إنجيل متى – الإصحاح ١٦
إعلان من هو يسوع ولماذا جاء
أولًا. تحذيرات ضد الصدوقيين والفريسيين
أ ) الآيات (١-٤): الصدوقيون والفريسيون يطلبون آية من يسوع.
١وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ. ٢فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِذَا كَانَ الْمَسَاءُ قُلْتُمْ: صَحْوٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ. ٣وَفِي الصَّبَاحِ: الْيَوْمَ شِتَاءٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةٍ. يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ! ٤جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ». ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى.
- وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُّوقِيُّونَ: إن عَملهم معًا أظهر خوفًا عميقًا بين القادة الدينيين. فكان الصدوقيون والفريسيون أعداء منذ أمد طويل، وحقيقة أنهم اجتمعوا ضد يسوع تُظهر أنهم يعتبرونه تهديدًا خطيرًا.
- “إنها ظاهرة غير عادية وجود مزيج من الفريسيين والصدوقيين. فقد كانوا يؤيدون كل من المعتقدات والسياسات التي كانت متعارضة بكل ما في الكلمة من معنى.” باركلي (Barclay)
- حفظ الفريسيون الناموس الشفهي والكتابي بأدق تفاصيله؛ أما الصدوقيين فقبلوا فقط الكلمات المكتوبة من الكتب المقدسة العبرية.
- آمن الفريسيون بالملائكة والقيامة، لكن الصدوقيون لم يفعلوا ذلك (وقد استغل بولس هذا الانقسام في أعمال الرسل ٦:٢٣-١٠).
- لم يكن الفريسيون حزبًا سياسيًا وكانوا على استعداد للعيش في ظل أي حكومة تتركهم وشأنهم لممارسة دينهم بالطريقة التي يريدونها؛ لكن الصدوقيين كانوا أرستقراطيون وتعاونوا مع الرومان للحفاظ على ثروتهم وقوتهم.
- كان الفريسيون يبحثون عن المسيا ويتوقون إليه؛ لكن الصدوقيين لم يفعلوا ذلك.
- رغم كل هذه الاختلافات، جمعهم يسوع معًا. ليس بالمعنى الإيجابي، لأنهم اجتمعوا معًا ليقاوموا يسوع، لكنهم اجتمعوا معًا على أية حال.
- “إنها ظاهرة غير عادية وجود مزيج من الفريسيين والصدوقيين. فقد كانوا يؤيدون كل من المعتقدات والسياسات التي كانت متعارضة بكل ما في الكلمة من معنى.” باركلي (Barclay)
- فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ: لقد فعل يسوع آيات كثيرة ومع ذلك بقوا غير مقتنعين. لقد بحثوا عن آيَةً مِنَ السَّمَاءِ مثل استدعاء نارًا من السماء، ويفضل أن تنزل على جيوش الرومانيين. وقالوا إنهم لم يقتنعوا بالآيات التي فعلها يسوع ’ على الأرض.‘
- لقد طُلب من يسوع بالفعل أن يصنع آية في إنجيل متى ٣٨:١٢، وردًا على ذلك، أشار بالفعل إلى آية يونان. ويعتبر التقليد أن الآية التي تصنع على الأرض يمكن أن تكون مزيفة من الشيطان، ولكن الآيات التي مِنَ السَّمَاءِ (الحادثة في السماء أو القادمة منها) هي من الله.
- “المطلب الفوري للقادة اليهود للحصول على آية من السماء يتناقض بشكل حاد مع استجابة الأمم لمعجزات يسوع (متى ٣١:١٥).” فرانس (France)
- يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ: لقد أدان يسوع نفاقهم. فقد شعروا بالثقة بشأن التنبؤ بالطقس من خلال العلامات التي كانوا يرونها من حولهم، لكنهم كانوا عميانًا عن الآيات التي كانت أمام أعينهم والتي تثبت أن يسوع هو المسيا المنتظر.
- “الدليل على أنهم لم يكونوا يستطيعون تمييز ’العلامات‘ هو أنهم كانوا يطلبون آية!” كارسون (Carson)
- لم يكن يسوع هو الشخص الوحيد الذي لاحظ النفاق في زمنه. فقد كان لليهود في زمن يسوع مثل يقول أنه إذا تم تقسيم جميع المنافقين في العالم إلى عشرة أجزاء، فإن أورشليم سوف تحتوي على تسعة من الأجزاء العشرة.
- وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ: قال يسوع هذا عن القادة الدينيين في زمانه فيما يتعلق بعلامات مجيئه الأول. فكانت هناك نبوءات وظروف وأدلة واضحة عن عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ تثبت أن المسيح قد جاء. وكثير من الناس اليوم عُميان تمامًا عن عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فيما يتعلق بالمجيء الثاني ليسوع.
- جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً: تذكرنا هذه العبارة بأن يسوع وحده لا يُغير أحدًا. فمن السهل أن نضع الكثير من الثقة في العلامات والعجائب كأدوات لجلب الناس إلى الإيمان بيسوع.
- المشكلة ليست أن العلامات هي نفسها ضعيفة، ولكن تكمن المشكلة في الجيل الشرير الفاسق الذي يلتمس آية. ويعطي الكتاب المقدس أمثلة متكررة لأولئك الذين رأوا آيات وعجائب، لكنهم لم يؤمنوا.
- وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبي: وعد يسوع بآية من شأنها أن تجعل الناس يؤمنون، ألا وهي قيامته. وقد سبق أن ذكر آيَةَ يُونَانَ النَّبي في متى ٣٩:١٢-٤١، موضحًا أن الآية هي قيامته المُقبلة.
- نتذكر بعض أوجه التشابه بين يونان ويسوع:
- ضحى يونان بنفسه لكي يخلُص الآخرون.
- اختفى يونان عن كل البشر أثناء القيام بذلك.
- تحمل يونان في الأيام التي لم يستطع الناس رؤيته فيها.
- عاد يونان بعد ثلاثة أيام من بين الأموات.
- بشر يونان بالتوبة.
- نتذكر بعض أوجه التشابه بين يونان ويسوع:
ب) الآيات (٥-١٢): يسوع يحذر التلاميذ من التعليم الفاسد.
٥وَلَمَّا جَاءَ تَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعَبْرِ نَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا. ٦وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «انْظُرُوا، وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ». ٧فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: «إِنَّنَا لَمْ نَأْخُذْ خُبْزًا». ٨فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ أَنَّكُمْ لَمْ تَأْخُذُوا خُبْزًا؟ ٩أَحَتَّى الآنَ لاَ تَفْهَمُونَ؟ وَلاَ تَذْكُرُونَ خَمْسَ خُبْزَاتِ الْخَمْسَةِ الآلاَفِ وَكَمْ قُفَّةً أَخَذْتُمْ؟ ١٠وَلاَ سَبْعَ خُبْزَاتِ الأَرْبَعَةِ الآلاَفِ وَكَمْ سَّلًا أَخَذْتُمْ؟ ١١كَيْفَ لاَ تَفْهَمُونَ أَنِّي لَيْسَ عَنِ الْخُبْزِ قُلْتُ لَكُمْ أَنْ تَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ؟» ١٢حِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْخُبْزِ، بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ.
- وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ: بعد الصراع السابق مع القادة الدينيين، أعطى يسوع هذا التحذير لتلاميذه، مستخدمًا استعارة الخَميرة.
- كما ذُكر سابقًا في مثل الخميرة (متى ٣٣:١٣)، تُشبه الخميرة دائمًا صورة الخطيئة والفساد (خاصةً في سرد قصة الفصح في خروج ٨:١٢، ١٥:١٢-٢٠).
- “كانت الخميرة التعبير المجازي بين اليهود عن تأثير ما شرير. فبالنسبة للعقل اليهودي، كانت الخميرة دائمًا رمزًا للشر. ويقصد بها تأثير شرير يمكن أن ينتشر في الحياة ويفسدها.” باركلي (Barclay). “عقيدة خاطئة؛ وهي ما يُسمَّى بالخميرة، لأنها تثور وتنتفخ وتنتشر وتُفسد الكتلة بأكملها، وكل هذا يحدث في الخفاء.” تراب (Trapp)
- «إِنَّنَا لَمْ نَأْخُذْ خُبْزًا»: كان هذا مصدر قلق غريب بعد أن أطعم يسوع، قبل فترة قصيرة جدًا، الحشود التي تجاوزت الخمسة آلاف والأربعة آلاف شخصًا. فلم يفهم التلاميذ يسوع هنا على الإطلاق، ولم يفهموا سبب استخدامه للخميرة كاستعارة.
- “تشبه ذكرياتنا بشكل طبيعي الساعة الرملية، فما إن تعد مليئة بالتعليمات والخبرات الجيدة، حتى تبدأ بالنفاذ مرة أخرى. لذا علينا أن نصلي طالبين من الله أن يضع إصبعه على الثغرة، وبالتالي يجعل ذكرياتنا مثل قدر المن، حافظًا على الحقائق المقدسة في تابوت النفس.” تراب (Trapp)
- حِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْخُبْزِ، بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ: شدد يسوع على أهمية الاحتراس من التعاليم الكاذبة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالنفاق في الخدمة الدينية.
- اتهم يسوع تلاميذه بثلاثة أشياء:
- الجهل، لأنهم لم يفهموا أنه كان يستخدم الأشياء المادية (الخميرة) لتوضيح الأشياء الروحية (التعاليم والممارسات الخطيرة للصدوقيين والفريسيين).
- عدم الإيمان، لأنهم كانوا مهتمين جدًا بإمدادات الخبز، رغم أنهم رأوا يسوع يقدم الخبز بأعجوبة في عدة مناسبات سابقة.
- النسيان، لأنه يبدو أنهم نسوا ما فعله يسوع من قبل فيما يتعلق بتوفير الخبز.
- اتهم يسوع تلاميذه بثلاثة أشياء:
ثانيًا. بطرس يعلن أن يسوع هو المسيح
أ ) الآية (١٣): يسوع يطلب من التلاميذ أن يقولوا له من يقول الآخرون إنه هو.
١٣وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلًا: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟»
- وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ: انسحب يسوع مرة أخرى من منطقة الجليل ذات الأغلبية اليهودية وجاء إلى مكان يسكنه الوثنيون. وكان هذا على الأرجح انعزالًا عن الحشود المُلحة.
- “تقع قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ على بعد حوالي ٤٦ كيلومترًا شمال شرق بحر الجليل. وكان السكان أمميين بشكل أساسي، وهناك كان يسوع سيحظى بالهدوء لتعليم الاثني عشر.” باركلي (Barclay)
- مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟: لم يطرح يسوع هذا السؤال لأنه لم يكن يعرف من هو، أو لأنه كان يعتمد ويتأثر برأي الآخرين. لكنه طرح هذا السؤال كمقدمة لسؤال يَتبعُ، أكثر أهمية.
- كانت قيصرية فيلبُس منطقة مرتبطة بالأصنام والآلهة المتنافسة. “كانت المنطقة مليئة بمعابد البعل القديم. وبجانب قيصرية فيلبُس كانت هناك تلة كبيرة، وفيها كهفٌ عميق، يُعتقد أنه مكان مولد الإله بان، إله الطبيعة. وأيضًا في قيصرية فيلبُس كان هناك معبدًا كبيرًا من الرخام الأبيض مبني للإله قيصر. ويبدو الأمر كما لو أن يسوع وضع نفسه عن قصد أمام خلفية ديانات العالم في كل تاريخها وروعتها، وطالب أن يتم مقارنته بها، ومن ثمَّ إصدار الحُكم لصالحه.” باركلي (Barclay)
ب) الآيات (١٤-١٦): سؤال محدد وإجابة محددة.
١٤فَقَالُوا: «قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». ١٥قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» ١٦فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!».
- قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ: الأشخاص الذين ظنوا أن يسوع هو يُوحَنَّا الْمَعْمَدَان، لم يعرفوا الكثير عنه، ولم يعلموا أن يسوع ويوحنا قد خدموا في الوقت ذاته. ومع ذلك، كان يوحنا وإِيلِيَّا وإِرْمِيَا (إلى جانب الأَنْبِيَاء الآخرين) من الإصلاحيين الوطنيين الذين وقفوا ضد الحكام الفاسدين في زمانهم.
- ظن البعض أن يسوع كان داعيًا للتوبة الوطنية، مثل يُوحَنَّا الْمَعْمَدَان، ويعتقد البعض أن يسوع كان صانعًا مشهورًا للمعجزات، مثل إِيلِيَّا. وظن البعض الآخر أن يسوع هو الشخص الذي تكلم بكلمات الله، مثل إِرْمِيَا والأَنْبِيَاء.
- ربما عند رؤية يسوع في هذه الأدوار، كان الناس يأملون في وجود مسيح سياسي من شأنه إسقاط القوى الفاسدة التي تضطهد إسرائيل.
- كان الاتجاه العام في كل هذه الإجابات هو التقليل من شأن يسوع؛ لإعطائه قدر من الاحترام والشرف، ولكن للإحجام الشديد عن تكريمه لما هو عليه حقًا.
- وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟: من الجيد أن يعرف التلاميذ رأي الآخرين في يسوع. ولكن كان على يسوع أن يسألهم عن إيمانهم به كأفراد.
- هذا هو السؤال المطروح على كل من يسمع بيسوع. ونحن، وليس هو، من سيُحكم علينا من خلال جوابنا. وفي الواقع، نحن نجيب على هذا السؤال كل يوم بما نؤمن به ونفعله. فإذا كنا نعتقد حقًا أن يسوع هو من يقول إنه هو، فسيؤثر ذلك على الطريقة التي نعيش بها.
- “يفترض ربنا أن تلاميذه لن يكون لديهم الأفكار ذاتها التي كانت لدى ’الناس.‘ فهم لن يتّبعوا روح العصر، ولم يصوغون آراءهم من الأشخاص ’المثقفين‘ في تلك الفترة.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!: عرف بطرس رأي الحشد – ورغم أنه كان رأيًا مُجاملًا – لكنه لم يكن دقيقًا. فلقد كان يسوع أعظم بكثير من يوحنا المعمدان أو إيليا أو أي نبي آخر. وكان أكثر من مجرد مُصلح وطني، وأكثر من صانع للمعجزات، وأكثر من نبي. فيسوع هو الْمَسِيح، المسيا المنتظر.
- يمكننا أن نستنتج أن هذا الفهم أدركه بطرس والتلاميذ الآخرون بمرور الوقت. ففي البداية، انجذبوا إلى يسوع كمعلم يهودي رائع وغير عادي. وتبعوه بالكامل كتلاميذ، كما كان يُمارسُ في ذلك اليوم. ولكن مع مرور الوقت، أدرك بطرس، ومن المفترض أن يكون غيره من التلاميذ في هذه المرحلة، أن يسوع لم يكن في الواقع المسيا (الْمَسِيح) فحسب، بل أيضًا ابْنُ اللهِ الْحَيِّ.
- لقد فهم بطرس أن يسوع لم يكن مسيح الله فحسب، بل كان أيضًا الله نفسه. واعتقد اليهود بشكل صحيح أن الحصول على لقب ’ابْنُ اللهِ الْحَيِّ‘ بمعنى فريد من نوعه، كان بمثابة ادعاء للألوهية نفسها.
- “ربما تم إدراج الصفة ’الْحَيّ‘ للفصل بين الإله الواحد الحقيقي عن الآلهة المحلية (كانت قيصرية فيلبُس مركزًا لعبادة الإله بان).” فرانس (France)
ج ) الآيات (١٧-٢٠): يسوع يمدح بطرس لإعلانه الجريء والصحيح.
١٧فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. ١٨وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. ١٩وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ». ٢٠حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ.
- إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: يكشف يسوع لبطرس أنه تحدث بالإلهام الإلهي، حتى لو لم يكن يُدرك هذا الحق في ذلك الوقت. وفي هذا، حصل بطرس على بركة مضاعفة – بركة البصيرة والبركة من يسوع نفسه.
- نتوقع غالبًا أن يتكلم الله بطرق غريبة وغير طبيعية. ولكن تحدث الله هنا من خلال بطرس بشكل طبيعي لدرجة أنه لم يدرك أن الآب الذي في السماء هو الذي كشف الأمر له.
- هذا الأمر يحدثنا أيضًا عن حاجتنا إلى الوحي فيما يتعلق بيسوع. “إذا كنت لا تعرف يسوع أكثر مما أعلنه لك اللحم والدم، فلن تجلب لك هذه البركة أكثر من التخمينات التي حدثت في عصرها إلى الفريسيين والصدوقيين، الذين ظلوا جيلًا فاسقًا وغير مؤمن.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ: لم يكن هذا مجرد الاعتراف باسم بطرس الروماني؛ لكنه كان أيضًا وعدًا بعمل الله في بطرس. فاسم بطرس يعني ’الصخرة.‘ ورغم أنه لم يكن صخرة بعد، لكن الله كان سيعمل على تغيير شخصية بطرس المتطرفة بشكل طبيعي ليصبح شيء صلب ويُعتمد عليه.
- وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي: الكلمات ’هذِهِ الصَّخْرَةِ‘ كانت مصدرًا للكثير من الجدل. فمن الأفضل أن نرى هذه الكلمات تشير إما إلى يسوع نفسه (ربما كان يسوع يشير إلى نفسه عندما قال هذا)، أو تشير إلى اعتراف بطرس بمن هو يسوع.
- لم ير بطرس، في شهادته الخاصة، نفسه على أنه الصخرة التي تأسست عليها الكنيسة. فقد كتب أننا حجارة حية، لكن يسوع هو حجر الزاوية. ويمكننا القول أن بطرس كان ’أول مؤمن‘ وأنه كان ’الصخرة الأولى‘ بين ’العديد من الصخور.‘
- كانت تلك نفس كلمات بطرس في رسالته الأولى ٤:٢-٥ “الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَرًا حَيًّا مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.”
- أَبْني كَنِيسَتِي: هذا هو أول استخدام لكلمة الكنيسة في العهد الجديد (أو الكتاب المقدس)، وذلك باستخدام الكلمة اليونانية القديمة إكليسيا ekklesia. وبصورة ملحوظة، كان هذا قبل بدايات الكنيسة الأولى التي نعتقد أنها بدأت يوم الخمسين في أعمال الرسل ٢.
- هذا يظهر على أن يسوع كان يتوقع أو يتنبأ بما سيفعله هؤلاء التلاميذ/الرسل وأولئك الذين سيؤمنون برسالتهم بأن يسوع هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ.
- الكلمة اليونانية القديمة إكليسيا ekklesia لم تكن في المقام الأول كلمة دينية على الإطلاق. فكانت تعني فقط “مجموعة” أو “مجموعة مدعوة للخارج.” وفي وصف المجموعة اللاحقة من أتباعه وتلاميذه، اختار يسوع عن عمد كلمة دون معنى ديني واضح.
- علاوة على ذلك، كانت عبارة يسوع هذه تصريح واضح بالملكية (كَنِيسَتِي). فالكنيسة مُلْكٌ ليسوع. وكان هذا أيضًا تصريح بالألوهية: “ما يلفت النظر هو جرأة وصف يسوع للكنيسة أنها ’كَنِيسَتِي‘ بدلًا من ’كنيسة الله.‘” فرانس (France)
- إذا نظرنا للأمر في مجمله، فإن الوعد رائع:
- يجمع شعبه معًا: أَبْني.
- يبني على أساس ثابت: وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني.
- يبني شيئا ينتمي إليه: كَنِيسَتِي.
- يبنيها في مَعقل: وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.
- وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا: لقد قدم يسوع أيضًا وعدًا، بأن قوى الموت والظلام لا يمكن أن تسود أو تغزو الكنيسة. وهذا هو وعد ثمين في أوقات الظلام والأوقات المحبطة للكنيسة.
- شرح المعلق التطهُرى جون تراب (John Trapp) الجملة: وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ بهذه الطريقة: “كل قوة وسياسة الجحيم مجتمعة.”
- “لا تدل جهنم هنا على المكان الذي يذهب إليه الأشرار ولا الموت أو القبر أو حالة الموت، فالشيطان يُفهم هنا أيضًا: “ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ” (عبرانيين ١٤:٢).” بوله (Poole).
- “أبواب الجحيم، أي مكائد وقوى العالم الخفي. ففي العصور القديمة، كانت بوابات المدن المحصنة تستخدم لعقد المجالس، وكانت عادة أماكن ذات قوة كبيرة. فتعبير ربنا يعني أنه لن تسود مؤامرات وحيل الشياطين ولا قوة الشيطان وملائكته أو تدمير الحقائق المقدسة في الاعتراف أعلاه.” كلارك (Clarke)
- وجهة نظر مختلفة بعض الشيء: “وهذا يعني إنها لن تموت، ولن تُعيقها أبواب الموت.” فرانس (France)
- وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: فكرة أن بطرس يحمل مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ قد استحوذت على خيال (ولاهوت) العديد من المسيحيين على مر القرون. ففي الفن مثلًا، غالبًا ما يظهر بطرس مع مَفَاتِيح.
- يعتقد بعض الناس أن هذا يعني أن بطرس لديه الصلاحية لقبول الناس في السماء أو لإبعاد الناس عن السماء. وهذا هو الأساس لصورة بطرس الشهيرة وهو يقف على أبواب السماء اللؤلؤية، سامحًا للناس بدخول السماء أو إبعادهم.
- يعتقد بعض الناس أن هذا يعني أيضًا أن بطرس كان البابا الأول، وأن خلفائه المفترضين لديهم المفاتيح التي أعطيت لبطرس أولًا. وفي الواقع، تتكون الشارة البابوية للكنيسة الكاثوليكية من مفتاحين بارزين متشابكين.
- لا شك أن بطرس كان له مكانة خاصة بين جميع التلاميذ، وأنه تمتع ببعض الامتيازات الخاصة:
- يذكر دائمًا أولًا في قوائم التلاميذ.
- فتح أبواب الملكوت لليهود في أعمال الرسل ٣٨:٢-٣٩.
- فتح أبواب الملكوت أمام الأمم في أعمال الرسل ٣٤:١٠-٤٤.
- ومع ذلك، لا يوجد أي حجة كتابية بأن امتياز أو سلطة بطرس قد تم تمريرها. وبعبارة أخرى، قد يقول المرء أن يسوع أعطى بطرس المفاتيح، لكنه لم يمنحه سلطة نقلها إلى أجيال أخرى، وليس هناك حتى تلميح في الكتاب المقدس بأن سلطة بطرس كانت لتُنقَل.
- فكرة أن السلطة الرسولية تأتي من يسوع، الذي أعطاها لبطرس، الذي وضع يديه على رؤوس الرجال المعتمدين والمرسومين، الذين وضعوا أيديهم بدورهم على رؤوس الرجال المعتمدين والمرسومين، وهلم جرًا وهكذا من خلال الأجيال حتى اليوم، هي هراء. وهذا هو بالضبط ما قاله سبيرجن (Spurgeon): وضع أيدي فارغة على رؤوس فارغة.
- فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ: إن قوة الربط والحَل هي شيء استخدمه معلمي اليهود في ذلك اليوم. فقد كانوا يربطون الفرد أو يحلوه في تطبيق نقطة معينة من الشريعة. فقد وعد يسوع أن يكون بطرس، وغيره من الرسل، قادرين على تحديد الحدود بشكل رسمي لمجتمع العهد الجديد. وكانت هذه هي السلطة الممنوحة للرسل والأنبياء لبناء أساس الكنيسة (أفسس ٢٠:٢).
- يُعطي يسوع هنا الإذن والسلطة لأجيال الرسل الأولى لوضع قواعد للكنيسة الأولى، وبشكل غير مباشر، الكتابات الموح بها التي ستقود جميع أجيال المؤمنين. فالسلطة التي يحملها بطرس “ليست سلطة يحملها بمفرده، كما يتضح من تكرار الجزء الأخير من الآية في إنجيل متى ١٨:١٨ مع الإشارة إلى مجموعة التلاميذ ككل.” فرانس (France)
- كانت كلمة ’الربط‘ و’الحَل‘ من المصطلحات الإدارية في الحياة اليومية اليهودية؛ فكلما قاوم يهودي قانون موسى، كان ذلك الشخص اليهودي إما ’مربوطًا‘ أو ’محلولًا‘ فيما يتعلق بهذا القانون. ’فالحل‘ هو السماح، و’الربط‘ هو المنع. أن تحل كان أن تحرر من القانون، وأن تربط كان أن تضع الفرد تحت القانون. “فهم كل يهودي جيدًا معنى الربط أو الحل. فربط الشيء كان الإعلان أنه ممنوع؛ وحل شيء كان الإعلان أنه مسموح به. فهذه هي العبارات القانونية العادية عند اتخاذ القرارات.” باركلي (Barclay)
- في الحياة اليومية اليهودية، قد يكون هذا معقدًا إلى حد ما. وفيما يلي مثال واحد من الكتابات اليهودية القديمة، التي استشهد بها المعلم مايك روس (Mike Russ):
- إذا مات الكلب في منزلك، فهل منزلك طاهر أم نجس؟ الإجابة: نجس.
- إذا مات الكلب خارج منزلك، فهل منزلك طاهر أم نجس؟ الإجابة: طاهر.
- إذا مات كلبك على عتبة الباب، هل منزلك طاهر أم نجس؟ أثارت الكتابات اليهودية القديمة القضية وقررت أنه إذا مات الكلب مع أنفه يشير إلى المنزل، كان المنزل نجسًا؛ أما إذا مات الكلب وأنفه يشير بعيدًا عن المنزل، كان المنزل طاهرًا.
- بصفته معلمهم، قام يسوع بهذا الربط والحَل لتلاميذه. ودون استخدام الكلمات ذاتها، هذا ما فعله يسوع عندما سمح لهم بأخذ حبوب القمح في الحقل (متى ١:١٢-٨).
- بشكل كبير، عندما حان الوقت لفهم القوانين المتعلقة بالطعام في العهد القديم في ضوء عمل يسوع الجديد، تكلم الله مع بطرس أولًا. هو وغيره من الرسل، بقيادة روح الله، كانوا يربطون أو يحلون المؤمنين فيما يتعلق بمثل هذه الأمور من العهد القديم.
- بمعنى أقل وثانوي، هذه السلطة هي للكنيسة اليوم. “اليوم، يستمر الرب في دعم تعاليم وأفعال الخدام المرسلين، أولئك الذين كانوا كبطرس الخارجين من الصخرة الواحدة. فالأحكام التي تصدرها كنيسته، عندما تصدرها بحق، سيصادق عليها حتى تصبح سارية المفعول. وسيؤيد الله كلام عبيده المرسلين، الذين يتحدثون باسمه، ولن يكون كلامهم، وعد أو تهديد، مجرد خطاب بلاغي.” سبيرجن (Spurgeon)
- حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ: لقد كان يسوع سعيدًا لأن تلاميذه أصبحوا يعرفون من كان هو في الحقيقة، لكنه لا يزال لا يريد أن يعلن عن هويته للجميع قبل الوقت المناسب.
- “قبل أن يتمكنوا من الوعظ بأن يسوع هو المسيح، كان عليهم أن يتعلموا ماذا يعني ذلك.” باركلي (Barclay)
د ) الآية (٢١): يبدأ يسوع في الكشف عن حجم إرساليته.
٢١مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ.
- يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا… وَيُقْتَلَ: بالتأكيد كان هذا بمثابة صدمة لتلاميذه. فبعد أن فهموا تمامًا أن يسوع هو المسيح، فإن آخر شيء توقعوه هو أن المسيح وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا… وَيُقْتَلَ.
- مع ذلك كان هذا هو العمل المتوقع للمسيح (إشعياء ٣:٥٣-١٢). يَنْبَغِي أن يموت، ويَنْبَغِي أن يقوم بعد موته في اليوم الثالث.
- كانت معاناة وموت يسوع حتمية بسبب حقيقتين عظيمتين: خطيئة الإنسان ومحبة الله. ففي حين أن موته كان المثال المُطلق لخطيئة الإنسان ضد الله، إلا أنه كان أيضًا التعبير الأسمى عن محبة الله للإنسان.
- “إن معاناة يسوع تكمن، ليس في حتمية غير مؤكدة، ولا في تصميم بطولي (على الرغم من أن بعض منهما حاضر)، ولكن في استعداد خاضع لإرادة أبيه.” كارسون (Carson)
- “كان كبار السن وكبار الكهنة والكتبة هم المجموعات الثلاثة التي شكلت معًا المحكمة العليا في إسرائيل، والذين حكموا بأن يسوع يجب أن يعدم رسميًا. وبالتالي فإن الخلاف بين يسوع والقيادة اليهودية الرسمية لا رجعة عنها بالفعل.” فرانس (France)
- وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ: لم يستوعب التلاميذ كلام يسوع عن موته في أورشليم. ولكن في وقت لاحق، ذكرهم ملاك بهذه الكلمات (لوقا ٦:٢٤-٨).
هـ) الآيات (٢٢-٢٣): معارضة بطرس غير المقصود ليسوع.
٢٢فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلًا: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!» ٢٣فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».
- حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!: في هذه اللحظة، كان لبطرس الجرأة في انتهار يسوع. لقد فعل بطرس ذلك على انفراد (فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ)، ولكنه كان واثقًا بما يكفي ليخبر يسوع أنه كان مخطئًا في الذهاب إلى أورشليم ليتم قتله.
- ليس من الصعب رؤية بطرس يتبع هذه الخطوات:
- يعترف بطرس بأن يسوع هو المسيح.
- يمدح يسوعُ بطرس، ويخبره أن الله كشف له هذا.
- يخبرُ يسوعُ عن آلامه الوشيكة وموته وقيامته.
- يشعر بطرس أن هذا ليس صحيحًا، ويشعر أنه يسمع من الله وبالتالي لديه بعض السلطة أو الحق في الكلام.
- يبدأ بطرس في توبيخ يسوع. “تشير كلمة ’بدأ‘ إلى أن بطرس لم يتوقف إلا بعد أن قاطعه يسوع.” كارسون (Carson)
- يمكننا أن نستنتج أنه إذا كان بطرس جريئًا بما فيه الكفاية لينتهر يسوع، فهذا يعني أنه كان واثقًا من أن الله أخبره أنه محق وأن يسوع كان مخطئًا في هذه المرحلة. ولكن مع الوقت سنعرف أن بطرس كان واثقًا جدًا في قدرته على سماع صوت الله.
- ما قاله بطرس لم يتماشَ مع الكتب المقدسة.
- ما قاله بطرس كان يتناقض مع السلطة الروحية فوقه.
- ليس من الصعب رؤية بطرس يتبع هذه الخطوات:
- اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ!: كان هذا توبيخًا قويًا من يسوع، ولكنه مناسب تمامًا. فعلى الرغم من أن بطرس تكلم كرسول الله قبل لحظة، لكنه تكلم الآن كرسول للشيطان. علم يسوع أن هناك غرضًا شيطانيًا في تثبيطه عن عمله على الصليب، ولكنه لن يسمح يسوع لهذا الغرض بالنجاح.
- يمكننا أن نكون على يقين من أن بطرس لم يكن يعلم أنه تكلم بالنيابة عن الشيطان، فلم يكن يدرك قبل لحظة أنه تكلم بالنيابة عن الله. غالبًا ما نكون أداة الله أو الشيطان أسهل بكثير مما نريد أن نصدقه.
- “اقترح اوريجانوس أن يسوع كان ليقول لبطرس: ’يا بطرس، مكانك ورائي، وليس أمامي. عليك أن تتبعني بالطريقة التي أختارها، وليس لمحاولة قيادتي بالطريقة التي تريدني أن أذهب بمقتضاها.‘” باركلي (Barclay)
- لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ: كشف يسوع كيف دخل بطرس إلى طريقة التفكير الشيطانية هذه. لم يتخذ خيارًا متعمدًا لرفض الله واحتضان فكر الشيطان؛ لقد ترك ببساطة عقله يستقر على أمور البشر بدلًا من أمور الله، فاستغل الشيطان هذا.
- يعد بطرس مثالًا نموذجيًا على كيف أن القلب الصادق المقترن بالتفكير البشري يمكن أن يؤدي غالبًا إلى كارثة.
- إن توبيخ بطرس ليسوع هو دليل على الخميرة المذكورة في إنجيل متى ٦:١٦. ففي تفكيره في أمور الناس، رأى بطرس المسيا كتجسيد للقوة والقدرة فقط، بدلًا من الخادم المتألم. ولأن بطرس لم يستطع التعامل مع مسيح متألم، أنتهر يسوع.
ثالثًا. دعوة يسوع للتلاميذ
أ ) الآية (٢٤): يسوع يعلن عن توقعه أن يتبعه أتباعه من خلال الموت عن الذات.
٢٤حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي.
- حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي: كانت هذه كلمة تحدث يسوع بها إلى تلاميذه؛ لأولئك الذين يريدون حقًا أن يتبعوه (يَأْتِيَ وَرَائِي).
- فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي: كان سيئًا بما فيه الكفاية أن يسمع التلاميذ أن يسوع سيتألم، ويُرْفض ويموت على الصليب. الآن أخبرهم يسوع أنه يجب عليهم فعل الشيء نفسه.
- فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي: كان الجميع يعرفون ما يعنيه يسوع عندما قال هذا. فعرف الجميع أن الصليب كان أداة للموت لا هوادة فيها. الصليب ليس لديه أي غرض آخر.
- الصليب لم يكن يخُص الاحتفالات الدينية. لم يخص التقاليد والمشاعر الروحية. كان الصليب وسيلة لإعدام الناس.
- في هذه القرون العشرين بعد يسوع، قمنا بعمل جيد في تجميل الصليب وصبغه بالطقسية. ومع ذلك، قال يسوع شيئًا كهذا كثيرًا: “امشي في طريق الموت يوميًا واتبعني.” فالصليب لم يكن رحلة عادية، بل رحلة باتجاه واحد، فلم يكن هناك تذاكر عودة. لم تكن رحلة ذهابًا وإيابًا.
- “لا يشير حمل الصليب إلى بعض الانزعاج في الحياة. بدلًا من ذلك، فإنه ينطوي على طريق الآلام. والصورة هنا تعكس إنسان، مُدان بالفعل، مُلزم بحمل صليبه إلى مكان الإعدام، كما فعل يسوع. ” ويزييل (Wessel) في تفسيره لإنجيل مرقس.
- قال لوثر (Luther): “يجب أن يكون كل مؤمن حاملًا للصليب، ويفعل شيئًا أكثر من الرهبان الذين جعلوا لأنفسهم صلبانًا خشبية، وحملوها على ظهورهم باستمرار، وجعلوا العالم يضحك عليهم.” تراب (Trapp) في تفسيره لإنجيل مرقس
- فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي: جعل يسوع انكار النفس على قدم المساواة مع حمل الصليب. فيعبر الاثنان عن الفكرة ذاتها. لم يكن الصليب يدور حول تعزيز الذات أو تأكيد الذات. كان الشخص الذي يحمل الصليب يعرف أنه لا يستطيع إنقاذ نفسه.
- إن نُكران الذات ليس هو نفسه إنكار الذات. إننا نمارس إنكار الذات عندما نتخلى أحيانًا عن أشياء أو أنشطة، لغرض جيد. لكننا ننكر ذواتنا عندما نستسلم للمسيح ونقرر أن نطيع إرادته.” ويرزبي (Wiersbe) في تفسيره لإنجيل مرقس
- إن نُكران الذات يعني العيش كشخص محوره الآخر. كان يسوع هو الشخص الوحيد الذي قام بهذا على أكمل وجه، لكننا يجب أن نتبع خطواته (وَيَتْبَعْنِي). وهذه هي تبعية يسوع في أبسط صورها: لقد حمل صليبًا ومشى في طريق الموت. وهكذا يجب على أولئك الذين يتبعونه أن يفعلوا.
- الطبيعة البشرية تريد أن تنغمس في النفس، لا تنكر النفس. الموت عن النفس أمر فظيع دائمًا، وإذا كنا نتوقع أن تكون تجربة ممتعة أو معتدلة، فغالبًا ما سنُصاب بخيبة أمل. الموت عن النفس هو العيش بتكريس كامل للرب. وحمل الصليب يعني شيئًا واحدًا: أنك في طريقك إلى الموت، وأملك الوحيد هو في قوة القيامة.
ب) الآيات (٢٥-٢٧): مفارقة الصليب: الحصول على الحياة بفقدانها.
٢٥فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. ٢٦لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ ٢٧فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ.
- فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا: يجب أن نتبع يسوع بهذه الطريقة، لأنها الطريقة الوحيدة التي سنجد بها الحياة. يبدو غريبًا أن تقول: “لن تعيش أبدًا حتى تمشي أولًا حتى الموت مع يسوع،” لكن هذه هي الفكرة. لا يمكنك كسب حياة القيامة دون أن تموت أولًا.
- لا تفقد بذرة عندما تزرعها، على الرغم من أنها تبدو ميتة ومدفونة. وبدلًا من ذلك، أنت تحرر البذرة لتصبح المقصودَ منها دائمًا أن تكونه.
- لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟: تجنُب المشي حتى الموت مع يسوع يعني أننا قد نكسب الْعَالَمَ كُلَّه، ومن ثَّم ينتهي بنا الأمر إلى خسارة كل شيء.
- كان لدى يسوع نفسه الفرصة لكسب العالم كله من خلال عبادة الشيطان (لوقا ٥:٤-٨)، لكنه وجد الحياة والنصر في الطاعة بدلًا من ذلك.
- من المثير للدهشة أن الأشخاص الذين يعيشون بهذه الطريقة مع يسوع هم الأشخاص السعداء حقًا. فتسليم حياتنا ليسوع على طول الطريق، والعيش كشخص محوره الآخرين لا يُفقدنا حياتنا، بل إنه يضيف إليها.
- وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ: يتم منح هذا المكسب النهائي في هذا اليوم. فإذا عشنا الحياة عُميانًا عن هذه الحقيقة، فسوف نخسر نفوسنا حقًا.
- “علينا أن نحمل الصليب ونتبع يسوع ليس لأن يسوع كان مثالًا لنا فحسب، ولكن أيضًا بسبب دينونته في النهاية.” كارسون (Carson)
- مع ملائكته: “هم ملائكته: إنه يقف فوقهم لدرجة أنه يملكهم ويستخدمهم.” كارسون (Carson)
ج ) الآية (٢٨): وعد برؤية ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ.
٢٨اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ.
- إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ: قال يسوع هذا في هذه اللحظة للتأكيد على حقيقة مهمة. فالسير مع يسوع لا يعني مجرد حياة الموت والصليب، بل يعني أيضًا حياة قوة ومجد ملكوت الله. وقد وعد يسوع أن يرى بعض تلاميذه لمحة عن تلك القوة والمجد.