سفر دانيال – الإصحاح ١٢
وقت ضيق لإسرائيل
أولًا. زمن الضيق المقضي لإسرائيل
أ ) الآية (١أ): وقت مستقبلي لضيقة إسرائيل.
١وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ.
١. وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ: لا يعني هذا أن ما تمّ وصفه في دانيال ١٢: ١ حدث مباشرة بعد الأحداث المذكورة في دانيال ١١: ٣٦-٤٥. بل يعني أنه حدث في الحقبة نفسها.
٢. يَقُومُ مِيخَائِيلُ: غالبًا ما يُربط الملاك مِيخَائِيل بالمعارك الروحية (دانيال ١٠: ١٣، ٢١؛ يهوذا ١: ٩؛ رؤيا ١٢: ٧). وبما أن ميخائيل يُدعى رئيس الملائكة (يهوذا ١: ٩)، فإنه النقيض الحقيقي لإبليس. وليس إبليس نقيضًا ليسوع، بل نقيضًا لميخائيل، هذا الملاك رفيع المستوى.
٣. ٱلرَّئِيسُ ٱلْعَظِيمُ ٱلْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ: لدى ميخائيل مهمة خاصة، إضافة إلى دوره كمحارب روحي، في حماية إسرائيل. فقد عيّنه الله وصيًّا على شعب الله.
٤. وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيقٍ: يشير هذا إلى وقت اضطهاد لإسرائيل ومحنة كارثية عالمية تُعرف باسم ’الضيقة العظيمة.‘ وتُدعى أيضًا ’وقت ضيق على يعقوب‘ في إرميا ٣٠: ٧.
٥. لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ: عرف الشعب اليهودي أوقات ضيق عبر تاريخهم. فمنذ أهوال سقوط السامرة وأورشليم، إلى الأهوال التي جلبها أنتيخوس أبيفانس، إلى دمار أورشليم على أيدي الرومان، إلى اضطهادهم من قبل الكنيسة في العصور المظلمة، إلى المذابح في أوروبا، إلى المحرقة (الهولوكوست) في القرن العشرين، يبدو أن كل تاريخ إسرائيل كان وقت ضيق. غير أن وقت الضيق الآتي هذا سيكون مختلفًا عما رأته إسرائيل من قبل.
• اقتبس يسوع هذا النص في متى ٢٤: ٢١ “لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ٱبْتِدَاءِ ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلْآنَ وَلَنْ يَكُونَ.” علينا أن نقول بحزن شديد إن الكتاب المقدس يُعلم أن أوقات أسوأ ستأتي حتمًا على إسرائيل والشعب اليهودي.
• تثبّت هذه الصلة بالضيقة النهائية أو العظيمة المذكورة سابقًا، لأن من الواضح أنه سيكون وقت ضيق لم يحدث من قبل، ولم تعرفه أمّة قط حتى ذلك الوقت.” نيويل (Newell)
• تخبرنا رؤيا ١٢: ١٣-١٧ ما الذي يجعل هذا الوقت فظيعًا إلى هذا الحد. فهي تصف غضب إبليس الموجه نحو الشعب اليهودي أثناء ذلك الوقت. وتصف الأبواق والختوم والجامات في سفر الرؤيا الأحوال الفظيعة في تلك الفترة. وسيكون الشعب اليهودي هدفًا لغضب إبليس وضد المسيح أثناء ذلك الوقت. وسيعيشون في عالم ممتلئ باضطراب لا يصَدَّق بسبب دينونة الله.
• “كان اليهود على الدوام هدفًا لإبليس. لقد سعى إبليس إلى تدمير اليهود لأنه علم أن الله قضى أن يحقق مقاصده من خلال هذه الأمّة. وهكذا حاول إبليس في الماضي تدمير أمّة إسرائيل لكي يحبط مقاصد الله.” سميث (Smith)
ب) الآية (١ب): وعد بالإنقاذ.
١… وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي ٱلسِّفْرِ.
١. وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ: رغم أهوال ذلك الوقت، إلا أن الخلاص مضمون. فمهما عظُم الهجوم على شعب الله، فإن الرب يعِد بالحفاظ عليهم. فلن يخلف وعده لإبراهيم أبدًا: “وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لِأَكُونَ إِلَهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ” (تكوين ١٧: ٧).
٢. كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي ٱلسِّفْرِ: ليس هذا وعدًا بالخلاص لكل شخص من التراث اليهودي، بل لكل المكتوبين في سفر الحياة. فلن يخلص كل شخص من أصل يهودي، لكن إسرائيل ستُعرف كشعب يثقون بيسوع بصفته مسيّاهم ويلجؤون إلى الرب (رومية ١١: ٢٥-٢٧).
ثانيًا. القرار بالقيامة
أ ) الآية (٢): قيامة الأموات.
٢وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلْأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلَاءِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ إِلَى ٱلْعَارِ لِلِٱزْدِرَاءِ ٱلْأَبَدِيِّ.
١. وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلْأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ: يعتقد بعضهم أن هذا يشير إلى قيامة إسرائيل كأمّة. لكن المعنى الأوضح هو أنه إشارة إلى قيامة الجسد بشكل عام.
٢. هَؤُلَاءِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ إِلَى ٱلْعَارِ لِلِٱزْدِرَاءِ ٱلْأَبَدِيِّ: يعلّم الكتاب المقدس بوضوح عن قيامتين، واحدة للمخلَّصين، وأخرى للملعونين (يوحنا ٥: ٢٩؛ رؤيا ٢٠: ٤-٦؛ رؤيا ١١-١٥). فإذا آمنّا حقًّا بأن كل واحد منّا سيحيا إلى الأبد، فستتغيّر حياتنا بشكل عميق إلى الأبد.
• لِلِٱزْدِرَاءِ ٱلْأَبَدِيِّ: لن ينتهي رعب الجحيم أبدًا. فلن يوجد فناء سعيد بعد فترة من العقاب. إذ ينفي هذا النص عقيدة صاعدة داخل الكنيسة، وهي إفناء معدَّل يعلّم أن الأشرار غير المبررين يُرسَلون إلى الجحيم ليعانوا من العذاب لفترة، وبعد ذلك تهلك كينونتهم إلى الأبد.
• تصف رؤيا ٢٠: ١٠ بشكل مؤكد العقاب الأبدي لإبليس وضد المسيح. “لا توجد أية طريقة ممكنة في اللغة اليونانية للتصريح بشكل توكيدي بوجود عقاب أبدي للهالكين أقوى مما نجده هنا باستخدام ’نَهَارًا وَلَيْلًا‘ وتعبير ’إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ،‘ وهو حرفيًّا ’إلى دهور الدهور.‘” والفورد (Walvoord)
• من ناحية منطقية، لا بد أن يكون الجحيم أبديًّا، لأنه المكان الذي يتوجب فيه أن تدفع الكائنات الناقصة عقوبة مستمرة على خطاياها، حيث لا تستطيع أبدًا أن تقدم ثمنًا كاملًا لخطاياها. وتذكّرنا المبادئ المتعلقة بالذبائح في العهد القديم بأنه لا بد أن يكون هناك دفع مستمر للخطايا.
٣. وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلْأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ: تعلّمنا كلمة الله ككل أنه ليس كثيرون فقط سيقامون. إذ توجد أدلة على أن الكلمة العبرية المترجمة إلى ’كثيرين‘ هنا في دانيال ١٢: ٢ يمكن أن تُستخدم أيضًا للإشارة إلى الجميع. “لا يقع التوكيد هنا على ’كثيرين‘ مقابل ’الجميع،‘ بل على الأعداد المعنية.” بولدوين (Baldwin)
• وفضلًا عن ذلك، يقول الكتاب المقدس إن الجميع سيقامون، لكن ليس كلهم في الوقت نفسه، أو بالطريقة نفسها (رؤيا ٢٠: ٥-٦).
• “سيقام الأشرار أيضًا، لكن حسب مبدأ آخر، ولقصد آخر. إذ سيخرجون من قبورهم مثل ضفادع قذرة بعد هذه العاصفة الرهيبة.” تراب (Trapp)
ب) الآية (٣): وعد للأبرار.
٣وَٱلْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ ٱلْجَلَدِ، وَٱلَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى ٱلْبِرِّ كَٱلْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ ٱلدُّهُورِ.
١. وَٱلْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ ٱلْجَلَدِ: سيضيء الذين يحيون في كلمة الله. ورغم كل المصائب الكلية وكل المصاعب التي تأتي على إسرائيل، فإن لدى الله أشخاصًا فاهمين (حكماء)، وسيضيئون.
٢. وَٱلَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى ٱلْبِرِّ كَٱلْكَوَاكِبِ: الفاهمون هنا هم الحكماء بين شعب الله الذين يردّون كثيرين إلى البر.
• كل شعب الله كواكب (نجوم) بمعنى أنهم يشعّون نورًا ويساعدون آخرين على أن يروا ويجدوا طريقهم. لكن من المؤكد أن الذين يردّون كثيرين سيشعون بسطوع أقوى، حيث إنهم ساعدوا أشخاصًا أكثر على رؤية النور ورؤية طريقهم.
• ينطبق الوعد على كل الفهماء وعلى كل الذين يردّون كثيرين إلى البر على مدى العصور. لكن قد يكون لهذا تطبيق خاص على الـ ١٤٤.٠٠٠ كارزًا من أسباط إسرائيل أثناء الضيقة العظيمة (رؤيا ٧).
٣. إِلَى أَبَدِ ٱلدُّهُورِ: سيدوم سطوع حكماء الله، والذين يردّون كثيرين إلى البر، إلى أبد الآبدين. فلن يتلاشى ضياؤهم. بل سيدوم، بينما لا تحمل أشياء كثيرة نبذل جهدنا فيها، حتى لو نجحت، إلاّ لمعانًا مؤقتًا فقط. ولهذا يستحق الأمر أن نستثمر حياتنا في الأشياء التي تدوم إلى أبد الآبدين.
ثالثًا. خاتمة السفر
أ ) الآية (٤): تعليمات لختم السفر.
٤«أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيآلُ فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. كَثِيرُونَ يَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ تَزْدَادُ».
١. فَأَخْفِ (أغلق) ٱلْكَلَامَ وَٱخْتِمِ ٱلسِّفْرَ: يوحي إخفاء الكلام أو إقفاله هنا بضرورة حفْظه بشكل آمن إلى وقت الحاجة إليه. ويحمل تعبير ’ختم‘ السفر معنى مزدوجًا من توثيق الرسالة (تأكيد أصالتها) وحفظها.
٢. إِلَى وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ: كانت لنبوءة دانيال قيمة ما في زمنه، لكن سيأتي يوم، وقت النهاية، عندما تكون أكثر أهمية. ولذلك، فإن من المهم إغلاق الكلام وختم السفر إِلَى وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ.
• “يتوجب علينا أن ننتظر إِلَى وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ. ويظهر من الحسابات التالية أنه لن يصل قبل القرن العشرين. وهذا سبب عدم فهم هذه النبوات في الوقت الحاضر بشكل كامل. فقد ختمها الله.” آدم كلارك (Adam Clarke) – ١٨٢٥
٣. كَثِيرُونَ يَتَصَفَّحُونَهُ (يذهبون ويجيئون) وَٱلْمَعْرِفَةُ تَزْدَادُ: يصف دانيال هنا سمة من سمات وقت النهاية. وينظر بعضهم إلى النص حرفيًّا على أنه يتحقق في الأسفار والترحال والانفجار المعلوماتي في وقتنا الحالي.
• كَثِيرُونَ يَتَصَفَّحُونَهُ وَٱلْمَعْرِفَةُ تَزْدَادُ: يحمل هذا التعبير معنى السعي والبحث عن المعرفة أكثر منه كإشارة إلى أشكال التنقل السريعة.
• “الفكرة هنا هي أن الناس سيركضون هنا وهناك محاولين العثور على أجوبة عن أسئلة مهمة، ولا سيما في ما يتعلق بأحداث المستقبل.” وود (Wood)
• “المعنى الصحيح هو أن كثيرين سيدرسون السفر بشكل وافٍ (حسب الترجمة العربية). ونتيجة لذلك، ستزداد المعرفة بالسفر نفسه.” نيويل (Newell)
٤. فَأَخْفِ ٱلْكَلَامَ وَٱخْتِمِ ٱلسِّفْرَ: لقد كشف دانيال لنا ما يكفي حتى يمكن ختم السفر حقًّا. فمن دانيال ١١: ٣٦ إلى دانيال ١٢: ٣ نرى ما يلي:
• حاكمًا عالميًّا مقاومًا لله بشكل كامل
• دينًا عالميًّا بناء على رجسة الخراب
• حربًا عالمية تهزم الحاكم
• وقت ضيق عظيم لإسرائيل يدوم ثلاث سنوات ونصف السنة
• إنقاذ شعب الله بعد الضيقة
• قيامة ودينونة
• مكافأة الأبرار
ب) الآيات (٥-٧): حتى متى يدوم وقت الضيق؟
٥فَنَظَرْتُ أَنَا دَانِيآلَ وَإِذَا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ قَدْ وَقَفَا وَاحِدٌ مِنْ هُنَا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، وَآخَرُ مِنْ هُنَاكَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ. ٦وَقَالَ لِلرَّجُلِ اللاَّبِسِ الْكَتَّانِ الَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ النَّهْرِ: «إِلَى مَتَى انْتِهَاءُ الْعَجَائِبِ؟» ٧فَسَمِعْتُ الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الْكَتَّانِ الَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ النَّهْرِ، إِذْ رَفَعَ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ نَحْوَ السَّمَاوَاتِ وَحَلَفَ بِالْحَيِّ إِلَى الأَبَدِ: « إِنَّهُ إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ. فَإِذَا تَمَّ تَفْرِيقُ أَيْدِي الشَّعْبِ الْمُقَدَّسِ تَتِمُّ كُلُّ هذِهِ».
١. وَإِذَا بِٱثْنَيْنِ آخَرَيْنِ قَدْ وَقَفَا وَاحِدٌ مِنْ هُنَا عَلَى شَاطِئِ ٱلنَّهْرِ، وَآخَرُ مِنْ هُنَاكَ عَلَى شَاطِئِ ٱلنَّهْرِ: عاد دانيال إلى ضفة النهر الذي ذُكر سابقًا في دانيال ١٠: ٤. فقد حدثت رؤى دانيال عندما وقف على ضفة النهر هذا.
٢. وَقَالَ لِلرَّجُلِ ٱللَّابِسِ ٱلْكَتَّانِ ٱلَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ ٱلنَّهْرِ: «إِلَى مَتَى انْتِهَاءُ الْعَجَائِبِ؟»: على ما يبدو أن الرجلين الآخرين الواقفين على ضفتي النهر كانا ملاكين. وسأل أحدهما الآخر، لا لمنفعته الشخصية، بل لمنفعة دانيال ولمنفعتنا أيضًا.
٣. إِذْ رَفَعَ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحَلَفَ بِٱلْحَيِّ إِلَى ٱلْأَبَدِ: أعلن أحد الملاكين، في قَسَم جليل، أن وقت الضيق سيدوم ثلاث سنوات ونصف السنة (إِنَّهُ إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ).
• تمّ توكيد النبوة بقَسَم جليل وبمعجزة مصاحبة للكلام (ٱلَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ ٱلنَّهْرِ). لقد مشى الملاك على الماء عندما أخبر الملاك الآخر ودانيال أن هذه الأمور ستحدث على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة.
٤. إِنَّهُ إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ: إن فترة الثلاث سنوات ونصف السنة معروفة جيدًا أيضًا في مواضع أخرى من النصوص النبوية الكتابية.
• وصفت دانيال ٧: ٢٥ هذه الفترة على أنها الفترة التي سيسلَّم فيها القديسون إلى يد ضد المسيح.
• وصفت دانيال ٩: ٢٧ هذه الفترة على أنها الفترة بين قيام ضد المسيح بكسر عهده مع إسرائيل وإقامة رجسة الخراب وتأسيس ملكوت يسوع.
• وصفت دانيال ١٢: ٧ هذه الفترة على أنها وقت ضيق لإسرائيل.
• وصفت رؤيا ١١: ٢ هذه الفترة على أنها الفترة التي تداس فيها المدينة من قبل الأمم.
• وصفت رؤيا ١١: ٣ هذه الفترة على أنها فترة خدمة للشاهدين.
• وصفت رؤيا ١٢: ٦ و١٢: ١٤ هذه الفترة على أنها الفترة التي تُحفَظ فيها إسرائيل (ربما البقية التقية منها فقط) من الله في البرية.
• وصفت رؤيا ١٣: ١٥ هذه الفترة على أنها مدة سلطة ضد المسيح في الحكم، واضطهاده، وتجديفه.
إذا أخذنا هذه الأمور كلها معًا، يتضح لنا أننا نتعامل مع النصف الأخير من أسبوع دانيال (الضيقة العظيمة). ولا نعرف إلا القليل جدًّا عن النصف الأول منه.
٥. فَإِذَا تَمَّ تَفْرِيقُ أَيْدِي ٱلشَّعْبِ ٱلْمُقَدَّسِ تَتِمُّ كُلُّ هَذِهِ: سيبدو شعب إسرائيل بعد انتهاء هذه الأمور محطّمين تمامًا مع انتهاء هذه الأشياء. لكن في ذلك الوقت، سيعود المسيح الذي سيؤمنون به قبل عودته، ليخلّصهم.
ج) الآية (٨): سؤال دانيال الأخير: مَا هِيَ آخِرُ هَذِهِ؟
٨وَأَنَا سَمِعْتُ وَمَا فَهِمْتُ. فَقُلْتُ: «يَا سَيِّدِي، مَا هِيَ آخِرُ هذِهِ؟»
١. وَأَنَا سَمِعْتُ وَمَا فَهِمْتُ: هذا أمر مُعَزٍّ. إذ لم يفهم دانيال كل شيء أيضًا، رغم أنه سمعه من مصدره الأول.
٢. مَا هِيَ آخِرُ هَذِهِ؟: ربما طرح دانيال هذا السؤال لأنه كان قلقًا، مدركًا مدى فظاعة وقت الضيق.
د ) الآيات (٩-١٣): سيحفظ الله شعبه، وينقّيه، ويضع حدًّا لأيام وقت الضيق.
٩فَقَالَ: «اذْهَبْ يَا دَانِيآلُ لأَنَّ الْكَلِمَاتِ مَخْفِيَّةٌ وَمَخْتُومَةٌ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. ١٠كَثِيرُونَ يَتَطَهَّرُونَ وَيُبَيَّضُونَ وَيُمَحَّصُونَ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَفْعَلُونَ شَرًّا. وَلاَ يَفْهَمُ أَحَدُ الأَشْرَارِ، لكِنِ الْفَاهِمُونَ يَفْهَمُونَ. ١١وَمِنْ وَقْتِ إِزَالَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَإِقَامَةِ رِجْسِ الْمُخَرَّبِ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا. ١٢طُوبَى لِمَنْ يَنْتَظِرُ وَيَبْلُغُ إِلَى الأَلْفِ وَالثَّلاَثِ مِئَةٍ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلاَثِينَ يَوْمًا. ١٣أَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ إِلَى النِّهَايَةِ فتَسْتَرِيحَ، وتَقُومَ لِقُرعَتِكَ فِي نِهَايَةِ الأَيَّامِ».
١. ٱذْهَبْ يَا دَانِيآلُ: لا يُقصد بالأمر ’ٱذْهَبْ‘ الانتقال جسميًّا إلى مكان آخر. بل يطلب الملاك من دانيال أن يبتعد ذهنيًّا عن الاستجواب. وستُكشف تفاصيل أخرى لاحقًا. لكن يتوجب على دانيال أن يَقْنَع بما أعلنه الله حتى الآن.
٢. لِأَنَّ ٱلْكَلِمَاتِ مَخْفِيَّةٌ وَمَخْتُومَةٌ إِلَى وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ: يتوجب على دانيال أن يبتعد ذهنيًّا عن الاستجواب، لأن كشف هذه الأمور لن يأتي إلاّ وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ. وحتى ذلك الحين، هنالك معنى بموجبه تكون النبوة مَخْفِيَّةٌ وَمَخْتُومَةٌ.
• لا ينبغي أن نعتقد أنه لم يكن هنالك إرشاد أو بركة أو منفعة في هذه الكلمات إلاّ عند الوصول إلى وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ. لكن معنى هذه النبوات سيكون أقل غموضًا في وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ.
• يفترض في أن الاهتمام الهائل بالنبوات، والتطور المذهل في دراسة نبوات الكتاب المقدس في السنوات الـ ١٥٠ سنة الماضية يجعلنا نرى أننا حقًّا في وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ.
• إن إحدى الحجج الشائعة ضد بعض أفهام (جمع فهم) النبوة الكتابية هي قولهم: “أفكارك جديدة. فالكنيسة الأولى أو المؤمنون الأوائل عبر العصور لم يعلّموا هذه الأمور. فأفكارك خطأ لأنها جديدة.” لكن هذه الرسالة الموجهة إلى دانيال، وهي: لأَنَّ الْكَلِمَاتِ مَخْفِيَّةٌ وَمَخْتُومَةٌ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ، ينبغي أن تجعلنا نفكر بطريقة مختلفة.
• وفضلًا عن ذلك، عندما نلقي نظرة على تاريخ الكنيسة، نرى أن الله جعل الكنيسة تركز على مجالات معينة من العقيدة على التوالي في فترات مختلفة. وقد صار فهمنا لنواحٍ كثيرة من التعليم الكتابي أكثر تحديدًا ودقة بعد أن دفع الله الكنيسة إلى التركيز على تلك الناحية من العقيدة.
• فعلى سبيل المثال، ركزت الكنيسة في القرون ٢-٤ على عقيدة الكتاب المقدس. وفي القرن الرابع، انصب التركيز على عقيدة الله (في الثالوث الأقدس). وفي القرن الخامس، انصب التركيز على عقيدة المسيح. وفي القرن الخامس حتى السابع، انصب التركيز على عقيدة الإنسان. وفي القرون ١٥-١٧، انصب التركيز على عقيدة الخلاص. وفي القرنين ١٦ و١٧ انصب التركيز على عقيدة الكنيسة. ولذلك لا ينبغي أن نفاجأ أنه لم يكن هنالك تركيز على عقيدة الأخرويات وعودة المسيح – وَقْتِ النِّهَايَةِ – إلاّ في القرنين ١٩ و٢٠.
٣. كَثِيرُونَ يَتَطَهَّرُونَ وَيُبَيَّضُونَ وَيُمَحَّصُونَ: هذا توقُّع مستقبلي آخر بالنسبة لدانيال، لأن درجة التطهير هذه لن تكون ممكنة إلا بعد عمل يسوع المسيح المكتمل على الصليب.
٤. أَمَّا ٱلْأَشْرَارُ فَيَفْعَلُونَ شَرًّا: يمكننا القول على وجه التحديد إن هذا التوقع متعلق بآخر الأزمان، عندما يستشري الشر أكثر مما مضى (كما في ضد المسيح وحكومته)، لكن عددًا لا يُحصى من الأشخاص سيخْلص أيضًا (كما نرى في رؤيا ٧: ٩-١٠).
٥. وَمِنْ وَقْتِ إِزَالَةِ ٱلْمُحْرَقَةِ ٱلدَّائِمَةِ (اليومية) وَإِقَامَةِ رِجْسِ ٱلْمُخَرَّبِ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا: كانت هذه نبوة دقيقة على نحو مذهل. إذ قال دانيال إنه من وقت رجسة الخراب، يمكنك أن تضع علامات على التقويم الخاص بك حتى الإكمال النهائي لكل الأشياء، بعد ١٢٩٠ يومًا.
• هذا هو السبب الذي دفع يسوع إلى الإشارة إلى نبوة دانيال حول رجسة الخراب كعلامة على رجوعه الفوري (متى ٢٤: ١٥).
٦. طُوبَى لِمَنْ يَنْتَظِرُ وَيَبْلُغُ إِلَى ٱلْأَلْفِ وَٱلثَّلَاثِ مِئَةٍ وَٱلْخَمْسَةِ وَٱلثَّلَاثِينَ يَوْمًا: يصعب تحديد العلاقة بين السنوات الثلاث ونصف السنة المذكورة في مواضع كثيرة والـ ١٣٥٥ يومًا المذكورة هنا. ويمكننا القول إنه في نهاية الـ ١٢٦٠ يومًا سيعود المسيح، وستعيَّن حكومته رسميًّا. وفي نهاية الـ ١٣٣٥ يومًا، سيحاكِم المسيح الشعوب (متى ٢٥: ٣١-٤٦).
• “من الممكن أن تكون هذه فترة محاكمة للذين عاشوا عبر فترة الضيقة العظيمة ونجوا بطريقة ما من المحرقة (الهولوكوست)، عندما يسكب الله دينونته على الأرض، وعندما يُحضَرون ليمثلوا أمام المسيح عند هذه الدينونة. وستستغرق هذه المحاكمة أو الدينونة خمسة وأربعين يومًا.” سميث (Smith)
٧. أَمَّا أَنْتَ فَٱذْهَبْ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ: امتلأ ذهن دانيال بأفكار نبوية مثيرة ومخيفة. وربما كان أسهل أن تصبح هذه الأشياء إلهاء له بدلًا من أن تكون بركة له. وقد ختم الملاك حديثه بتذكير مهم: ٱذْهَبْ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ. إذ كان لدى الله مسار أراد لدانيال أن يكمله. وكان على دانيال أن يظل محتفظًا بتركيزه على هذا المسار.
• استخلص آدم كلارك النقاط التالية من دانيال ١٢: ١٣
لكل إنسان طريقه الذي يمضي فيه.
لكل إنسان نهايته.
هنالك راحة مقدمة لشعب الله.
هنالك ميراث لشعب الله.
• في نهاية إنجيل يوحنا، أخبر يسوع بطرس عن مصيره، كيف أنه سيموت شهيدًا من أجل ربّه. وأراد بطرس أن يعرف عن مصير يوحنا، ولهذا سأل يسوع: ’وَهَذَا مَا لَهُ؟‘ كان الجواب الأساسي الذي قدمه يسوع لبطرس هو: ’ليس هذا من شأنك! اتبعني أنت فحسب!‘ (يوحنا ٢١: ٢٢) وبنفس الطريقة، لم يكن على دانيال أن يقضي كل وقته في التكهن حول أمور لن يستطيع أن يعرفها. بل كان عليه ببساطة أن يطيع الأمر: ’أَمَّا أَنْتَ فَٱذْهَبْ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ (نهايتك).‘ وهو أمر يتوجب علينا جميعًا أن نفعله.