إنجيل متى – الإصحاح ٢٣
ويلات للكتبة والفريسيين
أولًا. يسوع يوبخ الكتبة والفريسيين
أ ) الآيات (١-٤): يضعون أعباء قمعية على الآخرين.
١حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ ٢ قَائِلًا: «عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، ٣ فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. ٤ فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ، وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِم”
- حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ: تكلم يسوع مع هذه المجموعات، لكنه تحدث عن الكتبة والفريسيين. وبالطبع، استمع هؤلاء المعارضون المتشددون ليسوع؛ ولكن يسوع قرر تجاهلهم، بل وابتدأ يحذر الناس وأتباعه منهم.
- “الهدف الحقيقي للخطاب كله هو الحشود والتلاميذ الذين يحتاجون إلى التحرر من حرفية القانون الفريسَّية.” فرانس (France)
- “ربما قبل عام، بدأ يسوع يشجب الفريسيين (متى ٧:١٥). وفي وقت لاحق حذر تلاميذه من تعليم الفريسيين والصدوقيين (متى ٥:١٦-١٢). والآن صار تحذيره وإداناته علنية.” كارسون (Carson)
- وفقًا لويليام باركلي (William Barclay)، يصف التلمود سبعة أنواع مختلفة من الفريسيين؛ ستة من السبعة منهم سيئين.
- الفريسي الكَتِف، الذي ارتدى جميع أعماله الصالحة على كتفه ليراها الجميع.
- الفريسي المنتظر قليلًا، الذي ينوي دائمًا القيام بأعمال حسنة، ولكنه دائمًا يجد سببًا للقيام بها لاحقًا، ليس الآن.
- الفريسي المضروب أو النازف، الذي كان مقدسًا للغاية بحيث يحول رأسه بعيدًا عن أي امرأة تُرى في العلن، وبالتالي يصطدم باستمرار بالأشياء ويتعثر، مما يؤدي إلى إصابة نفسه.
- الفريسي الأحدب، الذي كان متواضعًا لدرجة أنه مشى منحنيًا بالكاد يرفع قدميه، بحيث يمكن للجميع رؤية مدى تواضعه.
- الفريسي دائم العد، الذي كان دائمًا يحسب أفعاله الصالحة ويعتقد أن الله صار مدينًا له بسبب كل ما فعله.
- الفريسي الخائف، الذي فعل الخير لأنه شعر بالرعب من أن الله سيضربه إذا لم يفعل.
- الفريسي الذي يخاف الله، الذي كان يحب الله حقًا ويعمل الخير لإرضاء الله الذي كان يحبه.
- فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ: قال يسوع إن الاحترام واجب للكتبة والفريسيين؛ ليس بسبب سلوكهم، ولكن لأنهم يجلسون عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى؛ فيجب احترامهم لأنهم يشغلون مناصب السلطة التي عينها الله.
- “لا تدع شريعة الله تفقد سلطانها على حياتك بسبب هؤلاء الناس الأشرار.” بوله (Poole)
- كُرْسِيِّ مُوسَى: “كانت للمجامع مقعدًا حجريًا في المقدمة حيث يجلس المعلم المُعتمد.” كارسون (Carson). “تكلم اليهود عن مقعد المعلم كما نتحدث نحن عن كرسي أستاذ.” بروس (Bruce)
- إِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ: كان الكتبة والفريسيين أمثلة سيئة لأنهم توقعوا المزيد من الآخرين أكثر مما توقعوه من أنفسهم. وقد وضعوا أَحْمَالًا ثَقِيلَة على الآخرين، لكنهم أنفسهم لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِم.
- أَحْمَالًا ثَقِيلَةً: يتناقض عبء القادة الدينيين بشكل حاد مع عبء يسوع. فحِمله خفيف، ونيره هين (متى ٣٠:١١). فهؤلاء القادة الدينيين كانوا يضعون الأعباء؛ أما يسوع فكان يحمل الأعباء.
- يمكن توجيه الاتهام الأول ضد هؤلاء القادة الدينيين إلى العديد من القادة الدينيين اليوم. فيعلم الكثيرون أن جوهر المسيحية هو مجموعة من القواعد المرهقة التي يجب اتباعها.
- رفضت الكنيسة الأولى حرفية تطبيق الناموس هذه، وأصرت على أن طاعة ناموس موسى ليست أساسًا للحياة المسيحية. وهذا ما قاله بطرس للمتمسكين بحرفية الناموس في سفر أعمال الرسل ١٠:١٥ ’لمَاذَا تُجَرِّبُونَ اللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلاَمِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟‘
ب) الآيات (٥-١٠) يعملون أعمالًا صالحة ليراهم الناس، ويعيشون من أجل مدح الناس.
٥وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ: فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ، ٦وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، ٧وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي! ٨وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ. ٩وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. ١٠وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ.
- وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ: كان القادة الدينيون مذنبين في الإعلان عن أعمالهم الصالحة. وقد تصرفوا كالمرائين الذين تكلم عنهم يسوع في العظة على الجبل (متى ١:٦-٦).
- فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ: ’العصائب‘ (وهي صناديق جلدية صغيرة مع لفائف صغيرة تحتوي على نصوص من الكتب المقدسة، تُربط على الذراع والرأس بأشرطة جلدية)، و’أَهْدَابَ الثياب‘ كانتا تُلبس في محاولة لحفظ وطاعة ناموس موسى (تثنية ١٨:١١؛ عدد ٣٨:١٥-٤٠).
- “كان يطلق عليها اسم ’العصائب‘ وهي كلمة مأخوذ من الكلمة اليونانية القديمة التي تعني المكان الذي كان يتم فيه حفظ الناموس.” بوله (Poole)
- كان من الطبيعي أن يعتقد هؤلاء القادة الدينيون أن العصائب والملابس الطويلة تظهر أنهم أكثر روحانية. فكانت فكرة ارتداء العصائب وأهداب الثياب الطويلة هي طاعة وصية الله لإسرائيل بموجب العهد الذي أُعطي في جبل سيناء. واستخدام هذه الأشياء للترويج عن صورة الروحانية الفائقة كان خطأ الإنسان الخاطئ، وليس الوصية نفسها.
- وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ… وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ: لأنهم كانوا يفتقرون إلى الروحانية الحقيقية، أحب القادة الدينيون أن يُعجب الناس بروحانيتهم المفترضة. فسعوا إلى مقاعد الشرف في المآدب والمجامع، وأحبوا ألقاب الشرف مثل السيد والأب.
- “هناك تأكيد يجب أن يوضع على كلمة ’يُحِبُّونَ‘؛ فلا بأس أن نعطي شخص ما أفضل لقب أو المتكأ الأول، كنوع من الواجب أو للحفظ على النظام العام، ولكن لا ينبغي لأحد أن يحب ويطلب هذه الأمور.” بوله (Poole)
- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ: لقد حذر يسوع الناس من تقليد الكتبة والفريسيين في هذه المرحلة. فعلى أتباعه أن يتذكروا دائمًا أنهم ’جَمِيعًا إِخْوَةٌ‘ وأنه لا ينبغي التعالي على الآخرين بألقاب يتم طلبها أو تلقيها.
- “النصح الذي على الكنيسة أن تتخذه اليوم بجدية أكبر، ليس فقط فيما يتعلق بالألقاب الكنسية الرسمية (’الراعي الأكبر‘ أو ’سيدي الأسقف‘ وما إلى ذلك)، ولكن بشكل أكثر أهمية في احترامها المفرط للمؤهلات الأكاديمية أو إلى الوضع الرسمي في الكنائس.” فرانس (France)
- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي… وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ… وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ: يحذرنا يسوع ويحذر مستمعيه ضد إعطاء أي شخص شرف غير مناسب. فقد يكون للمرء أب أو معلمون بمعنى إنساني عادي، ولكن لا ينبغي أن ينظر إليهم بمعنى يمنحهم شرفًا روحيًا أو سلطة مفرطة.
- “في كنيسة المسيح، جميع الألقاب والأوسمة التي تمجّد الناس وتعطي مجالًا للكبرياء محظورة هنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- من بقية الكتاب المقدس، يمكننا أن نرى أن يسوع لم يكن ينوي هذا كحظر مطلق، بل يتحدث إلى القلب الذي يحب هذه الألقاب ويجمعها ويعتز بها. فنحن نعرف هذا لأنه، تحت إلهام الروح القدس، تحدث أناس قديسون عن أنفسهم مستخدمين بعض هذه الألقاب.
- دُعي يسوع المعلم: (متى ٢٥:٢٦؛ ٤٩:٢٦؛ يوحنا ٣٨:١؛ ٢٦:٣).
- أطلق بولس على نفسه أبًا: (كورنثوس الأولى ١٥:٤؛ فيلبي ٢٢:٢).
- دعا بولس المؤمنين أبناءه: (غلاطية ١٩:٤).
- دعا بولس نفسه معلمًا: (تيموثاوس الأولى ٧:٢؛ تيموثاوس الثانية ١١:١).
- “الأشياء التي يحظرها هي: ١) تأثير هذه الألقاب والسعي ورائها. ٢) هو ما يُطلق عليه (Rom tituli) وتعني حرفيًا باللاتينية الألقاب الشرَّفية المُطلقة أو السلطة الأبوية المطلقة.” بوله (Poole)
- ومع ذلك، غالبًا ما يتم تجاهل وانتهاك هذه الوصية اليوم عن طريق إعطاء وتلقي الألقاب مثل النبي والرسول والأكثر تبجيلًا، وما إلى ذلك. ويظهر هذا أيضًا في قواعد التشريفات الموقعة في ختام خطاب موجه للبابا: “السجود عند أقداس قداستكم والتماس واستنباط صلاح قداستكم وبركتها الرسولية، فيشرفني أن أكون، أيها الأب القديس جدًا، بأقدس تحياتكم عُمقًا. قداسة، الخادم الأكثر اتضاعًا وطاعةً ابنك/ابنتك.”
- “يجب أن نقول أن السيد المسيح المُقام يشعر بالضيق من أولئك الذين في كنيسته يطالبون بالخضوع التام لهم ولآرائهم ويخلطون سمعة التقوى المبهرة مع الاستسلام الإلهي لتعاليمه وكأنه كان مع الفريسيين.” كارسون (Carson)
ج) الآيات (١١-١٢): طريق يسوع: الخدمة والتواضع.
١١وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِمًا لَكُمْ. ١٢فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ، وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ.
- وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِمًا لَكُمْ: عادة يقدر الناس العظمة بعدد الناس الذين يخدمونهم ويكرمونهم. لهذا ذكَّر يسوع أتباعه بأنه يجب أن يكون الأمر مختلفًا في ملكوته، إذ علينا أن نقدر العظمة عن طريق خدمتنا وتكريم الآخرين.
- “باختصار، مثل كل من يخلفهم روحيًا حتى يومنا هذا، كانوا قاسين مع الآخرين، لكنهم متساهلون للغاية مع أنفسهم.” كلارك (Clarke)
- حيث أن يسوع هو أعظمهم حقًا (أَكْبَرُكُمْ)، فقد تكلم عن نفسه كخادم. فمن المؤسف أن العديد من أتباع يسوع يقلدون فلسفة وأسلوب الكتبة والفريسيين في القيادة أكثر من أسلوب يسوع.
- فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ، وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ: سوف يكون هذا الوعد صحيحًا تمامًا، لكن في بعض الأحيان لا يُعرف إلا بمقياس الأبدية.
ثانيًا. الويلات الثماني للقادة الدينيين
تقف هذه الويلات في مقابل التطويبات الثماني في إنجيل متى ٣:٥-١١. فقد تكلم يسوع بقسوة هنا، ومع ذلك لم تكن هذه لهجة تعبر عن مجرد انزعاج شخصي ولكنها لهجة التحذير والإدانة الإلهية. “مثل هذه السلسلة من ’الويلات‘ مألوفة من أنبياء العهد القديم (على سبيل المثال إِشعياء ٨:٥-٢٣؛ حبقوق ٦:٢-١٩)، وقت أتت بنبرة الإدانة، وهذا هو التأكيد هنا أيضًا.” فرانس (France)
أ ) الآية (١٣): ويل لأولئك الذين يغلقون أبواب الملكوت.
١٣«لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ.
- لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ: حرفيًا، تشير كلمة ’الْمُرَاؤُونَ‘ إلى ممثل، شخص يلعب دورًا. فقد كشف يسوع عن الفساد الذي تغطيه الصورة الروحية للكتبة والفريسيين.
- لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاس: لقد منع القادة الدينيون الناس من ملكوت السماوات بجعل التقاليد الإنسانية والقواعد الدينية للإنسان أكثر أهمية من كلمة الله. وكان هذا واضحًا في الطريقة التي عارضوا بها يسوع ورفضوه؛ لو فتحوا ملكوت السماوات للناس، لكانوا قد استقبلوا يسوع، وقبلوه باعتباره المسيا وابن الله.
- “لقد كُتب منذ القديم، أن شفاه الكاهن يجب أن تحافظ على المعرفة: الله الذي عهِدَ بمفتاح المعرفة لخدام الكنيسة ولإرشاد كنيسته، ليس ليأخذوه بعيدًا، لكن لكي يستقي الناس ناموس الله من أفواههم، لأنهم رسل رب الجنود (ملاخي ٧:٢).” بوله (Poole)
- فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ: إنه لأمر سيء ألا يُدخلَ أحد نفسه السماء، لكن من الأسوأ بكثير منع شخص آخر من الدخول (متى ٦:١٨).
- “في العصور القديمة كان معلمي اليهود يحملون مفتاحًا، وهو رمز أو شعار المعرفة.” كلارك (Clarke)
ب) الآية (١٤): القادة الدينيون يسرقون من المستضعفين.
في العديد من ترجمات الكتاب المقدس، لم تُدرج هذه الآية في النص أو في الهامش. كتب كارسون (D.A. Carson): “يجب اعتبار (الآية ١٤) بمثابة إقحامٍ على النص. وهذا واضح، ليس فقط لأنها غير موجودة في أفضل وأقدم مخطوطات إنجيل متى، ولكن من حقيقة أن المخطوطات التي تتضمنها تختلف فيما بينها على مكان وجودها: قبل أو بعد (الآية ١٣).” حتى وإن كانت لا تنتمي إلى إنجيل متى ٢٣، فمن المؤكد أنها موجودة في نصوص مرقس ١٢ ولوقا ٢٠.
١٤وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ.
- تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ: باستخدام الخداع وعدم الأمانة، سرق الكتبة والفريسيون بُيُوتَ الأَرَامِل، للتستر على زيفهم باسم العمل الصالح أو الرعاية.
- ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ: تم استخدام صلواتهم الروحية الطويلة والمزيفة لبناء صورة روحية، غالبًا من أجل التبرعات الكبيرة.
- “إنه لا يأبه بحساب صلواتنا، أو كم عددها؛ ولا خطابة صلواتنا، أو كم هي بليغة؛ ولا موسيقى صلواتنا، أو حلاوة أصواتنا، ولا منطق صلواتنا، أو منهجيتها، لكن ما يقدره بشدة هو طهارة قلوبنا أثناء الصلاة.” تراب (Trapp)
- لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ: عظمة خطاياهم تطلبت دَيْنُونَةً أَعْظَمَ مما على الآخرين احتماله. ففي ظل هذا المفهوم، يمكننا أن نقول أنه لا يوجد أحد سيتمتع بامتيازات في الجحيم، ولكن يمكننا أن نثق في أن البعض سيكون أسوأ حالًا من الآخرين.
- “هذه الكلمات تثبت أن هناك درجات من العقوبة، كما أن هناك تدرجات في المجد. إذ سيتم الحكم على جميع الأشرار وإدانتهم من قبل القاضي الصالح، لكن ’الدينونة الأعظم‘ ستكون مخصصة للمنافقين.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآية (١٥): قاد القادة الدينيون أتباعهم إلى الطريق الخطأ.
١٥وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا.
- لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا: حماستهم في الكرازة لم تثبت أنهم كانوا على صواب مع الله. لقد ذهب هؤلاء القادة الدينيون إلى أبعد الحدود لكسب الآخرين، لكنهم جلبوا الناس إلى الظلام، وليس إلى النور.
- كان لدى بولس نفس الفكرة في رسالته إلى أهل رومية ٢:١٠، حيث لاحظ أن بعض اليهود في زمنه كان لديهم غيرة لله، لكن ليس وفقًا للمعرفة.
- “إن كلمة ’دخيل‘ في اليونانية تعني ’الشخص الذي دنا أو اقترب.‘ فكان الدخيل هو الشخص الذي قبل الشريعة الطقسية والختان وأصبح يهوديًا بكل ما في الكلمة من معنى.” باركلي (Barclay)
- “هناك مجموعة كبيرة من العلماء يناقشون بشكل مقنع بأن القرن الأول الميلادي حتى سقوط أورشليم يمثل الفترة الأكثر بروزًا لحملات التبشير اليهودية والنجاح الرائع.” كارسون (Carson)
- وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا: من خلال طاقاتهم العظيمة، يمكنهم الفوز بالبعض، ولكن دون فائدة تذكر لأولئك الذين فازوا.
- “لم يكن عملهم هو تحويل الناس من الخطيئة إلى الله، ولكن تحويلهم إلى مجرد رأي.” بوله (Poole)
- في هذا الصدد، كان القادة الدينيون مشابهين لطائفة المورمون وشهود يهوه اليوم. فقد كانوا رسلًا شجعان وحيويين، ولكن برسالة مُضلِلة.
- “لم ينتقد يسوع حقيقة جهود الفريسيين التبشيرية المكثفة، لكن نتائجها. فلقد تجاوزت النتائج بطريقة الفريسيين أنفسهم.” كارسون (Carson)
د ) الآيات (١٦-٢٢): أدى القادة الدينيون الأقسام الكاذبة والمضلِلة.
١٦وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. ١٧ أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ ١٨ وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ. ١٩ أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ ٢٠ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ! ٢١ وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ، ٢٢ وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ.
- مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ: بدافع الطاعة لكلمة الله، رفضوا أن يقسموا (يحلفوا) باسم الله (وفقًا للوصية في سفر الخروج ٧:٢٠). ومع ذلك، فقد بنوا نظامًا مُقننًا لليمين، بعضها ملزم والبعض الآخر غير ملزم. وكانت تلك أفضل طريقة لتقديم وعود كاذبة.
- “بالنسبة لليهودي، كان القَسَم ملزمًا تمامًا، طالما أنه قسمًا ملزمًا. وكان القَسم الملزم بصورة عامة، هو القسم الذي استخدم فيه اسم الله دون غموض أو تورية؛ على الإنسان أن يلتزم بهذا القسم مهما كلفه ذلك. أما الأنواع الأخرى من القَسم يمكن أن تكسر بشكل قانوني.” باركلي (Barclay)
- أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟: أكد يسوع أن المذبح نفسه أكبر من التضحية التي قدمت عليه. فالمذبح هو مكان التقاء ثابت بين الله والإنسان، ومذبحنا هو يسوع نفسه وعمله على الصليب.
- وبما أنه لم ينفصل أبدًا عن الله الآب بالخطية، لم يكن يسوع نفسه بحاجة إلى مذبح. فعلاقته مع أبيه هي علاقة حرة ومجيدة. إنها الحرية التي تمتع بها آدم قبل السقوط، بل أكثر منها، لأن يسوع كان له تاريخ مع أبيه الذي لم يعرفه آدم.
- من الجدير أن نفكر في عظمة المذبح في العهد القديم:
- الغرض من المذبح مهم: إنه يقدّس ما يتم وضعه عليه، ويستمر في حمل الذبائح حتى تحرق تمامًا.
- موقع المذبح مهم: إنه يظهر أننا نأتي إلى يسوع وعمله الكفارى أولًا.
- شكل المذبح مهم: هو مربع ومتناسق تمامًا، أي مستقر وغير قابل للتغيير.
- إن قرون المذبح مهمة: فهي تُظهر قوة الله الكامنة في يسوع.
- موقع المذبح مهم: فهو غير مرفوع، لكنه منخفض بدرجة كافية بحيث يقترب منه الجميع؛ ليس لديه سلالم من شأنها أن تكشف عورة الإنسان.
- مظهر المذبح مهم: فهو ملطخٌ بدم الذبيحة.
- المادة التي صنع منها المذبح مهمة: النحاس، المُصاغ في النار والقادر على تحمل لهيب النار.
- وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ: لقد ذكّرهم يسوع أن كل قسم ملزم وأن الله يحاسب من يقسم، حتى لو كسروا القسم.
هـ ) الآيات (٢٣-٢٤): القادة الدينيون مهووسون بالتفاهات ويتجاهلون الأمور الجوهرية.
٢٣وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. ٢٤أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ.
- لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ: العشور كانت دقيقة وجديرة بالملاحظة؛ ولكنها كانت منافقة لأنها كانت تهدئ ذنب إهمالهم أَثْقَلَ النَّامُوسِ. فمن الممكن والشائع أن ننشغل بالأمور البسيطة بينما يهلك العالم الضال.
- “’أَثْقَلَ النَّامُوسِ‘ لا تشير إلى ’الأكثر صعوبة‘ أو ’الأقسى‘ ولكن إلى ’الأكثر مركزية والأكثر حزمًا.‘” كارسون (Carson)
- قدم يسوع وصفًا سريعًا الوصايا الأثقل في الناموس بالكلمات: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. “تشير هذه العبارة إلى ملخص الديانة الحقيقية (على عكس التضحية الباهظة) في سفر ملاخي ٨:٦.” فرانس (France)
- أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ: أوضح يسوع حماقتهم من خلال صورة فكاهية لرجل ملتزم بحمية غذائية يهودية لدرجة أنه لن يبتلع الْبَعُوضَةِ لأنها لم تُصفى طبقًا للوائح تلك الحمية الغذائية. ومع ذلك، كان يمكن لهذا الرجل أن يبتلع جملًا كاملًا.
- “هذه صورة تثير الضحك، لأنها صورة لرجل يصفي نبيذه بعناية من خلال الشاش ليتجنب ابتلاع حشرة صغيرة نجسة، ولكنه في الوقت عينه يبتلع الجمل ببهجة. إنها صورة لرجل فقد إحساسه بالتناسب بين الأشياء.” باركلي (Barclay)
و ) الآيات (٢٥-٢٦): القادة الدينيون نجسون من الداخل والخارج.
٥ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً. ٢٦ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلًا دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا.
- لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ: كان الكتبة والفريسيون راضين عن التطهير السطحي ومظهر التقوى والبر.
- وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً: بينما كانوا يهتمون بشدة بمظهرهم تقواهم الخارجي، إلا أنهم لم يكونوا مهتمين بالداخل المليء بالخطيئة والفساد.
- نَقِّ أَوَّلًا دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا: لم يَدْعُهم يسوع للاختيار بين البر الخارجي والبر الداخلي، بل دعاهم إلى أن يهتموا بكليهما، ولكن أَوَّلًا تنقية الداخل. إن البر الخارجي الحقيقي يبدأ من الداخل.
ز ) الآيات (٢٧-٢٨): القادة الدينيون يتمتعون بمظهر الخير، ولكن بدون حياة روحية في الإنسان الداخلي.
٢٧وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. ٢٨هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا.
- لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً: لقد كانت العادة بين اليهود في ذلك الوقت أن تبيض المقابر في مدينة أورشليم قبل الفصح حتى لا يلمسها أحد بطريق الخطأ، مما يجعلهم نجسين من الناحية الطقسية. قال يسوع إن هؤلاء القادة الدينيين كانوا مثل هذه المقابر المُبَيَّضَةً: جميلة من الخارج، ولكنها مليئة بالموت من الداخل.
- هكذا دعا بولس رئيس الكهنة: ’الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ‘ في سفر أعمال الرسل ٣:٢٣.
- خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا: قد يراهم الناس أبرارًا، لكن الله لا يراهم هكذا. فالله لا ينخدع أبدًا بما نظهره من الخارج. إنه يرى ما نحن عليه بالفعل، وليس ما يبدو منا للناس الآخرين.
ح ) الآيات (٢٩-٣٦): يكرم القادة الدينيون الأنبياء الأموات، لكنهم يقتلون الأنبياء الأحياء.
٢٩وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ، ٣٠وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. ٣١فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. ٣٢فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. ٣٣أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ ٣٤لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، ٣٥لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. ٣٦اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ!
- لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ: لقد أعلنوا أنهم يبجلون الأنبياء الأموات لكنهم يرفضون الأنبياء الأحياء. وبقيامهم بذلك، أظهروا أنهم كانوا حقًا أبناء أولئك الذين قتلوا الأنبياء في الأيام القديمة (أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ).
- نعبر عن نفس الفكر عندما نفكر قائلين: “لن أنكر يسوع مثلما فعل التلاميذ الآخرون.”
- فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ: تنبأ يسوع عن كيفية إتمام هؤلاء القادة برفض الأنبياء، حيث بدأ آباؤهم باضطهاد تلاميذه، الذين سيرسلهم إليهم.
- “لا يمكن لأي حجة أن تسلب هذه الكلمات من أهميتها الرهيبة. إنهم يقفون على الصفحة التي تتحدث إلينا بدقة عن ’غضب الخروف.‘ مورجان (Morgan)
- “هذه واحدة من أشد الكلمات التي خرجت من شفاه المسيح. إنها تشبه رسالته إلى يهوذا ’مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَة.‘ هذه الخطيئة الكبرى سوف تملأ ذنب آبائهم وتُسقط عليهم دينونة الله الصالحة.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي: أي ’عائلة الشيطان.‘ فقد أخذ هؤلاء القادة الدينيون فخرًا غير محدود بتراثهم، معتقدين أنهم أبناء روحيون لإبراهيم. بدلًا من ذلك، كانوا أشبه أبناء للشيطان، وليس لإبراهيم.
- تكلم يسوع بقوة عن هؤلاء القادة الدينيين لسببين. أولًا، لم يُرِد أن يُخدع الناس بواسطتهم. ثانيًا، لقد أحب هؤلاء الناس. فهؤلاء الناس كانوا أبعد ما يكون عن الله وكانوا بحاجة إلى تحذير من الدينونة القادمة. فما أراده يسوع حقًا هو توبتهم، وليس الحُكم عليهم.
- مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا: تكلم يسوع هنا عن كل شهداء العهد القديم. فكان هَابِيل الأول بشكل واضح، وفي طريقة ترتيب الكتاب المقدس العبري، كان زَكَرِيَّا هو الأخير. فسفر أخبار الأيام الثاني هو آخر سفر في الكتاب المقدس العبري، وقصة زكريا موجودة في الإصحاح ٢٤.
- دم هابيل صرخ (تكوين ١٠:٤)، وطلب زكريا أن يُذكَر دمه (أخبار الأيام الثاني ٢٢:٢٤).
- هناك مشكلة في وصف زَكَرِيَّا بأنه ابن برخيَّا، لأن نص سفر أخبار الأيام الثاني، يصفه بأنه ابن يهوياداع (أخبار الأيام الثاني ٢٠:٢٤). ويلخص كلارك (Clarke) أفضل الحلول لهذه المشكلة. أولًا، كانت هذه الأسماء المزدوجة متكررة بين اليهود (صموئيل الأول ١:٩، أخبار الأيام الأول ٣٣:٨، متى ٩:٩، مرقس ١٤:٢ وأمثلة أخرى أيضًا). ثانيًا، أن اسماء يهوياداع وبرخيَّا لهما نفس المعنى: تسبيح يهوه أو تمجيده.
- “يمكن للمرء أن يشعر تقريبًا بالقوة الصاعقة لسخطه الشديد، السخط الموجه، ليس ضد الناس، بل ضد إرشاداتهم الخاطئة. ولكن خلفها كلها يكمن قلبه، وتندمج ’الويلات‘ في انتحاب الأسى، صرخة أم على طفلها الضال.” مرجان (Morgan)
ط) الآيات (٣٧-٣٩): يسوع يرثي أورشليم.
٣٧«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! ٣٨ هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. ٣٩ لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!».
- يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ: يخبرنا إنجيل لوقا ٤١:١٩ أن يسوع بكى وهو ينظر إلى مدينة أورشليم، وفكر في دينونتها القادمة، وقال هذه الكلمات. أراد يسوع أن يحميهم من الدينونة الرهيبة التي ستأتي نتيجة رفضهم له.
- مكتوب أن يسوع بكى مرتين: هنا، في ألم لمعرفة ما يمكن أن يصيب أولئك الذين يرفضونه؛ وكذلك عند قبر لعازر، حيث كان يبكي على قوة وآلام الموت.
- هذه الصرخة القلبية هي طريقة أخرى لنرى أن يسوع لم يكره هؤلاء الناس الذين وبخهم بقوة. لكنه قلبه قد كسر من أجلهم. فعندما نخطئ، الله لا يكرهنا. إنه يحزن علينا حقًا، مدركًا أن خطايانا وتمردنا يدمران حياتنا بكل طريقة. وأصلي كي نتشارك في حزن الله على الإنسانية المفقودة.
- كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا: أراد يسوع أن يحمي شعبه ويرعاه مثلما تحمي الطير الأم فراخها الصغيرة.
- “إن صورة الدجاجة (الكلمة اليونانية ’طائر‘) التي تحمي صغارها استخدمت في العهد القديم لتشير إلى حماية الله لشعبه (مزمور ٨:١٧، ٤:٩١، إشعياء ٥:٣١، إلخ).” فرانس (France)
- تخبرنا صورة الدجاجة وفراخها أمرًا حول ما أراد يسوع فعله لهؤلاء الذين رفضوه.
- أراد أن يجعلهم آمنين.
- أراد أن يجعلهم سعداء.
- أراد أن يجعلهم جزءًا من مجتمع مبارك.
- أراد تعزيز نموهم.
- أرادهم أن يعرفوا محبته.
- ويمكن أن يحدث هذا فقط إذا جاءوا إليه عندما يدعوهم.
- “إن شوق يسوع هذا لا يمكن أن يأتي إلا من مخلص إسرائيل، وليس من أحد أنبيائها.” كارسون (Carson)
- إن الكلمات ’كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ‘ هي مؤشر خفي على أن البشير متى كان يعلم أن يسوع قد زار أورشليم عدة مرات من قبل (كما تم سرده بوضوح في إنجيل يوحنا)، على الرغم من أنه يذكر هذه الزيارة الأخيرة فقط. “لم يكن بإمكان يسوع أن يقول ما يقوله هنا إلا إذا قام بزيارات متكررة إلى أورشليم وأصدر نداءات متكررة للناس.” باركلي (Barclay)
- وَلَمْ تُرِيدُوا!: المشكلة لم تكن رغبة يسوع في إنقاذهم وحمايتهم؛ كانت المشكلة أنهم لم يُرِيدُوا. لذلك فإن الدمار المتوقع سيأتي عليهم.
- “يا لها من صورة شفقة وحب خائب الأمل التي بالتأكيد كانت على وجه الملك حين قال هذه الكلمات، بالدموع المنهمرة!” سبيرجن (Spurgeon)
- “نحن نؤمن بأن الخلاص هو بفضل النعمة، لكننا نؤمن أيضًا بثبات متساوٍ أن هلاك الإنسان هو نتيجة خطيته. فمشيئة الله هي التي تخلص، ولكن إرادة الإنسان هي التي تُحكم عليه.” سبيرجن (Spurgeon)
- في عظة رائعة حول هذا النص بعنوان (أريد؛ لكنك أنت لا تريد)، وصف سبيرجن إرادة يسوع.
- إنها إرادة حقيقية.
- إنها عملية، وسوف تفعل.
- إنها إرادة فورية.
- إنها إرادة ثابتة.
- إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!: لقد كشف يسوع هنا عن بعض الظروف المحيطة بمجيئه الثاني. فعندما يأتي يسوع مرة أخرى، سوف يرحب به الشعب اليهودي كما يقول المسيح، قائلين: ’مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!‘
- “حتى يتم استيفاء الأمم، وعندما يتم إرسال كلمة الحياة إليكم مرة أخرى؛ عندها سوف تبتهجون وتباركون من يأتي باسم الرب بالخلاص الكامل والنهائي للخراف الضالة من بيت اسرائيل.” كلارك (Clarke)
- سوف يتطلب الأمر الكثير لإحضار إسرائيل إلى هذه النقطة، لكن الله سيفعل ذلك. فمن الموعود به أن ترحب إسرائيل بعودة يسوع، كما قال الرسول بولس في رومية ٢٦:١١ “َوَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ.”