.
- “إن كلمة تقوى المستخدمة هنا وردت في أصلها اللغوي بكلمة ’أوتاركيا (autarkeia)‘… ويقصد بها الإكتفاء الذاتي. وهي تعني وجود إطار ذهني مستقل تماماً عن كل الأشياء الخارجية، الذي يحمل سر السعادة بداخله. فالقناعة لا تأتي أبداً من امتلاك الأشياء الخارجية.” باركلي (Barclay)
- مَعَ الْقَنَاعَةِ: يمكننا الوصول إلى نوع من القناعة بالله وبإرادته لحياتنا عندما لا نعيش حياة التلهف للمزيد ولا تهيمن على حياتنا حمى التسوق والحصول على الأشياء المادية.
- هذا جانب متقلقل في الحياة المسيحية. إذ من السهل جداً اختلاق الأسباب والأعذار لماذا لا تنطبق علينا خطايا الجشع والروح المادية. ولكن كلما اعتقدنا أن الحصول على شيء مادي سيلبي احتياجاتنا فإننا نفتقر لهذه القناعة. وكلما شعرنا بحزن عميق جراء الخسارة المادية فإننا نفتقر إلى هذه القناعة. وكلما حصلنا على متعة مفرطة من شراء أو امتلاك شيء ما مادي فإننا نفتقر إلى هذه القناعة.
- وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ: لقد عرف بولس هذا النوع من القناعة عن كثب، وها هي شهادته لأهل فيلبي تثبت ذلك بقوله لهم: “لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ. أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ. أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.” فيلبي ١١:٤-١٣
- صحيح أن الممتلكات المادية في حد ذاتها لا تفسدنا، حيث نجد بولس يستطيع أن يستفضل في الأشياء المادية وفي نفس الوقت يبقي كل شيء في المنظور الصحيح. ولكن كثيرون يستخدمون هذه الحقيقة لإيجاد عذر لهم عن نزعتهم المادية وحياتهم الجسدانية التي تفتقر للقناعة.
- إن الْقَنَاعَةِ هي حقيقة جوهرية، ويصعب بلوغها لعدة أسباب:
- نستطيع فقط الوصول للقناعة عندما تتأصل جذور قلوبنا في الأشياء الأبدية. والقناعة جوهرية لأنها تُظهر بأننا نحيا ضمن منظور أبدي ولا نحاول فقط جمع ثروة في عش أرضي.
- من الصعب علينا الوصول للقناعة لأن ثقافتنا الاستهلاكية تغذي افتقارنا للقناعة من خلال مكافأتنا عندما نكون مستائين واستخدام الإعلانات التي تحاول أن تجعلنا نشعر بالسخط بدون حصولنا على سلعة أو منتج معين.
- من الصعب أن نكون قانعين لأننا نرغب دائماً في الحصول على أكثر مما نحتاج.
- وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ: يمكن للتقوى حقاً أن تجلب قناعة بمقدار لا يصدق تقريباً. ولكن قبل إمكانية حدوث ذلك يجب أن تتغير بتجديد ذهنك (رومية ٢:١٢)، وأن تبدأ في ترتيب أولوياتك بوضع الأشياء المادية في مكانها المناسب الذي يلي الأشياء الروحية.
- من السهل على العديد من المؤمنين القول أن لديهم هذه القناعة، ولكن سواء كان لديهم قناعة أم لا، فغالباً ما نعرفهم بأكثر صراحة من خلال عادات الإنفاق والتسوق. فالسؤال المطروح: ما هو مقدار ومكانة التسوق والشراء في حياتك؟ كيف تؤثر الخسارة المادية على سعادتك؟ كم هو مقدار سعادتك من حصولك على بعض الأشياء المادية؟
- عندما نعيش ونتصرف بدون قناعة، فهذه محاولة منا لملء الاحتياجات في حياتنا، الحاجة لأن نكون شخصاً ما أو الحاجة للشعور بالآمان أو أن يتم الاهتمام بنا أو اختبار الإثارة وما هو جديد في حياتنا. فمعظم الناس يحاولون تحقيق هذه الاحتياجات بواسطة أشياء مادية ولكنهم لا يستطيعون لأن تسديد هذه الاحتياجات يتم فقط بعلاقة روحية مع الله الذي صنعنا.
- إن الْقَنَاعَةِ الحقيقية ليست صعبة جداً بالنسبة للذين بيتهم الحقيقي هو السماء. “إن الأمر لا يتطلب إلا القليل من سلع هذا العالم لإرضاء شخص يشعر بأنه مواطن في بلد آخر، ويعرف أن هذا العالم ليس مكان راحته.” كلارك (Clarke)
ج ) الآيات (٧-٨): جوهر القناعة.
٧لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ. ٨فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ، فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا.
- لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ: إن الطفل لا يولد مفلساً فحسب بل حتى بدون جيوب لوضع الفلوس فيها. ومن الواضح أننا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ – فالأشياء التي تجعل الإنسان ثرياً في هذا العالم لا قيمة لها في العالم القادم.
- وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ: إن جوهر القناعة يبدأ برؤية ممتلكاتنا المادية ومواردنا من منظور أبدي.
- لقد لوحظ بحكمة أن عربة الموتى لا تتبعها أبداً مقطورة متحركة. فكل ما يظن المرء أنه قد يأخذه معه إلى العالم الآخر سوف يتركه وراءه. فالذهب هو سلعة ثمينة على الأرض، أما في السماء فسوف يستخدمها الله لتعبيد الشوارع.
- لقد قال يسوع ذات مرة مثلاً أزعج بعض الناس. ففي إنجيل لوقا ١:١٦-١٤ تكلم يسوع عن وكيل غير أمين كان على وشك أن يتم استدعائه ليقدم حساباً عن وكالته. ونظراً لمعرفته بأنه سوف يطرد من عمله ابتدأ في تسوية حسابات مديوني سيده بشروط مفضلة للمديونين، لكي يعاملوه بلطف عندما يطرده سيده من عمله. وفي النهاية نجد السيد يمتدح الوكيل لدهائه في ترتيب الخطة (من المفترض حصول ذلك قبل طرد الوكيل من عمله). لقد كان الوكيل يستحق الثناء لسببين: أولاً، عرف الوكيل أنه سوف يتم استدعائه ليقدم حساباً عن حياته، وقد أخذ الأمر على محمل الجد. ثانياً، لقد استغل منصبه الحالي من أجل ترتيب مستقبل مريح. ونحن أيضاً، مع أننا لا نستطيع جلب مواردنا المادية معنا للحياة الآخرة، لكن يمكننا استخدامها في وقتنا الحالي من أجل الخير الأبدي.
- لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ – ولكن يمكننا أن نرسل أمامنا مسبقاً بركة أبدية ومكافأة من خلال الاستخدام الحكيم لمواردنا في الوقت الحاضر.
- فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ: بعد رؤية الأمور من منظور أبدي سيصبح الإنسان متواضعاً، ويمكنه أن يكون قانعاً بأشياء بسيطة.
- معظمنا يصبح متخماً على مر السنين، وثقافتنا المفرطة في التحفيز هي فعالة في إنتاج هذا فينا. فالأشياء التي اعتادت أن ترضينا لم تعد جيدة بما فيه الكفاية. والجوع المستمر للمزيد والمزيد وللأفضل والأفضل وللجديد والمحسًن، كلها تعمل ضد القناعة الحقيقية.
د ) الآيات (٩-١٠): حماقة القلب الجشع.
٩وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ. ١٠لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ.
- الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ: الجدير بالملاحظة أن الرغبة في الْغِنَى هي أكثر خطورة جداً من الْغِنَى ذاته، وليس الفقراء فقط هم من يرغبون بأن يكونوا أغنياء، بل الأغنياء أيضاً يرغبون بمزيد من الْغِنَى.
- هذا لا يعني أن الفقراء أتقياء بينما الأغنياء أشرار، وليس العكس صحيحاً. فقد كان لافتاً وجود العديد من الأشخاص الأتقياء في الكتاب المقدس ممن كانوا أغنياء بشكل لا يصدق مثل إبراهيم وداوود وسليمان.
- ولكن الأشخاص الأغنياء في الكتاب المقدس كان لديهم قلباً يشبه قلب المرنم في المزمور ١٠:٦٢ “إِنْ زَادَ الْغِنَى فَلاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا.”
- وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ: إن هذه الرغبة في تحصيل الْغِنَى تغوي قلوبنا في الابتعاد عن الْغِنَى الأبدي وتوقعنا في في شراك فخ لا يستطيع النجاة منه إلا القليلون – فنجد أنفسنا حالمين دائماً الْغِنَى وواضعين قلوبنا عليه دائماً.
- إن الرغبة في تحصيل الْغِنَى يمكن إشباعها حقاً فقط في يسوع المسيح والاكتفاء بالْغِنَى الروحي أكثر من الأمور المادية. وكل شيء آخر هو غير كاف لإشباعنا.
- لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُور: إن محبة المال يمكنها أن تحرض على أي شر في الأرض. فلا توجد خطية لا يمكن ارتكابها لأجل الحصول على المال.
- طَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ: هذا هو مصير الذين يعيشون في محبة المال. إنهم غير قانعين. فنطلب أحياناً أن تتاح لنا فرصة لاكتشاف ما إذا كان الْغِنَى يُشبع رغباتنا، ولكن يجب أن نثق في كلمة الله واختبارات العديد من الناس.
- “هذا ما يفعله الْغِنَى، إنه يخنق ويغرق ويسمم نفوسهم الثمينة بالأرباح والملذات والمناصب الرفيعة، وفي العديد من المرات الهلاك والدمار، أي أن الْغِنَى يؤدي كما يقول البعض إلى دمار مزدوج لما هو زمني ولما هو أبدي.” تراب (Trapp)
هـ) الآيات (١١-١٦): الْغِنَى الحقيقي: خدمة ملك عظيم.
١١وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ. ١٢جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ. ١٣أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ، وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاعْتِرَافِ الْحَسَنِ: ١٤أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ١٥الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، ١٦الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ.
- وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ: لقد أمر بولس تيموثاوس بأن يكون مختلفاً عن أولئك الذين يعيشون من أجل الثروة والغنى المادي. فعليه أن يهرب من مجادلات هؤلاء الأشخاص المتكبرين الذين يسيئون استخدام كلمة الله والذين يظنون أننا يجب أن نتبع الله فقط لأجل ما يمكننا الحصول عليه منه.
- اتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ: كان يجب على تيموثاوس أن يتبع هذه الفضائل بدلاً من السعي وراء الكبرياء والغِنى. فمع أن عصرنا الحاضر لا يقدر قيمة تلك الفضائل لكنها في نظر الله ذات قيمة عالية جداً.
- إن هذا التحدي في ترك بعض الأشياء والسعي الحثيث وراء أشياء أخرى ليس موجهاً فقط لتيموثاوس، لكنه موجه لأي شخص سيكون إِنْسَانَ اللهِ يسلك بما يتعارض مع إِنْسَانَ هذا العالم.
- جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ: لن يكون أمراً سهلاً أن نسلك طريق الله ونسير ضد تيار هذا العالم، لذلك وجب على تيموثاوس أن يمتلك عزم الجندي.
- إن الله يدعونا لنكون مقاتلين، وأن نخوض معركة الإِيمَانِ الْحَسَن، حيث قد يخسر البعض معركة هنا ومعركة هناك، ومع ذلك، سوف يواصلون القتال بعزم عظيم حتى انتهاء الحرب والفوز بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.
- لقد وقعت القرعة على تيموثاوس لدخول هذه الحرب: الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا. ولكن تيموثاوس قد تطوع أيضاً: وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ. فكان على تيموثاوس أن يراعي الناحيتن في المعركة. فقد دعاه الله للمعركة وفي نفس الوقت هو أيضاً قد اختار ذلك بحرية.
- أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ: نظراً لأن بولس قد دعا تيموثاوس لخوض معركة صعبة، فقد كان من الجيد له أن يعرف أن الأوامر قد صدرت تحت أمرة هذا الإله العظيم. فقد كان تيموثاوس ملزماً بخدمة الخالق الذي وهبه الحياة.
- إن إنكار أن الله هو الخالق قد سبب أضراراً كبيرة في ثقافتنا. ومن أكبر الأضرار الناتجة عن تلك الحقيقة البسيطة هو أن العديد من الناس لم يعودوا يؤمنون أن لهم خالقاً يجب أن يكرموه ويعطونه الحساب عن وكالتهم.
- الْمَسِيحِ يَسُوعَ: هذا من أصدر الأوامر الصعبة لتيموثاوس. فيسوع نفسه يعرف ما يعنيه تنفيذ الأوامر الصعبة، لأنه قد سبق وشَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاعْتِرَافِ الْحَسَنِ وقد فعل ذلك بعدة طرق.
- فقد اعترف يسوع بالحقيقة حول نفسه موافقاً لعبارة بيلاطس بأن يسوع هو ملك اليهود (متى ١١:٢٧).
- شهد يسوع لبيلاطس حول سيادة الله قائلاً: «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ» (يوحنا ١١:١٩). فيسوع جعل بيلاطس يعرف أن الله هو من يمسك بزمام الأمور وليس بيلاطس.
- ظل يسوع صامتاً حول الإتهامات الموجهة إليه رافضاً أن يدافع عن نفسه مسلماً حياته لإرادة الله الآب (متى ١٤:٢٧). “شهد المسيح بالاعتراف الحسن أمام بيلاطس ليس فقط بالكلمات بل واقعياً من خلال خضوعه الطوعي للموت.” كالفن (Calvin)
- من خلال كل واحدة من هذه الطرق شهد يسوع أمام بيلاطس بالاعتراف الحسن. لذا فعندما طلب من تيموثاوس أن يعيش بما يتوافق مع اعترافه الحسن (تيموثاوس الأولى ١٢:٦) أبلغه ببساطة أن يفعل كما فعل يسوع.
- إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: هذا هو المدى الذي يفترض لتيموثاوس أن يخوض فيه الجهاد الحسن. فهناك ببساطة خطر دائم بألا تدوم الجهود الحسنة لمدة كافية وبالتالي تنتهي بالهزيمة.
- الَّذِي وَحْدَهُ: إن معرفة من هو يسوع قد جهزت تيموثاوس لخوض الجهاد الحسن. فالتاريخ مليء بأمثلة عن الجيوش التي حققت انتصارات مذهلة لأن الجنود كانوا يعرفون ويحبون قادتهم. لذلك نجد بولس هنا يصف يسوع لتيموثاوس بأنه:
- الْمُبَارَك الْعَزِيز الْوَحِيد الذي وحده يمتلك كل القدرة والسلطان والذي يحكم الكون من عرشه في السماء.
- إنه مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ. بالمقارنة مع مجد يسوع يتلاشى جلال الإنسان. إن الأشخاص الأغنى والأذكى والأكثر نفوذاً على وجه الأرض هم أقزام بالنسبة ليسوع.
- إن يسوع الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ: إنه الإله القدوس. فيسوع ليس مجرد شخص خارق بل هو الله الإنسان، الخالد الذي لا بداية له ولا نهاية والذي إذا انكشف ملء مجده لأي إنسان سوف يسقط ميتاً.
- الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ: ردة الفعل الأولى لدى الإنسان عند معرفة حقيقة يسوع ينبغي ألا تكون: ’ماذا يمكنه أن يفعل من أجلي؟‘ لكن تقديم التسبيح اللائق لصاحب الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ الإله العظيم. آمِينَ!
- الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ: يترنم بولس بمجد وكرامة الرب يسوع المسيح الممجد والمتوج. فيسوع إنسان فريد (الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ) وإنسان ممجد (سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ).
و ) الآيات (١٧-١٩): كلمة أخيرة للأغنياء.
١٧أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ. ١٨وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَال صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التَّوْزِيعِ، ١٩مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبِلِ، لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.
- الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ: هذه العبارة تضع المسألة بأكملها ضمن منظور نرى من خلاله أن هؤلاء قد يكونون أغنياء الآن في هذا الدهر، ولكن إذا أرادوا أن يصيروا أغنياء في الدهر القادم فعليهم أن يستخدموا ثروتهم بمسؤولية.
- أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا: إن الكبرياء هو خطر متواصل يرافق الغِنى. فمن السهل الاعتقاد بأننا أفضل من شخص آخر لأننا نملك أكثر منه.
- وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى: إن الله يعرف ميلنا للوثوق بالغِنى أكثر من الوثوق به. وبالتالي فالله يحمينا ضد هذا الخطر لأنه يريدنا أن نثق بالأكثر ضماناً أي فيه هو، وليس غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى.
- وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَال صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ: إن ما يحرس قلوبنا من التعلق بالأمور المادية والوثوق بالغِنى الغير مضمون هو أن نكون أسخياء ونستخدم مواردنا لعمل الصلاح.
- يظن العديد من الناس أن السبب الرئيسي للعطاء هو لتسديد احتياجات الكنيسة. ولكن هذا ليس صحيحاً. فالسبب الأكثر أهمية للعطاء هو أنك تحتاج لأن تكون معطياً. فهذه طريقة الله ليحميك من الجشع والوثوق بالغَنى الغير مضمون. فالله سوف يسدد احتياجات خدمته حتى لو لم تعطِ أنت، لكن ماذا سيحل بك؟
- إن لم تعطِ لعمل الرب، فكيف سوف دَّخِر لنفسك أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبِلِ؟ وكيف ستمسك بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ؟ ألن يكون هناك البعض، أو ربما كثيرون، الذين لن يدخلوا السماء لأن قلوبهم كانت أكثر راحة هنا على الأرض بفضل حصولها على المكافآت المادية؟
- لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ: إن فكرة بولس التي يقدمها لتيموثاوس هي: “اترك السعي وراء المال جانباً وكن قانعاً بعملك كخادم للإنجيل. فيدك ليست كبيرة بما يكفي للإمساك بشيئين. لذلك، نظراً لأنه لا يمكنك الحصول إلا على واحد من الإثنين، انتبه لأن تختار الشيء الأساسي منهما، أي بأن تمسك بالحياة الأبدية.”
- “يتضح من هذا أنه إذا تمسك بالحياة الأبدية فسوف يتعين عليه أن يقاتل من أجلها. وإن كان عليه القتال، فيمكنه فقط القتال من خلال التمسك بالحياة الأبدية بإحكام.” سبيرجن (Spurgeon)
ز ) الآيات (٢٠-٢١): في الختام: تكليف آخير.
٢٠يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ، ٢١الَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ.
- يَا تِيمُوثَاوُسُ: غالباً ما يكرر بولس نفس الفكرة المستخدمة فيتحدى تيموثاوس بأن يميز بين ما يأتي من الله (احْفَظِ الْوَدِيعَةَ) وما يأتي من الإنسان (الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ)، وأن يحترس بألا يفتتن بما يأتي من البشر.
- إن بولس لديه ثقة بتيموثاوس وسبق أن وثق به. ومع ذلك فقد عرف بولس أيضاً مدى قوة الإغواء وكم هي المخاطر عالية، لذا فقد حذر ثم حذر، ثم حذر ثانية.
- احْفَظِ الْوَدِيعَةَ: إن الإنجيل هو الْوَدِيعَةَ (الأَمَانَةِ) المسلمة للرعاة أمثال تيموثاوس وأيضاً لجميع المؤمنين. وعندما تُكسر الْوَدِيعَة، تكون النتيجة: قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ. إذاً يجب أن نفعل كل ما بوسعنا للحفاظ على هذه الْوَدِيعَة.