إنجيل متى – الإصحاح ١٣
أمثال الملكوت
أولًا. مثل التربة
أ ) الآيات (١-٣أ): يسوع يُعلم بالأمثال.
١فِي ذلِكَ الْيَوْمِ خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ الْبَيْتِ وَجَلَسَ عِنْدَ الْبَحْرِ، ٢فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ السَّفِينَةَ وَجَلَسَ. وَالْجَمْعُ كُلُّهُ وَقَفَ عَلَى الشَّاطِئِ. ٣فَكَلَّمَهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَال…
- دَخَلَ السَّفِينَةَ وَجَلَسَ: استخدم يسوع أحيانًا قاربًا “كمنبر” له (مرقس ١:٤). فلقد أعطاه مكانًا للتحدث، بعيدًا عن زحمة الحشود، وقدَّم القارب له صوتيات جيدة، وربما خلفية رائعة.
- عندما علم يسوع من السَّفِينَةَ، كان هذا بالتأكيد شيئًا جديدًا. ويمكننا أن نتخيل أن أحد النقاد يقول: “لا يمكنك فعل ذلك! التعليم يتم داخل المجمع أو في مكان آخر مناسب.” وسيكون من السهل جدًا تلقي بعض الاعتراضات: “الهواء الرطب قد يمرض الناس” أو “يوجد الكثير من البعوض في الشاطئ” أو “شخص ما قد يغرق.” ولكن يسوع كان يعلم أن التدريس من قارب يناسب أغراضه جيدًا بما فيه الكفاية.
- “عندما أغلقت أبواب المجمع في وجهه، خرج إلى هيكل الهواء الطلق، وعلم الناس في شوارع القرية وعلى الطرق وعلى جانب البحيرة وفي منازلهم.” باركلي (Barclay)
- “كان المعلم يجلس، وكان الناس يقفون. إذا كان هذا النظام سائدًا حتى الآن، لكنا سننام أقل في الاجتماعات.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَكَلَّمَهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَال: إن الفكرة وراء كلمة المثل هي “إضافة إلى.” إنها قصة تلقى إلى جانب الحقيقة المقصودة للتعليم. وتم تسمية الأمثال “قصص أرضية مع معنى سماوي.”
- “إن الكلمة اليونانية ’بارابول (parabole)‘ أوسع في معناها من الكلمة الإنجليزية (parable). ففي الترجمة السبعينية تُترجم إلى ’ماسال (masal)‘ التي تتضمن الحِكَم والأحاجي والأقوال الحكيمة وكذلك الأمثال. ويستخدمها البشير متى عند حديث يسوع العَويص عن النجاسة (متى ١٠:١٥-١١، ١٥)، وفي متى ٣٢:٢٤ تأتي بمعنى (’دَرْس‘)، وهي تشير إلى مقارنة.” فرانس (France)
- “كان لها ميزة مزدوجة على مستمعيهم: أولًا، على ذاكرتهم؛ نحن ميالون لتذكر القصص. ثانيًا، على عقولهم؛ لقد حفزتهم القصص على دراسة معنى ما سمعوه حتى فهموه.” بوله (Poole)
- الأمثال عمومًا تُعلم نقطة واحدة رئيسية أو مبدأ. ويمكن أن نواجه مشكلة من خلال توقع أن تكون الأمثال أنظمة لاهوتية معقدة، تحمل أصغر التفاصيل التي تكشف الحقائق الخفية. “المثل ليس قصة رمزية؛ فالقصة الرمزية هي قصة يكون لكل تفاصيلها معنى داخلي فيها؛ ولكن من شأن القصة الرمزية أن تُقرأ وتُدْرس؛ ولكن يتم سماع المثل. فيجب أن نكون حذرين للغاية حتى لا نجعل من القصص الرمزية أمثالًا.” باركلي (Barclay)
ب) الآيات (٣ب -٩): قصة بسيطة عن زارع وبذر البذور.
٣… «هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، ٤وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. ٥وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالًا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. ٦وَلكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. ٧وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. ٨وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ. ٩مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ».
- هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ: تكلم يسوع حسب العادات الخاصة بالزراعة في زمنه. ففي تلك الأيام، كانت البذار تُبَعْثر أولًا ثم يتم حرثها في الأرض.
- قبل أن يكون المرء مزارعًا، يجب أن يكون آكِلًا ومُسْتقبِلًا. خرج هذا الشخص من صومعة الحبوب، المكان الذي يتم فيه تخزين البذور، ومن خلال كتابه المقدس، قام الزَّارِعُ ببذر البذور.
- وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ… عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ… عَلَى الشَّوْكِ… عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ: في هذا المثل، سقطت البذرة على أربعة أنواع مختلفة من التُرُبة.
- الطَّرِيق هو الطريق الذي يسير فيه الناس ولا يمكن أن ينمو أي شيء هناك، لأن الأرض كانت صلبة للغاية.
- الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ كانت فيها التربة رقيقة، واقعة على رف صخري. وعلى هذه الأرض، تنتشر البذرة بسرعة بسبب دفء التربة، لكن البذرة تكون غير قادرة على التجَذُر بسبب الجرف الصخري.
- عَلَى الشَّوْكِ يصف التربة الخصبة، ربما الخصبة للغاية، لأن الشَّوْكِ كان ينمو هناك مثله مثل الحبوب.
- الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ تصف التربة التي تكون خصبة وخالية من الحشائش. فالمحصول الجيد ينمو في الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ.
- مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ: لم تكن هذه دعوة للجميع للاستماع. بل بالحري، كانت دعوة لأولئك الذين كانوا حساسين روحيًا لتدوين الملاحظات الخاصة. وكان هذا صحيحًا بشكل خاص في ضوء الآيات القليلة التالية، التي شرح فيها يسوع الغرض من الأمثال.
ج) الآيات (١٠-١٧): لماذا استخدم يسوع الأمثال؟ في هذا السياق، لإخفاء الحقيقة عن أولئك الذين لا يستمعون إلى الروح القدس.
١٠فَتَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال؟» ١١فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ. ١٢فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ. ١٣مِنْ أَجْلِ هذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال، لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ. ١٤فَقَدْ تَمَّتْ فِيهِمْ نُبُوَّةُ إِشَعْيَاءَ الْقَائِلَةُ: تَسْمَعُونَ سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُونَ، وَمُبْصِرِينَ تُبْصِرُونَ وَلاَ تَنْظُرُونَ. ١٥لأَنَّ قَلْبَ هذَا الشَّعْب قَدْ غَلُظَ، وَآذَانَهُمْ قَدْ ثَقُلَ سَمَاعُهَا. وَغَمَّضُوا عُيُونَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. ١٦وَلكِنْ طُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ، وَلآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ. ١٧فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا.
- لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال؟: إن الطريقة التي استخدم بها يسوع الأمثالَ دفعت التلاميذ إلى ذلك الاستفسار. ومن الواضح أن استخدام يسوع للأمثال لم يكن سهلًا مثل الصور التوضيحية البسيطة للحقائق الروحية.
- لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ: أوضح يسوع أنه استخدمَ الأمثال حتى لا تتقسى قلوب الرافضين أكثر.
- الشمس ذاتها التي تُليّن الشمع، تُحَجّر الطين. وهكذا فإن رسالة الإنجيل ذاتها التي تذلل القلب الصادق وتؤدي إلى التوبة، قد تُصَلّب أيضًا قلب المستمع غير الأمين وتعزز ذلك الشخص في طريق العصيان.
- “إن المثل يخفي الحق عن أولئك الذين هم إما كسولون للغاية للتفكير، أو عُميان عن طريق التحيز الذي يمنعهم من الرؤية. إنها تضع المسؤولية بشكل عادل وصريح على الفرد. إنها تكشف الحق لمن يرغب بالحق؛ وتخفي الحق عمن لا يرغب في معاينة الحق.” باركلي (Barclay)
- “وهكذا فإن الأمثال التي قد سمعها الحشود لا تنقل المعلومات ببساطة، ولا تخفيها، بل تتحدى المستمعين.” كارسون (Carson)
- فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ: الفكرة هي أن أولئك المنفتحون والحساسون للحقائق الروحية سيزدادون من خلال الأمثال. ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين ليسوا منفتحين، الذين ليس لهم، سينتهي بهم المطاف في حالة أسوأ.
- “الحياة هي دائمًا عملية كسب المزيد أو فقدان المزيد؛ لأن الضعف، مِثله مثل القوة، أمرٌ متزايد.” باركلي (Barclay)
- مِنْ أَجْلِ هذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال، لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ: وبهذا المعنى، لم تكن أمثال يسوع صورًا توضح الأمور الصعبة للجميع. فالأمثال تقدم رسالة الله حتى يفهم الحساس روحيًا، ولكن المتشدد سوف يسمع مجرد قصة دون تكديس إدانة إضافية عليه لرفضه كلمة الله.
- الأمثال هي نموذج لرحمة الله نحو قساة القلوب. وقد أعطيت الأمثال في سياق رفض القادة اليهود ليسوع وعمله. وفي هذا المعنى، كانت أمثلة على الرحمة التي أعطيت لغير المستحقين.
- فَقَدْ تَمَّتْ فِيهِمْ نُبُوَّةُ إِشَعْيَاءَ: من خلال التحدث بالأمثال، تمم يسوع أيضًا نبوءة إشعياء، متحدثًا بطريقة فيها يسمع قساة القلوب، وكأنهم لا يستمعون، ويرون وكأنهم لا يبصرون.
- لأَنَّ قَلْبَ هذَا الشَّعْب قَدْ غَلُظَ: إن كلمة ’غَلُظَ‘ تعني حرفيًا ’سمينًا.‘ “إن القلب السمين هو طاعون مخيف، لا يمكن لسَميني القلوب أن يبتهجوا بشريعة الله.” تراب (Trapp)
- “لم يبصروا حقًا ما رأوه، ولم يستمعوا لما سمعوه. فكلما كان التعليم سهلًا، كلما كانوا في حيرة بسببه.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلكِنْ طُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ، وَلآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ: في ضوء ذلك، أولئك الذين يفهمون أمثال يسوع مباركون حقًا. فهم لا يستفيدون فقط من الحقائق الروحية المُوَضَحة، لكنهم يبدون أيضًا قدرًا من الاستجابة للروح القدس.
- “كونك تابعًا للإنجيل فإنك تعرف أكثر بكثير من الشخص المتمسك بالناموس. إن أقصر أيام الصيف هو أطول من أطول يوم في فصل الشتاء.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٨-٢٣): تفسير مثل الزارع: كل تربة تمثل واحدة من أربعة ردود أفعال تجاه كلمة الملكوت.
١٨«فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَثَلَ الزَّارِعِ: ١٩كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ. ٢٠وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالًا يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، ٢١وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ. فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالًا يَعْثُرُ. ٢٢وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ. ٢٣وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ».
- هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ: كما التهمت الطيور البذرة على جانب الطريق (متى ٤:١٣)، هكذا يتلقى البعض الكلمة بقلوب صلبة، ثم يأتي الشِّرِّيرُ بسرعة وَيَخْطَفُ ما قد زُرع في القلب. فليس للكلمة هنا أي تأثير لأنها لا تخترق القلب وتنزع بسرعة.
- تمثل التربة الواقعة عَلَى الطَّرِيقِ أولئك الذين لا يسمعون الكلمة حقًا بفهم. يجب فهم كلمة الله قبل أن تثمر حقًا. ومن أهم أعمال الشيطان إبقاء البشر في الظلام فيما يتعلق بفهمهم للإنجيل (كورنثوس الثانية ٣:٤-٤).
- “الشيطان متحفزًا دائمًا لعرقلة الكلمة. فهو يخاف أن يترك المجال للحق ليكون في اتصال مباشر مع الذهن.” سبيرجن (Spurgeon)
- “الكثير من الناس الآن أذهانهم مليئة بالوعظ، لدرجة أن قلوبهم أصبحت مثل أرصفة الطرق، تنمو بتبلد من خلال الكلمة، التي لا تلقى ردة فعل أكثر من التي تحدثها الصخرة عندما يأتي عليها المطر. فقد أصبحت مشاعر أولئك الناس مفتولة العضلات، وأوتار قلوبهم صلبة، واستعداداتهم للاستجابة ميتة وفاترة.” تراب (Trapp)
- عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ: عندما تتساقط البذرة على التربة الرقيقة في أعلى الأماكن الصخرية، تنبت بسرعة، ومن ثمَّ تذبل بسرعة وتموت (متى ٥:١٣-٦)، لذلك يستجيب البعض للكلمة بحماس فوري ومع ذلك يذبلون سريعًا.
- تمثل هذه التربة أولئك الذين يتلقون الكلمة بحماس، ولكن يكون ذلك الحماس في حياتهم قصير الأمد، لأنهم ليسوا على استعداد لتحمل ضِيق أَوِ اضْطِهَاد مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ.
- أشار سبيرجن (Spurgeon) إلى نقطة جيدة بقوله: “أريدك أن تفهم بوضوح أن الخطأ لم يكمن في فُجائية تحولهم المفترض. فالعديد من التحولات المفاجئة كانت من بين أفضل ما حدث على الإطلاق.” فالمشكلة ليست في نموهم المفاجئ، ولكن افتقارهم إلى العمق.
- “إن الضيق هو مصطلح عام للمعاناة التي تأتي من الخارج؛ أما الاضطهاد فهو ضيق متعمد، وعادة ما ينطوي على دوافع دينية. والكلمة ’يَعْثُرُ‘ تعني حرفيًا ’يفشل بشدة‘؛ فإنها ليست خسارة تدريجية في الاهتمام، ولكنها انهيار تحت الضغط.” فرانس (France)
- بَيْنَ الشَّوْكِ: عندما تنمو البذور المتساقطة بين الأشواك، سرعان ما يتم اختناق سيقان الحبوب (متى ٧:١٣)، لذلك يستجيب البعض للكلمة وينمو لفترة من الوقت، لكنهم يختنقون ويتوقفون عن نموهم الروحي بسبب الصراع الموجَّه ضدهم من قِبل أمور غير روحانية.
- هذه التربة تمثل أرضًا خصبة للكلمة. لكن تربتهم خصبة بقدر زائد عن الحاجة، لأنها تنمو فيها أيضًا كل أنواع الأمور الأخرى التي تخنق كلمة الله؛ ألا وهي وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى التي تَخنِقُ الْكَلِمَةَ.
- الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ: بما أن البذور التي تسقط على الأرض الجيدة تجلب محصولًا جيدًا من الحبوب (متى ٨:١٣)، لذلك يستجيب البعض بحق للكلمة ويأتون بالثمار.
- تمثل هذه التربة أولئك الذين يتلقون الكلمة، وهي تؤتي ثمارها في تربتها، بنسب متفاوتة (فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ)، على الرغم من أن لكل منها حصاد غزير.
- فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَثَلَ الزَّارِعِ: نحن نستفيد من رؤية أجزاء من أنفسنا في جميع أنواع التُرُبات الأربع.
- مثل الطَّرِيقِ، أحيانًا لا نسمح للكلمة بأي مجال على الإطلاق في حياتنا.
- مثل الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، يكون لدينا في بعض الأحيان ومضات من الحماس في تلقي الكلمة التي تخبو سريعًا.
- على غرار التربة بَيْنَ الشَّوْكِ، من شأن هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى أن يهدد باستمرار بخَنْق كلٍ من كلمة الله وإثمارنا.
- مثل الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، تُثمِرُ الكلمة في حياتنا.
- نلاحظ أن الفرق في كل فئة كان التربة نفسها. ونلاحظ أيضًا أنه تم إلقاء البذرة ذاتها بواسطة الزارع نفسه. فلا يمكنك إلقاء اللوم على الاختلافات في النتائج على الزارع أو على البذور، ولكن فقط على التربة. “يا أحبائي المستمِعون، أنتم تخضعون لاختبارٍ اليوم! يا أيها المتشككون، سوف تدينون الواعظ، ولكن هناك من هو أعظم من الواعظ سوف يدينكم، لأن الكلمة نفسها لسوف تدينكم.” سبيرجن (Spurgeon).
- لقد كان المثل أيضًا تشجيعًا للتلاميذ. فعلى الرغم من أنه قد يبدو أن القليل منهم يستجيبون، إلا أن الله مُتحكم في الأمور، وسيأتي الحصاد بالتأكيد. وكان هذا ذا معنى خاص في ضوء المعارضة المتزايدة ضد يسوع. “لن يستجيب الجميع، ولكن سيكون هناك من يفعلون، وسيكون الحصاد كثيرًا.” فرانس (France).
- “من يَعْلم أيها المعلم، عندما تتعب حتى بين الأطفال، فماذا ستكون نتيجة تعليمك؟ إن البذرة الجيدة قد تنمو في حقول صغيرة جدًا.” سبيرجن (Spurgeon)
- إن مثل الزارع، أكثر من كونه يصف التقدم المتفاوت لرسالة الإنجيل، فهو يدفع المستمع إلى أن يسأل: “ما هو نوع التربة الذي أنا عليه؟ كيف يمكنني إعداد قلبي وعقلي ليكون النوع الصحيح من التربة؟” فهذا المثل يدعونا إلى العمل بجد لضمان تحقيق استفادة كاملة من الكلمة.
ثانيًا. أمثال الفساد بين مُجتمع الملكوت
أ ) الآيات (٢٤-٣٠): مثل الحِنطة والزوان.
٢٤قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ قِائِلًا: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. ٢٥وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى. ٢٦فَلَمَّا طَلَعَ النَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَرًا، حِينَئِذٍ ظَهَرَ الزَّوَانُ أَيْضًا. ٢٧فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ الْبَيْتِ وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعًا جَيِّدًا زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟ ٢٨فَقَالَ لَهُمْ: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا. فَقَالَ لَهُ الْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ ٢٩فَقَالَ: لاَ! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. ٣٠دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلًا الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني».
- جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ: هذا المثل يصف عمل عدو ما، حاول تدمير عمل إِنْسَانٍ زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وكان هدف العدو في زرع زَوَانٍ فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ هو تدمير الحنطة. ولكن المُزارع الحكيم لن يسمح للعدو بالنجاح. بل بالحري، قرر المُزارع حل المشكلة في وقت الحصاد.
- نلاحظ أن هذا المثل يصف بوضوح الفساد بين شعب الله. وكما في المثل السابق، تمثل الحنطة شعب الله. فقد يتعرض شعب الله للتأثير الفاسد (الزوان) الذي قد يبدو أصيلًا ويشبه الحنطة الحقيقية.
- “من المحتمل أن تكون الحشائش زوانًا، وهي نبات سام يلتصق بالحنطة، ولا يمكن تمييزه منها تقريبًا حتى تظهر السنابل.” فرانس (France)
- لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ: من أجل الحفاظ على الحنطة وحمايتها، لم يفصل المزارع الحكيم بين الزوان والحنطة حتى وقت الحصاد.
- أدرك المزارع الحكيم أن الحل النهائي لمشكلة الزوان الذي بين الحنطة سيتم فقط عند الحصاد النهائي.
- بشرح هذا المثل كما هو موضح في (متى ٣٦:١٣-٤٣)، نفهم لماذا قاله يسوع مباشرة بعد شرح مثل الزارع، خاصةً مع البذور التي نمت بين الأشواك. “لكن قد يتساءل المرء عما إذا كان يجب على شعب المسيا أن يفصل الحنطة عن الزوان فورًا؛ وهذا المثل التالي يجيب على السؤال سلبيًا: سيكون هناك تأخير في الفَصْل حتى وقت الحصاد.” كارسون (Carson)
ب) الآيات (٣١-٣٢): مثل حَبة الخردل.
٣١قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ قَائِلًا: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، ٣٢وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ. وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا».
- يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل… مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً: البعض، أو حتى المُعْظَم، يعتبرون ذلك وصفًا لنمو وهيمنة الكنيسة، مجتمع الملكوت. ومع ذلك، في ضوء كلٍ من المثل نفسه وسياق الأمثال قبل وبعد، ينبغي اعتبار هذا وصفًا آخر للفساد في مجتمع الملكوت، تمامًا مثل المثل السابق للحنطة والزوان المذكور في (متى ٢٤:١٣-٣٠).
- يعتبر آدم كلارك (Adam Clarke) مثالًا جيدًا على رأي الأغلبية حول معنى هذا المثل والمثل الذي يليه، في قوله: “كلا المَثَليْن نبويين، وكان الهدف منهما هو إظهار، منذ البداية، كيف ينبغي على إنجيل المسيح أن ينتشر بين جميع أمم العالم، ويملأهم بالبر والقداسة الحقيقية.”
- مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا: مرة أخرى، يعتبر الكثيرون، أو حتى معظمهم، هذه صورة جميلة للكنيسة التي تنمو بحجم كبير لدرجة أنها توفر ملجًا للعالم أجمع. ولكن حَبَّةَ الخَرْدَل هذه قد نمت بشكل غير طبيعي، وكانت تأوي الطُيُور، التي كانت في الأمثال السابقة موفدة من الشيطان (متى ٤:١٣؛ ١٩:١٣).
- تَصِيرُ شَجَرَةً: نبات الخردل عادة لا ينمو بما يتجاوز ما يسميه المرء شُجيرة، وسيكون حجمه الطبيعي مكانًا غير مرجح لأعشاش الطيور. لذا فإن هذا النمو لحَبَّةَ الخَرْدَل يصف شيئًا غير طبيعي.
- “تشير لغة النص إلى أن يسوع كان يفكر في استخدام نفس فكرة العهد القديم للشجرة، أي صورة لإمبراطورية عظيمة (انظر بشكل خاص حزقيال ٢٣:١٧؛ ٣:٣١-٩؛ دانيال ١٠:٤-١٢).” فرانس (France)
- كانت هذه شَجَرَة، “ليس في الطبيعة ولكن في الحجم؛ إنها مبالغة كبيرة في خطاب شعبي. وهي تعبر بشكل مثير للإعجاب عن فكرة النمو الذي يفوق التوقعات. فمن كان يتوقع أن تنتج بذرة صغيرة مثل هذه العُشبة الكبيرة، وكأنها وحش في الحديقة.” بروس (Bruce)
- يصف هذا المثل بدقة ما أصبح عليه مجتمع الملكوت في العقود والقرون التي أعقبت توطين الإمبراطورية الرومانية. ففي تلك القرون نمت الكنيسة بشكل كبير وغير طبيعي في النفوذ والهيمنة، وكانت عشًا للكثير من الفساد. “تشير الطيور التي تعيش في الفروع على الأرجح إلى عناصر الفساد التي تلجأ إلى ظل المسيحية.” موجان (Morgan)
- “الدراسة الدقيقة للطيور كرموز في العهد القديم وخاصة في أدب اليهودية اللاحقة تبين أن الطيور ترمز بانتظام إلى الشر وحتى الشياطين أو الشيطان (راجع سنهدرين، ١٠٧أ؛ وسفر رؤيا يوحنا ٢:١٨).” كارسون (Carson)
ج ) الآية (٣٣): مثال آخر للفساد في مجتمع الملكوت: مثل الخمير في الوجبة.
٣٣قَالَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ»
- يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً: استخدم يسوع صورة مفاجئة هنا. فكثيرون، إن لم يكن معظمهم، يعتبرون ذلك صورة جميلة لملكوت الله الذي يشق طريقه عبر العالم كله. ومع ذلك، يتم استخدام الخميرة باستمرار كصورة للخطيئة والفساد (خاصة في سرد قصة الفصح في سفر الخروج ٨:١٢؛ ١٥:١٢-٢٠). ومرة أخرى، يشير كل من المحتوى والسياق إلى أن ذلك وصفٌ للفساد في مجتمع الملكوت.
- “سيكون هناك صدمة معينة في سماع المقارنة بين ملكوت الله والخميرة.” باركلي (Barclay)
- خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ: كانت هذه كمية كبيرة بشكل غير عادي من الوجبة. كان أكثر بكثير لتعدها أي امرأة عادية. وهذا يوحي مرة أخرى بفكرة الحجم الضخم أو غير الطبيعي.
- “إن ثلاثة أكيال للوجبة ستكون حوالي ٤٠ لترًا، مما يجعل الخبز يكفي ليكون وجبة يتناولها ١٠٠ شخص، وهو خَبْزٌ كثير لامرأة عادية.” فرانس (France)
- خَبَّأَتْهَا: إن فكرة إخفاء الخميرة في ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق من شأنها أن تسيء لأي يهودي ملتزم. وهذه بالتأكيد ليست صورة للكنيسة التي تؤثر تدريجيًا على العالم أجمع من أجل الخير. وبدلًا من ذلك، في سياق زيادة المعارضة لعمله، أعلن يسوع أن مجتمع ملكوته سيكون مُهَددًا بالفساد والشوائب.
- كتب ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan) أن الخميرة تمثل “تأثيرات وثنية” تم جَلبها إلى الكنيسة.
د ) الآيات (٣٤-٣٥): تعليم يسوع بأمثال كان تحقيقًا للنبوة.
٣٤هذَا كُلُّهُ كَلَّمَ بِهِ يَسُوعُ الْجُمُوعَ بِأَمْثَال، وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ، ٣٥لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «سَأَفْتَحُ بِأَمْثَال فَمِي، وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ».
- وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ: هذا لا يعني أن يسوع لم يتكلم أبدًا في تعاليمه ووعظه بالكامل في أي شيء آخر بِدُونِ مَثَل. ولكن هذا وصف لهذا الوقت بالذات من خدمة يسوع، ومرة أخرى في سياق زيادة المعارضة من القادة اليهود.
- “تعني الجملة أن هذه كانت عادة يسوع الدائمة. فالأمثال القصيرة كانت جزءًا جوهريًا من خدمته المنطوقة.” كارسون (Carson)
- سَأَفْتَحُ بِأَمْثَال فَمِي: سبب آخر علمه يسوع عن مجتمع الملكوت في الأمثال هو أن الكنيسة نفسها كانت جزءًا من المَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، ولن يتم الكشف عنها بالكامل حتى وقت لاحق.
- بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ: في وقت لاحق، يعبر بولس عن هذه الفكرة نفسها عن الكنيسة في أفسس ٤:٣-١١.
هـ) الآيات (٣٦-٤٣): يسوع يشرح مَثَل الحنطة والزوان.
٣٦حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَجَاءَ إِلَى الْبَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ الْحَقْلِ». ٣٧فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ. ٣٨وَالْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ. وَالزَّرْعُ الْجَيِّدُ هُوَ بَنُو الْمَلَكُوتِ. وَالزَّوَانُ هُوَ بَنُو الشِّرِّيرِ. ٣٩وَالْعَدُوُّ الَّذِي زَرَعَهُ هُوَ إِبْلِيسُ. وَالْحَصَادُ هُوَ انْقِضَاءُ الْعَالَمِ. وَالْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ. ٤٠فَكَمَا يُجْمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَمِ: ٤١يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، ٤٢وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. ٤٣حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ.
- فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ الْحَقْلِ: في شرحه، أوضح يسوع ما تمثله الأشكال المختلفة في المثل.
- الحقلُ يمثل العالمَ.
- تمثل البذور الصالحة شعب الله الحقيقي، أبناء الملكوت.
- يمثل الزوان المؤمنين الزائفين في العالم، أبناء الشرير، الذين (مثل الزوان بين الحنطة) قد يبدون بطريقة اصطناعية مثل شعب الله الحقيقي.
- في هذا نرى أن مثل الزوان يغير الأشكال قليلًا عن مثل التُربة (متى ٣:١٣-٩؛ ١٨:١٣-٢٣). ففي مثل التُربة، تمثل البذور كلمة الله؛ وهنا تمثل المؤمنين الحقيقيين. كما إن النقطة الجوهرية للأمثال مختلفة تمامًا؛ فمثل التُربة يُظهر كيف يتلقى الناس كلمة الله ويستجيبون لها، ويظهر المثل الخاص بزوان الحقل كيف سيفصل الله شعبه الحقيقي عن المؤمنين الزائفين عند انْقِضَاءُ الْعَالَمِ.
- “إن للشيطان تدفق من الإثم مقابل كل تدفق من النعمة. فعندما ينعش الله عمله، فإن الشيطان ينعش عمله هو أيضًا.” كلارك (Clarke)
- يُعلم هذا المثل بقوة أنه من اختصاص الله أن يفصل في الدينونة. “يجوز للمسؤولين والكنائس إزالة الأشرار من مجتمعهم؛ والجيدون ظاهريًا، أولئك الذين لا قيمة لهم داخليًا يجب عليهم المغادرة؛ لأن الحُكم على القلوب هو خارج نطاق مجالهم.” سبيرجن (Spurgeon).
- “أعلن يسوع ملكوت الله، وهذا من شأنه أن يدفع الكثير من مستمعيه إلى توقع حدوث كارثة مفجعة للمجتمع، ألا وهي فصل فوري ومطلق بين ’أبناء النور‘ و’أبناء الظلام.‘ وكان لنفاذ الصبر هذا، السبب في أن يتم توجيه هذا المثل.” فرانس (France)
- الْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ: بشكل ملحوظ، يوضح هذا المثل ليس بالضرورة أنه سيكون هناك مؤمنون زائفون بين المؤمنين الحقيقيين في الكنيسة (رغم أن هذا صحيح أيضًا إلى حد ما)؛ وإلا كان يسوع قد أوضح أن الْحَقْل هو الكنيسة. ومع ذلك فقد قال بعناية أن الْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ.
- “فكرة أن الحقل هو الكنيسة كان لها تأثير مهم في تاريخ الكنيسة. فآباء الكنيسة الأوائل افترضوا وجهة النظر هذه إلى حد كبير، وتم تعزز الميل إلى تفسير المثل بهذه الطريقة وقت حُكم قسطنطين. وجعل أوغسطينوس التفسير صراعًا رسميًا ضد الدوناتيين (Donatists). واتبع معظم الإصلاحيين المنوال ذاته.” كارسون (Carson)
- لكن النقطة واضحة، سواء في العالم أو في مجتمع الملكوت. ففي النهاية، ليس من مهمة الكنيسة التخلص من أولئك الذين يبدو أنهم مسيحيون ولكنهم ليسوا في الواقع؛ فهذا هو عمل الله في انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَمِ.
- طالما أن شعب الله ما زالوا في هذا العالم (الحقل)، سيكون هناك غير مؤمنين بينهم؛ ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك لأن شعب الله يستقبل غير المؤمنين كما لو كانوا من المؤمنين، متجاهلين إما معتقدات أو سلوك أولئك المؤمنين المزعومين.
- هناك دلالة جوهرية إضافية في القول: ’الْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ‘ بدلًا من ’الحقل هو إسرائيل.‘ “هذا البيان الموجز يفترض مهمة خارج إسرائيل.” كارسون (Carson).
- الْعَدُوُّ الَّذِي زَرَعَهُ هُوَ إِبْلِيسُ: من الواضح أن العدو يزرع المنتجات المزيفة في العالم وفي مجتمع الملكوت، وهذا هو السبب في أن مجرد كون الشخص عضوًا في المجتمع المسيحي لا يكفي.
- الْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ… يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ: غالبًا ما لا نعتبر أن الْمَلاَئِكَةُ لها دور خاص في دينونة العالم. ومع ذلك فهم يستحقون الاحترام بسبب هذا الدور.
- “هذا يلقي ازدراء خاص على ملاك الشر العظيم. فهو يزرع الزوان ويحاول تدمير الحصاد. وبالتالي، يتم جلب الملائكة الصالحين للاحتفال بهزيمته، ويفرحون مع ربهم في نجاح الفِلاحة الإلهية.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ… حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ: استخدم يسوع هذا المثل ليوضح الحق بأن هناك طريقين مختلفين ومصيرين أبديين. أَتُونِ النَّارِ يمثل مصيرًا واحدًا، ومجدًا مشعًا (يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ) يمثل المصير الآخر.
- “مصير هؤلاء الفاسدين هو النار، أشد العقوبات الرهيبة؛ ولكن هذا لن يهلكهم، بل سيختبرون أشد ويلات الحياة، ألا وهي ’الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- تأتي الحنطة إلى مخزن حبوب الله من جميع أنحاء العالم، ومن جميع طبقات المجتمع، ومن جميع الأعمار في كنيسة الله. والشيء الوحيد الذي يشتركون فيه هو أنهم فلاحة الرب، ومن بذرة كلمته الصالحة.
ثالثًا. المزيد من الأمثال عن الملكوت
أ ) الآية (٤٤): مثل الكنز الخفي.
٤٤«أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزًا مُخْفىً فِي حَقْل، وَجَدَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ.
- يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزًا مُخْفىً فِي حَقْل: الحقل هو العالم، لكن الإنسان لا يمثل المؤمن، لأنه ليس لدينا ما نشتري به هذا الكنز. بل إن يسوع هو الإنسان الذي بذل كل ما كان له لشراء الحقل.
- “بموجب قانون معلمي الناموس الخاص، إذا وجد عامل كنزًا في حقل وأخرجه، فسيكون ملكًا لسيده، مالك الحقل؛ لكن الرجل هنا حرِصَ على عدم إخراج الكنز حتى اشترى الحقل.” كارسون (Carson)
- هذا المثل وما يليه مختلفان في السمات عن الثلاثة السابقين. فقد تحدثت الأمثال الثلاثة السابقة (الحنطة والزوان، وحبة الخردل، والخميرة) عن الفساد في مجتمع الملكوت. ويتحدث هذان المثلان عن مدى تقدير الملك لشعب ملكوته.
- وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ: إن الكنز الرائع الذي بذل يسوع كل شيء لشرائه هو كل مؤمن. وهذا يبين بقوة كيف بذل يسوع كل شيء ليخلص العالم كله، ويحافظ على الكنز فيه، والكنز هو شعبه.
- “يبدو أن العثور على الكنز كان عن طريق الصدفة. ففي أرض تم اتلافها بشكل متكرر كفلسطين، لا شك دفن الكثير من الناس كنوزهم؛ ولكن الواقع هو أن العثور على كنز كان ليحدث مرة واحدة خلال ألف عُمْر. وهكذا، فإن المبالغة في المثل تسلط الضوء على الأهمية القصوى للملكوت.” كارسون (Carson)
- “هكذا فعل يسوع نفسه، بأعلى تكلفة، اشترى العالم ليكسب كنيسته، التي كانت الكنز الذي رغب به.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤٥-٤٦): مثل اللؤلؤة كثيرة الثمن.
٤٥أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا تَاجِرًا يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً، ٤٦فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا.
- يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا تَاجِرًا يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً: مرة أخرى، يسوع هو المشتري وكل مؤمن هو اللؤلؤة التي يراها قيّمة للغاية، لدرجة أن يسوع يبذل كل شيء بسعادة لامتلاكها للأبد.
- “بالنسبة للشعوب القديمة، كما رأينا للتو، كانت اللؤلؤة أجمل الممتلكات. وهذا يعني أن ملكوت السماوات هو أجمل شيء في العالم.” باركلي (Barclay)
- لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ: يبدو أنه من الجنون أن يَبيِع التاجر كُلَّ مَا كَانَ لَهُ مقابل لؤلؤة واحدة، لكن بالنسبة لهذا التاجر، كان الأمر يستحق كل هذا العناء. وهذا يدل على مدى تقديره لهذه اللؤلؤة الكثيرة الثمن، وكم يُقدَّر يسوع شعبَه!
ج) الآيات (٤٧-٥٠): مثل الشبكة.
٤٧أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ شَبَكَةً مَطْرُوحَةً فِي الْبَحْرِ، وَجَامِعَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. ٤٨فَلَمَّا امْتَلأَتْ أَصْعَدُوهَا عَلَى الشَّاطِئِ، وَجَلَسُوا وَجَمَعُوا الْجِيَادَ إِلَى أَوْعِيَةٍ، وَأَمَّا الأَرْدِيَاءُ فَطَرَحُوهَا خَارِجًا. ٤٩هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ الْعَالَمِ: يَخْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَيُفْرِزُونَ الأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ الأَبْرَارِ، ٥٠وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ».
- يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ شَبَكَةً مَطْرُوحَةً فِي الْبَحْرِ: يظهر يسوع أن العالم سيبقى منقسمًا حتى النهاية، ولن تقوم الكنيسة بإصلاح العالم، بدخوله الملكوت.
- هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ الْعَالَمِ: سيكون هناك كل من الأَشْرَارَ والأَبْرَارِ حتى وقت انقضاء العالم (كما هو موضح في المثل السابق للحنطة والزوان). ففي ذلك الوقت ستخرج الملائكة وتساعد الملك في تنفيذ الدينونة، وَيَطْرَحُونَ البعض فِي أَتُونِ النَّارِ كحُكم نهائي.
- “إن الإشارة، كما في الزوان، ليست في المقام الأول إلى كنيسة مُخْتلَطة، ولكن إلى الانقسام بين الجنس البشري بشكل عام، والذي سوف تبرزه الدينونة الأخيرة.” فرانس (France)
د ) الآيات (٥١-٥٢): التلاميذ يدّعون فهمَ أمثال يسوع.
٥١قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَفَهِمْتُمْ هذَا كُلَّهُ؟» فَقَالُوا: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ». ٥٢فَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كُلُّ كَاتِب مُتَعَلِّمٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُدًا وَعُتَقَاءَ».
- فَقَالُوا: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ»: نتساءل عما إذا كان التلاميذ قد فهموا يسوع حقًا هنا. ومع ذلك، لم ينكر يسوع مطالبتهم بالفهم.
- على افتراض أن التلاميذ قد فهموا، فقد كان لديهم ميزة على العديد من بين الجموع. “ترك الجمهور المكان (كما يفعل معظم الناس بعد سماع العظة) دون امتلاكهم للحكمة، فهم لم يفهموا شيئًا مما سمعوه، ولم يهتموا حتى بفهمه.” بوله (Poole)
- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كُلُّ كَاتِب مُتَعَلِّمٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: قال يسوع إن كل من يعرف حقًا كلمة الله سيعرف القديم ويتعلم الجديد في الملكوت. “إنه لا يتعب من القديم؛ ولا يخاف من الجديد.” سبيرجن (Spurgeon)
- كُلُّ كَاتِب: استخدم يسوع المصطلح هنا ببساطة لوصف المُعلم. “لم يكن الكتبة بين اليهود فقط موظَّفين، يعملون في الكتابة، بل كانوا من معلمي الشريعة؛ مثلما كان عزرا (عزرا ٧: ٦).” بوله (Poole).
- الفكرة الرئيسية هي أن التلاميذ – الذين ادعوا للتو فهمَ ما علَّمه يسوع – أصبحوا الآن مسؤولين عن توصيل ما فهموه للآخرين، كما لو كانوا يوزعون من مخزن حكمتهم وفهمهم. ويحتوي هذا المخزن على أشياء جديدة وقديمة (جُدُدٍ وَعُتَقَاءِ).
- “بعد أن تلقيت تعليمك مني، فلديك المعرفة، ليس فقط بالأمور التي كنت تعرفها، ولكن بالأمور التي لم تكن تعرفها من قبل، وحتى المعرفة التي كانت لديك ستشع أكثر بما قلته لك.” باركلي (Barclay)
- “درجة صغيرة من المعرفة ليست كافية لكي يعظ بها الشخص بالإنجيل. فيجب أن تكون الكتب المقدسة كنزه، ويجب أن يفهمها بشكل صحيح. فمعرفته تتكون في الحصول على تعليم جيد في الأمور المتعلقة بملكوت السماوات، وفن جلب الناس إلى الملكوت.” كلارك (Clarke)
- “لا ينبغي أن يكون خُدام الإنجيل مبتدئين (تيموثاوس الأولى ٦:٣) أو ليسوا على دِراية؛ فعلى رجال الله أن يكونوا حاذقين في الكتاب المقدس، وعلى دراية جيدة بكتب العهد القديم والعهد الجديد، ولهم حس تجاهها، رجالًا لديهم مخزون من المعرفة الروحية، قادرين على غَوث المتعبين بكلمة، وقادرين على التفاعل مع القضايا والأسئلة المحددة لرجالٍ ونساءٍ.” بوله (Poole)
رابعًا. رفض آخر: يسوع يُرفَضُ في الناصرة
أ ) الآيات (٥٣-٥٦): فوجئت الناصرة بأن واحدًا منهم قد صار شابًا ويقوم بمثل هذه الأمور المذهلة.
٥٣وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَمْثَالَ انْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ. ٥٤وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا: «مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ ٥٥أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ ٥٦أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟»
- مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟: لأن هؤلاء القرويين كانوا على دراية بيسوع كصبي واعتادوا على أمور غير مثيرة منه، يمكننا أن نستنتج أن يسوع لابد أن يكون قد نشأ صبيًا طبيعيًا جدًا، على عكس القصص الخيالية المذكورة في الكتب المشكوك في صحتها، مثل كِتاب في الإنجليزية بعنوان: “طُفولة يسوع.”
- أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟: لقد طُرِح هذا السؤال بدافع التعصب الجاهل. ومع ذلك، يمكن أن يُسألَ أيضًا عن تقدير عميق لحقيقة أن ابن الله قد اتخذ مثل هذا المكان النبيل المتواضع.
- “يشهد جاستن الشهيد، وهو كاتب عريق، أن مخلصنا قبل دخوله في الخدمة، صنع المحاريث والأنيار وما إلى ذلك. ولكن، ألم يكن ذلك عملًا صادقًا؟” تراب (Trapp)
- “سأل جوليان الجاحِد، كما يُطلقُ عليه، ذات مرة أحد المؤمنين قائلًا: ’ماذا تعتقد أن ابن النجار يفعل الآن؟‘ فكان الجواب السريع: ’يصنع نعوشًا لك ولأعدائه جميعًا.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا: كان لدى يسوع العديد من الإخوة والأخوات. والفكرة الكاثوليكية عن عُذرية مريم الدائمة تتناقض مع المعنى الواضح للكتاب المقدس.
- “نشأت يسوع البسيطة والعادية هي التي سببت الدهشة (راجع يوحنا ٤٢:٦).” فرانس (France)
- “يبدو أن هذا السؤال المُهين يشير إلى أن عائلة ربنا لم تكن معروفة، وأنهم كانوا من ذوي الشهرة اليسيرة بين جيرانهم، باستثناء تقواهم.” كلارك (Clarke)
- يرفع الناس التهمة ذاتها ضد يسوع اليوم، بقولهم: “نرى أولئك المرتبطين به، ويبدو أنهم متواضعين أو عاديين جدًا؛ فيجب أن يكون يسوع أيضًا غير مميز “.
- فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟: لم يكن استقبالهم مُرَحِبًا أو ودودًا. فهم يتحدثون بشك ويشيرون إليه فقط بكلمة “هذا.”
ب) الآيات (٥٧-٥٨): نبي بلا كرامة.
٥٧فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ». ٥٨وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ.
- فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ: عندما نفكر في مدى ارتباط يسوع بالناصرة (انظر متى ٢٣:٢)، فمن المدهش أكثر أن نلاحظ أن أهل الناصرة لم يقدّروا ذلك. فنجاح يسوع ومجده جعلهم أكثر استياءً تجاهه.
- لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ: لدينا غالبًا أفكار خاطئة حول معنى أن يكون الشخص روحانيًا. فنعتقد كثيرًا أن الأشخاص الروحيين سيكونون أكثر غرابة من المعتاد. لذلك، فإن أولئك الأقرب إلى الناس الروحيين حقًا يرون كم هم طبيعيون وأحيانًا يعتقدون أنهم ليسوا روحيين لأنهم طبيعيون.
- وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ: من الرائع حقًا أن يسوع كان، بطريقة ما، محدودًا بسبب عدم إيمانهم. فطالما اختار الله العمل بالتنسيق مع العامل البشري، مطوِرًا قدرتنا على الشراكة معه، فإن عدم إيماننا يمكن أن يعيق عمل الله.
- علّق المُفسر التَطهُري القديم جون تراب (John Trapp) هنا أن عدم الإيمان كان “خطيئة من تلك الطبيعة السامة، وأن هذا السُم ينتقل، كما لو كان، شللًا مميتًا في يد كُلي القُدرة.”