سفر دانيال – الإصحاح ٩
أسبوع دانيال السبعون
أولًا. صلاة دانيال
أ ) الآيات (١-٢): مقدمة: سبب صلاة دانيال.
١فِي السَّنَةِ الأُولَى لِدَارِيُوسَ بْنِ أَحْشَوِيرُوشَ مِنْ نَسْلِ الْمَادِيِّينَ الَّذِي مُلِّكَ عَلَى مَمْلَكَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ، ٢فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ مُلْكِهِ، أَنَا دَانِيآلَ فَهِمْتُ مِنَ الْكُتُبِ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ.
١. فَهِمْتُ مِنَ ٱلْكُتُبِ: دانيال ٩ واحد من أكثر النصوص النبوية إذهالًا وأهمية في الكتاب المقدس. وهو يبدأ بفهم دانيال للنبوة وتطبيقها.
• فهم دانيال شيئًا من خلال قراءته لكلام أنبياء الله. إذ يُقصد للنبوة أن تُفهم – ربما ليس بكل تفاصيلها، لكن على نحو مؤكد في نقاطها الرئيسية.
• فهم دانيال هذا بالكتب – الكلام المحدد المدوّن في أسفار الله الموحى بها. لم يقرأ دانيال ٢ تيموثاوس ٣: ١٦، لكن من المؤكد أنه صدّق الحق المتضمن فيها: “كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ ٱللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ ٱللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.”
• “تبيّن هذه الآيات دانيال دارسًا مجتهدًا لكلمة الله التي بنى حياة صلاته عليها.” آرتشر (Archer)
• “ليتكم تدرسون كلمة الله أكثر! ليتنا نفعل هذا جميعًا! وليتنا نتمسك بالوعود! فكم ننجح مع الله عندما نطالبه بما يقوله في كلمته قائلين له: “اُذْكُرْ لِعَبْدِكَ ٱلْقَوْلَ ٱلَّذِي جَعَلْتَنِي أَنْتَظِرُهُ.” إنها لصلاة عظيمة عندما تمتلئ أفواهنا بكلام الله، لأنه لا توجد أية كلمة أخرى تسود كما تسود كلمته.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. عَدَدَ ٱلسِّنِينَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ: عرف دانيال أن الصلاة الفعالة تأتي من كل من معرفة الله والصلاة باستخدامها وفهم ظروفنا الحالية. وبيّنت دراسته للنبوة رقمًا معيّنًا – السنوات السبعين المذكورة في إرميا ٢٥: ١١-١٣ وإرميا ٢٩: ١٠. وقد أدت معرفته بالأزمنة إلى معرفة أن تلك النصوص انطبقت على زمنه.
• “وَتَصِيرُ كُلُّ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ خَرَابًا وَدَهَشًا، وَتَخْدِمُ هَذِهِ ٱلشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً. وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ ٱلسَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ، وَتِلْكَ ٱلْأُمَّةَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، عَلَى إِثْمِهِمْ وَأَرْضَ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَجْعَلُهَا خِرَبًا أَبَدِيَّةً. وَأَجْلِبُ عَلَى تِلْكَ ٱلْأَرْضِ كُلَّ كَلَامِي ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهَا، كُلَّ مَا كُتِبَ فِي هَذَا ٱلسِّفْرِ ٱلَّذِي تَنَبَّأَ بِهِ إِرْمِيَا عَلَى كُلِّ ٱلشُّعُوبِ” (إرميا ٢٥: ١١-١٣).
• “لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلَامِي ٱلصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هَذَا ٱلْمَوْضِعِ” (إرميا ٢٩: ١٠).
• من المهم أن نلاحظ أن دانيال عدّ هذه سنوات حقيقية حرفية. فلا يمكن أن يكون قد فهمها على أنها سنوات رمزية.
• لا شك أن دانيال كان مطّلعًا على نبوات إشعياء حول كورش (إشعياء ٤٤: ٢٨-٤٥: ٤). ولا بد أنه تَشَجَّع عندما رأى اسم كورش يبرز على بلاد فارس.
٣. لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً: آمن دانيال بأن الله سيحقق السنوات السبعين. غير أنه صلّى بقوة أن يفعل الله ما وعد به. إذ عرف أن وعود الله تستدعي صلواتنا ومشاركتنا، ولا تستثنيهما.
• “ولهذا لا يمكن أن يكون أفضل من أن نطلب ما قد وعد به الله.” كالفن (Calvin)
• يتكرر هذا المبدأ في نصوص كثيرة. إذ تشير ٢ بطرس ٣: ١٢ إلى أنه يوجد معنى بموجبه يمكننا أن نستعجل مجيء الرب بسلوكنا المقدس وحياتنا التقية. ويمكننا أن نستعجل مجيء الرب بالكرازة لأن بطرس يقول إن تركيز الله النبوي على إسرائيل سيُستأنف عندما يأتي ملء الأمم إلى الإيمان (رومية ١١: ٢٥). ويعني هذا أنه يمكننا أن نستعجل مجيء الرب بالصلاة، تمامًا كما طلب دانيال تحقيق النبوة المتعلقة بسبي إسرائيل (دانيال ٩). ويمكننا أن نصلي أيضًا: “تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ” (رؤيا ٢٢: ٢٠). فهنالك شيء يتوجب علينا أن نفعله حيال ذلك.
• لكن السبب الثاني المهم الذي دفع دانيال إلى الصلاة هو أن يطلب من الله، في رحمته، أن يأخذ أولى كل نقاط البداية الممكنة (تاريخ اختطاف دانيال) لتحديد السنوات السبعين. إذ كانت هنالك ثلاث موجات من السبي:
٦٠٥ ق. م. – هوجمت أورشليم وأُخذ دانيال وأسرى آخرون إلى بابل.
٥٧٩ ق. م. – هوجمت أورشليم ونُهبت كنوز الهيكل.
٥٨٧ ق. م. – سقوط أورشليم وسبي الأمّة
• أراد دانيال أن ينجح في الصلاة، طالبًا من الله أن يأخذ أبْكر نقطة ممكنة لتحديد السبعين عامًا. فأراد أن تأتي رحمة الله إلى إسرائيل قبل ١٨ عامًا بدلًا من أن تأتي بعد ١٨ عامًا.
٤. فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْأُولَى لِدَارِيُّوسَ: كان هذا قبل ثلاث أو أربع سنوات قبل مرور السبعين سنة من عام ٦٠٥ ق. م. فلم يكن هذا مبكرًا جدًّا على دانيال أن يبدأ بالصلاة حول هذا الأمر. إذ كان لدانيال البصيرة للنظر إلى الأمام لمدة ثلاث أو أربع سنوات مع البدء بالصلاة.
٥. كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ: حتى في أحكام الله الأزلية، فإن لدى الله دورًا للناس ليلعبوه. لقد أُعلِنت خطة الله للعصور، غير أن إرميا أطلق نبوّة، وصلى دانيال، وقام كورش بإصدار إعلان.
• “غالبًا ما يكون اهتمامنا بالأسفار النبوية ذا طبيعة فضولية وتكهنية، أو نستنتج أن الله سينفّذ قصده السيادي بغضّ النظر عما نفعله. ولهذا فإننا لا نشغل أنفسنا بهذه الأمور.” شتراوس (Strauss)
• لم يكن دانيال بتراثه القبلي (ارتباطه بسبطه) أو تاريخ عائلته مؤهلًا على نحو فريد لخدمة الشفاعة. إذ لم يكن ينتمي إلى عائلة كهنوتية مثل حزقيال، ولم يكن نبيًّا مثل إشعياء أو إرميا. ومع ذلك، أمْكنه، مثلنا جميعًا، أن يصلي.
• في واقع الأمر، قلّلت دعوة دانيال وموقعه في الحياة من احتمال أن يكون رجل صلاة. إذ كان مسؤولًا حكوميًّا رفيعًا. ومن شبه المؤكد أن جدول أعماله كان مزدحمًا. لكنه أخذ وقتًا وطاقة للصلاة.
• “أصلّي ألا تهملوا اجتماع الصلاة معًا. كم مرةٍ قلتُ: ’تكمن كل قوتنا في الصلاة!‘ وعندما كان العدد قليلًا جدًّا، ضاعف الله استجابات الصلاة لنا!” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (٣): إعداد دانيال للصلاة.
٣فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى ٱللهِ ٱلسَّيِّدِ طَالِبًا بِٱلصَّلَاةِ وَٱلتَّضَرُّعَاتِ، بِٱلصَّوْمِ وَٱلْمَسْحِ وَٱلرَّمَادِ.
١. فَوَجَّهْتُ وَجْهِي: يوحي هذا بتصميم على الصلاة. إذ كان لدى دانيال هدف للوصول إليه من خلال الصلاة. وقد اقترب إلى الله كرجل لا يمكن أن يُرفَض. وقد فعل هذا لأنه كان مقتنعًا بحق بأن صلواته كانت في مشيئة الله. وكان يعلم أنها لم تكن مدفوعة بأية رغبات أنانية.
٢. طَالِبًا بِٱلصَّلَاةِ وَٱلتَّضَرُّعَاتِ: لم يكن دانيال سلبيًّا عندما تكشّفت خطة الله أمامه. ففي اقترابه إلى الله، طلب من الرب أن يفي بوعده بالطريقة التي اعتقد أنها تجلب أعظم مجد لله.
• “نحن لا نطلب إلا القليل، والله يعطينا إياه.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. بِٱلصَّوْمِ وَٱلْمَسْحِ وَٱلرَّمَادِ: يعكس هذا قلب دانيال المتواضع في اقترابه إلى الله. فالصوم والمسوح والرماد علامات على التذلل والندب.
• كان دانيال مصممًا على أن يفعل كل ما يلزم لإنجاز مهمته في الصلاة. “فلم يترك شيئًا لم يفعله من شأنه أن يجعل صلاته أكثر فاعلية أو إقناعًا.” والفورد (Walvoord)
ج) الآيات (٤-١٥): دانيال يعترف بخطية شعبه، ويمجّد صلاح الله وبرّه.
٤وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي وَاعْتَرَفْتُ وَقُلْتُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْعَظِيمُ الْمَهُوبُ، حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِمُحِبِّيهِ وَحَافِظِي وَصَايَاهُ. ٥أَخْطَأْنَا وَأَثِمْنَا وَعَمِلْنَا الشَّرَّ، وَتَمَرَّدْنَا وَحِدْنَا عَنْ وَصَايَاكَ وَعَنْ أَحْكَامِكَ. ٦وَمَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بِاسْمِكَ كَلَّمُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ. ٧لَكَ يَا سَيِّدُ الْبِرُّ، أَمَّا لَنَا فَخِزْيُ الْوُجُوهِ، كَمَا هُوَ الْيَوْمَ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، وَلِكُلِّ إِسْرَائِيلَ الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ فِي كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدْتَهُمْ إِلَيْهَا، مِنْ أَجْلِ خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُوكَ إِيَّاهَا. ٨يَا سَيِّدُ، لَنَا خِزْيُ الْوُجُوهِ، لِمُلُوكِنَا، لِرُؤَسَائِنَا وَلآبَائِنَا لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ. ٩لِلرَّبِّ إِلهِنَا الْمَرَاحِمُ وَالْمَغْفِرَةُ، لأَنَّنَا تَمَرَّدْنَا عَلَيْهِ. ١٠وَمَا سَمِعْنَا صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِنَا لِنَسْلُكَ فِي شَرَائِعِهِ الَّتِي جَعَلَهَا أَمَامَنَا عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. ١١وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَعَدَّى عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَحَادُوا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا صَوْتَكَ، فَسَكَبْتَ عَلَيْنَا اللَّعْنَةَ وَالْحَلْفَ الْمَكْتُوبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ. ١٢وَقَدْ أَقَامَ كَلِمَاتِهِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْنَا وَعَلَى قُضَاتِنَا الَّذِينَ قَضَوْا لَنَا، لِيَجْلِبَ عَلَيْنَا شَرًّا عَظِيمًا، مَا لَمْ يُجْرَ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا كَمَا أُجْرِيَ عَلَى أُورُشَلِيمَ. ١٣كَمَا كُتِبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، قَدْ جَاءَ عَلَيْنَا كُلُّ هذَا الشَّرِّ، وَلَمْ نَتَضَرَّعْ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِنَرْجعَ مِنْ آثَامِنَا وَنَفْطِنَ بِحَقِّكَ. ١٤فَسَهِرَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ وَجَلَبَهُ عَلَيْنَا، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا بَارٌّ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ الَّتِي عَمِلَهَا إِذْ لَمْ نَسْمَعْ صَوْتَهُ. ١٥وَالآنَ أَيُّهَا السَّيِّدُ إِلهُنَا، الَّذِي أَخْرَجْتَ شَعْبَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، وَجَعَلْتَ لِنَفْسِكَ اسْمًا كَمَا هُوَ هذَا الْيَوْمَ، قَدْ أَخْطَأْنَا، عَمِلْنَا شَرًّا.
١. أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ ٱلْعَظِيمُ ٱلْمَهُوبُ: بدأ دانيال صلاته من حيث ينبغي لنا جميعًا أن نفعل ذلك – بالإقرار بعظمة الله وصلاحه. وأحيانًا نقترب إلى الله كما لو كان شخصًا بخيلًا يجب إقناعه بأن يعطينا أي شيء. لكن دانيال عرف أن المشكلة لا تكمن في الله. فهو يحفظ عهده ورحمته للذين يحبونه.
• كانت صلاة دانيال لافتة للنظر من أجل فهمها وإخلاصها معًا. فكثيرون يصلّون بفهم، لكن ليس بإخلاص وجدية، بينما يصلي آخرون بإخلاص وجدية لكن بلا فهم. ويشكل الاثنان معًا مزيجًا قويًّا.
• “ليت صلواتنا تتجاوز الصلاة (العادية) إلى أن تصل إلى التعذُّب والتألُّم.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. أَخْطَأْنَا وَأَثِمْنَا: عندما اعترف دانيال بخطية إسرائيل، صلى كما لو أنه كان سيئًا مثل بقيتهم. وهو اعتراف يشمل نفسه معهم. فهو لا يتحدث عنهم بلغة الجمع الغائب (هم)، بل بلغة المتكلم الجمع (نحن). وبهذا المعنى، فإن الصلوات التي لا تحمل هذه الروح لا تصل إلى الله أبدًا. فالصلاة الحقيقية ترى النفس على حقيقتها، وتنظر إلى القديسين برأفة.
• قد يبدو اعتراف دانيال بالخطية زائفًا إلى أن ندرك مدى تركيزه الكامل على الله. فبالمقارنة مع الله، فإنه حتى أكثر الأشخاص برًّا بيننا يقصّرون كثيرًا.
• “أومن إيمانًا راسخًا بأنه كلما صار معدن المرء الأخلاقي أفضل، وأكثر فرحًا في الرب في قلبه، صار أكثر قدرة على التعاطف وتقاسم الحزن مع الآخرين. ويرجّح أنه سيحصل على المزيد من ذلك. فإذا كان لديك متسع في روحك للفرح المقدس، فإن لديك متّسعًا مساويًا للحزن المقدس.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لَكَ يَا سَيِّدُ ٱلْبِرُّ، أَمَّا لَنَا فَخِزْيُ ٱلْوُجُوهِ: عرف دانيال أن الخطية لم تكن خطأ من جانب الله. فالله بار وبلا لوم بشكل تام. فأي خزي للوجوه أمر يخص إسرائيل، لا الله.
• سيكون من السهل له أن يشكو إلى الله مشكلات إسرائيل. لم يعتقد دانيال ولو للحظة أن الله كان قاسيًا بشكل زائد على إسرائيل. إذ كان يعلم أن الله بار، وأن أي فشل أو تقصير هو من جانب إسرائيل.
• قدّم دانيال اعترافًا بالخطايا بدلًا من الشكوى والتذمر. وفي أوقات الانتعاش العظيم بين شعب الله، يجلب الروح القدس دائمًا تبكيتًا عميقًا ووعيًا بالخطية. وعندما تكون هنالك استجابة سليمة، يتم الاعتراف بشكل ملائم. ويعطي جي. إدوين أور (J. Edwin Orr) مبدأ جيدًا يحكم الاعتراف. “إذا أخطأتَ سرًّا، فاعترف سرًّا، معترفًا علنًا بأنك محتاج إلى الانتصار، لكن احتفظ بالتفاصيل لنفسك. وإذا أخطأتَ علنًا، فاعترف علنًا حتى تزيل العثرات أمام الذين أعقتَهم. وإذا أخطأتَ روحيًّا (عدم الصلاة، أو قلة المحبة، أو عدم الإيمان مع أبنائك، أو الانتقاد)، فاذهب إلى الكنيسة التي كنتَ عائقًا لها معترفًا لها.”
• لا بد أن يكون الاعتراف الحقيقي والملائم صادقًا، ومحدَّدًا وشاملًا. يصف أور (Orr) كيف اعترفت امرأة في كنيسة مزدحمة في البرازيل أثناء انتعاش عام ١٩٥٢ قائلة: “صلّوا من أجلي. فأنا محتاجة إلى أن أحب الناس أكثر.” فقال لها القائد: “يا أخت، ليس هذا اعترافًا. إذ كان بإمكان أي شخص آخر أن يقول هذا.” وفي وقت لاحق من الخدمة، وقفت السيدة مرة أخرى وقالت: “أرجو أن تصلوا من أجلي. إذ كان عليّ أن أقول إن لساني الحاد تسبّب في متاعب كثيرة في هذه الرعية.” فانحنى الراعي ليهمس في أذن أور: “ها هي تتكلم!”
• هذه صلاة تُرفع من مكان منخفض، وهي فعّالة جدًّا. يحاول لاعبو الكرة الأمريكية أن يسددوا لخصومهم ضربة سفلية، لأنهم بهذا يكتسبون قوة وتأثيرًا من مكانهم المنخفض. وتكتسب صلواتنا قوة وتأثيرًا أيضًا عندما نأتي إلى الله باتضاع وانكسار.
٤. وَمَا سَمِعْنَا صَوْتَ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا: لم يقدم دانيال أي عذر لخطية إسرائيل. إذ كان يعلم أن الخطأ هو خطأ إسرائيل وحدها. ونحن نميل إلى اختلاق أعذار لخطيّتنا. وغالبًا ما نغفل هذا حتى في ’اعترافاتنا.‘
٥. وَقَدْ أَقَامَ كَلِمَاتِهِ… كَمَا كُتِبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى: أقر دانيال بأن الله، حتى في دينونته على إسرائيل، كان بارًّا تمامًا. فقد وعد بمجيء اللعنات على إسرائيل إذا عصت (في نصوص مثل لاويين ٢٦ وتثنية ٢٨). وقد فعلت إسرائيل ذلك.
٦. قَدْ جَاءَ عَلَيْنَا كُلُّ هَذَا ٱلشَّرِّ، وَلَمْ نَتَضَرَّعْ إِلَى وَجْهِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا: عندما اعترف بخطيته وخطية إسرائيل، تذكّر خطية عدم الصلاة. فعندما كانوا يواجهون محنة عظيمة ومصائب، لم يلجؤوا إلى الصلاة إلى الرب. فعندما نحس بأن هنالك محنة أو صعوبة، ينبغي أن يدفعنا هذا إلى الصلاة فورًا. وعندما نفتقر إلى مثل هذه الدافعية، ينبغي أن يكون هذا دعوة للاعتراف ببرود القلب.
٧. ٱلَّذِي أَخْرَجْتَ شَعْبَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ: عندما صلى دانيال، تذكّر أن الرب أنقذ إسرائيل من مصر. فهو يتذكر معيار العهد القديم لقوة الله، وهو التحرر من مصر. ومعيار قوة الله في العهد الجديد هو قيامة المسيح (أفسس ١: ١٩-٢٠).
د ) الآيات (١٦-١٩): دانيال يطلب إلى الله أن يغفر ويسترد أورشليم.
١٦يَا سَيِّدُ، حَسَبَ كُلِّ رَحْمَتِكَ اصْرِفْ سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ جَبَلِ قُدْسِكَ، إِذْ لِخَطَايَانَا وَلآثَامِ آبَائِنَا صَارَتْ أُورُشَلِيمُ وَشَعْبُكَ عَارًا عِنْدَ جَمِيعِ الَّذِينَ حَوْلَنَا. ١٧فَاسْمَعِ الآنَ يَا إِلهَنَا صَلاَةَ عَبْدِكَ وَتَضَرُّعَاتِهِ، وَأَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى مَقْدِسِكَ الْخَرِبِ مِنْ أَجْلِ السَّيِّدِ. ١٨أَمِلْ أُذُنَكَ يَا إِلهِي وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ خِرَبَنَا وَالْمَدِينَةَ الَّتِي دُعِيَ اسْمُكَ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ لاَ لأَجْلِ بِرِّنَا نَطْرَحُ تَضَرُّعَاتِنَا أَمَامَ وَجْهِكَ، بَلْ لأَجْلِ مَرَاحِمِكَ الْعَظِيمَةِ. ١٩يَا سَيِّدُ اسْمَعْ. يَا سَيِّدُ اغْفِرْ. يَا سَيِّدُ أَصْغِ وَاصْنَعْ. لاَ تُؤَخِّرْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ يَا إِلهِي، لأَنَّ اسْمَكَ دُعِيَ عَلَى مَدِينَتِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ».
١. ٱصْرِفْ سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ: بعد اعتراف دانيال بخطية إسرائيل وبرّ الله العظيم، طلب من الله ببساطة أن يوجه انتباهه، في رحمته، إلى أورشليم والهيكل (وَأَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى مَقْدِسِكَ). وطلب أن يفعل الله هذا بلا تأخير (لَا تُؤَخِّرْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ).
• صلى دانيال كوطني، لكنه كان أكثر وطنية في انتمائه إلى ملكوت الله منه إلى مملكة إسرائيل. وينبغي أن نصلي بروح وطنية مماثلة من أجل ملكوت الله. “لا ينبغي أن يقال أبدًا إن كنيسة الله لا تحمل مشاعر وطنية تجاه المدينة المقدسة (أورشليم السماوية)، والأرض السماوية، وملكها المتوج فوق. وتعني ’الوطنية المسيحية‘ بالنسبة لنا محبتنا لكنيسة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
• طلب دانيال هذا كله من أجل بر الله. فكان لسان حاله هو: “يا رب، أنا لا أطلب منك أن تفعل شيئًا ضد برك. بل أصلي هذا لأجل تعزيز مجدك البار.”
٢. وَأَضِئْ بِوَجْهِكَ: عرف دانيال أن شعب الله يحتاجون إلى الكثير. لكن يمكن تلخيص كل احتياجاتهم في هذا، وهو أن يضيء وجه الرب عليهم.
• “ليتنا نتعلم كيف نصلي أن يكون الله نفسه موضوع احتياجنا، إضافة إلى أن يكون موضوع تضرعاتنا! يا رب، تحتاج كنيستك إليك فوق كل شيء آخر! يحتاج الطفل المسكين الصغير المريض المهمَل خمسين شيئًا، لكن يمكن تلخيص احتياجاته بقولنا إنه يحتاج إلى أمه. ولهذا، فإن كنيسة الله تحتاج إلى ألف شيء، لكن يمكن تلخيص احتياجاتها في شيء واحد، بقولنا إنها تحتاج إلى إلهها.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَأَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى مَقْدِسِكَ ٱلْخَرِبِ… لَا تُؤَخِّرْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ: امتلأت صلاة دانيال بمجد الله، لا بمنفعة الإنسان في المقام الأول. فقد كان قصده في الصلاة أن يرى عمل الله منجزًا وقضيته ممجَّدة.
• ليس خطأ أن نصلي من أجل احتياجاتنا. فقد دعانا يسوع إلى أن نطلب، ’أعطنا خبزنا كفاف يومنا.‘ وفي الوقت نفسه، نحتاج إلى أن يكون لدينا شغف أعظم لمجد الله ومصالحه أكثر من احتياجاتنا.
• يدل هذا على نقاء دافع دانيال في الصلاة. أحيانًا نصلي أن يعمل الله عملًا عظيمًا لكي نُعرَف كعاملين عظماء لله. وينبغي أن نصلي من أجل قضية الرب، بكلماتنا وقلوبنا معًا.
٤. لَا لِأَجْلِ بِرِّنَا نَطْرَحُ تَضَرُّعَاتِنَا أَمَامَ وَجْهِكَ، بَلْ لِأَجْلِ مَرَاحِمِكَ ٱلْعَظِيمَةِ: حتى قبل زمن العهد الجديد، صلى دانيال على أرضية صلبة من العهد الجديد. إذ لم تكن ثقته مرتكزة على صلاحه، بل على صلاح الله.
• وهذا هو ما يعنيه أن نصلي باسم يسوع. فليست هذه مجرد كلمات نلصقها بنهاية صلواتنا. بل يفترض أن تعبر عن حقيقة أننا نصلي بناء على استحقاقات يسوع وبرّه، لا على استحقاقاتنا أو برّنا.
• لم يكن دانيال عظيمًا لأنه صلى. بل كان عظيمًا لأن صلاته كانت التعبير الضروري عن الثقة العظيمة بالله والاعتماد عليه. ويمضي كثيرون ساعات طويلة في الصلاة، لكنها لا تنجز شيئًا، لأنها لا تتجذّر في صلاح الله وبره. فالصلاة المتسمة بالبر الذاتي والاعتماد على النفس لا تحمل قوة أمام الله. “إن واحدة من أكاذيب إبليس هي أنه نجح في إقناع كثيرين بالصلاة بعيدًا عن الإيمان بدم يسوع المسفوك.” تالبوت (Talbot)
٥. يَا سَيِّدُ ٱسْمَعْ. يَا سَيِّدُ ٱغْفِرْ. يَا سَيِّدُ أَصْغِ وَٱصْنَعْ: صلى دانيال كمصارع عظيم حريص للحصول على ميزة. واستشعر انفتاح الله على كل طِلبة، واستجاب الله لطلبات سريعة كثيرة.
• “تابِعْ ميزتك. وابنِ صلاة أخرى أو الاستجابة التي حصلتَ عليها. فإذا حصلتَ على بركة عظيمة، قل: ’لأنه أمال إليّ أُذنه أدعوه. ولأنه سمعني مرة، لذلك أدعوه مرة أخرى.‘” سبيرجن (Spurgeon)
• “تطلب الصلوات الباردة من الله أن يرفضها. فالله لا يستجيب إلا للصلوات المُلِحة. فعندما لا تستطيع كنيسة الله أن تقبل ’لا‘ جوابًا، فإنها ترفض ’لا‘ جوابًا. وعندما تصر النفس المتوسلة على الجواب، وعندما يعمل روح الله بقوة في هذا الشخص بحيث لا يستطيع أن يدع الملاك ينصرف من دون إعطاء بركة، فلن ينصرف الملاك إلا بعد أن يعطي البركة لمثل هذا الشخص المتوسّل. أيها الإخوة، إذا كان بيننا واحد فقط يمكنه أن يصلي كما فعل دانيال، فستأتي البركة بقوة.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. جبرائيل يجلب استجابة لصلاة دانيال
أ ) الآيات (٢٠-٢١): زيارة ملاكية تقطع صلاة دانيال.
٢٠وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَكَلَّمُ وَأُصَلِّي وَأَعْتَرِفُ بِخَطِيَّتِي وَخَطِيَّةِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَأَطْرَحُ تَضَرُّعِي أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِي عَنْ جَبَلِ قُدْسِ إِلهِي، ٢١وَأَنَا مُتَكَلِّمٌ بَعْدُ بِالصَّلاَةِ، إِذَا بِالرَّجُلِ جِبْرَائِيلَ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الرُّؤْيَا فِي الابْتِدَاءِ مُطَارًا وَاغِفًا لَمَسَنِي عِنْدَ وَقْتِ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ.
١. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَكَلَّمُ وَأُصَلِّي: جاءت هذه الاستجابة المثيرة للصلاة قبل أن يكمل دانيال صلاته. قال يسوع: ’لِأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ‘ (متى ٦: ٨). وعندما يبدو أن هنالك تأخيرًا في الاستجابة للصلاة، فإن هنالك سببًا لهذا التأخير. وعندما يحين الوقت الملائم، يمكن لله أن يستجيب فورًا.
• يستجيب الله للصلاة أحيانًا قبل أن نصلي. “وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ” (إشعياء ٦٥: ٢٤).
٢. مُطَارًا وَاغِفًا: هذا هو أحد المواضع في الكتاب المقدس التي تخبرنا أن الملائكة يطيرون. فقد جاء جبرائيل سريعًا، لأنه لا توجد مسافة عظيمة بين السماء والأرض.
٣. عِنْدَ وَقْتِ تَقْدِمَةِ ٱلْمَسَاءِ: كان هذا وقتًا مميزًا من اليوم عندما قدّم موسى حمل الفصح (خروج ١٢: ٦)، وعندما صُلب يسوع (متى ٢٧: ٤٥).
• عندما كان دانيال شابًا في أورشليم، غالبًا ما رأى الدخان يصعد من الهيكل وقت الذبيحة المسائية.
ب) الآيات (٢٢-٢٣): جبرائيل يعلن أنه جلب لدانيال جوابًا لصلاته.
٢٢وَفَهَّمَنِي وَتَكَلَّمَ مَعِي وَقَالَ: «يَا دَانِيآلُ، إِنِّي خَرَجْتُ الآنَ لأُعَلِّمَكَ الْفَهْمَ. ٢٣فِي ابْتِدَاءِ تَضَرُّعَاتِكَ خَرَجَ الأَمْرُ، وَأَنَا جِئْتُ لأُخْبِرَكَ لأَنَّكَ أَنْتَ مَحْبُوبٌ. فَتَأَمَّلِ الْكَلاَمَ وَافْهَمِ الرُّؤْيَا.
١. خَرَجْتُ ٱلْآنَ لِأُعَلِّمَكَ ٱلْفَهْمَ: لم يطلب دانيال في صلاته فهمًا. وبيّنت صلاته أن قلبه كان قريبًا من قلب الله. ولذلك أعلن الله لدانيال كصديق أشياء كثيرة (يوحنا ١٥: ١٥).
• درس دانيال النص في إرميا، لكنه لم يفهم الكثير. وفي هذه الحالة، جاء فهم أكبر بالصلاة. “سيخبركم جميع دارسي كلمة الله أنه عندما تفشل مطارق التعلم والنقد الكتابي في إحداث فتحة في نصّ صوّاني، غالبًا ما تنجز الصلاة هذا الأمر. وستجد هناك بعض قطع الذهب مخبّأة هناك. ويمكننا أن نقول لكل دارس لكلمة الله يريد أن يصبح كاتبًا ماهرًا حسن التوجيه إنه، مع كل الوسائل التي يستخدمها، ومع كل بحثه في كتب التفسير، ومع كل بحثه في اللغات الأصلية، ومع كل أبحاثه بين العلماء المقدَّسين، عليه أن يمزج هذا كله بالصلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
• “يؤكد لوثر أنه غالبًا ما كان يحصل على مزيد من النور الروحي من خلال الصلاة أكثر مما كان يحصل عليه من خلال قراءة كتب كثيرة، أو بالتأمل الدقيق فيها.” تراب (Trapp)
٢. لِأَنَّكَ أَنْتَ مَحْبُوبٌ: عُرِف عن كل من دانيال ويوحنا الرسول (يوحنا ١٣: ٢٣) علاقة محبتهما للرب. وتلقّى الاثنان رسائل نبوية مذهلة.
• فكّر دانيال للتو في مجموعة من ’السبعات‘ المرتبطة بأمّة إسرائيل – السبعين عامًا من السبي الموعود المتنبأ به في إرميا. فكما لو أن الله يقول من خلال جبرائيل: “والآن، سأريك بعض السبعات التي ستذهلك تمامًا.”
• أوضح دانيال مبدأ أنه عندما نطلب الله باجتهاد، غالبًا ما نتلقى أكثر مما نطلب.
ثالثًا. نبوّة السبعين أسبوعًا
أ ) الآية (٢٤أ): تحديد السبعين أسبوعًا لليهود وأورشليم.
٢٤سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ ٱلْمُقَدَّسَةِ.
١. سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ: هنالك إجماع شمولي تقريبًا بين علماء الكتاب المقدس والمفسرين على أن هذا يشير إلى سبع مجموعات من سبع سنوات، أو أسابيع من السنوات.
• تشير الأسابيع في اللغة العبرية القديمة إلى وحدة من سبعة. وغالبًا ما تُستخدم الكلمة العبرية هنا لتفيد معنى وحدة من سبعة أيام. ولكن يمكن أن تُستخدم كوحدة من سبع سنوات.
• “كان لدى اليهود سنوات سبتية تقسَّم بموجبها سنواتها إلى أسابيع من السنوات، كما في هذه النبوة المهمة، حيث يتضمن كل أسبوع سبع سنوات.” كلارك (Clarke)
• نجد في تكوين ٢٩: ١٥-٢٨ مثلًا لاستخدام هذه الكلمة العبرية القديمة (shabuwa) لتشير إلى كل من سبعة أيام وسبع سنوات في السياق نفسه.
٢. عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ ٱلْمُقَدَّسَةِ: ركزت الأسابيع السبعون على شعب دانيال (اليهود) ومدينته المقدسة (أورشليم).
• ما لم تكن الكنيسة قد أصبحت إسرائيل، فإنها ليست منظورة هنا. ويدعو تالبوت الأسابيع السبعين ’تقويم الله لإسرائيل،‘ بمعنى أنها لا تركز على الأمم أو الكنيسة.
ب) الآية (٢٤ب): ما سيتحقق في الأسابيع السبعين.
٢٤لِتَكْمِيلِ ٱلْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ ٱلْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ ٱلْإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِٱلْبِرِّ ٱلْأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ ٱلرُّؤْيَا وَٱلنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ ٱلْقُدُّوسِينَ.
١. لِتَكْمِيلِ ٱلْمَعْصِيَةِ: يبيّن هذا أن المعصية (التعدّي) نفسها ستُنهى. وإذا أخذنا هذا حرفيًّا، فإنه يعني تأسيس نظام جديد كليًّا على الأرض، مع إنهاء تمرد الإنسان ضد الله.
• “ستشهد السنوات المعيّنة خاتمة المعصية (التعدّي أو التمرد) ضد الله – وهو تطور تم الدخول إليه بشكل طبيعي مع إنشاء نظام جديد كليًّا على الأرض. ويبدو أن هذا أمر لا يتطلب أقل من افتتاح ملكوت الله على الأرض.” آرتشر (Archer)
٢. وَتَتْمِيمِ ٱلْخَطَايَا: إذا أخذنا هذه الكلمات في ظاهرها، فإن هذا لا يعني نهاية ذنب الخطية فحسب، بل أيضًا نهاية الخطية نفسها. وهو يعني ’ختم الذنوب‘ أو ’كبحها.‘ ويتطلع هذا إلى عالم جديد مفتدى.
٣. وَلِكَفَّارَةِ ٱلْإِثْمِ: يتوجب أن يتصالح إثم الإنسان مع عدل الله وقداسته. وقد تم إنجاز هذا العمل بوضوح بتقديم الكفارة التي صنعها يسوع على الصليب.
٤. وَلِيُؤْتَى بِٱلْبِرِّ ٱلْأَبَدِيِّ: قد يأخذ المرء هذا بالمعنى الفردي، لكن كان هنالك دائمًا أفراد صالحون. وإذا أخذنا العبارة في ظاهرها، فإنها تعني نظامًا جديدًا للمجتمع أتى به المسيح.
٥. وَلِخَتْمِ ٱلرُّؤْيَا وَٱلنُّبُوَّةِ: يتحدث هذا عن كل من إنهاء النبوة وتحقيقها معًا، مختتمًا بهذا المرحلة النهائية للتاريخ البشري، ومتوِّجًا إياها بحكم ابن الله.
• “لا بد أن يتضمن هذا تتويجه.” آرتشر (Archer)
٦. وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ ٱلْقُدُّوسِينَ: إذا أخذنا هذا النص بمعناه الحرفي البسيط، فإنه يشير إلى مكان، لا إلى شخص – قدس الأقداس – وهو أكثر مكان قداسة في الهيكل. وهو سيُمسَح ويبارَك.
• قدّم جبرائيل بشكل إجمالي إعلانًا مذهلًا لدانيال، حيث إن كل واحد من هذه الأشياء ستحدث ضمن فترة الأسابيع السبعين.
• إذا نظرنا إلى الوراء في التاريخ، لا يمكننا أن نقول إن هذه الأشياء قد تحققت بالفعل إلا إذا تجاهلنا معناها الواضح والبسيط، وأعطيناها معنى روحانيًّا يحل محل معناها الواضح. ويعتقد بعضهم أن هذه الوعود تحققت بشكل عام في انتشار الإنجيل عبر القرون. ومرة أخرى، يتجاهل هذا الاعتقاد المعنى الواضح البسيط لهذه الكلمات.
ج) الآية (٢٥): مسار الأسابيع السبعين وتقسيمها.
٢٥ٱعْلَمْ وَٱفْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ ٱلْأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَٱثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ ٱلْأَزْمِنَةِ.
١. مِنْ خُرُوجِ ٱلْأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا: هنا يعلن جبرائيل لدانيال نقطة بداية نبوة الأسابيع السبعين. إذ كان هنالك أمر باسترداد أورشليم وبنائها في التاريخ بدأ في هذه الفترة المعينة من التاريخ.
• يقدّم الكتاب المقدس أربعة مراسيم ممكنة يمكن أن تحقق هذا الوصف.
أصدر كورش مرسومًا منح بموجبه عزرا والمسبيين في بابل الحق في العودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل في ٥٣٨ ق. م. (عزرا ١: ١-٤؛ ٥: ١٣-١٧).
أصدر داريوس مرسومًا منح بموجبه عزرا الحق في إعادة بناء الهيكل في ٥١٧ ق. م. (عزرا ٦: ٦-١٢).
أصدر أرتحشتا مرسومًا منح بموجبه عزرا إذنًا، وممرًّا آمنًا، ومؤنًا للعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل في ٤٥٨ ق. م. (عزرا ٧: ١١-٢٦).
أصدر أرتحشتا مرسومًا منح بموجبه نحميا إذنًا، وممرًّا آمنًا، ومؤنًا للعودة إلى أورشليم وإعادة بناء المدينة والأسوار في ٤٤٥ ق. م. (نحميا ٢: ١-٨).
• لم يتضمن إلا آخر مرسوم بين هذه المراسيم الأربعة أمرًا باسترداد أورشليم وإعادة بنائها. وأما المراسيم الثلاثة الأولى فقد ركّزت على الهيكل، لا على السوق أو الأسوار.
٢. إِلَى ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَٱثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا: كانت رسالة جبرائيل إلى دانيال بسيطة ومذهلة. ستمر ٤٨٣ سنة، أي ٦٩ وحدة من سبع سنوات من زمن إصدار الأمر في نحميا ٢: ١-٨ إلى ظهور ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ.
• يقول بعضهم إن السنوات الـ ٤٨٣ أُكمِلت في زمن ولادة يسوع (٥ أو ٤ ق. م.). ولا يوجد دعم ترتيب زمني لهذا التاريخ.
• يقول بعضهم إن السنوات الـ ٤٨٣ أُكمِلت عند معمودية يسوع، أي في بداية خدمته (إذا أُرِّخت بتاريخ ٢٦ م.). وهذا أمر ممكن إذا بدأ المرء بمرسوم سابق لأرتحشتا، وحسَبَ حساباته وفق حساباتنا الحالية للسنوات (٣٦٥.٢٥ يومًا لكل سنة) بدلًا من القياس القديم للسنوات (٣٦٠ يومًا لكل سنة).
• يقول بعضهم إن السنوات الـ ٤٨٣ أُكملت عند دخول يسوع الانتصاري (إذا أُرِّخ في ٣٢ م.). وقد اتّبع السير روبرت آندرسون في كتابه ’الرئيس الآتي‘ هذه الحجة بتفصيل كبير.
حسَبَ آندرسون باستخدام سنة من ٣٦٠ يومًا (كما كانت تستخدمها إسرائيل في أيام دانيال) ١٧٣,٨٨٠ يومًا من المرسوم إلى الدخول الانتصاري، مطبّقًا النبوة على ذلك اليوم. “من المعتاد أن يكون لليهود اثنا عشر شهرًا من ٣٦٠ يومًا، ثم يُدخلون شهرًا ثالث عشر من حين إلى آخر عند الضرورة لتصحيح التقويم.” والفورد (Walvoord)
إن تحديد سنة ٣٢ م. (بناء على لوقا ٣: ١) لموت المسيح أمر جدلي. إذ يفضّل بعض المؤرخين ٣٠ أو ٣٣ م. كتاريخ. لكن قامت محاولات حديثة بتقديم بعض الحجج الداعمة لهذا التاريخ. “يحاول مقال حديث أن يعطي مصداقية لتاريخ ٣٢ م. (R.E. Showers, Grace Journal, XI (Winter, ١٩٧٠), pp. ٣٠ff) والأدلة التي يقدمها جديرة بالملاحظة.” وود (Wood)
“لا يستطيع أحد اليوم أن يجزم بشكل قاطع أن حسابات السير روبرت آندرسون (Robert Anderson) مستحيلة.” والفورد (Walvoord)
• يرى بعضهم أن السنوات الـ ٤٨٣ أُكملت في الوقت المحدد للصلب. وهذا رأي الأقلية من المؤرخين. إذ يرى معظم الذين يجدون التاريخ قريبًا من هذا الوقت أنه يخص الدخول الانتصاري أيضًا، وهو الذي سبق الصلب بسبعة أيام.
٣. إِلَى ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ: إذا أخذنا حسابات آندرسون (Anderson) على أنها موثوقة، فإننا نرى تحقيقًا مذهلًا للنبوة. فقد أصدر ملك أُممي مرسومًا، وبعد ٤٨٣ سنة من ذلك، قدّم يسوع نفسه بصفته ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ لإسرائيل.
• نعتقد عادة أن كلمة ٱلرَّئِيسِ (المترجمة إلى ’الأمير‘ بالإنجليزية) درجة أدنى من الملك. لكن هذه الكلمة في اللغة العبرية تحمل معنى ’الحاكم القوي الجبار‘ أكثر من ’ابن الملك ووريث العرش.‘
• “كانت هنالك مناسبة واحدة فقط في خدمة الرب يسوع الأرضية صُوِّر فيها على أنه يقدّم نفسه علنًا على أنه ملك صهيون، وهي المناسبة التي يُطلق عليها ’الدخول الانتصاري‘ المدوّنة في كل من الأناجيل محقّقًا بهذا زكريا ٩: ٩ ومزمور ١١٨: ٢٦.” نيويل (Newell)
في ذلك اليوم، رتّب يسوع هذا الحدث عمدًا ليقدم نفسه بصفته المسيّا (مرقس ١١: ١-١٠).
في ذلك اليوم، رحّب يسوع بالتسبيح له (لوقا ١٩: ٣٨-٤٠) بدلًا من إسكاته (لوقا ٥: ١٤ و٨: ٥٦).
في ذلك اليوم، أشار يسوع إلى أهمية ذلك اليوم (لوقا ١٩: ٤١-٤٢).
• تحققت هذه النبوة على وجه التحديد لدرجة أنها كانت شهادة لكثيرين. “أُجبر باحثون يهود، بسبب الأدلة في هذه الكلمات، على الاعتراف بأن المسيح جاء، وأنه هو يسوع الذي صلبه أجدادهم.” تراب (Trapp)
٤. يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ ٱلْأَزْمِنَةِ: يشير هذا إلى أن إعادة بناء سوق (شوارع) أورشليم وسورها ستحدث في الأسابيع السبعة الأولى المذكورة. وبعد ذلك، سيتبع ذلك ٦٢ أسبوعًا من السنوات إلى مجيء ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ.
• تنقسم الأسابيع السبعون إلى ثلاثة أجزاء:
سبعة أسابيع – ٤٩ سنة إلى أن تُبنى المدينة وأسوارها ثانية.
تسعة وستون أسبوعًا (٧+٦٢) = ٤٨٣ سنة من المرسوم حتى ظهور المسيا الرئيس.
الأسبوع السبعون والأخير لإكمال النبوة.
د ) الآية (٢٦): ما يحدث بعد الأسبوع التاسع والستين.
٢٦وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا.
١. وَبَعْدَ ٱثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ: يُستخدم التعبير الكتابي ’يُقْطَعُ‘ أحيانًا للإشارة إلى الإعدام (انظر تكوين ٩: ١١؛ خروج ٣١: ١٤). أخبر جبرائيل دانيال أن المسيح سيُقْطَعُ من أجل الآخرين ليس من أجله (وَلَيْسَ لَهُ).
• “أظهر المؤرخون المقتدرون أن صلب الرب يسوع المسيح حدث فور انقضاء السنوات النبوية الـ ٤٨٣، والتي كانت تتألف كل واحدة منها من ٣٦٠ يومًا، من وقت مرسوم أرتحشتا.” آيرونسايد (Ironside)
• من الغريب أن مفسّرين مقتدرين كثيرين يتجاهلون هذه الأرقام. يقول بولدوين (Baldwin): “هذه الأرقام رمزية، لا حسابية.”
• كلمة ’يُقْطَعُ‘ وصف مؤثر لحياة يسوع الأرضية بما في ذلك الصليب. “وُلِد في إسطبل رجل آخر، ووُضع في مهد هو مذود لرجل آخر، بلا مكان يسند رأسه عليه أثناء حياته على الأرض، ودُفن في قبر رجل آخر بعد موته على صليب ملعون. لقد قُطع مسيح الله وصديق الذين لا صديق لهم، ولم يكن لديه شيء.” هسلوب (Heslop)
٢. يُخْرِبُ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْقُدْسَ: بعد أن قُطع المسيّا، ستُدمَّر أورشليم وهيكلها مرة أخرى على يد جيش ساحق كالطوفان (بِغَمَارَةٍ). ويتفق كل علماء الكتاب المقدس والمفسرين على أن هذا حدث في تدمير الرومان لأورشليم في عام ٧٠. م.
٣. وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ: يتألف الجيش المدمّر من شعب الرئيس الذي سيأتي. وهذا الرئيس الآتي مذكور في دانيال ٩: ٢٧.
هـ) الآية (٢٧): أحداث الأسبوع السبعين.
٢٧وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ.
١. وَيُثَبِّتُ عَهْدًا: يشير جبرائيل هنا إلى الرئيس الآتي المذكور في الآية السابقة. فإذا عرفنا أن شعب الرئيس هو الذي دمّر أورشليم والهيكل في ٧٠ للميلاد، عندئذٍ يمكننا أن نعرف أن لهذا الرئيس الآتي جذورًا (من حيث النسل) ضاربة في تربة الإمبراطورية الرومانية القديمة.
• ولهذا، فإن الرئيس الآتي سيأتي بطريقة ما كوريث للرومان، كما ستكون آخر حكومة عالمية نهائية وريثة للإمبراطورية الرومانية (دانيال ٧).
٢. وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ: سيقطع الرئيس الآتي عَهْدًا مع إسرائيل على مدى الوحدة الأخيرة من سبع سنوات لإكمال الأسابيع السبعين المتنبّأ بها للشعب اليهودي وأورشليم.
• عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ: تشير كلمة ’كَثِيرِينَ‘ هنا على نحو محدد إلى إسرائيل، لا إلى مجموعة. ويقول النص العبري الأصلي ’وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ الكَثِيرِينَ.‘
• ومع هذا العهد، تحتضن إسرائيل ’ضد المسيح‘ كمسيّا سياسي، إن لم يكن بصفته المسيّا حرفيًا. لقد تنبّأ يسوع في يوحنا ٥: ٤٣: “أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِٱسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِٱسْمِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ تَقْبَلُونَهُ.”
• إذا أخذنا في اعتبارنا ما سيتم إنجازه في الأسابيع السبعين من دانيال ٩: ٢٤، نعلم أن الأسابيع السبعين لم تكتمل بعد. غير أن الأحداث الموعودة في الأسابيع التسعة والستين قد تحققت، ما يشير إلى ’توقف‘ مطوَّل في الأسابيع السبعين بين الأسبوع التاسع والستين والأسبوع السبعين. إذ سيبدأ الأسبوع الأخير (السبعون) عندما يثبّت الرئيس الآتي عهدًا مع الشعب اليهودي. وقد تبدو هذه الفجوات أو فترات التوقف في النبوة غريبة بالنسبة لنا، لكنها شائعة. إذ تُظهر مقارنة إشعياء ٩: ٦ مع لوقا ١: ٣١-٣٣ فترة توقف كبيرة أو فجوة في ما يتعلق بمجيء المسيّا.
• يمكننا التفكير في هذا الأمر على هذا النحو: لقد عيّن الله ٤٩٠ سنة من التركيز الخاص على إسرائيل في خطته الفدائية. وقد أُوقفت السنوات بسبب رفض إسرائيل ليسوع. والآن، لا يوجد تركيز خاص على إسرائيل في خطة الله الفدائية، لأن هذا هو وقت الكنيسة. وسيعود تركيز الله على إسرائيل بعد أن تؤخذ الكنيسة (في الاختطاف). وستبدأ السنوات السبع الأخيرة من حكم الإنسان على هذه الأرض.
• “سيبدأ الأسبوع السبعون عندما يُسترد الشعب اليهودي في عدم إيمان إلى أرضهم ومدينتهم. وستكون بينهم بقية أمينة تعترف بخطاياها وتطلب وجه الرب.” – كتب هنري آيرونسايد (Henry Ironside) هذا في عام ١٩١١.
٣. وَفِي وَسَطِ ٱلْأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ ٱلذَّبِيحَةَ وَٱلتَّقْدِمَةَ: سينقُض الرئيس الآتي عهده مع إسرائيل في وسط السنوات السبع، أي الأسبوع الأخير، الأسبوع السبعين.
• يرى سفر الرؤيا أن فترة السبع سنوات هذه بنصفيها مستقبلية (رؤيا ١٢: ٦، ١٣-١٤؛ ١٣: ٥-٩، ١٤-١٥). فلم يكن وَسَطُ ٱلْأُسْبُوعِ أو إبطال الذبيحة قد حدثا بعد في عام ٩٠ م. (عند كتابة يوحنا لسفر الرؤيا).
٤. وَعَلَى جَنَاحِ ٱلْأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ: سيتبع إبطال الذبيحة أرجاسٌ وخراب هائل.
• الكلمة العبرية المترجمة إلى ’ٱلْأَرْجَاسِ‘ هي (shiqquwts) وهي مرتبطة بعبادة الأوثان المروّعة (تثنية ٢٩: ١٧؛ ١ ملوك ١١: ٥-٧؛ ٢ ملوك ٢٣: ١٣). والفكرة هنا أن الرئيس الآتي ينقُض العهد ويضع حدًّا لتقديم الذبائح والتقدمات من خلال تدنيس المكان المقدس بعبادة أوثان مروّعة.
• دعا يسوع هذا ’رجسة الخراب‘ (متى ٢٤: ١٥)، وأشار إلى أن هذه علامة محورية في الضيقة العظيمة. وأشار بولس العبادة الوثنية للرئيس الآتي في ٢ تسالونيكي ٢: ٣-٤.
٥. حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ ٱلْمَقْضِيُّ عَلَى ٱلْمُخَرِّبِ: لنقض العهد ولرجسة الخراب اكتمال موعود. فقبل اكتمال الأسبوع السبعين، ستحدث كل الأشياء المذكورة في دانيال ٩: ٢٤. وبعد ذلك سيملك البر الأبدي.
أسابيع دانيال السبعون
كما فهمها السِّير روبرت آندرسون (Sir Robert Anderson)
في كتابه ’الرئيس الآتي‘ (The Coming Prince)
تقول دانيال ٩: ٢٤-٢٥ إنه من مرسوم إعادة بناء أورشليم إلى مجيء المسيّا ستكون هنالك ٤٨٣ سنة.
٧ + ٦٢ أسبوعًا = ٦٩ مجموعة من سبع سنوات. ٧ مضروبة بـ ٦٩ = ٤٨٣ سنة.
فهِم آندرسون أن السنة النبوية هي ٣٦٠ يومًا. ويرتكز هذا على التاريخ القديم وعلى رؤيا ١١: ٢ و١٣: ٥ و١١: ٣ و١٢: ٦ التي تشير إلى أن ٤٢ شهرًا (ثلاث سنوات ونصف السنة) تساوي ١٢٦٠ يومًا.
ولهذا، فإن ٤٨٣ سنة مضروبة بـ ٣٦٠ يومًا = ١٧٣,٨٨٠ يومًا.
بدأ أرتحشتا حكمه في عام ٤٦٥ ق. م. وقد أُعطي المرسوم بإعادة بناء أورشليم في اليوم الأول من نيسان (العبري) في السنة العشرين من حكم أرتحشتا. وحسب نظامنا الحالي للتقويم (تقويم جوليان)، فإن هذا يوافق ١٤ آذار من عام ٤٤٥ ق. م. (نحميا ٢: ١).
بدأ يسوع خدمته في السنة الخامسة عشرة من حكم طايبيريوس (انظر لوقا ٣: ١). وقد بدأ طايبيريوس حكمه في ١٤ م. ولهذا، بدأ يسوع خدمته في ٢٩ م. واعتقد آندرسون أن يسوع كان يحتفل بأعياد الفصح أثناء خدمته، مرة في كل من ٢٩ م. و٣٠ م. و٣١ م. وكان آخر فصح احتفل به كان في ٣٢ م. ويمكننا باستخدام الجداول القمرية أن نحسب التاريخ القديم لأعياد الفصح القديمة. ولهذا، فإن من الممكن أن نحسب اليوم الدقيق ليوم دخول يسوع الانتصاري إلى أورشليم على أنه في السادس من شهر نيسان من عام ٣٢ م.
من ٤٤٥ ق. م. إلى ٣٢ م. هنالك ٤٦٧ سنة حسب تقويم جوليان
(لا ٤٧٧ سنة، لأنه لا توجد سنة صفر)
٤٦٧ مضروبة بـ ٣٦٥ يوم = ١٧٣,٧٤٠ يومًا
يضيف تعديل الفرق بين ١٤ آذار و٦ نيسان ٢٤ يومًا
يضيف تعديل السنوات الكبيسة على مدى فترة ٤٧٦ سنة ١١٦ يومًا
العدد الكلي للأيام من ١٤ آذار ٤٤٥ ق. م. إلى ٦ نيسان ٣٢ م.
هو ١٧٣,٧٤٠ + ٢٤ + ١١٦ = ١٧٣,٨٨٠ يومًا.
وحسب هذا التقويم، أخبرنا دانيال أنه ستكون هنالك ١٧٣,٨٨٠ يومًا بين المرسوم ووصول المسيح الرئيس.
قال يسوع لليهود في زمنه: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ». (لوقا ١٩: ٤٢). وقال داود عن هذا اليوم في مزمور ١١٨: ٢٤: «هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ».