٢ صموئيل ١٨
هزيمة أبشالوم
أولًا. هزيمة أبشالوم وموته.
أ ) الآيات (١-٤): داود يضع الجيش تحت قيادة ثلاثة قوّاد.
١وَأَحْصَى دَاوُدُ ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي مَعَهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ. ٢وَأَرْسَلَ دَاوُدُ ٱلشَّعْبَ ثُلْثًا بِيَدِ يُوآبَ، وَثُلْثًا بِيَدِ أَبِيشَايَ ٱبْنِ صَرُويَةَ أَخِي يُوآبَ، وَثُلْثًا بِيَدِ إِتَّايَ ٱلْجَتِّيِّ. وَقَالَ ٱلْمَلِكُ لِلشَّعْبِ: «إِنِّي أَنَا أَيْضًا أَخْرُجُ مَعَكُمْ». ٣فَقَالَ ٱلشَّعْبُ: «لَا تَخْرُجْ، لِأَنَّنَا إِذَا هَرَبْنَا لَا يُبَالُونَ بِنَا، وَإِذَا مَاتَ نِصْفُنَا لَا يُبَالُونَ بِنَا. وَٱلْآنَ أَنْتَ كَعَشْرَةِ آلَافٍ مِنَّا. وَٱلْآنَ ٱلْأَصْلَحُ أَنْ تَكُونَ لَنَا نَجْدَةً مِنَ ٱلْمَدِينَةِ». ٤فَقَالَ لَهُمُ ٱلْمَلِكُ: «مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ أَفْعَلُهُ». فَوَقَفَ ٱلْمَلِكُ بِجَانِبِ ٱلْبَابِ وَخَرَجَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِئَاتٍ وَأُلُوفًا.
١. وَأَحْصَى دَاوُدُ ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي مَعَهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ: كان داود يعرف تمامًا ما ينبغي أن يفعله في تنظيم جيشه. فقد قسّم الجيش إلى ثلاث فرق تحت قيادة يوآب، وأبشاي، وأتّاي الجتّي.
٢. إِنِّي أَنَا أَيْضًا أَخْرُجُ مَعَكُمْ: عرف داود أن آمِر الجيش ينبغي أن يكون في المعركة. فلم يُرِد أن يكرر الخطأ السابق في عدم الذهاب إلى المعركة ضد ربّة عمون (٢ صموئيل ١١: ١).
٣. لَا تَخْرُجْ: لم يشأ المحيطون بداود أن يسمحوا له بالخروج إلى المعركة مع بقية جيشه. وأصروا على موقفهم هذا لثلاثة أسباب:
· كانت حياته أثمن (وَٱلْآنَ أَنْتَ كَعَشْرَةِ آلَافٍ مِنَّا). فكان الحفاظ عليها مهمًّا.
· كان بإمكانه أن يجلب موارد وإمدادات عند اللزوم (وَٱلْآنَ ٱلْأَصْلَحُ أَنْ تَكُونَ لَنَا نَجْدَةً مِنَ ٱلْمَدِينَةِ).
· عرفوا أنه سيكون صعبًا عليه أن يقاتل ابنه أبشالوم.
٤. مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ أَفْعَلُهُ: لم يكن داود عنيدًا. بل عرف كيف يخضع لنصائح الآخرين الجيدة. لم يتخلَّ عن القيادة. بل مارس القيادة الجيدة بالاستماع إلى نصائح الأشخاص الذين حوله.
٥. فَوَقَفَ ٱلْمَلِكُ بِجَانِبِ ٱلْبَابِ وَخَرَجَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِئَاتٍ وَأُلُوفًا: كانوا مستعدين لأن يضحّوا ويخاطروا من أجل ملكهم. وتكريسهم لداود مثال للمؤمنين الذين ينبغي أن يكرسوا أنفسهم لملك الملوك، يسوع المسيح.
ب) الآية (٥): وصية داود للقُواد الثلاثة.
٥وَأَوْصَى ٱلْمَلِكُ يُوآبَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ قَائِلًا: «تَرَفَّقُوا لِي بِٱلْفَتَى أَبْشَالُومَ». وَسَمِعَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ حِينَ أَوْصَى ٱلْمَلِكُ جَمِيعَ ٱلرُّؤَسَاءِ بِأَبْشَالُومَ.
١. وَأَوْصَى ٱلْمَلِكُ يُوآبَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ: أوضح داود أنه يريد أن يؤسَر أبشالوم حيًّا وأن لا تساء معاملته بأية طريقة.
٢. وَسَمِعَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ: أعطى داود الأمر على مسمع الشعب كله حتى يشعر القادة بضغط لاتّباع تعليمات الملك.
ج) الآيات (٦-٨): هزيمة جيوش أبشالوم.
٦وَخَرَجَ ٱلشَّعْبُ إِلَى ٱلْحَقْلِ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ ٱلْقِتَالُ فِي وَعْرِ أَفْرَايِمَ، ٧فَٱنْكَسَرَ هُنَاكَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَكَانَتْ هُنَاكَ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ. قُتِلَ عِشْرُونَ أَلْفًا. ٨وَكَانَ ٱلْقِتَالُ هُنَاكَ مُنْتَشِرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلْأَرْضِ، وَزَادَ ٱلَّذِينَ أَكَلَهُمُ ٱلْوَعْرُ مِنَ ٱلشَّعْبِ عَلَى ٱلَّذِينَ أَكَلَهُمُ ٱلسَّيْفُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ.
١. وَخَرَجَ ٱلشَّعْبُ إِلَى ٱلْحَقْلِ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ: حارب الموالون لداود إسرائيل لأنها لم تكن موالية له. فقد أُغويت بجاذبية أبشالوم وقوّته.
٢. فَٱنْكَسَرَ هُنَاكَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ عَبِيدِ دَاوُدَ: يبدو أن قادة داود المتمرّسين وضبّاطه هم العامل الرئيسي في الانتصار الساحق.
· “سبق أن قرر داود أن تدور المعركة في هذه المنطقة، حيث تتفوق خبرة كل جندي فردي وشجاعته على مجرد الأعداد.” بولدوين (Baldwin)
٣. وَزَادَ ٱلَّذِينَ أَكَلَهُمُ ٱلْوَعْرُ مِنَ ٱلشَّعْبِ عَلَى ٱلَّذِينَ أَكَلَهُمُ ٱلسَّيْفُ: تبيّن هذه العبارة أن الله قاتل من أجل داود بطرق غير عادية. إذ بدا أن الموالين لأبشالوم ابتُلِعوا من الوعر.
· “لم يأت الهلاك بالسيف فقط، بل أيضًا بين أشجار البلوط السميكة وحواف أشجار الغابة المتشابكة التي كانت تخفي وراءها المنحدرات المخيفة والكهوف العظيمة التي اندفع إليها المتمردون في ذعرهم عندما حلّت الهزيمة.” سبيرجن (Spurgeon)
· “يفترض المفسرون عادة أنه عندما انكسر جيش إسرائيل، انسحب جنودها إلى الغابة ووقعوا في الحفر والمستنقعات، وما إلى ذلك. ولأنهم علقوا هناك، قتلهم رجال داود بسهولة. لكن النصوص الكلدانية والسريانية والعربية تقول إنهم التُهِموا من الوحوش البرية في الغابة.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٩-١٧): يوآب يقتل أبشالوم.
٩وَصَادَفَ أَبْشَالُومُ عَبِيدَ دَاوُدَ، وَكَانَ أَبْشَالُومُ رَاكِبًا عَلَى بَغْلٍ، فَدَخَلَ ٱلْبَغْلُ تَحْتَ أَغْصَانِ ٱلْبُطْمَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلْمُلْتَفَّةِ، فَتَعَلَّقَ رَأْسُهُ بِٱلْبُطْمَةِ وَعُلِّقَ بَيْنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ، وَٱلْبَغْلُ ٱلَّذِي تَحْتَهُ مَرَّ. ١٠فَرَآهُ رَجُلٌ وَأَخْبَرَ يُوآبَ وَقَالَ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَبْشَالُومَ مُعَلَّقًا بِٱلْبُطْمَةِ». ١١فَقَالَ يُوآبُ لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي أَخْبَرَهُ: «إِنَّكَ قَدْ رَأَيْتَهُ، فَلِمَاذَا لَمْ تَضْرِبْهُ هُنَاكَ إِلَى ٱلْأَرْضِ؟ وَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَ عَشْرَةَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ وَمِنْطَقَةً». ١٢فَقَالَ ٱلرَّجُلُ لِيُوآبَ: «فَلَوْ وُزِنَ فِي يَدِي أَلْفٌ مِنَ ٱلْفِضَّةِ لَمَا كُنْتُ أَمُدُّ يَدِي إِلَى ٱبْنِ ٱلْمَلِكِ، لِأَنَّ ٱلْمَلِكَ أَوْصَاكَ فِي آذَانِنَا أَنْتَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ قَائِلًا: ٱحْتَرِزُوا أَيًّا كَانَ مِنْكُمْ عَلَى ٱلْفَتَى أَبْشَالُومَ. ١٣وَإِلَّا فَكُنْتُ فَعَلْتُ بِنَفْسِي زُورًا، إِذْ لَا يَخْفَى عَنِ ٱلْمَلِكِ شَيْءٌ، وأَنْتَ كُنْتَ وَقَفْتَ ضِدِّي». ١٤فَقَالَ يُوآبُ: «إِنِّي لَا أَصْبِرُ هَكَذَا أَمَامَكَ». فَأَخَذَ ثَلَاثَةَ سِهَامٍ بِيَدِهِ وَنَشَّبَهَا فِي قَلْبِ أَبْشَالُومَ، وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ فِي قَلْبِ ٱلْبُطْمَةِ. ١٥وَأَحَاطَ بِهَا عَشْرَةُ غِلْمَانٍ حَامِلُو سِلَاحِ يُوآبَ، وَضَرَبُوا أَبْشَالُومَ وَأَمَاتُوهُ. ١٦وَضَرَبَ يُوآبُ بِٱلْبُوقِ فَرَجَعَ ٱلشَّعْبُ عَنِ ٱتِّبَاعِ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ يُوآبَ مَنَعَ ٱلشَّعْبَ. ١٧وَأَخَذُوا أَبْشَالُومَ وَطَرَحُوهُ فِي ٱلْوَعْرِ فِي ٱلْجُبِّ ٱلْعَظِيمِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ رُجْمَةً عَظِيمَةً جِدًّا مِنَ ٱلْحِجَارَةِ. وَهَرَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ.
١. وَكَانَ أَبْشَالُومُ رَاكِبًا عَلَى بَغْلٍ: وضع غرور أبشالوم إياه في هذه المعركة، على خلاف نصيحة أخيتوفل الحكيمة (٢ صموئيل ١٧: ١-١٤). ولم يبدُ أبشالوم قائدًا عسكريًّا عظيمًا وهو يركب بغلًا ويدخل المعركة.
٢. فَتَعَلَّقَ رَأْسُهُ بِٱلْبُطْمَةِ وَعُلِّقَ بَيْنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ: اشتهر أبشالوم بمظهره الجميل وشعره الغزير الطويل (٢ صموئيل ١٤: ٢٥-٢٦). والآن تحوَّل ما كان مجدًا له إلى لعنة. إذ أُمسك حرفيًا من شعره في أشجار الغابة الكثيفة.
· حرص آدم كلارك على أن يوضح أن النص لا يقول إن أبشالوم أُمسِك من شعره – فنحن نفترض ذلك فحسب. فربما أُمسِك من رقبته (فَتَعَلَّقَ رَأْسُهُ بِٱلْبُطْمَةِ). غير أنه تبقى صورة أبشالوم وهو معلق في الشجرة. “كان معلّقًا بين السماء والأرض كأنه مرفوض من كلتيهما.” تراب (Trapp)
· “كانت نهاية أبشالوم محفوفة بالأهوال. فعندما أُمسِك في أغصان شجرة البلوط، كان يوشك على قطع شعره بضربة من سيفه، لكنه رأى فجأة جهنم وهي تتثاءب (تفتح فاها) من تحته. وفضّل أن يبقى متعلقًّا في الشجرة على أن يلقي بنفسه في الهاوية حيًّا. وبالفعل، كانت جريمة أبشالوم ذات طبيعة تستحق أقصى عقاب. ولهذا، فإنه أحد القلائل اليهود الذين ليس لهم نصيب في العالم الآتي.” جينزبرغ (Ginzberg) – أساطير اليهود
٣. رَأَيْتُ أَبْشَالُومَ مُعَلَّقًا بِٱلْبُطْمَةِ: عندما أُبلِغ يوآب بهذا، تساءل لماذا لم يقتل الرجل أبشالوم فورًا. فأجاب الرجل أنه امتنع عن ذلك من باب الطاعة والولاء لداود.
· أصرّ يوآب على أن يقدم مالًا وترقية معًا لمن يقتل أبشالوم (أُعْطِيَكَ عَشْرَةَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ وَمِنْطَقَةً)، غير أن الرجل رفض ذلك بدافع من الولاء للملك.
· “كانت المِنطقة (الحزام) العسكرية الزينة الرئيسية للجندي، وكانت تثَمَّن عاليًا بين كل الأمم القديمة. وكانت تقدَّم هدية من زعيم إلى آخر.” كلارك (Clarke)
٤. فَأَخَذَ ثَلَاثَةَ سِهَامٍ بِيَدِهِ وَنَشَّبَهَا فِي قَلْبِ أَبْشَالُومَ: لم يتردد يوآب في ضرب أبشالوم رغم أنه عرف أن داود نهى عن هذا. فقد كان مقتنعًا بأن معاملة أبشالوم بالعدالة، لا بالرحمة، هي في مصلحة داود وإسرائيل.
· لم يحصل أبشالوم إلا على ما استحقه. إذ كان قاتلًا وخائنًا ومغتصبًا. وعرف يوآب أن داود كان متساهلًا بشكل عام مع أبنائه، وأنه لن يعاقب أبشالوم على الإطلاق. “اتسمت تصرفات داود تجاه أبنائه بالافتقار إلى الانضباط والتأديب. وكان قتل أبشالوم من المصلحة العليا للمملكة.” مورجان (Morgan)
· يمكننا القول إن يوآب كان مُحِقًّا وغير مُحق معًا. إذ كان مُحقًّا في فهمه أنه أفضل لداود ولإسرائيل أن يموت أبشالوم. ولم يكن على حق في عصيانه للملك داود، تلك السلطة التي عيّنها الله عليه. إذ نحن نرى، من خلال معاملات داود مع الملك شاول، أن الله يستطيع أن يتعامل مع أصحاب السلطة. ولسنا مضطرين إلى عصيانهم ما لم يأمرنا بذلك الكتاب المقدس، أو إذا قمنا بذلك بضمير نقي مرتاح.
· “كان ينبغي أن يموت أبشالوم منذ زمن بعيد على يد العدالة. وها هي الآن تتجمع كل جرائمه عليه في آخر أعماله المتمردة. لكن في الظروف الحالية، كان عمل يوآب دنيئًا وخائنًا، واغتيالًا جبانًا.” كلارك (Clarke)
· وفي نفس الوقت، كانت هنالك مفارقة ساخرة في أنّ انتزاع حياة أبشالوم المتمرد جاء على يد عمل متمرد من يوآب. لقد نال أبشالوم ما استحقه. وسيُحاسَب يوآب على ما فعله بأبشالوم من الله وداود في نهاية الأمر (١ ملوك ٢: ٥-٦).
٥. وَأَحَاطَ بِهَا عَشْرَةُ غِلْمَانٍ حَامِلُو سِلَاحِ يُوآبَ، وَضَرَبُوا أَبْشَالُومَ وَأَمَاتُوهُ: ظل أبشالوم بعد السهام الثلاثة، لأن كلمة “القلب” كانت إشارة إلى وسط الجسد، لا إلى العضو الخارجي المحدد.
· “كما دنّس أبشالوم سراري أبيه العشر، قام هؤلاء الغلمان العشرة بضرب داود وإخراج كل ما تبقّى من نفَس من جسده.” تراب (Trapp)
٦. وَأَخَذُوا أَبْشَالُومَ وَطَرَحُوهُ فِي ٱلْوَعْرِ فِي ٱلْجُبِّ ٱلْعَظِيمِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ رُجْمَةً عَظِيمَةً جِدًّا مِنَ ٱلْحِجَارَةِ: أراد يوآب التأكد من أن جسد أبشالوم لن يخلَّد كإلهام لأتباع أو متمردين آخرين في المستقبل.
٧. وَهَرَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ: يعني هذا أن جيش أبشالوم كان في انسحاب كامل، بينما سجّلت قوات داود انتصارًا كاملًا في ذلك اليوم.
هـ) الآية (١٨): نُصب أبشالوم.
١٨وَكَانَ أَبْشَالُومُ قَدْ أَخَذَ وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ ٱلنُّصْبَ ٱلَّذِي فِي وَادِي ٱلْمَلِكِ، لِأَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لِيَ ٱبْنٌ لِأَجْلِ تَذْكِيرِ ٱسْمِي». وَدَعَا ٱلنُّصْبَ بِٱسْمِهِ، وَهُوَ يُدْعَى «يَدَ أَبْشَالُومَ» إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ.
١. وَكَانَ أَبْشَالُومُ قَدْ أَخَذَ وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ ٱلنُّصْبَ: هذا هو ما يمكن أن نتوقعه من شخص متمحور على ذاته وساعٍ إلى تعزيز نفسه، مثل أبشالوم. فتأكد يوآب أنه لن يكون لأبشالوم نصب في موته. لكن أبشالوم صنع نصبًا له في حياته.
٢. لَيْسَ لِيَ ٱبْنٌ لِأَجْلِ تَذْكِيرِ ٱسْمِي: كان لدى أبشالوم ثلاثة أبناء (٢ صموئيل ١٤: ٢٧). ويمكننا أن نفترض أنهم ماتوا قبله.
ثانيًا. داود يسمع بخبر موت أبشالوم.
أ ) الآيات (١٩-٢٧): إرسال عدّاءَين لإخبار داود بحصيلة المعركة.
١٩وَقَالَ أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ: «دَعْنِي أَجْرِ فَأُبَشِّرَ ٱلْمَلِكَ، لِأَنَّ ٱللهَ قَدِ ٱنْتَقَمَ لَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ». ٢٠فَقَالَ لَهُ يُوآبُ: «مَا أَنْتَ صَاحِبُ بِشَارَةٍ فِي هَذَا ٱلْيَوْمِ. فِي يَوْمٍ آخَرَ تُبَشِّرُ، وَهَذَا ٱلْيَوْمَ لَا تُبَشِّرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ٱبْنَ ٱلْمَلِكِ قَدْ مَاتَ». ٢١وَقَالَ يُوآبُ لِكُوشِي: «ٱذْهَبْ وَأَخْبِرِ ٱلْمَلِكَ بِمَا رَأَيْتَ». فَسَجَدَ كُوشِي لِيُوآبَ وَرَكَضَ. ٢٢وَعَادَ أَيْضًا أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ فَقَالَ لِيُوآبَ: «مَهْمَا كَانَ، فَدَعْنِي أَجْرِ أَنَا أَيْضًا وَرَاءَ كُوشِي». فَقَالَ يُوآبُ: «لِمَاذَا تَجْرِي أَنْتَ يَا ٱبْنِي، وَلَيْسَ لَكَ بِشَارَةٌ تُجَازَى؟» ٢٣قَالَ: «مَهْمَا كَانَ أَجْرِي». فَقَالَ لَهُ: «ٱجْرِ». فَجَرَى أَخِيمَعَصُ فِي طَرِيقِ ٱلْغَوْرِ وَسَبَقَ كُوشِيَ. ٢٤وَكَانَ دَاوُدُ جَالِسًا بَيْنَ ٱلْبَابَيْنِ، وَطَلَعَ ٱلرَّقِيبُ إِلَى سَطْحِ ٱلْبَابِ إِلَى ٱلسُّورِ وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا بِرَجُلٍ يَجْرِي وَحْدَهُ. ٢٥فَنَادَى ٱلرَّقِيبُ وَأَخْبَرَ ٱلْمَلِكَ. فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «إِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَفِي فَمِهِ بِشَارَةٌ». وَكَانَ يَسْعَى وَيَقْرُبُ. ٢٦ثُمَّ رَأَى ٱلرَّقِيبُ رَجُلًا آخَرَ يَجْرِي، فَنَادَى ٱلرَّقِيبُ ٱلْبَوَّابَ وَقَالَ: «هُوَذَا رَجُلٌ يَجْرِي وَحْدَهُ». فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «وَهَذَا أَيْضًا مُبَشِّرٌ». ٢٧وَقَالَ ٱلرَّقِيبُ: «إِنِّي أَرَى جَرْيَ ٱلْأَوَّلِ كَجَرْيِ أَخِيمَعَصَ بْنِ صَادُوقَ». فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: “هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ وَيَأْتِي بِبِشَارَةٍ صَالِحَةٍ.”
١. مَا أَنْتَ صَاحِبُ بِشَارَةٍ فِي هَذَا ٱلْيَوْمِ: أراد أخيمعص أن ينقل إلى داود أخبار انتصار رجاله على إسرائيل وموت أبشالوم. لكن يوآب أراد أن يجنّبه أن يكون رسولًا يحمل أخبارًا سيئة.
٢. فَجَرَى أَخِيمَعَصُ فِي طَرِيقِ ٱلْغَوْرِ وَسَبَقَ كُوشِيَ: كان أخيمعص أسرع من العَدّاء الآخر، كوشي. وبما أن داود عرف هوية الرسول، افترض أنه كان يحمل أخبارًا سارّة (هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ وَيَأْتِي بِبِشَارَةٍ صَالِحَةٍ).
ب) الآيات (٢٨-٣٢): يعْلم بخبر أبشالوم من كوشي الذي وصل بعد أخيمعص.
٢٨فَنَادَى أَخِيمَعَصُ وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «ٱلسَّلَامُ». وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ. وَقَالَ: «مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلَّذِي دَفَعَ ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى سَيِّدِي ٱلْمَلِكِ». ٢٩فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «أَسَلَامٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ أَخِيمَعَصُ: «قَدْ رَأَيْتُ جُمْهُورًا عَظِيمًا عِنْدَ إِرْسَالِ يُوآبَ عَبْدَ ٱلْمَلِكِ وَعَبْدَكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ مَاذَا». ٣٠فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «دُرْ وَقِفْ هَهُنَا». فَدَارَ وَوَقَفَ. ٣١وَإِذَا بِكُوشِي قَدْ أَتَى، وَقَالَ كُوشِي: «لِيُبَشَّرْ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱنْتَقَمَ لَكَ ٱلْيَوْمَ مِنْ جَمِيعِ ٱلْقَائِمِينَ عَلَيْكَ». ٣٢فَقَالَ ٱلْمَلِكُ لِكُوشِي: «أَسَلَامٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ كُوشِي: “لِيَكُنْ كَٱلْفَتَى أَعْدَاءُ سَيِّدِي ٱلْمَلِكِ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ قَامُوا عَلَيْكَ لِلشَّرِّ.”
١. أَسَلَامٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ: كان هذا هم داود الوحيد. كان يفترض أن يكون أكثر اهتمامًا بإسرائيل كأمة منه بابن خائن. وفي الوقت نفسه، فإن سؤال داود مثال لرابط المحبة بين الأب والابن، وبين الله وأبنائه.
· “كان بإمكانه أن يقول: “هل مات الشاب أبشالوم؟ لأنه إذا انزاح عن الطريق، سيكون هنالك سلام لمملكتي وحياتي المضطربة. لكنه أب، ولا بد أنه يحب ذريته. إنه الأب الذي يتكلم. وتستطيع المحبة أن تبقى بعد عداوة الابن.” سبيرجن (Spurgeon)
· “قد ينغمس أبناؤنا في أسوأ الخطايا، لكنهم يظلون أبناءنا. ربما يستهزئون بإلهنا، وربما يمزّقون قلوبنا إربًا إربًا بِشَرّهم. ولا نستطيع أن نرضى عن سلوكهم. لكن في الوقت نفسه، لا نستطيع أن نلغي أبوتنا لهم أو أن نمحو صورتهم من قلوبنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. قَدْ رَأَيْتُ جُمْهُورًا عَظِيمًا عِنْدَ إِرْسَالِ يُوآبَ عَبْدَ ٱلْمَلِكِ وَعَبْدَكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ مَاذَا: كان أخيمعص، بالمقارنة مع كوشي، عّدّاء أفضل، لكن رسولًا أسوأ، لأنه لم يكن يعرف رسالته. لكن المسؤولية الأولى للرسول هو أن يقدم الرسالة بشكل صحيح.
٣. لِيَكُنْ كَٱلْفَتَى أَعْدَاءُ سَيِّدِي ٱلْمَلِكِ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ قَامُوا عَلَيْكَ لِلشَّرّ: من دون أن يقول كوشي الأمر بشكل مباشر، أخبر داود أن أبشالوم مات.
ج) الآية (٣٣): مناحة داود العظيمة.
٣٣فَٱنْزَعَجَ ٱلْمَلِكُ وَصَعِدَ إِلَى عِلِّيَّةِ ٱلْبَابِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ هكَذَا وَهُوَ يَتَمَشَّى: “يَا ٱبْنِي أَبْشَالُومُ، يَا ٱبْنِي، يَا ٱبْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ! يَا أَبْشَالُومُ ٱبْنِي، يَا ٱبْنِي.”
١. فَٱنْزَعَجَ ٱلْمَلِكُ: توحي الفكرة العبرية للازعاج بارتعاش جسمي عنيف. فقد انهار داود تمامًا لدى سمع خبر موت ابنه أبشالوم.
· لقد تأثر داود إلى هذا الحد، بشكل جزئي، لأنه عرف أنه وفّر التربة التي نمت منها المأساة.
- جاءت التربة من تساهل الأب تجاه أبنائه.
- جاءت التربة من خطية داود مع بتشبع واغتيال أوريا. وبعد هذا وعد الله داود: وَٱلْآنَ لَا يُفَارِقُ ٱلسَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، لِأَنَّكَ ٱحْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ ٱمْرَأَةَ أُورِيَّا ٱلْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ ٱمْرَأَةً. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ ٱلشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ ٱلشَّمْسِ” (٢ صموئيل ١٢: ١٠-١١).
- جاءت التربة من انغماس داود في شهواته وتمرده على الله في أمور أصغر. وهي خطايا ونقاط ضعف تعاظمت في أبنائه.
· يبيّن حزن داود أنه لا يكفي أن يقوم الآباء والأمهات بتدريب أبنائهم على التقوى. إذ يتوجب أن يدربوا أنفسهم هم على التقوى. “لا يمكننا أن نقف في حضرة هذه المعاناة من دون أن نتعلم الدروس حول مسؤولية الآباء والأمهات في التعليم، لا في تدريب أبنائهم فحسب، بل في تدريب أنفسهم من أجلهم.” مورجان (Morgan)
٢. يَا ٱبْنِي أَبْشَالُومُ، يَا ٱبْنِي، يَا ٱبْنِي أَبْشَالُومُ: ناح داود على ابنه كثيرًا، لأنه كان ابنه حقًّا. إذ رأى خطاياه ونقاط ضعفه وتمرده مبالغًا فيها في ابنه أبشالوم.
· “يؤدي كل شيء في هذه القصة إلى هذا العويل والنواح على ابنه الميت، ويجد ذروته فيها أيضًا. فهو يكرر كلمة “ابني” خمس مرات.” مورجان (Morgan)
· “من المهم أن هنالك مدلولًا أعمق من مجرد تكرار شبه واعٍ للكلمات التي يسببها الحزن الشخصي. إذ أدرك الوالد مدى مسؤوليته عن ابنه. فكما لو أنه قال: “إنه ابني حقًّا. فنقاط ضعفه هي نقاط ضعفي، وشهواته هي شهواتي، وخطاياه هي خطاياي.” مورجان (Morgan)
٣. يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ: تمنّى داود أن يموت مكان ابنه المتمرد. وقد فعل الله ما لم يستطع داود أن يفعله بالموت عوضًا عن الخطاة المتمردين.
- “نحن نسمع بالفعل في صراخ داود صراخ الله على البشر الهالكين. فرغبته هي في أن يستردهم وأن يتوبوا.” سميث (Smith)