سفر دانيال – الإصحاح ١١
أنتيخوس وضد المسيح مرة أخرى
مقدمة
١. يتضمن هذا الإصحاح واحدة من أكثر نبوّات الكتاب المقدس تحديدًا، حيث تنبأت بالتاريخ على مدى حوالي ٣٧٥ سنة حتى النهاية بدقة متناهية.
٢. الإصحاح محدد للغاية حتى إن نقادًا كثيرين ممن يرفضون الإعلان الخارق أصرّوا على أنه تاريخ كُتب بعد وقوع الأحداث، مدَّعيًا بأنه نبوّة.
• بسبب تفاصيل النبوة، سنُجبر على نحو متكرر على التلخيص، ملاحظين تحقيق النبوة عند ذِكرها.
٣. يفسّر المفسر جويس بولدوين (Joyce Baldwin) عقلية الأشخاص الذين يُرجِعون السفر إلى تاريخ متأخر. يقولون: “رغم أن السفر يقدَّم على أنه في المستقبل، إلا أن رأي معظم الباحثين هو أن الكاتب استخدم شكلًا أدبيًّا مقبولًا لا يمكن أن يخدع أحدًا. والقصد من ذلك هو إظهار أن مجرى التاريخ كان بتوجيه من الله، وأنه بهذا يحقق مقاصده… وعندما يصبح التاريخ نبوة، يمكن تَحَرِّي النقلة، لأن الأحداث أثبتت خطأه.”
• “يفترض أن يؤدي هذا الرأي إلى تقويض الثقة بالسفر كله. فإن كان ’التأريخ‘ المتأخر صحيحًا، فإن الإعلان المزعوم لم يكن إلا نوعًا من هذا القبيل… ويترتب على هذا أن التحضير للإعلان في الإصحاح ١٠ كان خيالًا وُضِع كلون محلي من أجل التأثير.” بولدوين (Baldwin)
أولًا. تقسيم الإمبراطورية اليونانية
أ ) الآية (٢): أربعة ملوك مستقبليين.
٢وَالآنَ أُخْبِرُكَ بِالْحَقِّ. هُوَذَا ثَلاَثَةُ مُلُوكٍ أَيْضًا يَقُومُونَ فِي فَارِسَ، وَالرَّابعُ يَسْتَغْنِي بِغِنًى أَوْفَرَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَحَسَبَ قُوَّتِهِ بِغِنَاهُ يُهَيِّجُ الْجَمِيعَ عَلَى مَمْلَكَةِ الْيُونَانِ.
١. هُوَذَا ثَلَاثَةُ مُلُوكٍ أَيْضًا يَقُومُونَ فِي فَارِسَ: يخبر الملاك دانيال ببساطة أنه سيقوم ثلاثة ملوك على بلاد فَارِس إلى أن يقوم ملك رابع. وسيكون ٱلرَّابِع أقوى وأغنى، وسيقاوم مَمْلَكَةِ الْيُونَانِ. وقد تحقق هذا الملك الرابع القوي الغني في الملك الفارسي زركسيس.
٢. وَٱلرَّابِعُ يَسْتَغْنِي بِغِنًى أَوْفَرَ مِنْ جَمِيعِهِمْ: وفي تحقيق تلك النبوة، كان هنالك أربعة ملوك من الوقت الذي تحدّث عنه دانيال حتى زركسيس، وهو الذي سيهيّج الجميع على مملكة اليونان. فإما أن الملاك أغفل الملك الحالي (كورش) متطلعًا إلى المستقبل فقط، وإما أنه تجاهل سميرديس، ملك فارس (٥٢٢-٥٢١ ق. م.)، لأنه لم يحكم إلا مدة تقل عن السنة، فضلًا عن أنه احتال ليعتلي العرش.
٣. فَارِسَ… الْيُونَانِ: كانت هذه الرؤى والأفكار المتبصّرة حول الإمبراطوريتين الفارسية واليونانية وثيقة الصلة بإسرائيل، لأن كل واحدة منهما حاولت أن تمحو شعب الله في وقت ما.
• حاولت الإمبراطورية الفارسية أن تمحو الشعب اليهودي أثناء حكم زركسيس من خلال مؤامرة هامان (كما يظهر في سفر أستير).
• وحاولت الإمبراطورية اليونانية أن تمحو الشعب اليهودي أثناء حكم أنتيخوس الرابع، عندما حاول أن يقتل كل يهودي يتنكر لتكريسه لله ويعتنق الثقافة اليونانية.
ب) الآيات (٣-٤): صعود ملك جبار.
٣وَيَقُومُ مَلِكٌ جَبَّارٌ وَيَتَسَلَّطُ تَسَلُّطًا عَظِيمًا وَيَفْعَلُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ. ٤وَكَقِيَامِهِ تَنْكَسِرُ مَمْلَكَتُهُ وَتَنْقَسِمُ إِلَى رِيَاحِ السَّمَاءِ الأَرْبَعِ، وَلاَ لِعَقِبِهِ وَلاَ حَسَبَ سُلْطَانِهِ الَّذِي تَسَلَّطَ بِهِ، لأَنَّ مَمْلَكَتَهُ تَنْقَرِضُ وَتَكُونُ لآخَرِينَ غَيْرِ أُولئِكَ.
١. وَيَقُومُ مَلِكٌ جَبَّارٌ: أخبر الملاك دانيال عن ملك جبار متسلّط جدًّا، لكن مملكته لن تدوم، حيث ستنقسم مملكته بعد موته.
٢. وَيَتَسَلَّطُ تَسَلُّطًا عَظِيمًا وَيَفْعَلُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ: تَحقّق هذا في الإسكندر الكبير الذي كان بالفعل ملكًا جبّارًا. وقد مات وهو في الثانية والثلاثين من عمره بسبب حُمى بعد حفلة سُكْر في بابل.
• لا تخصّ هذه النبوة الإسكندر الكبير لأنه لم يُلحق ضررًا بأورشليم، رغم أنه غزا المنطقة العامّة. ويسجل المؤرخ القديم يوسيفوس وصول الإسكندر المثير للاهتمام إلى أورشليم، وكيف أن رئيس الكهنة (الذي رآه الإسكندر في رؤيا) عرض عليه سفر دانيال. فتأثر الإسكندر حتى إنه أنقذ أورشليم ومنحها التسامح الديني.
• يوسيفوس، ’آثار اليهود‘ – الباب الحادي عشر – الفصل الثامن:
عندما احتل الإسكندر غزة، أسرع بالصعود إلى أورشليم، وعندما سمع هذا رئيس الكهنة، جدّوع، كان في عذاب ورعب غير عارف ما ينبغي أن يفعل عند لقاء المكدونيين، حيث إن الملك كان مستاء من عصيانه السابق. ولهذا طلب من الشعب أن يقدموا تضرعات ويشتركوا معه في تقديم الذبائح لله الذي توسّل إليه أن يحمي الأمّة وينقذها من الأخطار القادمة عليها. عندئذٍ، طلب منه الله في المنام، بعد أن قدّم ذبائح، أن يتشجع، ويزيّن المدينة، ويفتح الأبواب، وأن تَظهر بقية الشعب في ثياب بيض، وأن يلتقي هو والكهنة الملك حسب عاداتهم الخاصة حسب نظامهم من دون خوف من عواقب سيئة، حيث ستَحُوْل الرعاية دون وقوعها. فلما قام من نومه، ابتهج ابتهاجًا كبيرًا، وأعلن للجميع إرشادات الله التي تلقّاها. وتصرّف وفق إرشادات الله في الحلم بشكل كامل. وهكذا انتظر مجيء الملك.
وعندما فهم أنه لم يكن ببعيد عن المدينة، خرج في موكب مع الكهنة وجموع المواطنين. كان الموكب جليلًا. وكان أسلوبه مختلفًا عن كل أساليب مواكب الشعوب الأخرى. لقد اعتقد الجيش المتقدم أنه ستكون له الحرية في نهب المدينة وتعذيب رئيس الكهنة حتى الموت، وهو أمر متوقع بسبب استياء الملك منه. لكن ما حدث هو النقيض. فعندما رأى الإسكندر الجموع عن بُعد يرتدون ثيابًا بيضًا، بينما كان الكهنة يرتدون الكتّان، ورئيس الكهنة في ثيابه الأرجوانية والقرمزية، وعلى قُلنسوته صفيحة منقوش عليها اسم الله، اقترب بنفسه وسجد لهذا الاسم. وحيّى رئيس الكهنة أولًا.
وقام اليهود كلهم، بصوت واحد، بتحية الإسكندر، وراحوا يلتفون حوله. عندئذٍ، فوجئ ملوك آرام والبقية بما فعله الإسكندر، مفترضين أنه مُسَّ في عقله. ومع ذلك، تَوَجَّه إليه بارمينيو وحده، وسأله: “كيف يعبدك الجميع، بينما تعبد أنت رئيس كهنة اليهود؟” فأجابه الإسكندر: “لم أكن أسجد لرئيس الكهنة، بل للذي أكرمه بمنصبه كرئيس للكهنة، لأني رأيت هذا الشخص عينه في حلم، في زيّه هذا، عندما كنت في مدينة ديوس في مكدونيا. فبينما كنت أفكر في نفسي كيفية السيطرة على آسيا، حثّني على أن لا أتأخر، بل أعبر البحر بجسارة إلى هناك، وقال لي إن الله سيقود جيشي، وسيعطيني السيطرة على الفُرس. والآن، لأني لم أرَ أي شخص آخر في مثل هذا الرداء، ولأني أراه الآن شخصيًّا، وأتذكر تلك الرؤيا والإرشاد الذي حصلت عليه، فإني أعتقد أني جلبت هذا الجيش تحت الإدارة الإلهية. وسأقهر داريوس، وأدمر قوة الفُرس، وأومن بأن كل الأشياء ستنجح وفق ما في ذهني.”
ولما قال هذا لبارمينيو، وأعطى يده اليمنى لرئيس الكهنة، ركض الشعب بجانبه وهو يدخل المدينة. ولما صعد إلى الهيكل، قدّم ذبيحة لله حسب توجيهات رئيس الكهنة. وعامل رئيس الكهنة والكهنة بشكل رائع. وعندما عُرِض عليه سفر دانيال الذي أعلن فيه أن واحدًا من اليونان سيقضي على الفُرس، افترض أنه هو الشخص المقصود. وسُرّ وصرف الجموع للوقت الحالي. لكنه استدعاهم في اليوم التالي، وسألهم ما هي النعم التي يمكن أن تُرضيهم منه. لذلك أعرب رئيس الكهنة عن رغبته في أن يتمتعوا بشرائع آبائهم وأن لا يدفعوا الجزية في السنة السابعة. فمنحهم الإسكندر ما أرادوه. وعندما توسّلوا إليه أن يُسمح لليهود في بابل ومادي أن يتمتعوا بشرائعهم أيضًا، وعد عن طيب خاطر أن يفعل ذلك لاحقًا.
٣. وَلَا لِعَقِبِهِ (ليس بين نسله): بعد موت الإسكندر، لم يخلفه أحد من أبنائه. ولم يكن هذا بسبب عدم المحاولة. إذ كان للإسكندر ثلاثة ورثة محتملين: أخ غير شقيق اسمه فيليب كان يعاني من نقص عقلي، وأخ وُلِد بعد موت الإسكندر، وابن غير شرعي اسمه هيركوليز (هرقل). وفي بداية الأمر، عُيّن أخوه غير الشقيق وابنه الذي وُلِد بعد موته ملكين مشاركين. وكان لكل واحد منهما وصي على العرش. لكن الصراع بين الوصيين على العرش أسفر عن قتل كل الورثة المحتملين.
٤. وَتَنْقَسِمُ إِلَى رِيَاحِ ٱلسَّمَاءِ ٱلْأَرْبَعِ: بعد موت كل الورثة المحتملين للإسكندر، سيطر أربعة قادة كبار على الإمبراطورية، لكن لم يكن لأي منهم نفس سيطرة الإسكندر على المملكة (لاَ حَسَبَ سُلْطَانِهِ الَّذِي تَسَلَّطَ بِهِ).
• تركز بقية النبوة على اثنين من ورثة أراضي الإسكندر والسلالتين الحاكمتين اللتين أسساهما. ويتم التركيز على الإثنين لأنهما ظلا يتقاتلان باستمرار حول الأرض الموعودة، لأنها كانت تقع بين مركزي قوّتهما.
ثانيًا. ملوك الشمال وملوك الجنوب
أ ) الآية (٥): قوة ملك الجنوب.
٥وَيَتَقَوَّى مَلِكُ الْجَنُوبِ. وَمِنْ رُؤَسَائِهِ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ وَيَتَسَلَّطُ. تَسَلُّطٌ عَظِيمٌ تَسَلُّطُهُ.
١. وَيَتَقَوَّى مَلِكُ ٱلْجَنُوبِ: سيصبح أحد الورثة الأربعة للأربعة أقوى من الآخرين.
٢. وَمِنْ رُؤَسَائِهِ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ وَيَتَسَلَّطُ: تَحَقق هذا في بطليموس الأول، ملك مصر، والذي فرض سيطرته على الأرض المقدسة. وبعد فترة وجيزة من تقسيم إمبراطورية الإسكندر، سيطر البطالمة على هذه المنطقة.
• كان لدى بطليموس الأول رئيس اسمه سيلوكوس (سلوقس)، وارتقى إلى القوة، وتولّى السيطرة على منطقة سوريا، وأصبح أقوى من حاكمه المصري السابق. ويوحَّد السلوقيون مع ملوك الشمال، بينما يوحَّد البطالمة مع ملوك الجنوب.
• تحاربت سلالتا السلوقيين والبطالمة مدة حوالي ١٣٠ سنة. وكان يسيطر أقواهما على الأرض الموعودة باستمرار.
ب) الآية (٦): زواج بين عائلتي ملِكَي الجنوب والشمال.
٦وَبَعْدَ سِنِينَ يَتَعَاهَدَانِ، وَبِنْتُ مَلِكِ الْجَنُوبِ تَأْتِي إِلَى مَلِكِ الشِّمَالِ لإِجْرَاءِ الاتِّفَاقِ، وَلكِنْ لاَ تَضْبِطُ الذِّرَاعُ قُوَّةً، وَلاَ يَقُومُ هُوَ وَلاَ ذِرَاعُهُ. وَتُسَلَّمُ هِيَ وَالَّذِينَ أَتَوْا بِهَا وَالَّذِي وَلَدَهَا وَمَنْ قَوَّاهَا فِي تِلْكَ الأَوْقَاتِ.
١. يَتَعَاهَدَانِ: ستجعل المصاهرة ملكَي الجنوب والشمال حليفين لفترة، لكن هذا لن يدوم.
٢. وَبِنْتُ مَلِكِ ٱلْجَنُوبِ تَأْتِي إِلَى مَلِكِ ٱلشِّمَالِ لِإِجْرَاءِ ٱلِٱتِّفَاقِ: تحقق هذا في زواج أنتيخوس الثاني السلوقي من برنيس، ابنة بطليموس الثاني. ساد السلام لفترة بسبب هذا الزواج. لكن هذا اختل مع موت بطليموس الثاني.
• وَلَكِنْ لَا تَضْبِطُ ٱلذِّرَاعُ قُوَّةً: حالما مات بطليموس الثاني، قام أنتيخوس الثاني باستبعاد برنيس وإرجاع زوجته السابقة، لاوديس.
• وَلَا يَقُومُ هُوَ وَلَا ذِرَاعُهُ: لم تثق لاوديس بزوجها أنتيخوس الثاني، فقامت بتسميمه.
• وَتُسَلَّمُ هِيَ وَٱلَّذِينَ أَتَوْا بِهَا: بعد مقتل أنتيخوس الثاني، رتّبت لاوديس لمقتل برنيس، وابنها الرضيع، ووصيفاتها.
• بعد حكم لاوديس الإرهابي، وضعت ابنها (سلوقس الثاني) على عرش الأراضي السورية.
ج) الآيات (٧-٩): جيش الجنوب يقهر مملكة الشمال.
٧وَيَقُومُ مِنْ فَرْعِ أُصُولِهَا قَائِمٌ مَكَانَهُ، وَيَأْتِي إِلَى الْجَيْشِ وَيَدْخُلُ حِصْنَ مَلِكِ الشِّمَالِ وَيَعْمَلُ بِهِمْ وَيَقْوَى. ٨وَيَسْبِي إِلَى مِصْرَ آلِهَتَهُمْ أَيْضًا مَعَ مَسْبُوكَاتِهِمْ وَآنِيَتِهِمِ الثَّمِينَةِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَيَقْتَصِرُ سِنِينَ عَنْ مَلِكِ الشِّمَالِ. ٩فَيَدْخُلُ مَلِكُ الْجَنُوبِ إِلَى مَمْلَكَتِهِ وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ.
١. وَيَأْتِي إِلَى (مع) ٱلْجَيْشِ: أخبر الملاك دانيال أن فرعًا من أصولها سيأتي من الجنوب وينتصر على ملوك الشمال.
٢. وَيَعْمَلُ بِهِمْ (يتعامل معهم) وَيَقْوَى: تَحَقَّق هذا في بطليموس الثالث، شقيق برنيس، فَرْعِ أُصُولِهَا. وانتقامًا لمقتل شقيقته، قام بطليموس الثالث بغزو سورية وإذلال سلوقس الثاني.
• وَيَقْتَصِرُ سِنِينَ عَنْ مَلِكِ ٱلشِّمَالِ: عاش بطليموس الثالث أربع سنوات بعد موت سلوقس الثاني.
د ) الآية (١٠): أبناء ملك الشمال وانتصارهم.
١٠وَبَنُوهُ يَتَهَيَّجُونَ فَيَجْمَعُونَ جُمْهُورَ جُيُوشٍ عَظِيمَةٍ، وَيَأْتِي آتٍ وَيَغْمُرُ وَيَطْمُو وَيَرْجِعُ وَيُحَارِبُ حَتَّى إِلَى حِصْنِهِ.
١. وَبَنُوهُ يَتَهَيَّجُونَ: سيواصل أبناء ملوك الشمال القتال، وسيغزو أحدهم الأرض الموعودة (وَيَغْمُرُ وَيَطْمُو)، التي كانت بمثابة حاجز بين ملوك الشمال والجنوب.
٢. فَيَجْمَعُونَ جُمْهُورَ جُيُوشٍ عَظِيمَةٍ: تَحقق هذا في سلوقس الثالث وأنتيخوس الثالث، ابنَي سلوقس الثاني. وكان كلاهما قائدًا كبيرًا ناجحًا. لكن سلوقس الثالث لم يحكم إلا لفترة قصيرة، فخلفه أخوه.
• استرد أنتيخوس الثالث، في معركة شرسة، الأرض المقدسة من سيطرة البطالمة.
هـ) الآيات (١١-١٢): يكتسب ملك الجنوب اليد العليا على ملك الشمال.
١١وَيَغْتَاظُ مَلِكُ الْجَنُوبِ وَيَخْرُجُ وَيُحَارِبُهُ أَيْ مَلِكَ الشِّمَالِ، وَيُقِيمُ جُمْهُورًا عَظِيمًا فَيُسَلَّمُ الْجُمْهُورُ فِي يَدِهِ. ١٢فَإِذَا رُفِعَ الْجُمْهُورُ يَرِتْفِعُ قَلْبُهُ وَيَطْرَحُ رَبَوَاتٍ وَلاَ يَعْتَزُّ.
١. وَيَغْتَاظُ مَلِكُ ٱلْجَنُوبِ: أخبر الملاك دانيال أن ملك الجنوب سيهاجم ويلاقي جُمْهُورًا عَظِيمًا من جنود ملك الشمال. وسيخسر ملك الشمال في المعركة، وستُهزَم حشوده الكبيرة.
٢. وَلَا يَعْتَزُّ: تَحَقق هذا عندما هُزم أنتيخوس الثالث في معركة رافيا. وبسبب هزيمته هذه، أُجبر على إرجاع هيمنة الأرض المقدسة إلى بطليموس الرابع.
و ) الآيات (١٣-١٦): ملك الشمال واحتلاله للأرض المقدسة (الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ).
١٣فَيَرْجعُ مَلِكُ الشِّمَالِ وَيُقِيمُ جُمْهُورًا أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ، وَيَأْتِي بَعْدَ حِينٍ، بَعْدَ سِنِينَ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَثَرْوَةٍ جَزِيلَةٍ. ١٤وَفِي تِلْكَ الأَوْقَاتِ يَقُومُ كَثِيرُونَ عَلَى مَلِكِ الْجَنُوبِ، وَبَنُو الْعُتَاةِ مِنْ شَعْبِكَ يَقُومُونَ لإِثْبَاتِ الرُّؤْيَا وَيَعْثُرُونَ. ١٥فَيَأْتِي مَلِكُ الشِّمَالِ وَيُقِيمُ مِتْرَسَةً وَيَأْخُذُ الْمَدِينَةَ الْحَصِينَةَ، فَلاَ تَقُومُ أَمَامَهُ ذِرَاعَا الْجَنُوبِ وَلاَ قَوْمُهُ الْمُنْتَخَبُ، وَلاَ تَكُونُ لَهُ قُوَّةٌ لِلْمُقَاوَمَةِ. ١٦وَالآتِي عَلَيْهِ يَفْعَلُ كَإِرَادَتِهِ وَلَيْسَ مَنْ يَقِفُ أَمَامَهُ، وَيَقُومُ فِي الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ وَهِيَ بِالتَّمَامِ بِيَدِهِ.
١. مَلِكُ ٱلشِّمَالِ… وَيَأْتِي بَعْدَ حِينٍ، بَعْدَ سِنِينَ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ: أخبر الملاك دانيال أن المملكة الشمالية سترد وستهزم ملك الجنوب في حصار ممتد. وسيمنح هذا الانتصار ملك الشمال السيادة على الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ.
• “كانت أرض الزينة، أي يهوذا الواقعة بين هذين الرئيسين القويين، تتعرض لمحن على الدوام، كما يُطحَن القمح بين حجري رحى ثقيلين.” تراب (Trapp)
٢. وَلَيْسَ مَنْ يَقِفُ أَمَامَهُ: تَحقق هذا عندما غزا أنتيخوس الثالث مصر ثانية، فاكتسب السيطرة النهائية على جيوش بطليموس الخامس وعلى الأرض المقدسة.
• يَقُومُ كَثِيرُونَ عَلَى مَلِكِ ٱلْجَنُوبِ: ساعد يهود الأرض المقدسة أنتيخوس الثالث على هزيمة مَلِكِ ٱلْجَنُوبِ بسبب استيائهم من حكم البطالمة المصريين وَبَنُو ٱلْعُتَاةِ مِنْ شَعْبِكَ يَقُومُونَ لِإِثْبَاتِ ٱلرُّؤْيَا (وَيَعْثُرُونَ).
• وَٱلْآتِي عَلَيْهِ يَفْعَلُ كَإِرَادَتِهِ وَلَيْسَ مَنْ يَقِفُ أَمَامَهُ: رحَّب شعب الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ في بداية الأمر بأنتيخوس الثالث كمحرر من الحكم المصري. وكان قرارهم بدعم أنتيخوس الثالث غير حكيم، حيث جلب الدمار على الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ وشعبها.
ز ) الآية (١٧): ملك الجنوب يزوّج ابنته من ملك الشمال.
١٧وَيَجْعَلُ وَجْهَهُ لِيَدْخُلَ بِسُلْطَانِ كُلِّ مَمْلَكَتِهِ، وَيَجْعَلُ مَعَهُ صُلْحًا، وَيُعْطِيهِ بِنْتَ النِّسَاءِ لِيُفْسِدَهَا، فَلاَ تَثْبُتَ وَلاَ تَكُونَ لَهُ.
١. وَيَجْعَلُ وَجْهَهُ: سيحاول ملك الشمال الذي حكم الأرض المقدسة أن يهيمن على ملك الجنوب ويدمّره. وسيقوم بمحاولة بإعطائه ’بِنْتَ ٱلنِّسَاءِ‘ لكي تفسد مصر وتهلكها. لكن لن يُكتب لهذه المؤامرة النجاح.
٢. فَلَا تَثْبُتَ وَلَا تَكُونَ لَهُ: لقد تَحقق هذا عندما أعطى أنتيخوس الثالث ابنته كليوباترا زوجة لبطليموس الخامس، ملك مصر على أمل أن يكتسب تأثيرًا ونفوذًا وسيطرة على مصر في نهاية المطاف. وقد خاب أمله لأن كليوباترا لم تكن وفية لزوجها المصري على الإطلاق.
• لم تكن هذه أشهر كليوباترا في التاريخ القديم، لكنها كانت سلفًا لكليوباترا الأكثر شهرة، والتي عاشت بعد مئة سنة من زمن كليوباترا، ابنة أنتيخوس الثالث.
ح) الآيات (١٨-١٩): إيقاف ملك الشمال وتعثُّره.
١٨وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى الْجَزَائِرِ وَيَأْخُذُ كَثِيرًا مِنْهَا، وَيُزِيلُ رَئِيسٌ تَعْيِيرَهُ فَضْلاً عَنْ رَدِّ تَعْيِيرِهِ عَلَيْهِ. ١٩وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى حُصُونِ أَرْضِهِ وَيَعْثُرُ وَيَسْقُطُ وَلاَ يُوجَدُ.
١. رَدِّ تَعْيِيرِهِ عَلَيْهِ: بعد جهد أنتيخوس الثالث المخيّب للآمال من خلال ابنته كليوباترا، سيوجه ملك الشمال جهوده نحو الأراضي الساحلية (الْجَزَائِرِ) – إلى أن يوقفه شخص كان في الماضي تحت التعيير، إلى أن يعثر ويسقط ولا يوجد بعد.
٢. وَيَعْثُرُ وَيَسْقُطُ وَلَا يُوجَدُ: تحقق هذا عندما وجّه أنتيخوس الثالث انتباهه إلى مناطق آسيا الصغرى واليونان. وقد ساعده القائد القرطاجي الشهير هانيبال. لكن قائدًا رومانيًّا اسمه لوسيوس كورنيليوس سكيبيو هزم أنتيخوس الثالث في اليونان. لقد خطط أنتيخوس لإذلال اليونان، لكنه هو الذي تعرّض للإذلال بدلًا من ذلك. وعاد إلى منطقته السابقة بعد أن فقد كل ما كسبه، ومات بعد فترة وجيزة من ذلك.
• بعد هذه الهزيمة، كانت نهايته مخزية. ولأنه كان بأمسّ الحاجة إلى المال لخزنته، لجأ إلى نهب معبد بابلي، فقُتل على أيدي المواطنين المحليين الغاضبين.
ط) الآية (٢٠): العهد القصير للملك اللاحق.
٢٠فَيَقُومُ مَكَانَهُ مَنْ يُعَبِّرُ جَابِيَ الْجِزْيَةِ فِي فَخْرِ الْمَمْلَكَةِ، وَفِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ يَنْكَسِرُ لاَ بِغَضَبٍ وَلاَ بِحَرْبٍ.
١. فَيَقُومُ مَكَانَهُ: بعد النهاية المخزية لملك الشمال، سيفرض خليفته ضرائب، وسيلقى نهايته سريعًا.
٢. مَنْ يُعَبِّرُ جَابِيَ ٱلْجِزْيَةِ: تَحقق هذا في الحكم القصير لسلوقس الثالث، الابن الأكبر لأنتيخوس الثالث. فقد سعى إلى فرض ضرائب على الأراضي التي سيطر عليها، بما في ذلك الأرض المقدسة. ونُحِّيت خطّته لنهب الهيكل جانبًا عندما تلقّى سفيره رؤيا تحذيرية من ملاك.
• وَفِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ يَنْكَسِرُ: اغتيل سلوقس الثالث، ربما على يد أخيه، أنتيخوس الرابع.
ثالثًا. أنتيخوس الرابع، المعروف باسم أنتيخوس أبيفانس: رجل حقير
أ ) الآية (٢١): صعود الرجل الحقير (مُحْتَقَرٌ) إلى السلطة.
٢١فَيَقُومُ مَكَانَهُ مُحْتَقَرٌ لَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ فَخْرَ الْمَمْلَكَةِ، وَيَأْتِي بَغْتَةً وَيُمْسِكُ الْمَمْلَكَةَ بِالتَّمَلُّقَاتِ.
١. فَيَقُومُ مَكَانَهُ مُحْتَقَرٌ: أخبر الملاك دانيال أنه بعد الحكم القصير لملك الشمال السابق، سيكون هنالك شخص حقير (مُحْتَقَرٌ)، شخص لم يكن ليُعترف به كشخص نبيل أو شخصية ملكية، لكنه سيأخذ السلطة بالحيلة.
٢. مَكَانَهُ: تحقق هذا في خليفة سلوقس الثالث المسمّى أنتيخوس الرابع. لم يأتِ إلى العرش بصورة شرعية، لأنه كان يُشتبه بقوة أنه قتل أخاه الأكبر، الملك السابق. وتم سجن الوريث المحتمل الآخر (ابن سلوقس الثالث) في روما.
• يَأْتِي بَغْتَةً (يأتي في سلام): بصرف النظر عن مقتل شقيقه الأكبر، لم يستخدم أنتيخوس الرابع الترهيب للوصول إلى السلطة، بل استخدم التَّمَلُّقَاتِ والوعود الناعمة والمكائد.
• “تملّق يومينيس، ملك برغامس، وأتّالوس أخاه، وحصل على عونهما. وتملّق الرومان، وأرسل سفراء ليخطب ودّهم ويطلب رضاهم. ودفع لهم متأخّرات الجزية. وتملّق السوريين، وحصل على موافقتهم.” كلارك (Clarke)
• اتّخذ أنتيخوس الرابع لقب ’أبيفانس‘ الذي يعني ’اللامع،‘ بينما أطلق عليه آخرون لقب ’أبيمانس‘ الذي يعني ’المجنون.‘
ب) الآيات (٢٢-٢٧): فشل الرجل الحقير في هزيمة ملك الجنوب.
٢٢وَأَذْرُعُ الْجَارِفِ تُجْرَفُ مِنْ قُدَّامِهِ وَتَنْكَسِرُ، وَكَذلِكَ رَئِيسُ الْعَهْدِ. ٢٣وَمِنَ الْمُعَاهَدَةِ مَعَهُ يَعْمَلُ بِالْمَكْرِ وَيَصْعَدُ وَيَعْظُمُ بِقَوْمٍ قَلِيل. ٢٤يَدْخُلُ بَغْتَةً عَلَى أَسْمَنِ الْبِلاَدِ وَيَفْعَلُ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ آبَاؤُهُ وَلاَ آبَاءُ آبَائِهِ. يَبْذُرُ بَيْنَهُمْ نَهْبًا وَغَنِيمَةً وَغِنًى، وَيُفَكِّرُ أَفْكَارَهُ عَلَى الْحُصُونِ، وَذلِكَ إِلَى حِينٍ. ٢٥وَيُنْهِضُ قُوَّتَهُ وَقَلْبَهُ عَلَى مَلِكِ الْجَنُوبِ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، وَمَلِكُ الْجَنُوبِ يَتَهَيَّجُ إِلَى الْحَرْبِ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَقَوِيٍّ جِدًّا، وَلكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ لأَنَّهُمْ يُدَبِّرُونَ عَلَيْهِ تَدَابِيرَ. ٢٦وَالآكِلُونَ أَطَايِبَهُ يَكْسِرُونَهُ، وَجَيْشُهُ يَطْمُو، وَيَسْقُطُ كَثِيرُونَ قَتْلَى. ٢٧وَهذَانِ الْمَلِكَانِ قَلْبُهُمَا لِفِعْلِ الشَّرِّ، وَيَتَكَلَّمَانِ بِالْكَذِبِ عَلَى مَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَلاَ يَنْجَحُ، لأَنَّ الانْتِهَاءَ بَعْدُ إِلَى مِيعَادٍ.
١. يَعْمَلُ بِٱلْمَكْرِ: أخبر الملاك دانيال أن ملك الشمال الجديد (الشخص المحتقر في دانيال ١١: ٢١) سيحاول أن يعقد معاهدة مخادعة مع ملك الجنوب. لكن المحاولة ستفشل، وستحدث معركة لن تغيّر ميزان القوة.
٢. وَيُنْهِضُ قُوَّتَهُ: تحقق هذا في استمرار العداء المستمر بين السلالتين الحاكمتين، لكن هذا الرجل تظاهر بالصداقة والتحالف لكي يأخذهم على حين غِرّة. ورغم الجهود الهائلة والمعارك الملحمية، إلا أن أنتيخوس أبيفانس لم يصمد، فجُرِف جيشه.
• كانت هزيمة أنتيخوس أبيفانس في حملته الثانية على مصر مهمة، لأن مصر تغلبت على أنتيخوس أبيفانس بمساعدة من روما. إذ كان ومملكته تحت سيطرة روما.
• قام الأسطول الروماني بهزيمة أسطول أنتيخوس أبيفانس في معركة شهيرة. وبعد المعركة، رسم قائد روماني دائرة حول أنتيخوس في التراب مطالبًا بمعرفة إن كان سيستسلم ويدفع الجزية لروما أم لا. وطالب بالحصول على الجواب قبل أن يخرج أنتيخوس أبيفانس من الدائرة. ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا، لم يكن هنالك شك في أنه كان يتلقى أوامره من روما وتحت السيطرة الرومانية.
• وَٱلْآكِلُونَ أَطَايِبَهُ يَكْسِرُونَهُ: تحقق هذا من خلال قيامة مستشاريه بخيانته.
ج) الآيات (٢٨-٣٥): الشخص الحقير يشعل الأرض المقدسة بالعنف.
٢٨فَيَرْجعُ إِلَى أَرْضِهِ بِغِنًى جَزِيل وَقَلْبُهُ عَلَى الْعَهْدِ الْمُقَدَّسِ، فَيَعْمَلُ وَيَرْجعُ إِلَى أَرْضِهِ. ٢٩«وَفِي الْمِيعَادِ يَعُودُ وَيَدْخُلُ الْجَنُوبَ، وَلكِنْ لاَ يَكُونُ الآخِرُ كَالأَوَّلِ. ٣٠فَتَأْتِي عَلَيْهِ سُفُنٌ مِنْ كِتِّيمَ فَيَيْئَسُ وَيَرْجعُ وَيَغْتَاظُ عَلَى الْعَهْدِ الْمُقَدَّسِ، وَيَعْمَلُ وَيَرْجعُ وَيَصْغَى إِلَى الَّذِينَ تَرَكُوا الْعَهْدَ الْمُقَدَّسَ. ٣١وَتَقُومُ مِنْهُ أَذْرُعٌ وَتُنَجِّسُ الْمَقْدِسَ الْحَصِينَ، وَتَنْزِعُ الْمُحْرَقَةَ الدَّائِمَةَ، وَتَجْعَلُ الرِّجْسَ الْمُخَرِّبَ. ٣٢وَالْمُتَعَدُّونَ عَلَى الْعَهْدِ يُغْوِيهِمْ بِالتَّمَلُّقَاتِ. أَمَّا الشَّعْبُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلهَهُمْ فَيَقْوَوْنَ وَيَعْمَلُونَ. ٣٣وَالْفَاهِمُونَ مِنَ الشَّعْبِ يُعَلِّمُونَ كَثِيرِينَ. وَيَعْثُرُونَ بِالسَّيْفِ وَبِاللَّهِيبِ وَبِالسَّبْيِ وَبِالنَّهْبِ أَيَّامًا. ٣٤فَإِذَا عَثَرُوا يُعَانُونَ عَوْنًا قَلِيلاً، وَيَتَّصِلُ بِهِمْ كَثِيرُونَ بِالتَّمَلُّقَاتِ. ٣٥وَبَعْضُ الْفَاهِمِينَ يَعْثُرُونَ امْتِحَانًا لَهُمْ لِلتَّطْهِيرِ وَلِلتَّبْيِيضِ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. لأَنَّهُ بَعْدُ إِلَى الْمِيعَادِ.
١. وَقَلْبُهُ عَلَى (ضد) ٱلْعَهْدِ ٱلْمُقَدَّسِ: عندما يعود هذا الشخص الحقير إلى أرضه، سيهاجم أرض إسرائيل، وشعبها، وهيكلها. وسيكون هذا وقت شجاعة عظيمة وخيانة عظيمة أيضًا بين شعب الله.
٢. فَيَعْمَلُ وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ: تحقق هذا عندما عاد من مصر ممتلئًا بالمرارة بسبب الهزيمة. ونفَّسَ عن غضبه ضد أورشليم التي كانت مهزوزة بالفعل، لأن أنتيخوس أبيفانس سبق أن باع منصب رئيس الكهنة واضطهد الشعب اليهودي لإجبارهم على الذوبان في الثقافة اليونانية والتخلي عن إيمان آبائهم وتقاليدهم.
• فَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ بِغِنًى جَزِيلٍ: بعد أن فشل أنتيخوس أبيفانس في غزو مصر، عاد إلى بلده، لكن بنهب عظيم ليخفف ألم كبريائه الجريحة.
• فَتَأْتِي عَلَيْهِ سُفُنٌ مِنْ كِتِّيمَ (قبرص): كانت هذه مساعدة من الرومان الذين ساعدوا المصريين ضد أنتيخوس أبيفانس.
• وَتَنْزِعُ ٱلْمُحْرَقَةَ ٱلدَّائِمَةَ، وَتَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ ٱلْمُخَرِّبَ: نصب أنتيخوس تمثالًا لزيوس عند مذبح الهيكل، وطالب بتقديم ذبائح لهذا التمثال. وفي وقت لاحق، دنّس الهيكل بتقديم خنزير على المذبح. “كانت هذه في الحقيقة رجاسة جلبت حالة الخراب للهيكل، لأنه لن يأتي الآن أحد للعبادة على الإطلاق.” وود (Wood)
• وَٱلْمُتَعَدُّونَ عَلَى ٱلْعَهْدِ يُغْوِيهِمْ بِٱلتَّمَلُّقَاتِ. أَمَّا ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ فَيَقْوَوْنَ وَيَعْمَلُونَ: عندما عاد أنتيخوس أبيفانس إلى أورشليم، انقسم الشعب اليهودي. إذ هجر بعضهم عهدهم مع إلههم وتبنّوا الثقافة اليونانية. وأما الذين عرفوا إلههم، فقد اتخذوا موقفًا مناصرًا للبر في مواجهة هذا الاضطهاد العظيم.
• وَيَعْثُرُونَ بِٱلسَّيْفِ وَبِاللَّهِيبِ وَبِالسَّبْيِ وَبِالنَّهْبِ أَيَّامًا: يقال إن أنتيخوس في هجومه على أورشليم قتل ٨٠.٠٠٠ ألف يهودي، وأسر ٤٠.٠٠٠ آخرين، وباع ٤٠.٠٠٠ آخرين عبيدًا. كما نهب الهيكل وسلب منه ما يعادل مليار دولار حسب حساباتنا الحديثة.
• إِلَى وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ. لِأَنَّهُ بَعْدُ إِلَى ٱلْمِيعَادِ: لا يمكن أن يدوم هذا الرعب إلاّ للمدة التي سبق أن عيّنها الله. وكان لدى الله قصد وراء هذا الاضطهاد والتجديف.
رابعًا. ضد المسيح: نهاية الأزمنة وأنتيخوس أبيفانس
أ ) الآية (٣٦): الملك العنيد: نقلة إلى تحقيق مستقبلي.
٣٦وَيَفْعَلُ الْمَلِكُ كَإِرَادَتِهِ، وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلهٍ، وَيَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ عَلَى إِلهِ الآلِهَةِ، وَيَنْجَحُ إِلَى إِتْمَامِ الْغَضَبِ، لأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ يُجْرَى.
١. وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلَهٍ: شرح الملك لدانيال أن هذا الملك سيجدّف على الله ويعظم نفسه إلى أن يتم الوقت وما قضى الله أن يتم.
٢. عَلَى كُلِّ إِلَهٍ: هنا ننتقل مما تحقق في البطالمة والسلوقيين إلى ما سيتحقق في ضد المسيح، ديكتاتور العالم النهائي. فقد قيل هذا لدانيال إن هذا الأمر يتعلق بالأيام الأخيرة (دانيال ١٠: ١٤). وتبدأ دانيال ١١: ٣٦ للتطلع أكثر إلى هذا الدكتاتور العالمي الأخير، والذي هو بمثابة ’أنتيخوس أبيفانس للأيام الأخيرة.‘
• ونحن نعلم أن كل شيء متضمن في هذه النبوة لم يتحقق أثناء حياة أنتيخوس أبيفانس. إذ قال يسوع المسيح إن رجسة الخراب الحقيقية ما زالت في المستقبل (متى ٢٤: ١٥). وقام الرسول بولس بإعادة صياغة دانيال ١١: ٣٦ في إشارة إلى ضد المسيح الآتي: “لَا يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلِٱرْتِدَادُ أَوَّلًا، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلَاكِ، ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللهِ كَإِلَهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ” (٢ تسالونيكي ٢: ٣-٤).
• أنتيخوس أبيفانس مهم، لكن في الغالب كعرض تاريخي مسبق لضد المسيح. ولهذا يخصص سفر دانيال مساحة كبيرة لوصف حياة رجل شرير واحد – لأنه يعطي صورة مسبقة للرجل الشرير المطلق (النهائي). فأنتيخوس أبيفانس مجرد ’فيلم قصير تمهيدي‘ يُطلَق قبل مجيء ضد المسيح الذي هو ’الفيلم الرئيسي.‘
٣. وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلَهٍ: من المؤكد أن أنتيخوس أبيفانس فعل هذا بالمعنى العام أن كل الخطاة يقاومون الله. لكنه بقي وفيًّا للتقليد الديني الروماني الذي كان يبجّل مجمع الآلهة الأولمبي (بانثيون). وقد وضع تمثالًا لزيوس، وليس لنفسه. وستتحقق هذه العبارة بشكل أدق في ضد المسيح الذي سيجلس في هيكل الله مقدّمًا نفسه بصفته الله (٢ تسالونيكي ٢: ٤).
٤. وَيَنْجَحُ إِلَى إِتْمَامِ ٱلْغَضَبِ: سيُلحق ضد المسيح ضررًا كبيرًا، لكنه مربوط في سلسلة قصيرة، وهو لا يعمل إلا ضِمن خطة الله. إذ سيتحقق قصد الله.
ب) (٣٧-٣٩): طبيعة ’الملك العنيد‘ وسلطته.
٣٧وَلاَ يُبَالِي بِآلِهَةِ آبَائِهِ وَلاَ بِشَهْوَةِ النِّسَاءِ، وَبِكُلِّ إِلهٍ لاَ يُبَالِي لأَنَّهُ يَتَعَظَّمُ عَلَى الْكُلِّ. ٣٨وَيُكْرِمُ إِلهَ الْحُصُونِ فِي مَكَانِهِ، وَإِلهًا لَمْ تَعْرِفْهُ آبَاؤُهُ، يُكْرِمُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبِالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالنَّفَائِسِ. ٣٩وَيَفْعَلُ فِي الْحُصُونِ الْحَصِينَةِ بِإِلهٍ غَرِيبٍ. مَنْ يَعْرِفُهُ يَزِيدُهُ مَجْدًا، وَيُسَلِّطُهُمْ عَلَى كَثِيرِينَ، وَيَقْسِمُ الأَرْضَ أُجْرَةً.
١. وَلَا يُبَالِي بِآلِهَةِ آبَائِهِ وَلاَ بِشَهْوَةِ النِّسَاءِ: بناءً على هذا، يعتقد بعض المفسرين أن ضد المسيح سيكون من أصل يهودي، وربما مِثليًّا. ربما لا تُعرف هذه الأمور على نطاق واسع عن الرجل، غير أنها يمكن أن تكون صحيحة.
• لكن مفسرين كثيرين يعتقدون أن ’شَهْوَةِ النِّسَاءِ‘ هنا تشير إلى يسوع، من حيث إن النساء رغبن في أن يحصلن على شرف الحمل بيسوع المسيح. وهم يفهمون كلمة ’شهوة‘ كما هي مستخدمة في حجي ٢: ٧. فالنظر إلى شَهْوَةِ النِّسَاءِ على أنها يسوع أمر منطقي في ضوء تدفق السياق.
٢. وَيُكْرِمُ إِلَهَ ٱلْحُصُونِ: سينتزع ضد المسيح السلطة وسيتمسك بها بالقوة العسكرية والاستخدام الحاذق للثروات الطبيعية.
ج) الآيات (٤٠-٤٥): الصراع النهائي.
٤٠«فَفِي وَقْتِ النِّهَايَةِ يُحَارِبُهُ مَلِكُ الْجَنُوبِ، فَيَثُورُ عَلَيْهِ مَلِكُ الشِّمَالِ بِمَرْكَبَاتٍ وَبِفُرْسَانٍ وَبِسُفُنٍ كَثِيرَةٍ، وَيَدْخُلُ الأَرَاضِيَ وَيَجْرُفُ وَيَطْمُو. ٤١وَيَدْخُلُ إِلَى الأَرْضِ الْبَهِيَّةِ فَيُعْثَرُ كَثِيرُونَ، وَهؤُلاَءِ يُفْلِتُونَ مِنْ يَدِهِ: أَدُومُ وَمُوآبُ وَرُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ. ٤٢وَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى الأَرَاضِي، وَأَرْضُ مِصْرَ لاَ تَنْجُو. ٤٣وَيَتَسَلَّطُ عَلَى كُنُوزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَلَى كُلِّ نَفَائِسِ مِصْرَ. وَاللُّوبِيُّونَ وَالْكُوشِيُّونَ عِنْدَ خُطُوَاتِهِ. ٤٤وَتُفْزِعُهُ أَخْبَارٌ مِنَ الشَّرْقِ وَمِنَ الشِّمَالِ، فَيَخْرُجُ بِغَضَبٍ عَظِيمٍ لِيُخْرِبَ وَلِيُحَرِّمَ كَثِيرِينَ. ٤٥وَيَنْصُبُ فُسْطَاطَهُ بَيْنَ الْبُحُورِ وَجَبَلِ بَهَاءِ الْقُدْسِ، وَيَبْلُغُ نِهَايَتَهُ وَلاَ مُعِينَ لَهُ.
١. فَفِي وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ: وصف الملاك لدانيال اتحادًا من الملوك يهجمون على هذا القائد القوي في معركة في الأرض المقدسة وبالقرب منها.
٢. يُحَارِبُهُ مَلِكُ ٱلْجَنُوبِ، فَيَثُورُ عَلَيْهِ مَلِكُ ٱلشِّمَالِ: من ناحية نبوية، يصعب تحديد الشعوب المذكورة هنا، وربما يمثل مَلِكُ ٱلْجَنُوبِ الشعوب العربية. وربما يمثل مَلِكُ ٱلشِّمَالِ مملكة ضد المسيح (بصفته ’أنتيخوس أبيفانس الجديد‘)، أو قد يكون روسيا.
• قد تكون النقاط الدقيقة غائمة، لكن الفكرة العامة واضحة. إذ ستتسم النهاية بصراع عظيم يبلغ ذروته في تجمع جيوش العالم في أرض الموعد لخوض المعركة النهائية.
٣. وَيَبْلُغُ نِهَايَتَهُ وَلَا مُعِينَ لَهُ: وفي نهاية المطاف، لا يوجد رجاء لضد المسيح أو لأيٍّ من أتباعه.