سفر دانيال – الإصحاح ٢
نبوخذنصّر يحلم بتمثال
أولًا. حلم نبوخذنصّر
أ ) الآية (١): الحلم المزعج.
١وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّانِيَةِ مِنْ مُلْكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ، حَلَمَ نَبُوخَذْنَصَّرُ أَحْلَامًا، فَٱنْزَعَجَتْ رُوحُهُ وَطَارَ عَنْهُ نَوْمُهُ.
١. وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّانِيَةِ: يصعُب فهم الوقت المحدد الذي يتحدث عنه هنا. يقول بعض المفسرين إن هذا كان أثناء الدورة التدريبية لدانيال مدة ثلاث سنوات، بينما يقول آخرون إن هذا كان بعد انتهائها.
• غالبًا ما كان البابليون القدماء يتحدثون عن بداية عهد ملوكهم ونهايتها بطريقة تتقاطع فيها السنوات. وعلى ذلك، فإن سنة ٦٠٢ ق. م. يمكن أن تكون السنة الثانية من حكم نبوخذنصّر، وبعد ثلاث سنوات من تدريب الشباب العبرانيين.
٢. فَٱنْزَعَجَتْ رُوحُهُ وَطَارَ عَنْهُ نَوْمُهُ: كان هنالك شيء مزعج في ذلك الحلم. وعرف الملك أن لهذا الحلم أهمية غير عادية.
ب) الآيات (٢-٩): نبوخذنصّر يطالب بمعرفة الحلم وتفسيره من حكمائه.
٢فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِأَنْ يُسْتَدْعَى الْمَجُوسُ وَالسَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالْكَلْدَانِيُّونَ لِيُخْبِرُوا الْمَلِكَ بِأَحْلاَمِهِ. فَأَتَوْا وَوَقَفُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. ٣فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: «قَدْ حَلَمْتُ حُلْمًا وَانْزَعَجَتْ رُوحِي لِمَعْرِفَةِ الْحُلْمِ». ٤فَكَلَّمَ الْكَلْدَانِيُّونَ الْمَلِكَ بِالأَرَامِيَّةِ: «عِشْ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. أَخْبِرْ عَبِيدَكَ بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ تَعْبِيرَهُ». ٥فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِلْكَلْدَانِيِّينَ: «قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِالْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ، تُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا وَتُجْعَلُ بُيُوتُكُمْ مَزْبَلَةً. ٦وَإِنْ بَيَّنْتُمُ الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ، تَنَالُونَ مِنْ قِبَلِي هَدَايَا وَحَلاَوِينَ وَإِكْرَامًا عَظِيمًا. فَبَيِّنُوا لِي الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ». ٧فَأَجَابُوا ثَانِيَةً وَقَالُوا: «لِيُخْبِرِ الْمَلِكُ عَبِيدَهُ بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ تَعْبِيرَهُ». ٨أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّكُمْ تَكْتَسِبُونَ وَقْتًا، إِذْ رَأَيْتُمْ أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ خَرَجَ مِنِّي ٩بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِالْحُلْمِ فَقَضَاؤُكُمْ وَاحِدٌ. لأَنَّكُمْ قَدِ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَلاَمٍ كَذِبٍ وَفَاسِدٍ لِتَتَكَلَّمُوا بِهِ قُدَّامِي إِلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ الْوَقْتُ. فَأَخْبِرُونِي بِالْحُلْمِ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ تُبَيِّنُونَ لِي تَعْبِيرَهُ».
١. فَبَيِّنُوا لِي ٱلْحُلْمَ: يصعُب القول إن كان نبوخذنصّر قد تذكّر الحلم حقًّا أم لا. ربما كان لديه إحساس عام به، مع تذَكُّر غامض للتفاصيل.
٢. فَأَخْبِرُونِي بِٱلْحُلْمِ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ تُبَيِّنُونَ لِي تَعْبِيرَهُ: لم يكن نبوخذنصّر متأكدًا من أن السحرة، والمنجمين، والعرافين، والكلدانيين سيقدّمون له تفسيرًا صحيحًا للحلم. لكنه كان بإمكانه أن يمتحن قدرتهم على معرفة ما حلم به.
• رغم احتجاجات هؤلاء السحرة، والمنجمين، والعرافين، والكلدانيين، لم يطلب منهم الملك الكثير. إذ كانوا يعتاشون على قدرتهم المفترضة على الاتصال بالآلهة والحصول على الأسرار من عالم الروح. فإن كان زعمُهم هذا صحيحًا، فإن من المفترض أنهم كانوا قادرين على إخبار نبوخذنصّر بالحلم وتفسيره.
٣. تُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا: إن تهديد نبوخذنصّر القاسي وطريقة الإعدام التي وصفها منسجمان تمامًا مع شخصية ملوك الشرق القدماء.
• وصف آرتشر (Archer) أحد أساليب تقطيع الجسم: كانت تُثنى أربعة أشجار إلى الداخل وتُربط معًا في الأعلى. وكانت الضحية تُربط بحبل بهذه الأشجار الأربعة من كل طرف. ثم كان يُقطع الحبل العلوي، فينقسم الجسم إلى أربع قطع.
٤. ٱلْكَلْدَانِيُّونَ: هذا هو أول ذِكْر للكلدانيين كعرّافين للملك. واستخدم النقّاد هذه الكلمة كخطأ لا يمكن أن يرتكبه إلا كاتب من القرن الثاني قبل الميلاد. وافترض النقّاد أنه في زمن دانيال، كان تعبير ’الكلدان‘ لا يُستخدم إلا كتسمية عِرقية، واصفين الكلدانيين بأنهم العرق الرئيسي الذي حكم إمبراطورية نبوخذنصّر القوية.
• لكنّ الأبحاث اللغوية أثبتت أن هذه الكلمة البابلية التي تدل على كاهن – منجم، والكلمة التي تدل على عرقهم الرئيسي المفترض متجانستان. إذ لكلتيهما نفس الصوت الكلداني (kas-du) بالبابلية، مع احتفاظ كل منهما بمعناها الخاص. وبنفس الطريقة، فإن الصوت الإنجليزي ’تو (tu)‘ يمكن أن يعني أمرين مختلفين: Two or too.
• كان فهم نبوخذنصّر لهذا الأمر واضحًا من النص. فقد استخدم أيضًا التعبير ’كلداني‘ بمعنى عرقي أيضًا (دانيال ٣: ٨؛ ٥: ٣٠).
٥. فَكَلَّمَ ٱلْكَلْدَانِيُّونَ ٱلْمَلِكَ بِٱلْأَرَامِيَّةِ: النص الكتابي من دانيال ٢: ٤ – ٧: ٢٨ مدون باللغة الآرامية، لا بالعبرية. وهذا هو القسم الوحيد من الكتاب المقدس المكتوب بالآرامية. إذ كانت لغة الإمبراطورية البابلية.
ج) الآيات (١٠-١١): الحكماء يشرحون استحالة طلبة نبوخذنصّر.
١٠أَجَابَ الْكَلْدَانِيُّونَ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالُوا: «لَيْسَ عَلَى الأَرْضِ إِنْسَانٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَ الْمَلِكِ. لِذلِكَ لَيْسَ مَلِكٌ عَظِيمٌ ذُو سُلْطَانٍ سَأَلَ أَمْرًا مِثْلَ هذَا مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ سَاحِرٍ أَوْ كَلْدَانِيٍّ. ١١وَالأَمْرُ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْمَلِكُ عَسِرٌ، وَلَيْسَ آخَرُ يُبَيِّنُهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ غَيْرَ الآلِهَةِ الَّذِينَ لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْبَشَرِ».
١. لَيْسَ عَلَى ٱلْأَرْضِ إِنْسَانٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ: عندما قال الكلدانيون هذا، اعترفوا بأن الإعلان الحقيقي يأتي من الله إلى الإنسان. لقد فهموا – ربما على عكس ميولهم – بأن الوحي ليس إنجازًا بشريًّا.
• رغم كل حكمة الحكماء – الحقيقية والمتخيلة – إلا أنه لم تكن لديهم إجابة لنبوخذنصّر، لأن الله وحده هو القادر على تقديم مثل هذه الإجابة له.
• “كانوا مثل بعض القساوسة المعاصرين في أيامنا الذين يمضون وقتهم في دراسة الفلسفة، والطب النفسي، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة، ثم يستمرون تحت ذريعة كونهم رسل الله.” شترواس (Strauss)
٢. لَيْسَ مَلِكٌ عَظِيمٌ ذُو سُلْطَانٍ سَأَلَ أَمْرًا مِثْلَ هَذَا: تمثلت إستراتيجية الحكماء في إقناع الملك بأنه غير منطقي في طلبه، وأنهم ليسوا غير أكفاء.
٣. غَيْرَ ٱلْآلِهَةِ ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ ٱلْبَشَرِ: في ما يتعلق بما كان يعرفه السحرة والحكماء، كان كلامهم صحيحًا. إذ لم يكونوا يعرفون ما نعرفه بوضوح منذ إعلان يسوع أنه (الله) معنا (متّى ١: ٢٣).
د ) الآيات (١٢-١٣): نبوخذنصّر يغضب ويحكم على كل الحكماء بالموت.
١٢لأَجْلِ ذلِكَ غَضِبَ الْمَلِكُ وَاغْتَاظَ جِدًّا وَأَمَرَ بِإِبَادَةِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ. ١٣فَخَرَجَ الأَمْرُ، وَكَانَ الْحُكَمَاءُ يُقْتَلُونَ. فَطَلَبُوا دَانِيآلَ وَأَصْحَابَهُ لِيَقْتُلُوهُمْ.
١. غَضِبَ ٱلْمَلِكُ وَٱغْتَاظَ جِدًّا: أدرك نبوخذنصّر الطاغية أن الديانة الزائفة بلا أية فائدة على الإطلاق. وعرف أنها لعنة، ولم يكن ليستفيد من حكماء لا يستطيعون أن يجلبوا له حكمة من الله.
٢. وَأَمَرَ بِإِبَادَةِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ: ربما استخدم نبوخذنصّر هذا الموقف، بصفته ملكًا جديدًا، لاختبار ملاءمة مستشاري أبيه القدامى. فوفّر له الحلم سببًا وجيهًا لتنظيف حاشيته.
ثانيًا. الله يعلن الحلم لدانيال
أ ) الآيات (١٤-١٦): دانيال يستجيب طالبًا مهلة قصيرة.
١٤حِينَئِذٍ أَجَابَ دَانِيآلُ بِحِكْمَةٍ وَعَقْل لأَرْيُوخَ رَئِيسِ شُرَطِ الْمَلِكِ الَّذِي خَرَجَ لِيَقْتُلَ حُكَمَاءَ بَابِلَ، أَجَابَ وَقَالَ لأَرْيُوخَ قَائِدِ الْمَلِكِ: ١٥«لِمَاذَا اشْتَدَّ الأَمْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ؟» حِينَئِذٍ أَخْبَرَ أَرْيُوخُ دَانِيآلَ بِالأَمْرِ. ١٦فَدَخَلَ دَانِيآلُ وَطَلَبَ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يُعْطِيَهُ وَقْتًا فَيُبَيِّنُ لِلْمَلِكِ التَّعْبِيرَ.
١. أَجَابَ دَانِيآلُ بِحِكْمَةٍ وَعَقْلٍ لِأَرْيُوخَ: من الواضح أن دانيال كان بريئًا في هذا كله، غير أنه تعامل مع الموقف بحذر وبشكل فردي. وقد أظهر هذا الهدوء في هذه الأزمة أي نوع من الرجال كان. وبمعنى ما، فإن الأزمات لا تصنع الرجال، بل تكشفهم.
٢. وَطَلَبَ مِنَ ٱلْمَلِكِ أَنْ يُعْطِيَهُ وَقْتًا: لم يكن هذا مجرد تكتيك للماطلة. فقد عرف دانيال أن الإصغاء للرب وانتظاره يستغرق وقتًا. وكان على استعداد لأن يأخذ الوقت إذا منحه الملك.
ب) الآيات (١٧-١٨): دانيال يطلب من رفاقه الصلاة لأجله.
١٧حِينَئِذٍ مَضَى دَانِيآلُ إِلَى بَيْتِهِ، وَأَعْلَمَ حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا أَصْحَابَهُ بِالأَمْرِ، ١٨لِيَطْلُبُوا الْمَرَاحِمَ مِنْ قِبَلِ إِلهِ السَّمَاوَاتِ مِنْ جِهَةِ هذَا السِّرِّ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ دَانِيآلُ وَأَصْحَابُهُ مَعَ سَائِرِ حُكَمَاءِ بَابِلَ.
١. لِيَطْلُبُوا ٱلْمَرَاحِمَ مِنْ قِبَلِ إِلَهِ ٱلسَّمَاوَاتِ: كان دانيال في وضع لا يمكن إلا لله أن يلبي حاجته فيه. ولهذا عرف أهمية أن يقوم ورفاقه بالصلاة.
• ربح دانيال المعركة عندما صلّى مع رفاقه. فالأصدقاء المصلّون بركة دائمًا، “وفي اجتماعات الصلاة بركة دائمًا، لأنها تصنع التاريخ.‘ شتراوس (Strauss)
٢. مِنْ جِهَةِ هَذَا ٱلسِّرِّ: كانت لدى دانيال ثقة بأن الله يستطيع أن يجري معجزة غير مسبوقة. فقد سبق أن فسّر يوسف أحلامًا، لكنه لم يقم بإعادة الأحلام نفسها.
٣. لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ: نظرًا لكل ما كان على المحك، لا شك أن صلواتهم كانت جادة للغاية. والله يصغي للصلاة الجادة.
ج) الآية (١٩): الله يكشف لدانيال حلم نبوخذنصّر وتفسيره.
١٩حِينَئِذٍ لِدَانِيآلَ كُشِفَ ٱلسِّرُّ فِي رُؤْيَا ٱللَّيْلِ. فَبَارَكَ دَانِيآلُ إِلَهَ ٱلسَّمَاوَاتِ.
١. حِينَئِذٍ لِدَانِيآلَ كُشِفَ ٱلسِّرُّ: لم يكشف الله له عن دين جديد، بل كان إعلانًا. لم يكتشفه دانيال بنفسه، بل بإعلان من الله له.
• تبدأ المسيحية بمبدأ الإعلان. فما نعرفه عن الله هو ما أعلنه لنا. صحيح أننا نطلبه، لكننا نطلب ما أعلنه. وليست مهمتنا هي اكتشاف أشياء عن الله، بل أن نفهم ما أعلنه لنا.
٢. فِي رُؤْيَا ٱللَّيْلِ: لا نعرف بالضبط ماهية هذا. ربما كان حلمًا أو رؤيا خارقة حدثت ليلًا.
د ) الآيات (٢٠-٢٣): دانيال يسبح ويحمد الله على هذا الإعلان.
٢٠أَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ: «لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. ٢١وَهُوَ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً، وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْمًا. ٢٢هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ. ٢٣إِيَّاكَ يَا إِلهَ آبَائِي أَحْمَدُ، وَأُسَبِّحُ الَّذِي أَعْطَانِي الْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَأَعْلَمَنِي الآنَ مَا طَلَبْنَاهُ مِنْكَ، لأَنَّكَ أَعْلَمْتَنَا أَمْرَ الْمَلِكِ».
١. وَهُوَ يُغَيِّرُ… يَعْزِلُ… يَعْلَمُ: سبّح دانيال الله على قوّته وجبروته. فقد نظر إلى الله على أنه يتحكم في كل شيء، وكيف أنه أقوى من أي ملك قوي مثل نبوخذنصّر.
٢. يُعْطِي… يَكْشِفُ: سبّح دانيال الله وحمده على تواصله مع الإنسان. ولو لزم دانيال الصمت، لما كان لقوة الله وقدرته عون كبير. فكان دانيال ممتنًّا لأن الله أظهر معرفته العظيمة.
٣. أَعْطَانِي … أَعْلَمْتَنَا: كان لدى دانيال يقين من الإيمان بحيث صدّق أن الله أعطاه الجواب حتى قبل تثبيت ذلك أمام نبوخذنصّر.
• غالبًا ما يُشار إلى مستوى إيماننا بمدى طول الوقت الذي نستغرقه في بدء حمد الله وشكره. فإذا لم نحمد الله إلى أن تكون استجابة الصلاة في يدنا، عندئذٍ لا يكون لدينا قدر كبير من الإيمان. والإيمان الأعظم قادر على حمد الله عندما يُعطى الوعد ويصدَّق.
ثالثًا. حلم نبوخذنصر وتفسيره
أ ) الآيات (٢٤-٣٠): إحضار دانيال إلى محضر الملك، وتمجيده لله على إعلان الحلم.
٢٤فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ دَخَلَ دَانِيآلُ إِلَى أَرْيُوخَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَلِكُ لإِبَادَةِ حُكَمَاءِ بَابِلَ، مَضَى وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «لاَ تُبِدْ حُكَمَاءَ بَابِلَ. أَدْخِلْنِي إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ فَأُبَيِّنَ لِلْمَلِكِ التَّعْبِيرَ». ٢٥حِينَئِذٍ دَخَلَ أَرْيُوخُ بِدَانِيآلَ إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ مُسْرِعًا وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «قَدْ وَجَدْتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِي يُعَرِّفُ الْمَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ». ٢٦أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ، الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَّرُ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ عَلَى أَنْ تُعَرِّفَنِي بِالْحُلْمِ الَّذِي رَأَيْتُ، وَبِتَعْبِيرِهِ؟» ٢٧أَجَابَ دَانِيآلُ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالَ: «السِّرُّ الَّذِي طَلَبَهُ الْمَلِكُ لاَ تَقْدِرُ الْحُكَمَاءُ وَلاَ السَّحَرَةُ وَلاَ الْمَجُوسُ وَلاَ الْمُنَجِّمُونَ عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلْمَلِكِ. ٢٨لكِنْ يُوجَدُ إِلهٌ فِي السَّمَاوَاتِ كَاشِفُ الأَسْرَارِ، وَقَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَا يَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. حُلْمُكَ وَرُؤْيَا رَأْسِكَ عَلَى فِرَاشِكَ هُوَ هذَا: ٢٩أَنْتَ يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَفْكَارُكَ عَلَى فِرَاشِكَ صَعِدَتْ إِلَى مَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ هذَا، وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ يُعَرِّفُكَ بِمَا يَكُونُ. ٣٠أَمَّا أَنَا فَلَمْ يُكْشَفْ لِي هذَا السِّرُّ لِحِكْمَةٍ فِيَّ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الأَحْيَاءِ، وَلكِنْ لِكَيْ يُعَرَّفَ الْمَلِكُ بِالتَّعْبِيرِ، وَلِكَيْ تَعْلَمَ أَفْكَارَ قَلْبِكَ.
١. قَدْ وَجَدْتُ رَجُلًا: حاول آريوخ أن يمجد نفسه ودانيال على حلم الملك. لكن دانيال رفض أن ينسب الفضل له. وبدلًا من ذلك، نسب الفضل للرب الذي كشف هذا الحلم له.
٢. مَا يَكُونُ فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ: لم يكن الحلم يدور عن الملك ومملكته فحسب، بل تناول امتداد المستقبل كله – أي فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ للملك نبوخذنصر.
ب) الآيات (٣١-٣٥): يصف دانيال حلم نبوخذنصّر.
٣١«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. ٣٢رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. ٣٣سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. ٣٤كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. ٣٥فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا.
١. وَإِذَا بِتِمْثَالٍ عَظِيمٍ: كان هذا تمثالًا ضخمًا رائعًا مصنوعًا من مواد مختلفة (مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ… مِنْ فِضَّةٍ… مِنْ نُحَاسٍ… مِنْ حَدِيدٍ… بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَٱلْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ).
• كانت قيمة المواد تنخفض مع التحرك من أعلى إلى أسفل، حيث كان الذهب في الأعلى، بينما كان الحديد المختلط بالخزف في الأسفل.
٢. إِلَى أَنْ قُطِعَ: دُمِّر هذا التمثال الرائع بوساطة حجر مصنوع من دون أيدٍ (بِغَيْرِ يَدَيْنِ). وما تبَقّى منه تطاير كالعصافة التي لا قيمة لها، بينما صار الحجر جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا.
ج) الآيات (٣٦-٤٥): تفسير الحلم.
٣٦هذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ. ٣٧«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. ٣٨وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. ٣٩وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. ٤٠وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. ٤١وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ. ٤٢وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. ٤٣وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. ٤٤وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. ٤٥لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ».
١. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ ٱلْمَلِكِ: ذكر دانيال أولًا الحلم وتفاصيله بدقة. فقدَّم بهذا مصداقية لدى تفسيره لهذا الحلم لنبوخذنصّر.
٢. فَأَنْتَ هَذَا ٱلرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ: من الواضح أن نبوخذنصّر هو رأس الذهب هنا. وستقوم بعده ممالك ثلاث، تمثَّل كل واحدة منها بمواد مختلفة رآها نبوخذنصّر في حلمه. وبعد تعاقب تلك الممالك، ستأتي المملكة (الملكوت) التي سيقيمها الله.
• “شُبِّهت مملكة نبوخذنصّر بالذهب لأنها كانت ملَكية مُطلقة، وهذه هي الإدارة المثالية بالنسبة لله. غير أن نبوخذنصّر لم يكن العاهل المثالي بالنسبة لله.” تالبوت (Talbot)
٣. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ: من المؤكد أن هذا الحلم النبوي تحقق في التاريخ.
• هيمنت ثلاث إمبراطوريات بعد بابل: مادي-فارس، واليونان، وروما. وانعكست طبيعة هذه الإمبراطوريات من خلال الصورة التي رآها نبوخذنصّر في حلمه.
• كانت الإمبراطوريات التي تلت بابل أدنى من رأس نبوخذنصّر الذهبي، من حيث تمركزها في السلطة المطلقة. إذ كان نبوخذنصّر ملكًا مطلقًا. وكانت الإمبراطوريات المتعاقبة أقل تمركزًا بشكل تدرُّجي. كانت أكبر حجمًا وأطول ديمومة، لكن لم تتمتع أية واحدة منها بنفس قوة نبوخذنصّر المركزية.
• “كانت بابل – رأس الذهب – مَلَكية استبدادية مطلقة. وتمثّل مملكة فارس الفضة هنا. وقد قامت على حكم الأقلية، حيث كان النبلاء فيها مساوين للملك في كل شيء ما عدا المنصب. وتمثل اليونان النحاس، ما يدل على تدنّي قيمة أرستقراطية العقل والتأثير. وتمثل روما الحديد. وهي استعمارية ديمقراطية، مع هيمنة عسكرية معتمدة على اختيار الجيش والمواطنين، مع إدارة متسمة بروح الأحكام العرفية.” نيويل (Newell)
• كانت المملكة الثالثة النحاسية هي التي ستتسلط عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. وبالفعل، كانت إمبراطورية الإسكندر اليونانية هي الأكبر بين تلك الإمبراطوريات بالمقارنة مع تلك الموجودة في التمثال (ما عدا إدارة المسيّا النهائية).
• دامت الإمبراطورية البابلية ٦٦ سنة، بينما دامت إمبراطورية مادي-فارس ٢٠٨ سنة. ودامت الإمبراطورية اليونانية ١٨٥ سنة، بينما دامت الإمبراطورية الرومانية ما يزيد عن ٥٠٠ سنة.
• لا يعتقد الليبراليون (المتحررون) أن المملكة الرابعة هي روما. ويقولون إنها اليونان، وإن المملكتين الثانية والثالثة هي مادي وفارس على التوالي، بدلًا من أن تكون مادي-فارس ككل. وهم يفسرون الأمر هكذا لأنهم يعتقدون أنه من المستحيل لدانيال أن يتنبّأ بصعود هذه الإمبراطوريات.
٤. وَفِي أَيَّامِ هَؤُلَاءِ ٱلْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلَهُ ٱلسَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا: هذا وصف لتحقيق النبوة في المستقبل، حيث سيحطم حجر مقطوع بلا يدين اتحاد ملوك. وهو يمثَّل بقدمي التمثال. وبعد ذلك، سيسود ملكوت الله على الأرض.
• بما أن التاريخ الروماني لا يقدم أي تحقيق لاتحاد الملوك هذا (والذي يبدو أنه يتضمن الرقم ١٠، بسبب أصابع الرجلين، وبسبب نصوص مثل دانيال ٧: ٢٤ ورؤيا ١٧: ١٢)، لا بد أنها نبوة ستحدث في المستقبل.
• منذ سقوط الإمبراطورية، لم تكن هنالك قط إمبراطورية تهيمن على العالم بشكل مساوٍ لروما. حاول كثيرون مثل الهون، والمسلمين، والإمبراطورية الرومانية المقدسة المزعومة، ونابوليون، وهتلر، وستالين. لكن لم ينجح أي من هؤلاء. فرغم أنه كان لكل من هؤلاء قوة وتأثير مذهلان، إلا أن ذلك لا يقارن مع قوة الإمبراطورية الرومانية. وسيتم إحياء الإمبراطورية الرومانية بشكل أو آخر تحت قيادة الدكتاتور النهائي الساقط، ضد المسيح.
• فَسَحَقَ ٱلْحَدِيدَ وَٱلنُّحَاسَ وَٱلْخَزَفَ وَٱلْفِضَّةَ وَٱلذَّهَبَ: هذا وصف لحدث واحد حاسم حطّم التمثال الذي يمثل مجد حكم الإنسان على الأرض. وبما أن الكنيسة أو الإنجيل لم يحطم، بحدث واحد حاسم، حكم الممالك البشرية، فإن هذا الحدث ما زال في المستقبل.
• ليس هذا هو الخلاص التدرّجي للعالم بوساطة الكنيسة. “ليس التحطيم خلاصًا، وليس التجديدً، ولا إلحاق الهزيمة تطهيرًا.” هسلوب (Heslop)
• إن الحجر الذي قُطع بلا يدين هو المسيح، لا الكنيسة. إذ تشير نصوص مزمور ١١٨: ٢٢، وإشعياء ٨: ١٤، وإشعياء ٢٨: ١٦، وزكريا ٣: ٩ أيضًا إلى يسوع كحجر.
• ولهذا يُعتقد أن القوة العالمية الأخيرة ستكون إحياءً للإمبراطورية الرومانية واستمرارًا للتمثال. وستكون الإمبراطورية العالمية النهائية هي التي سيهزمها يسوع عند عودته.
٥. فَبَعْضُ ٱلْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَٱلْبَعْضُ قَصِمًا (فَسَتَكُونُ لِلمَمْلَكَةِ جَوَانِبُ ضَعفٍ وَجَوَانِبُ قُوَّةٍ): ستكون الإمبراطورية العالمية الأخيرة كالخليط الهش المكون من الحديد والطين. أي ستكون لها صورة القوة الحقيقية من دون جوهرها.
• يمثل التمثال بشكل عام القوة البشرية والإمبراطورية بدقة. ويبدو أن التمثال لا يُقهر، لكنه في الواقع غير مستقر في قاعدته. ولهذا فإن من شأن تسديد ضربة واحدة لقاعدته أن يُسقِط كل شيء.
• من المهم أن نرى أن التمثال يصف تحرُّكًا أو انتقالًا إلى الانحطاط، لا إلى التطور. فبدلًا من أن يبدأ الإنسان بالتراب ويتطور إلى الذهب، فإن هذه الرؤيا تعلن أن هيمنة الإنسان تبدأ بالذهب، وتنحط إلى التراب.
• بعد حوالي ٤ سنوات من ذلك، رأى دانيال رؤيا تصف تعاقب الإمبراطوريات. وقد رآها من منظور الله، بينما رآها نبوخذنصّر من منظور الإنسان. إذ رأى نبوخذنصّر هذه الإمبراطوريات كتمثال مثير للإعجاب، بينما رآها دانيال وحوشًا مفترسة.
٦. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ: لم يكن دانيال يتحزر أو يحلل، بل أعلن الله من خلاله المستقبل. والسبب الوحيد الذي يجعل الله قادرًا على التنبؤ بالمستقبل هو أنه يستطيع التحكم به.
د ) الآيات (٤٦-٤٩): رد فعل نبوخذنصّر لذكر الحلم وتفسيره.
٤٦حِينَئِذٍ خَرَّ نَبُوخَذْنَصَّرُ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ لِدَانِيآلَ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُقَدِّمُوا لَهُ تَقْدِمَةً وَرَوَائِحَ سُرُورٍ. ٤٧فَأَجَابَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ إِلهَكُمْ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الْمُلُوكِ وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ، إِذِ اسْتَطَعْتَ عَلَى كَشْفِ هذَا السِّرِّ». ٤٨حِينَئِذٍ عَظَّمَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَأَعْطَاهُ عَطَايَا كَثِيرَةً، وَسَلَّطَهُ عَلَى كُلِّ وِلاَيَةِ بَابِلَ وَجَعَلَهُ رَئِيسَ الشِّحَنِ عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. ٤٩فَطَلَبَ دَانِيآلُ مِنَ الْمَلِكِ، فَوَلَّى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ بَابِلَ. أَمَّا دَانِيآلُ فَكَانَ فِي بَابِ الْمَلِكِ.
١. خَرَّ نَبُوخَذْنَصَّرُ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ: من الواضح أن الملك أُعجب كثيرًا بما سمع. ولم يكن من عادته أن يُظهر مثل هذا الاحترام لأي شخص، وبشكل خاص لعبد كان على وشك أن يُعدم مع بقية الحكماء. ويثبّت هذا أن دانيال ذكر الحلم بدقة ومهارة وشرح معناه.
٢. حَقًّا إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهُ ٱلْآلِهَةِ وَرَبُّ ٱلْمُلُوكِ: عرف نبوخذنصّر أن دانيال ليس هو الذي كشف هذه الأمور، بل الله من خلاله. وأراد دانيال أن يعطي المجد لله، وفعل ذلك بالفعل.
٣. عَظَّمَ (رقَّى) ٱلْمَلِكُ دَانِيآلَ: لم ينجُ دانيال من الموت فحسب، لكنه رُقِّي أيضًا إلى منصب عالٍ. وعمل على ضمان أن يُرَقّى رفاقه أيضًا. إذ كان من المناسب أن يشارك أصحابه في تقدمه لأنهم حققوا انتصارًا كبيرًا بصلواتهم.