إنجيل متى – الإصحاح ١٢
استمرار القادة الدينيين في رفض يسوع
أولًا. المجادلات حول يوم السبت
أ ) الآيات (١-٢): الفريسيون يدينون تلاميذ يسوع بسبب حصادهم المُفترض حدوثه في السبت.
١فِي ذلِكَ الْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي السَّبْتِ بَيْنَ الزُّرُوعِ، فَجَاعَ تَلاَمِيذُهُ وَابْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ. ٢فَالْفَرِّيسِيُّونَ لَمَّا نَظَرُوا قَالُوا لَهُ:«هُوَذَا تَلاَمِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السَّبْتِ!»
- فَجَاعَ تَلاَمِيذُهُ وَابْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ: لم يكن هناك شيء خاطئ فيما فعلوه، لأن قطفهم لم يكن يُعتبر سرقة وفقًا لما ورد في سفر التثنية ٢٥:٢٣. كانت القضية فقط هي اليوم الذي فعلوا فيه ذلك. فقد وضع معلمي اليهود قائمة تفصيلية بعناصر “افعل” و”لا تفعل” ذات الصلة بيوم السبت، وما فعله التلاميذ قد انتهك عدة عناصر في هذه القائمة.
- “نتعلم بالمناسبة من هذه القصة أن ربنا وتلاميذه كانوا فقراء، وأن من أطعم الجموع لم يستخدم قوته المعجزية لإطعام أتباعه، بل تركهم حتى فعلوا ما يُضطر الناس الفقراء إلى فعله لإمداد معداتهم بالنزر اليسير.” سبيرجن (Spurgeon)
- سمح قانون إسرائيل للأشخاص الذين يسافرون عبر منطقة ما بجمع ما يكفي من الحبوب لتناول وجبة صغيرة من الحقول في تلك المنطقة (تثنية ٢٥:٢٣). فقد أُمِرَ المزارعون بعدم حصاد محاصيلهم بالكامل لترك وراءهم القليل من أجل المسافرين والفقراء.
- نقل البشير متى للتو قول يسوع أنه يقدم لنا نيرًا هينًا وحِملًا خفيفًا. والآن يظهر لنا هذا النوع من الأنيار الثقيلة والأحمال القاسية التي وضعها القادة الدينيون على الناس. عندما بدأ التلاميذ يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ، كانوا في نظر الزعماء الدينيين مذنبين في الأمور التالية:
- الحصاد.
- دراسة الحِنطة.
- التذرية.
- تحضير الطعام.
- هذا يمثل أربعة مخالفات دفعة واحدة في يوم السبت!
- في هذا الزمن، ملأ العديد من معلمي اليهودي اليهودية بطقوس معقدة تتعلق بالسبت ومراعاة القوانين الأخرى. فقد علموا أنه في يوم السبت لا يستطيع الرجل حَمل شيء في يده اليمنى أو في يده اليسرى، عبر صدره أو على كتفه؛ لكنه يمكن أن يحمل شيئًا ما بظهره أو قدمه أو كوعه أو أذنه أو شعره أو حاشية قميصه أو في حذائه أو في صندله. وفي يوم السبت، كان يُمنع المرء من ربط العقدة، باستثناء أن المرأة تستطيع ربط عقدة في حزامها. لذلك إذا كان لا بد من رفع دلو من الماء من بئر، لا يمكن للمرء ربط حبل بالدلو، ولكن يمكن للمرأة ربط حزامها بالدلو ثم بالحبال.
- “لقد كان اليهود يؤمنون بالخرافات جدًا فيما يتعلق بالاحتفال بيوم السبت، لدرجة أنهم في حروبهم مع أنطيوخوس أبيڤانيس والرومان، ظنوا أنها جريمة حتى لمحاولة الدفاع عن أنفسهم في يوم السبت. وعندما لاحظ أعداؤهم هذا، انتهزوا الفرصة بزيادة العمليات الحربية في يوم السبت. وكان ذلك هو السبب الذي جعل بومباي يستولي على أورشليم.” كلارك (Clarke)
- هُوَذَا تَلاَمِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السَّبْتِ: لم ينتهك يسوع أبدًا أمر الله بمراعاة السبت أو صدَّق على تلاميذه وهم ينتهكون أمر الله، لكنه غالبًا ما كسر الإضافات القانونية للإنسان إلى ذلك القانون، ويبدو أنه في بعض الأحيان كان يتعمد كسر تلك الإضافات البشرية.
- حتى أن بعض اليهود في زمن يسوع أدركوا أن القواعد المتعلقة بيوم السبت كانت في الغالب إضافات بشرية للقانون. يقتبس كارسون (Carson) من كتابات يهودية قديمة تقول: “إن القواعد المتعلقة بالسبت هي كجبال معلقة بشَعرة، لأن الكتاب المقدس قليل والقواعد كثيرة.”
- يبدو أن الفريسيون هنا منهمكين في ملاحظة التلاميذ واتهامهم. وكان هذا أكبر انتهاك ليوم السبت. “ألم يكسروا السبت بمراقبتهم للتلاميذ؟” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣-٨): يسوع يدافع عن تلاميذه.
٣فَقَالَ لَهُمْ:«أَمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ؟ ٤كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَكَلَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلاَ لِلَّذِينَ مَعَهُ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ. ٥أَوَ مَا قَرَأْتُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ؟ ٦وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ههُنَا أَعْظَمَ مِنَ الْهَيْكَلِ! ٧فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ! ٨فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا».
- أَمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ: إن المبدأ الأول الذي قدمه يسوع هو بسيط ويتضح من تجربة داود مع الكهنة وخبز الوُجُوه (صموئيل الأول ٢١). ذكَّرهم يسوع أن الحاجة الإنسانية أهم من الاهتمام بالطقوس الاحتفالية.
- كانت الحادثة الخاصة بداود دفاعًا قاطعًا، لأنها:
- كانت حالة تتعلق بتناول الطعام.
- ربما وقعت في يوم السبت (صموئيل الأول ٦:٢١)
- لا تتعلق بداود فقط، ولكن أيضًا بأتباعه.
- يوضح سياق أخذ داود للخبز في صموئيل الأول ٢١ أنه كان مبررًا له أن يفعل ذلك. “إن أكل الخبز المقدس بدافع التدنيس أو الاقتحام أو الطيش، قد يؤدي بمرتكب هذه الجريمة إلى حكم الإعدام؛ ولكن القيام بذلك بسبب حاجة ماسة لم يكن امرًا يُلام عليه، مثلما في حالة داود.” سبيرجن (Spurgeon).
- كانت الحادثة الخاصة بداود دفاعًا قاطعًا، لأنها:
- الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاء: المبدأ الثاني الذي قدمه يسوع هو بسيط أيضًا. فالكهنة أنفسهم يكسرون السبت باستمرار. وربما لم يفهم الفريسيون الكثير عن حفظ يوم السبت كما اعتقدوا.
- “لطالما كانت طقوس الهيكل تنطوي على عمل: إشعال الحرائق، وذبح الحيوانات وإعدادها، ورفعها إلى المذبح، ومجموعة من الأمور الأخرى. وقد تم مضاعفة هذا العمل بالفعل في يوم السبت، لأنه في يوم السبت تتضاعف الذبائح (قارن على سبيل المثال سفر العدد ٩:٢٨).” باركلي (Barclay).
- كانت الإشارة إلى المقطع “إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً” (هوشع ٦: ٦)، وعدم فهم الفريسيين لهذا المبدأ هي أيضًا وسيلة شكك بها يسوع في ثقة الفريسيين في تقاليدهم التي من صُنع الإنسان. فقد استخدموا تلك التقاليد لتبرير رفع مبادئ مثل تقديم الذبائح فوق مبادئ مثل الرحمة، عندما أراد الله أن يفعلوا العكس تمامًا.
- “عندما يبدو أن هناك قانونين يتضاربان معًا، بحيث لا نستطيع إطاعة كليهما، فإن طاعتنا ترجع إلى القانون الأكثر فضيلة.” بوله (Poole)
- فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ: المبدأ الثالث كان الأكثر إثارة، بناءً على من هو يسوع. إنه أَعْظَمَ مِنَ الْهَيْكَلِ، حتى بقدر ما يكرمون ويقدرون الهيكل. بل إنه أكثر من ذلك، هو رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا.
- كان هذا إعلان مباشر عن الألوهية. قال يسوع إنه يتمتع بسلطان لمعرفة ما إذا كان تلاميذه قد كسروا قانون السبت، لأنه هو رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا.
- كان يسوع في الحقيقة أَعْظَمَ مِنَ الْهَيْكَلِ. فبالنظر إلى مدى تقدير الهيكل في زمن يسوع، كان هذا بيانًا مروعًا. ومع ذلك، فإن الهيكل، كما كان في زمن يسوع، لم يكن فيه تابوت العهد، ذلك الإعلان الجوهري لعرش الله وحضوره. ومع ذلك، كان يسوع دليلًا أكبر على حضور الله؛ لقد كان الله الظاهر في الجسد! كما افتقر الهيكل إلى الشكينة والأوريم والتميم والنار المقدسة من السماء. لكن يسوع هو كل هذه الأمور لنا؛ هو بالتأكيد أعظم من الهيكل.
- لأن يسوع أَعْظَمَ مِنَ الْهَيْكَلِ، يجب أن نعتبره كذلك.
- إن كان الهيكل مبجلًا بمحبة ورهبة، فيجب أن نعظمَّ يسوع أكثر فأكثر.
- إن كانت تتم زيارة الهيكل بفرح، فيجب أن نأتي إلى يسوع بمزيد من الفرح.
- إن كان يتم تكريم الهيكل كمكان مقدس، فيجب أن نُكرِم يسوع أكثر من ذلك.
- إن كان الهيكل مكانًا لتقديم الذبائح والخدمة، فيجب أن نفعل أكثر من أجل يسوع.
- إن كان الهيكل مكانًا للعبادة، فيجب أن نعبد يسوع أكثر.
ج) الآيات (٩-١٤): جِدال حول الشفاء في يوم السبت.
٩ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى مَجْمَعِهِمْ،١٠وَإِذَا إِنْسَانٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ، فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السُّبُوتِ؟» لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. ١١فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هذَا فِي السَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟ ١٢فَالإِنْسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْخَرُوفِ! إِذًا يَحِلُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي السُّبُوتِ!» ١٣ثُمَّ قَالَ لِلإِنْسَانِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى. ١٤فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ.
- وَجَاءَ إِلَى مَجْمَعِهِمْ: هناك موضوع عام من خلال هذا القسم من إنجيل متى، وهو المعارضة المتزايدة ضد يسوع. ففي بعض الأحيان يتم التعبير عن هذه المعارضة ضده بشكل مباشر وفي بعض الأحيان يكون الهجوم على تلاميذه. ومع ذلك، نرى أن يسوع، كرجل يهودي مُخْلِص، قد واصل الذهاب إلى المجمع بشكل طبيعي. قد نقول أن يسوع كان رجلًا مخلصًا للكنيسة ويذهب إليها، حتى عندما كان لديه سببًا لعدم ذهابه إليها.
- “كان يسوع قدوة لحضور العبادة العامة. لم يكن للمجامع اليهودية أي تمثيل إلهي، ولكن في طبيعة الأمور يجب أن يكون من الصواب والصالح أن نلتقي لعبادة الله في يومه الخاص، وبالتالي كان يسوع هناك. فلم يكن لديه ما يتعلمه، لكنه صعد إلى الاجتماع في اليوم الذي قدسه الرب الإله.” سبيرجن (Spurgeon)
- إِنْسَانٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ: في أحسن الأحوال، رأى القادة الدينيون الرجل ذي اليد اليابسة كحالة اختبار مثيرة للاهتمام. ومن الأرجح أنهم رأوا الرجل كطُعْمٍ لإيقاع يسوع في فخ الجدل حول يوم السبت. وفي المقابل، نظر يسوع إلى الرجل من خلال عيون الرحمة.
- هؤلاء المتهمون كانوا يعلمون أيضًا أن يسوع سيفعل شيئًا عندما رأى هذا الرجل في فاقةٍ. وبهذا المعنى، كان لدى هؤلاء النُقاد إيمانًا أكبر من الكثير منا. إذ يبدو أننا في بعض الأحيان نشك في أن يسوع يريد تلبية احتياجات الآخرين حقًا أو بأعجوبة.
- هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السُّبُوتِ؟: كشف يسوع نِفاقهم من خلال إظهار اهتمامهم الأكبر بممتلكاتهم الخاصة أكثر من رجل محتاج، بحجة مقنعة أنه لا يمكن أن يكون من الخطأ القيام بعمل جيد في يوم السبت. ثم شفى يسوعُ الرجلَ برأفة.
- “اليد اليابسة كانت ’جافة‘؛ أي أنها بلا حياة، وربما كانت مشلولة؛ وبالتالي، لم يكن الرجل في خطر الموت الوشيك، الذي وحده كان يبرر العلاج يوم السبت وفقًا لمشناه يوما ٦:٨ (Mishnah Yoma)، حيث كان من الممكن أن ينتظر ليُشفى في اليوم التالي.” فرانس (Fracne)
- مُدَّ يَدَكَ: عندما أمر يسوع الرجل بقوله ’مُدَّ يَدَكَ‘، أمر الرجل أن يفعل شيئًا مستحيلًا في حالته الحالية. ولكن يسوع أعطى كل من الأمر والقدرة على تحقيقه، فبذل الرجل الجهد وتم شفاؤه.
- “ذبلت يد الرجل؛ لكن رحمة الله كانت لا تزال تحافظ عليه باستخدام قدميه: فهو قد استخدمها للمجيء إلى مكان عبادة الله، فيقابل يسوع ويشفيه يسوع هناك.” كلارك (Clarke)
- “لقد مد يده، على افتراض أنه لم يتمكن من ذلك قبل الشفاء. يمكن اعتبار الشفاء والمَد متزامنين.” بروس (Bruce)
- “استخدم المسيح أحيانًا طقس لوضع يده؛ ولكنه لم يفعل هذا هنا، لإخبارنا بأن ذلك لم يكن سوى علامة على ما تم فعله بقوته.” بوله (Poole)
- فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوه: استجابة لهذا التعاطف والقوة والحكمة، لم يستجب الفريسيون، في صلابة قلوبهم، ليقدموا عبادة مُبَجّلة وخضوع، ولكن في تصَلُب، ورفضٍ قاتل.
- هذا تطور جوهري في المعارضة ضد يسوع من القادة الدينيين. “حتى ذلك الوقت، كانوا راضين بالعثور على خطأ. الآن حان الوقت للتآمر على حياته، جزاءً لقوته. وهذه هي ثمرة الشر من الجدالات حول يوم السبت.” بروس (Bruce)
- تقول الآية في لوقا ١١:٦ أن نقاد يسوع كانوا مليئين بالغضب عندما شفى هذا الرجل. أيهما كان أكثر انتهاكًا للسبت: عندما شفى يسوع إنسانًا، أو عندما خطط هؤلاء الرجال المليئين بالكراهية بقتل إنسان صالح لم يخطئ أبدًا ضد أحد؟
د ) الآيات (١٥-٢١): على الرغم من رفض القادة الدينيين له، لا يزال عامة الناس يتبعون يسوع، وهو لا يزال خادم الله المختار.
١٥فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا. ١٦وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ، ١٧لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: ١٨«هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. ١٩لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. ٢٠قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. ٢١وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ».
- فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ: لفترة من الزمن، انسحب يسوع إلى حد ما من الخدمة العامة حيث تزايدت المعارضة ضده. ولم يكن هذا بسبب الجُبن، ولكن كان هذا في نطاق توقيت الله الآب لمسار ونمو خدمته. فلم يكن من الممكن السماح ببلوغ الذروة في وقت مبكر جدًا.
- وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا: لقد فعل يسوع كل ما في وسعه للهروب من ضغوط الحشود، لكن الحشود تبعته ببساطة. ومع ذلك، استجاب بعطف وشَفَاهُمْ جَمِيعًا.
- هذه واحدة من الإشارات القليلة في الأناجيل عن يسوع الذي يشفي الجميع في مناسبة معينة، ومع ذلك فهي جوهرية ومناسبة هنا. ويريدنا البشير متى أن نعرف أن ضغط الحشد لم يجعل يسوع سئومًا أو غاضبًا. ويريدنا أيضًا أن نعرف أن تصميم هذا الحشد كان دليلًا على إيمانهم؛ لذلك فقد تم شفاءهم جميعًا.
- هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ: هذا الاقتباس من إشعياء ١:٤٢-٥ يتحدث عن الشخصية الوديعة للمسيح، الذي هو خادم يهوه (فَتَايَ). فقد كان هذا تعيينًا عامًا وجوهريًا ليسوع.
- وصف يسوع نفسه بأنه خادم في متى ٢٥:٢٠-٢٨؛ ١١:٢٣؛ مرقس ٣٥:٩؛ ٤٣:١٠-٤٥. يعطي بطرس، في عظته في أعمال الرسل الإصحاح ٣، مخلصنا لقب “فَتَاهُ يَسُوعَ” (أعمال الرسل ١٣:٣، ٢٦:٣). وفي أعمال الرسل الإصحاح ٤، تحدث شعب الله في الصلاة عن “فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ” (أعمال الرسل ٢٧:٤، ٣٠:٤). ولكن يسوع ليس مجرد خادم. إنه الخادم، ويجب أن يقول الجميع كما يقول الرب: هُوَذَا فَتَايَ.
- يسوع هو مثال لنا كخدام، لكنه أكثر من ذلك بكثير؛ فهو خادمنا. يخدمنا ليس فقط في ما فعله في الماضي، ولكن أيضًا يخدمنا كل يوم من خلال حبه المستمر ورعايته وتوجيهه وشفاعته. فيسوع لم يتوقف عن الخدمة عندما ذهب إلى السماء؛ بل إنه يخدم كل شعبه من السماء بشكل أكثر فعالية من أي وقت مضى.
- لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ: هذا لا يعني أن يسوع لم يتحدث بصوت عالٍ أبدًا؛ إنه يشير إلى قلبه اللطيف وأعماله المتواضعة. فلم يشق يسوع طريقه بشخصية مهيمنة وحديث مدوي ساحق. بل بالحري، قد ترك يسوعُ انطباعًا على الآخرين بروح الله عليه.
- قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ: هذه إشارة أخرى إلى شخصية يسوع اللطيفة. إن القصب هو نبات هش إلى حد ما، ولكن إذا كان القصب مرضوضًا، فإن الخادم (يسوع) سوف يتعامل معه بلطف حتى لا يكسره. وإذا كانت هناك قطعة كتان، تستخدم كفتيلة لمصباح الزيت، غير مشتعلة ولكنها تُدخّن فقط، فلن يطفئها البتة. وبدلًا من ذلك، سيقوم الخادم بتغذية الفتيلة المدخنة بلطف، مما يؤدي إلى تأجيج النار فيها مرة أخرى.
- غالبًا ما نشعر أن الله يتعامل بحِدة مع نقاط ضعفنا وإخفاقاتنا. والعكس تمامًا هو الصحيح. إنه يتعامل معنا بلطف وبحنان ويساعدنا إلى أن تصبح القصبة المرضوضة قوية والفتيلة المُدخنة ملتهبة بقوة.
- يرى يسوع القيمة في القصبة المرضوضة، حتى لو لم يستطع أي أحد أن يرى هذه القيمة. فهو يستطيع أن يصنع موسيقى جميلة من قصبة مرضوضة، لأنه يضع قوته فيها! وعلى الرغم من أن الفتيلة المُدخنة لا فائدة منها، إلا أن يسوع يعلم أنها ذات قيمة لما يمكن أن تكون عليه عندما يتم إنعاشها بالزيت. فالكثير منا يشبه القصبة المرضوضة، ونحن بحاجة إلى تأييد “بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ” (أفسس ١٦:٣). والبعض الآخر مثل الفتيلة المُدخنة، ولا يمكن أن يشتعل مضيئًا مجددًا إلا من خلال الانغماس في الزيت، مع إمدادات مستمرة متتالية، عندما نكون مملوئين من الروح القدس.
- وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ: أخيرًا، يتحدث الاقتباس من إشعياء ٤٢ عن خدمة يسوع المُطلقة للأمم. وكان هذا شيئًا مفاجئًا، وربما مسيئًا، لقراء إنجيل متى اليهود، ولكن من الواضح أنه كتابي، وفقًا لما ورد في إشعياء ٤٢.
ثانيًا. استمرار الرفض من قبل القادة الدينيين
أ ) الآيات (٢٢-٢٤): يسوع يحرر رجلًا يسكنه شيطان.
٢٢حِينَئِذٍ أُحْضِرَ إِلَيْهِ مَجْنُونٌ أَعْمَى وَأَخْرَسُ فَشَفَاهُ، حَتَّى إِنَّ الأَعْمَى الأَخْرَسَ تَكَلَّمَ وَأَبْصَرَ.٢٣فَبُهِتَ كُلُّ الْجُمُوعِ وَقَالُوا:«أَلَعَلَّ هذَا هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟» ٢٤أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: «هذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ بِبَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ».
- فَشَفَاهُ، حَتَّى إِنَّ الأَعْمَى الأَخْرَسَ تَكَلَّمَ وَأَبْصَرَ: مرة أخرى، أظهر يسوع سلطانه الكامل وقوته على الشياطين، من خلال إخراج القوى الشيطانية، الأمر الذي كانت الأعراف في ذلك الزمن تعتبره من المستحيلات.
- أَلَعَلَّ هذَا هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟: لقد تفاعلت الحشود مع أحد التوقعات المَسَيانية، لكن القادة الدينيين استجابوا من خلال إيعاز سلطة يسوع إلى رئيس الشياطين (هذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ بِبَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ).
- “يرتقي اتهام الفريسيين ليكون اتهامًا بمزاولة الشعوذة، ذلك الاتهام الذي استمر في التوجيه ضد يسوع في جدالات يهودية لاحقة.” فرانس (France)
- “دع الآخرين يلقون باللوم على الفريسيين؛ لكن دعونا نحن نتعجب مع الجموع.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٢٥-٢٩): يسوع يجيب عن الاتهام الموجه له بأنه يعمل بقوة الشيطان.
٢٥فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَثْبُتُ. ٢٦فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُخْرِجُ الشَّيْطَانَ فَقَدِ انْقَسَمَ عَلَى ذَاتِهِ. فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ ٢٧وَإِنْ كُنْتُ أَنَا بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟ لِذلِكَ هُمْ يَكُونُونَ قُضَاتَكُمْ! ٢٨وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ! ٢٩أَمْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إِنْ لَمْ يَرْبِطِ الْقَوِيَّ أَوَّلًا، وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ؟
- فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ: كان هذا رائعًا، ولكن ليس بالضرورة علامة على لاهوت يسوع. إذ يمكن أن يعطي الروح القدس هبة المعرفة الخارقة للفرد (كلمة المعرفة المذكورة في كورنثوس الأولى ٨:١٢.
- كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ: لاحظ السيد المسيح منطقيًا أنه لا يوجد معنى في طرد شيطان لشيطان آخر. كان على الفريسيين شرح كيف استفاد الشيطان من العمل الذي أنجزه يسوع للتو.
- “قد يثمر أحد الشياطين ويعطي مكانًا لآخر، ليكتسب ميزة أكبر للمجتمع بأسره، ولكن واحدًا منهم لا يتنازع قط مع الآخر.” بوله (Poole)
- “يقول يسوع أن الشيطان شرير، لكنه ليس أحمقًا.” بروس (Bruce). “مهما كان الخطأ الذي ترتكبه الشياطين، فهم ليسوا في صراع مع بعضهم البعض؛ إن من يفعلون ذلك هم خُدام سيد أفضلَ.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟: طرح يسوع سؤالًا بناءً على فرضيتهم (الخاطئة) التي تقول أنه قد تصرف بقوة الشيطان. فإذا كان هذا صحيحًا، فكيف تمكن طاردي الأرواح اليهود من طردهم؟
- “كان طاردوا الأرواح الشريرة من اليهود يعملون بطريقة تقليدية باستخدام الأعشاب والصيغ السحرية، وكانت النتائج ربما ضئيلة. وقد تمت الموافقة على هذه الممارسة من قبل العُرف، وكانت غير ضارة. ولكن في إخراج الشياطين، كما في كل الأمور الأخرى، كان يسوع أصليًا، وكانت طريقته فعالة جدًا. وكانت قوته، الواضحة للجميع، هي جريمته.” بروس (Bruce)
- “الحسد يتسبب في كثير من الأحيان في إدانة شخص على تصرف ما، ولكن قبوله لشخص آخر.” سبيرجن (Spurgeon)
- بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ: “على الرغم من أن ربنا كان يملك كل قوته، فقد كَرّم روح الله، وعمل بقوته، وذكر حقيقة أنه فعل ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ: باستخدام هذا التشبيه، أوضح يسوع سلطته على ربط قوة الشيطان؛ فيسوع أقوى من الْقَوِيِّ. وبذلك، قدم يسوع مبدًا قيمًا في الحرب الروحية عندما نتذكر أن يسوع يمنحنا الإذن لاستخدام اسمه وسُلطته، مما يمنحنا القوة التي نحتاجها في ربط الْقَوِيِّ.
- أوضح يسوع أيضًا أنه هو الْقَوِيِّ الذي لم يكن يومًا أسيرًا للْقَوِيِّ. فكانت رسالته: ’أنا لست تحت سلطة الشيطان. بدلًا من ذلك، أثبت أنني أقوى منه من خلال إخراجه من الذين يسكنهم.‘ “حقيقة أنني تمكنت من اجتياح أراضي الشيطان بنجاح هي دليل على أنه مُقيّد وعَاجز عن المقاومة.” باركلي (Barclay)
- ينظر السيد المسيح إلى كل حياة تم تحريرها من هيمنة الشيطان ويقول: “أنا أسلب من مملكة الشيطان حياة واحدة شيئًا فشيئًا.” لا يجب أن يبقى شيء في حياتنا تحت سيطرة الشيطان. فربنا القوي الذي يربط القوي ويَنْهَبُ بَيْتَهُ هو ربنا القائم من بين الأموات.
ج) الآيات (٣٠-٣٢): يكشف يسوع عن المكان البائس لأولئك الذين يمكن أن يكونوا قساة جدًا لدرجة أنهم ينسبون أعماله إلى القوة الشيطانية.
٣٠مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ. ٣١لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ. ٣٢وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي.
- مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ: لقد أزال يسوع أولًا الأوهام حول أي رد محايد تجاهه أو تجاه عمله. فإذا لم يكن أحد معه، فهو إذًا ضده. وإذا كان شخص ما لا يعمل مع يسوع، سواء من خلال معارضة نشطة أو تجاهل سلبي، فإن هذا الشخص يعمل ضد يسوع (مَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ).
- “هناك قوتان فقط تعملان في العالم، التجميع والتفريق. وكل من يفعل إحداهما فهو يُعارض الأخرى.” مورجان (Morgan)
- وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ: لقد حَذَّر يسوع القادة الدينيين من رفضه. فرفضهم ليسوع، خاصة بالنظر إلى ما رأوه من يسوع وأعماله، أظهر أنهم يرفضون تمامًا خدمة الروح القدس. فهذه الخدمة تشهد ليسوع، وبالتالي يأتي التحذير من ارتكاب الخطيئة التي لا تغتفر.
- إن خدمة الروح القدس الرئيسية هي الشهادة عن يسوع (فَهُوَ يَشْهَدُ لِي، يوحنا ٢٦:١٥). فعندما يرفض شخص ما شهادة يسوع هذه بشكل كامل ونهائي، فقد قام بتجديف حقيقي على الروح القدس ودعاه كاذبًا أساسًا فيما يتعلق بشهادته عن يسوع. وقد كان القادة الدينيون على مقربة من هذا.
- إن رفض يسوع من بعيد أو مع القليل من المعلومات هو أمر سيء؛ ورفض شهادة الروح القدس عن يسوع هو أمر مميت.
- فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي: إن العواقب الأبدية لهذه الخطيئة تجبرنا على النظر إليها بجدية. لذلك، كيف يمكن للمرء معرفة ما إذا كان في الواقع قد جَدَّف الروح القدس؟ حقيقة أن المرء لا يرغب بالمزيد من يسوع يدل على أن المرء غير مذنب في هذه الخطيئة. ولكن الرفض المستمر ليسوع يجعلنا أكثر تشددًا ضده ويضعنا في طريق الرفض الكامل والنهائي له.
- بعض الناس، من قبيل المُزاح أو كنوع من التحدي، يقولون عمدًا كلمات يفترضون أنها تجديف على الروح. فهم يعتقدون أنه من الهين أن يستخفوا بالأبدي. لكن التجديف الحقيقي على الروح القدس هو أكثر من صيغ كلامية. إنه سلوك راسخ للحياة يرفض شهادة الروح القدس عن يسوع. حتى لو قال شخص ما عن عمد مثل هذه الأمور، فلا يزال بإمكانه التوبة ومنع الرفض المُرسَّخ ضد يسوع.
- “كثير من الناس المخلصين قد انزعجوا بشدة من مخاوفهم من أنهم ارتكبوا الخطيئة التي لا تغتفر؛ ولكن دعونا نلاحظ أنه لا يمكن لأي إنسان يؤمن بالمهمة الإلهية ليسوع المسيح أن يرتكب هذه الخطية أبدًا: لذلك لا يفشل قلب أي إنسان بسببها، من الآن فصاعدًا وإلى الأبد، آمين.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٣٣-٣٧): كلمات القادة الدينيين تفضح فساد قلوبهم.
٣٣اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّدًا، أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيًّا، لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ. ٣٤يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا بِالصَّالِحَاتِ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ. ٣٥اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ. ٣٦وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ. ٣٧لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ».”
- لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ: إن الثمر السيئ لكلماتهم (عندما أدانوا يسوع) قد فضَحَ الجذر السيء المُستفحل في قلوبهم. إذا أصلحوا قلوبهم مع الله، فإن كلماتهم عن يسوع ستكون صالحة أيضًا.
- يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي!: بهذه الكلمات، دعا يسوع بشكل أساسي القادة الدينيين “أبناء الشيطان.” لقد كانوا جيلًا يرتبط بالحية، وليس بالله. وكانت هذه الطبيعة الشريرة هي التي جعلتهم يتحدثون بالشر عن يسوع (كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا بِالصَّالِحَاتِ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ).
- فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ: كلماتنا تكشف قلوبنا. فإن كان هناك كَنْزِ صَّالِحِ في قلب هؤلاء القادة الدينيين، لَكَان قد ظهر ذلك في أمور صالحة.
- إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ: “من شأن الكلمات البطّالة غير النافعة أن يُعطى عنها حسابًا، فكم بالحري الكلمات الشريرة والفاسدة؟” تراب (Trapp)
- قال آدم كلارك (Adam Clarke) إن معنى الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة لكلمة ’بَطَّالَةٍ‘ هو: “الكلمة التي لا تفيد في شيء، والتي لا تنقل نعمة أو تعليمًا للذين يسمعونها.” فإذا كان هذا صحيحًا، فقد يجد كثير من الوعاظ أنفسهم مذنبين في هذه الخطية.
- لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ: أجاب يسوع بهذا اعتراضًا متوقعًا في أنه أضاف الكثير لكلمات بسيطة. ولكن العكس هو الصحيح تمامًا، فالكلمات تعكس ما في القلب، ويمكننا الحُكم على الشخص بكلماته بشكل صحيح.
- كتب بولس أيضًا عن أهمية كلماتنا: “لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ.” (رومية ٩:١٠)
ثالثًا. الكتبة والفريسيون يطلبون علامة من يسوع
أ ) الآيات (٣٨-٤٠): يسوع يستجيب لطلبة الكتبة والفريسيين.
٣٨حِينَئِذٍ أَجَابَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ:«يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». ٣٩فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ:«جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. ٤٠لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.
- يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً: إن رغبتهم في رؤية آية قد عبرَّت حقًا عن طريقة أخرى يأملون في رفضه من خلالها. فإذا قدم يسوع آية بالفعل، فسوف يجدون طريقة للتحدث ضدها، وبذلك يثبتوا لأنفسهم أن يسوع هو الذي اعتقدوا أنه كان كذلك بالفعل – مبعوثًا من الشيطان (متى ٢٤:١٢).
- “إن الاحترام الواضح والجدية للطلب مُخْتَلقان: “يا معلم، نرغب أن نرى آية.” وهذا يذكرنا بتحية الجنود الساخرة أثناء آلام يسوع (متى ٢٧:٢٧-٣١).” بروس (Bruce)
- “ألم يظهر لهم المسيح آيات كافية؟ ماذا كانت كل المعجزات التي صنعها في نظرهم؟ فإما أنهم يتكلمون بهذا بدافع فضول باطل آخر أو أنهم يتحدثون عنه في معارضة مباشرة.” بوله (Poole)
- جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً: أدان يسوع رغبتهم في رؤية آية، خاصة عندما كانت هناك آيات لا حصر لها قد حدثت بالفعل أمام أعينهم. فمن السهل المبالغة في تقدير قوة الآيات الخارقة في تغيير قلب المُشككين والمتشككين.
- آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ: ضَمَنَ يسوعُ لهم آية، لكن الآية العظيمة التي كان مزمعًا أن يظهرها كانت آية قيامته من بين الأموات. فكان يونان نبيًا بمعنى أبعد من كرازته لأهل نينوى؛ فقد كانت حياته نبوءة عن موت يسوع وقيامته.
- لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال: كان يونان في الواقع صورة لعمل يسوع. فقد أعطى يونان حياته لتهدئة غضب الله على الآخرين، لكن الموت لم يمسكه. فبعد ثلاثة أيام وليال من السجن، كان على قيد الحياة حُرًا. وهذه صورة مجيدة ليسوع في مكان غير متوقع.
- لأن يسوع يشير هنا إلى ثلاثة أيام وثلاث ليال، يعتقد البعض أن يسوع كان عليه أن يقضي ٧٢ ساعة على الأقل في القبر. وهذا يزعج معظم التسلسل الزمني لموت يسوع وقيامته، وهو أمر غير جوهري، لأنه لا يأخذ في الاعتبار استخدام التشبيهات في الكلام. وقد أوضح المعلم اليهودي العازار بن عزاريا (حوالي عام ١٠٠م، تم الاستشهاد به في كلارك ومصادر أخرى) هذا الأمر عندما كتب، قائلًا: “يومٌ وليلةٌ هما يومٌ كاملٌ، ويتم حساب جزء من يوم كيوم كامل.” وهذا يوضح كيف أن عبارة ’ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال‘ في زمن يسوع لا تعني بالضرورة فترة ٧٢ ساعة كاملة، ولكن فترة تشمل على الأقل أجزاء من ثلاثة أيام وثلاث ليال. وقد تكون هناك أسباب وجيهة أخرى لتحدي التسلسل الزمني التقليدي لموت يسوع وقيامته، لكن هذا ليس ضروريًا لتحقيق كلمات يسوع هنا.
- إذا كان يسوع قد قام من بين الأموات في اليوم الأول أو في اليوم الخامس، عندئذٍ كان يمكننا أن نقول “كان يسوع كاذبًا ونبيًا كاذبًا؛ لأنه قال إنه سيقوم من جديد في اليوم الثالث، لكنه أخطأ في ذلك.” ولكن يسوع لم يخطئ في ذلك. فهو لا يخطئ أبدًا.
- ومع ذلك، يجب ألا نفوت النقطة المركزية هنا. “أنتم تطلبون آية، وأنا آية الله. ولكنكم فشلتم في التعرف علي. أهل نينوى أدركوا تحذير الله من خلال يونان. وملكة سبأ اعترفت بحكمة الله التي في سليمان.” باركلي (Barclay)
ب) الآيات (٤١-٤٢): يعلن يسوع الدينونة على القادة الدينيين بواسطة أهل نِينَوَى وملكة التَّيْمَنِ (الجنوب).
٤١رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا! ٤٢مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا!”
- رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ: بكلمات بسيطة: نور أكبر ينطوي على دينونة أكبر. تاب كل من أهل نِينَوَى وملكة التَّيْمَنِ على الرغم من أن النور كان أقل إشراقًا في وسطهم. ولكن رفض القادة الدينيين للنور الأكبر أمر لا يمكن الدفاع عنه.
- وصف آدم كلارك (Adam Clarke) أن شهادة يسوع كانت أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ بعدة طرق.
- “المسيح، الذي بشر اليهود، كان أعظم بلا حدود من يونان في طبيعته وشخصه ورسالته.”
- “بشر يونان بالتوبة في نينوى أربعين يومًا فقط؛ وعظ المسيح بين اليهود لعدة سنوات.”
- “يونان لم يأتِ بمعجزات للسماح له بالوعظ؛ لكن المسيح صنع المعجزات كل يوم، في كل مكان ذهب إليه، ومن كل نوع.”
- “رغم كل هذا، لم يتُب شعب اليهودية، رغم أن أهل نينوى قد تابوا.”
- وصف آدم كلارك (Adam Clarke) أن شهادة يسوع كانت أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ بعدة طرق.
- وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا!: سليمان كان ابن داود، وأحد ألقاب يسوع المسيانية العظيمة هي “ابن داود.” فيسوع ابن لداود هو أَعْظَمُ من سليمان.
- نحن معجبون مرة أخرى بعظمة شهادة يسوع لذاته. إن الوقوف أمام هؤلاء القادة الدينيين والشهادة بأنه أعظم من أغنى وأكثر ملوك إسرائيل حكمة، كان امرًا جريئًا. ومع ذلك، فإن الجرأة الظاهرة ليسوع لها ما يبررها.
ج) الآيات (٤٣-٤٥): العواقِب الخطيرة لرفضهم يسوع.
٤٣إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلاَ يَجِدُ. ٤٤ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغًا مَكْنُوسًا مُزَيَّنًا. ٤٥ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ مَعَهُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ! هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ الشَّرِّيرِ».
- إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ: في السياق، كانت النقطة الرئيسية ليسوع هي مبادئ سُكنى الشيطان. وقد أوضح أن رفضه هو أمر جاد، كما فعل القادة الدينيون تمامًا.
- هذا الرفض والمعارضة ليسوع من شأنه أن يجعلهم أسوأ حالًا من أي وقت مضى. فهذا الْجِيلِ الشَّرِّيرِ، الذي يجسده القادة الدينيون الذين كانوا يرفضون يسوع، سيجدون أواخرهم أشر من أوائلهم. فقد رفضوا يسوع إلى حد كبير لأنه لم يكن مسيانيًا بدرجة كافية لذوقهم، بمعنى كونه مسيا سياسي وعسكري. ومع ذلك فإن تعطشهم لهذا النوع من المسيا كان سيؤدي بهم إلى الخراب بحلول عام ٧٠م.
- ومع ذلك، يوضح لنا استخدام المثال التوضيحي بعض المبادئ المثيرة للاهتمام لسُكنى الشيطان، ويوضح لنا أن يسوع اعتبرها ظاهرة حقيقية وليست مجرد خرافات معاصرة. “لو لم تكُن سُكنى الشياطين أمر واقع، لما كان ربنا قد دافع قط عن قضية مثل هذه، للإشارة إلى الحالة الحقيقية للشعب اليهودي، والخراب الذي كان على وشك أن يأتي عليهم.” كلارك (Clarke)
- إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلاَ يَجِدُ: يبدو أن الشياطين (أو بعضهم على الأقل) يرغبون في مضيف بشري ويبحثون عن مكان بين الفراغ، ويرون أنه مكان قد تم دعوتهم إليه.
- “لا يمكن أن يكون الشيطان في حالة راحة حيث لا يمكنه إلحاق الأذى بالبشر.” بوله (Poole)
- أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي: “الروح الشرير يصف الإنسان بكلمة ’بيتي.‘ إن جرأة الروح الشرير مذهلة. فهو لم يقم ببناء أو شراء هذا المنزل، وليس له الحق في ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- يمكن للشيطان أن يسكن شخصًا ما إذا وجده فارغًا؛ أي بدون سُكنى روح يسوع المسيح. وإذا كان فارغًا، فلن يهتم الشيطان إذا كان مَكْنُوسًا ومُزَيَّنًا. “ليس للشيطان أي اعتراض على كون ذلك المنزل مكنوسًا ومزينًا؛ فصاحب الأخلاق يمكن أن يكون عبده بالدرجة ذاتها التي يكون فيها الفاسق عبدًا له. فطالما أن القلب لا يشغله عدوه العظيم، وطالما أنه يستطيع استخدام الإنسان لأغراضه الخاصة، فإن عدو النفوس سيسمح له بالتعديل بقدر ما يشاء.” سبيرجن (Spurgeon)
- إذا امتلأنا بيسوع، أي ولدنا من جديد بروح الله، فلا يمكننا أن نكون فارغين، ومن ثَمَّ نكون مسكونين بالشياطين. “رغم أنه يلوح بسلسلته نحونا، فإنه لا يستطيع تثبيت أنيابه فينا.” تراب (Trapp)
- فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ: هذا ينبّر على الحاجة الماسة إلى الامتلاء بروح يسوع المسيح. فهناك شيء أسوأ من كون الإنسان يسكنه شيطان ببساطة؛ إذ يمكن للمرء أن يسكنه البؤس الكبير. والجواب على هذا البؤس هو الامتلاء بروح يسوع المسيح.
د ) الآيات (٤٦-٥٠): يسوع يُحَدد عائلته الحقيقية.
٤٦وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُ الْجُمُوعَ إِذَا أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ قَدْ وَقَفُوا خَارِجًا طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوهُ. ٤٧فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجًا طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ». ٤٨فَأَجَابَ وَقَالَ لِلْقَائِلِ لَهُ: «مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟» ٤٩ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتي. ٥٠لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي».
- هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجًا طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ: بالنظر إلى السياق العام لمعارضة يسوع، فقد يكون من الجيد أن أسرة يسوع أرادت أن تكلمه حتى لا يكون مثار جدل كبير في خدمته.
- “لقد جاء أفراد عائلته لأخذه، لأنهم ظنوه وحده. ولا شك أن الفريسيين قد صوروا خدمته لأقاربهم بطريقة جعلتهم يظنون أنه من الأفضل لهم قمعه.” سبيرجن (Spurgeon)
- مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟: ربما كنا نتوقع أن تتمتع عائلة يسوع بامتيازات خاصة أمامه. ويفاجئنا الواقع تقريبًا أنهم لم يكن لديهم مثل هذه الامتيازات الخاصة.
- مَنْ هِيَ أُمِّي؟: لم تكن مريم، والدة يسوع، تتمتع بميزة خاصة مع يسوع في ذلك الوقت أو الآن. إنها مثال رائع على شخص كان قد حظي بامتياز من الله ووقفت إلى جانب يسوع، لكنها ليست في مستوى أعلى من أي شخص يَصْنَعُ مَشِيئَةَ الآب الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
- وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟: من الواضح أن يسوع كان لديه إخوة. ففكرة الكنيسة الكاثوليك عن عذرية مريم الدائمة تتناقض مع المعنى الواضح للكتاب المقدس. ولكن يبدو أن إخوة يسوع لم يكونوا داعمين لخدمته قبل موته وقيامته (يوحنا ٥:٧).
- “إن الطريقة الأكثر طبيعية لفهم مصطلح ’الإخوة‘ هي أن المصطلح يشير إلى أبناء مريم ويوسف وبالتالي إلى إخوة يسوع من جهة والدته.” والجهود المبذولة لجعل كلمة ’الإخوة‘ تعني شيئًا آخر، “هي ليست أقل من تفسير مُستبعد لدعم عقيدة نشأت بعد زمن العهد الجديد بكثير.” كارسون (Carson)
- لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي: هؤلاء المحبوبون الذين يفعلون مشيئة الله يتناقضون مع الجيل الشرير والفاسق الذي يمثله الفريسيون (متى ٣٩:١٢).
- “إنه لا يخجل من أن يطلق عليهم أخوة.” سبيرجن (Spurgeon)
- يمكننا أن نرى هذا على أنه دعوة كريمة، حتى بالنسبة لهؤلاء القادة الدينيين الذين عمّقوا عداءهم ضد يسوع وتآمروا ضده. فلا يزال بإمكانهم المجيء ليكونوا جزءًا من عائلته.
- “هؤلاء هم أفضل أقارب المسيح المعترف بهم، الذين توحدوا معه من خلال الروابط الروحية، والذين أصبحوا واحدًا به من خلال سُكنى روحه. ونفترض عمومًا أن أقارب المسيح لابد وأن يكونوا قد حظوا بالكثير من اهتمامه الحنون؛ ومما لا شك فيه أنهم فعلوا ذلك. ولكن هنا نجد أن كل من يفعل إرادة الله هو مُكَرَمٌ بالمثل من قِبل المسيح، مثل أخيه أو أخته، أو حتى أمه العذراء.” كلارك (Clarke)
- “إن الشيء الوحيد الذي يجب تعلمه أكثر من هذه الفقرة هو كم أن المؤمنين أعزاء وأشخاص مقدسين بالنسبة للمسيح! فهو يعتبرهم أعزاء كأم أو إخوة أو أخوات، وبالتالي يعلمنا التقدير الذي يجب أن يكون لدينا لمثل هؤلاء.” بوله (Poole)