إنجيل متى – الإصحاح ١٨
صفات وسلوكيات مواطني الملكوت
بين المجتمع الانفصالي في قمران – أولئك الذين حافظوا على مخطوطات البحر الميت، التي اكتشفت لاحقًا في القرن العشرين – كان هناك “دليل التلمذة” (المعروف باسم (1QS) من قبل العلماء). ويعتقد بعض الناس أن إنجيل متى الإصحاح ١٨ هو نسخة مبكرة كنسيّة من هذا الدليل. ومع ذلك، هناك فرق كبير بين متى ١٨ وما كان في جوهر قمران. فقد تعامل دليلهم مع العديد من القواعد المحددة؛ أما هنا فيتعامل يسوع مع المبادئ والمواقف التي يجب أن تميز لقاءات شعبه.
أولًا. قلب كالطفل ورعاية أبناء الله الصغار
أ ) الآية (١): التلاميذ يطرحون سؤالًا.
١فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: «فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟»
- فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ: كان التلاميذ في كثير من الأحيان قلقين بشأن مسألة العظمة. ويبدو أنهم يسألون هذا السؤال معتقدين أن يسوع قد اختار أحدهم بالفعل كالأعظم، أو كما لو أرادوا أن يقرر يسوع بينهم.
- يمكننا أن نتخيل أن التلاميذ يتجادلون فيما بينهم حول أيهم كان أعظم (كما فعلوا في لوقا ٤٦:٢٢ ومواضع أخرى)، ثم يقولون “دعنا نترك يسوع يسوي هذا الأمر.”
- “لقد تحدث هو عن كيف سيحتقرونه، في حين فكروا هم في تقدمهم؛ وحدث ذلك ’في الوقت ذاته.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: أراد التلاميذ معرفة من سيشغل أعلى منصب في الإدارة التي سيؤسسها يسوع قريبًا.
- “لقد تخيّلوا بلا شك مملكةً مؤقتةً للمسيح، تُمنح فيها مناصب.” بوله (Poole). “لقد حلموا بتوزيع المناصب والدرجات الشرفية والمملكة العالمية، مثلما يحدث في الممالك الأرضية.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٢-٤): يسوع يقيم طفلًا كمثال على التواضع.
٢فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ ٣وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. ٤فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.
- فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا: ربما كان يسوع ليجيب عن السؤال “من هو الأعظم؟” بالإشارة إلى نفسه. ولكن بدلًا من ذلك، لفت يسوع انتباههم إلى طبيعته من خلال جعلهم ينظرون إلى ولد كمثال.
- حقيقة أن الولد جاء عندما دعاه يسوع يشير إلى شي في يسوع. لقد كان نوع الإنسان الذي يأتي إليه الأطفال عن طيب خاطر.
- كما يخبرنا شيئًا عن بطرس؛ فإذا كان بطرس يُعتبر حقًا البابا الأول بالطريقة التي يعتبر بها الباباوات في الكنيسة الكاثوليكية، فكان يسوع ليعلن أن بطرس كان الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.
- “هناك تقليد مفاده أن ذلك الطفل صار فيما بعد أغناطيوس من أنطاكية، الذي أصبح لاحقًا خادمًا عظيمًا للكنيسة وكاتبًا عظيمًا وأخيرًا شهيدًا للمسيح.” باركلي (Barclay). ويشير كلارك (Clarke) إلى أن هذا التقليد مصدره الكاتب المسيحي نيسفوروس، الذي يقول إن أغناطيوس قُتل على يد تراجان في عام ١٠٧م. ومع ذلك، كتب كلارك أيضًا عن نيسفوروس: “إنه لا يجب التعويل عليه كثيرًا، فهو ضعيف وساذج.”
- إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ: ربما كانت هذه خيبة أمل كبيرة للتلاميذ. فكان الأطفال في ذلك الزمان يعتبرون ممتلكات أكثر منهم أفرادًا. وكان معروفًا أنهم ينفعون للنظر فقط، لا للسمع. قال يسوع إنه يتعين علينا أن نأخذ هذا النوع من الموضع المتواضع لدخول الملكوت، حتى نستطيع أن نكون الأَعْظَم في الملكوت.
- “كان الطفل شخصًا لا أهمية له في المجتمع اليهودي، خاضعًا لسلطة الكبار، ولم يُؤخذ على محمل الجد إلا كمسؤولية، وكشخص يجب الاعتناء به، وليس شخصًا معتبرًا.” فرانس (France)
- الأطفال لا يهدِدون؛ فنحن لا نخاف من مقابلة طفل عمره خمس سنوات في زقاق مظلم. فعندما يكون حضورنا قاسٍ ومخيف، فإننا لسنا مثل يسوع.
- الأطفال لا يُجيدون الخداع؛ فهم فاشلون جدًا في خداع والديهم. فعندما نكون جيدين في إخفاء أنفسنا وخداع الآخرين، فإننا لسنا مثل يسوع.
- “يُعتبر الطفل مثاليًا، ليس من جهة البراءة أو الطهارة أو الإيمان، ولكن من جهة الاتضاع وعدم الاهتمام بالوضع الاجتماعي.” كارسون (Carson)
- لقد علِمَ يسوعُ أنه يجب علينا أن نرجع ونصير مثل الأطفال الصغار، فليس من طبيعتنا أن نكون متواضعين.
- فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: ثم عالج يسوع قضية العظمة. عندما نأخذ مكانة الطفل في تلك الثقافة، فإننا في طريقنا إلى العظمة في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.
- “لا يشير التواضع نفسه إلى الزهد التعسفي أو الاتضاع الخاطئ الزائف، ولكن إلى قبول موقف أدنى (كما فعل يسوع في فيلبي ٨:٢، حيث استخدام العبارة ذاتها).” فرانس (France)
- “الأطفال لا يحاولون أن يكونوا متواضعين، لكنهم كذلك بالفعل؛ والشيء نفسه ينطبق على الأشخاص المهذبين واللبقين حقًا. فتقليد التواضع مرض، أما الحقيقة فجذابة.” سبيرجن (Spurgeon)
- نحن نعلم أن إنسانًا واحدًا هو الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، يسوع المسيح. وهذا يعني أن يسوع نفسه كان متواضعًا مثل طفل صغير. فلم يكن مهتمًا بوضعه، ولم يكن يهتم بأن يكون مركز الاهتمام، ولم يستطع الخداع ولم يكن له حضور مخيف.
ج ) الآيات (٥-٦): ويل لمن يعثر أحد هؤلاء.
٥وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحِدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي. ٦وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ.
- وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحِدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي: بما أن طبيعة يسوع تشبه أحد هؤلاء الأطفال الصغار، فإن الطريقة التي نتعامل بها مع أولئك المتواضعين كالأطفال تظهر طريقة تفكيرنا في طبيعة يسوع.
- “إنهم غير مرحب بهم لأنهم عظماء أو حكماء أو أقوياء، ولكن لأنهم يأتون باسم يسوع؛ أي لأنهم ينتمون إليه.” كارسون (Carson). “الحقيقة الأساسية في التحول الذي يعمله المسيح هي أنه يحول العظماء إلى أطفالٍ صغار.” مورجان (Morgan)
- من السهل حقًا احتقار المتواضع. فهم الخاسرون؛ النوع الذي يبدو للناس أنهم لن ينجحوا أبدًا في عالمنا التنافسي والعدواني. ولكن عندما نحتقر الناس المتواضعين، فإننا نحتقر يسوع أيضًا.
- وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي: يأخذ يسوع موضوع عثرة الصِّغَارِ على محمل الجد. فكلمة ’الصِّغَارِ‘ لا تعني الأطفال فقط، ولكن أولئك الذين يتواضعون كأطفال بالطريقة التي وصفها يسوع.
- إنه أمر شرير أن تخطئ، ومن الشرير أن تقود الآخرين إلى الخطيئة. ولكن قيادة أحد صغار يسوع إلى الخطيئة أمر أسوأ بكثير، لأنك تقود شخصًا ما في حالة أو نمط من الخطيئة، يفسد جُل براءته.
- فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ: يتم وصف عقوبة قاسية هنا. سيكون خَيْرٌ للشخص الذي يعثر أبناء الله الصغار الحصول على عقوبة حجر الرحى هذه.
- كان من المؤكد أن مصير الحجر، وأي شخص متصل به، هو الغرق وعدم الخروج من الماء ثانية. وكان هذا بمثابة حجر كبير. “معظم الأحجار كانت أدوات يدوية للاستخدام المنزلي، ولكنه هنا يشير إلى الحجر الثقيل الذي يجره حمار.” كارسون (Carson)
- “في أعماق البحر.” بروس (Bruce) “علاوة على ذلك، فإن صورة الغرق ذاتها كانت له وقعها المُفزع لليهودي. فكان الغرق في بعض الأحيان عقوبة رومانية، لكنها لم تكن يهودية.” باركلي (Barclay)
د ) الآية (٧): العثرات أمر لا مفر منه، ولكن لا يجب أن يكون لنا أي دور فيها.
٧وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!
- وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ!: الصرخة الأولى على عالم يتعرض لخطر الجرائم. والصرخة الثانية هي تحذير للذي يجلب الشر أو يقدمه للآخرين.
- “لقد أمر الله بذلك بحكمة تدبيره، حتى لا يكبح شهوات قلوب جميع البشر، بل يترك الحرية للبعض للمشي في طرقهم الخاصة.” بوله (Poole)
- وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!: نحن نعيش في عالم ساقط، ومن المحتم أن تأتي الْعَثْرَة والأذى والخطية. ومع ذلك، فإن الشخص الذي تأتي من خلاله الْعَثْرَة هو مذنب أمام الله، وليس له عذر.
- هذا يعلمنا أنه يمكننا التخلي عن الغضب والمرارة لما فعله الناس ضدنا. فقد وعد الله أن يتعامل مع الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ.
- إذا وعد الله بالتعامل مع أولئك الذين يعثرون خاصته، فهذا يدل على أنه يدافع عن خاصته ويحميهم. وهذا يعلمنا أنه في يسوع المسيح، لا يمكن لأي شخص آخر أن يدمر حياتنا. فإذا تسببوا في الإساءة إلى حياتنا، فسيتعامل الله معهم، ولكنه لن يتخلى عنا الآن أو في الأبدية.
هـ) الآيات (٨-٩): في ضوء الحكم الذي ينتظر أولئك الذين يتسببون في العثرات، يجدر بنا التضحية في المعركة ضد الخطيئة.
٨فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. ٩وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ.
- فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ: بعض الناس يمتنعون فقط عن الخطيئة عندما يكون من السهل أو المريح القيام بذلك. ولكن يحذرنا يسوع من أننا يجب أن نكون مستعدين للتضحية أثناء مقاومة الخطيئة، لأنه لا يوجد شيء أسوأ من مواجهة غضب الله البار. فمن الأفضل التضحية في المعركة ضد الخطيئة الآن بدلًا من مواجهة عقوبة الأبدية لاحقًا.
- وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ: هناك مشاكل كبيرة في أخذ هذه الكلمات كتعليمات حرفية بدلًا من فهمها كاتجاه للقلب. فالمشكلة ليست فقط من الأذى الجسدي الذي يمكن أن يحدثه المرء بنفسه، ولكن في أن التشويه الجسدي لن يكون كافيًا في السيطرة على الخطيئة. فنحن بحاجة إلى أن نتحول ونتغير من الداخل إلى الخارج.
- إذا قطعت يدي اليمنى، فلا يزال بإمكاني الخطيئة باليُسرى. وإذا قلعت عيني اليسرى، فإن عيني اليمنى لا تزال تخطئ، وإذا ذهبت كل تلك الأعضاء، فلا يزال بإمكاني الخطيئة في قلبي وعقلي. لهذا يدعونا الله إلى تغيير جذري يفوق أي تشويه جسدي يمكن معالجته.
و ) الآية (١٠): إشارة أخرى إلى مسؤوليتنا في حماية أبناء الله الصِّغَارِ.
١٠«اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
- لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ: نظرًا لأن اهتمام الله وعينه دائمًا على صغاره، فنحن نحسن التصرف عندما نعاملهم بكل محبة واحترام. فالله يحمي المتواضع.
- إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ: غالبًا ما يؤخذ هذا كسند كتابي لمفهوم “الملائكة الحارسة.” وبالتأكيد لدينا ملائكة تراقبنا وتخدمنا (عبرانيين ١٤:١)، ولكن ليست هناك حاجة إلى حصرها في “ملاك واحد حارس.”
ز ) الآيات (١١-١٤): يجب أن يشارك التلاميذ قلبَ يسوع ورعايته للأفراد.
١١لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ. ١٢مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟ ١٣وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ. ١٤هكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ.
- أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟: توضح هذه القصة القيمة التي يضعها الله على الأفراد، ويحضنا يسوع لنعكس الاهتمام ذاته.
- هذا المثل مشابه، لكنه يختلف عن مثل الخروف المفقود المسجل في إنجيل لوقا ٣:١٥-٧. “تشير الأدلة إلى أن هذين المثلين متشابهين، فيسوع علم كليهما، ولكن بأهداف مختلفة تمامًا.” كارسون (Carson)
- هنا، أكد يسوع على المحبة والرعاية التي يجب أن نتمتع بها نحو الجميع في المجتمع المسيحي. “التجربة الأولى هي احتقار واحد، لأنه واحد فقط؛ والثانية هي احتقار واحد، لأن هذا الواحد صغير جدًا؛ الثانية، ربما تعتبر أخطر أشكال التجارب، لأنها تتمثل في احتقار واحد قد ضل.” سبيرجن (Spurgeon)
- الضَّالَّ: “آهٍ، كيف يجب علينا أن نحب الخطاة، لأن يسوع أحبنا، ومات من أجلنا بينما كنا خطاة! يجب أن نهتم بالسكارى أثناء تشبثهم بالخمر؛ وبالحالفين حتى عندما نسمعهم يحلفون. ويجب ألا ننتظر حتى نرى شيئًا أفضل فيهم، بل نشعر باهتمام كبير بهم كما هم، كل الضالين والضائعين.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَفْرَحُ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ: كان الراعي سعيدًا عندما وجد الخروف. لم يكن غاضبًا أو شاعرًا بالمرارة بسبب عمله الشاق أو الوقت الضائع، بل كان فرحه يفيض.
- يشير باركلي (Barclay) إلى أن هذا المثل يوضح لنا جوهر محبة الله، كونه مثل الراعي الذى يقدم الرعاية لخرافه الضائعة.
- إنها المحبة الفردية.
- إنها المحبة الصبورة.
- إنها المحبة الساعية.
- إنها المحبة المبتهجة.
- إنها المحبة الحامية.
- يشير باركلي (Barclay) إلى أن هذا المثل يوضح لنا جوهر محبة الله، كونه مثل الراعي الذى يقدم الرعاية لخرافه الضائعة.
- هكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ: يأخذ البعض هذا كضمان لخلاص الأطفال قبل وصولهم سن المسؤولية. لكن هذا مؤكد فقط مع أبناء المؤمنين (كورنثوس الأولى ١٤:٧). أما بالنسبة للباقي، يجب أن نثق برحمة الله ومعرفة أن قاضي كل الأرض سوف يحكم بشكل صائب (تكوين ٢٥:١٨).
ثانيًا. التعامل مع الخطيئة في مجتمع الملكوت
أ ) الآية (١٥): إذا أخطأ إليك أحد، فَاذْهَب وواجهه مباشرةً.
١٥وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ.
- فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا: من الضروري أن نذهب إلى الأخ المخالف أولًا، وعدم الثرثرة مع الآخرين، خاصة تحت ستار مشاركة طلبة صلاة أو طلب مشورة. بدلًا من ذلك، تحدث إلى الشخص مباشرةً.
- سيكون من الخطأ لأي شخص أن يأخذ كلمة يسوع هنا كوصية لمواجهة أخيك بكل خطيئة يرتكبها ضدك. فيقول الكتاب المقدس أنه يجب علينا أن نحتمل بعضنا ونصبر على بعضنا البعض. ومع ذلك، من الواضح أن هناك بعض الامور التي لا يمكننا أن نعانيها طويلًا ويجب معالجتها.
- يمكننا القول أن يسوع يعطيك خيارين عندما يخطئ أخوك ضدك. فيمكنك الذهاب إليه مباشرة والتعامل معه أو يمكنك نسيان الأمر تطبيقًا لوصية أن نحتمل بعضنا البعض ونصبر على بعضنا البعض. أما الخيارات الأخرى مثل التمسك بالمرارة، والانتقام، والنميمة مع الآخرين حول المشكلة، فهي غير مسموح بها.
- “يجب ألا نكبت التعدي على ممتلكاتنا في داخلنا، ولا يجوز أن نذهب وننشر الأمر في الخارج. يجب علينا أن نبحث عن الجاني، ونخبره بخطأه كما لو أنه لم يكن يُدركه؛ فربما هو غير مدرك للأمر.” سبيرجن (Spurgeon)
- إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ: لقد ربحته بطريقتين. أولًا، حُلت المشكلة. ربما أدركت أنه كان على حق في بعض النواحي وهو أدرك أنك كنت على حق في بعض النواحي، ولكن في النهاية، تم حل المشكلة. ثانيًا، لقد ربحته لأنك لم تظلم أخيك بالذهاب إلى الآخرين بالثرثرة وتوسيع دائرة النزاع.
- الأهم من ذلك أن يسوع لم يقل أن أخيك يجب أن يتفق معك أو يتوب فورًا. في البداية، يكفي إذا سمعك (إِنْ سَمِعَ مِنْكَ).
ب) الآيات (١٦-١٨): إذا كان أحد في الكنيسة غير نادم بشدة، فيجب يُعزل من الكنيسة.
١٦وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. ١٧وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. ١٨اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ.
- وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ: عدد الأشخاص يصبح أكبر فقط عندما يرفض الطرف المسيء الاستماع. فإذا بقي الجاني على الموقف العنيد غير التائب، فيجب عزله عن الكنيسة (فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ).
- وصحيح أيضًا أنه بعد سماع شخص أو شخصين (وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ) كلا الجانبين من القصة، قد يحل المشكلة عن طريق إسناد المسؤولية بطريقة مختلفة عما كان يعتقد الشخص الذي أساء أولًا. “اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ، فَيَأْتِي رَفِيقُهُ وَيَفْحَصُهُ.” (أمثال ١٧:١٨). فيجب أن يكون الهدف هو استعادة العلاقة أكثر من إثبات حق الفرد نفسه.
- “على الرغم من أنه ليس من الحكمة التدخل في المشاجرات، إلا أنه من الواضح من هذا النص أننا يجب أن نكون على استعداد لأن نكون واحدًا من الاثنين أو الثلاثة الذين سيساعدون في تسوية الاختلاف.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ: يجب أن يعامل الشخص غير التائب مثلما يجب أن يعامل الْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ – بحب كبير، بهدف تحقيق توبة كاملة ومصالحة.
- وإذا تعذر حل المشكلة، يجب عندها اعتبار المرء مثل الْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. وهذا الرفض الكامل والشركة في جسد المسيح هو ما قصده بولس عندما قال أن مثل هذا يُسَّلم للشيطان (كورنثوس الأولى ١:٥-٨). وثمة شعور بأن الشخص غير التائب يتم معاقبته بوضعه خارج نعمة وحماية الشركة.
- “لا يوجد، بالطبع، أي إشارة في هذه الآية إلى كيفية ممارسة سلطة الجماعة هذه أو بأي وسيلة؛ فلم يتم ذكر قادة الكنيسة أو الشيوخ.” فرانس (France)
- كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ: إذا تم تنفيذ هذه العملية بكل تواضع ووفقًا للكلمة، فإن هذا الأمر ملزم تمامًا في نظر الله، حتى لو كان غير التائب يذهب إلى كنيسة أخرى.
- “الحل والربط بشكل عام يساويان ممارسة الحكم على السلوك؛ وهنا على وجه التحديد يساويان معاملة الخطيئة باعتبارها يمكن غفرانها أو العكس.” بروس (Bruce)
- “كل كنيسة لديها مفاتيح بابها. فعندما يتم تشغيل هذه المفاتيح بحق بواسطة الأخوة على الأرض، فإنه يتم التصديق على الإجراء في السماء.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (١٩-٢٠): القوة والبركة في الشركة التي يُحرم منها غير تائب.
١٩وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، ٢٠لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ.
- إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ: هناك قوة حقيقية في الصلاة وفي حضور يسوع. وهذا هو بالضبط ما سيخسره غير التائبين.
- في اللغة اليونانية القديمة، الكلمة ’اتَّفَقَ‘ تعني حرفيًا ’أن ينسجم أو يتناغم مع.‘ فالرب يسوع يريد منا أن نُكّمل بعضنا البعض مثل الفرقة الموسيقية. “إنها استعارة مأخوذة من الآلات الموسيقية المضبوطة على نفس المفتاح وتلعب نفس النغمة: وتعني هنا اتفاق تام بين قلوب ورغبات وأمنيات وأصوات شخصين أو أكثر يصلون إلى الله.” كلارك (Clarke)
- مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: يجب أن نستفيد من قوة التوافق التي تعمل على المبدأ المتعلق بما جاء في سفر لاويين ٨:٢٦، حيث يطرد خمسةٌ مئةَ عدوٍ فيهربون، ولكن مائةٌ يطردون عشرة آلاف من الأعداء فيهربون. وهذا هو الفرق بين أن يهزم فردٌ عشرينًا، وأن يهزم فردٌ مائةً. فهناك قوة حقيقية، وقوة مُضاعَفَة في الصلاة المتحدة.
- “ربما لا يستجيب الله على الالتماس الدقيق الذي يقدمونه. ولكن تذكر أن الله غالبًا ما يسمع الصلاة التي نصليها معًا ويجيب عليها بدلًا من صلواتنا ذاتها.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ: أشار يسوع هنا إلى أن اجتماعات شعبه – وهي، في الواقع، اجتماعات مليئة بالقوة والسلطة المرتبطة بالسماء – لا ينبغي أن تكون تجمعات كبيرة، فيمكن أن تكون من اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ من أتباعه في وقت واحد.
- “يسوع حاضر في الجماعة الصغيرة بقدر ما هو حاضر في اللقاء الجماهيري الكبير؛ إنه ليس عبدًا للأرقام.” باركلي (Barclay)
- من السهل عمل اجتماع بين شخصين أو ثلاثة، فهناك دائمًا شخص ما على مقربة منك، وليس من الصعب العثور على مكان للقاء.
- “ذكر اثنين أو ثلاثة، ليس لتشجيع الغياب، ولكن لتشجيع المؤمنين القلائل الذين لا ينسون لقائهم معًا، كما يفعل البعض.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذا يوضح لنا أن الأعداد الكبيرة ليست ضرورية.
- هذا يوضح لنا أن رتبة الناس ليست ضرورية.
- هذا يوضح لنا أن المكان المحدد ليس ضروريًا.
- هذا يوضح لنا أن الوقت المحدد ليس ضروريًا.
- هذا يوضح لنا أن الشكل المعين الذي يجب أن يتخذه الاجتماع ليس ضروريًا.
- اجْتَمَعَ… بِاسْمِي: هذا يدلنا على أن الاجتماع باسم يسوع هو الأكثر أهمية.
- التجمع معًا باسمه يعني أننا معروفون به وباسمه.
- التجمع معًا باسمه يعني أنه موضوع تجمعنا؛ فنحن نجتمع حول يسوع.
- التجمع معًا باسمه يعني التجمع وفقًا شخص يسوع وطبيعته.
- التجمع معًا باسمه يعني التجمع بطريقة يُصادق يسوع عليها.
- فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ: هذا يعني أن يسوع غير موجود في المقدمة بالقرب من الخادم أو القادة. إنه في الوسط، قريب من الجميع. وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون معلنًا ومكشوفًا للجميع. فبعض الناس يغادرون الكنيسة قائلين: “لقد أخذوا ربي، ولا أعرف أين وضعوه.”
- “نحن نجتمع باسم يسوع، لذا عليه أن يكون هناك؛ قريبًا، ليس فقط للقائد أو للخادم، ولكن في الوسط، بالقرب من كل عابد.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ: “لا أحد غير الله يمكنه أن يقول هذه الكلمات، لأن الله وحده موجود في كل مكان، وهذه الكلمات تشير إلى وجوده الكُلي. لذا، دعونا نلاحظ، أن يسوع في وسطهم ليس للتجسس على خطاياهم أو لملاحظة عيوب عبادتهم؛ ولكن لتنويرهم وتقويتهم وإراحتهم وخلاصهم.” كلارك (Clarke)
ثالثًا. المغفرة في مجتمع الملكوت: مَثل العبد الذي لا يغفر
أ ) الآيات (٢١-٢٢): سؤال بطرس عن المغفرة وإجابة يسوع.
٢١حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» ٢٢قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ».
- هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟: بطرس، في ضوء ما قاله يسوع عن الاتفاق والوحدة، كان يأمل في أن يبدو محبًا للغاية حينما اقتراح أن يسامح أخًا تائبًا حتى إلى سبع مرات عندما كانت ثلاث مرات هي الحد المقبول الذي كان يعلمه العديد من معلمي اليهود في ذلك الوقت.
- “ناقش المعلمون اليهود هذا السؤال، وأوصوا بما لا يزيد عن ثلاث مرات، وبالتالي فإن سبع مرات التي اقترحها بطرس كانت سخية للغاية، ولكن رد يسوع يلغي كل الحدود والحسابات.” فرانس (France)
- إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً: أجاب يسوع بشكل غير متوقع، قائلًا إننا نغفر للتائب بعدد غير محدود من المرات. وبلا حدود هي بالتأكيد الفكرة وراء سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ؛ سيكون من الغريب إذا توقع يسوع منا أن نحسب الإهانات ضدنا حتى ٤٩٠ إهانة، وعند الإهانة ٤٩١، أن ننكر الصفح.
- “إن تلميحه إلى الآية في سفر التكوين ٢٤:٤ يناقض رغبة لاَمَكَ غير المحدودة في الانتقام والمغفرة التي من شأنها أن تكون لدى أي تلميذ.” فرانس (France)
ب) الآيات (٢٣-٢٤): دين أول عبد.
٢٣لِذلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. ٢٤فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ.
- أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ: توقع الملك في هذا المثل أن يكون عبيده مخلصين وشرفاء بالطريقة التي أداروا بها أعماله. لذلك، قام في يوم من الأيام بفحص أعمالهم وأَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ (أي تسوية الحسابات معهم).
- وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ: يقيم المفسرون قيمة عَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ بالحسابات الزمنية المعاصرة ما بين ١٢ مليون دولار أمريكي وواحد مليار دولار أمريكي. والرقم يمثل بوضوح دينًا غير قابل للسداد.
ج) الآيات (٢٥-٢٧): السيد يُسامح دين العبد.
٢٥وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَي الدَّيْنُ. ٢٦فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ.٢٧فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ.
- أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ: بالطبع، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي. لذلك أمر السيد ببيع المدين وعائلته وكل ما لديه. وحتى لو باعوه هو وعائلته، لن يُسدد الدين؛ فأعلى سعر لبيع أي عبد كان وزنة واحدة فقط (وعادة ما يتم بيعهم بأقل من ذلك بكثير). وبالرغم من ذلك، كانت عملية البيع ستحقق بعض العدالة.
- “كان أعلى سعر لشراء العبد هو وزنة واحدة، وكان عُشر ذلك المبلغ أو أقل، الأكثر شيوعًا.” كارسون (Carson)
- يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ: وعد الخادم لا معنى له. لقد تكلم كما لو أن كل ما يحتاجه هو التمهل؛ وأنه إذا تم إعطاؤه وقتًا كافيًا يمكنه دفع هذا المبلغ الضخم. ربما أعتقد التلاميذ الذين كانوا يستمعون إلى يسوع أن هذا كان أمرًا مضحكًا.
- “كم من آثم فقير غني جدًا في إقدامه. فقد ظن هذا العبد أنه يحتاج فقط إلى مزيد من الوقت، لكنه في الحقيقة كان بحاجة إلى المغفرة!” سبيرجن (Spurgeon)
- فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ: لقد أظهر السيد رحمة مدفوعة بالتحنن، متسامحًا عن دين لا يمكن سداده أبدًا، على الرغم من الوعود التي قطعها الخادم.
د ) الآيات (٢٨-٣٠): العبد المغفور له يرفض المسامحة.
٢٨وَلَمَّا خَرَجَ ذلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلًا: أَوْفِني مَا لِي عَلَيْكَ. ٢٩فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. ٣٠فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ.
- وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ: خرج ذلك العبد، الذي غفر له للتو دين لا يمكن سداده، ووَجَدَ شخص يدين له بالمال. وعند مقابلته وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ وطلب أن يدفع له جزءًا من الدين.
- كان الدين حقيقي. فمائة دينارٍ كان يعادل ١٠٠ يوم من الأجور تقريبًا. فهذا لم يكن مبلغًا ضئيلًا، لكنه لم يكن شيئًا تقريبًا مقارنة بالدين الذي غفره سيده. كان في الواقع ١ / ٦٠٠٠٠٠ من الدين المستحق للسيد من قِبل العبد الأول.
- وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ: “ليست هناك كلمة مُضطلعٌ عليها، تعبر تمامًا عن المعنى الأصلي، فهي تعني (كما في اليونانية) ’أن يخنق شخص شخص آخر‘ من خلال التشبُث بعنقه.” كلارك (Clarke)
- “كان الدين ضئيلًا للغاية، ولكن تم المطالبة به بضراوة شديدة. إن شكوانا ضد الآخرين أصغر بكثير من قسوتنا عليهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ: الرجل المُدان بالدين الضئيل استخدم نفس الالتماس والوعد التي جلبت الرحمة للرجل الذي كان عليه دين أكبر. ولكن التماسه لم يكسبه شيئًا، ووضع العبد المغفور الرجل في سجن المدين.
هـ) الآيات (٣١-٣٤): الحكم على عبد لا يغفر.
٣١فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدًّا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. ٣٢فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. ٣٣أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟ ٣٤وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ.
- فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ: لا يوجد ذكر في المثل لانزعاج ضمير العبد الأول بشأن سلوكه، لكن الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ هم الذين أدركوا الخطأ الذي حدث.
- “يمكن للآخرين رؤية شر سلوكه إذا لم يستطع هو.” سبيرجن (Spurgeon). أحيانًا ما نكون مؤلمين – ولحرجنا – عميان عن سلوكنا الخاطئ الشنيع.
- أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ… وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ: عندما سمع السيد بهذا، كان غاضبًا بشكل مفهوم. ببساطة كان من الخطأ ألا يكون العبد الذي تم مسامحته بالدين الأكبر رحيمًا. ولهذا، كان يستحق ما نال: العدالة بدلًا من الرحمة.
و ) الآية (٣٥): الغفران الحقيقي من القلب، مطلوب من كل من غُفر له.
٣٥فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ.
- فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ: المبدأ واضح: بما أن الله غفر لنا مثل هذا الدين الكبير، فإن أي دينه الآخرين لنا، ليس له أهمية على الإطلاق. فلا أحد يستطيع أن يسيء إليّ للدرجة التي بها قد أساءت خطاياي إلى الله. ويجب أن يطبق هذا المبدأ على الأشياء الصغيرة التي تُفعل لنا، ولكن أيضًا على الأمور الكبيرة التي تُفعل ضدنا.
- “إننا نتحمل غضبًا أكبر برفضنا التسامح أكثر من بقية مديونيتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ: بهذا، علم يسوع مبدأ مهمًا وغالبًا ما يتم تجاهله فيما يتعلق بالمغفرة. فهناك العديد من المؤمنين المخلصين الذين يحجبون المغفرة عن الآخرين لأسباب خاطئة، ويشعرون بأن هناك ما يبرر القيام بذلك.
- إن منطقهم مفاده هكذا: يجب ألا نغفر لشخص آخر يخطئ ضدنا إلى أن يتوب. وذلك لأن التوبة مذكورة في النص الذي يوصينا بالمغفرة (كما في لوقا ٤:١٧)، ولأن غفراننا للآخرين هو على غرار مسامحة الله لنا. وبما أن الله لا يغفر لنا إن لم نتب، لذلك علينا ألا نغفر للآخرين إن لم يتوبوا إلينا بشكل صحيح. بل من واجبنا حجب مثل هذه المغفرة والحكم على توبتهم، لأن هذا في النهاية يصب في مصلحتهم.
- هذا التفكير – حتى وإن كان بنية جيدة – هو غير صحيح وخطير جدًا. فهذا المثل يوضح لنا لماذا من الخطأ بالنسبة لنا أن نفكر أن بهذه الطريقة: “إن كان الله لا يغفر لي دون أن أتوب، إذًا علي ألا أسامح الآخرين الذين أخطأوا ضدي إلى أن يتوبوا بصدق.” وهذا التفكير خاطئ، لأنني لا أقف في نفس مكان الله في المعادلة، ولا يمكنني أبدًا. فالله لم يُغفر له أبدًا ولم يكن بحاجة إلى المغفرة يومًا؛ ولكنني أقف كمن غُفر له ويحتاج إلى مغفرة مستمرة.
- لذلك – إذا كان ذلك ممكنًا – يجب أن نكون أسرع في التسامح من الله، دون شرط التوبة، لأننا نقف كمذنبين مغفور لهم ويجب عليهم أيضًا أن يغفروا. فنحن مطالبون إذًا بأن نغفر أكثر مما يفعل الله.
- بما أنه قد غُفر لنا كثيرًا، فلا يحق لنا أن نحرم الآخرين من المغفرة. فهل يجوز لنا، نحن الذين غفر ديننا العظيم، أن نتمسك بديون الآخرين الصغيرة؟ إذا كان لأي شخص الحق في عدم الغفران، فهو الله – لكنه يغفر بحرية أكبر وبشكل كامل أكثر من أي شخص نعرفه. فأي حق يمكننا أن نتمسك به لعدم المغفرة؟
- من المهم أيضًا أن نفهم أن هناك فرقًا بين التسامح والمصالحة. فلا يمكن أن تحدث المصالحة الحقيقية للعلاقة إلا عندما يوافق الطرفان عليها، وقد يتطلب هذا توبة أحد الطرفين أو كليهما في النزاع. ولكن يمكن أن تكون المغفرة من جانب واحد فقط.
- علاوة على ذلك، فإن التسامح لا يحمي بالضرورة أي شخص من العواقب المدنية أو العملية لخطاياهم. فعلى سبيل المثال، قد يسامح صاحب المنزل شخصيًا الرجل الذي سرق منزله، ومع ذلك هذا لا يلغي القانون الذي ينص على اعتقال السارق ووضعه في السجن. فعلى المستوى الشخصي، الغفران مطلوب، أما على المستوى المدني والمجتمعي، فيجب معاقبة الجاني من قبل القضاة (رومية ١٣).
- ومع ذلك، فإن المبدأ هنا واضح للغاية. فالسياق يشير بوضوح إلى أن هذا المثل قدم لجعلنا أكثر تسامحًا، وليس أقل تسامحًا. فلا أحد يستطيع أن يقرأ هذا المثل بعقلانية ويعتقد أن يسوع كان يحاول تقييد المغفرة.
- الأشخاص الذين يقرأون هذا المثل هكذا: “لذلك كن بخيلًا في مسامحة الآخرين لأن أباك الذي في السماء بخيل في المغفرة أيضًا” يفقدون معنى هذا المثل تمامًا. بدلًا من ذلك، “كُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ” (لوقا ٣٦:٦).
- مِنْ قُلُوبِكُمْ: هذا يجعل الوصية أقوى. “إذا سامحنا بالكلمات فقط ولكن ليس من قلوبنا، سنظل تحت الإدانة ذاتها.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ: سيكون من الخطأ تحويل هذا إلى فكرة أن عدم التسامح بحد ذاته هو الخطيئة التي لا تغتفر. فمن الأفضل أن نقول إن المغفرة دليل على نوال المغفرة الحقيقية، وأن عدم المغفرة المتكرر قد يظهر أن قلب الشخص لم يلمسه أبدًا حب يسوع.
- “أولئك الذين لن يغفروا لا يمكن أن يتوقعوا أن يغفر لهم.” فرانس (France). وكما كتب يعقوب لاحقًا “لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ.” (يعقوب ١٣:٢)
- بالإضافة إلى ذلك، نتذكر كيف تمت معاقبة الرجل الذي لم يغفر في مثل يسوع: سَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. فهناك العديد من النفوس البائسة الذين يتعرضون للتعذيب بسبب عدم مغفرتهم للآخرين.