إنجيل متى – الإصحاح ٢٦
خيانة يسوع واعتقاله
أولًا. حان الوقت للقبض على يسوع وصلبه
أ ) الآيات (١-٢): يسوع يُذكر تلاميذه بآلامه القادمة وصلبه.
١وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: ٢«تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ».
- وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هَذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا: وفقًا لإنجيل متى، انتهت هنا تعاليم يسوع. ففي هذه الأيام الأخيرة التي سبقت خيانته والصلب، حذر الجموع من القيادة الدينية الفاسدة وتحدث مع تلاميذه عن الأشياء القادمة. والآن، حان الوقت لإنجاز عمله على الصليب.
- “بعد أن علمَّ تلاميذه واليهود من خلال خطاباته، وهذبهم بإتباعه كمثل، وأقنعهم بمعجزاته، فإنه يستعد الآن لفدائهم بدمه!” كلارك (Clarke)
- تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ: ربما بعد حديثه عن الملكوت القادمة المجيد، لم يصدق التلاميذ أن المسيا سيتألم. لهذا ذكرهم يسوع أن هذا ليس هو الحال.
ب) الآيات (٣-٥): المؤامرة ضد يسوع.
٣حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، ٤وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. ٥وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ».
- وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ: الجدل الطويل الذي كان يدور بين يسوع والقادة الدينيين أدى إلى هذه النتيجة.
- وفقًا لكارسون (Carson)، فإن استخدام الكلمتين: ’اجْتَمَعَ‘ و’تَشَاوَرُوا‘ يؤكد على ما جاء في مزمور ١٣:٣١ “لأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ. الْخَوْفُ مُسْتَدِيرٌ بِي بِمُؤَامَرَتِهِمْ مَعًا عَلَيَّ. تَفَكَّرُوا فِي أَخْذِ نَفْسِي.”
- رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا: “تم إقالة حَنَّان من قبل الحكومة المدنية في عام ١٥م وحل محله قيافا، الذي عاش وحكم حتى وفاته في عام ٣٦م. ولكن بما أنه وفقًا للعهد القديم، لم يكن الكاهن الأكبر يُستبدل حتى بعد وفاته، فنقل السلطة كان غير قانوني. ومما لا شك فيه أن البعض استمر في دعوة أيًا منهما ’رَئِيسِ الْكَهَنَةِ.‘” كارسون (Carson)
- “خلال الفترة ما بين عام ٣٧ قبل الميلاد والعام ٦٧م كان هناك ما لا يقل عن ثمانية وعشرين رئيسًا للكهنة. ولعل الفترة التي قضاها قيافا رئيسًا للكهنة، وهي ما بين ١٨م – ٣٦م، هي فترة طويلة نسبيًا، تبين لنا أن قيافا كان قد برع في فن التعاون مع الرومان.” باركلي (Barclay)
- “بعد حوالي عامين من صلب ربنا، تم خلع قيافا وبيلاطُس من قِبل فيتيليوس، حاكم سوريا آنذاك، والإمبراطور بعد ذلك. ولأن قيافا، لم يكن قادرًا على تحمل هذا العار، بالإضافة إلى وخزات ضميره لقتل المسيح، قتل نفسه حوالي عام ٣٥م. (انظر كتاب ’آثار اليهود‘ ليوسيفوس).” كلارك (Clarke)
- لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلَّا يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ: لم يريدوا قتل يسوع أثناء الفصح، لكن هذا ما حدث بالضبط. وهذا مؤشر آخر خفي على أن يسوع كان يتحكم في الأحداث، حيث قاموا في الحقيقة بقتله في نفس اليوم الذي لم يريدوا فيه ذلك.
- لقد كان القادة محقين في خوفهم من الناس، فلقد زاد عدد سكان أورشليم ربما خمسة أضعاف خلال العيد؛ ومع الحماس الديني والتوقعات الشعبية لمجيء المسيا لخلاصهم من الاحتلال الذي ازداد جدًا، قد تنطلق شرارة انفجار.” كارسون (Carson)
ج ) الآيات (٦-١٣): امرأة تمسح يسوع بالطيب قبل موته.
٦وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، ٧تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيب كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. ٨فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هذَا الإِتْلاَفُ؟ ٩لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». ١٠فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلًا حَسَنًا! ١١لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. ١٢فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. ١٣اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا».
- تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ: نعلم من إنجيل يوحنا الإصحاح ١٢، أن هذه المرأة كانت مريم، أخت لعازر ومرثا. مريم، التي جلست عند قدمي يسوع (لوقا ٣٩:١٠)، قدمت هذا الحب والإخلاص الفائقين تجاه يسوع.
- هناك قدر من النقاش، وأحيانًا الارتباك، حول حادثة دهن يسوع هنا وتلك المذكورة في أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا. ويبدو أن أفضل حل هو أن متى ومرقس ويوحنا سجلوا ما حدث في بيت عنيا وأن لوقا سجل ما حدث في الجليل.
- “سِمْعَانَ الأَبْرَصِ غير معروف بالنسبة لنا. فمن المفترض أنه شخصية محلية معروفة، ربما شخصًا شفاه يسوع (لأنه لو كان ما زال أبرصَ لَمَا تمكن من استضافة الضيوف)، ولكن بقي لقبه بمثابة تذكير بمرضه السابق.” فرانس (France)
- يعلق موريس (Morris) على قَارُورَةُ الطِيب: “لم يكن لها أي مقابض وكانت مزودة بعنق طويل يتم كسره عند الحاجة إلى المحتوى. وقد نستنتج أن هذا العطر كان باهظًا إلى حد ما. وعادة ما كانت السيدات اليهوديات يرتدين قارورة عطر مربوطة بحبل حول الرقبة، وكان جزءًا مهمًا لهن حتى أنه سمح لهن بارتدائه في يوم السبت.” (تفسير إنجيل لوقا)
- لِمَاذَا هَذَا الإِتْلاَفُ؟: انتقد التلاميذ إظهار هذا الحب والشرف ليسوع. وعلى وجه التحديد، كان المنتقد يهوذا (يوحنا ٤:١٢-٦). ولكن يسوع دافع عن مريم كمثال لشخص قام ببساطة بعمل حسن من أجله. وسوف يتم التذكير بفعلها الباهظ – المتهور حقًا – تجاه يسوع أينما يكرز بالإنجيل (تَذْكَارًا لَهَا).
- “ما يسمونه مضيعة، يسميه يسوع: ’عَمَلًا جميلًا.‘” كارسون (Carson)
- “هل يضيع أي شيء هو في الأساس مُلكًا ليسوع؟ بل بالحري، سيضيع كل ما لا يُعطى له.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لم يستطع يهوذا أن يتنفس بحرية وسط رائحة الطيب وكل ما يرمز إليه.” بروس (Bruce)
- لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ: لم يقل يسوع هذا لتثبيط الكرم والمعاملة الكريمة تجاه الفقراء. بل في الواقع، فإن كلماته الأخيرة عن دينونة الأمم قد شجعت اللطف تجاه المحتاجين (متى ٣١:٢٥-٤٦). أشار يسوع إلى الطبيعة المناسبة لتلك اللحظة لتكريمه بطريقة باهظة.
- “جمال عمل هذه المرأة يتألف في هذا: كان الطيب للمسيح فقط. فجميع من كانوا في المنزل أدركوا واستمتعوا بعطر الطيب الثمين؛ لكن الطيب كان ليسوع فقط.” سبيرجن (Spurgeon)
- إِنَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي: حتى لو لم تفهم الأهمية الكاملة لما فعلت، فإن تصرف مريم قال شيئًا لم يقله التلاميذ أو يفعلونه. أعطت يسوع الحب والاهتمام الذي يستحقه قبل آلامه العظيمة. لقد فهمت أكثر لأنها جلست في أهم مكان، عند قدَمّي يسوع.
- كان يتم مسح الملوك، وكان يتم مسح الكهنة. وكلا الأمرين صحيحًا في حالة يسوع، ومع ذلك قال أنها مسحته لتكفينه.
- “ربما لم تكن تعرف كل ما فعلته عندما دهنت ربها من أجل تكفينه. فقد تكون عواقب أبسط الإجراءات التي نفعلها من أجل المسيح أكبر بكثير مما نعتقد. وهكذا أظهرت أن هناك على الأقل قلبًا واحدًا في العالم لم يكن يفكر في أن شيء ما أعظم من ربها، وأن أفضل ما لديه على الإطلاق يجب أن يُعطى له.” سبيرجن (Spurgeon)
- “تنبعث من اسم مريم الآن رائحة طيبة في كل بيت لله وكذلك ما فعلته؛ بينما يُخرج اسم يهوذا عفونة، وسيكون ذلك في جميع الأجيال القادمة.” تراب (Trapp)
- حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تَذْكَارًا لَهَا: إن ما فعلته مريم كان دافعه رائعًا: قلب نقي محب. وكان رائعًا في أنه تم من أجل يسوع وحده. وكان رائعًا لأنه كان غير عادي واستثنائي.
- “جميع الذين فعلوا عجائب للمسيح كانوا دائمًا يسمون غريبي الأطوار. عندما ذهب وايتفيلد (Whitfield) لأول مرة إلى بينينغتون كومون للتبشير، لم يجد مبنى كبير بما فيه الكفاية ليعظ فيه، فقرر الوعظ في الهواء الطلق، وكان هذا غريبًا جدًا. فكيف يمكنك أن تتوقع أن يسمع الله الصلاة، إذا لم يكن هناك سقف أعلى رؤوس الناس؟ كيف يمكن أن تُبارك النفوس، إن لم يجلسوا على مقاعد! كان يُعتقد أن ويتفيلد كان يفعل شيئًا غريبًا، لكنه ذهب وفعل ذلك؛ ذهب وكسر قارورة الطيب على رأس سيده، وفي خضم السخرية والاستهزاء، كان يبشر في الهواء الطلق. وماذا كانت النتيجة؟ نهضة وانتشار عظيم للدين. أتمنى لو كنا جميعًا مستعدين لفعل شيء غير عادي للمسيح، وأن نكون مستعدين لكي يُسخر منا، أو أن يقال عنا غريبي الأطوار أو حماسيين، وأن يتم نهبنا وتشويه سمعتنا لأننا خرجنا عن المألوف ولم نكتفِ بعمل ما قام به الجميع أو الموافقة عليه.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٤-١٦): يهوذا يصنع اتفاقًا شريرًا مع القادة الدينيين.
١٤حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ ١٥وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟» فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. ١٦وَمِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ.
- وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ: المعنى الواضح من إنجيل متى أن ما فعلته مريم كان الإهانة الأخيرة ليهوذا، على الرغم من أنه قد يكون حدث قبل بضعة أيام. فبعد هذه الحادثة، كان مصممًا على تسليم يسوع للقادة الدينيين الذين أرادوا قتله.
- مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟: على مر القرون، تم تقديم العديد من الاقتراحات فيما يتعلق بدافع يهوذا في خيانة يسوع.
- دعاه البشير متى (متى ٤:١٠) يهوذا الإسخريوطي؛ ربما كان من مدينة قريوت، وهي مدينة تقع في جنوب اليهودية. وهذا من شأنه أن يجعل يهوذا هو الوحيد من اليهودية بين التلاميذ الآخرين، الذين كانوا جميعهم من الجليل. ويتساءل البعض عما إذا كان يهوذا قد استاء من قيادة الصيادين الجليليين، وقرر أخيرًا أنه تحمل بما فيه الكفاية.
- ربما خاب أمل يهوذا من نوع المسيح الذي كشف عن نفسه ليكون؛ فربما كان يريد مسيح أكثر سياسيةً وقهرًا.
- ربما شاهد يهوذا الصراع المستمر بين يسوع والقادة الدينيين وخلُصَ إلى أنهم كانوا يفوزون وأن يسوع كان يخسر؛ لذلك، قرر التقليل من خسائره والانضمام إلى الجانب الفائز.
- ربما توصل إلى استنتاج مفاده أن يسوع لم يكن ببساطة المسيا أو نبي حقيقي، كما آمن شاول الطرسوسي.
- حتى أن البعض يشير إلى أن يهوذا فعل هذا بدافع نبيل؛ أنه كان يتوق أن يكشف يسوع عن نفسه كالمسيا القوي، وكان يعتقد أن هذا سيجبره على القيام بذلك.
- أيًا كان السبب المحدد، فإن الكتاب المقدس لا يبين أن يهوذا كان على وشك أن يُحجم عما سيفعله، ولكنه بين أن دافعه كان شيئًا واحدًا فقط وهو: الجشع. كانت جملته واضحة: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟»
- فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ: حسب الكتاب المقدس، لم يكن هناك نية نبيلة في قلب يهوذا. فكان دافعه ببساطة هو المال.
- من الصعب تحديد القيمة الدقيقة لــ ’ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ،‘ لكنها كانت بلا شك لا شيء مقارنة بقيمة المسيا. “كان سعرًا محددًا معروفًا لأحط العبيد (خروج ٣١:٢١؛ يوئيل ٣:٣، ٦). فمقابل هذا المبلغ الصغير جدًا، باع هذا الخائنُ أعذب وأروع سيد على الإطلاق.” تراب (Trapp)
- “على الرغم من أن يهوذا كان جشعًا بما فيه الكفاية ليطلب أكثر، وعلى الرغم من أنه كان بإمكان القادة أن يدفعوا أكثر، إلا أن هذا ما أمرت به المشورة الإلهية. كان ينبغي أن يُباع المسيح بثمن زهيد، حتى يكون أكثر غلاوة على أرواح المفديين.” بوله (Poole)
- “رغم أن الكثيرين باعوا يسوع بسعر أقل مما حصل عليه يهوذا؛ كانت الابتسامة أو السخرية كافية لحثهم على خيانة ربهم.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. العشاء الأخير مع التلاميذ
أ ) الآيات (١٧-٢٠): الاستعدادات لعيد الفصح: تذكُر الفداء.
١٧وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» ١٨فَقَالَ: «اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي». ١٩فَفَعَلَ التَّلاَمِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ. ٢٠وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ اتَّكَأَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ.
- وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ: لابد وأن هذا كان ذكرى مؤثرة للغاية ليسوع. فالفصح يُذَّكر اليهود بخلاصهم من مصر، والذي كان بمثابة الخلاص المركزي في العهد القديم. والآن يقدم يسوع مركزًا جديدًا للخلاص من خلال هذا الطقس الجديد.
- هذه الإشارة لأَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تثير قضايا معقدة في التسلسل الزمني الدقيق لهذه الأحداث. المشكلة الأولى هي أن متى ومرقس ولوقا يقدمون هذه الوجبة كوجبة عيد الفصح – أي الأكل من الذبيحة التي قدمت يوم الفصح أثناء الاحتفال الكبير في الهيكل. ولكن يبدو أن يوحنا يشير إلى أن الوجبة حدثت قبل الفصح (يوحنا ١:١٣)، وأن يسوع صلب في الفصح (يوحنا ٢٨:١٨).
- اقترح آدم كلارك (Adam Clarke) حلًا آخر: “يتفق الجميع على أن ربنا أكل الفصح قبل ساعات من أكل اليهود له؛ وفقًا للعرف، أكل اليهود وجبتهم في نهاية اليوم الرابع عشر، لكن المسيح أكل الفصح قبلهم، الذي كان بداية نفس اليوم السادس أو الجمعة؛ فاليهود يبدأون يومهم عند غروب الشمس، ونحن في منتصف الليل. وهكذا أكل يسوع الفصح في اليوم نفسه مع اليهود، لكن ليس في نفس الساعة.”
- “إن أبسط الحلول، هو أن يسوع، عالمًا أنه سيموت قبل الوقت المعتاد لتناول الوجبة، صنع الوليمة سرًا قبل الموعد المعتاد بيوم. ويشير إنجيل لوقا ١٥:٢٢-١٦ إلى رغبة يسوع القوية في تناول مثل هذه الوجبة مع تلاميذه قبل موته، مدركًا أن الوقت كان مقصرًا.” فرانس (France)
- يميل المرء إلى الاتفاق مع بروس (Bruce) فيما يتعلق بالتحليل الزمني الدقيق: “المناقشات مزعجة، ونتائجها غير مؤكدة، وتوجه الانتباه عادة عن الأمور الأكثر أهمية بكثير.”
- وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ اتَّكَأَ مَعَ الاِثْنَيْ عَشَرَ: بما أن اليوم اليهودي يبدأ عند غروب الشمس، أكل يسوع الفصح وقُتِل في نفس اليوم وفقًا للتقويم اليهودي.
- إذا كان صحيحًا أن يسوع أكل هذا في بداية اليوم حسب التوقيت اليهودي (في المساء) – اعتاد اليهود أكل الفصح في نهاية اليوم – فإن هذا يفسر سبب عدم تناول يسوع اللحم مع تلاميذه في هذه الوجبة. فقد تناولوا وجبة الفصح قبل أن يتم التضحية بالحملان في الهيكل. وهذا يتوافق مع التسلسل الزمني ليوحنا الذي يشير إلى أن يسوع قد صلب في نفس الوقت التقريبي الذي تم فيه التضحية بحملان الفصح.
- ومع ذلك، سيكون من الخطأ القول أنه لم يكن هناك حمل عيد الفصح في هذا العشاء الأخير ليسوع مع تلاميذه؛ فلقد كان هو حمل الفصح. وهذا ما أشار إليه بولس في وقت لاحق: لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا (كورنثوس الأولى ٧:٥).
- اتَّكَأَ مَعَ الاِثْنَيْ عَشَرَ: “مع يهوذا بين الباقين، على الرغم من أن هيلاري (Hilary) قال غير ذلك، لا أعرف لماذا.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٢١-٢٥): يسوع يعطي يهوذا فرصة أخيرة للتوبة.
٢١وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي». ٢٢فَحَزِنُوا جِدًّا، وَابْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَارَبُّ؟» ٢٣فَأَجَابَ وَقَالَ: «الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي! ٢٤إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!». ٢٥فَأَجَابَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ وَقَالَ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟» قَالَ لَهُ: «أَنْتَ قُلْتَ».
- الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي: أثناء وجبة الفصح، أصدر يسوع إعلانًا مذهلًا. أخبر تلاميذه أن أحدهم – هؤلاء الاثني عشر الذين عاشوا واستمعوا وتعلموا من يسوع لمدة ثلاث سنوات – سوف يخونه (يُسَلِّمُنِي).
- إذا كنا على دراية بهذه القصة فمن السهل عدم تقدير تأثيرها. فمن السهل ألا ندرك مدى فظاعة أن يسلم أحد التلاميذ يسوع. ولهذا السبب الوجيه، وضعت قصيدة دانتي العظيمة حول السماء والجحيم، يهوذا في أدنى مكان في الجحيم.
- “كان هذا من أكثر الأفكار غير السارة التي ذكرها في المأدبة، ومع ذلك كانت الأنسب لعيد الفصح، لأن وصية الله لموسى فيما يتعلق بحمل الفصح الأول كانت: ’مع الأعشاب المُرة يأكلونها.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي: قال يسوع هذا لكي لا يشير إلى تلميذ محدد، لأنهم غمسوا كلهم معه. وبدلًا من ذلك، عرّف يسوع الخائن بأنه صديق، شخص أكل معه على الطاولة نفسها.
- هذه الفكرة مستمدة من مزمور ٩:٤١: “أَيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي الَّذِي وَثَقْتُ بِهِ آكِلُ خُبْزِي رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ! هذا يفاقم بشدة من انحطاط الأمر.” تراب (Trapp)
- هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟: لقد كان من النبيل بالنسبة للتلاميذ الأحد عشر الآخرين أن يطرحوا هذا السؤال (هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟)؛ ولكن كان نفاقًا رهيبًا أن يسأل يهوذا هذا السؤال. فأن يسأل يهوذا: “هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟” بينما كان يعلم أنه رتب بالفعل اعتقال يسوع، كان ذروة الخيانة.
- “إنها سمة جميلة في شخصية التلاميذ أنهم لم يشكوا في بعضهم البعض، ولكن كل واحد منهم استفسر بارتياب، كما يوحي شكل السؤال: ’هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟‘ ولم يقل أحد: ’يا رب هل هو يهوذا؟‘” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنْتَ قُلْتَ: لم يقل يسوع هذا لإدانة يهوذا، بل لدعوته إلى التوبة. فمن العدل أن نفترض أنه قال ذلك وعيناه مليئة بالمحبة، وأظهر يسوع ليهوذا أنه يحبه، حتى وهو يعرف خيانته.
ج ) الآيات (٢٦-٢٩): يسوع يؤسس فريضة العشاء الرباني.
٢٦وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي». ٢٧وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، ٢٨لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. ٢٩وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي».
- وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ: في وقت ما أثناء العشاء أو بعده، غسل يسوع أرجل التلاميذ (يوحنا ١:١٣-١١). وبعد هذا، ترك يهوذا المكان (يوحنا ٣٠:١٣). وثم تكلم يسوع مع تلاميذه حديث مطول وصلى إلى الله الآب، كما هو مذكور في يوحنا ٣١:١٣-٢٦:١٧.
- هل كان يهوذا معهم في أول احتفال لمائدة الرب؟ يدور النقاش حول الآية في يوحنا ٢:١٣. فتقول بعض التقاليد النصية، أنه بعد انتهاء العشاء، مما يعني أن يسوع قد غسل أرجلهم وأن يهوذا غادر بعد تأسيس فريضة عشاء الرب. ونقرأ في تقاليد نصية أخرى، أنه أثناء العشاء في يوحنا ٢:١٣. مما يشير إلى أن يسوع غسل أرجلهم وأن يهوذا غادر في وقت ما أثناء الوجبة، وبالتالي ربما غادر قبل تأسيس فريضة عشاء الرب.
- بما أن يوحنا لم يصف تأسيس فريضة عشاء الرب في إنجيله، فهناك جدل حول ما إذا كان يهوذا حاضرًا عند عشاء الرب لأول مرة، كما هو موضح في المقطع التالي. وكثيرون يعتقدون أن يهوذا لم يكن جزءًا من العشاء الرباني مثل مورجان (Morgan): “قبل تأسيس العيد الجديد، كان يهوذا قد خرج (يوحنا ٣٠:١٣).” فمن الصعب تحديد المسألة بيقين.
- أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ: عندما يُرفع الخبز في الفصح، كان رئيس المتكئ يقول: “هذا هو خبز الآلام الذي أكله آباؤنا في أرض مصر. فليأتي الجائع ويأكل، وليأتي المحتاج ويأكل من وجبة الفصح.” فكل ما يؤكل في وجبة الفصح كان له معنى رمزي. فالأعشاب المرة ذكرتهم بمرارة العبودية. والماء المالح ذكرهم بالدموع التي سكبوها العبودية في مصر. أما الطبق الرئيسي – لحم الخروف الذي ذبح خصيصًا لتلك العائلة – لم يرمز إلى أي شيء مرتبط بمعاناتهم في مصر. فالذبيحة هي التي حملت خطاياهم وسمحت بمرور دينونة الله عن الأسرة التي آمنت.
- خلق الفصح أمة إسرائيل. فقد تم إطلاق سراح مجموعة من العبيد من مصر وأصبحوا أمة. وهذا الفصح الجديد يخلق أيضًا شعب متحد بيسوع المسيح، يتذكرون ويثقون في تضحيته.
- خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي… هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ: لم يقدم يسوع التفسير الطبيعي لكل واحد من الأطعمة، بل فسرها مطبقًا إياها على نفسه. فلم يعد التركيز على معاناة الشعب في مصر، بل على المعاناة التي سيتحملها يسوع بدلًا عن خطاياهم.
- “الكلمات ’هذَا هُوَ جَسَدِي‘ لم يكن لها مكان في طقوس عيد الفصح؛ ولأنها شيء جديد مبتكر، لا بد أن تأثيرها كان مذهلًا، وهو تأثير سينمو أكثر عندما يزداد فهم التلاميذ بعد الفصح.” كارسون (Carson)
- هكذا نتذكر ما فعله يسوع من أجلنا. بينما نأكل الخبز يجب أن نتذكر كيف كُسر يسوع وسُمر وضُرب بأسواط لتخليصنا. ونحن نشرب الكأس، يجب أن نتذكر كيف سكب دمه وحياته على الجلجلة لأجلنا.
- هكذا نستمتع بالشركة مع يسوع: فبسبب فداءه صالحنا مع الله، وصار لنا الآن الجلوس لتناول وجبة مع يسوع والاستمتاع بصحبة بعضنا البعض.
- هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ: أعلن يسوع أنه جاء لتأسيس عَهْد جَدِيد. فلا يمكن لأي إنسان أن يصنع عهدًا جديدًا بين الله والإنسان، لكن يسوع يستطيع لأنه الله الإنسان، وهو يملك السلطان لتأسيس عَهْد جَدِيد مختوم بالدم، مثلما كان العهد القديم مختومًا بالدم (خروج ٨:٢٤).
- يركز الْعَهْدِ الْجَدِيدِ على التغيير الداخلي الذي يطهرنا من كل خطيئة: “لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ” (إرميا ٣٤:٣١). وهذا التغيير يضع كلمة الله ومشيئته فينا: “أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ” (إرميا ٣٣:٣١). ومحور هذا العهد يدور حول علاقة جديدة وثيقة مع الله: “وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا” (إرميا ٣٣:٣١).
- يمكننا القول أن دم يسوع جعل العهد الجديد ممكنًا، كما جعله أكيدًا وموثوقًا به. وأكده بحياة الله نفسه.
- بسبب ما فعله يسوع على الصليب، لدينا علاقة عهد جديدة مع الله. ولكن للأسف، يعيش العديد من أتباع يسوع كما لو أنه لم يحدث قط.
- كما لو لم يكن هناك تغيير داخلي.
- كما لو لم يكن هناك تطهير حقيقي من الخطيئة.
- كما لو أنه لا توجد كلمة وإرادة الله في قلوبنا.
- كما لو لم تكن هناك علاقة جديدة وثيقة مع الله.
- الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ: “علينا أن نفرح كثيرًا من كلمة ’كثيرين.‘ فدم المسيح لم يسفك لحفنة قليلة من الرسل فقط. فلم يكن هناك سوى ١١ منهم الذين شاركوا حقًا في الدم الذي يرمز إليه الكأس. فالمخلص لا يقول ’هذا هو دمي الذي سفك للأحد عشر المفضلين لدي،‘ ولكنه قال: ’الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- هَذا هُو جَسَدي … هَذا هُو دَمي: الفهم الدقيق لهذه الكلمات من يسوع كان مصدر جدل لاهوتي كبير بين المسيحيين.
- آمنت الكنيسة الكاثوليكية بعقيدة الاستحالة (التحول)، التي تُعلم أن الخبز والنبيذ يتحولان بالفعل إلى جسد ودم يسوع الحقيقي.
- آمن مارتن لوثر بعقيدة الحلولية (الحلول)، الذي تُعلم أن الخبز يظل خبزًا والنبيذ يبقى نبيذًا، لكن عند تناولها بالإيمان تصبح جسد ودم يسوع الحقيقي. رغم أن لوثر لم يؤمن بالعقيدة الكاثوليكية حول الاستحالة، لكنه لم يبتعد عنها كثيرًا.
- علّم جون كالفن (John Calvin) أن حضور يسوع في الخبز والنبيذ أمر حقيقي، بالمعنى الروحي وليس الجسدي. وعلّم زوينغلي (Zwingli) أن الخبز والنبيذ هي مجرد رموز تمثل جسد يسوع ودمه. وعندما ناقش الإصلاحيون السويسريون القضية مع مارتن لوثر (Martin Luther) في ماربورغ-المانيا، حصل خلاف كبير. فقد أصر لوثر على وجود نوع ما من الحضور المادي ليسوع، وقال: “هَذا هُو جَسَدي.” وأصر على هذا مرارًا وتكرارًا، حتى أنه كتب الجملة على ألواح مخملية في اللاتينية: ’هَذا هُو جَسَدي.‘ فأجابه زوينغلي: “قال يسوع أيضًا أنا الكرمة… وأنا الباب، ولكننا فهمنا قصده عندما قال هذا.” فرد لوثر: “لا أعرف، لكن إن طلب مني المسيح أن أتناول الروث، فسأفعل ذلك مع العلم أنه سيكون جيدًا بالنسبة لي.” كان لوثر مقتنعًا تمامًا بهذا لأنه رأى أنها مسألة تتعلق بتصديق كلمات المسيح؛ ولأنه كان يعتقد أن زوينغلي كان مساومًا ومن روح آخر (andere geist).
- من الناحية الكتابية، يمكننا أن نفهم أن الخبز والكأس ليسا مجرد رموز، بل صورة حية قوية للاشتراك والدخول في عهد جديد وشركة مع يسوع، حيث نرى مائدة الرب على أنها فصحنا الجديد.
- جادل المُفسِّر التطهُّري ماثيو بوله (Matthew Poole). “دع الكاثوليكيين واللوثريين يقولون ما يشاؤون. ولكن لا بد أن نعترف أن هناك مجاز في هذه الكلمات. فالكأس هنا كان لوضع الخمر؛ وجملة ’هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي‘ تعني أن هذا النبيذ هو علامة على العهد الجديد. فلا أفهم لماذا لا يعترفوا ببساطة بالرمز في هذه الكلمات، هذا هو جسدي.”
- “من المؤكد أن يسوع يدعونا لإحياء ذكرى، لا ولادته ولا حياته ولا معجزاته، بل موته.” كارسون (Carson)
- خُذوا… كُلوا: ما وراء الجدل حول معنى الخبز والكأس، علينا أن نتذكر ما قال يسوع أن نفعل بهما: علينا أن نأخذ ونأكل.
- ’خُذوا…‘ تعني دون فرض على أحد، فعلى الشخص أن يقبلها عن طيب خاطر. “أتوقع أن يقول شخص ما، ’هل أحصل على يسوع المسيح من خلال آخذه فقط؟‘ نعم، الأمر بهذه البساطة. إن كنت تحتاج مخلص؟ ها هو؛ خذه… احصل عليه… هذا هو كل ما عليك القيام به.” سبيرجن (Spurgeon)
- ’ كُلوا…‘ تعني أن هذا أمر حيوي للغاية للجميع. فبدون طعام وشراب، لا يمكن لأحد أن يعيش. وبدون يسوع، نهلك. وتعني أيضًا أننا يجب أن نسمح ليسوع أن يسكن أعماقنا. ويجب على الجميع أيضًا أن يأكلوا الطعام بأنفسهم. فلا أحد يستطيع أن يفعل ذلك نيابة عنهم أو لأجلهم.
- “إذا كنت تتساءل إن كنت قد شربت بالفعل، فسأخبرك بكيفية حل الارتباك، أشرب مرة أخرى! وإذا أكلت، وكنت قد نسيت حقًا ما إذا كنت قد أكلت أم لا – فهذه الأشياء تحدث للأشخاص المشغولين الذين يأكلون قليلًا؛ فسأقول لك، لكي تتأكد أنك أكلت، كُل مرة أخرى! إذا كنت تريد أن تتأكد أنك آمنت بيسوع فعلًا، فآمن به مرة أخرى!” سبيرجن (Spurgeon)
- وَشَكرَ: في اللغة اليونانية القديمة، كلمة شُكر هي “يوخارست (eucharist)” أو “القربان المقدس.” وهذا هو السبب في أن ذكرى مائدة الرب تسمى أحيانًا “القربان المقدس.”
- هذا يخبرنا بشيء من موقف يسوع وقَلبه في هذه اللحظة: “لاحظ، أن يسوع كان قادرًا، في تلك الساعة، على أن يشكر ويسبح، واثقًا من أن الخير سوف يأتي من الشر. ولهذا تمكن من الخضوع التام في جَثْسَيْمَانِي.” بروس (Bruce)
- يخبرنا هذا شيئًا عن اشتراكنا في مائدة عشاء الرب: “ماذا نعني إذًا عندما نشرب من الكأس المقدسة في عشاء الرب؟ ألا نقول بهذا العمل الهام، إننا نذكر عهدك؟ ألا نذكّر يسوع أننا نتكل عليه ليقوم بدوره؟ ألا نتعهد بانتمائنا له وتمسكنا به بروابط لا تنقطع، ونخبره بأننا راضون عن خدمته المباركة؟” ماير (Meyer)
- هذا يخبرنا عن الحالة المتدهورة لشعب الله وقادتهم: “وقتها كانت الأكواب مصنوعة من خشب، والكهنة مصنوعين من الذهب، أما الآن، فالأكواب مصنوعة من الذهب، والكهنة مصنوعين من الخشب.” تراب (Trapp)
- إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هَذَا إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي: تطلع يسوع إلى الاحتفال بعيد الفصح في السماء، وهو احتفال لم يحتفل به بعد مع شعبه. فهو ينتظر أن يجتمع كل أتباعه له، وبعد ذلك سيكون هناك عشاء عظيم، عشاء عُرس الخروف (رؤيا يوحنا ٩:١٩). وهذا هو التحقيق الذي كان يسوع يتوق إليه: ’فِي مَلَكُوتِ أَبِي.‘
د ) الآية (٣٠): يسوع يسبح مع تلاميذه ويخرجون إلى جبل الزيتون.
٣٠ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.
- ثُمَّ سَبَّحُوا: لا نفكر غالبًا في يسوع وهو يغني، لكنه فعل ذلك. رفع صوته وسبح الله الآب على مجده وعظمته. لا يمكننا أن نتساءل ما بدا عليه صوته، لكننا نعرف على وجه اليقين أنه غنى بأعلى صوته، ورفع قلبه بالكامل في التسبيح. وهذا يذكرنا أن الله يريدنا أن نسبح بالغناء.
- “هذه الكلمات، التي تُفسر من خلال خيال موقَّر، تقدم واحدة من أروع الصور؛ لقد سبحوا، ومن المستحيل الشك في أنه قاد التسبيح.” مورجان (Morgan)
- من اللافت للنظر أن يسوع كان يستطيع الغناء في هذه الليلة قبل صلبه. فهل يمكننا الغناء في مثل هذه الظروف؟ يمكن أن يكون يسوع هو قائد تسبيحنا. فعلينا أن نرفع التسبيح لله الآب – كما فعل يسوع – لأن هذا شيء يرضيه؛ وعندما نحب شخصًا ما، نريد أن نفعل الأشياء التي ترضيه. لا يهم حقًا ما إذا كان الأمر يرضينا أم لا.
- “لا يوجد تسبيح أحلى ولا موسيقى أعظم رفعت وسط الظلام الذي يخيّم على العالم الحزين من تسبيح يسوع وتلاميذه، بينما كانوا في طريقهم إلى صليب آلامه وفدائهم.” مورجان (Morgan)
- ثُمَّ سَبَّحُوا: إنه لأمر رائع أن يسوع قد غنَّى، لكن ماذا غنى؟ فكانت وجبة الفصح تنتهي دائمًا بغناء ثلاث مزامير معروفة باسم ’هيليل (Hallel)‘ – (المزامير ١١٦-١١٨). فكر في كيف شجعت كلمات هذه المزامير يسوع وهو يغنيها في الليلة التي سبقت صلبه:
- “اكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ الْمَوْتِ. أَصَابَتْنِي شَدَائِدُ الْهَاوِيَةِ. كَابَدْتُ ضِيقًا وَحُزْنًا. وَبِاسْمِ الرَّبِّ دَعَوْتُ: [آهِ يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي].” (مزمور ٣:١١٦-٤)
- “لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ وَعَيْنِي مِنَ الدَّمْعَةِ وَرِجْلَيَّ مِنَ الزَّلَقِ. أَسْلُكُ قُدَّامَ الرَّبِّ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ.” (مزمور ٨:١١٦-٩)
- “كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ. عَزِيزٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مَوْتُ أَتْقِيَائِهِ.” (مزمور ١٣:١١٦-١٥)
- “سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا كُلَّ الأُمَمِ. حَمِّدُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ.” (مزمور ١:١١٧)
- “دَحَرْتَنِي دُحُورًا لأَسْقُطَ. أَمَّا الرَّبُّ فَعَضَدَنِي. قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي الرَّبُّ وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا.” (مزمور ١٣:١١٨-١٤)
- “لاَ أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ الرَّبِّ. تَأْدِيبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ وَإِلَى الْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي. اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ الْبِرِّ. أَدْخُلْ فِيهَا وَأَحْمَدِ الرَّبَّ.” (مزمور ١٧:١١٨-١٩)
- “الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ.مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا.” (مزمور ٢٢:١١٨-٢٣)
- “الرَّبُّ هُوَ اللهُ وَقَدْ أَنَارَ لَنَا. أَوْثِقُوا الذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ الْمَذْبَحِ. إِلَهِي أَنْتَ فَأَحْمَدُكَ. إِلَهِي فَأَرْفَعُكَ.” (مزمور ٢٧:١١٨-٢٨)
- عندما قام يسوع للذهاب إلى جَثْسَيْمَانِي، كان يرنم مزمور ١١٨. لقد قدم هذا المزمور وصفًا مناسبًا للطريقة التي سيقود بها الله الآب المسيح من خلال الضيق والمعاناة نحو المجد.” لاين (Lane)
- “يا صديقي، إذا عرفت أنه – على سبيل المثال، الساعة العاشرة الليلة، ستتعرض للسخرية والاحتقار والبلاء، وأن شمس الغد ستأتي عليك متهمًا زورًا، معلقًا، مجرمًا مدانًا، وأنك ستموت على صليب، هل تعتقد أنه يمكنك الغناء الليلة بعد آخر وجبة لك؟” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٣١-٣٥): يسوع يتنبأ بفرار التلاميذ.
٣١حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ. ٣٢وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ». ٣٣فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا». ٣٤قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». ٣٥قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» هكَذَا قَالَ أَيْضًا جَمِيعُ التَّلاَمِيذِ.
- كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ: قال يسوع هذا ليس لإدانة تلاميذه، ولكن لإظهار أنه كان في الحقيقة يسيطر على الموقف، ولإظهار أن نبوات الكتاب المقدس فيما يتعلق بآلام المسيح يجب أن تتحقق.
- وَلَكِنْ بَعْدَ قِيَامِي: كان يسوع ينظر إلى ما وراء الصليب. كانت عيناه منصَّبتين على السرور الموضوع أمامه (عبرانيين ٢:١٢).
- وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا: للأسف، لم يكن بطرس مدركًا لكل من الواقع الروحي والمعركة الروحية التي رآها يسوع بوضوح. فقد شعر بالشجاعة في حينها ولكن لم تكن لديه أدنى فكرة عما كان سيحصل لاحقًا. وبعد فترة وجيزة، سيشعر بطرس بالتهديد من قبل جارية بسيطة، وقبلها سينكر حتى معرفته بيسوع.
- الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: لقد عرف يسوع أن بطرس سيفشل فيما اعتقد أنها نقطة قوته: الشجاعة والجرأة. ومن خلال هذا التحذير، أعطى يسوع لبطرس فرصة لينتبه ويفكر في ضعفه.
- كان يسوع واضحًا تمامًا في كلامه مع بطرس. “بطرس، سوف تتعثر. وسوف تتخلى عن سيدك. وسوف تفعل ذلك في هذه الليلة بالذات – قبل أن يصيح الديك. وسوف تنكر أن لديك أي علاقة بي، أو حتى أنك تعرفني. ولن تفعل ذلك مرة واحدة فقط؛ بل ستفعل ذلك ثلاث مرات. “ألم يكن هذا التحذير كافيًا له كي لا يثق في قوته، بل يعتمد على الله؟” كلارك (Clarke)
- كانت تلك فرصة هائلة أمام بطرس، لكنه لم يستغلها. وبدلًا من ذلك قال: “وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!” لقد عرف يسوع بطرس أفضل بكثير مما كان بطرس يعرف نفسه، وبسبب الثقة الزائدة، كان بطرس مهيئًا للسقوط.
- بالغ بقية التلاميذ أيضًا في تقدير قوتهم ولم يعتمدوا على الرب في الساعة الحرجة: هَكَذَا قَالَ أَيْضًا جَمِيعُ التَّلاَمِيذِ.
- “على ما يبدو، كان من المعتاد أن يصيح الديوك في فلسطين حوالي الساعة ١٢:٣٠، و ١:٣٠، و ٢:٣٠ صباحًا؛ لذلك استخدم الرومانيون مصطلح “وقت صياح الديك” للإشارة إلى مناوبة الجنود من الساعة ١٢:٠٠ حتى الساعة ٣:٠٠ صباحًا.” كارسون (Carson)
ثالثًا. يسوع يصلي ويُقبض عليه في بستان جَثْسَيْمَانِي
أ ) الآيات (٣٦-٣٩): صراع يسوع الشديد أثناء صلاته.
٣٦حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ». ٣٧ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. ٣٨فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». ٣٩ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلًا وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلًا: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».
- حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي: يقع البستان شرق منطقة جبل الهيكل في أورشليم، عبر وادي قدرون، وعلى سفوح جبل الزيتون السفلية. وكان البستان محاطًا بأشجار الزيتون القديمة؛ كلمة ’جَثْسَيْمَانِي‘ تعني ’معصرة الزيتون.‘ وهناك، كان يتم سحق الزيتون للحصول على الزيت. وهناك، سيتم أيضًا، سحق ابن الله.
- “ومرة أخرى، اختار ذلك البستان، من بين أماكن أخرى قريبة من أورشليم، لأن يهوذا كان يعرف المكان. فقد أراد أن يعتزل صحيح، ولكنه لم يبحث عن مكان يمكنه فيه أن يختبئ ويخفي نفسه. فهو لم يكن يريد أن يسلم نفسه، ليبدو وكأنه يريد الانتحار؛ ولم يكن يريد أن ينسحب ويعزل نفسه، ليبدو كالجبان.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ: شعر يسوع بالانزعاج الشديد؛ ليس فقط لمعرفته بالرعب البدني الذي كان ينتظره على الصليب، بل أيضًا لأنه رأى دم الذبائح يتدفق من الهيكل بينما كان متجهًا إلى جثسيماني، عبر وادي قدرون، تحت ضور القمر الكامل لليلة الفصح.
- “إن الكلمات في اليونانية تعبر عن أقسى حزن يمكن تخيله.” بوله (Poole)
- نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ: لكن الأهم من ذلك هو أن يسوع شعر بالأسى إزاء الرعب الروحي الذي ينتظره على الصليب. فسوف يقف يسوع مكان الخطاة المذنبين ويتحمل كل العقوبة الروحية التي يستحقونها؛ “لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا.” (كورنثوس الثانية ٢١:٥).
- حَزِينَةٌ جِدًّا: “هي ترجمة ضعيفة إلى حد ما لعبارة تحتوي على كلمة البشير متى المفضلة والتي تعبر عن العاطفة الجياشة لدرجة الصدمة (المستخدمة في ٦:١٧، ٢٣؛ ٣١:١٨؛ ٢٥:١٩؛ ٥٤:٢٧).” فرانس (France)
- لم يمت يسوع كشهيد. “ذهب يسوع إلى موته بإرادته عالمًا أن إرادة أبيه هي أن يواجه الموت بمفرده تمامًا (متى ٢٧: ٤٦) باعتباره ذبيحة عيد الفصح التي تحمل الدينونة. وكما كان موته فريدًا، كذلك آلامه؛ وأفضل رد فعل لنا تجاه ذلك هو أن نعبده بخشوع.” كارسون (Carson)
- “ومن هنا جاءت هذه الكلمات التي تقال في القداس اليوناني: “نجنا، يا إلهنا الصالح، بواسطة آلامك.” تراب (Trapp)
- ولكن في لحظة الكرب هذه، أرسل الله الآب مساعدة خاصة لابنه. يقول إنجيل لوقا ٤٣:٢٢ أن الملائكة أتت وخدمت يسوع في البستان.
- إِنْ أَمْكَنَ: بالطبع، نحن نعلم أن كل شيء مستطاع لدى الله (متى ٢٦:١٩). ولكن هذا صحيح بمعنى أو بآخر، لأن هناك أمور مستحيلة أخلاقيًا بالنسبة لله. فمن المستحيل أن يكذب الله (عبرانيين ١٨:٦)، ومن المستحيل إرضائه دون إيمان (عبرانيين ٦:١١). فلم يكن من الممكن من الناحية الأخلاقية أن يُكفر الله عن الخطية ويخلص البشرية بمعزل عن ذبيحة كاملة ترضي غضبه التي أعد يسوع نفسه لها في جثسيماني.
- يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ: الله الآب لن ينكر للابن أبدًا أي طلب، لأن يسوع كان يصلي وفقًا لقلب وإرادة الآب. ومنذ أن شرب يسوع كأس الدينونة على الصليب، نعلم أنه لا يمكن للخلاص أن يأتي بأي طريقة أخرى. فالخلاص من خلال عمل يسوع على الصليب هو السبيل الوحيد الممكن؛ وإن كانت هناك أية طريقة أخرى تصالحنا مع الله، إذًا فموت يسوع كان عبثًا.
- مرارًا وتكرارًا في العهد القديم، الْكَأْسُ هي صورة قوية عن غضب ودينونة الله.
- “لأَنَّ فِي يَدِ الرَّبِّ كَأْسًا وَخَمْرُهَا مُخْتَمِرَةٌ. مَلآنَةٌ شَرَابًا مَمْزُوجًا. وَهُوَ يَسْكُبُ مِنْهَا. لَكِنْ عَكَرُهَا يَمَصُّهُ يَشْرَبُهُ كُلُّ أَشْرَارِ الأَرْضِ.” (مزمور ٨:٧٥)
- “اِنْهَضِي انْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ الَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ. ثُفْلَ كَأْسِ التَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ.” (إشعياء ١٧:٥١)
- “لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: خُذْ كَأْسَ خَمْرِ هَذَا السَّخَطِ مِنْ يَدِي وَاسْقِ جَمِيعَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ أُرْسِلُكَ أَنَا إِلَيْهِمْ إِيَّاهَا.” (إرميا ١٥:٢٥)
- لقد أصبح يسوع، بطريقة ما، عدوًا لله، فوقعت عليه الدينونة، وشرب كأس غضب الآب، كي لا نضطر نحن للشرب من تلك الكأس – كان هذا هو مصدر آلام يسوع.
- الكأس لا تمثل الموت، ولكن الدينونة. فلم يكن يسوع خائفًا من الموت، وعندما أنهى عمله على الصليب – أي رضي وتحمُل ولبى مطالب دينونة الله الآب الصالح على خطايانا – عندما انتهى من هذا العمل، اختار ببساطة أن يخضع نفسه للموت.
- مرارًا وتكرارًا في العهد القديم، الْكَأْسُ هي صورة قوية عن غضب ودينونة الله.
- وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ: لقد وصل يسوع إلى نقطة القرار في جثسيماني. فلم يكن ذلك لأنه لم يقرر من قبل ولم يوافق من قبل، لكنه الآن وصل نقطة القرار الحاسم. لقد شرب الكأس في الجلجثة، لكنه قرر بصورة نهائية أن يشربها في جثسيماني.
- “’لا إرادتك بل إرادتي‘ غيرت الجنة إلى صحراء وجلبت الإنسان من عدن إلى جثسيماني. والآن: ’لا إرادتي بل إرادتك‘ جلبت الألم للإنسان الذي يصليها لكنها تحول الصحراء إلى ملكوت ويجلب الإنسان من جثسيماني إلى أبواب المجد.” كارسون (Carson)
- هذا الصراع في جثسيماني – مكان السحق – له مكان مهم في تحقيق خطة الله للفداء. فإذا فشل يسوع هنا، فإنه سيفشل على الصليب. ونجاحه هنا يجعل النصر على الصليب ممكنًا.
- انتصر الصراع على الصليب لأول مرة أثناء الصلاة في جثسيماني: خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي.
ب) الآيات (٤٠-٤٦): يسوع ينتصر في معركة الصلاة.
٤٠ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ ٤١اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». ٤٢فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلًا: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». ٤٣ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. ٤٤فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلًا ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. ٤٥ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. ٤٦قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!».
- هَكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟: لقد قَدَّر يسوع وأراد أن يساعده أحباؤه في معركة الصلاة وفي أخذ القرار. ولكن حتى من دون مساعدتهم، تحمل الألم في الصلاة إلى أن انتصر في المعركة.
- “لكنهم لم يساعدوه فحسب، بل جرحوه بسبب كسلهم من نحو واجبهم، وبدلًا من أن يمحو عرقه، استخلصوا منه المزيد.” تراب (Trapp)
- اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ: عرف يسوع أن بطرس سيفشل؛ ومع ذلك شجعه على النصر، عالمًا أن مصادر القوة الحقيقية كانت موجودة في السهر والصلاة. فلو استيقظ بطرس (جسديًا وروحيًا)، واتكل على الله، لما أنكر يسوع في الساعة الحرجة.
- “من خلال السهر، شجعهم يسوع على استخدام المصادر التي فيهم؛ وعندما أضاف كلمة ’صَلُّوا‘ أخبرهم أنه لم يكن في وسعهم الوقوف دون مساعدة الله ومعونته، والتي يجب الحصول عليها عن طريق الصلاة.” بوله (Poole)
- وجد يسوع النصر على الصليب لأنه انتصر في جثسيماني. فشل بطرس – مثلنا تمامًا – في تجربة لاحقة لأنه فشل في السهر والصلاة. فغالبًا ما تربح أو تخسر المعركة الروحية قبل اندلاع الأزمة نفسها.
- تحدث يسوع بلطف عن التلاميذ وقال: ’أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيف.‘ “قد يجد سيدهم مبررًا لإهمالهم؛ ولكنهم حتمًا سيلقون باللوم على أنفسهم بعد ذلك لفقدانهم الفرصة الأخيرة في السهر مع ربهم الذي كان يصارع ويتألم!” سبيرجن (Spurgeon)
- فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى: “الصلاة الحارة تحب الخصوصية، والمسيح بهذا يعلمنا أن الصلاة السرية هي واجبنا.” بوله (Poole)
- ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً: “أي، لم يتمكنوا من إبقائها مفتوحة. ألم يكن هناك شيء غير طبيعي في هذا؟ ألم يكن هناك أي تأثير من قوى الظلام؟” كلارك (Clarke)
- وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلًا ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ: هذا يدلنا على أنه ليس من غير المنطقي تقديم نفس الطلب إلى الله عدة مرات. ويعتقد بعض الناس ذوي الروحانية المفرطة أننا إذا طلبنا شيئًا أكثر من مرة، فهذا يثبت أنه ليس لدينا إيمان. وقد يكون ذلك صحيحًا بالنسبة للبعض في بعض المواقف، لكن يسوع يُظهر لنا أن الصلاة المتكررة يمكن أن تتوافق تمامًا مع الإيمان الثابت.
- قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ: لقد علم يسوع أن يهوذا وأن الذين سيعتقلونه كانوا متجهين نحوهم. كان بإمكانه الهرب لينجو من العذاب الذي ينتظره على الصليب، لكن يسوع قام للقاء يهوذا. كان مسيطرًا تمامًا على جميع الأحداث.
- “’قُومُوا نَنْطَلِقْ‘ قد توحي بالرغبة في الهروب، لكن الفعل المستخدم يعني ضمنًا الدخول في العمل، والتقدم بدلًا من التراجع.” فرانس (France)
ج) الآيات (٤٧-٥٠): يهوذا يخون يسوع في بستان جثسيماني.
٤٧وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. ٤٨وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلًا: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ». ٤٩فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: «السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. ٥٠فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟» حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوْا الأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ.
- جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ: لقد اعتبروا يسوع رجلًا خطيرًا وجاءوا إليه ليأخذوه بقوة كبيرة.
- إِذَا يَهُوذَا: “المبلغ الذي حصل عليه كان على الأرجح مقابل معلومات عن المكان الذي يمكن فيه إلقاء القبض على يسوع بأقل خسائر ممكنة.” كارسون (Carson). ربما قاد الجنود أولًا إلى العُلية؛ وعندما لم يجد يسوع والتلاميذ هناك، استطاع أن يخمن أين سيكونون.
- “كان يهوذا يعرف أين يجدهم. وكان من الممكن أن يحبط يسوع خطته بسهولة عن طريق اختيار مكان مختلف لهذه الليلة، لكن لم تكن هذه نيته.” فرانس (France)
- “يخبرنا علماء اليهودية، أن الحرس العادي للهيكل كانوا من اليهود وينتمون إلى الكهنة، أما الضُباط فهم جنودًا من روما يعملون لدى الكهنة؛ ففي الاحتفالات الكبيرة، أضاف الحكام الرومانيون مجموعة إضافية من الضباط لزيادة الأمن، لكنهم كانوا تحت أمرة الكهنة.” بوله (Poole)
- السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!: استقبل يهوذا يسوعَ بحرارة، حتى أنه أعطاه القبلة المتعارف عليها. ولكن القُبلة عرَّفت يسوع للسلطات التي أتت للقبض عليه. لا يوجد في الكتاب المقدس كلمات أكثر جفاءً ونفاقًا من ’السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!‘ في فم يهوذا. وكلمات يسوع المُحِبة والقلبية التي وجهها ليهوذا: ’يَا صَاحِبُ‘ تقف في تناقض حاد.
- وَقَبَّلَهُ: “قَبَّلَهُ بحرارة؛ يا له من تناقض هائل بين المرأة في منزل سمعان (لوقا ٨) ويهوذا! كلاهما قَبِل يسوع بعاطفة قوية؛ واحد كان مستعدًا أن يموت من أجل يسوع، والآخر يخونه حتى الموت.” بروس (Bruce)
- “كان ما فعله يهوذا هو الطريقة النموذجية التي يستخدمها الناس لخيانة يسوع عمومًا. فعندما ينوي الرجال تقويض إلهام الكتاب المقدس، كيف يبدأون كتبهم؟ يبدأون دائمًا بالإعلان عن أنهم يرغبون في تعزيز حقيقة المسيح! ولكن غالبًا ما يتم تشويه اسم المسيح من قِبل أولئك الذين يعلنون بمجاهرة إيمانهم به، ومن ثم يخطئون بحماقة شديدة.” سبيرجن (Spurgeon)
- حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا الأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ: هذا لم يحدث إلا بعد أن سقطوا جميعًا على الأرض عندما أعلن يسوع نفسه قائلًا ’أنا هو‘ (يوحنا ٦:١٨).
- “من الغريب أنه بعد هذا، كانت لديهم الجرأة على الاقتراب منه؛ لكن كا هذا لكي يتم المكتوب.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٥١-٥٦): القبض على يسوع في جثسيماني.
٥١وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. ٥٢فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! ٥٣أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ ٥٤فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟». ٥٥فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. ٥٦وَأَمَّا هذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ». حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا.
- وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ: لا يخبرنا متى، لكننا نعرف من إنجيل يوحنا ١٠:١٨، أن الذي استل سيفه هو بطرس.
- “كان هذا بكل تأكيد تدخل رائع من قبل الله، وإلا لمزق الجنود المتوحشون بطرس إلى مائة قطعة.” تراب (Trapp)
- “كان من الأفضل لو تشابكت يديَّ بطرس أثناء الصلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
- “ولكن كيف جاء بطرس بالسيف؟ كانت اليهودية في هذا الوقت موبوءة باللصوص والقتلة لدرجة أنه لم يعد آمنًا لأي شخص أن يمشي بدون سلاح. ربما حمل بطرس سيفًا لسلامته الشخصية.” كلارك (Clarke)
- فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ: لو أراد يسوع المساعدة الإلهية في هذه اللحظة، لكان قد حصل عليها. فكان هناك أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ على استعداد لتقديم المساعدة له.
- يُحسب الفيلق بستة آلاف رجلًا وسبعمائة حصانًا. تم إرسال هذا الجيش العظيم من الملائكة من خلال الصلاة في لحظة.” تراب (Trapp). فهذا العدد مثير للإعجاب، خاصة بالنظر إلى أن ملاكًا واحدًا قتل ما يصل إلى ١٨٥٠٠٠ جنديًا في ليلة واحدة (ملوك الثاني ٣٥:١٩).
- كان بطرس مستعدًا لمواجهة جيشًا صغيرًا من الرجال بسيف واحد، لكنه لم يستطع أن يصلي مع يسوع لمدة ساعة واحدة. فالصلاة هي أفضل عمل يمكننا القيام به، وغالبًا ما يكون العمل أكثر صعوبة.
- مع سيفه، أنجز بطرس القليل جدًا. فقد قطع أذنًا واحدة فقط، وأثار الفوضى التي اضطر يسوع إلى تنظيفها من خلال شفاء الأذن المقطوعة (لوقا ٥١:٢٢). فعندما تحرك بطرس بقوة العالم، قطع آذانًا فقط. ولكن عندما امتلأ بالروح القدس، مستخدمًا كلمة الله، اخترق بطرس القلوب لمجد الله (أعمال الرسل ٣٧:٢).
- “يملك ربنا وسائل للدفاع عن نفسه. وهي أشياء أقوى بكثير من سيف معلق على حزامه؛ لكنه رفض استخدام القوة التي في متناول يده. ولكن لم يستطع عبيده تحمل هذا الاختبار؛ لم يكن لديهم ضبط النفس، وسرعان ما كانت يد بطرس على سيفه. يبدو لي أن فشل الخدام في هذا الأمر يوضح رباطة الجأش التي لسيدهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- في اللحظة التي بدا فيها أن يسوع ليس لديه أي شيء ولا ميزة، كان يعلم أنه لا يزال لديه آب في السماء، وأنه يستطيع الوصول إلى أبيه وجميع موارده من خلال الصلاة.
- وَأَمَّا هَذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ: لأن يسوع يملك كل السلطان، كانت الأمور تحت سيطرته. فهو لم يكن ضحية الظروف، لكنه تمكن من إدارة الظروف لإتمام المكتوب.
- حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا: في هذه المرحلة، تناثر جميع التلاميذ بحثًا عن سلامتهم. عدد قليل (بطرس ويوحنا على الأقل) لحقوا به عن بُعد لمعرفة ما سيحدث. لم يقف أي منهم بجانب يسوع ليقول: “لقد أعطيت حياتي لهذا الرجل. ما تتهمه به، اتهمني به أنا أيضًا.” وبدلًا من ذلك، تم ما قاله يسوع: “كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ” (متى ٣١:٢٦).
- “نحن لا نعرف ما في قلبنا أبدًا عن احتمال تجارب كبيرة، حتى نتصارع معها، وننخرط فيها. وهؤلاء التلاميذ قالوا إنهم لن يتركوه؛ وعندما حان وقت الجد، لم يقف أحد منهم بجانبه.” بوله (Poole)
رابعًا. المحاكمة أمام السنهدريم
أ ) الآيات (٥٧-٥٨): أُخذ يسوع إلى منزل قيافا.
٥٧وَالَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، حَيْثُ اجْتَمَعَ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ. ٥٨وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ إِلَى دَاخِل وَجَلَسَ بَيْنَ الْخُدَّامِ لِيَنْظُرَ النِّهَايَةَ.
- وَالَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ: لم يكن هذا أول ظهور ليسوع أمام قاضٍ أو مسئول في تلك الليلة. ففي تلك الليلة وفي صباح يوم صلبه، وقف يسوع في محاكمات عدة أمام قضاة مختلفين.
- قبل أن يأتي يسوع إلى منزل قَيَافَا (رئيس الكهنة الرسمي)، اقتيد إلى منزل حَنَّان الذي كان رئيسًا للكهنة، والداعم للعرش الروماني (حسب يوحنا ١٢:١٨-١٤؛ ١٩:١٨-٢٣).
- حَيْثُ اجْتَمَعَ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ: جمع قيافا مجموعة من السنهدريم لإصدار حكم على يسوع.
- عند الفجر، اجتمع السنهدريم مرة أخرى، ولكن كان الجلسة رسمية هذه المرة، وأجروا المحاكمة الموصوفة في إنجيل لوقا ٦٦:٢٢-٧١.
- وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ… لِيَنْظُرَ النِّهَايَةَ: لقد كان بطرس مصممًا على إثبات أن توقعات يسوع بأنه سينكره ويتخلى عنه عند موته كانت خاطئة.
ب) الآيات (٥٩-٦١): أول محاكمة أمام السنهدريم.
٥٩وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، ٦٠فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ ٦١وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ».
- وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ: كانت هذه المحاكمة الليلية غير قانونية وفقًا لقوانين وأنظمة السنهدريم الخاصة. فوفقًا للقانون اليهودي، يجب أن تبدأ جميع المحاكمات الجنائية وتنتهي في وضح النهار. وبالتالي، حتى وإن أخذوا القرار بإدانة يسوع، قاموا بإجراء محاكمة ثانية في وضح النهار (لو ٢٢: ٦٦-٧١)، لأنهم كانوا يعرفون أن المحاكمة الأولى – المحاكمة الحقيقية – لم تكن قانونية.
- كانت هذه واحدة فقط من العديد من المخالفات التي ارتكبت في محاكمة يسوع. فوفقًا للقانون اليهودي، القرارات الوحيدة الصالحة هي تلك التي تؤخذ مكان الاجتماع الرسمي فقط. محاكمة يسوع الأولى عقدت في منزل قيافا، رئيس الكهنة (وهو مكان غير رسمي).
- وفقًا للقانون اليهودي، لا يمكن إجراء محاكمات القضايا الجنائية خلال موسم الفصح.
- وفقًا للقانون اليهودي، لا يمكن إصدار حكم إلا حكم بالبراءة في يوم المحاكمة. أما أحكام الإدانة فكانت تنتظر ليلة واحدة على أمل أن تكون هناك فرصة كافية للتأكد من القرار وللرحمة.
- وفقًا للقانون اليهودي، يجب تأييد كل الأدلة من قبل شاهدين، ويتم فحصهما بشكل منفصل دون أن تكون لأحدهما فرصة الاتصال بالآخر.
- وفقا للقانون اليهودي، يعاقب شاهد الزور بالموت. ولكن هذا لم يحدث للعديد من شهود الزور في محاكمة يسوع.
- وفقًا للقانون اليهودي، تبدأ المحاكمة دائمًا بتقديم دليل على براءة المتهم أولًا، قبل تقديم دليل الإدانة. لم تكن هذه هي الممارسة هنا.
- “كانت تلك هي قواعد السنهدريم الخاصة، ومن الواضح تمامًا أنهم في حرصهم على التخلص من يسوع، انتهكوا قواعدهم الخاصة.” باركلي (Barclay)
- “لا يوجد في سجلات المؤرخين ولا حتى في عالم الخيال أي شيء يمكن أن يساوي فساد المحاكمة التي كانت ليسوع، وأن تعمل الأجهزة الأساسية على إيجاد التهمة المناسبة ضد السجين، والحيل غير القانونية لتأمين حكم الإدانة الذي من شأنه أن يضمن عقوبة الإعدام.” مورجان (Morgan)
- كانت هذه واحدة فقط من العديد من المخالفات التي ارتكبت في محاكمة يسوع. فوفقًا للقانون اليهودي، القرارات الوحيدة الصالحة هي تلك التي تؤخذ مكان الاجتماع الرسمي فقط. محاكمة يسوع الأولى عقدت في منزل قيافا، رئيس الكهنة (وهو مكان غير رسمي).
- يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا: هذه شهادة رائعة على حياة يسوع واستقامته. ولأنه عاش بين الناس وخدم علانية، كان من الصعب العثور على شَهَادَةَ زُورٍ ضده.
- هَذَا قَالَ إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللَّهِ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ: بعد أن قدم كل الشهود شهادتهم المزيفة، اُتهم يسوع أخيرًا بأنه هدد بتدمير الهيكل. صحيح أن يسوع قال: انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ” (يوحنا ١٩:٢)، ولكن هذه النبوة المجيدة لقيامته حرفت لكي تصبح تهديدًا إرهابيًا. يوضح إنجيل يوحنا ٢١:٢ أنه كان يتكلم عن هيكل جسده.
ج ) الآيات (٦٢-٦٤): يسوع يشهد في محاكمته.
٦٢فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟» ٦٣وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟» ٦٤قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ».
- أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟: جلس يسوع بصمت حتى أمره رئيس الكهنة بالرد على الاتهامات الموجهة إليه.
- “كان رئيس الكهنة يتوقع دفاعًا طويلًا من يسوع، رغبة منه في إيجاد تهمة في كلامه ليستخدمها ضده.” بوله (Poole)
- من اللافت للنظر أن يسوع كَانَ سَاكِتًا ولم يرد على شيء حتى كان من الضروري للغاية أن يتكلم. وكان بإمكان يسوع أن يشن دفاعًا رائعًا هنا، وأن يستدعي الشهود ليثبتوا ألوهيته وقوته وشخصيته. مثل الأشخاص الذين علمهم، والذين شفوا، والذين أقامهم من الأموات، والعميان الذين شفاهم، حتى الشياطين أنفسهم شهدوا على ألوهيته. ولكن يسوع لم يفتح فمه: “ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.” (إشعياء ٧:٥٣).
- “لقد كان صمت الصبر، وليس اللامبالاة؛ بدافع الشجاعة، وليس الجُبن.” سبيرجن (Spurgeon)
- سَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟: عندما رأى قيافا أن المحاكمة كانت تسير بشكل سيء، واجه يسوع، آخذًا دور المتهم، أكثر منه قاضي محايد.
- “’أَسْتَحْلِفُكَ‘ هو تعبير نادر رسمي (راجع ملوك الأول ١٦:٢٢ لصيغة مماثلة للعهد القديم). كان هدفه استخدام اسم الله للحصول على إجابة حقيقية وصادقة. وبالتالي، كانت تلك اللحظة هي ذروة الجلسة.” فرانس (France)
- “حاول رئيس الكهنة، المحبَط من صمت يسوع، أن يثير ردًا جريئًا ليصل إلى القضية الرئيسية: هل كان يسوع المسيح أم لا؟” كارسون (Carson)
- “لقد كان اعترافًا ضمنيًا بأن المسيح كان بريئًا حتى تلك اللحظة. فلم يكن رئيس الكهنة بحاجة لأن يوقعه في الكلام إن كانت هناك أدلة كافية ضده. كانت المحاكمة فاشلة حتى تلك اللحظة، وكان رئيس الكهنة يعرف ذلك جيدًا، مما أثار غضبه. وها هو الآن يحاول التنمر على السجين حتى يتمكن من انتزاع بعض التصريحات منه لينقذ الموقف وينهي الأمر.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنْتَ قُلْتَ: بدلًا من الدفاع عن نفسه، شهد يسوع ببساطة على الحقيقة. لقد كان بالفعل هو الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. أجاب بإيجاز وبشكل مباشر قدر الإمكان.
- ربما سأل رئيس الكهنة السؤال بسخرية. “صياغة سؤال قيافا (خاصة في إنجيل مرقس) تقترح أنه لم يكن فعلًا يبحث عن الرد: “هل أنت المسيح؟” (أنت المتروك من الجميع، الذي لا حول لك ولا قوة، السجين!).” فرانس (France)
- مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ: أضاف يسوع كلمة التحذير هذه. لقد حذرهم من أنهم على الرغم من جلوسهم على كرسي الحكم الآن، إلا أنه سيجلس يومًا ما سيحكم هو عليهم – وسيكون حكمه نهائيًا وملزمًا.
- مِنَ الآنَ: “من الآن! من الآن! آه، عندما تأتي النهاية، كم ستكون رعبًا على أعداء يسوع! أين هو قيافا الآن؟ هل سيستحلف الرب الآن؟ الآن، أيها الكهنة، ارفعوا رؤوسكم المتغطرسة! لينطق بحكمه الآن! هناك يجلس ضحيتكم على سحاب السماء. قولوا الآن أنه يجدف، واسخروا منه، وأدينوه مرة أخرى. ولكن أين هو قيافا؟ يخفي رأسه المذنب وهو مرتبك تمامًا، ويستعطف الجبال أن تسقط عليه.” سبيرجن (Spurgeon)
- عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ: “القوة هي تعبير يهودي تبجيلي نموذجي لتجنب نطق اسم الله المقدس (ربما كانت تلك الجملة هي السبب في إتهام يسوع بالتجديف، وبالفعل كانت تلك هي التهمة التي أدين بها، متى ٦٥:٢٦!).” فرانس (France)
د ) الآيات (٦٥-٦٨): السنهدريم يرتعب ويرد بوحشية.
٦٥فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! ٦٦مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا : «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ». ٦٧حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ ٦٨قَائِلِينَ: «تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟».
- قَدْ جَدَّفَ!: كانت تهمة التجديف صحيحة، إن لم يكن يسوع ما يدعيه. لكنها ليست جريمة أن يعلن المسيح، ابن الله، عن هويته الحقيقية.
- إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ: كشف حكمهم عن أعماق فساد الإنسان. الله الكامل، جاء إلى الأرض، وعاش بين البشر، وكان هذا رد الإنسان على الله.
- حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ: بصقوا عليه؛ وضربوه بقبضاتهم، وصفعوه بأيديهم. فمن السهل الاعتقاد بأنهم فعلوا ذلك لأنهم لم يعرفوا من هو. وهذا صحيح بمعنى ما، فهم لم يصدقوا أنه كان بالفعل المسيح وابن الله. ولكن بمعنى آخر، هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، لأن الإنسان بطبيعته عدو لله (رومية ١٠:٥؛ كولوسي ٢١:١). وقد انتظر الإنسان لفترة طويلة أن يضرب ويصفع ويبصق في وجه الله.
- “كوني مندهشة أيتها السماوات وكوني خائفة بشكل فظيع. وجهه هو نور الكون، وشخصه هو مجد السماء، وبدأوا في البصق عليه. واحسرتاه، كيف يمكن للإنسان أن الانحطاط إلى تلك الدرجة!” سبيرجن (Spurgeon)
- اقترح سبيرجن بعض الطرق التي لا يزال يبصق بها الناس في وجه يسوع.
- يبصق الإنسان في وجهه من خلال إنكار ألوهيته.
- يبصق الإنسان في وجهه برفض إنجيله.
- يبصق الإنسان في وجهه من خلال تفضيل البر الذاتي.
- يبصق الإنسان في وجهه بالابتعاد عن يسوع.
- عندما قام هؤلاء القادة الدينيون بتنفيس كراهية يسوع وخوفه وغضبه، والبصق في وجهه وضربه، كان من اللافت أن حكم الله الفوري لم يمطر من السماء. وكان لافتًا أن مجموعة من الملائكة لم تنطلق للدفاع عن يسوع. مما يدل على صبر الله الرائع نحو الخطية، والثروات المذهلة لرحمته.
- “عندما يقرأ المرء هذه القصة، يتساءل أكثر فأكثر عن أعظم معجزة، ألا وهي تحمل الذي لا عيب فيه الآلام بصبر.” مورجان (Morgan)
هـ ) الآيات (٦٩-٧٥): خوفًا من الارتباط بيسوع، ينكر بطرس علاقته به ثلاث مرات.
٦٩أَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ جَالِسًا خَارِجًا فِي الدَّارِ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ قَائِلَةً: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ الْجَلِيلِيِّ!». ٧٠فَأَنْكَرَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ قَائِلًا: «لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولِينَ!» ٧١ثُمَّ إِذْ خَرَجَ إِلَى الدِّهْلِيزِ رَأَتْهُ أُخْرَى، فَقَالَتْ لِلَّذِينَ هُنَاكَ: «وَهذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!» ٧٢فَأَنْكَرَ أَيْضًا بِقَسَمٍ: «إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» ٧٣وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: «حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ!» ٧٤فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ. ٧٥فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا.
- فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ: لم يتم استجواب بطرس أمام محكمة معادية أو حتى غوغاء غاضبين. لقد حول خوف بطرس الجارية والفتاة الأخرى إلى وحوش معادية في عينيه، وخضع للخوف أمامهما.
- إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!: في كل مرة أنكر فيها بطرس معرفته بيسوع، ازدادت خطيئة سوءًا. أولًا، اكتفى بالكذب؛ ثم أنكر بِقَسَمٍ، ثم بدأ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ.
- جَاءَ الْقِيَامُ: جاء المتسكعون لرؤية حيرة بطرس، وتسلية أنفسهم من خلال تعذيبه.” بروس (Bruce)
- “تحدث الجليليون بتلعثُم، وكانت لهجتهم قبيحة لدرجة أنه لم يُسمح لأي جليلي بالنطق بالبركة في خدمة المجمع.” باركلي (Barclay)
- وكما لو أن هذا سيساعده في أن ينأى بنفسه عن الارتباط بيسوع، بدأ بطرس يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ. “الشتائم هي علامة الغضب واليأس، لقد فقد بطرس السيطرة على نفسه تمامًا.” بروس (Bruce). عندما نسمع هذا النوع من اللغة، نفترض عادة أن الشخص ليس من أتباع يسوع.
- فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ… فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا: تذكر بطرس أخيرًا ما قاله يسوع وتأثر جدًا، لكنه فعل ذلك متأخرًا. ففي الوقت الحالي، كان كل ما يستطيع فعله هو البكاء بمرارة (بَكَى بُكَاءً مُرًّا). ومع ذلك، سيتم استعادة إيمان بطرس، مما يدل على وجود تباين كبير بين يهوذا (الارتداد) وبطرس (الاسترداد).
- الارتداد هو التخلي عن الحق، كما فعل يهوذا. فقد ندم يهوذا على خطيته، لكن حزنه لم يقده إلى التوبة.
- الاسترداد هو التراجع عن تجربة روحية تمتعت بها مرة. انزلق بطرس لكنه لن يسقط. بكائه المرير سيؤدي إلى التوبة والاسترداد.
- وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا: كانت تلك بداية توبة بطرس. وهناك عدة أشياء قادته إلى التوبة.
- جلبت نظرة يسوع المليئة بالمحبة بطرس إلى التوبة. يخبرنا لوقا أنه بعد صياح الديك، تحول الرب ونظر إلى بطرس (لوقا ٦١:٢٢).
- جلبت نعمة التذكُر بطرس إلى التوبة؛ فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ. “ذكرياتنا تخدمنا كثيرًا في مرحلة التوبة.” بوله (Poole)