إنجيل متى – الإصحاح ٨
شفاء وتعليم ومعجزات
أولًا. يسوع يُطهر أبرصَ
أ ) الآيات (١-٢): الأبرص يطلب من يسوع.
١وَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ تَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. ٢وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلًا: «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي».
- وَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ تَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ: اجتذبت معجزات يسوع الكثير من الاهتمام؛ وكذلك فعلت خدمته التعليمية. وقد أظهر البشير متى هذا من خلال ذكره للجموع العظيمة التي تبعته بعد النزول من جبل التطويبات.
- عندما نقارن أحداث هذا الفصل بسجل مرقس أو لوقا، نجد ترتيبًا زمنيًا مختلفًا. يعتقد كارسون (Carson)، إلى جانب آخرين، أن البشير متى قد رتب مادته هنا وفقًا للمواضيع والأفكار الرئيسية، وليس وفقًا للتسلسل الزمني. “لا يزعم البشير متى أنه يتبع أي شيء آخر غير الترتيب الموضوعي، ومعظم المؤشرات ’الزمنية‘ لديه فضفاضة للغاية.” كارسون (Carson)
- نتذكر آية أساسية وجوهرية لإنجيل متى، وهي: “كَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي الشَّعْب.” (متى ٢٣:٤). ويتابَع متى ليخبرنا عن خدمة يسوع التعليمية في (متى ٥-٧)؛ والآن يخبرنا المزيد عن خدمة يسوع في الشفاء، وكيف أكدت أعمالُه كلمَاتَه.
- وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ وَسَجَدَ لَهُ: في العالم القديم، كان الجذام مرضًا رهيبًا مدمرًا، ولا يزال في بعض أجزاء من العالم. فلم يكن لدى الأبرص قديمًا أي أمل في التحسن، لذلك جاء هذا الأبرص إلى يسوع بشعور كبير بالحاجة واليأس.
- “قد يبدأ البرص بفقدان كل الإحساس في بعض أجزاء الجسم؛ تتأثر جذوع العصب، وتتلف العضلات. وتنقبض الأوتار حتى تبدو الأيدي كالمخالب. ويلي ذلك تقرح اليدين والقدمين. ثم يأتي الفقدان التدريجي للأصابع وأصابع القدمين، حتى في النهاية قد تتساقط يد كاملة أو قدم كاملة. ومدة هذا النوع من البرص هي أي شيء من عشرين إلى ثلاثين سنة. إنه نوع من الموت التدريجي الرهيب الذي يموت فيه الإنسان بوصة بعد الأخرى.” باركلي (Barclay)
- وفقًا للقانون والعادات اليهودية، كان على المرء أن يبتعد ٦ أقدامًا (٢ مترًا) من الأبرص. وإذا كانت الرياح تهب تجاه شخص من الأبرص، فعلى الإنسان أن يبتعد ١٥٠ قدمًا (٤٥ مترًا). والشيء الوحيد الأكثر تدنيسًا من ملامسة الأبرص هو ملامسة جثة.
- “في العصور الوسطى، إذا أصبح إنسانٌ أبرصًا، كان الكاهن يرتدى دثاره ويأخذ صليبه، ويحضر الإنسان الأبرص إلى الكنيسة، ويبدأ بقراءة خدمة الدفن عليه. فبالنسبة للجميع كان يعتبر هذا الإنسان ميتًا.” باركلي (Barclay)
- لكل هذه الأسباب، فإن حالة البرص هي نموذج للخطيئة وآثارها. إنه مرض مُعدي، وموهِن، يفسد ضحيته ويجعله ميتًا بشكل أساسي وهو ما زال حيًا؛ وتبعًا لذلك تقريبًا على مستوى العالم، قام المجتمع والمتدينون بازدراء مرضى الجذام. وكان معلمو اليهود بشكل خاص يحتقرون مرضى البرص، وكانوا ينظرون إليهم كبشر واقعين تحت دينونة الله الخاصة، ولا يستحقون أي شفقة أو رحمة.
- في زمن يسوع، كان معلمو اليهود يتفاخرون أحيانًا بمدى تعاملهم السيء مع مرضى البرص. وتفاخر أحدهم بأنه رفض شراء حتى بيضة من أحد الشوارع حيث رأى أبرصًا؛ وتفاخر آخر أنه ألقى الصخور على مرضى البرص عند رؤيتهم.
- ومع ذلك، أتى الأبرص إلى يسوع بمفرده على الرغم من الكثير من المُثبطات.
- كان يعلم مدى فظاعة مشكلته.
- كان يعلم أن الناس الآخرين قد يئسوا منه بسبب حالته التي لا رجاء فيها.
- لم يكن لديه من سيأخذه أو يمكنه نقله إلى يسوع.
- لم يكن لديه مثال سابق على يسوع وهو يشفي أبرص ليعطيه الأمل.
- لم يكن لديه وعد بأن يسوع سوف يشفيه.
- لم يتلق دعوة من يسوع أو التلاميذ.
- لابد وأنه قد شعر بالخجل والوحدة وسط الحشد.
- وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ وَسَجَدَ لَهُ: على الرغم من حالته اليائسة، لم يتوسل هذا الإنسان إلى يسوع فحسب، بل قدم له العبادة (سَجَدَ لَهُ) أيضًا.
- “الفعل اليوناني المستخدم هنا هو ’بروسكينين (proskenein)‘ وهذه الكلمة لا تستخدم أبدًا في أي شيء سوى عبادة الآلهة؛ إنها تصف دائمًا شعور الإنسان وعمله في حضور الآلهة.” باركلي (Barclay)
- كيف عَبَد (سَجَدَ) الأبرص يسوع؟
- عَبَد يسوع عن طريق المجيء إليه وتكريمه باعتباره الشخص الذي يمكن أن يلبي حاجته المستحيلة.
- عَبَد يسوع بوضعية جسده، فربما انحنى أو ركع أمام يسوع.
- عَبَد يسوع قَائِلًا: «يَا سَيِّد»، مكرمًا إياه ربًا وإلهًا.
- عَبَد يسوع بتواضعه، من خلال عدم المطالبة، بل ترك الطَلب بالحري لإرادة يسوع.
- عَبَد يسوع باحترامه لقوة يسوع، قائلًا إن كل ما كان ضروريًا هو إرادة يسوع، وسوف يُشفى.
- عَبَد يسوع بثقته في أن يسوع يمكن أن يجعله أكثر من صحيح؛ فيسوع يمكن أن يجعله طاهرًا.
- “قدم الأبرص للمسيح إجلالًا إلهيًا؛ فإذا كان يسوع مجرد إنسان صالح، ولا شيء أكثر، لكان قد رفض العبادة بسخط مقدس.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إن أولئك الذين يدعون يسوع ’الرب أو السيد‘ ولا يعبدونه، هم أكثر مرضًا من الأبرص.” سبيرجن (Spurgeon)
- يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ: لم يكن لدى الأبرص أي شك في قدرة يسوع على الشفاء. وكان السؤال الوحيد هو ما إذا كان يسوع يريد بالفعل أن يشفيه.
- لقد آمن بقوة يسوع. فعندما أصيب قائد عسكري يدعى نعمان بالبرص، جاء إلى يهورام، ملك إسرائيل لأنه سمع أن هناك نبيًا في إسرائيل اعتاد الله أن يستخدمه لصُنع العجائب. وعندما أتى نعمان إلى يهورام، كان يهورام مُدركًا أنه ليس لديه أي قوة لمساعدته، وقال له: “هَلْ أَنَا اللهُ لِكَيْ أُمِيتَ وَأُحْيِيَ، حَتَّى إِنَّ هذَا يُرْسِلُ إِلَيَّ أَنْ أَشْفِيَ رَجُلًا مِنْ بَرَصِهِ؟” (ملوك الثاني ٧:٥). فقد كان البرص ميؤوسًا منه في العالم القديم لدرجة أن شفاء الأبرص كان يُعادل إقامة الموتى؛ ومع ذلك عرف هذا الأبرص أن كل ما يحتاجه يسوع هو أن يكون راغبًا في شفائه (يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ).
- لكن هذا الأبرص كان متأكدًا من أن يسوع كان راغبًا في استخدام قوته لصالح الأبرص. “يؤمن البشر بسهولة في القوة المعجزية أكثر من إيمانهم في المحبة المُعجزية.” بروس (Bruce)
- يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي: هذا الأبرص سعى إلى أكثر من الشفاء. فقد أراد التطهير. ليس فقط من البرص، ولكن أيضًا من كل آثاره الرهيبة على حياته ونفسه.
- بالإضافة إلى ذلك، هذا هو الموقف الأول في الإنجيل حيث يُدعى يسوع الربُ (سَيِّد). فكان هذا اللقب ذا معنى خاص في ضوء حقيقة أن كلمة الرب استخدمت لترجمة الكلمة العبرية يهوه، وكتب متى إنجيله لأولئك الذين سيكونون على دراية بالسياق اليهودي لتلك الكلمة.
ب) الآية (٣): يسوع يلمس الأبرص فيَطهُر.
٣مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلًا:«أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ.
- مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ: كانت هذه لمسة جريئة وعطوفة من يسوع. والفكرة هي أن الأبرص أبقى على بُعْدِه عن يسوع، لكن يسوع مَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ. وقد كان لمس الأبرص مخالفًا للقانون الطقسي، مما جعل اللمس ذي مغزى عميق بالنسبة للإنسان المصاب. وبالطبع، بمجرد أن لمسه يسوع، لم يعد الإنسان أبرصًا!
- لَمَسَهُ: لم يكن على يسوع أن يلمس الأبرص لكي يشفيه. فكان يمكن أن يشفيه بكلمة أو حتى بفكرة. ومع ذلك، شفى الأبرص بلمسة لأن ذلك هو ما كان يحتاجه الأبرص.
- غالبًا ما نوعَّ يسوع في طريقة الشفاء، وعادةً ما اختار طريقة معينة تكون ذات معنى للفرد المنكوب.
- يقول إنجيل مرقس ٤١:١ عندما نظر يسوع، أنه تَحَنَّنَ. لقد مر وقت طويل منذ أن رأى هذا الأبرص وجهًا يتعاطف معه.
- أُرِيدُ: تأكيد يسوع بأنه يريد أن يشفيه، أجاب ببساطة طلبة الرجل، ويمنحنا نقطة بداية للأوقات التي نتساءل فيها عما إذا كان يسوع راغبًا للشفاء. ويجب أن نفترض أن يسوع راغبٌ في الشفاء ما لم يظهر لنا خلاف ذلك.
- كيف يمكننا معرفة ما إذا كان يسوع على استعداد لشفائنا؟ من خلال افتراض أنه مستعد، ولكن أيضًا من خلال الاستماع إليه ليخبرنا إن كان سيفعل أم لا. وهذا ما حدث مع الرسول بولس في كورنثوس 2 ٧:١٢-١٠؛ إذ يبدو أن بولس افترض أن يسوع سوف يشفي الشوكة التي في الجسد، حتى جاءت إليه كلمة أنه لا يشاء.
- وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ: لقد تغيرت حياة الأبرص السابقة إلى الأبد. فلم يتم الشفاء من المرض فحسب، ولكن كما طلب، تم تطهيره. وقد قال يسوع مؤخرًا، اسْأَلُوا تُعْطَوْا (متى ٧:٧). وكان هذا صحيحًا بالتأكيد بالنسبة إلى الأبرص السابق الذي تم تطهيره الآن.
- هذا هو الشفاء الفردي الأول الذي وصفه متى. ففي السابق، أُخْبرنا عن خدمة يسوع في الشفاء بشكل عام (متى ٢٣:٤-٢٤)، ولكن هنا في حالة معينة.
ج) الآية (٤): يأمر يسوع الرجل بالإدلاء بشهادته للكهنة فقط.
٤قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمِ الْقُرْبَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ».
- انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ: لقد أمر يسوع الناس في كثير من الأحيان بالهدوء حيال شفاءهم أو في بعض الأعمال المعجزية التي قام بها من أجلهم. لقد فعل هذا لأنه أراد أن يخفف من إثارة الحشود حتى الوقت المناسب لإعلانه الرسمي لإسرائيل، وهو تاريخ محدد كما تم التنبؤ به في سفر دانيال ٩.
- بالإضافة إلى ذلك، لم تُحسب معجزات يسوع في المقام الأول لجعله مشهورًا أو شخصية ذائعة الصيت (على الرغم من أنها كلها قد شهدت لخدمته). بل بالحري، قد شفى يسوع لتلبية احتياجات أفراد معينين وإظهار القوة الواضحة للمسيح في إرساء المحبة والرعاية للأشخاص المتواضعين.
- لذلك، كان يسوع حذرًا بشأن الكيفية التي رآها الجموع ولماذا تبعوه. “إن فكرة السرية هذه تُفهم على نحو أفضل على أنها تعكس خطرًا حقيقيًا يتمثل في أن يتمكن يسوع من تحقيق شعبية غير مرغوب فيها لمجرد كونه صانع معجزات، أو أسوأ من ذلك باعتباره محررًا قوميًا، وبالتالي يعزز هذا سوء فهم جاد للطبيعة الحقيقية لإرساليته.” فرانس (France)
- يخبرنا مرقس أن الأبرص لم يطِعْ يسوع وبدلًا من ذلك خرج وشرع في إعلانه بحرية (مرقس ٤٤:١-٤٥).
- أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ: أمر يسوع الرجل بإعطاء شهادة للكهنة، ويا لها من شهادة كانت! فقانون موسى ينص على تقديم ذبائح معينة عند شفاء أبرص، فعندما أبلغ الرجل الكهنة بذلك، كانوا لا شك مضطرين إلى أداء مراسم نادرًا ما تم القيام بها (لاويين ١٤).
- الذهاب إلى الكاهن سيعيد الأبرص السابق إلى المجتمع. أراد يسوع أن يكون لشفاء مرض الإنسان أكبر قدر ممكن من الفائدة.
- “التقدمة كانت طائران حيّان وطاهران، وبعض خشب الأرز، مع القرمز والزوفا (لاويين ٤:١٤)، تلك التي كان من شأنها أن تُقدم للتطهير؛ وعندما يطهُر، يُحضر خروفين ونعجة وثلاث أعشار دقيق، وكوبًا واحدًا من الزيت (لاويين ١٠:١٤)، ولكن إذا كان الشخص فقيرًا، فعليه إحضار خروف واحد وعُشر من الدقيق وكوب واحد من الزيت ويمامتين أو حمامة صغيرة (لاويين ٢١:١٤-٢٢).” كلارك (Clarke)
ثانيًا. يسوع يشفي خادم قائد المئة
أ ) الآيات (٥-٦): قائد المئة الروماني يقترب من يسوع.
٥وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ يَطْلُبُ إِلَيْهِ ٦وَيَقُولُ:«يَا سَيِّدُ، غُلاَمِي مَطْرُوحٌ فِي الْبَيْتِ مَفْلُوجًا مُتَعَذِّبًا جِدًّا».
- وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ: يخبرنا إنجيل متى ١٣:٤ أن هذا هو المكان الذي عاش فيه يسوع؛ في قوله: “أَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ.”
- جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ: كان قائد المئة من الواضح أممي لأنه كان ضابطًا في الجيش الروماني. وكان لمعظم اليهود تقريبًا سببًا وجيهًا لكُره قَائِد المِئَة هذا، ومع ذلك جاء إلى معلم يهودي طلبًا للمساعدة. إلى حد كبير، لم يأتِ لسبب أناني، ولكن نيابة عن غلامه.
- كلما يذكر العهد الجديد قائد مئة (هناك ما لا يقل عن سبعة)، فإنه يقدمه كشخص شريف صالح.
- كان لقائد المئة هذا موقفًا غير عادي تجاه غلامه. فبموجب القانون الروماني، كان للسيد الحق في قتل عبده، وكان من المتوقع أن يفعل ذلك إذا مرض العبد أو أصيب بجروح إلى درجة لم يعد يستطيع العمل فيها.
- يَطْلُبُ إِلَيْهِ: هذا يدل على أن قائد المئة لم يقدم طلب عارض. يصفه متى بأنه يتوسل إلى يسوع نيابة عن غلامه.
- “يطلب علاجًا، لكنه لا يصف للرب كيف أو أين سيقوم بهذا العلاج؛ في الحقيقة، إنه لا يضع طلبته في كلمات، لكنه يتوسل من أجل القضية، ويترك الحزن يتكلم نيابة عنه.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٧-٩): إدراك قائد المئة لسُلطان يسوع الروحي.
٧فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ». ٨فَأَجَابَ قَائِدُ الْمِئَةِ وَقَالَ:«يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. ٩لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: اءْيتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ».
- أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ: لم يتردد يسوع في الذهاب إلى منزل قائد المئة، ونتمنى جزئيًا لو أن قائد المئة كان قد سمح له بذلك. فقد كان دخول يهودي إلى بيتِ أممي ضد القوانين اليهودية تمامًا؛ ومع ذلك فلم يكن هذا ضد شريعة الله.
- استشعر قائد المئة هذا عندما قال: “يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي.” اعتقد معظم اليهود أن بيت الوثنيون لم يكن يستحق دخولهم فيه، وكان قائد المئة يفترض أن معلمًا عظيمًا مثل يسوع سيعتبر أن منزله لا يستحق.
- وأظهر قائد المئة أيضًا حساسية كبيرة ليسوع، لأنه أراد تجنيب يسوع التحدي المُحرج المتمثل في دخول أو عدم الدخول إلى منزل الوثنيين، وكذلك وقت السفر ومشاكله. لم يكن يعرف يسوع جيدًا ليدرك أنه لن يشعر بالحرج على الإطلاق؛ ولكن نظرته إلى يسوع في هذه الحالة كانت رائعة. وفي اهتمامه بكل من خادمه ويسوع، نرى أن قائد المئة هذا كان شخصًا محور اهتمامه خدمة الآخرين.
- لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي: لقد فهِم قائد المئة تمامًا أن قدرة يسوع الشافية لم تكن نوعًا من الخدعة السحرية التي تتطلب وجود الساحر. وبدلًا من ذلك، كان يعلم أن يسوع يتمتع بسلطان حقيقي، ويمكنه أن يأمر بالقيام بالأمور وإتمامها خارج حضوره المباشر.
- أظهر قائد المئة إيمانًا كبيرًا بكلمة يسوع. لقد فهِم أن يسوع يستطيع أن يشفي بكلمته بنفس السهولة التي يشفي بها بلمسة.
- “هذا يعني أن كلمات قائد المئة تفترض مسبقًا فهمًا للنظام العسكري الروماني. فإن خالف أحد الجنود أوامر قائد مئة، فإنه بذلك لن يكون قد خالف أوامر قائد المئة بل أوامر الإمبراطور، بل وروما كلها بكل جلالتها وعظمتها.” كارسون (Carson)
- لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي: كان قائد المئة يعرف أيضًا التسلسل العسكري للقيادة، وكيف يتم الامتثال لأوامر شخص في السلطة دون شك. وقد رأى أن يسوع كان لديه هذا النوع من السُلطة.
- “كما أن سُلطة القيصر تتدفق من خلال حياته المثمرة، كذلك سُلطان الله على الأمراض والشياطين وكل شيء آخر يتدفق من خلال المسيح.” ماير (Meyer)
ج) الآيات (١٠-١٣): يسوع يشيد بإيمان قائد المئة ويشفي غُلامه.
١٠فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا! ١١وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، ١٢وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ». ١٣ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ: «اذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ». فَبَرَأَ غُلاَمُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ.
- فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ: إدراك الرجل لسُلطان يسوع الروحي جعل يسوع يتعجب. فثقته البسيطة في قدرة كلمة يسوع على الشفاء أظهرت إيمانًا خالٍ من أي اعتماد خرافي على أشياء خارجية فقط. كان هذا حقًا إيمانًا عظيمًا، يستحق الثناء.
- اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا!: لقد اعتبر يسوع إيمان قائد المئة الوثني هذا رمزًا حيًا للقَمع اليهودي، واعتقَد أنه أكبر من أي إيمان كان يراه بين أهل إِسْرَائِيلَ.
- إِسْرَائِيل لم يكن لها كيانًا سياسيًا. لم يكن هناك سوى شعب العهد المنحدرين من إبراهيم وإسحق ويعقوب. ولكن يسوع كان ما يزال يدعوهم إِسْرَائِيل.
- إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ: حقيقة أن مثل هذا الإيمان كان بين الأمم تسبب في إعلان يسوع أنه سيكون هناك وثنيون في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. بل إنهم حتى سوف يجلسون لتناول العشاء مع إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ!
- كانت هذه فكرة ثورية للعديد من الناس في الشعب اليهودي في زمن يسوع؛ فقد افترضوا أن مأدبة المسيا العظيمة هذه لن يكون فيها أي وثنيين، وأن جميع اليهود سيكونون هناك. ولكن صحح يسوع كلا الفكرتين الخاطئتين.
- تخبرنا كلمات يسوع القليلة هذه بأمر بسيط عما ستكون عليه السماء.
- إنها مكان للراحة؛ سنتكئ في السماء.
- إنها مكان جيد للاتكاء مع الصُحبة الجيدة؛ سنتمتع بصداقة إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ في السماء.
- إنها مكان فيه الكثير من الناس؛ قال يسوع أن الكثيرين سوف يدخلون السماء.
- إنها مكان مع أناس من جميع أنحاء الأرض؛ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب سوف يأتون إلى السماء.
- إنها مكان معين؛ قال يسوع إن الكثيرين سيأتون، وعندما يقول يسوع إنه سيحدث، فحتمًا سوف يحدث.
- “لكنكم تسمعون تلك الاصوات المحبوبة مرة أخرى. ستسمعون هذه الأصوات الحلوة مرة أخرى، وستعلمون بعد ذلك أن أولئك الذين أحببتموهم قد أحبهم الله. ألن تكون سماء كئيبة، تلك التي نعيش فيها، حيث لا نعرف أو نُعرف حد سواء؟ لا يهمني أن أذهب إلى مثل هذه السماء. أعتقد أن السماء هي شركة القديسين، وأننا سنعرف بعضنا البعض هناك.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ: كذلك، ذكّر يسوع مستمعيه اليهود بأنه مثلما لم تكن الهوية العرقية للوثنيين تشكل عائقًا تلقائيًا للملكوت، فإن هويتهم العرقية لا تشكل ضمانًا للملكوت. رغم أن اليهود كانوا أبناء الملكوت، فقد ينتهي بهم المطاف في الجحيم.
- “لا يمكن أن يكون هناك معاني أكثر ثورية عن التحَوُل في خطة الله للخلاص مثل تلك المُنصبة في إرسالية يسوع.” فرانس (France)
- يعلق تراب (Trapp) على عبارة ’الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ‘ فيقول: “في ظلام يتجاوز ظلام؛ في زنزانة أعمق وأسفل مما يُتخيل.”
- “إن أداة التعريف مع كلمة ’البكاء‘ وكلمة ’صرير‘ (راجع اليونانية) تؤكد على رعب المشهد: البكاء والصرير؛ فالبكاء يشير إلى المعاناة، وصرير يشير إلى اليأس.” كارسون (Carson)
- “ما الذي يفعله الخاسرون إذًا؟ إنهم ’يبكون ويصرّون على أسنانهم.‘ هل تَصَّر على أسنانك الآن؟ أنت لن تفعل ذلك إلا إن كنت في ألم أو معاناة. حسنًا، في الجحيم هناك دائمًا صرير للأسنان.” سبيرجن (Spurgeon)
- نرى أن يسوع لم يكن يخشى أن يتحدث عن الجحيم، وفي الحقيقة فعل ذلك أكثر من أي شخص آخر في الكتاب المقدس. “هناك بعض الرُعاة أو الخدام الذين لا يذكرون أي شيء عن الجحيم. سمعت عن راعي قال ذات مرة لكنيسته: ’إذا كنت لا تحب الرب يسوع المسيح، فسوف يتم إرسالك إلى هذا المكان الذي ليس من الكياسة أن أذكره.‘ أنا موقن أنه يجب ألا يُسمح لهذا الراعي أن يعظ مرة أخرى، ما لم يستطع أن يكون واضحًا في حديثه.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. المزيد من الناس المتألمين ينالون الشفاء
أ ) الآيات (١٤-١٥): يسوع يشفي حماة بطرس.
١٤وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً، ١٥فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى، فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ.
- رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً: هذا يثبت بوضوح أن بطرس كان متزوجًا. فتعلم الكنيسة الكاثوليكية أن جميع القساوسة يجب أن يكونوا عُزابًا وغير متزوجين، ولكن الرجل الذي يدعونه أول وأعظم كاهن كان متزوجًا بالفعل.
- “يقول القديس أمبروز (Ambrose) أن جميع الرسل كانوا رجالًا متزوجين، إلا يوحنا وبولس. وأولئك البابوات المنافقون المدعوون للقداسة، الذين يحّرمون زواج الكهنة، يفضلون أن يكون لديهم الكثير من العاهرات في المنزل عن زوجة واحدة.” تراب (Trapp)
- “قال ثيوفيلاكت (Theophylact) أنه يمكنك أن تعلم من هنا، أن الزواج ليس عائقًا للفضيلة، لأن قائد الرسل كان له زوجته. فالزواج هو واحد من المؤسسات الإلهية الأولى، وهو أمر إيجابي من الله.” كلارك (Clarke)
- “كانت حماته امرأة جيدة بشكل خاص، لأنها سُمح لها بالعيش مع صهرها، وكان هو حريصًا على استعادة حالتها الصحية.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى: شفى يسوع هذه المرأة بلمسة لطيفة من يده. ورغم أن مرضها كان أقل بكثير من الأبرص، إلا أن يسوع اهتم بها أيضًا. فيسوع يهتم بالمشاكل الأصغر أيضًا.
- “لم تكن المعجزة هنا في علاج مرض عُضال، ولكن في طريق العلاج، بلمسة يده.” بوله (Poole)
- فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ: أظهرت حماة بطرس استجابة مناسبة لأولئك الذين لمستهم قوة يسوع، لقد بدأت على الفور في الخدمة. فخدمة يسوع هي دليل رائع على استعادة الصحة الروحية.
- “مع وجود امتنان يُشع من وجهها، وضعت كل طبق على الطاولة، وجلبت الماء الذي قد يغسل به ضيوفها أرجلهم. ففي اللحظة التي يُخلص فيها الرب يسوع المسيح نفسًا، يعطيها القوة لتقوم بخدمتها المعينة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٦-١٧): يسوع، تحقيقًا للنبوات، يخلص الكثيرين من المرض وسُكنى الشياطين.
١٦وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ، فَأَخْرَجَ الأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ الْمَرْضَى شَفَاهُمْ، ١٧لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ:«هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا».
- قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ: يظهر اهتمام يسوع بالفرد ضمنيًا من خلال تعامله مع كل شخص بصورة فردية، وليس كمن يتعامل مع خط إنتاج بقلب بارد.
- مَجَانِينَ كَثِيرِينَ: “يقدم الدكتور لايتفوت (Lightfoot) سببين وجيهين وراء امتلاء اليهودية في زمن ربنا بالمسكونين بأرواح شريرة. أولًا، لأنهم آنذاك كانوا قد انغمسوا في عدم التقوى إلى أقسى درجة. فانظر ماذا يقول يوسيفوس، مؤرخهم، عنهم: ’لم تكن أمة تحت السماء أكثر شرًا مما كانوا هم عليه.‘ وثانيًا، لأنهم كانوا مدمنين بشدة على السحر وبهذا دعوا الأرواح الشريرة بينهم.” كلارك (Clarke)
- لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ: لقد فهم البشير متى بحق هذا التحقيق الجزئي للنبوة المذكورة في إشعياء ٥٣، والذي يشير في المقام الأول إلى الشفاء الروحي، ولكنه يشمل أيضًا الشفاء الجسدي. وفي هذا، أظهر البشير متى يسوع بوصفه المسيا الحقيقي الذي يخلص من عبودية الخطيئة ونتائج العالم الساقط.
- هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا: لقد كان النص الخاص بشفائنا (جسديًا وروحيًا) بسبب آلام (جلدات) يسوع. فالبعد الجسدي لشفائنا قد تحقق جزئيًا الآن، ولكن تم في مُطلقه فقط في القيامة.
- إن هذا العمل الشافي لمخلصنا كلف يسوع شيئًا ما؛ لم يكن الأمر كما لو كان لديه حقيبة سحرية من قوة الشفاء التي يأخذ منها ويعُطى المحتاجين. فلقد تم هذا على حساب آلامه الخاصة. “إن كانت كلمته ولمسه قد جلبا الخلاص الفوري للبشر، فذلك لأنه من خلال سر عظيم للنعمة، عانى من أجل تحقيق الخلاص.” مورجان (Morgan)
- “النبي يتحدث عن الأسقام الروحية، ويطبقها كاتب الإنجيل على الأسقام الجسدية. وليس هذا غير لائق؛ لأن هذه هي الآثار الطبيعية لتلك.” تراب (Trapp)
- هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا: يوضح هذا القسم من إنجيل متى أربعة أشخاص مختلفين ينالون الشفاء، بعضهم مختلف عن الآخر.
- أناس مختلفون ينالون الشفاء.
- يهودي بدون امتيازات اجتماعية أو دينية.
- ضابط من الجيش الأممي يحتل ويضطهد إسرائيل.
- امرأة لها صلة قرابة بأحد أتباع يسوع المخلصين.
- جموع لم تُذكر أسماؤهم.
- تم تقديم طلباتهم بطرق مختلفة.
- طلب مباشر من المتألم، وقد قُدَّم بإيمانه الخاص.
- طلب من إنسان لآخر، مقدم بإيمان نيابة عن إنسان آخر يعاني.
- لم يتم تقديم أي طلب لأن يسوع أتى إلى المتألم، لذلك لم يكن هناك دليل إيمان الذي تم شفاؤه.
- تم احضار المتألمين إلى يسوع، مع أنواع مختلفة من الإيمان.
- استخدم يسوع طرقًا مختلفة للشفاء.
- استخدم يسوع لمسة محظورة.
- استخدم يسوع من بعيد كلمة منطوقة.
- استخدم يسوع لمسة رقيقة.
- استخدم يسوع مجموعة متنوعة من الأساليب لم تُذكر أسماءها.
- من كل هذا، نحن نفهم أن الشفاء الجسدي هو مجال يظهر فيه الله سيادته بشكل خاص، وهو يفعل الأمور كما يشاء وليس بالضرورة كما قد يتوقع البشر.
- أناس مختلفون ينالون الشفاء.
رابعًا. يسوع يعلّم على التلمذة
أ ) الآيات (١٨-٢٠): يتحدث يسوع إلى تابع متحمس للغاية حول الحاجة إلى تقدير التكلُفة في اتباع يسوع.
١٨وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ. ١٩فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». ٢٠فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ».
- وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ: زادت شعبية يسوع، لكنه لم يتابع الحشود أو حتى سعى لجعلها أكبر. ففي بعض النواحي بدا أنه يتجنب الجموع الكثيرة من حوله.
- يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي: مع المعجزات المرتبطة بخدمة يسوع، فإن تبعيته قد تبدو أكثر بريقًا مما كانت عليه في الحقيقة. ربما تلقى يسوع العديد من العروض العفوية مثل هذا.
- “أتساءل إذا كان هذا الرجل قد فكر هكذا: ’حسنًا، الآن، أنا كاتب. وإذا انضممت إلى هذه المجموعة، سأكون قائدًا. أدرك أنهم صيادون فقط، معظمهم؛ فإذا جئت بينهم، فحتمًا سأكون مفيدًا جدًا لهذه المجموعة الصغيرة. سأكون دون شك أمين السر.‘ وربما كان يعتقد أن هناك شيئًا يمكن القيام به من خلال هذا المنصب؛ كان هناك آخر من فكر بنفس الطريقة.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ: لم يخبر يسوع الرجل “لا، لا يمكنك أن تتبعني.” لكنه أخبره بالحقيقة، دون رسم نسخة براقة مما كان عليه الحال في تبعيته. وهذا هو عكس التقنيات المستخدمة من قبل العديد من الوعاظ اليوم، ولكن يسوع أراد الرجل أن يعرف ما سيكون عليه الأمر حقًا.
- “في السياق المباشر لخدمة يسوع، لا يعني القول أن يسوع كان مفلسًا، ولكنه يعني أنه كان بلا مأوى؛ لأن طبيعة إرساليته أبقته في حركة دائبة، وقد يتطلب الأمر من أتباعه أن يكونوا كذلك.” كارسون (Carson)
- “العديد من المنازل، مثل بيت بطرس، كانت مفتوحة له، لكنه لم يكن يملك أي منزل.” فرانس (France)
- إن السبب في أن هذا الإنسان قد ابتعد عن يسوع كان لأن يسوع يعيش حياة بسيطة جدًا بالإيمان، واثقًا في أبيه أن يسدد كل احتياج، دون وضع احتياطيات من الموارد المادية. وهذا بالضبط هو الشيء الذي يجعل يسوع أكثر جاذبية للإنسان الروحاني الحقيقي، حيث يقول: “هنا إنسان يعيش تمامًا بالإيمان، وهو مكتفي ببعض الأمور المادية؛ فيجب أن أتبعه وأتعلم منه.”
- ابْنُ الإِنْسَانِ: تستخدم عبارة ’ابن الإنسان‘ ٨١ مرة في الأناجيل؛ وفي كل مرة يكون إما شيء قاله يسوع عن نفسه أو كلمات شخص يقتبس من يسوع. إنها عبارة مهمة استخدمها لوصف نفسه. لقد استخدمها كعنوان يعكس كلًا من مجد (دانيال ١٣:٧-١٤) واتضاع (مزمور ٤:٨) المسيح.
- على وجه الخصوص، ارتباطه بالمقطع الكتابي في سفر دانيال يعني أنه كان صورة للقوة والمجد، ولكن بدون الارتباطات غير المُرحب بها من الألقاب الأخرى. من خلال استخدامه له في كثير من الأحيان، أخبر يسوع مستمعيه: “أنا مسيا القوة والمجد، لكن ليس الذي كنتم تتوقعونه.”
ب) الآيات (٢١-٢٢): يتحدث يسوع إلى أتباع مترددين حول الأهمية الفائقة لتبعيته.
٢١وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلًا وَأَدْفِنَ أَبِي». ٢٢فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ».
- يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلًا وَأَدْفِنَ أَبِي: في الواقع، هذا الرجل لم يطلب إذنًا بحفر قبر لأبيه المتوفى. أراد البقاء في منزل والده ورعايته حتى يموت الأب. فمن الواضح أن هذه كانت فترة غير محددة، والتي يمكن أن تستمر وتطول.
- هذا الرجل كان من تلاميذه، ومع ذلك لم يتبع يسوع كما ينبغي، كما فعل التلاميذ الاثني عشر. وهذا يبين لنا أن مصطلح التلاميذ له معنى واسع إلى حد ما في إنجيل متى، ويجب فهمه في سياقه.
- أراد الرجل أن يتبع يسوع، لكن ليس فقط بعد. وكان يعلم أن الأمر جيد وأنه يجب أن يفعل ذلك، لكنه شعر أن هناك سبب وجيه لعدم تمكنه من فعل ذلك الآن. “إذا كان الكاتب سريعًا جدًا في الوعد، فإن هذا ’التلميذ‘ كان بطيئًا جدًا في الأداء.” كارسون (Carson)
- اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ: ضغط يسوع على الرجل لاتباعه الآن، وصرَّح بوضوح بالمبدأ القائل بأن الالتزامات العائلية – أو أي التزام آخر – يجب ألا توضع قبل يسوع. يجب أن يكون يسوع أولًا.
- لم يكن يسوع خائفًا من تثبيط التلاميذ المحتملين. فعلى عكس العديد من الوعاظ المعاصرين، كان مهتمًا بالجودة أكثر منها بالكمية. “لم يضر أي شيء بالمسيحية أكثر من ممارسة ملء صفوف جيش المسيح بكل متطوع مستعد لممارسة مهنة صغيرة والتحدث بطلاقة عن الخبرة.” رايل (Ryle) مُسْتشهَدًا به في كارسون (Carson).
- بالإضافة إلى ذلك، كان يسوع صادقًا بكل معنى الكلمة. وهذا هو ما تعنيه تبعيته، وأراد أن يعرف الناس ذلك من البداية.
- “قد يتم وصف الكثير من اهتمامات السياسة وتكتيكات الأحزاب واجتماعات اللجان والإصلاحات الاجتماعية والملاهي البريئة وما إلى ذلك، بشكل مناسب للغاية على أنها دفن الموتى. فالكثير من هذا العمل ضروري للغاية ومناسب وجدير بالثناء؛ ولكن يمكن أن يقوم به غير المؤمنين أيضًا وليس تلاميذ يسوع فقط. فدعهم يفعلون ذلك؛ ولكن إذا دُعينا إلى التبشير بالإنجيل، فدعنا نعطي أنفسنا بالتمام لدعوتنا المقدسة.” سبيرجن (Spurgeon)
خامسًا. يسوع يُظهر سلطانه على الريح والأمواج
أ ) الآيات (٢٣-٢٥): عاصفة تهب على بحر الجليل.
٢٣وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ. ٢٤وَإِذَا اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِينَةَ، وَكَانَ هُوَ نَائِمًا. ٢٥فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ:«يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!»
- وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ: كانت قرية كفرناحوم على شاطئ بحر الجليل تمامًا. وكان يسوع، مثل العديد من الجليليين، على دراية بالقوارب والحياة بالقرب من هذه البحيرة الكبيرة إلى حد ما.
- وَإِذَا اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي الْبَحْرِ: يشتهر بحر الجليل بعواصفه المفاجئة العنيفة. كانت شدة هذه العاصفة واضحة في حقيقة أن التلاميذ (الذين كثيرون منهم كانوا من الصيادين ذوي الخبرة في هذه البحيرة) كانوا مرعوبين، وكانوا يصرخون “يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!”
- يعلق بروس (Bruce) على عبارة ’غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِينَة‘ بقوله: “كانت السفينة مغطاة ومختفية بواسطة الأمواج التي كانت ترتفع فوق القارب وتصطدم به بشدة وتملأه تدريجيًا بالماء.”
- وَكَانَ هُوَ نَائِمًا: على الرغم من أن التلاميذ كانوا يائسين، كان يسوع نَائِمًا. لابد أن الأمر كان يبدو غريبًا لهم أنه كان نائمًا في خضم مثل هذه الاضطراب العظيم.
- يقول بروس (Bruce) إن القواعد النحوية لعبارة “وَكَانَ هُوَ نَائِمًا” تحمل “تباينًا مثيرًا”؛ فقد اندلعت العاصفة، ومن ثمَّ أصيب التلاميذ بالذعر، لكنه كان نَائِمًا.
- لقد أعجبنا بحاجته إلى النوم، مُظهرًا إنسانيته الحقيقية. أصبح متعبًا ويحتاج أحيانًا ليغفو قليلًا أينما كان، حتى في الأماكن غير المحتمل النوم فيها. “لقد كان نوم شخص مرهق من حياة صعبة، بما في ذلك الضغط المستمر على الجسم والعقل.” بروس (Bruce)
- نحن معجبون بحقيقة أنه استطاع النوم. كان عقله وقلبه هادئين بدرجة كافية، واثقًا في محبة أبيه ورعايته في السماء، حتى أمكنه من النوم في العاصفة.
ب) الآيات (٢٦-٢٧): يسوع يُظهر سُلطانه على الخليقة.
٢٦فَقَالَ لَهُمْ:«مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟» ثُمَّ قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُو عَظِيمٌ. ٢٧فَتَعَجَّبَ النَّاسُ قَائِلِينَ:«أَيُّ إِنْسَانٍ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ جَمِيعًا تُطِيعُهُ!».
- مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟: وبخ يسوع خوفهم وعدم إيمانهم، وليس طلبهم أو إيقاظهم له. فلا ينبغي لنا أن نعتقد أن يسوع كان في مزاج سيء لأنهم ايقظوه. لقد كان غاضبًا من خوفهم، لأن الخوف وعدم الإيمان يسيران معًا. وعندما نثق بالله كما يجب أن نثق به، لا يوجد مجال كبير للخوف.
- “لقد تحدث إلى البشر أولًا، لأنهم كانوا الأكثر صعوبة في التعامل معهم؛ أما الرياح والبحر فيمكن توبيخهما بعد ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لم يوبخهم لإنه انزعج من صلواتهم، بل لأنه انزعج من مخاوفهم.” هنري (Henry) مستشهدًا به في كارسون (Carson)
- كان لديهم في الواقع العديد من الأسباب للإيمان، حتى الإيمان العظيم.
- لقد رأوا للتو يسوع يقوم بمعجزات عظيمة، مما يدل على قوة وسلطان عظمَيْن.
- لقد رأوا مثالًا على الإيمان العظيم في قائد المئة الذي وثق في يسوع لشفاء غلامه.
- كان يسوع معهم في القارب، ورأوه ينام؛ فسلامه كان ينبغي أن يمنحهم السلام.
- ثُمَّ قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ: لم يهدأ يسوع الرياح والبحر فحسب؛ بل انْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ. هذا، إلى جانب الخوف الشديد من التلاميذ وما قد يواجهه يسوع في وجهته، يدفع البعض للاعتقاد بأن هناك نوعًا من الهجوم الروحي في تلك العاصفة.
- يفترض آدم كلارك (Adam Clarke) أن العاصفة كانت “مهتاجة على الأرجح بواسطة الشيطان، رئيس سلطان الهواء، الذي، بعد أن جمع المؤلف وجميع واعظي الإنجيل معًا في سفينة صغيرة، فكروا في إغراقها، لكي ينقضَ مقاصد الله، وبالتالي يمنع الخلاص عن العالم المُدَمَّر. يا لها من فرصة سانحة لابد أن تجلت أمام عدو الجنس البشري!”
- فَتَعَجَّبَ النَّاسُ: دُهِش التلاميذ. فمثل هذا الإظهار القوي على الخليقة دفعهم إلى أن يسألوا: “من يمكن أن يكون هذا؟” لا يمكن إلا أن يكون الرب فقط، يهوه، الذي يملك هذه القوة والسُلطان: يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، مَنْ مِثْلُكَ ؟ قَوِيٌّ، رَبٌّ، وَحَقُّكَ مِنْ حَوْلِكَ. أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كِبْرِيَاءِ الْبَحْرِ. عِنْدَ ارْتِفَاعِ لُجَجِهِ أَنْتَ تُسَكِّنُهَا. (مزمور ٨٩: ٨-٩).
- في غضون لحظات قليلة، رأى التلاميذ كلًا من الإنسانية الكاملة للسيد المسيح (في نومه المصحوب بالتعب) وألوهيته الكاملة. لقد رأوا يسوع من يكون: هو حقًا إنسان والله معًا.
سادسًا. سُلطان يسوع على الأرواح الشيطانية
أ ) الآيات (٢٨-٢٩): يسوع يلتقي برجلين مسكونين بأرواح شريرة.
٢٨وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ، اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. ٢٩وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ:«مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟»
- اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ: تذكر روايات الإنجيل الأخرى واحدًا فقط من هذين الرجلين. ويبدو أن حالة واحد منهما أشد وطأة بسُكنى الأرواح الشريرة، بسبب امتلاك الكثير من الشياطين له.
- خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا: هذان التعيسان كانا نجسيْن بسبب اتصالهما بالموتى، وقد أظهرا سلوكًا هائجًا لا يمكن السيطرة عليه. فدفعت الشياطين هذين الرجلين للعيش بين الْقُبُورِ.
- لأن المقابر كانت نجسة بشكل رهيب بالنسبة للشعب اليهودي.
- لأن الشياطين يحبون الموت.
- لأنه لم يكن المكان المناسب لكي يعيش البشر فيه.
- لأنها جعلت الرجلين أكثر إثارة للخوف للآخرين.
- لأنها شجعت الخرافات في الآخرين، خوفًا من أن الرجلين كانا في الواقع تسكنهما أرواح الموتى في القبور.
- مَا لَنَا وَلَكَ: أرادت الشياطين، التي كانت تعذب هذين الرجلين التعيسين، أن تترك وشأنها. فهم لا يريدون أن يتدخل يسوع في عملهم الشنيع.
- “هذه هي الصرخة القديمة ’اهتم بشؤونك الخاصة! لا تتداخل فى تجارتنا! دعنا وحدنا، وأذهب إلى أي مكان آخر!‘ فالشياطين لا تحب أبدًا التدخل في شؤونهم. ولكن حتى وإن كانت الشياطين لا تريد يسوع، فإن يسوع سيتدخل.” سبيرجن (Spurgeon)
- مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟: عرفت الشياطين من كان يسوع حتى لو لم يكن التلاميذ قد عرفوه. يمكننا المقارنة بين العبارتين:
- أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟: كانت هذه الشياطين تعرف مصيرهم الفوري (أن يتم طردهم) ومصيرهم النهائي (معاناة العذاب الأبدي). لقد أرادوا الحرية في إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر قبل موعد عذابهم المصيري.
- لقد فهموا أيضًا أن لديهم وقتًا محدودًا، وبالتالي عملوا بجد قدر استطاعتهم حتى لم يعد بإمكانهم العمل. وهذا هو أحد الأشياء الرائعة التي يمكن أن نقولها عن الشيطان وأعوانه.
ب) الآيات (٣٠-٣٢): يسوع يطرد الشياطين إلى قطيع من الخنازير.
٣٠وَكَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. ٣١فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ». ٣٢فَقَالَ لَهُمُ:«امْضُوا». فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ.
- وَكَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ: سكن كل من اليهود والأمم في منطقة الجليل، لذلك ربما كان هذا قطيعًا من الخنازير يملكه الأمميون. ولكن معظم المفسرين يعتقدون أنه نظرًا لأن الخنازير كانت نجسة بالنسبة لليهود، فلا بد أن المالك كان أمميًا.
- إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ: أرادت الشياطين أن تدخل الخنازير لأن هذه الأرواح الشريرة مصممة على الدمار وتكره أن تكون خاملة. “إن الشيطان مغرم جدًا بارتكابه الأذى، بل إنه يفضل أن يلعب في لعبة صغيرة بدلًا من أن يقف بلا حراك.” بوله (Poole)
- ومع ذلك، نلاحظ أيضًا أنه لا يمكن للشياطين أن تصيب الخنازير دون إذن من الله. “قال ترتليان: ’إذا لم يكن لفيلق من الشياطين سلطة على قطيع من الخنازير، فلن يكون لديهم الكثير على قطيع من خراف المسيح.‘” تراب (Trapp)
- فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ: لا يوجد شيء مشابه حقًا لهذا في الكتاب المقدس، وهو طرد شياطين من إنسان إلى حيوان. ومع ذلك، كان لدى يسوع سبب وجيه للسماح بذلك.
- إن حقيقة أن الشياطين دفعت الخنازير على الفور إلى الهلاك تساعد في تفسير سبب السماح يسوع للشياطين بدخول الخنازير؛ لأنه أراد أن يعرف الجميع ما هي النية الحقيقية لهذه الشياطين. فقد أرادوا تدمير الرجلين تمامًا كما دمروا الخنازير. ولأن البشر مخلوقون على صورة الله، لم يتمكنوا من الحصول على طريقهم بسهولة مع الرجلين، لكن نيتهم كانت هي نفسها؛ القتل والتدمير.
- سبب آخر لإرسال الشياطين إلى الخنازير هو ليظهر على نحو قاطع أنها قد طُرِدت بالفعل من الرجلين.
- البعض يحتج على أن هذا كان غير عادل بالنسبة لمالك الخنازير. “’لكن أصحاب الخنازير فقدوا ممتلكاتهم.‘ نعم، وتعلموا من هذا كيف أن الثروات الزمنية هي صغيرة القيمة في نظر الله. إنه يجعلها تضيع، وأحيانًا يفصلنا عنها من خلال الرحمة؛ وأحيانًا بدافع العدالة، لمعاقبتنا على اكتسابهم أو حيازتهم إما عن طريق الطمع أو الظلم.” كلارك (Clarke)
- كان لدى سبيرجن (Spurgeon) عدة تعليقات حكيمة على الطريقة التي أثرت بها الشياطين في الخنازير:
- “الخنازير تفضل الموت على النجاة؛ وإذا لم يكن الرجلان أسوأ من الخنازير، لكانا من الرأي ذاته.”
- “إنهم يركضون بقوة من يقودهم، ألا وهو الشيطان.”
- “الشيطان يدفع خنازيره إلى سوق سيئة.”
ج) الآيات (٣٣-٣٤): الناس يطلبون من يسوع مغادرة المنطقة.
٣٣أَمَّا الرُّعَاةُ فَهَرَبُوا وَمَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَخْبَرُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَنْ أَمْرِ الْمَجْنُونَيْنِ. ٣٤فَإِذَا كُلُّ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجَتْ لِمُلاَقَاةِ يَسُوعَ. وَلَمَّا أَبْصَرُوهُ طَلَبُوا أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ تُخُومِهِمْ.
- وَأَخْبَرُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ… فَإِذَا كُلُّ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجَتْ لِمُلاَقَاةِ يَسُوعَ: لأن يسوع عرف الطبيعة الإنسانية، فقد عرف ما يمكن توقعه من هذا الحشد القادم من المدينة. ومع ذلك فقد ظن تلاميذه أن هؤلاء الناس سيكونون سعداء لأن يسوع قد أنقذ هذين الرجلين الذين كانت تسكنهما الأرواح الشريرة سابقًا.
- ما فعله يسوع وحد كُلُّ الْمَدِينَةِ، وخرجوا جميعًا لمقابلة يسوع والتحدث معه؛ ولكن الأمر لم يكن بطريقة جيدة. “نرى هنا مدينة بأكملها في اجتماع للصلاة، يصلون ضد بركتهم الخاصة؛ كانت صلاتهم فظيعة. ولكنها استجيبت، وانصرف يسوع عن تُخُومِهِم.” سبيرجن (Spurgeon)
- طَلَبُوا أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ تُخُومِهِمْ: كنا نعتقد أن سكان المنطقة سيكونون سعداء بشفاء هذين الرجلين اللذين كانت تسكنهما الأرواح الشريرة. وربما كانوا أكثر اهتمامًا بالخنازير من الناس. بالتأكيد، فإن سُلطان يسوع للخلاص لم يجعل جميع الناس يشعرون بالراحة.
- قد يفسر هذا سببًا آخر وراء رغبة الشياطين في دخول الخنازير. فالفكرة هي أن الشياطين أرادوا إثارة كراهية يسوع ورفضه، لذلك قادوا الخنازير إلى الدمار على أمل أن يتم إلقاء اللوم على يسوع، ومن ثمَّ يصبح غير مرحب به هناك.