سفر دانيال – الإصحاح ٣
إنقاذ في أتون النار
أولًا. نبوخذنصّر يَنْصب تمثالًا ويطالب الجميع بعبادته
أ ) الآية (١): التمثال يُصنع ويُنْصَب.
١نَبُوخَذْنَصَّرُ ٱلْمَلِكُ صَنَعَ تِمْثَالًا مِنْ ذَهَبٍ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّ أَذْرُعٍ، وَنَصَبَهُ فِي بُقْعَةِ دُورَا فِي وِلَايَةِ بَابِلَ.
١. نَبُوخَذْنَصَّرُ ٱلْمَلِكُ صَنَعَ تِمْثَالًا: هنالك جدل حول متى حدث هذا. إذ يعتقد بعضهم أنه حدث بعد وقت قصير من أحداث دانيال ٢، بينما يرى آخرون أنه حدث بعد سنوات كثيرة من ذلك.
• هنالك ربط واضح بين حلم نبوخذنصّر في دانيال ٢ والتمثال الذي صنعه في دانيال ٣. إذ يبدو أنه تعمَّد أن يصنع تمثالًا من ذهب ليعطي رسالة أن حكمه وسلطته لن يزولا أبدًا، على نقيض خطة الله المعلنة.
٢. تِمْثَالًا مِنْ ذَهَبٍ: كان التمثال أَشْبه بمسلّة منمّقة أكثر منه تمثالًا عاديًّا، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا (٣٠ مترًا) وَعَرْضُهُ سِتُّ أَذْرُعٍ (٣ أمتار). ونظرًا لحجمه الكبير، فإن من الأمان أن نقول إنه لم يكن من الذهب الخالص، بل يرجّح أنه كان مصنوعًا من الخشب المغشَّى بالذهب. إذ كانت هذه طريقة شائعة للبناء في العالم القديم.
• “يوجد في سهول دورا اليوم هضبة مستقيمة يبلغ ارتفاعها ٢٠ قدمًا، وميدان مربع دقيق يبلغ ضِلعه ٤٦ قدمًا عند قاعدته. وهو يشبه قاعدة تمثال ضخم.” هسلوب (Heslop)
ب) الآيات (٢-٣): اجتماع وجهاء بابل لتدشين التمثال.
٢ثُمَّ أَرْسَلَ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ لِيَجْمَعَ الْمَرَازِبَةَ وَالشِّحَنَ وَالْوُلاَةَ وَالْقُضَاةَ وَالْخَزَنَةَ وَالْفُقَهَاءَ وَالْمُفْتِينَ وَكُلَّ حُكَّامِ الْوِلاَيَاتِ، لِيَأْتُوا لِتَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ. ٣حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ الْمَرَازِبَةُ وَالشِّحَنُ وَالْوُلاَةُ وَالْقُضَاةُ وَالْخَزَنَةُ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُفْتُونَ وَكُلُّ حُكَّامِ الْوِلاَيَاتِ لِتَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ، وَوَقَفُوا أَمَامَ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ.
١. ٱجْتَمَعَ ٱلْمَرَازِبَةُ: المرازبة كلمة فارسية مستعارة تعني ’حماة المملكة.‘ وهي تشير إلى فئة معيّنة من المسؤولين العامّين.
٢. لِيَأْتُوا لِتَدْشِينِ ٱلتِّمْثَالِ: يعني الأمر بأن يأتي الجميع إلى احتفال التدشين أن نبوخذنصّر قصد أن يستخدم عبادة هذا التمثال كامتحان للولاء.
ج) الآيات (٤-٦): الأمر بعبادة التمثال.
٤وَنَادَى مُنَادٍ بِشِدَّةٍ: «قَدْ أُمِرْتُمْ أَيُّهَا الشُّعُوبُ وَالأُمَمُ وَالأَلْسِنَةُ، ٥عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ، أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ. ٦وَمَنْ لاَ يَخِرُّ وَيَسْجُدُ، فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُّونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ».
١. ٱلْقَرْنِ وَٱلنَّايِ وَٱلْعُودِ وَٱلرَّبَابِ وَٱلسِّنْطِيرِ وَٱلْمِزْمَارِ (في انسجام مع) كُلِّ أَنْوَاعِ ٱلْعَزْفِ: يَصْعُب تحديد هذه الآلات الموسيقية بدقة، لكن الفكرة ما زالت واضحة. إذ كانت هذه أوركسترا (فرقة موسيقية) رائعة.
• دفع استخدام بعض الكلمات الآرامية التي تشير إلى الرباب والسنطير، مع الانسجام مع الآلات الأخرى، بعض النقاد إلى القول إن سفر دانيال كُتب بعد مئات من زمن دانيال. وهم يقولون هذا لأن هذه الكلمات بالذات كلمات آرامية مستعارة من كلمات يونانية، وأن هذه الكلمات لم تكن متاحة لدانيال في القرن السادس ق. م. حسب افتراضهم. وافترضوا أنها لم تدخل المفردات العبرية إلا في القرن الثالث ق. م.
• ومع ذلك، تخبرنا السجلات القديمة أنه كان هنالك يونانيون في منطقة أشور، وبابل، وبلاد الفرس في القرن الثامن ق. م. ويثبت علم الآثار أيضًا بما لا يدع مجالًا للشك أن المرتزقة اليونانيين قاتلوا وأقاموا مستوطنات عسكرية في يهوذا قبل زمن دانيال.
٢. مَنْ لَا يَخِرُّ وَيَسْجُدُ… يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُّونِ نَارٍ: كان الأمر الملكي مدعومًا بتهديد قوي. إذ عدَّ نبوخذنصّر رفْض عبادة هذا التمثال خيانة، لا مجرد إهانة دينية.
• كان نبوخذنصّر مثل سياسيين كثيرين يستخدمون الدين لتشديد قبضتهم على السلطة السياسية. إذ يسعد السياسيون بمزج الولاء الروحي بالولاء الوطني. ونجد مثلًا لهذا في عام ١٩٣٦ عندما قال الهير بالدور فون شيراش، رئيس برنامج الشباب النازي: “إذا تصرّفنا كألمان حقيقيين، فإننا نتصرف وفقًا لقوانين الله. ومن يخدم أدولف هتلر فإنه يخدم ألمانيا، ومن يخدم ألمانيا فإنه يخدم الله.”
• وهنالك مثل آخر من عام ١٩٦٠ عندما نصب رئيس غانا تمثالًا له أكبر قليلًا من حجمه الطبيعي أمام مبنى البرلمان الوطني. وهنالك نقش على جانبه يقول: “اطلبوا أولًا ملكوت السياسة، وهذه كلها تُزاد لكم.” وقد حُطِّم التمثال بعد انقلاب أبيض في عام ١٩٦٦.
٣. أَتُّونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ: لم يكن نبوخذنصّر يسمح لمخالفي القانون بالإفلات من العقاب. فقد وُصِف في الكتابة المسمارية القديمة على أنه مكرس للعدالة لدرجة أنه ’لم يكن يستريح ليلًا أو نهارًا.‘ وتحكي الوثيقة أيضًا عن مجرم دِينَ على جريمة ثانية بقطع رأسه. وبعد ذلك، عُرضت صورة حجرية لرأسه كتحذير.
د ) الآية (٧): الحشد يطيع أمر الملك.
٧لِأَجْلِ ذَلِكَ وَقْتَمَا سَمِعَ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ صَوْتَ ٱلْقَرْنِ وَٱلنَّايِ وَٱلْعُودِ وَٱلرَّبَابِ وَٱلسِّنْطِيرِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ ٱلْعَزْفِ، خَرَّ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلْأُمَمِ وَٱلْأَلْسِنَةِ وَسَجَدُوا لِتِمْثَالِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ ٱلْمَلِكُ.
١. وَقْتَمَا سَمِعَ: رافقت الموسيقى عبادة نبوخذنصّر الوثنية، وقد كانت موسيقى مدروسة ومتقنة. ويذكّرنا هذا بالقوة الكامنة في الموسيقى في الشر أو الخير على حد سواء.
٢. خَرَّ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ وَسَجَدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ: يقول بولدوين (Baldwin) إن النص الأصلي هو “وقتما كانوا يسمعون… كانوا يخرّون.” إذ كانت هنالك طاعة فورية لأمر الملك.
ثانيًا. الرجال العبرانيون يرفضون طاعة الأمر
أ ) الآيات (٨-١٢): بعض الكلدانيين يتهمون الرجال العبرانيين.
٨لأَجْلِ ذلِكَ تَقَدَّمَ حِينَئِذٍ رِجَالٌ كَلْدَانِيُّونَ وَاشْتَكَوْا عَلَى الْيَهُودِ، ٩أَجَابُوا وَقَالُوا لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى الأَبَدِ! ١٠أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَصْدَرْتَ أَمْرًا بِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَسْمَعُ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ، يَخِرُّ وَيَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ. ١١وَمَنْ لاَ يَخِرُّ وَيَسْجُدُ فَإِنَّهُ يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُّونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ. ١٢يُوجَدُ رِجَالٌ يَهُودٌ، الَّذِينَ وَكَّلْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ بَابِلَ: شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ. هؤُلاَءِ الرِّجَالُ لَمْ يَجْعَلُوا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ اعْتِبَارًا. آلِهَتُكَ لاَ يَعْبُدُونَ، وَلِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَ لاَ يَسْجُدُونَ».
١. تَقَدَّمَ حِينَئِذٍ رِجَالٌ كَلْدَانِيُّونَ وَٱشْتَكَوْا عَلَى ٱلْيَهُودِ: كان لهؤلاء الكلدانيين دافع سياسي واضح ضد هؤلاء الرجال الذين تمت ترقيتهم بعد الأحداث المدوّنة في الإصحاح السابق.
٢. آلِهَتُكَ لَا يَعْبُدُونَ، وَلِتِمْثَالِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي نَصَبْتَ لَا يَسْجُدُونَ: من الواضح أن عدم عبادتهم للتمثال كان غير معروف إلى أن أعلن هؤلاء الكلدانيون هذه الحقيقة. فمع وجود آلاف المسؤولين الحكوميين، فإن من السهل إغفال هؤلاء الثلاثة. وفضلًا عن ذلك، لم يقدم الرجال اليهود الثلاثة هؤلاء احتجاجًا رسميًّا، لكنهم ببساطة امتنعوا عن المشاركة في عبادة الأوثان شخصيًّا.
• لم تكن أعمالهم علنية، لكنها في الوقت نفسه لم تكن مخفية. ولا بد أنهم عرفوا أنه سيُكتشف أمرهم، لكنهم أطاعوا الله لا البشر. “لا يمكنك أن تخوض الحياة من دون أن يتم اكتشافك. فلا يمكن إخفاء شمعة مضاءة. يشعر بعض الأشخاص الطيبين أن من الحكمة لهم أن يكونوا كتومين فيخفوا نورهم تحت مكيال. يريدون أن ينبطحوا ويخفضوا رؤوسهم طوال زمن الحرب، ويخرجوا إلى العلن عندما يتم توزيع أغصان النخيل. يأملون أن يسافروا من الممرات الخلفية والتسلل إلى المجد وهم متخفّون. يا لها من مجموعة فاسدة!” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٣-١٥): نبوخذنصّر يستجوب الرجال اليهود العُصاة.
١٣حِينَئِذٍ أَمَرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ بِغَضَبٍ وَغَيْظٍ بِإِحْضَارِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ. فَأَتَوْا بِهؤُلاَءِ الرِّجَالِ قُدَّامَ الْمَلِكِ. ١٤فَأَجَابَ نَبُوخَذْنَصَّرُ وَقَالَ لَهُمْ: «تَعَمُّدًا يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ لاَ تَعْبُدُونَ آلِهَتِي وَلاَ تَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتُ! ١٥فَإِنْ كُنْتُمُ الآنَ مُسْتَعِدِّينَ عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلَّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ إِلَى أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا لِلتِّمْثَالِ الَّذِي عَمِلْتُهُ. وَإِنْ لَمْ تَسْجُدُوا فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تُلْقَوْنَ فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَمَنْ هُوَ الإِلهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟».
١. تَعَمُّدًا (هَلْ صَحِيحٌ أنَّكُمْ لَمْ تُشَارِكُوا فِي العِبَادَةِ وَالسُّجُودِ لِتِمثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبتُهُ؟): يُحسَب لنبوخذنصّر أنه لم يقبل الاتهام على بناء الإشاعات، ولهذا أراد التأكد من ذلك بنفسه من خلال مقابلة شخصية. وكان هذا اختبارًا أكبر لشدرخ وميشخ وعبدنغو. فاتخاذ موقف مناصر لله شيء، لكنه شيء أعظم أن تتمسك بموقفك عندما تُسأل بوضوح، ’هل صحيحٌ؟‘ لقد تبع بطرس يسوع بعد القبض عليه، لكنه جَبُن وأنكر سيده عندما سُئل: ’هل صحيحٌ؟‘
• “إن كنت تقف أمام الله الذي يفحص القلوب في هذا الوقت، لا يمكنك أن تقول، ’هذا صحيح،‘ فكيف ينبغي لك أن تتصرف؟ إذا كنت لا تستطيع حمل صليب المسيح، ولا تستطيع أن تتبعه بكل المخاطر المتضمَّنة، فاسمع مني وتعلم الحق: لا تجاهر بإيمانك به على الإطلاق. ولا تتحدث عن المعمودية، أو العشاء الربّاني، أو الانضمام إلى كنيسة، أو كونك مؤمنًا بالمسيح. لأنك إذا فعلتَ ذلك، فستكذب على نفسك. وإذا لم يكن صحيحًا أنك تخليت عن أوثان العالم، فلا تزعم نقيض ذلك. وليس ضروريًّا أن يجاهر شخص بما ليس فيه. فهذه خطية تنفيل، أي القيام بواجب زائد عن المطلوب، وفائض من السفاهة. فإن كنت غير وفيّ للمسيح، وإن كان قلبك الجبان خائنًا لربّك، فإني أتوسل إليك ألا تجاهر بأنك تلميذ له. فإن كان المرء متزوجًا بالعالم وقاسي القلب، فإنه أفضل له أن يعود إلى بيته، لأنه لا يخدم في هذه الحرب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَإِنْ لَمْ تَسْجُدُوا فَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ تُلْقَوْنَ فِي وَسَطِ أَتُّونِ ٱلنَّارِ ٱلْمُتَّقِدَةِ: لن يقبل نبوخذنصّر أن يفقد ماء وجهه في مثل هذا المناسبة المهمة. فجعله كبرياءه يعلن: ’لا يكن لك آلهة غيري.‘
• يمكننا أن نتخيل الضغط الهائل الذي وقع تحته شدرخ وميشخ وعبدنغو لتقديم تنازلات. إذ كان أمامهم الملك، وأتون النار، والموسيقى، وأبناء وطنهم، ومنافسوهم، حيث تضافرت هؤلاء الأشخاص وتلك العناصر على محاولة إقناعهم بالتنازل والمساومة. لكن الله كان حقيقيًّا بالنسبة لهم أكثر من هذه الأشياء مجتمعة. “لا تحكم على الموقف من تهديد الملك ومن حرارة أتون النار المتقدة، لكن من الإله السرمدي والحياة الأبدية التي تنتظرك. لا تدع صَوْتَ ٱلْقَرْنِ وَٱلنَّايِ وَٱلْعُودِ وَٱلرَّبَابِ وَٱلسِّنْطِيرِ وَٱلْمِزْمَارِ وَكُلَّ أَنْوَاعِ ٱلْعَزْفِ يبهرك، بل استمع إلى موسيقى ذاك الممجَّد. قد يعبس الناس في وجهك، لكن يمكنك أن ترى الله وهو يبتسم لك. ولهذا فإنك لا تتأثر.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَمَنْ هُوَ ٱلْإِلَهُ ٱلَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ: لم يهم شيءٌ نبوخذنصّرَ وهو يهين كل الآلهة بهذه العبارة. فهو علماني أو إنساني أكثر منه مؤمنًا بإله. والإله الذي يؤمن به حقًّا هو نفسه، لا آلهة بابل.
هـ) الآيات (١٦-١٨): الرجال العبرانيون الثلاثة يصرّون على عدم عبادة التمثال.
١٦فَأَجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ وَقَالُوا لِلمَلِكِ: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. ١٧هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. ١٨وَإِلاَّ فَلِيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ».
١. لَا يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ: لم يحتاجوا إلى الدفاع عن أنفسهم، فقد كان ذنبهم في المسألة واضحًا. ومن الواضح أنهم سيرفضون أن يسجدوا لذلك التمثال.
٢. إِلَهُنَا ٱلَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا: أظهر الرجال العبرانيون فهمًا وتقديرًا جيّدين لقوة الله العظيمة. بل عرفوا أن الله قادر على إنقاذهم من أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وحتى من يدي نبوخذنصّر نفسه.
٣. وَإِلَّا: أظهر العبرانيون الثلاثة فهمًا وتقديرًا جيدين لله. لقد عرفوا قوة الله، لكنهم عرفوا أيضًا أنه يتوجب عليهم أن يفعلوا الصواب حتى لو لم يفعل الله ما يتوقعون أو يأملون من أجلهم.
• غالبًا ما نتذمر حول حقوقنا وما هو منصف بالنسبة لنا. وغالبًا ما يكون أفضل لنا أن نتخذ موقفًا صائبًا ونترك مصيرنا بين يدي الله.
• لم يشكّوا في قدرة الله، لكنهم لم يفترضوا تجاسرًا أنهم يعرفون مشيئة الله. وفي هذا، اتفقوا مع أيوب الذي قال: “هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لَا أَنْتَظِرُ شَيْئًا. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ” (أيوب ١٣: ١٥). أدركوا أن خطة الله قد تكون مختلفة عن رغباتهم. فأنا لدي رغباتي وأحلامي، وأصلي أن يحققها الله. لكن إذا لم يفعل ذلك، فلن أدير ظهري له.
• كان هؤلاء رجالًا لم يحبوا كثيرًا. هنالك كتب شعبية تقدم المساعدة الذاتية لأولئك الذين يبدو أنهم يحبون أكثر من اللازم. غير أن مؤمنين كثيرين يعاقون لأنهم يحبون أكثر من اللازم. فلنتذكر أن المؤمنين الأوائل بالمسيح لم يُلقَ بهم للأسود لأنهم كانوا يعبدون يسوع، لكنهم رفضوا أن يعبدوا الإمبراطور.
• في يومنا هذا، يحب كثيرون يسوع، ويجلّونه كثيرًا، غير أنهم بعيدون عن الله لأنهم يحبون ويعبدون العالم والخطية والذات أيضًا. “لَا تُحِبُّوا ٱلْعَالَمَ وَلَا ٱلْأَشْيَاءَ ٱلَّتِي فِي ٱلْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ ٱلْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ ٱلْآبِ.” (١ يوحنا ٢: ١٥)
٤. فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ، أَنَّنَا لَا نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلَا نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ ٱلذَّهَبِ: يتطلب الأمر إيمانًا عظيمًا لقول هذا. لقد أوصلهم الله إلى مكان إيمان عظيم بإعدادهم من خلال امتحانات في مجالات أقل درامية.
• وقف هؤلاء الرجال بحزم عندما قُدِّم لهم تحدي تناول أطعمة نجسة، فرأوا أن الله بارك طاعتهم. فمدّهم هذا بالشجاعة على أن يطيعوه الآن، لكن في وجه مخاطر أكبر.
• يفشل كثيرون في طاعتهم، لأنهم ينتظرون شيئًا كبيرًا لاختبار إيمانهم قبل أن يبدأوا حقًّا في طاعة الله. ويملأ بعضهم حياتهم بمساومات صغيرة كثيرة، غير أنهم يخبرون أنفسهم أنهم سيقفون بحزم عندما يكون الأمر مهمًّا حقًّا. ويُظهر لنا الرجال العبرانيون الثلاثة أن الطاعة لله في الأمور الصغيرة مهمة حقًا.
٥. وَإِلَّا فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ: إن عبارة الرجال العبرانيين الثلاثة لافتة للنظر أيضًا لِما لا تحتويه. إذ لا تحتوي على أي تلميح إلى عذر. وفي وقت امتحان كهذا، فإن من السهل التفكير في ألف عذر يبدو أنه يبرر المساومة.
• كان بإمكانهم أن يقولوا: “لا يوجد ما يمكن أن نكسبه بالمقاومة. ألا نفعل أشياء صالحة أكثر إذا بقينا أحياء؟” فمن السهل أن نقول، “يتوجب علينا أن نحيا.” لكن في واقع الأمر، لا بد أن نموت جميعًا. فلماذا لا نموت ونحن نتخذ مواقف مناصرة لله؟
• ربما كان بإمكانهم أن يقولوا: “نحن في مكان مختلف. وكما يقول المثل: في روما، افعل ما يفعله أهل روما.” لكنهم عرفوا أن لله سلطانًا غير محدود. ويتوجب علينا أن نفعل أكثر من مجرد ’أداء‘ أعمال طاعة دينية عندما يكون لدينا جمهور يراقبنا.
• كان بإمكانهم أن يقولوا: “سنفقد وظائفنا ومستوى حياتنا.” في كثير من الأحيان، عندما يباركنا الله، نجعل البركة وثنًا، ونساوم مع الله للحفاظ على ما لدينا.
• كان بإمكانهم أن يقولوا: “إنهم لا يطلبون منا أن نتتكر لإلهنا.” لم يكن لديهم ضمير مطاط بشكل خارق يقول: “نحن لا ننحني للوثن، لكننا ننحني احترامًا للملك، أو تقديرًا للموسيقى.” إن أعذارًا كهذه شائعة، لكنها تثبت المبدأ القائل إن أي شيء يصلح ذريعة ما دام القلب عازمًا على التنازل والمساومة.
• كان بإمكانهم أن يقولوا: “الآخرون كلهم يفعلون ذلك.” لكن، بدلًا من ذلك، قاموا بتنمية شخصيات شجاعة مستعدة للوقوف بمفردها مع الله.
• كان بإمكانهم أن يقولوا: “سنفعل هذا لمرة واحدة فقط، وليس لمدة طويلة، إنها مجرد عشر دقائق من أجل خاطر الملك فقط. فمن الغباء أن نبدد حياتنا من أجل عشر دقائق فقط.” عرف هؤلاء الرجال الثلاثة أن الدقائق العشر هذه يمكن أن تغير حياة بأكملها، ويمكنها أن ترسم مسارًا لأبديتك.
• كان بإمكانهم أن يقولوا: “هذا أكثر مما يُتوقع منا. إذ سيتفهم الله هذا الأمر هذه المرة.” إنه لأمر صحيح أن الله يفهم صراعنا مع الخطية، وأنه يحب الخاطئ، وأنه وفّر على الصليب تدبيرًا للحرية من عقاب الخطية وقوّتها ووجودها. لكن ينبغي لهذا الفهم من جانب الله أن يدفعنا إلى الطاعة، لا أن يكون رخصة للخطية.
• “أنا سعيد لأن الفتيان الثلاثة المقدسين ’لم يحرصوا‘ على إعطاء جواب للملك، حسب ترجمة الملك جيمس. إذ لو فعلوا لربما وجدوا سياسة ملتوية أو عذرًا واهيًا لتقديم تنازلات. هل تخصّنا مسألة العواقب؟ من حقنا أن نفعل الصواب، تاركين النتائج للرب.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. الرجال العبرانيون في أتون النار
أ ) الآيات (١٩-٢٣): إلقاء الرجال الثلاثة بعنف في الأتون.
١٩حِينَئِذٍ امْتَلأَ نَبُوخَذْنَصَّرُ غَيْظًا وَتَغَيَّرَ مَنْظَرُ وَجْهِهِ عَلَى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، فَأَجَابَ وَأَمَرَ بِأَنْ يَحْمُوا الأَتُونَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مُعْتَادًا أَنْ يُحْمَى. ٢٠وَأَمَرَ جَبَابِرَةَ الْقُوَّةِ فِي جَيْشِهِ بِأَنْ يُوثِقُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ وَيُلْقُوهُمْ فِي أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. ٢١ثُمَّ أُوثِقَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ فِي سَرَاوِيلِهِمْ وَأَقْمِصَتِهِمْ وَأَرْدِيَتِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَأُلْقُوا فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. ٢٢وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ كَلِمَةَ الْمَلِكِ شَدِيدَةٌ وَالأَتُونَ قَدْ حَمِيَ جِدًّا، قَتَلَ لَهِيبُ النَّارِ الرِّجَالَ الَّذِينَ رَفَعُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ. ٢٣وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ الرِّجَالِ، شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ، سَقَطُوا مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ.
١. ٱمْتَلَأَ نَبُوخَذْنَصَّرُ غَيْظًا: بِغضّ النظر عن شجاعة شدرخ وميشخ وعبدنغو، ستظل مواجهة غضب الملك مخيفة للغاية. وقد أحسسنا قبل خطابهم بأن الملك كان يتحدث بلطف وبطريقة أبوية تقريبًا إلى هؤلاء ’الصبيان الضالين.‘ لكن بعد سماعه لتحدّيهم الجسور، تغيرت ملامح وجهه.
• رغم هذا الترهيب الشديد، بقي الرجال الثلاثة شجعانًا في اعترافهم بالإيمان. وصف سبيرجن ببلاغة رعب الذين فقدوا شجاعتهم في مثل هذه الأوقات: “تذكَّر أيضًا بأنك، بخضوعك لخوف الإنسان، تحط من قدر نفسك. وسيأتي على الرجل الذي خجل من الاعتراف بالمسيح يوم سيخجل فيه أمام المسيح. وسيتساءل أين يمكنه أن يخفي رأسه المذنب. انظر إليه. ها هو الخائن الذي أنكر ربّه… ذاك المسيح الذي بُصِق عليه، والذي خشي الرجل الاعتراف به. لقد أدار ظهره لفاديه، وباع ربه ليفوز ببسمة من خادمة تافهة، وللهروب من مزاح شخص خشن، ورِبْح قطع فضية قليلة، والوقوف باحترام بين رفاقه. فماذا يمكن أن يقال في مصلحته أو الدفاع عنه؟ ومن يمكن أن يعذره؟ ستتجنّبه الملائكة خجلًا كرجل خجِل من رب المجد. إنه يرتدي لباس الخزي والازدراء الخالدين. حتى الهالكون في الجحيم يبتعدون عنه، لأن كثيرين منهم كانوا أكثر صدقًا منه. فهل يوجد رجل كهذا أمامي اليوم؟ أنا أستدعيه باسم الإله الحي ليجيب عن جُبنه! ليتقدمْ ويعترف بجريمته، وليطلب بتواضع المغفرة من يدي المخلّص الكريم.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ثُمَّ أُوثِقَ هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ فِي سَرَاوِيلِهِمْ… وَٱلْأَتُونَ قَدْ حَمِيَ جِدًّا: عمل الملك كل شيء للتأكد من أن الرجال العبرانيين الثلاثة سيُحرقون بسرعة وبشكل تام.
ب) الآيات (٢٤-٢٥): نبوخذنصّر يرى أربعة أشخاص أحياء وفي حالة حسنة في الأتون.
٢٤حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ وَقَامَ مُسْرِعًا فَأَجَابَ وَقَالَ لِمُشِيرِيهِ: «أَلَمْ نُلْقِ ثَلاَثَةَ رِجَال مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟» فَأَجَابُوا وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «صَحِيحٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ». ٢٥أَجَابَ وَقَالَ: «هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ».
١. حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ ٱلْمَلِكُ: من المحيّر فعلًا أن ينجو أي شخص داخل هذا الأتون بينما مات آخرون عند بابه من شدة الحرارة.
• تقول الترجمة السبعونية في دانيال ٣: ٢٤ إن ما لفت انتباه نبوخذنصّر هو أنه سمع الرجال يرنمون وهم في الأتون. ويمكننا أن نتخيل أن الملك الذي ألقى بهم في الأتون لم يكن ينوي أن يلقي نظرة أخرى عليهم، لأنهم سيموتون فورًا. وبينما كان يسير مبتعدًا بنظرة راضية على وجهه، أوقفه صوت ترنيم قادم من الأتون. وعلى مسافة آمنة من الحرارة المتأججة، نظر إلى داخل الأتون، فرأى أَرْبَعَةَ رِجَالٍ مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ ٱلنَّارِ.
• إن كانت رواية الترنيم في الأتون هذه صحيحة، فإنها تذكّرنا ببولس وسيلا وهما يرنمان في سجن فيلبي (أعمال الرسل ١٦: ٢٥).
٢. هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ مَحْلُولِينَ… وَمَنْظَرُ ٱلرَّابِعِ شَبِيهٌ بِٱبْنِ ٱلْآلِهَةِ: يخبرنا نبوخذنصّر عن هوية الشخص الرابع. إنه ابن الله (ٱبْنِ ٱلْآلِهَةِ). كان يسوع معهم حرفيًّا في أسوأ محنة لهم.
• لا نعرف إن كان ميشخ وشدرخ وعبدنغو عرفوا أن ابن الله كان معهم في محنتهم النارية. فأحيانًا ندرك حضور الله معنا، وأحيانًا أخرى، لا ندرك ذلك. لكنه في الحالتين موجود.
• لاحظ سبيرجن أن شعب الله غالبًا ما يكونون في الأتون، ورغم وجود أنواع مختلفة من الأتانين، إلا أنهم يخدمون أغراضًا متشابهة في حياتنا:
هنالك الأتون الذي يُعِدّه الإنسان.
هنالك الأتون الذي يُعِدّه إبليس.
هنالك الأتون الذي يُعِدّه الله.
• يستطيع الله أن يخلصنا من محنة، ويستطيع أن يدعمنا ويقوينا في محنة. يقتبس تراب (Trapp) كلام شهيد إنجليزي وهو يُحرق على خازوق: “أيها البابويون، انظروا إلى المعجزات. ها أنتم ترون معجزة هنا. فأنا في هذه النار لا أحس بأي ألم، كما لو أني مضطجع على سرير. لكنه بالنسبة لي سرير من الورود.”
٣. هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ ٱلنَّارِ: لاحظ نبوخذنصّر أن الرجال الثلاثة كانوا أحرارًا. فلم تحرق النار سوى الحبال التي قيدتهم.
ج) الآيات (٢٦-٢٧): الرجال العبرانيون يخرجون من الأتون بلا ضرر.
٢٦ثُمَّ اقْتَرَبَ نَبُوخَذْنَصَّرُ إِلَى بَابِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَجَابَ، فَقَالَ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ الْعَلِيِّ، اخْرُجُوا وَتَعَالَوْا». فَخَرَجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنْ وَسَطِ النَّارِ. ٢٧فَاجْتَمَعَتِ الْمَرَازِبَةُ وَالشِّحَنُ وَالْوُلاَةُ وَمُشِيرُو الْمَلِكِ وَرَأَوْا هؤُلاَءِ الرِّجَالَ الَّذِينَ لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ، وَشَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ لَمْ تَحْتَرِقْ، وَسَرَاوِيلُهُمْ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَرَائِحَةُ النَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ.
١. يَا عَبِيدَ ٱللهِ ٱلْعَلِيِّ: أقر نبوخذنصّر قبل خروج الرجال الثلاثة بأنهم خدموا الإله الحقيقي، ٱللهِ ٱلْعَلِيِّ.
٢. لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ: لم تكن للمحنة قُوَّةٌ على هؤلاء الرجال، لأنهم خضعوا لقوة الله ومشيئته. وقد عرفوا قبل وقت يسوع حقيقة وعده: “فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ” (يوحنا ١٦: ٣٣).
٣. وَرَائِحَةُ ٱلنَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ: يبيّن هذا مدى اكتمال خلاصهم.
• توضح الرواية كلها مستقبل إسرائيل أثناء الضيقة العظمى، أو ربما تشكل صورة رمزية لها.
نبوخذنصّر مثل ضد المسيح الذي يجبر العالم على اتِّباع ديانة وثنية واحدة.
يشبه تمثال نبوخذنصّر ذاك المذكور في رؤيا ١٣، والذي يؤمر العالم كله بعبادته.
الأتون المتقد مثل الضيقة العظيمة التي ستكون محنة عظيمة لليهود.
الرجال العبرانيون الثلاثة هم مثل إسرائيل التي ستُحفَظ عبر الضيقة.
الجلادون الذين ماتوا مثل أولئك المتحالفين مع ضد المسيح، والذين سيقتلهم المسيح عند عودته.
دانيال الغائب بشكل غامض هو مثل الكنيسة غير الموجودة وقت الضيقة العظيمة.
رابعًا. ما بعد الحدث
أ ) الآية (٢٨): نبوخذنصّر يقر بعظمة إله العبرانيين الثلاثة.
٢٨فَأَجَابَ نَبُوخَذْنَصَّرُ وَقَالَ: تَبَارَكَ إِلهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْلاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلهٍ غَيْرِ إِلهِهِمْ.
١. تَبَارَكَ إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ: أعطى نبوخذنصر المجد لله، لكنه أدرك أن هذا الإله العظيم ليس إلهه. إذ كان ما زال إِلَه الرجال الثلاثة الشجعان.
٢. ٱلَّذِي أَرْسَلَ مَلَاكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّكَلُوا عَلَيْهِ: سأل نبوخذنصّر في دانيال ٣: ١٥ “وَمَنْ هُوَ ٱلْإِلَهُ ٱلَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟” وها قد عرف الكثير عن هذا الإله.
• إنه إله العبرانيين (إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ).
• إنه الإله الذي يرسل مخلّصًا (ٱلَّذِي أَرْسَلَ مَلَاكَهُ).
• إنه إله القوة العظيمة (أَنْقَذَ عَبِيدَهُ).
• إنه الإله الجدير بالثقة (ٱلَّذِينَ ٱتَّكَلُوا عَلَيْهِ).
• إنه الإله المستحق للاستسلام له (غَيَّرُوا كَلِمَةَ ٱلْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ).
• إنه الإله الذي يطالب بالولاء المطلق (لِكَيْلَا يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لِإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِمْ).
عرف نبوخذنصّر الكثير عن الله، لكنه لم يعرفه شخصيًّا.
٣. وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ: سلّم شدرخ وميشخ وعبدنغو أنفسهم لله بشكل تام – جسدًا، ونفسًا، وروحًا. إنه نفس الخضوع الذي كتب عنه بولس في رومية ١٢: ١ “فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ ٱللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ ٱللهِ، عِبَادَتَكُمُ ٱلْعَقْلِيَّةَ.”
• هذه الرواية كلها توضيح عملي قوي لمبدأ رومية ١٢: ١. نرى إبليس وهو يحاول أن يجعل المؤمن ينحني للصورة النموذجية التي ينبغي أن يكون عليها الرجال والنساء. ويتوجب على المؤمنين أن يقاوموا هذا بكل قوّتهم ويسعوا وراء نموذج الله ومُثُله وقيمه.
ب) الآيات (٢٩-٣٠): نبوخذنصر يعلن منع أي كلام شرير على إله العبرانيين.
٢٩فَمِنِّي قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ بِأَنَّ كُلَّ شَعْبٍ وَأُمَّةٍ وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُونَ بِالسُّوءِ عَلَى إِلهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، فَإِنَّهُمْ يُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا، وَتُجْعَلُ بُيُوتُهُمْ مَزْبَلَةً، إِذْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَ هكَذَا». ٣٠حِينَئِذٍ قَدَّمَ الْمَلِكُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي وِلاَيَةِ بَابِلَ.
١. فَمِنِّي قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ: لم يطالب الرجال الثلاثة نبوخذنصّر بإصدار مثل هذا المرسوم، وربما لم يرغبوا في ذلك. فالعبادة القسرية، سواء أكانت لوثن أم للإله الحقيقي، ليست جيدة.
٢. إِذْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَ هَكَذَا: كانت رؤية الله وهو يعمل في حياة شعبه شهادة حية فعالة للغاية لنبوخذنصّر.
• عبّر بولس عن هذه الفكرة في ٢ كورنثوس ٣: ٢-٣: “أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ ٱلْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لَا بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ، لَا فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ.”