عبرانيين – الإصحاح ٩
مقارنة بين العهد القديم والعهد الجديد
أولاً. وصف مميزات العهد القديم
أ ) الآيات (١-٥): خيمة اجتماع العهد القديم (المسكن) وأثاثها.
١ثُمَّ الْعَهْدُ الأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَيْضًا فَرَائِضُ خِدْمَةٍ وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ، ٢لأَنَّهُ نُصِبَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «الْقُدْسُ» الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَنَارَةُ، وَالْمَائِدَةُ، وَخُبْزُ التَّقْدِمَةِ. ٣وَوَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «قُدْسُ الأَقْدَاسِ» ٤فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ. ٥وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ. أَشْيَاءُ لَيْسَ لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ.
- الْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ (الأرضي): أمر الله في شريعة العهد القديم بإقامة خيمة الاجتماع أو المسكن، لكن الغرض منها كان الخدمة الأرضية.
- لأَنَّهُ نُصِبَ الْمَسْكَنُ: كان الْمَسْكَنُ عبارة عن خيمة بطول ٤٥ قدمًا (١٥ مترًا) وعرض ١٥ قدمًا (٥ أمتار) وارتفاع ١٥ قدمًا (٥ أمتار)، مقسمة إلى غرفتين. الغرفة الأكبر (الْمَسْكَنُ الأَوَّل) كان “الْقُدْسُ” بطول ١٥ قدمًا (٥ أمتار) وعرض ٣٠ قدمًا (١٠ أمتار). وَوَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي كانت الغرفة الأصغر حجماً بطول ١٥ قدمًا (١٥ مترًا) وعرض ١٥ قدمًا (٥ أمتار) وتسمى قُدْسُ الأَقْدَاسِ.
- الْمَنَارَةُ: كان تصميم المنائر في الخيمة على شكل ساق يتفرع منها ستة أغصان في الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ. وكانت هذه مصنوعة من الذهب الخالص وهي مصدر الضوء الوحيد للمسكن (خروج ٣١:٢٥-٤٠).
- الْمَائِدَةُ: كانت هذه في الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ وكانت مصنوعة من خشب السنط المغشى بالذهب بطول ٣ أقدام وعرض قدم ونصف وبارتفاع قدمين و٣ بوصات. وكان عليها اثني عشر رغيفاً من خُبْزُ التَّقْدِمَةِ الذي يمثل علاقة الله بأسباط إسرائيل الاثني عشر (خروج ٢٣:٢٥-٣٠).
- الْقُدْسُ: وهو الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ، والذي كان يفصله الحجاب (ستارة سميكة) عن قُدْسُ الأَقْدَاسِ (خروج ٣١:٢٦-٣٣).
- المِبْخَرَةٌ (أو مذبح البخور): وكان هذا مصنوعًا من خشب السنط المغطى بالذهب بعرض قدم ونصف مربع وارتفاعه ٣ أقدام، وموضعه عند الحجاب أمام “قدس الأقداس” ويستخدم لحرق البخور (خروج ١:٣٠-٨).
- تَابُوتُ الْعَهْدِ: وكان موضعه داخل قُدْسُ الأَقْدَاسِ، وكان عبارة عن صندوق من خشب السنط مغشى بالذهب وطوله ٣ أقدام وثلاثة أرباع القدم وعرضه قدمان وربع وارتفاعه قدمان، وعلى جانبه حلقات تمر فيها عصي ليمكن حمل التابوت دون لمسه (خروج ١٠:٢٥-٢٢).
- كان بداخل التابوت قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ (خروج ٣٣:١٦)، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ (سفر العدد ٦:١٧-١١)، وَلَوْحَا الْعَهْدِ (خروج ١٦:٢٥).
- كان الْمَنُّ يذكّر شعب إسرائيل بعناية الله وبجحودهم نحوه.
- كانت عَصَا هَارُونَ تذكرهم بتمردهم على سلطان الله.
- كان لَوْحَا الْعَهْدِ يذكران شعب إسرائيل بفشلهم في حفظ الوصايا العشر وباقي الشريعة.
- كان بداخل التابوت قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ (خروج ٣٣:١٦)، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ (سفر العدد ٦:١٧-١١)، وَلَوْحَا الْعَهْدِ (خروج ١٦:٢٥).
- الْغِطَاءَ (كرسي الرحمة): كان هذا “الغطاء” المزخرف لتابوت العهد وعليه رسم الكروبيم، وهو الذي رُش عليه دم الذبيحة لأجل مغفرة خطايا بني إسرائيل في يوم الكفارة (خروج ١٧:٢٥-٢٢).
- كان هذا الغطاء يعني أنه حين كان الله ينظر إلى تابوت العهد كان يرى الأمور التي تشير إلى خطية بني إسرائيل وتمردهم وفشلهم، لكن دم الذبيحة الذي كان على الغطاء كان يستر خطية شعب إسرائيل.
ب) الآيات (٦-٧): خدمة الكهنوت في خيمة الاجتماع بحسب شريعة العهد القديم.
٦ثُمَّ إِذْ صَارَتْ هذِهِ مُهَيَّأَةً هكَذَا، يَدْخُلُ الْكَهَنَةُ إِلَى الْمَسْكَنِ الأَوَّلِ كُلَّ حِينٍ، صَانِعِينَ الْخِدْمَةَ. ٧وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ.
- يَدْخُلُ الْكَهَنَةُ إِلَى الْمَسْكَنِ الأَوَّلِ كُلَّ حِينٍ، صَانِعِينَ الْخِدْمَةَ: كان الْكَهَنَة بحسب تعيينهم يدخلون يومياً إلى “القدس” لأداء وظائف الكهنوت كالعناية بالمنارة ووضع خبز التقدمة.
- وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ: كان رئيس الكهنة وحده هو من يمكنه الدخول إلى الجزء الثاني، أو ما يعرف باسم “قدس الأقداس” مرة واحدة في السنة في يوم الكفارة.
- لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ: لم يكن دخول رئيس الكهنة إلى قدس الأقداس لأجل الشركة، بل للتكفير عن الخطايا. فكان دم الذبيحة للكفارة عن خطيته أولاً وعن خطية الشعب.
- كان يمنع تماماً الدخول إلى قدس الأقداس لغير رئيس الكهنة. وحتى لو دخل أحدهم فلم يكن لغاية الشركة الحقيقية مع الله.
- سجّل لنا شيوخ اليهود القدامى عن كيف كان الكاهن لا يطيل صلاته في قدس الأقداس في يوم الكفارة لئلا يعتقد الكهنة والناس بأنه قد مات، وحين يخرج كان يحتفل مع أصدقائه لخروجه سالماً من محضر الله.
- وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ: كانت الخطايا التي ترتكب بجهل هي موضوع يوم الكفارة، إذ كان من المفروض أن يتم التكفير عن الخطايا العادية أو المعروفة من خلال ذبائح الخطية والذبائح اليومية.
- لهذا السبب فإن عمل يسوع على الصليب أعظم بكثير من عمل يوم الكفارة لأنه كافٍ للتكفير عن الخطايا التي نرتكبها بجهل أو عن عدم إدراك.
ج ) الآيات (٨-١٠): الروح القدس يعطي فهمًا للخدمة الكهنوتية في ظل العهد القديم.
٨مُعْلِنًا الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهذَا أَنَّ طَرِيقَ الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ إِقَامَةٌ، ٩الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ، لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ، ١٠وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ وَغَسَلاَتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إِلَى وَقْتِ الإِصْلاَحِ.
- أَنَّ طَرِيقَ الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ إِقَامَة: كان على القديم أن يختفي قبل أن يكشف الله عن أسلوب التواصل الجديد.
- الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ: كانت خيمة الاجتماع ذاتها وكل ما في العهد القديم مجرد رموز وإشارات إلى حقائق أعمق وأمثلة تصوّر العهد الجديد.
- الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ: لم يمكن لخدمة الكهنوت بموجب العهد القديم أن تجعل الكهنة الذين يقدمون الذبائح أنقياء وكاملين مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ.
- إن كان التطهير غير كاف للكاهن نفسه، فما ذلك بالنسبة للشخص الذي كان الكاهن يكهن بالنيابة عنه!
- وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إِلَى وَقْتِ الإِصْلاَحِ: كانت نقطة ضعف الخدمة الكهنوتية بموجب العهد القديم هو عدم قدرتها على إحداث التغيير المنشود في قلب الإنسان، لذلك وضعت هذه الفروض إلى أن يحين وَقْتِ الإِصْلاَحِ.
ثانياً. وصف مميزات العهد الجديد.
أ ) الآية (١١): العهد الجديد في “مسكن” أعظم.
١١وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْخَلِيقَةِ.
- فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ: ستكون خدمة يسوع، رئيس كهنتنا، في مكان أسمى وأعظم، أمام عرش الله، الذي هو أعظم مما يمكن أن تصنعه يد أي إنسان.
ب) الآيات (١٢-١٥): ذبيحة العهد الجديد أسمى وأعظم.
١٢وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا. ١٣لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، ١٤فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! ١٥وَلأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ.
- بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ: كانت الذبيحة الحيوانية كافية للتغطية المؤقتة للخطية لكن الذبيحة الكاملة فقط يمكنها تحقيق الفداء الأبدي.
- كانت ذبيحة يسوع المسيح أسمى وأعظم لكونها الذبيحة الكاملة التي قُدمت طواعية، كضرورة منطقية، لكن بدافع المحبة.
- بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ: في خيمة الاجتماع كانت الذبيحة تُقدم خارج الحجاب على المذبح، لكن كان يتم إدخال دم الكفارة إلى قدس الأقداس الذي يمثل عرش الله. وهكذا على ذات المنوال كان على يسوع أن يموت هنا، خارج السموات، بين البشر الخطاة، لكن الثمن الذي سدده موته كان يجب أن يُقبل لدى عرش الله في السموات.
- دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ: كان رئيس الكهنة يدخل مرة واحدة في السنة مروراً بالحجاب ويعود ثانية تاركاً الحجاب خلفه وهو يغادر. أما يسوع فقد شقّ الحجاب وبقي في قدس الأقداس، أي السموات ليستقبلنا فيها. وهذا ما يميز المسيحية بكونها تقوم على التواصل بين الله والإنسان وليس على وضع الحواجز بين الطرفين.
- بِدَمِ نَفْسِهِ: “الإشارة إلى الدم في الكتاب المقدس تشمل دائمًا فكرتين، هما الموت وبذل الحياة.” توماس (Thomas)
- “لم يأتِ الرب يسوع المسيح إلى الأرض ليصالحنا بالله من خلال قداسة حياته أو كمال تعاليمه، لكن بموته.” سبيرجن (Spurgeon)
- “الرب يسوع لم يقدم لله شيئاً قدمه آخرون لكنه قدم حياته وموته هو.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ… يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ: إن كانت هذه الذبائح غير الكاملة من شعب إسرائيل تعتبر كافية، فكم بالحري تكون كفاية الذبيحة الكاملة العظمى.
- رَمَادُ عِجْلَةٍ (دَمُ العُجُولِ) تشير إلى رماد الذبيحة المحترقة الذي كان يتم الاحتفاظ به لرشه على المرحضة التي تستخدم في طقوس الاغتسال (سفر العدد ١:١٩-١٠).
- كان هذا مجرد رمز لم تعد هناك حاجة له بعد أن صار لنا بدمه التطهير الكامل، لهذا ليس هناك أي حاجة للماء المقدس الذي يستخدم في الكنيسة الكاثوليكية.
- هناك بعض الأخبار عن البحث عن عجل أحمر ليتم تقديمه كذبيحة ومن ثم استخدام رماده في طقوس استعادة النظام الكهنوتي عند إعادة بناء الهيكل في أورشليم.
- فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ… يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! ذبيحة يسوع كافية أيضاً لتطهير ضمائرنا التي فسدت.
- ضميرنا أداة رائعة وفرها لنا الله، لكنها ليست مثالية لأنه يمكن لضمائرنا أن تتصلف وتخدعنا (تيموثاوس الأولى ٢:٤)، ويمكن لضمائرنا أن تتنجس (تيطس ١٥:١)، ويمكن لضمائرنا أن تكون شريرة (عبرانيين ٢٢:١٠).
- يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ: المقصود بالأعمال الميتة هي الخطية بشكل عام، أي الأفعال التي تجلب الموت. لكن هذا أيضًا يشير إلى عبثية الاستمرار في ذبائح العهد القديم التي هي الآن بالتأكيد أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ ومن ذات نوع الأمور التي كان يحاول المؤمنون من أصل يهودي العودة إليها.
- لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ: أنتم أيها المؤمنون تم تطهيركم وتطهير ضمائركم لا لتعيشوا لذواتكم بل لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ. والكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي (latreuo) والتي تعني خدمة الشعائر الدينية الكهنوتية.
- “وأنتم أيها الأصدقاء الأعزاء اعلموا أنكم من الآن فصاعدا ’تخدمون الله الحي.‘ ونوع الخدمة المذكورة هنا ليس ما يقدمه العبد لسيده، لكنها خدمة عبادة كما يقدم الكهنة لله. فنحن الذين طهرنا المسيح علينا أن نقدم لله عبادة كهنوت ملوكي. فمسؤوليتنا الآن أن نقدم الصلوات والشكر والذبائح الروحية وصلوات الشفاعة، وعلينا نحن أن نضيء منارة الشهادة وأن نوفر خبز التقدمة.” سبيرجن (Spurgeon)
- هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ… إِذْ صَارَ مَوْتٌ: عمل يسوع المسيح كوسيط قد تم أساساً من خلال موته، إذ أن عمله السماوي بالتشفع فينا يقوم على هذه الذبيحة الكاملة.
- إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ: موت يسوع على الصليب حقق الفداء لمن هم تحت الْعَهْدِ الأَوَّلِ، وكل ذبيحة خطية قُدمت بالإيمان بحسب شريعة موسى كانت تُقدم على رجاء التسديد الكامل لدين الخطية من خلال عمل الصليب الكامل.
ج ) الآيات (١٦-٢٢): ضرورة موت يسوع.
١٦لأَنَّهُ حَيْثُ تُوجَدُ وَصِيَّةٌ، يَلْزَمُ بَيَانُ مَوْتِ الْمُوصِي. ١٧لأَنَّ الْوَصِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَوْتى، إِذْ لاَ قُوَّةَ لَهَا الْبَتَّةَ مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا. ١٨فَمِنْ ثَمَّ الأَوَّلُ أَيْضًا لَمْ يُكَرَّسْ بِلاَ دَمٍ، ١٩لأَنَّ مُوسَى بَعْدَمَا كَلَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِكُلِّ وَصِيَّةٍ بِحَسَبِ النَّامُوسِ، أَخَذَ دَمَ الْعُجُولِ وَالتُّيُوسِ، مَعَ مَاءٍ، وَصُوفًا قِرْمِزِيًّا وَزُوفَا، وَرَشَّ الْكِتَابَ نَفْسَهُ وَجَمِيعَ الشَّعْبِ، ٢٠قَائِلاً: «هذَا هُوَ دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي أَوْصَاكُمُ اللهُ بِهِ». ٢١وَالْمَسْكَنَ أَيْضًا وَجَمِيعَ آنِيَةِ الْخِدْمَةِ رَشَّهَا كَذلِكَ بِالدَّمِ. ٢٢وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!
- لأَنَّ الْوَصِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَوْتَى: تصبح الْوَصِيَّةَ نافذة المفعول فقط عند موت الموصي، لهذا كان على يسوع أن يموت لتصبح وصيته نافذة المفعول.
- “الكلمة ذاتها في اليونانية تستخدم لوصف “العهد” و”الوصية،” ورغم أن الاستخدام المتبادل للمعنيين في ذات السياق هنا صعب بعض الشيء إلا أنه لا شك في أن الكلمة تعني “العهد” في الآية ١٥، وتعني “الوصية” في الآيتين ١٦ و١٧، ثم ترجمت الكلمة في العربية إلى كلمة “تكريس” والتي تعني “العهد” في الآية ١٨ مرة أخرى.” توماس (Thomas)
- “حين يكون هناك شك في إن كان شخص ما على قيد الحياة أم لا، فلا يمكنك التعامل مع تركته، ولكن حين يكون لديك دليل على وفاة الموصي تكون الوصية نافذة المفعول. وكذلك الحال مع الإنجيل، فدون موت يسوع يصبح الإنجيل باطلاً وغير ذي قيمة.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَمِنْ ثَمَّ الأَوَّلُ أَيْضاً لَمْ يُكَرَّسْ بِلاَ دَمٍ: من الواضح أن الموت كان ضروريًا للعهد القديم، فشريعة الذبيحة في ناموس موسى كان تقوم على الدم بشكل أو بآخر.
- وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ: هذا مبدأ أساسي في تعاملات الله مع الإنسان، لكن الإنسان في زمننا هذا أصبح يعتقد أن الخطية تُغفر أو تنسى بمرور الوقت أو بواسطة أعمالنا الصالحة أو سيرتنا الحسنة أو حتى بالموت. لكن ليس هناك غفران للخطية دون سفك دم، وليس من غفران كامل دون الذبيحة الكاملة.
- سفك دم يسوع كان حل الله لمشكلة خطية الإنسان. وفي عظته عن الدم المسفوك استعرض لنا سبيرجن (Spurgeon) ثلاثة حمقى: الأول، الجندي الذي أصيب في المعركة، وحين يأتي الطبيب إلى الجندي، يحاول الجندي معرفة كل شيء عن البندقية والجندي الذي أطلق النار عليه. والثاني هو قبطان سفينة على وشك الغرق تحت وطأة عاصفة هوجاء، لكن بدلاً من أن يكون على دفة السفينة محاولاً تفادي الأمواج العاتية، يجلس القبطان في غرفته ليدرس خرائطه محاولاً تحديد مصدر العاصفة. والأحمق الثالث هو رجل خاطئ يوشك على الموت ويوشك أن يواجه هول عدالة الله، لكنه مع هذا مشغول بمعرفة أسباب الشر في العالم. كل هذا يعلمنا أن نوجه أنظارنا نحو الحل لا نحو المشكلة.
د ) الآيات (٢٣-٢٨): قدس الأقداس الكامل يقبل الذبيحة الكاملة.
٢٣فَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تُطَهَّرُ بِهذِهِ، وَأَمَّا السَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا، فَبِذَبَائِحَ أَفْضَلَ مِنْ هذِهِ. ٢٤لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا. ٢٥وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ إِلَى الأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ. ٢٦فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَارًا كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ. ٢٧وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ، ٢٨هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ.
- فَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تُطَهَّرُ بِهَذِهِ: كان من المقبول أن النسخة الأرضية أو أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ “تُطَهَّرُ” بذبائح غير كاملة. لكن السَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا لا يمكن أن تُطَهَّرُ إلا بالذبيحة الكاملة.
- “التطهير لا يعني هنا مجرد التطهير من التلوث أو التدنيس، لكنه يعني أيضاً التقديس أو التكريس. فكل الأواني المستخدمة في خيمة الاجتماع كان يتم تطهيرها أيضاً وتخصيصها لهذا الغرض، رغم عدم إمكانية تلوثها أخلاقياً.” كلارك (Clarke)
- لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا: ذبيحة يسوع كانت على الأرض، لكنها أساس عمله المستمر كشفيع ووسيط ورئيس كهنة لنا في السماء. وكاتب العبرانيين يعلن ذلك قائلاً: لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا. وليس من الصعب أن نصدق أن يسوع يَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ، لكن ظهوره هناك لأَجْلِنَا لأمر مجيد!
- وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَاراً كَثِيرَةً: خدمة يسوع لنا مستمرة في السماء، لكنها ليست استمراراً في التكفير عن خطايانا، بل في الشفاعة والدفاع عنا أمام المشتكي على شعب الله (رؤيا يوحنا ١٠:١٢). وهي غير مستمرة بمعنى أنه عليه أن يُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَاراً كَثِيرَةً، لأن ذبيحته كانت لمرة واحدة لأجل الجميع لتحقق عدالة الله المقدسة.
- في هذا المقطع والمبدأ الوارد فيه توبيخ مباشر لمبدأ ولاهوت القُداس في الكنيسة الكاثوليكية. فمن خلال القداس تريد الكنيسة الكاثوليكية أن تكرر لمرات لا تحصى (لا أن تتذكر) ذبيحة يسوع الكفارية. وهذا بالطبع أمر ليس له أساس كتابي وينكر عمل يسوع المسيح المكتمل والنهائي على الصليب، فالكتاب المقدس يقول بوضوح: لاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَاراً كَثِيرَةً.
- فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَاراً كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ: إن لم تكن ذبيحة المسيح كاملة لكان يجب أن تكون وتستمر ذبيحته مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. فالذبائح غير الكاملة يجب أن تتكرر باستمرار لكن الذبيحة الكاملة تّقدم مرة واحدة إلى الأبد لأنها تمحو الخطية فعلاً (وليس لمجرد تغطية الخطيئة كما هو الحال في ذبيحة العهد القديم). فالرسالة واضحة: لقد جاء لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ.
- مبدأ الذبيحة يفسر وجوب أن تكون معاناة الجحيم أبدية لمن يرفضون عمل يسوع الكفاري. فهم في الجحيم جزاء خطيتهم، لكن لكونهم غير كاملين لا يمكنهم تسديد ثمن الخطية الكامل، وبما أن الثمن غير مكتمل، يجب أن يكون دفع الثمن مستمراً وإلى الأبد. فلا يمكن للروح أن تتجنب ويلات الجحيم ما لم يُدفع دين خطيتها بالكامل.
- وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ، هَكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ: كما نموت نحن البشر مرة واحدة ثم نواجه الدَّيْنُونَةُ، هكذا كان على يسوع أن يموت مرة واحدة فقط (وليس مراراً أو باستمرار) لِكَيْ يَحْمِلَ خطايانا.· ليست نية كاتب العبرانيين هنا طبعاً أن يناقش مسألة تناسخ الأرواح، فهذه قضية جانبية؛ لكنه ببساطة يناقش ما هو واضح، وهو أنه وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ. ومن الواضح أيضاً أن الْمَسِيحُ… قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ. فإذاً بالنسبة لكاتب العبرانيين حقيقة أنه وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ قضية لا جدال فيها.
- “يموت الإنسان مرة واحدة، وعندها يكون قد حُسم كل شيء، ليواجه عندها الدينونة ويحكم على حياته وتعلن نتيجة الحكم. وهكذا أتى المسيح ليموت مرة واحدة ولتعلن بعد ذلك نتيجة ما فعله، التي هي خلاص من يتمسكون به. فهو إذاً موت واحد يحصد فيه نتائج عمل حياته، كما في حالة الجنس البشري الذي صار هو ممثلاً له.” سبيرجن (Spurgeon)
- رغم أن الكاتب لم ينوِ إطلاقاً مناقشة فكرة تناسخ الأرواح إلا أنه هنا ينكرها تمامًا. فنحن لا نموت ثم نعيش ثم نموت ثم نعيش ثانية لنواجه الدينونة بعد أن نحيا بضع مرات. إنها حياة واحدة، وبعدها الدينونة. وهذا يعني أنه ليس هناك فرصة ثانية بعد القبر… الآن هو وقت اختيار يسوع المسيح لأنه بعد الموت الدينونة.
- من المهم أن نلاحظ أن مبدأ “وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً” ليس مبدأً مطلقاً. إذ أن هناك بعض الاستثناءات الفريدة والرائعة. فمثلاً، أخنوخ (تكوين ٢٤:٥) وإيليا (ملوك الثاني ١١:٢) لم يموتا مرة واحدة. وهناك آخرون في الكتاب المقدس قاموا من بين الأموات (ملوك الأول ٢٢:١٧، ملوك الثاني ٢٠:١٣-٢١، متى ٢٥:٩، يوحنا ٤٣:١١-٤٤، أعمال الرسل ٩:٢٠-١١) وبالتالي ماتوا مرتين. وأولئك من سيصعدون في الاختطاف (تسالونيكي الأولى ١٧:٤) لن يموتوا أبدًا. ولكن كل هذه الاستثناءات الفريدة والرائعة لا تنفي أنه وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ.
- سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ: كان محور وهدف مجيء يسوع الأول هو التعامل مع مشكلة الخطية من خلال ذبيحته التكفيرية. لكنه الآن بعد أن قدم الحل النهائي لمشكلة الخطيئة سيعود ثانية بِلاَ خَطِيَّةٍ – لْخَلاَصِ شعبه.
- لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ: من المفترض أن جميع المؤمنين سيكونون بانتظاره، رغم أنه من المحزن أن هذا لن يكون حال الجميع.
- “علينا أن نشعر بخيبة الأمل يومياً حين لا يأتي ربنا في ذلك اليوم بدلاً من أن يكون لسان حالنا أنه لن يأتي إلا بعد حين.” سبيرجن (Spurgeon)