سفر دانيال – الإصحاح ٧
مسح لإمبراطوريات العالم الخمس
أولًا. الوحوش الأربعة
أ ) الآية (١): مقدمة للرؤيا.
١فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْأُولَى لِبَيْلْشَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، رَأَى دَانِيآلُ حُلْمًا وَرُؤَى رَأْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ. حِينَئِذٍ كَتَبَ ٱلْحُلْمَ وَأَخْبَرَ بِرَأْسِ ٱلْكَلَامِ.
١. فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْأُولَى لِبَيْلْشَاصَّرَ: جاء هذا الحلم بعد حكم نبوخذنصّر، لكن قبل أن تُهزم الإمبراطورية البابلية من إمبراطورية مادي-فارس.
• تصف الإصحاحات ١-٦ حياة دانيال وأزمنته. وتصف الإصحاحات ٧-١٢ الرؤى التي تلقّاها دانيال. وحسب ترتيب الأحداث، حدثت الرؤيا الموصوفة في دانيال ٧ في الفترة ما بين الإصحاحين الرابع والخامس من هذا السفر.
٢. رَأَى دَانِيآلُ حُلْمًا وَرُؤَى: كانت هذه الرؤيا – وهي واحدة من أربع مذكورة بين الإصحاح ٧ و ١٢ – الأكثر شمولية. وأما الرؤى الثلاث الأخرى فتخوض في تفاصيل أكبر ضمن الإطار العام للرؤيا الأولى.
٣. وَأَخْبَرَ بِرَأْسِ ٱلْكَلَامِ (المعطيات الرئيسية): كان بإمكان دانيال أن يعطينا مزيدًا من التفاصيل، لكن الروح القدس أراده أن يقدم لنا المعطيات الرئيسية فقط. قد نتمنى لو أن دانيال خاض في تفاصيل أكثر، لكنه لم يفعل.
ب) الآيات (٢-٣): أربعة وحوش ومصدرها.
٢أَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤْيَايَ لَيْلاً وَإِذَا بِأَرْبَعِ رِيَاحِ السَّمَاءِ هَجَمَتْ عَلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ. ٣وَصَعِدَ مِنَ الْبَحْرِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ عَظِيمَةٍ، هذَا مُخَالِفٌ ذَاكَ.
١. هَجَمَتْ عَلَى (هيّجت) ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ: من المؤكد تقريبًا أن هذه إشارة إلى البحر الأبيض المتوسط. إذ كان لكل من الإمبراطوريات المذكورة في هذه الرؤيا ارتباط جغرافي بالبحر الأبيض المتوسط.
• يحمل الهجوم أو التهييج فكرة الاضطراب. “كان البحر بالنسبة للعبرانيين خطرًا وغامضًا في الوقت نفسه. وكان عنصرًا لا يهدأ، لكن ترويضه لم يكن خارج قدرة الرب.” بولدوين (Baldwin)
• يستخدم البحر أحيانًا كصورة للأمم (مزمور ٧٤: ١٣، مزمور ٨٩: ٩، إشعياء ٥٧: ٢٠).
٢. بِأَرْبَعِ رِيَاحِ ٱلسَّمَاءِ: يرى بعضهم أن هذا وصف لقوة الله السيادية على البشر (كما في مزمور ٣٥: ٥؛ ٤٨: ٧؛ ١٠٧: ٢٥؛ إشعياء ٢٧: ٨؛ ٤١: ١٦). ويرى آخرون، مثل شتراوس، أن الرياح الأربع اشارت إلى قوى شيطانية، كما في رؤيا ٧: ١.
٣. وَصَعِدَ مِنَ ٱلْبَحْرِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ عَظِيمَةٍ: صعدت أربعة وحوش هائلة شرسة من البحر العظيم، وكان كل واحد منها متميزًا عن الوحوش الأخرى (هَذَا مُخَالِفٌ ذَاكَ).
ج) الآيات (٤-٦): وصف للوحوش الثلاثة الأولى.
٤الأَوَّلُ كَالأَسَدِ وَلَهُ جَنَاحَا نَسْرٍ. وَكُنْتُ أَنْظُرُ حَتَّى انْتَتَفَ جَنَاحَاهُ وَانْتَصَبَ عَنِ الأَرْضِ، وَأُوقِفَ عَلَى رِجْلَيْنِ كَإِنْسَانٍ، وَأُعْطِيَ قَلْبَ إِنْسَانٍ. ٥وَإِذَا بِحَيَوَانٍ آخَرَ ثَانٍ شَبِيهٍ بِالدُّبِّ، فَارْتَفَعَ عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ وَفِي فَمِهِ ثَلاَثُ أَضْلُعٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، فَقَالُوا لَهُ هكَذَا: قُمْ كُلْ لَحْمًا كَثِيرًا. ٦وَبَعْدَ هذَا كُنْتُ أَرَى وَإِذَا بِآخَرَ مِثْلِ النَّمِرِ وَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةِ طَائِرٍ. وَكَانَ لِلْحَيَوَانِ أَرْبَعَةُ رُؤُوسٍ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا.
١. ٱلْأَوَّلُ كَٱلْأَسَدِ: كان الوحش الأول أكثر جلالة من أيٍّ من الوحوش التالية (الأسود والنسور ’ملوك‘ على ممالكهم). لكن هذا الوحش الجليل ذُلّ (ٱنْتَتَفَ جَنَاحَاهُ)، وصار بشرًا (وَأُعْطِيَ قَلْبَ إِنْسَانٍ).
• بعد قليل (في دانيال ٧: ١٧)، سيخبرنا دانيال أن هذه الوحوش أربع ممالك تحكم الأرض. والمملكة الأولى هي الإمبراطورية البابلية الممثلة بأسد ونسر. ويتناسب هذا مع جلالة نبوخذنصّر وسلطته في حكمه على الإمبراطورية البابلية.
• استخدم إرميا كلًّا من الأسد والنسر كصورتين لنبوخذنصّر (إرميا ٤٩: ١٩-٢٢). ويمكن رؤية أسود بابل المجنّحة في المتحف البريطاني اليوم.
٢. وآخَرَ ثَانٍ شَبِيهٍ بِٱلدُّبِّ: لم تكن للوحش الثاني مهابة الأسد أو النسر. فالدب أبطأ وأكثر قدرة على البطش من الأسد. وكان لهذا الدب شهية نَهِمة للغزو (قُمْ كُلْ لَحْمًا كَثِيرًا).
• مثّل الدب إمبراطورية مادي-فارس التي أعقبت الإمبراطورية البابلية. وفي هذه الشراكة بين مادي وفارس، هيمنت فارس على العلاقة. ويعتقد معظم المفسرين أن الأضلع الثلاث تمثل غزوات عسكرية عظيمة – بابل ومصر وليديا (مملكة في آسيا الصغرى).
• كانت جيوش إمبراطورية مادي-فارس البطيئة الساحقة مشهورة تمامًا. فقد كانت تطغى على خصومها بتفوّق الحجم والقوة. “يشبَّه الماديون والفُرس بالدب بسبب قسوتهم وتعطّشهم للدم. فالدب أكثر الحيوانات شراسة وقسوة.” كلارك (Clarke)
• قُمْ كُلْ لَحْمًا كَثِيرًا: “يشير الأمر بالقيام وأكل لحم كثير إلى القسوة الشديدة التي مارسها الفرس أحيانًا، والمدى الواسع لغزواتهم.” آيرونسايد (Ironside)
• لدى المفسرين الليبراليين مصلحة راسخة في ربط المملكة الثانية بدولة مادي من دون ربطها بإمبراطورية مادي-فارس. وهم يحددون الوحش الثالث على أنه الإمبراطورية الفارسية، والرابع على أنه إمبراطورية الإسكندر اليونانية لكي يزيلوا أي عنصر من عناصر النبوة التوقعية (بالنسبة للكاتب في القرن الثاني). غير أن تحليلهم غير مناسب. إذ توجد أسباب وجيهة لعدم كون مملكة مادي وحدها المملكة الثانية.
لم تتبع مملكة مادي المملكة البابلية في التسلسل التاريخي، لكنها كانت معاصرة لها، حتى أنها قويت قبل الفترة البابلية الجديدة.
لم تحتل مملكة مادي قط مركزًا عالميًا يصل إلى مستوى الإمبراطورية الفارسية، أو اليونانية، أو البابلية.
إن الدافع وراء هذا التفسير هو فقط التخلص من أية إشارة إلى روما، وإلى النبوة الإلهية التوقعية.
٣. وَإِذَا بِآخَرَ مِثْلِ ٱلنَّمِرِ: يُعرف النمر بهجماته المفاجئة وغير المتوقعة. والوحش هنا سريع بشكل خاص. إذ لَهُ عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةِ. وهو ذكي، حيث كانت لديه أَرْبَعَةُ رُؤُوسٍ.
• كل وحش قوي، لكنه يهيمن على فريسته بطريقة مختلفة. “فالأسد يلتهم، والدب يسحق، والنمر ينقضّ على فريسته.” شتراوس (Strauss)
• مثّل النمر الإمبراطورية اليونانية. فقد غزا الإسكندر الكبير العالم المتحضر بسرعة قبل أن يبلغ الثامنة والعشرين من عمره. “لا يوجد في تاريخ العالم ما يضاهي غزوات الإسكندر الذي قطع كل البلاد من الليكريوم والبحر الأدرياتيكي إلى المحيط الهندي ونهر الغانج. وفي غضون ١٢ عامًا، أخضع جزءًا من أوروبا وكل آسيا له.” كلارك (Clarke)
• بعد موته قُسِّمت إمبراطوريته إلى أربعة أجزاء (أَرْبَعَةِ رُؤُوسٍ). وعلى وجه التحديد، فإن الرؤوس الأربعة هي كاساندر، وليسيماخوس، وسيلوكوس (سلوقس)، وبطليموس الذين ورثوا أراضي الإسكندر بعد موته.
• هيمنت الإمبراطورية البابلية في زمن دانيال. ربما توقّع المرء، بشكل خاص في عهد بيلشاصّر، أن تكون الإمبراطورية العالمية التالية مادي-فارس. لكن كيف أمْكن لدانيال أن يعرف أن الإمبراطورية العالمية ستكون مثل النمر في صعودها وبروزها، وأنها ستقسَّم إلى أربعة أجزاء؟ يبيّن هذا مبدأ واضحًا، وهو أن الله يعرف المستقبل ويكشف تفاصيل مؤكدة عنه من خلال أنبيائه. ويبيّن هذا أن الله يحيا خارج نطاقنا الزمني، وأنه يرى المستقبل كما يرى الماضي. وهو يرى موكب التاريخ البشري، لا مجرد الذي يمر أمام مراقب واحد. وبرهان تحقيق النبوّة مقْنع بشكل استثنائي. فلا عجب أن يقول بطرس: “وَعِنْدَنَا ٱلْكَلِمَةُ ٱلنَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، ٱلَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ ٱنْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ ٱلنَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ” (٢ بطرس ١: ١٩).
د ) الآيات (٧-٨): الوحش الرابع: الوحش المخيف ذو القرن الواحد البارز.
٧بَعْدَ هذَا كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا بِحَيَوَانٍ رَابعٍ هَائِل وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدًّا، وَلَهُ أَسْنَانٌ مِنْ حَدِيدٍ كَبِيرَةٌ. أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ الْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ. وَكَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ. ٨كُنْتُ مُتَأَمِّلاً بِالْقُرُونِ، وَإِذَا بِقَرْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ طَلَعَ بَيْنَهَا، وَقُلِعَتْ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْقُرُونِ الأُولَى مِنْ قُدَّامِهِ، وَإِذَا بِعُيُونٍ كَعُيُونِ الإِنْسَانِ فِي هذَا الْقَرْنِ، وَفَمٍ مُتَكَلِّمٍ بِعَظَائِمَ.
١. وَإِذَا بِحَيَوَانٍ رَابعٍ هَائِلٍ وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدًّا: كان الوحش الرابع فوق الوصف، حيث كان مخيفًا بشكل فريد بقوته وغزوه.
٢. وَكَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ: كانت القرون في العالم القديم تعبّر عن قوة الحيوان ومدى ترهيبه. وكان هذا الوحش الرابع قويًّا جدًّا حتى أنه كانت له عَشَرَةُ قُرُونٍ.
• يتصور أشخاص مختلفون هذا بطرق مختلفة. إذ يرى بعضهم أن القرون العشرة هي في واقع الأمر قرنان لكل واحد منهما خمس شُعَب مسنّنة بدلًا من أن تكون عشرة قرون منفصلة.
• في التحقيق التاريخي، يمثل الوحش الرابع الإمبراطورية الرومانية التي كانت الأكبر والأقوى والأكثر توحيدًا واستمرارية من بينها جميعًا.
• هنالك تطابق لا لُبس فيه بين هذه القرون وأصابع القدمين في حلم التمثال (دانيال ٢). ويوحي ذكر الأسنان الحديدية بوجود قدمين وأصابع من حديد في ذلك التمثال.” آرتشر (Archer)
٣. وَإِذَا بِقَرْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ… وَفَمٍ مُتَكَلِّمٍ بِعَظَائِمَ: من بين القرون العشرة، استُبدلت ثلاثة قرون بقرن واحد. وكان بارزًا في هيمنته (وَقُلِعَتْ ثَلَاثَةٌ مِنَ ٱلْقُرُونِ ٱلْأُولَى مِنْ قُدَّامِهِ)، وذكائه (بِعُيُونٍ كَعُيُونِ ٱلْإِنْسَانِ). وكان يتكلم بتبجُّح (وَفَمٍ مُتَكَلِّمٍ بِعَظَائِمَ).
هـ) الآيات (٩-١٠): قديم الأيام والمشهد المحيط بعرشه.
٩كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ. ١٠نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ. أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ. فَجَلَسَ الدِّينُ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ.
١. كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ: إن ترجمة نسخة الملك جيمس سيئة هنا، حيث تقول: كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ طُرِحت عُرُوشٌ.” وقامت نسخة الملك جيمس الجديدة بتصويب الترجمة إلى “نُصِبتْ عُرُوشٌ.”
• عندما رأى الرسول يوحنا السماء، رأى أيضًا عروشًا، لكنه رأى الجالسين عليها – الشيوخ الأربعة والعشرين المذكورين في رؤيا ٤: ٤. ولم يذكر دانيال هؤلاء الشيوخ، ربما لأنهم كانوا يمثلون الكنيسة. وكانت الكنيسة سرًّا غير معلن لقديسي العهد القديم (أفسس ٣: ١-٧).
٢. وَجَلَسَ ٱلْقَدِيمُ ٱلْأَيَّامِ: من المؤكد أن ٱلقَدِيمُ ٱلْأَيَّامِ هو الله، لكن هنالك جدلًا حول ما إذا كان هو الله الآب أم الله الابن على نحو التحديد. ويعتقد معظم المفسرين أنه الله الآب، وأن لباسه الأبيض وشعره الأبيض يؤكدان الطبيعة الأزلية لله الآب.
• يبدو أن دانيال ٧: ١٣ تميّز بين ٱلْقَدِيمُ ٱلْأَيَّامِ وابن الإنسان. ويدعم هذا فكرة أن ٱلْقَدِيمُ ٱلْأَيَّامِ هنا هو الله الآب، لا الله الابن.
• “لا ينبغي أن نتخيل الله في جوهره على أنه مثل أي مظهر لنبيّه أو الآباء القديسين الآخرين. لكنه اتخذ مظاهر متنوعة، حسب فهم الإنسان، لمن أراد أن يعطيه علامات على وجوده.” كالفن (Calvin)
٣. وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ: كان هذا تعبيرًا رائعًا عن بهاء الله وحرارة دينونته الشديدة. ويبدو أن هنالك شيئًا يشبه الحمم البركانية في نهر النار المتدفق من العرش. إنه مثل نهر من قوة هدامة هائلة.
• تصف إشعياء ٦٦: ١٥ دينونة الله من منظور النار: “لِأَنَّهُ هُوَذَا ٱلرَّبُّ بِٱلنَّارِ يَأْتِي، وَمَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ لِيَرُدَّ بِحُمُوٍّ غَضَبَهُ، وَزَجْرَهُ بِلَهِيبِ نَارٍ. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ بِٱلنَّارِ يُعَاقِبُ وَبِسَيْفِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، وَيَكْثُرُ قَتْلَى ٱلرَّبِّ.”
٤. وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ: يقول مفسرون كثيرون إن العروش القديمة في العالم الشرقي القديم كانت توضع على بكرات (عجلات). ومع هذا، يمكن أنها تمثل نشاط الله اللامتناهي.
٥. أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ: يصف هذا رفقة الملائكة التي لا حصر لها حول عرش الله.
٦. وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ: يصف هذا وقوف البشر أمام الله أمام الدينونة.
٧. فَجَلَسَ ٱلدِّينُ، وَفُتِحَتِ ٱلْأَسْفَارُ: يذكر الكتاب المقدس عدة أسفار أمام الله. ويمكن أن يكون أي منها أو مجموعة منها مقصودة هنا.
• سفر الأحياء (مزمور ٦٩: ٢٨)
• سفر التذكرة (ملاخي ٣: ١٦)
• سفر الحياة (فيلبي ٤: ٣؛ رؤيا ٣: ٥؛ ١٣: ٨؛ ١٧: ٨؛ ٢٠: ١٢، ١٥؛ ٢١: ٢٧؛ ٢٢: ١٩).
و ) الآيات (١١-١٤): ابن الإنسان يهزم القرن البارز.
١١كُنْتُ أَنْظُرُ حِينَئِذٍ مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْكَلِمَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الْقَرْنُ. كُنْتُ أَرَى إِلَى أَنْ قُتِلَ الْحَيَوَانُ وَهَلَكَ جِسْمُهُ وَدُفِعَ لِوَقِيدِ النَّارِ. ١٢أَمَّا بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ فَنُزِعَ عَنْهُمْ سُلْطَانُهُمْ، وَلكِنْ أُعْطُوا طُولَ حَيَاةٍ إِلَى زَمَانٍ وَوَقْتٍ. ١٣«كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. ١٤فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.
١. فَنُزِعَ عَنْهُمْ سُلْطَانُهُمْ: يصف هذ النص العظيم النقلة من السيادة البشرية إلى السيادة الإلهية. وسيحدث هذا عندما يأتي ابْنِ الإِنْسَانٍ ويمارس سيادته على الأرض. وسيخْلف ابْنِ الإِنْسَانٍ حكم الوحش الرابع.
٢. صَوْتِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلْقَرْنُ: نجد هنا أن ’القرن الصغير‘ من الوحش الرابع يتكلم بعظائم، بكلام متبجح مجدّف. ويُدعى الدكتاتور البشري النهائي ضد المسيح. وسيتصف بكلامه المتبجح المجدّف (رؤيا ١٣: ٥-٦).
• بسبب التمييز بين الوحش الرابع والقرن، يعتقد بعضهم أن الوحش في الرؤيا ليس ضد المسيح، بل حكومته أو إدارته. فإن كان هذا صحيحًا، فإن التمييز بسيط. فإلى حد كبير، يمثل ويشخّص الرجل حكومة كاملة أو نظامًا كاملًا. فعندما نفكر في ألمانيا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، نجد أن شخصية هتلر كفرد وألمانيا النازية هما نفس الأمر عمليًّا.
٣. كُنْتُ أَرَى إِلَى أَنْ قُتِلَ ٱلْحَيَوَانُ… أَمَّا بَاقِي ٱلْحَيَوَانَاتِ فَنُزِعَ عَنْهُمْ سُلْطَانُهُمْ: يقضي الله على الوحش الرابع بينما تستمر بقية الوحوش إلى الحكم الألفي، لكن من دون سيادة خاصّة بها. وعندما يقيم يسوع مملكته، ستُسحق إمبراطورية ضد المسيح بشكل كامل. غير أن بعض الشعوب ستستمر وتدخل زمن الحكم الألفي.
٤. وَإِذَا مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ: كان ’ٱبْنِ إِنْسَانٍ‘ لقبًا مفضَّلا أطلقه يسوع على نفسه ما يزيد عن ٨٠ مرة في الأناجيل الأربعة. وسيأخذ ابن الإنسان السيادة التي تمتعت بها الوحوش الأربعة سابقًا. وسيكون حكمه دائمًا.
٥. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ: لا يدوم حكم يسوع ألف سنة فقط. بل هو دائم. ومع ذلك، فإن يسوع سيحكم على هذه الأرض قبل أن تتجدد، مع تقييد إبليس ألف سنة.
ثانيًا. تفسير الحلم
أ ) الآيات (١٥-١٦): رد فعل دانيال للرؤيا وطِلبته للفهم.
١٥«أَمَّا أَنَا دَانِيآلَ فَحَزِنَتْ رُوحِي فِي وَسَطِ جِسْمِي وَأَفْزَعَتْنِي رُؤَى رَأْسِي. ١٦فَاقْتَرَبْتُ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْوُقُوفِ وَطَلَبْتُ مِنْهُ الْحَقِيقَةَ فِي كُلِّ هذَا. فَأَخْبَرَنِي وَعَرَّفَنِي تَفْسِيرَ الأُمُورِ.
١. فَحَزِنَتْ رُوحِي: رأى دانيال هذا كله، وبتفصيل أكبر مما وصفه لنا. ولم يفهم حقًّا كل ما رآه، وكان منزعجًا بسبب افتقاره إلى الفهم هنا.
٢. فَحَزِنَتْ رُوحِي فِي وَسَطِ جِسْمِي: يبيّن هذا أن روحنا تسكن حقًّا في جسدنا. صحيح أن الروح أهم من الجسد (١ تيموثاوس ٤: ٨)، إلا أن حالة الجسد تؤثر في حالة الروح.
• يقول كلارك (Clarke) إن تعبير ’رُوحِي فِي وَسَطِ جِسْمِي‘ يحمل معنى: داخل غلافها أو غِمدها. ومن هنا يقول: “أعتقد أن هذا يبرهن أولًا، أن الروح البشرية مختلفة عن الجسد. ثانيًا، أن للروح جوهرًا مستقلًّا عن الجسد الذي هو بمثابة مجرد غِمد لها لفترة معيّنة. ثالثًا، وأن الروح يمكن أن توجد مستقلة عن الجسد كما يمكن أن يوجد السيف خارج غِمده.”
ب) الآيات (١٧-١٨): ملخص الرؤيا: الله يقهر الملوك الأربعة، وتعطى ممالكهم لشعب الله.
١٧هؤُلاَءِ الْحَيَوَانَاتُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي هِيَ أَرْبَعَةٌ هِيَ أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ عَلَى الأَرْضِ. ١٨أَمَّا قِدِّيسُو الْعَلِيِّ فَيَأْخُذُونَ الْمَمْلَكَةَ وَيَمْتَلِكُونَ الْمَمْلَكَةَ إِلَى الأَبَدِ وَإِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
١. هَؤُلَاءِ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلْعَظِيمَةُ ٱلَّتِي هِيَ أَرْبَعَةٌ هِيَ أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ: يبيّن التفسير الإلهي للحلم أن هذه الرؤيا تغطي المادة في رؤيا نبوخذنصّر في دانيال ٢، والتي وصفت قيام أربع إمبراطوريات يعقبها ملكوت الله.
• غير أن رؤيا دانيال مختلفة، حيث إنها تنظر إلى الممالك من منظور الله، لا الإنسان. فقد رأى نبوخذنصّر إمبراطوريات العالم الحاضرة والمستقبلية في شكل تمثال فخم نبيل لرجل. وهنا يُظهر الله كيف أنه يَعُد تلك الإمبراطوريات حيوانات شرسة متوحشة تلتهم وتغزو بلا ضمير.
• عندما يكتب الإنسان تاريخه الخاص، فغالبًا ما يكون هنالك الكثير من التهنئة. ويبدو أن الإنسان وصل إلى حافة الفردوس. وعندما يكتب الله التاريخ البشري، فإنه يقدّم رؤية مختلفة.
• يسوع هو أسد سبط يهوذا (رؤيا ٥: ٥)، غير أنه لم يقدم نفسه في المقام الأول كحيوان شرس، بل كحمل (رؤيا ٥: ٥-٦؛ ٥: ٨-١٠).
٢. أَمَّا قِدِّيسُو ٱلْعَلِيِّ فَيَأْخُذُونَ ٱلْمَمْلَكَةَ: عندما ينتهي يوم الوحش الرابع، سيأخذ شعب الله المملكة. غير أننا نعرف أن الإمبراطورية الرومانية قد ولّت منذ زمن طويل، ولا يبدو أن القديسين أخذوا المملكة.
• هذا هو ما يدفع كثيرين إلى البحث إما عن تفسير روحي تمّ تحقيقه في التاريخ، وإما عن نوع من استعادة الإمبراطورية الرومانية في الأيام الأخيرة… تحقيق حرفي لنبوة القرون العشرة والقرن الصغير أيضًا.
• فَيَأْخُذُونَ ٱلْمَمْلَكَةَ: سيأخذ القديسون المملكة عندما يعطيهم إياها يسوع عند عودته. فلن يحصلوا على السيطرة على كل الممالك الأرضية قبل عودة يسوع.
ج) الآيات (١٩-٢٢): طِلبة دانيال المحددة لمعرفة المزيد عن القرن البارز.
١٩حِينَئِذٍ رُمْتُ الْحَقِيقَةَ مِنْ جِهَةِ الْحَيَوَانِ الرَّابعِ الَّذِي كَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّهَا، وَهَائِلاً جِدًّا وَأَسْنَانُهُ مِنْ حَدِيدٍ وَأَظْفَارُهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَقَدْ أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ الْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ، ٢٠وَعَنِ الْقُرُونِ الْعَشَرَةِ الَّتِي بِرَأْسِهِ، وَعَنِ الآخَرِ الَّذِي طَلَعَ فَسَقَطَتْ قُدَّامَهُ ثَلاَثَةٌ. وَهذَا الْقَرْنُ لَهُ عُيُونٌ وَفَمٌ مُتَكَلِّمٌ بِعَظَائِمَ وَمَنْظَرُهُ أَشَدُّ مِنْ رُفَقَائِهِ. ٢١وَكُنْتُ أَنْظُرُ وَإِذَا هذَا الْقَرْنُ يُحَارِبُ الْقِدِّيسِينَ فَغَلَبَهُمْ، ٢٢حَتَّى جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ، وَأُعْطِيَ الدِّينُ لِقِدِّيسِيِ الْعَلِيِّ، وَبَلَغَ الْوَقْتُ، فَامْتَلَكَ الْقِدِّيسُونَ الْمَمْلَكَةَ.
١. رُمْتُ ٱلْحَقِيقَةَ مِنْ جِهَةِ ٱلْحَيَوَانِ ٱلرَّابِعِ (أرَدْتُ مَعْرِفَةَ مَعنَى رَمزِ الحَيَوَانِ الرَّابِعِ): كان هنالك اهتمام كبير بهذه الوحوش الأربعة كلها، لكن دانيال كان مهتمًّا على نحو خاص بالوحش الرابع المخيف جدًّا، وبشكل خاص بقرنه البارز.
٢. كَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّهَا، وَهَائِلًا جِدًّا وَأَسْنَانُهُ مِنْ حَدِيدٍ وَأَظْفَارُهُ مِنْ نُحَاسٍ: أثار الوحش الرابع اهتمام دانيال بسبب قدرته التدميرية، وبسبب قرنه البارز، وبمحاربته لشعب الله (هَذَا ٱلْقَرْنُ يُحَارِبُ ٱلْقِدِّيسِينَ).
• إن كان هذا يمثل ضد المسيح الذي يحارب القديسين، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون الكنيسة على الأرض كهدف لضد المسيح أثناء الضيقة العظمى. ونحن نقول إن هذا ليس ’بالضرورة‘ لأن كلمة ’قديسين‘ يمكن أن تشير إلى الكنيسة أو إلى البقية التقية اليهودية في الضيقة (رؤيا ١٢: ١٧؛ ١٣: ٧).
د ) الآيات (٢٣-٢٧):معنى القرن البارز وهزيمته.
٢٣«فَقَالَ هكَذَا: أَمَّا الْحَيَوَانُ الْرَّابعُ فَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ عَلَى الأَرْضِ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْمَمَالِكِ، فَتَأْكُلُ الأَرْضَ كُلَّهَا وَتَدُوسُهَا وَتَسْحَقُهَا. ٢٤وَالْقُرُونُ الْعَشَرَةُ مِنْ هذِهِ الْمَمْلَكَةِ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ، وَيَقُومُ بَعْدَهُمْ آخَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ الأَوَّلِينَ، وَيُذِلُّ ثَلاَثَةَ مُلُوكٍ. ٢٥وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ ضِدَّ الْعَلِيِّ وَيُبْلِي قِدِّيسِي الْعَلِيِّ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالسُّنَّةَ، وَيُسَلَّمُونَ لِيَدِهِ إِلَى زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَنِصْفِ زَمَانٍ. ٢٦فَيَجْلِسُ الدِّينُ وَيَنْزِعُونَ عَنْهُ سُلْطَانَهُ لِيَفْنَوْا وَيَبِيدُوا إِلَى الْمُنْتَهَى. ٢٧وَالْمَمْلَكَةُ وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ. مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ، وَجَمِيعُ السَّلاَطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ.
١. ٱلْحَيَوَانُ ٱلْرَّابِعُ فَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ عَلَى ٱلْأَرْضِ: ينسجم هذا الوصف للوحش الرابع مع الإمبراطورية الرومانية في التاريخ القديم. فقد التهمت العالم المتحضر كله، وهيمنت بشكل كامل لحوالي ألف سنة.
٢. وَٱلْقُرُونُ ٱلْعَشَرَةُ مِنْ هَذِهِ ٱلْمَمْلَكَةِ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ: لم يكن لهؤلاء الملوك العشرة تحقيق حرفي في الإمبراطورية الرومانية التاريخية. فإن كانوا حرفيين، فإنهم ما زالوا في المستقبل. والطريقة الوحيدة للقول إن هذا قد تحقق هو إضفاء الروحانية على هذه النبوة وإزالة المعنى الواضح لها.
• قام كثيرون، من بينهم كالفن، بروحنة هذا النص. إذ أصر على أن ما حدث في هذا الإصحاح تحقق في التاريخ حتى عند مجيء يسوع الأول. وافترض أن القرون العشرة لا تمثل إلاّ تعدد الملوك تحت ظل الإمبراطور الروماني. ورأى أن القرن الصغير هو يوليوس قيصر، وأن القياصرة الآخرين أعقبوه. وبالنسبة لكالفن، فإن عبارة ’وَفُتِحَتِ ٱلْأَسْفَارُ‘ (الآية ١٠) تشير إلى الكرازة بالإنجيل.
• لكن إن كانت هنالك عشر أصابع قدمين (دانيال ١٠) وعشرة قرون (دانيال ٧ ورؤيا ١٣ و١٧) مرتبطة بحكم هذا الحاكم النهائي للعالم، فإنه لا يوجد سبب وجيه لروحنة ما قاله الله في أربعة مواضع مختلفة على الأقل.
• وتنطبق مشكلات الروحنة أيضًا إذا اعتقد المرء أن هذا تحقق في الكنيسة الأولى وفي زوال الإمبراطورية الرومانية (على خلاف كالفن الذي اعتقد أن هذا تحقق قبل مجيء يسوع الأول).
• لا بد أن يكون القرن البارز هو ضد المسيح الذي يخرج من مجموعة شعوب هي بطريقة ما جزء من الإمبراطورية الرومانية المستردة.
٣. وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ ضِدَّ ٱلْعَلِيِّ: تكلم القرن الصغير بكلام متبجّح وتجديفي، ربما مثل العقيدة الفاشية لإيطاليا، والتي يقتبسها تالبوت (Talbot) في ما يلي:
• “أنا أومن بروما الأبدية، أم وطني الأم، وبإيطاليا بكرها، والتي وُلدت من رحمها العذراوي بنعمة الله، والتي تألمت على يد الغازي البربري، وصُلِبت، وقُتلت، ودُفنت، ونزلت إلى القبر، وقامت من بين الأموات في القرن التاسع عشر، والتي صعدت إلى السماء في مجدها في ١٩١٨ و١٩٢٢ [بالزحف على روما]، والجالسة عن يمين روما الأم، والتي ستأتي من هناك لتدين الأحياء والأموات. وأنا أومن بعبقرية موسوليني، وبأبينا المقدس، الفاشية، وشركة الشهداء، وفي تجديد الإيطاليين، وبقيامة الإمبراطورية! آمين.”
٤. وَيُبْلِي (يضطهد) قِدِّيسِي ٱلْعَلِيِّ: يتحدث هذا عن ضغط قاسٍ منهجي من كلمة ’يُبلي،‘ كما تبلى الملابس والأحذية بالاحتكاك.
• “تعني عبارة يُبلي قديسي العلي: مضايقتهم والتحرش بهم باستمرار بحيث تصبح حياتهم وجودًا بائسًا.” وود (Wood)
• “من شأن هذا الضغط المستمر والمطوّل أن يكسر روح الإنسان بشكل أكثر فاعلية من لحظة أزمة واحدة تتطلب قرارًا بطوليًّا. وإنه لأمر سهل أن نموت لأجل الرب من أن نحيا له تحت مضايقات وتوترات دائمة.” آرتشر (Archer)
• “لا يتنبّأ الكتاب المقدس بوجود حاكم محب للسلام في الأيام الأخيرة. ولا يمكننا توقع الكثير من التجارة الجشعة والإمبريالية السياسية في ظل أكثر أنواع الحروب وحشية وبربرية.” شتراوس (Strauss)
٥. وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ ٱلْأَوْقَاتَ وَٱلسُّنَّةَ: ينوي هذا القرن الصغير أن يغيّر الأزمنة والشريعة، ربما كما حدث في الثورة الفرنسية، حيث أراد الراديكاليون إدخال أسبوع عمل من عشرة أيام، وأعلنوا أن عام ١٧٩٢ (عام الثورة) هو العام الأول.
• علّم الأدفنتست السبتيون على مدى تاريخهم أن البابوية هي التي غيرت الأزمنة والسُنَّة من خلال نقل يوم الرب من السبت إلى الأحد. ويرى السبتيون التقليديون أن العبادة يوم الأحد علامة ضد المسيح.
٦. وَيُسَلَّمُونَ لِيَدِهِ إِلَى زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَنِصْفِ زَمَانٍ: قوة القرن الصغير على القديسين محدودة. إذ ستدوم ثلاث سنوات ونصف السنة (زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ (وزمانين) وَنِصْفِ زَمَانٍ). ويُستخدم هذا التعبير أيضًا في سفر الرؤيا (رؤيا ١١: ٢-٣؛ ١٢: ٦؛ ١٣: ٥) للإشارة إلى نصف فترة السبع سنوات من حكم الإنسان على هذه الأرض (وهو الأسبوع السبعون لدانيال).
٧. وَيَنْزِعُونَ عَنْهُ سُلْطَانَهُ لِيَفْنَوْا وَيَبِيدُوا إِلَى ٱلْمُنْتَهَى: في يوم اضطهاد هذا الحاكم المجدّف، سيؤسس المسيح مملكته لأجل شعبه.
• لأن ملكوت يسوع يعقب هذه المملكة الرابعة فورًا، فإنه لا يوجد حدث في الماضي يجيب عن هذا التوقع بأدنى درجة. ومن المؤكد أن الكنيسة لم تتسبب في سقوط مفاجئ وكارثي للإمبراطورية الرومانية. “من المشكوك فيه أن تكون الإمبراطورية الرومانية قد واجهت أية مقاومة جادة من الكنيسة المسيحية، أو أن قوة الكنيسة المتزايدة أسهمت بشكل كبير في سقوطها.” والفورد (Walvoord)
• هنالك ثلاثة خيارات لتفسير تأسيس المملكة (الملكوت) هنا:
لا يوجد تحقيق. كان دانيال على خطأ.
التحقيق رمزي في تاريخ الكنيسة.
التحقيق حرفي ومستقبلي.
٨. وَٱلْمَمْلَكَةُ وَٱلسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ ٱلْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاءِ تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِي ٱلْعَلِيِّ: لا بد أن هذا وصف للأرض الألفية، لا لعصرنا الحالي أو للسماء. فمملكة الأرض وسلطانها ليسا للأبرار الآن. فإن كان هذا يصف الحالة الأبدية، فما هي الممالك والسلاطين التي تخدم الله وتطيعه؟ ولهذا، لا بد أن هذا وصف للأرض في الحكم الألفي.
• ومرة أخرى، نلاحظ أن المملكة والسلطان يُعطيان للقديسين. فهما أمر ينالونه لا أمر يحققونه. فالكنيسة لا تحوّل العالم إلى مملكة يسوع وتعطي المملكة هذه ليسوع. بل هو الذي يعطيها المملكة والسلطان.
هـ) الآية (٢٨): رد فعل دانيال بالاضطراب من الرؤيا وتفسيرها.
٢٨إِلَى هُنَا نِهَايَةُ ٱلْأَمْرِ. أَمَّا أَنَا دَانِيآلَ، فَأَفْكَارِي أَفْزَعَتْنِي كَثِيرًا، وَتَغَيَّرَتْ عَلَيَّ هَيْئَتِي، وَحَفِظْتُ ٱلْأَمْرَ فِي قَلْبِي.
١. فَأَفْكَارِي أَفْزَعَتْنِي كَثِيرًا: ربما أزعجت أشياء كثيرة دانيال في هذه الرؤيا، مثل شراسة هجوم القرن الصغير على شعبه.
٢. وَتَغَيَّرَتْ عَلَيَّ هَيْئَتِي: كان دانيال مقتنعًا بأن النبوة صحيحة، وأنها كلمة الله. وكان اقتناعه شديدًا حتى أن وجهه تغيَّر، وراح يفكر في ما يمكن أن يحدث.