٢ صموئيل ١٩
استرداد المملكة لداود
أولًا. نواح داود وتوبيخ يوآب
أ ) الآيات (١-٣): تأثير حزن داود في أنصاره الأوفياء
١فَأُخْبِرَ يُوآبُ: «هُوَذَا الْمَلِكُ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أَبْشَالُومَ». ٢فَصَارَتِ الْغَلَبَةُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنَاحَةً عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، لأَنَّ الشَّعْبَ سَمِعُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ تَأَسَّفَ عَلَى ابْنِهِ. ٣وَتَسَلَّلَ الشَّعْبُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لِلدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَتَسَلَّلُ الْقَوْمُ الْخَجِلُونَ عِنْدَمَا يَهْرُبُونَ فِي الْقِتَالِ.
١. فَصَارَتِ ٱلْغَلَبَةُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ مَنَاحَةً عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ: لم يكن هذا أمرًا حسنًا. فقد أحرز أنصار داود المخْلِصون والمُضَحّون انتصارًا كبيرًا في المعركة في ذلك اليوم لمجد الله ولخير إسرائيل. وبعد ذلك، أحسوا بالانزعاج من النصرة لأن النواح على موت أبشالوم تغلب على داود.
· يتجذّر الحزن المفرط بشكل أساسي في عدم الإيمان والانغماس في الذات. وتقدم ١ تسالونيكي ٤: ١٣ تحذيرًا للمؤمنين “ثُمَّ لَا أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لَا تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ لَا رَجَاءَ لَهُمْ.” إذ يحزن بعض المؤمنين في أوقات الموت أو المآسي مثل الذين لا رجاء لهم في الله. وهذا خطأ.
· “إذا مات أحباء لك، فإنك لا تستطيع أن تستردهم إلى الحياة. وإذا ما زالوا على قيد الحياة، فسيكون أمرًا مؤسفًا أن تكون محبطًا بعدم إيمان عندما لا يكون هنالك داعي لهذا. لكن قوتك تكمن في أن تهدأ، متذكّرًا أنك مؤمن بالمسيح. ويُتوقّع من المؤمن بالمسيح أن يكون أكثر تمالُكًا لنفسه من أولئك الذين ليس لديهم إله يلجؤون إليه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَتَسَلَّلَ ٱلشَّعْبُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ لِلدُّخُولِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ كَمَا يَتَسَلَّلُ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَجِلُونَ: جعل حزن داود المفرط أصدقاءه المخْلصين وأنصاره يخجلون من انتصارهم العظيم.
ب) الآيات (٤-٧): يوآب يوبخ داود.
٤وَسَتَرَ الْمَلِكُ وَجْهَهُ وَصَرَخَ الْمَلكُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي!». ٥فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الْبَيْتِ وَقَالَ: «قَدْ أَخْزَيْتَ الْيَوْمَ وُجُوهَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ، مُنْقِذِي نَفْسِكَ الْيَوْمَ وَأَنْفُسِ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَأَنْفُسِ نِسَائِكَ وَأَنْفُسِ سَرَارِيِّكَ، ٦ بِمَحَبَّتِكَ لِمُبْغِضِيكَ وَبُغْضِكَ لِمُحِبِّيكَ، لأَنَّكَ أَظْهَرْتَ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ رُؤَسَاءُ وَلاَ عَبِيدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبْشَالُومُ حَيًّا وَكُلُّنَا الْيَوْمَ مَوْتَى، لَحَسُنَ حِينَئِذٍ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْكَ. ٧ فَالآنَ قُمْ وَاخْرُجْ وَطَيِّبْ قُلُوبَ عَبِيدِكَ، لأَنِّي قَدْ أَقْسَمْتُ بِالرَّبِّ إِنَّهُ إِنْ لَمْ تَخْرُجْ لاَ يَبِيتُ أَحَدٌ مَعَكَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَيَكُونُ ذلِكَ أَشَرَّ عَلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَرّ أَصَابَكَ مُنْذُ صِبَاكَ إِلَى الآنَ».
١. يَا أَبْشَالُومُ ٱبْنِي، يَا ٱبْنِي: لم يتمكن داود من التوقف عن غناء هذه الأغنية. إذ كان منغمسًا في ندب متطرف وافتقار إلى المنظر السليم. لقد غلبته مشاعره، ولم يُقصَد بأن ننغلب لمشاعرنا.
· ليس الله ضد المشاعر على الإطلاق. ويفتقر كثيرون إلى مشاعر وخبرات عميقة في سلوكهم مع الرب. وفي الوقت نفسه، لا تُقصَد بالمشاعر بأن تسيطر علينا.
· لم تكمن مشكلة داود في ما كان يعرفه (موت أبشالوم المأساوي ودوره فيه). بل كَمُنت في ما نسيه – وهو أن الله ما زال متحكمًا في الأمور، وأن انتصارًا عظيمًا قد أُحرِز، وأن لديه داعمين مخْلِصين، وأن الله أظهر رحمة ونعمة عظيمتين لداود. فعندما يُسحق شخص في مأساة مُظهرًا حزنًا متطرفًا، فإن المشكلة لا تكمن في ما يعرفه، بل في ما نسيه.
· “من سمع قط داود وهو يصرخ في حزن تقي: يا ليتني مت بدلًا منك يا أوريا؟” تراب (Trapp)
٢. قَدْ أَخْزَيْتَ ٱلْيَوْمَ وُجُوهَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ، مُنْقِذِي نَفْسِكَ: قدّم يوآب دعوة صارمة لداود إلى الاستيقاظ: “ندْبك المفرط أناني. فليست القضية متعلّقة بك أنت. فهؤلاء الداعمون المخْلِصون يستحقون أن يحسوا بالفرح لانتصارهم، بينما تعطيهم بندبك إحساسًا مزعجًا جدًّا.”
٣. عَلِمْتُ ٱلْيَوْمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبْشَالُومُ حَيًّا وَكُلُّنَا ٱلْيَوْمَ مَوْتَى، لَحَسُنَ حِينَئِذٍ ٱلْأَمْرُ فِي عَيْنَيْكَ: هذه حقيقة خالصة قُدِّمت بدقّة. لم يُرِدْ يوآب أن يَظهر داود أحمق في حزنه المفرط، ولكن أن يظهر كم هو أناني أيضًا.
٤. قُمْ وَٱخْرُجْ وَطَيِّبْ قُلُوبَ عَبِيدِكَ: “اخرج وشجِّع الفريق. فهم يستحقون ذلك. وإذا لم تفعل هذا، فستخسر معظمهم.”
ج) الآية (٨): داود يقبل توبيخ يوآب.
٨فَقَامَ الْمَلِكُ وَجَلَسَ فِي الْبَابِ. فَأَخْبَرُوا جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: «هُوَذَا الْمَلِكُ جَالِسٌ فِي الْبَابِ». فَأَتَى جَمِيعُ الشَّعْبِ أَمَامَ الْمَلِكِ. وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ.
١. فَقَامَ ٱلْمَلِكُ وَجَلَسَ فِي ٱلْبَابِ: لم يحس داود بالرغبة في فعل هذا. إذ كانت مشاعره تحثه على أن يبقى منغمسًا في ندبه المفرط، غير أنه سمح لفهمه لما هو صواب أن يتغلب على مشاعره.
· لن نسمع مرة أخرى داود وهو يصرخ، “يا أبشالوم.” فقد أخرج واجبه في فعل ما هو صواب تلك الأغنية من رأسه.
٢. فَأَتَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ أَمَامَ ٱلْمَلِكِ: هذا هو ما احتاجوا إلى رؤيته – أن يروا داود جالسًا كملك في مكان السلطة (هُوَذَا ٱلْمَلِكُ جَالِسٌ فِي ٱلْبَابِ). وسيُخبرهم هذا أن تضحياتهم تستحق العناء وأنها موضع تقدير، وأن داود سيستمر في الحكم. لقد نجح توبيخ يوآب، لأنه كان مهتمًّا بما يكفي للتعبير عن موقفه في هذه اللحظة الحرجة، وكان داود حكيمًا بما يكفي لقبول توبيخه.
ثانيًا. إسرائيل تعود إلى داود.
أ ) الآيات (٩-١٠): الأسباط يناقشون مسألة قبول داود ملكًا.
٩وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ فِي خِصَامٍ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ أَنْقَذَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا وَهُوَ نَجَّانَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَالآنَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الأَرْضِ لأَجْلِ أَبْشَالُومَ ١٠وَأَبْشَالُومُ الَّذِي مَسَحْنَاهُ عَلَيْنَا قَدْ مَاتَ فِي الْحَرْبِ. فَالآنَ لِمَاذَا أَنْتُمْ سَاكِتُونَ عَنْ إِرْجَاعِ الْمَلِكِ؟»
١. وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ فِي خِصَامٍ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ: نجا داود من محاولة انقلاب عليه قام بها أبشالوم ابنه، لكن المملكة لم تُرَد إليه بعد.
٢. إِنَّ ٱلْمَلِكَ قَدْ أَنْقَذَنَا… وَأَبْشَالُومُ ٱلَّذِي مَسَحْنَاهُ عَلَيْنَا قَدْ مَاتَ: فهِم أسباط إسرائيل ما فعله داود من أجلهم. وفهموا أنهم رفضوا داود وقبِلوا أبشالوم عوضًا عنه، وأن أبشالوم ميت الآن. فترك هذا كله شعب إسرائيل في نزاع حول مسألة إرجاع الملك.
· بدا أنهم لم يريدوا أن يرجعوا داود إلا بعد أن فشل ملكهم الزائف، أبشالوم. وبنفس الطريقة، غالبًا ما لا نقرر الرجوع إلى ملكنا الحقيقي، يسوع المسيح، إلا بعد فشل ملوكنا.
· “كانت حماقة ولائهم لأبشالوم واضحة، إذ لم تجلب إلا التعاسة والفوضى. لقد انضموا إلى الجانب الخطأ، ورفضوا الملك الحقيقي. ولهذا كان الموقف ممتلئًا بالاضطراب.” ريدباث (Redpath)
ب) الآيات (١١-١٤): داود يرسل مفاوضين إلى الأسباط.
١١وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ إِلَى صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ قَائِلاً: «كَلِّمَا شُيُوخَ يَهُوذَا قَائِلَيْنِ: لِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرِينَ فِي إِرْجَاعِ الْمَلِكِ إِلَى بَيْتِهِ، وَقَدْ أَتَى كَلاَمُ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ فِي بَيْتِهِ؟ ١٢أَنْتُمْ إِخْوَتِي. أَنْتُمْ عَظْمِي وَلَحْمِي. فَلِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرِينَ فِي إِرْجَاعِ الْمَلِكِ؟ ١٣وَتَقُولاَنِ لِعَمَاسَا: أَمَا أَنْتَ عَظْمِي وَلَحْمِي؟ هكَذَا يَفْعَلُ بِيَ اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنْ كُنْتَ لاَ تَصِيرُ رَئِيسَ جَيْشٍ عِنْدِي كُلَّ الأَيَّامِ بَدَلَ يُوآبَ». ١٤فَاسْتَمَالَ بِقُلُوبِ جَمِيعِ رِجَالِ يَهُوذَا كَرَجُل وَاحِدٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَلِكِ قَائِلِينَ: «ارْجعْ أَنْتَ وَجَمِيعُ عَبِيدِكَ».
١. لِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرِينَ فِي إِرْجَاعِ ٱلْمَلِكِ إِلَى بَيْتِهِ: لن يفرض داود حُكمه على إسرائيل، ولن يرجع إلا إذا وافق الأسباط الذين قبلوا أبشالوم على إِرْجَاعِ ٱلْمَلِكِ.
· “لم يحرّك داود ساكنًا لإعادة مملكته. وستتقرر عودته إلى السيادة بخضوع طوعي من أقربائه وطاعتهم المُحِبة لإرادته.” ريدباث (Redpath)
٢. عَمَاسَا… تَصِيرُ رَئِيسَ جَيْشٍ عِنْدِي كُلَّ ٱلْأَيَّامِ بَدَلَ يُوآبَ: وافق داود على استبدال يوآب بعماسا الذي كان قائد جيش أبشالوم. وهدف هذا إلى وضع يوآب في مكانه المناسب وتقديم مبادرة مصالحة لأنصار أبشالوم السابقين.
٣. فَٱسْتَمَالَ بِقُلُوبِ جَمِيعِ رِجَالِ يَهُوذَا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ: نجحت مساعي صادوق وأبياثار. فلن يرجع داود إلى أن ترحّب به قلوب الجميع. وهو لا يريد أن يرغمهم على إرجاعه. إذ كان لا بد من استمالة قلوب الجميع (فَٱسْتَمَالَ بِقُلُوبِ جَمِيعِ رِجَالِ يَهُوذَا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ).
· لا يفرض الله حُكمه علينا. إذ يتوجب علينا أن نرحّب بمُلكه. ولن يفرض استجابتنا القلبية. فلا بد لنا أن نتأثر بكلمته وروحه القدوس.
· كَرَجُلٍ وَاحِدٍ: أراد داود أن يكون القبول بالإجماع. فاستجاب رجال يهوذا بفعل تودُّد صادوق وأبياثار.
ج) الآيات (١٥-١٨أ): داود يعبر نهر الأردن بمساعدة يهوذا وبنيامين.
١٥فَرَجَعَ الْمَلِكُ وَأَتَى إِلَى الأُرْدُنِّ، وَأَتَى يَهُوذَا إِلَى الْجِلْجَالِ سَائِرًا لِمُلاَقَاةِ الْمَلِكِ لِيُعَبِّرَ الْمَلِكَ الأُرْدُنَّ. ١٦فَبَادَرَ شِمْعِي بْنُ جِيْرَا الْبَنْيَامِينِيُّ الَّذِي مِنْ بَحُورِيمَ وَنَزَلَ مَعَ رِجَالِ يَهُوذَا لِلِقَاءِ الْمَلِكِ دَاوُدَ، ١٧وَمَعَهُ أَلْفُ رَجُل مِنْ بَنْيَامِينَ، وَصِيبَا غُلاَمُ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَنُوهُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَعَبِيدُهُ الْعِشْرُونَ مَعَهُ، فَخَاضُوا الأُرْدُنَّ أَمَامَ الْمَلِكِ. ١٨وَعَبَرَ الْقَارِبُ لِتَعْبِيرِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَلِعَمَلِ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ…
١. فَرَجَعَ ٱلْمَلِكُ: نجد هنا توكيدًا للنقطة. رفض داود أن يرجع ملكًا إلى أن يُرَحَّب به، وإلى أن تُستمال القلوب إليه.
٢. لِمُلَاقَاةِ ٱلْمَلِكِ: ترك داود إسرائيل كطريد بائس، مرفوضًا من الأمة ومطارَدًا من ابنه أبشالوم. وعاد مشيَّعًا من آلاف الداعمين المتحمّسين.
ثالثًا. لطف الملك تجاه رعاياه
أ ) الآيات (١٨ب-٢٣): داود يُظهر غفرانًا لشمعي.
١٨… وَسَقَطَ شِمْعِي بْنُ جِيْرَا أَمَامَ الْمَلِكِ عِنْدَمَا عَبَرَ الأُرْدُنَّ، ١٩وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «لاَ يَحْسِبْ لِي سَيِّدِي إِثْمًا، وَلاَ تَذْكُرْ مَا افْتَرَى بِهِ عَبْدُكَ يَوْمَ خُرُوجِ سَيِّدِي الْمَلِكِ مِنْ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى يَضَعَ الْمَلِكُ ذلِكَ فِي قَلْبِهِ، ٢٠لأَنَّ عَبْدَكَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ، وَهأَنَذَا قَدْ جِئْتُ الْيَوْمَ أَوَّلَ كُلِّ بَيْتِ يُوسُفَ، وَنَزَلْتُ لِلِقَاءِ سَيِّدِي الْمَلِكِ». ٢١فَأَجَابَ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ وَقَالَ: «أَلاَ يُقْتَلُ شِمْعِي لأَجْلِ هَذَا، لأَنَّهُ سَبَّ مَسِيحَ الرَّبِّ؟» ٢٢فَقَالَ دَاوُدُ: «مَا لِي وَلَكُمْ يَا بَنِي صَرُويَةَ حَتَّى تَكُونُوا لِيَ الْيَوْمَ مُقَاوِمِينَ؟ آلْيَوْمَ يُقْتَلُ أَحَدٌ فِي إِسْرَائِيلَ؟ أَفَمَا عَلِمْتُ أَنِّي الْيَوْمَ مَلِكٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟» ٢٣ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشِمْعِي: «لاَ تَمُوتُ». وَحَلَفَ لَهُ الْمَلِكُ.
١. لِأَنَّ عَبْدَكَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ: أظهر شمعي اعترافًا متواضعًا منسحقًا بشكل ملحوظ. لقد أخطأ كثيرًا إلى داود، وهو يتوب بين يديه بتذلل كبير.
· كانت توبة شمعي متواضعة (وَسَقَطَ شِمْعِي بْنُ جِيْرَا أَمَامَ ٱلْمَلِكِ). وعكست وضعية جسمه مكانته المتدنية أمام داود الملك.
· أكرمت توبة شمعي داود (لَا يَحْسِبْ لِي سَيِّدِي إِثْمًا). عرف أنه كان لدى داود الحق في أن يحسب له إثمًا، لكنه طلب الرحمة.
· كانت توبة شمعي صادقة (قَدْ أَخْطَأْتُ). ولم يحاول أن يقلل من فظاعة ما فعله.
· وضع شمعي توبته موضع الممارسة (وَهَأَنَذَا قَدْ جِئْتُ ٱلْيَوْمَ أَوَّلَ كُلِّ بَيْتِ يُوسُفَ، وَنَزَلْتُ لِلِقَاءِ سَيِّدِي ٱلْمَلِكِ). ولا تُظهر التوبة الحقيقية نفسها في كلمات وأفكار، بل في أفعال.
٢. ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشِمْعِي: «لاَ تَمُوتُ»: عفا الملك عن حياة شمعي، مبيّنًا غفرانًا للرجل الذي سبق أن لعنه بمرارة (٢ صموئيل ١٦: ٥-١٣).
· “ربما كنتَ مثل شمعي الذي لعن الملك داود، وتخشى ألاّ يغفر لك المسيح. لكن داود غفر لشمعي، ويسوع مستعد لأن يغفر لك. فهو يفرح بالرحمة. وأنا أومن بالفعل أن قياثيرات السماء لن تعبر عن سعادة المسيح التي يحس بها عندما يغفر للفاجر قائلًا له: ’مغفورة لك خطاياك. فاذهب في سلام.‘” سبيرجن (Spurgeon)
٣. أَفَمَا عَلِمْتُ أَنِّي ٱلْيَوْمَ مَلِكٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ: غفر داود لرجل استحق الموت، لأنه كان آمِنًا، عالِمًا أن الله أعطاه العرش. والافتقار إلى الأمان حافز قوي على الانتقام والتمسُّك بالمرارة.
ب) الآيات (٢٤-٣٠): داود يُظهر تفهُّمًا لمفيبوشث.
٢٤وَنَزَلَ مَفِيبُوشَثُ ابْنُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَعْتَنِ بِرِجْلَيْهِ، وَلاَ اعْتَنَى بِلِحْيَتِهِ، وَلاَ غَسَلَ ثِيَابَهُ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ الْمَلِكُ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَتَى فِيهِ بِسَلاَمٍ. ٢٥فَلَمَّا جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ مَعِي يَا مَفِيبُوشَثُ؟» ٢٦فَقَالَ: «يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ إِنَّ عَبْدِي قَدْ خَدَعَنِي، لأَنَّ عَبْدَكَ قَالَ: أَشُدُّ لِنَفْسِيَ الْحِمَارَ فَأَرْكَبُ عَلَيْهِ وَأَذْهَبُ مَعَ الْمَلِكِ، لأَنَّ عَبْدَكَ أَعْرَجُ. ٢٧وَوَشَى بِعَبْدِكَ إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ، وَسَيِّدِي الْمَلِكُ كَمَلاَكِ اللهِ. فَافْعَلْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ. ٢٨لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ أَبِي لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أُنَاسًا مَوْتَى لِسَيِّدِي الْمَلِكِ، وَقَدْ جَعَلْتَ عَبْدَكَ بَيْنَ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ. فَأَيُّ حَقّ لِي بَعْدُ حَتَّى أَصْرُخَ أَيْضًا إِلَى الْمَلِكِ؟» ٢٩فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ بَعْدُ بِأُمُورِكَ؟ قَدْ قُلْتُ إِنَّكَ أَنْتَ وَصِيبَا تَقْسِمَانِ الْحَقْلَ». ٣٠ فَقَالَ مَفِيبُوشَثُ لِلْمَلِكِ: «فَلْيَأْخُذِ الْكُلَّ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِهِ».
١. نَزَلَ مَفِيبُوشَثُ ٱبْنُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ ٱلْمَلِكِ: كان مفيبوشث ابنًا ليوناثان وآخر وريث حي في سلالة شاول. وأخبرنا ٢ صموئيل ٩ كيف أن داود قدّم إحسانًا له. ووصفت ٢ صموئيل ١٦: ١-٤ كيف أن صيبا، خادم مفيبوشث، قابل داود بمؤن عندما غادر أورشليم. وزعم صيبا أن مفيبوشث تخلى عن داود آملًا أن يستفيد من الصراع بينه وبين ابنه أبشالوم.
٢. يَا سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ إِنَّ عَبْدِي قَدْ خَدَعَنِي: شرح مفيبوشث لماذا لم ينضم إلى داود، وكيف أن صيبا افترى عليه أمام الملك.
٣. وَقَدْ جَعَلْتَ عَبْدَكَ بَيْنَ ٱلْآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ. فَأَيُّ حَقٍّ لِي بَعْدُ حَتَّى أَصْرُخَ أَيْضًا إِلَى ٱلْمَلِكِ: رغم أن مفيبوشث افتُري عليه أمام الملك، إلا أنه لم يدافع عن نفسه ولم يطالب بجلسة استماع أمام داود. فقد عرف أن داود سبق أن أعطاه أكثر مما يستحق. فلو أُخِذ منه كل شيء، فسيظل رابحًا.
٤. إِنَّكَ أَنْتَ وَصِيبَا تَقْسِمَانِ ٱلْحَقْلَ: عندما أخبر صيبا الملك أن مفيبوشث تخلى عنه، أعطاه داود كل أراضي مفيبوشث وممتلكاته (٢ صموئيل ١٦: ٤). وبعد أن استمع داود إلى القصة كلها، لم يتراجع عن وعده لصيبا، لكنه عرض تقسيم الممتلكات والأراضي مناصفةً بين صيبا ومفيبوشث.
٥. فَلْيَأْخُذِ ٱلْكُلَّ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ جَاءَ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ بِسَلَامٍ إِلَى بَيْتِهِ: كان مفيبوشث قانعًا بأن يحصل صيبا على كل الممتلكات والأراضي ما دام قد عرف أن داود سيملك. فكان حكم داود أهم له من كل الغنى الشخصي.
· “لم يهتم هذا الرجل بغناه الخاص. إذ كان ما يهمه هو أن يأتي داود ويمتلك المملكة بسلام. ومن المؤسف أن مؤمنين كثيرين في مرات كثيرة يهتمون بحقوقهم أكثر من اهتمامهم بحقوق الرب. وإنه لأمر رائع ومجيد عندما يجعلنا ولاؤنا ومحبتنا أكثر اهتمامًا بانتصارات الرب من اهتمامنا بحقوقنا التي لا جدال فيها. ومع ذلك، ينبغي أن تكون هذه نظرة كل من يجلس إلى مائدة الملك.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (٣١-٣٩): داود يُظهر تقديرًا لبرزلاي.
٣١وَنَزَلَ بَرْزِلاَّيُ الْجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ لِيُشَيِّعَهُ عِنْدَ الأُرْدُنِّ. ٣٢وَكَانَ بَرْزِلاَّيُ قَدْ شَاخَ جِدًّا. كَانَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً. وَهُوَ عَالَ الْمَلِكَ عِنْدَ إِقَامَتِهِ فِي مَحَنَايِمَ لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً عَظِيمًا جِدًّا. ٣٣فَقَالَ الْمَلِكُ لِبَرْزِلاَّيَ: «اعْبُرْ أَنْتَ مَعِي وَأَنَا أَعُولُكَ مَعِي فِي أُورُشَلِيمَ». ٣٤فَقَالَ بَرْزِلاَّيُ لِلْمَلِكِ: «كَمْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي حَتَّى أَصْعَدَ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى أُورُشَلِيمَ؟ ٣٥أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً. هَلْ أُمَيِّزُ بَيْنَ الطَّيِّبِ وَالرَّدِيءِ؟ وَهَلْ يَسْتَطْعِمُ عَبْدُكَ بِمَا آكُلُ وَمَا أَشْرَبُ؟ وَهَلْ أَسْمَعُ أَيْضًا أَصْوَاتَ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ؟ فَلِمَاذَا يَكُونُ عَبْدُكَ أَيْضًا ثِقْلاً عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ؟ ٣٦يَعْبُرُ عَبْدُكَ قَلِيلاً الأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ. وَلِمَاذَا يُكَافِئُنِي الْمَلِكُ بِهذِهِ الْمُكَافَأَةِ؟ ٣٧دَعْ عَبْدَكَ يَرْجعُ فَأَمُوتَ فِي مَدِينَتِي عِنْدَ قَبْرِ أَبِي وَأُمِّي. وَهُوَذَا عَبْدُكَ كِمْهَامُ يَعْبُرُ مَعَ سَيِّدِي الْمَلِكِ، فَافْعَلْ لَهُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ». ٣٨فَأَجَابَ الْمَلِكُ: «إِنَّ كِمْهَامَ يَعْبُرُ مَعِي فَأَفْعَلُ لَهُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ، وَكُلُّ مَا تَتَمَنَّاهُ مِنِّي أَفْعَلُهُ لَكَ». ٣٩فَعَبَرَ جَمِيعُ الشَّعْبِ الأُرْدُنَّ، وَالْمَلِكُ عَبَرَ. وَقَبَّلَ الْمَلِكُ بَرْزِلاَّيَ وَبَارَكَهُ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ.
١. ٱعْبُرْ أَنْتَ مَعِي وَأَنَا أَعُولُكَ مَعِي فِي أُورُشَلِيمَ: جلب برزلاي مساعدات جوهرية لداود ورجاله عندما هربوا من أمام أبشالوم الذي استولى على أورشليم. وبدافع الامتنان، عرض عليه داود شرف العيش مع الملك في أورشليم.
· كَانَ رَجُلًا عَظِيمًا (غنيًّا) جِدًّا: كان برزلاي رجلًا ذا موارد عظيمة، فاستخدمها في حكمته في دعم خادم الرب وقضيته. وتحدّث يسوع في لوقا ١٢: ٢١ عن الرجل الغبي الذي يكنز لنفسه وهو ليس غنيًّا لله. فكان برزلاي حكيمًا بما يكفي لاستثمار موارده ليكنز كنوزًا في السماء، فصار غنيًّا لله.
٢. وَلِمَاذَا يُكَافِئُنِي ٱلْمَلِكُ بِهَذِهِ ٱلْمُكَافَأَةِ: لم يفعل برزلاي هذا من أجل المكافأة. فقد أعطى من قلب سليم، لا بدافع من تمجيد الذات.
٣. وَهُوَذَا عَبْدُكَ كِمْهَامُ يَعْبُرُ مَعَ سَيِّدِي ٱلْمَلِكِ: رفض برزلاي باحترام هذا الشرف لنفسه، لكنه قبِله نيابة عن ابنه كِمْهام.
· “يُفهم هذا عادة على أن هذا هو ابن برزلاي. وهذا أمر مرجح من ١ ملوك ٢: ٧، حيث أظهر داود إحسانًا، وهو يحتضر، لأبناء برزلاي.” كلارك (Clarke)
د) الآيات (٤٠-٤٣): خلاف بين إسرائيل ويهوذا حول داود
٤٠وَعَبَرَ الْمَلِكُ إِلَى الْجِلْجَالِ، وَعَبَرَ كِمْهَامُ مَعَهُ، وَكُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عَبَّرُوا الْمَلِكَ، وَكَذلِكَ نِصْفُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. ٤١وَإِذَا بِجَمِيعِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ جَاءُونَ إِلَى الْمَلِكِ، وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «لِمَاذَا سَرِقَكَ إِخْوَتُنَا رِجَالُ يَهُوذَا وَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ بِالْمَلِكِ وَبَيْتِهِ وَكُلِّ رِجَالِ دَاوُدَ مَعَهُ؟». ٤٢فَأَجَابَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا رِجَالَ إِسْرَائِيلَ: «لأَنَّ الْمَلِكَ قَرِيبٌ إِلَيَّ، وَلِمَاذَا تَغْتَاظُ مِنْ هذَا الأَمْرِ؟ هَلْ أَكَلْنَا شَيْئًا مِنَ الْمَلِكِ أَوْ وَهَبَنَا هِبَةً؟» ٤٣فَأَجَابَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ رِجَالَ يَهُوذَا وَقَالُوا: «لِي عَشَرَةُ أَسْهُمٍ فِي الْمَلِكِ، وَأَنَا أَحَقُّ مِنْكَ بِدَاوُدَ، فَلِمَاذَا اسْتَخْفَفْتَ بِي وَلَمْ يَكُنْ كَلاَمِي أَوَّلاً فِي إِرْجَاعِ مَلِكِي؟» وَكَانَ كَلاَمُ رِجَالِ يَهُوذَا أَقْسَى مِنْ كَلاَمِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ.