إنجيل متى – الإصحاح ١٩
يسوع يعلم عن الزواج والطلاق والغِنى والتلمذة
أولًا. يسوع يُعلّم عن الزواج والطلاق والعزوبية
أ ) الآيات (١-٢): يسوع يتجه نحو اليهودية وأورشليم.
١وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذَا الْكَلاَمَ انْتَقَلَ مِنَ الْجَلِيلِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. ٢وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ هُنَاكَ.
- انْتَقَلَ مِنَ الْجَلِيلِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ: سجلات متى ومرقس ولوقا تركز على خدمة يسوع في منطقة الجليل، وتؤكد فقط وجوده في أورشليم قبل صلبه وقيامته. ومع ذلك، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن هذه الرحلة من الْجَلِيلِ إلى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ كانت غير عادية بالنسبة إلى يسوع. فقد سجل إنجيل يوحنا العديد من الزيارات التي قام بها يسوع إلى الْيَهُودِيَّةِ وأورشليم.
- “إلى أراضي اليهودية عبر الأردن، أي على طول الساحل الشرقي للأردن.” بروس (Bruce). وقد أشار كل من مرقس ولوقا إلى الرحلة نفسها (مرقس ١:١٠، لوقا ٥١:٩).
- “يبدو، على الأرجح، أن مسار رحلة المسيح قاده إلى جانب نهر الأردن، وليس إلى ما بعده. فالكلمة اليونانية (peran) هنا لها في بعض الأحيان هذا الدلالة، أنظر إنجيل يوحنا ٢٢:٦.” كلارك (Clarke)
- وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ هُنَاكَ: يشير متى إلى هذا الأمر حتى يفهم قراؤه أن شعبية يسوع وقوته لم تقتصر على الجليل. فقد كان معروفًا أيضًا في اليهودية.
- “يقول النص: ’فَشَفَاهُمْ‘؛ لكنه لا يقول: ’آمنوا به.‘” بوله (Poole)
- وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ: “البعض ليسمعوا تعاليمه، وآخرون لينالوا الشفاء، والبعض بدافع الفضول، والبعض الآخر بدافع الإيقاع به.” كلارك (Clake)
ب) الآية (٣): الفريسيون يحاول الإيقاع بيسوع.
٣وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟»
- وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ: هذا يشير إلى موضوع النزاع والخلاف المستمر مع القادة اليهود. سابقًا في إنجيل متى، كانوا قد استجوبوا يسوع أثناء خدمته في الجليل، والآن يسوع، في اليهودية يتم استجوابه ثانية، وكانت أسئلتهم غير نزيهة. لقد سألوه لِيُجَرِّبُوهُ. كانوا يأملون أن يوقعوه في فخ.
- هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ: كان الطلاق موضوعًا مثيرًا للجدل في زمن يسوع، بوجود مدرستين فكريتين رئيسيتين، تتمحور حول اثنين من أنصارها الأكثر شهرة. الأولى كانت مدرسة المعلم شماي (وجهة نظر أكثر صرامة وغير شعبية) والثانية كانت مدرسة المعلم هيليل (وجهة نظر أكثر تساهلًا وشعبية).
- كان الزواج واجبًا مقدسًا عند اليهود في ذلك الزمان. فإذا كان رجل غير متزوج بعد سن العشرين، باستثناء التركيز على دراسة الناموس، فقد كان مذنبًا بكسر وصية الله: ’أثمروا وأكثروا.‘ ووفقًا لباركلي (Barclay)، قالوا إنه من خلال عدم الزواج فإن الإنسان بذلك يكون قد قتل نسله، ويكون قد أهان مجد الله على الأرض.
- من الناحية النظرية، كان لليهود في ذلك الزمن فكرة مثالية للزواج. ومع ذلك كان لديهم رأي مبتذل عن المرأة. “كان لليهود آراء متدنية للغاية عن المرأة، فقد تم شراء الزوجة، واعتبرت مُلكية، واستخدمت كخادمة في المنزل، وطُردت من المنزل عند الرغبة في ذلك.” بروس (Bruce). واليوم، لدى الرجال أيضًا رؤية متدنية عن المرأة؛ من المأساوي أيضًا أن المرأة لديها رؤية متدنية عن المرأة، وغالبًا ما ترفض فكرة أن المرأة يجب أن تكون مختلفة عن الرجل بأي طريقة.
- نظرتهم المتدنية للمرأة تعني أن مثلهم الأعلى للزواج كان معرضًا باستمرار للتنازلات، وهذه التنازلات وجدت طريقها للقانون، كما هو الحال مع تفكير المعلم هيليل؛ فطبقًا لتفكير هيليل: “يمكن للرجل أن يطلق زوجته إذا أفسدت عشاءه أو إذا غزلت أو ذهبت بشعر غير مربوط أو تحدثت إلى رجال في الشوارع، أو تحدثت بغير احترام عن والديه في حضوره، أو كانت امرأة مُهاتِرة يمكن سماع صوتها في المنزل المجاور. وذهب المعلم أكيبا إلى ما هو أبعد من هذا وقال: “يمكن للرجل أن يطلق زوجته إذا وجد امرأة أعجبته بشكل أفضل ويعتبرها أجمل.” باركلي (Barclay)
- “ربما، كانوا يأملون أيضًا في أن يقول يسوع شيئًا ما قد يورطه في قضية هيرودس وهيروديا حتى يتمكن من مواجهة نفس مصير يوحنا المعمدان.” كارسون (Carson)
- لِكُلِّ سَبَبٍ: كانت هذه الكلمات هي محور النقاش. أدركت كل مدرسة فكرية أن الشريعة الموسوية قد أعطت الإذن بالطلاق في سفر التثنية ١:٢٤ “اذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ.” فقد عرف كل جانب وصدق الآية في سفر التثنية ١:٢٤، وكان السؤال: “ما معنى ’العَيْب‘؟”
- فهمت مدرسة المعلم شماي أن كلمة ’العيب‘ تعني الفجور الجنسي، وقالت إن هذا هو السبب الصحيح الوحيد للطلاق. وفهمت مدرسة هيليل ’العيب‘ على أنه أي نوع من الطيش؛ حتى إلى النقطة التي اعتبر فيها بعض المعلمين أن حرق وجبة فطور الزوج يعتبر أساسًا صحيحًا للطلاق.
- يقول باركلي (Barclay) إن المعلمين اليهود كان لديهم الكثير من الأقوال حول الزيجات السيئة والزوجة الشريرة. فقالوا إن الرجل الذي لديه زوجة سيئة لن يواجه الجحيم أبدًا، لأنه قد دفع ثمن خطاياه على الأرض. وقالوا إن الرجل الذي تحكمه زوجته ليست له حياة. وقالوا إن الزوجة الشريرة تشبه الجذام لزوجها، والطريقة الوحيدة التي يمكن علاجه بها هي الطلاق. حتى أنهم قالوا: “إذا كان للرجل زوجة سيئة، فمن واحبه الديني أن يطلقها.”
- لِيُجَرِّبُوهُ: إذًا في سؤالهم، حاول الفريسيون جعل يسوع يقف إلى جانب واحد أو آخر. فإذا وافق على المدرسة المتساهلة للمعلم هيليل، فمن الواضح أن يسوع لم يأخذ شريعة موسى على محمل الجد. وإذا وافق على المدرسة الصارمة للمعلم شماي، فقد يصبح يسوع غير محبوب لدى الجموع، الذين يحبون عمومًا الطلاق السهل. وكان لدى القادة الدينيين سبب للاعتقاد بأنهم أمسكوا بيسوع ووضعوه بين حَجَري الرحى.
ج) الآيات (٤-٦): إجابة يسوع الأولى للفريسيين: عودوا إلى الزواج الأول.
٤فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ ٥وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. ٦إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». ٧قَالُوا لَهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟»
- أَمَا قَرَأْتُمْ: أراد الفريسيون الحديث عن الطلاق وآراء وتعليم المعلمين اليهود، لكن يسوع أراد العودة إلى الكتاب المقدس والتحدث عن الزواج. بدأ يسوع بالزواج الأول: الزواج بين آدم وحواء. وهذا التركيز على الكتاب المقدس وعلى الزواج، وليس الطلاق، هو نهج حكيم لأي شخص مهتم بالحفاظ على الزواج متماسكًا.
- “يكرم ربُنا الكتاب المقدس من خلال استقاء حجته منه. فاختار خصيصًا وضع ختمه على جزء من قصة الخلق، تلك القصة التي يتحدث عنها النقاد الحديثون كما لو كانت خرافة أو أسطورة.” سبيرجن (Spurgeon)
- “من خلال الإجابة على السؤال، ليس من شماي أو هيليل ولكن من موسى، هزم ربُنا المبارك خبثهم وأربك مؤامراتهم.” كلارك (Clarke)
- “في حالة آدم وحواء ، لم يكن الطلاق غير مناسب فحسب؛ ولم يكن خطأ فقط، بل كان مستحيلًا تمامًا، لسبب بسيط للغاية هو أنه لم يكن هناك أحد آخر يمكن لأي منهما الزواج به.” باركلي (Barclay)
- لا يمكن اعتبار الطلاق خيارًا جاهزًا عندما تكون الأمور صعبة في الحياة الزوجية. فالزواج يشبه المرآة، لأنه يعكس ما وضعناه فيه. فإن كان الطلاق بالنسبة لأحد الشريكين أو كليهما خيارًا سهلًا ومناسبًا، فسيكون الطلاق أكثر احتمالًا.
- “إذا كان الزواج مبنيًا على الخليقة، بالطريقة التي خلقنا بها الله، فلا يمكن اختزالها إلى مجرد علاقة عهد تنهار عندما تنهار الوعود المنصوص عليها في العهد.” كارسون (Carson)
- مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى: في اقتباسه من سفر التكوين ٢٧:١، أوضح يسوع أولًا أن الله جعل الرجال والنساء مختلفين، وأن الله يجمع الرجال والنساء في الزواج. وفي هذا، يؤكد يسوع سلطة الله على الزواج؛ فالزواج مؤسسة الله، وليس مؤسسة الإنسان. لذلك من العدل أن نقول إن قواعده تُطبق.
- من خلال إعادة القضية إلى أساس الكتاب المقدس للزواج، أوضح يسوع أن على الأزواج أن يتخلوا عن عزوبيتهم (يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ)، وأن يجتمعا معًا كجسد واحد (الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا) كحقيقة وهدف (لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ).
- “لم يأمر ناموس الله أن يتخلى الرجل عن زوجته كلما رغب في ذلك، لكنه أمر أن يتخلى عن والده ووالدته بدلًا من زوجته؛ وأمر أن يلتصق بزوجته ويعيش ويسكن معها.” بوله (Poole)
- وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا: عودة إلى الخلق وعبارة آدم في سفر التكوين ٢٣:١، نرى أن الرجل والمرأة (كزوج وزوجة) مختلفان؛ ومع ذلك، فهم يلتصقان ببعضهما البعض كفرد واحد، يكملان بعضهما بعضًا كجسد واحد.
- هذا ما قاله آدم عندما خلقت حواء. وكأنه يقول: “أنتِ مختلفة عني، لكنكِ صُنعتِ لي وصُنعتِ مني؛ لسنا متشابهين، ولكننا واحد.” في سفر التكوين، يخبرنا آدم أن الرجال والنساء يختلفون مُنذ الخلق:
- مصادر مختلفة للخلق.
- طرق مختلفة للخلق.
- أوقات مختلفة للخلق.
- أسماء مختلفة عند الخلق.
- على الرغم من هذه الاختلافات الجوهرية في طبيعة الرجال والنساء، والتي ترجع جذورها للخليقة من البداية، فإن الله يدعو الزوج والزوجة للالتقاء معًا كجسد واحد. وعملية اتحاد أشياء غير متشابهة، هي جزء من عمل الله العظيم في الزواج؛ فالله يعمل على تقديس الزوجين ويعمل على جعلهم أكثر كفاءة في تربية أولادهم.
- فكرة أن يصبحوا جسدًا واحدًا تشمل الاتحاد الجنسي، ولكنها تتجاوز ذلك أيضًا. “ليس الهدف من الزواج أن يفعل شخصان شيئًا واحدًا معًا، ولكن يجب عليهما فعل كل شيء معًا.” باركلي (Barclay). “يجب أن يلتصق بها.” تراب (Trapp)
- “الإشارة في المقام الأول هي إلى وحدة الجسد المادي. ولكن ’الجسد‘ في الفكر العبري يمثل الإنسان كله، والوحدة المثالية للزواج تغطي الطبيعة كلها. إنها وحدة النفس وكذلك الجسد: التعاطف، الاهتمام، الهدف.” بروس (Bruce)
- وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا يحظر تعدد الزوجات، ويظهر أن هذه كانت نية الله من البداية. فعلى الرغم من أن تعدد الزوجات كان مسموحًا به في العهد القديم، إلا أنه لم يكن أبدًا أفضل ما لله، وكان ينبغي على الناس أن يعرفوا ذلك من خلال سفر التكوين ٢٤:٢.
- هذا ما قاله آدم عندما خلقت حواء. وكأنه يقول: “أنتِ مختلفة عني، لكنكِ صُنعتِ لي وصُنعتِ مني؛ لسنا متشابهين، ولكننا واحد.” في سفر التكوين، يخبرنا آدم أن الرجال والنساء يختلفون مُنذ الخلق:
- فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ: ذكَّر يسوع الفريسيين أيضًا بأن الزواج ملزم روحيًا أمام الله. فالزواج ليس مجرد عقد اجتماعي؛ وبما أن الله قد جمَّعه، فإنه يتوقع من الإنسان أن يحترم ما جَمَعَهُ اللهُ وأن يحافظ على الزواج مترابطًا.
- جَمَعَهُ: هي الكلمة ’زونيزيوكسين‘ (Sunezeuxen) أي ’تحت نير معًا‘ مثل الثيران في المحراث، حيث يجب أن يسحب كل منهما على قدم المساواة، من أجل تحريك المحراث. وفي القديم، عندما يكون الأشخاص متزوجين حديثًا، كانوا يضعون نيرًا على أعناقهم أو سلاسل على أذرعهم، لإظهار وحدتهم ودورهم المتساوي في جميع اهتمامات الحياة.” كلارك (Clarke)
- “تعبر عبارة جسدًا واحدًا بوضوح عن جوهر الزواج، بإعتباره شيئًا أعمق بكثير من الراحة الإنسانية أو التقاليد الاجتماعية. فالطلاق يخالف كلمة الله، ويضع المسألة برُمتها في منظور جديد تمامًا.” فرانس (France)
د ) الآيات (٧-٩): الجدال بخصوص موسى: جواب يسوع الثاني.
٧قَالُوا لَهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟» ٨قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا. ٩وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي».
- فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟: ظن الفريسيون خطًأ أن الله أمر بالطلاق حيث كان هناك نجاسة. وقد ردد المعلمين اليهود مقولة في ذلك اليوم مفادها: “إذا كان للرجل زوجة سيئة، فمن الواجب تطليقها.” ولكن أشار يسوع إلى الفرق بين “أَوْصَى” و”أَذِنَ.” فالله لم يأمر مطلقًا بالطلاق، لكنه يأذن بذلك.
- أعتقد الفريسيون أن موسى كان يبتدع أو يشجع الطلاق، ولكنه في الواقع كان يسيطر عليه.
- مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ: لا يوصى بالطلاق أبدًا، بل يأذن الله به في ظروف معينة، ويسمح الله بذلك بسبب قَسَاوَةِ قلوب البشر. وكان الأمر كما لو أن يسوع قال: “هذا هو الوضع المثالي؛ ولكن خطية البشر وقساوة قلوبهم جعلت من الصعب إحراز هذا الوضع، ولهذا سمح الله بالطلاق. ”
- قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ: “ليست الفكرة هي قساوة البشر الرجال تجاه زوجاتهم، بقدر ما هي أن الرجال لا يستجيبون لفكر وإرادة الله.” فرانس (France)
- في بعض الأحيان يكون قلب الطرف المخالف قاسيًا، ولن يقوم بما يجب القيام به لتصليح العلاقة. وفي بعض الأحيان يكون قلب الطرف المسيء صلبًا، ويرفض المصالحة والتخلي عن الإهانة، حتى عندما يكون هناك ندم وتوبة. ولكن، غالبًا ما تكون قساوة القلب في كلا الجانبين.
- “لا يمكن مطلقًا اعتبار الطلاق خيارًا محايدًا من قِبل الله، بل كدليل على الخطيئة وقساوة القلب.” كارسون (Carson)
- إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا: فسر يسوع معنى كلمة النجاسة (أو عيب) في شريعة موسى، مما يدل على أنها تشير إلى الزِّنَا، وليس فقط أي شيء قد يزعج الزوج. لذلك، لا يُسمح بالطلاق – وحرية الزواج مرة أخرى بدون خطيئة – إلا في حالة الزِّنَا.
- الكلمة اليونانية القديمة ’الزِّنَا‘ هي ’بورنيا‘ (porneia). وهي كلمة واسعة، وتحمل معاني كثيرة. فيمكن للمرء أن يكون مذنبًا بالزنا دون أن يكون فعلًا قد أرتكب الزنا. “يجب الاعتراف بأن كلمة ’بورنيا‘ نفسها واسعة جدًا، وتغطي مجموعة كاملة من الخطايا الجنسية، ويجب ألا تكون محصورة المعنى ما لم يقتضِ السياق ذلك.” كارسون (Carson)
- أضاف الرسول بولس لهذا الإذن بالطلاق، حالة التخلي عن شريك غير مؤمن (كورنثوس الأولى ١٥:٧).
- نلاحظ أن عدم وجود توافق ومحبة وقسوة وبؤس بين الطرفين ليسوا أساسًا للطلاق، على الرغم من أنها قد تكون أمور مناسبة للانفصال وبالتالي ’العزوبية في إطار الزواج‘ كما يشير بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى ١١:٧. وتوضح لنا كلمات بولس أن الزوجين المؤمنين قد ينفصلان في الواقع لأسباب لا تبرر الطلاق الكتابي. قد يكون السبب شعور مضلل من الروحانية، أو الشعور بعدم السعادة أو الصراع الدائم أو سوء المعاملة أو البؤس أو الإدمان أو الفقر. يدرك بولس (بدون تشجيع على الإطلاق) أن الفرد قد يترُك في مثل هذه الظروف، لكنهما لا يستطيعان اعتبار أنفسهما مطلقين، مع الحق في الزواج مرة أخرى، لأن زواجهم لم ينفصل لأسباب تبرر الطلاق الكتابي.
- رغم أن هذه المشكلات الخطيرة لا تسمح بالطلاق كتابيًا، إلا أنها قد تكون كافية للانفصال، ولكن من المتوقع أن يكرم الشركاء زواجهم حتى عند انفصالهم، لأنهم من وجهة نظر الله، ما زالوا متزوجين، لأن عهد زواجهم لم ينكسر لما يعتبره الله من أسبابًا كتابية.
- وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي: السبب في أن الشخص الذي ليس لديه أسباب كتابية للطلاق يرتكب الزنا عند الزواج هو أنه الزوجين غير مطلقين في نظر الله؛ لأن زواجهما القديم لم يتم حله على أساس الكتاب المقدس، فهذا الزواج لا يزال ساري المفعول وهما في الواقع مذنبان بتعدد الزواج والزنا.
- “لا يتفق يسوع مع شماي ولا مع هيليل؛ لأنه على الرغم من أن مدرسة شماي كانت أكثر صرامة من هيليل، لكنها سمحت بالزواج مرة أخرى عندما لم يكن الطلاق متفقًا مع قواعد السلوك الخاصة بها.” كارسون (Carson)
- يوضح لنا تعليم يسوع أن الزواج، باعتباره عهدًا مع لله ومع الزوجة وأمام العالم، هو وعد ملزم، ولا يمكن كسره حسب تقديرنا. وإذا كان الله لا يعترف بالوعد الذي يتم كسره، إذًا الوعد لم يكسر.
- يجب على المرء أن يعترف بأن هذا تعليم صعب من يسوع. فهناك العديد من الأسباب التي يقدمها الناس اليوم لتبرير الطلاق الذي لا يتماشى مع الحالتين المسموح بهما بالطلاق الكتابي.
- هناك أيضًا العديد من المواقف التي يحدث فيها الانفصال أو الطلاق لأسباب لا تتماشى مع الحالتين المسموح بهما كتابيًا، ولكن بعد الطلاق أو الانفصال، يقوم أحد الزوجين أو كليهما بخلق إذنًا كتابيًا للطلاق، غالبًا عن طريق الزواج أو العلاقات الجنسية مع آخرين.
- نتذكر أيضًا ما كتبه الرسول بولس في رسالة كورنثوس الأولى ١٧:٧ “غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ، كَمَا دَعَا الرَّبُّ كُلَّ وَاحِدٍ، هكَذَا لِيَسْلُكْ.” فوفقًا لسياق النص، كانت إحدى أفكار بولس بهذا البيان بمثابة تحذير حول محاولة التراجع عن الماضي فيما يتعلق بالعلاقات؛ يخبرنا الله أن نتوب عن أي خطيئة موجودة ثم أن نمضي قدمًا. فإن كنت متزوجًا من زوجتك الثانية بعد طلاقك غير الكتابي من زوجتك الأولى، وأصبحت مؤمنًا، فلا تعتقد أنه عليك الآن ترك زوجتك الثانية والعودة إلى زوجتك الأولى في محاولة للتراجع عن الماضي. بل كما دعاك الرب، استمر كما أنت.
هـ) الآيات (١٠-١٢): التلاميذ يسألون عن الزواج والعزوبية.
١٠قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!» ١١فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، ١٢لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ».
- إِنْ كَانَ هكَذَا… فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ: فهم التلاميذ تعاليم يسوع عن الزواج والطلاق بوضوح. فقد أدركوا أن الزواج لم يكن التزامًا يتم بسرعة أو باستخفاف، واعتبروا أنه بما أن الزواج ملزم أمام الله، فمن الأفضل عدم الزواج.
- “الزواج ليس شرًا، ولكن من الجيد أن نكون حذرين قبل أن نقفز.” تراب (Trapp)
- لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم: لقد أدرك يسوع أن العزوبية جيدة للبعض، ولكنها جيدة لمن هو قادر على قبولها (مثل يسوع نفسه والرسول بولس، كورنثوس الأولى ٧:٧-٩).
- “إذا كان هناك من يقبل هذا الكلام، ويستطيع أن يضبط نفسه دون زواج، ويعيش أعزب ولا يخطئ إلى الله ويسيطر على شهواته ورغباته وعاطفته بهدف حتى يكون أكثر روحانية، ويخدم الله بأقل إلهاء، ويكون أداة لتعزيز ملكوت الله في العالم، فدعه يفعل ذلك.” بوله (Poole)
- “قال أوغسطينوس: ’لكن هذا القرار لا يجلب السعادة لكل إنسان؛ ولكن عندما يتخذه أي شخص، يكون فخر البكارة ليس أقل من خطيئة النجاسة.‘” تراب (Trapp)
- لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا: استخدم المصطلح الخصي مجازيًا لأولئك الذين يمتنعون طواعية عن الزواج. فقدم يسوع هنا ثلاثة أنواع من الخِصْيان.
- أولئك الذين وُلِدُوا بلا قدرة على ممارسة الجنس والزواج.
- أولئك الذين خَصَاهُمُ (جعلهم) النَّاس غير قادرين على ممارسة الجنس والزواج.
- أولئك الذين يختارون العيش دون ممارسة الجنس والزواج من أجل مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.
- قال بولس إن الشخص غير المتزوج بسبب دعوة الله له للخدمة، يجب أن يكون مقدسًا في الجسد والروح (كورنثوس الأولى ٣٤:٧). لذلك يجب أن يقبل هؤلاء الذين كرسوا أنفسهم لملكوت السماوات العزوبية جسديًا وروحيًا؛ لا ينبغي أن يكون ابتئاسًا دائمًا لهم في أي من الجانبين.
و ) الآيات (١٣-١٥): يسوع يبارك الأطفال الصغار.
١٣حِينَئِذٍ قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلاَدٌ لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ، فَانْتَهَرَهُمُ التَّلاَمِيذُ. ١٤أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ». ١٥فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ.
- حِينَئِذٍ قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلاَدٌ: إنه لأمر مدهش أنه في خضم تعاليم يسوع عن الزواج، أحضر الآباء أولادهم ليتباركوا. اليوم، لا يزال يجب على الآباء إحضار أطفالهم إلى يسوع؛ فيسوع يريد أن يباركهم ويرحب بهم في مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.
- “كانت العادة اليهودية أن يُحضر طفلٌ إلى الشيوخ في مساء يوم الكفارة لكي ’يباركه ويصلي من أجله.‘ (مشناه صفيريم ٥:١٨).” فرانس (France)
- “في إنجيل لوقا ١٥:١٨، يدعو هؤلاء الأولاد ’تا بريف ta brefh‘ أي أطفال صغار جدًا.” كلارك (Clarke)
- دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ: يظهر لنا هذا أيضًا شيئًا رائعًا في شخصية يسوع. لقد كان هذا النوع من البشر الذي يحب الأطفال، وغالبًا ما يكون الأطفال مُميزُون بارعون لشخصية الإنسان.
- فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ: وبهذا، بارك يسوع الأطفال. يتم استخدام وضع الأيدي في الكتاب المقدس كوسيلة لمنح البركة لشخص آخر (أعمال الرسل ٦:٦؛ ١٧:٨؛ ١٧:٩؛ تيموثاوس الأولى ٢٢:٥؛ تيموثاوس الثانية ٦:١).
- “لم يعمدهم، لكنه باركهم.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. يسوع يعلم عن الغِنى وكيفية إتباعه
أ ) الآيات (١٦-١٧): رجل يسأل يسوع عن كسب الحياة الأبدية.
١٦وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» ١٧فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا».
- أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟: يوضح هذا السؤال أن هذا الرجل، مثله مثل كل البشر بطبيعته، كان لديه ميل نحو كسب الحياة الأبدية. أراد أن يعرف ما العمل الصالح أو العمل النبيل الذي يمكن أن يفعله ليرث الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
- تخبرنا الأناجيل الثلاثة (متى ومرقس ولوقا) أن هذا الرجل كان غنيًا. ويخبرنا متى أنه كان شابًا (متى ٢٢:١٩)، ويخبرنا لوقا أنه كان حاكِمًا.
- لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟: في هذا، لم ينكر يسوع صلاحه، بل بالحري سأل الرجل: “هل تفهم ما تقوله عندما تَدْعُوني صَالِحًا؟”
- كان الأمر كما لو قال يسوع: ’أتيت إليّ وتسألني عن الشيء الصالح الذي يمكنك القيام به لترث الحياة الأبدية. لكن ما الذي تعرفه حقًا عن الصلاح؟‘ “كان الكلام واضحًا: إما أن يسوع كان صالحًا أو أنه يجب ألا يدعوه صالحًا؛ ولكن بما أنه لا يوجد شخص صالح إلا الله، فلابد أن يكون يسوع الصالح هو الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا: كانت إجابة يسوع على سؤال الرجل واضحة. فإذا كنت ترغب في كسب الحياة الأبدية عن طريق الأعمال، إذًا عليك أن تحفظ الوصايا كلها بالتمام.
- “أراد أن يخلص بالأعمال، فدعاه المسيح ليفعل ما لا يمكن لأي إنسان أن يفعله، وهكذا أظهر له خطأه.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (١٨-٢٠): يسوع يمتحنه من خلال جوانب شريعة موسى التي تتناول علاقة الإنسان بالآخر.
١٨قَالَ لَهُ: «أَيَّةَ الْوَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. ١٩أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».٢٠قَالَ لَهُ الشَّابُّ: «هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُني بَعْدُ؟»
- لاَ تَقْتُلْ: سأل يسوع الرجل عن الوصايا التي تتعامل في المقام الأول مع علاقة الإنسان بالآخر. وردًا على ذلك، ادعى الشاب قائلًا: “هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي،” وبالتالي ادعى الوفاء بجميع أوامر الله فيما يتعلق بكيفية تعاملنا مع الآخرين.
- سيمتحن لوحي الشريعة كل شخص أمام الله. فلا يكفي أن نفعل الخير تجاه الآخرين وأن نكون مؤدبين؛ بل يجب علينا أن نفعل الصواب تجاه الله، ونعطيه المجد والإكرام الذي يستحقه.
- هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي: من العدل أن يُسئل ما إذا كان هذا الرجل قد حفظ هذه الوصايا حقًا. فمن المحتمل أنه حفظها على نحو جعله بارًا في أعين الناس، تمامًا كما قال بولس عن نفسه مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ (فيلبي ٦:٣). لكنه بالتأكيد لم يحفظهم بالمعنى الكامل الذي تكلم به يسوع في العظة على الجبل.
- يخبرنا إنجيل مرقس ٢١:١٠ أنه استجابة لإجابة الرجل، أحبه يسوع. كان يسوع متعاطفًا مع هذا الرجل، الذي كان مضلَلًا جدًا بحيث يعتقد أنه يستطيع حقًا تبرير نفسه أمام الله.
- فَمَاذَا يُعْوِزُني بَعْدُ: هذا يخبرنا أن هذا الرجل لم يحفظ الشريعة تمامًا، لأنه لا يزال يعرف أن هناك شيئًا ما مفقودًا في حياته، مما أثار السؤال “مَاذَا يُعْوِزُني بَعْدُ؟” فلا يزال هناك شيء ينقصه في حياته، وهذا يعكس شيئًا ما مفقود في علاقته بالله.
- “الحياة المثالية بالإضافة إلى عدم الرضا تعني الكثير. ’أنا على الطريق الصحيح وفقًا لتعاليمك؛ فلماذا إذًا لم أحقق بعد حياة التقوى الحقيقية؟‘” بروس (Bruce)
ج ) الآيات (٢١-٢٢): يسوع يمتحنه من خلال جوانب شريعة موسى التي تتناول علاقة الإنسان بالله.
٢١قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». ٢٢فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ.
- فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي: إن الدعوة للتخلي عن كل شيء واتباع يسوع هي دعوة لوضع الله أولًا في كل شيء. إنها الطاعة الكاملة للوح الأول من الشريعة، والذي تعامل فحواه مع علاقة الإنسان بالله.
- قد نرتكب خطأين هنا. الخطأ الأول هو أن نعتقد بأن هذا ينطبق على الجميع، في حين أن يسوع لم يجعل هذا أمرًا عامًا لكل من سيتبعه، بل خصصه بشكل خاص لهذا الرجل الثري الذي كانت ثرواته تشكل عقبة أمام إيمانه. بالمقابل، يمكن للعديد من الأثرياء أن يحققوا المزيد من الخير في العالم من خلال الاستمرار في جني الأموال واستخدام هذه الموارد لمجد الله ولصالح الآخرين. الخطأ الثاني هو الاعتقاد بأن هذا لا ينطبق على أي شخص، عندما يكون من الواضح اليوم أن أفضل ما يمكن أن يفعله البعض لأنفسهم روحيًا هو التخلي عن المادية التي تدمرهم.
- ومع ذلك، نلاحظ أن يسوع ببساطة دعا هذا الرجل ليكون تلميذه، في قوله: “اتْبَعْنِي.” وقد استخدم لغة مماثلة في دعوة العديد من تلاميذه (متى ١٩:٤؛ ٢٢:٨؛ ٩:٩؛ مرقس ١٤:٢). لقد دعا يسوع هذا الرجل ببساطة ليكون من أتباعه؛ ولكن بالنسبة لهذا الرجل، فقد كان هذا يعني أن يترك وراءه الثروات التي وضع قلبه عليها.
- “ولهذا، لا تفكر كما يفعل الكثيرون، أنه لا توجد جهنم آخر سوى الفقر أو أنه ليس هناك سماء أفضل من الوفرة.” تراب (Trapp)
- مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ: في هذا، فشل الثري تمامًا. لقد كان المال إلهه؛ كان مذنبًا في عبادة الأصنام. هذا هو السبب في أن يسوع، وهو يعرف قلب هذا الرجل، طلب منه أن يتخلى عن ممتلكاته.
- “قد يخلص بالأعمال؛ ومع ذلك، فإنه لن يتمم أعماله على النحو الكامل الذي يفي مطالب الشريعة. لقد فشل في رؤية روح كل من اللوح الأول والثاني. لم يحب أخاه المسكين كما نفسه؛ ولم يحب الله في المسيح يسوع من كل قلبه وروحه.” سبيرجن (Spurgeon)
- يبقى المبدأ: الله قد يتحدى ويطلب من الفرد التخلي عن شيء ما من أجل ملكوته، فيما لا يزال يسمح لشخص آخر بهذا الشيء. فهناك الكثير ممن يموتون لأنهم لن يتركوا ما يخبرهم الله بأن يتركوه.
- مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ: “وماذا كانت هذه مقارنةً بسلام الضمير والراحة العقلية؟ علاوة على ذلك، كان لديه دليل لا لبس فيه على أن هذه الأمور لم تسهم في راحته، لأنه الآن بائس حتى أثناء امتلاكه لها! وهكذا ستكون حالة كل نفس تضع الأشياء الدنيوية في مكان الله الأسمى.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٢٣-٢٦): الثروة كعقبة أمام الملكوت.
٢٣فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ! ٢٤وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!». ٢٥فَلَمَّا سَمِعَ تَلاَمِيذُهُ بُهِتُوا جِدًّا قَائِلِينَ: «إِذًا مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» ٢٦فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ».
- الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: يجب ألا نقلل من قوة كلمات يسوع، ولا نفشل في رؤية تطبيقها في مجتمعنا الميسور. فمن منا لن يُعتبر أكثر ثراءً من هذا الشاب الغني؟
- إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: الثروات مشكلة لأنها تميل إلى أن تجعلنا نشعر بالرضا عن هذه الحياة بدلًا من التوق إلى زمنٍ قادم. وفي بعض الأحيان أيضًا، يتم البحث عن ثروات على حساب البحث عن الله.
- التوضيح الذي استخدمه يسوع “إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ” كان من المفترض أن يكون فيه روح من الدعابة. نحن نفكر على الفور في أن هذا مستحيل.
- “الجمل، أكبر حيوان شائع، يحاول الدخول من خلال أصغر ثقب يمكن تصوره.” فرانس (France)
- من بين المشكلات التي تواجهها الثروات أنها تشجع على روح الاستقلال الزائف، تمامًا مثل كنيسة لاودكية: “إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ” (رؤيا يوحنا ١٧:٣).
- بُهِتُوا جِدًّا: استندت الدهشة العظيمة للتلاميذ إلى افتراض أن الثروات كانت دائمًا علامة على نعمة الله وفضله.
- ربما كانوا يأملون في أن اتباعهم ليسوع سيجعلهم قادة ثريين ومؤثرين وبارزين في حكومته المسيانية. “في ثقافة كان يُنظر فيها إلى الثروة على أنها علامة على نعمة الله وحيث كان من المتوقع أن يكون المعلم الديني ثريًا على الأقل، كان أسلوب حياة يسوع وتلاميذه مختلفين بشكل واضح.” فرانس (France)
- عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ: ليس من المستحيل أن يخلص الإنسان الغني. فنعمة الله تكفي لخلاص الإنسان الغني؛ ولدينا أمثلة لأشخاص مثل زكا ويوسف الرامي وبرنابا. فهؤلاء جميعهم كانوا أغنياء واستطاعوا أن يضعوا الله أولًا وليس ثرواتهم.
- “لا يقول يسوع أن جميع الأثرياء لن يدخلوا ملكوت السماوات. فمن شأن ذلك أن يستبعِد إبراهيم وإسحق ويعقوب، وكم بالحري داود وسليمان ويوسف الرامي.” كارسون (Carson)
هـ) الآيات (٢٧-٣٠): سؤال بطرس الصريح: ماذا نحصل من تبعيتك؟
٢٧فَأَجَابَ بُطْرُسُ حِينَئِذٍ وَقَالَ لَهُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟» ٢٨فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. ٢٩وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. ٣٠وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ.
- فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟: على عكس الحاكم الشاب الثري، ترك التلاميذ الجميع ليتبعوا يسوع؛ فماذا سيكون ثوابهم؟ يخبرنا يسوع عن شرف خاص للتلاميذ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. سيكون للتلاميذ دور خاص في الدينونة المستقبلية، ربما بمعنى الإدارة في المُلك الألفي.
- كذلك، كان للرُسل شرف المساعدة في توفير أساس فريد للكنيسة (أفسس ٢٠:٢)، ولديهم تكريم خاص في أورشليم الجديدة (رؤيا يوحنا ١٤:٢١).
- “ما قاله بطرس كان صحيحًا، لكنه لم يتكلم بحكمة. فكلامه له نظرة أنانية جشِعة. ففي النهاية، ما الذي يخسره أي منا من أجل يسوع مقارنة بما نكسبه من خلاله؟” سبيرجن (Spurgeon)
- كُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ: ولكن سيكون هناك شرف عالمي لجميع الذين يضحون من أجل يسوع؛ فكل تضحية قمنا بها لأجله، ستعاد إلينا مئة مرة، بالإضافة إلى الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.
- مِئَةَ ضِعْفٍ: من الواضح أنها ليست حرفية بالمعنى المادي؛ وإلا لفُهِمَ كلام يسوع على أنه سيعطي مئة أمًا ومئة زوجةً. لكن الفكرة هنا أن يسوع سوف يفعل أكثر لكي يعوض ما تركناه، ولكن قد يكون التعويض روحانيًا بدلًا من كونه ماديًا. مِئَةَ ضِعْفٍ هو بالتأكيد حرفيًا بالمعنى الروحي.
- وصف ماثيو بوله (Matthew Poole) بعض الطرق التي نحصل بها على مئة ضعف:
- الفرح في الروح القدس وراحة الضمير والشعور بمحبة الله.
- القناعة. سنتمتع بذهن قانع.
- سيحرك الله قلوب الآخرين لتسديد المطالب، ويكون التسديد أحلى مما تخلوا عنه.
- يسدد الله الدين ويرد المعروف في بعض الأحيان في هذه الحياة، لأنه رد سبي أيوب بعد تجربته إلى ثروات أكبر.
- يزال المبدأ: الله لن يكون مديونًا لأي إنسان. يستحيل علينا أن نعطي الله أكثر مما يعطينا.
- لكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ: بكلمات سابقة، وعد يسوع أن يكافأ أولئك الذين ضحوا من أجله ومن أجل ملكوته. ثم قال إنه على الرغم من أنه سيتم مكافأتهم، إلا أن المكافأة ستكون مختلفة عما يتوقعه الإنسان عادةً؛ لأننا نعتقد عادة أن الأول سيكون الأول والأخير سيكون الأخير. المثل في الفصل التالي سيوضح هذا المبدأ.
- “يوضح يسوع أنه ستكون هناك مفاجآت في التقييم النهائي. قد يكون أولئك الذين كانوا متواضعين على الأرض عظماء في السماء، وأولئك الذين كانوا عظماء في هذا العالم سوف يتواضعون في الدهر الآتي.” باركلي (Barclay)
- “أنت تتذكر الأسطورة الرومانية الكاثوليكية القديمة التي تحتوي على حقيقة عظيمة. كان هناك أخ يبشر بقوة، وقد ربح للمسيح العديد من النفوس، وقد كشف له في المنام، أنه لن يكون له أجر في السماء على كل ما فعله. فسأل لمن ستذهب المكافأة؛ فأخبره ملاك أن المكافأة ستذهب إلى رجل عجوز كان يجلس على سلالم المنبر، ويصلي من أجله. حسنًا، قد يكون الأمر كذلك، على الرغم من أنه من المرجح أن يشترك كلاهما في مدح السيد. ومع ذلك، لن يتم مكافأتنا ببساطة وفقًا لنجاحنا الواضح.” سبيرجن (Spurgeon)