ملوك الأول ١٢
رَحُبْعَام ويَرُبْعَام
أولًا. رَحُبْعَام وتقسيم إسرائيل
أ ) الآيات (١-٥): شيوخ إسرائيل يقدمون عرش إسرائيل لرحبعام.
١وَذَهَبَ رَحُبْعَامُ إِلَى شَكِيمَ، لأَنَّهُ جَاءَ إِلَى شَكِيمَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ لِيُمَلِّكُوهُ. ٢وَلَمَّا سَمِعَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ وَهُوَ بَعْدُ فِي مِصْرَ، لأَنَّهُ هَرَبَ مِنْ وَجْهِ سُلَيْمَانَ الْمَلِكِ، وَأَقَامَ يَرُبْعَامُ فِي مِصْرَ، ٣وَأَرْسَلُوا فَدَعَوْهُ. أَتَى يَرُبْعَامُ وَكُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ وَكَلَّمُوا رَحُبْعَامَ قَائِلِينَ: ٤«إِنَّ أَبَاكَ قَسَّى نِيرَنَا، وَأَمَّا أَنْتَ فَخَفِّفِ الآنَ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ الْقَاسِيَةِ، وَمِنْ نِيرِهِ الثَّقِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا، فَنَخْدِمَكَ». ٥فَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيَّ». فَذَهَبَ الشَّعْبُ.
١. وَذَهَبَ رَحُبْعَامُ إِلَى شَكِيمَ، لأَنَّهُ جَاءَ إِلَى شَكِيمَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ لِيُمَلِّكُوهُ: كان هذا استمرارًا طبيعيًا لسلالة داود. إذ خلّف سليمان أباه داود على العرش، وها هو رَحُبْعَام يخلف سليمان ملكًا على إسرائيل.
• رحبعام هو الابن الوحيد لسليمان الذي نعرفه بالاسم. لقد تزوج سليمان من ألف امرأة، بينهن محظيّات. لكننا نقرأ عن ابن واحد كان يحمل اسمه، وكان ذلك الابن أحمق. ويدل هذا على أن الخطية طريقة سيئة لتكوين أسرة.
• “يصعب التصديق أنه لم يكن لسليمان أبناء آخرون. غير أن الحقيقة هي أن رحبعام هو الوحيد المذكور (١ أخبار الأيام ٣: ١٠).” ناب (Knapp)
• كانت شَكِيمَ مدينة ذات تاريخ غني: إبراهيم بنى مذبحًا وعبدَ هناك (تكوين ١٢: ٦)، ويعقوب بنى مذبحًا واشترى أرضًا هناك (تكوين ٣٣: ١٨-٢٠)، ويوسف دفن هناك (يشوع ٢٤: ٣٢). وكانت شكيم أيضًا المركز الجغرافي لأسباط الشمال. وبشكل عام، فإن هذا يبين أن رحبعام كان في وضع ضعيف، حيث اضطر إلى أن يقابل أسباط الشمال العشرة في اراضيهم بدلًا من أن يطالب ممثليهم بأن يأتوا إلى أورشليم.
٢. وَلَمَّا سَمِعَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ: سبق أن ذُكر يربعام في ١ ملوك ١١: ٢٦-٤٠. وقد أخبره الله عن طريق نبي أنه سيحكم على جزء من إسرائيل المنقسمة. وبطبيعة الحال، كان يربعام مهتمًا باستلام العرش بعد سليمان. وكان جزءًا من مجموعة الشيوخ التي خاطبت رحبعام.
٣. إِنَّ أَبَاكَ قَسَّى نِيرَنَا، وَأَمَّا أَنْتَ فَخَفِّفِ الآنَ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ الْقَاسِيَةِ: كان سليمان ملكًا عظيمًا، ولكنه أخذ الكثير من الشعب. فأراد الشعب أن يعفيهم رحبعام من الضرائب الباهظة ومن الخدمة القسرية في عهد سليمان، وعرضوا الولاء له إذا وافق على مطالبهم.
• حذّر الله إسرائيل من هذا الأمر في ١ صموئيل ٨: ١٠-١٩، عندما تكلم على فم النبي صموئيل حول ما يمكن أن يأخذه الملك من الشعب. ورغم هذا التحذير، أراد الشعب ملكًا. وها قد عرفوا الآن معنى أن يحكمهم ملك أرضي.
• من المؤسف أن شيوخ إسرائيل لم يقدموا مطالب روحية لرحبعام. فعلى ما يبدو أن عبادة سليمان للأوثان وارتداده لم يزعجاهم على الإطلاق.
ب) الآيات (٦-٧): يأخذ رحبعام مشورة الشيوخ.
٦فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ الشُّيُوخَ الَّذِينَ كَانُوا يَقِفُونَ أَمَامَ سُلَيْمَانَ أَبِيهِ وَهُوَ حَيٌّ، قَائِلاً: «كَيْفَ تُشِيرُونَ أَنْ أَرُدَّ جَوَابًا إِلَى هذَا الشَّعْبِ؟» ٧فَكَلَّمُوهُ قَائِلِينَ: «إِنْ صِرْتَ الْيَوْمَ عَبْدًا لِهذَا الشَّعْبِ وَخَدَمْتَهُمْ وَأَجَبْتَهُمْ وَكَلَّمْتَهُمْ كَلاَمًا حَسَنًا، يَكُونُونَ لَكَ عَبِيدًا كُلَّ الأَيَّامِ».
١. فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ الشُّيُوخَ الَّذِينَ كَانُوا يَقِفُونَ أَمَامَ سُلَيْمَانَ أَبِيهِ وَهُوَ حَيٌّ: طلب رحبعام بحكمة مشورة الشيوخ المتمرسين. إذ بدا أنهم قدموا نصائح جيدة لسليمان في الماضي، ولهذا كان مناسبًا أن يطلب رحبعام نصيحتهم.
٢. «إِنْ صِرْتَ الْيَوْمَ عَبْدًا لِهذَا الشَّعْبِ… يَكُونُونَ لَكَ عَبِيدًا كُلَّ الأَيَّامِ»: عرف الشيوخ أن رحبعام لا يشبه سليمان، ولم يتوقعوا منه أن يفعل للشعب ما فعله سليمان. وكان على رحبعام أن يتواصل مع الشعب بناءً على هويته، لا بناءً على هوية أبيه. فإذا أظهر للطفًا وقلب خادم للشعب، فسيحبونه وسيخدمونه إلى الأبد. فكانت هذه نصيحة جيدة جدًا.
ج) الآيات (٨-١١): يأخذ رحبعام مشورة الأحداث.
٨فَتَرَكَ مَشُورَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي أَشَارُوا بِهَا عَلَيْهِ وَاسْتَشَارَ الأَحْدَاثَ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ وَوَقَفُوا أَمَامَهُ، ٩وَقَالَ لَهُمْ: «بِمَاذَا تُشِيرُونَ أَنْتُمْ فَنَرُدَّ جَوَابًا عَلَى هذَا الشَّعْبِ الَّذِينَ كَلَّمُونِي قَائِلِينَ: خَفِّفْ مِنَ النِّيرِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا أَبُوكَ». ١٠فَكَلَّمَهُ الأَحْدَاثُ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ قَائِلِينَ: «هكَذَا تَقُولُ لِهذَا الشَّعْبِ الَّذِينَ كَلَّمُوكَ قَائِلِينَ: إِنَّ أَبَاكَ ثَقَّلَ نِيرَنَا وَأَمَّا أَنْتَ فَخَفِّفْ مِنْ نِيرِنَا، هكَذَا تَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ خِنْصَرِي أَغْلَظُ مِنْ مَتْنَيْ أَبِي. ١١وَالآنَ أَبِي حَمَّلَكُمْ نِيرًا ثَقِيلاً وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى نِيرِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ».
١. فَتَرَكَ مَشُورَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي أَشَارُوا بِهَا عَلَيْهِ وَاسْتَشَارَ الأَحْدَاثَ: رفض رحبعام مشورة الشيوخ قبل أن يستمع إلى الأحداث.
• هذه ظاهرة شائعة اليوم يسميها بعضهم ’تسوُّق المشورة.‘ والفكرة هي أنك تطلب نصائح من آخرين إلى أن تجد شخصًا مستعدًا لأن يخبرك ما تريد أن تسمعه. وهذه طريقة غير حكيمة وغير تقية للحصول على مشورة. وإنه أفضل أن يكون لديك قلة من المستشارين الموثوقين تستمع إليهم عندما يخبرونك بما لا تريد سماعه.
٢. وَاسْتَشَارَ الأَحْدَاثَ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ: كان هؤلاء الشباب الأكثر احتمالًا أن يخبروا رحبعام بما كان يفكر فيه بالفعل. وقد بيَّن اللجوء إلى الأشخاص الأكثر احتمالًا أن يفكروا مثله أنه لم يطلب مشورة إلا من أجل المظاهر.
• تُظهر نصيحتهم غير الحكيمة أهمية طلب المشورة من أولئك الذين هم خارج دائرتنا المباشرة وسياقنا. ففي بعض الأحيان، يمكن أن يرى من هم خارج دائرتنا الأشياء بشكل أكثر من الذين يشاركوننا نفس التجارب.
٣. وَالآنَ أَبِي حَمَّلَكُمْ نِيرًا ثَقِيلاً وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى نِيرِكُمْ: قدم الأحداث مشورة مناقضة لمشورة الشيوخ، واقترحوا مسارًا عدائيًا يجعل رحبعام مخوفًا أكثر من سليمان.
• طلب سليمان الكثير من إسرائيل من حيث الضرائب والخدمة. لكن ليس لدينا الانطباع أن إسرائيل اتبعت سليمان بدافع من الخوف، بل بإحساس من الرؤية والقصد المشتركين. فقد آمنوا بما أراد سليمان أن يفعله، وكانوا على استعداد للتضحية من أجل تحقيقه. ولم يحتكم رحبعام إلى أي إحساس بالرؤية والقصد المشتركين. إذ أراد ببساطة أن يتبع الشعب أوامره خوفًا منه كطاغية.
• “بهذه الكلمات المتهورة، فتح الديكتاتور الفاشل رحبعام الباب أمام ٤٠٠ عام من الصراع، والضعف، وفي نهاية الأمر إلى دمار أمة إسرائيل ككل.” ديلداي (Dilday)
د ) الآيات (١٢-١٥): رحبعام يرد على يربعام وشيوخ اسرائيل بفظاظة.
١٢فَجَاءَ يَرُبْعَامُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى رَحُبْعَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا تَكَلَّمَ الْمَلِكُ قَائِلاً: «ارْجِعُوا إِلَيَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ». ١٣فَأَجَابَ الْمَلِكُ الشَّعْبَ بِقَسَاوَةٍ، وَتَرَكَ مَشُورَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي أَشَارُوا بِهَا عَلَيْهِ، ١٤وَكَلَّمَهُمْ حَسَبَ مَشُورَةِ الأَحْدَاثِ قَائِلاً: «أَبِي ثَقَّلَ نِيرَكُمْ وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى نِيرِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ». ١٥وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ، لأَنَّ السَّبَبَ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ لِيُقِيمَ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْ يَدِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ إِلَى يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ.
١. وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ: في هذه الحالة، كان على رحبعام أن يستمع إلى الشعب. ولا يعني هذا أنه ينبغي للقائد دائمًا أن يقود بالتصويت الشعبي، لكنه يحتاج إلى الحكمة لمعرفة متى يكون ما يريده الشعب هو الأفضل بالنسبة لهم.
• تصرف رحبعام بحماقة. ومن المفارقات هنا أن أباه سليمان عبّر عن قلقه من فقدان كل ما عمله تحت خليفة أحمق: “فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدِي. وَمَنْ يَعْلَمُ، هَلْ يَكُونُ حَكِيمًا أَوْ جَاهِلًا، وَيَسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ وَأَظْهَرْتُ فِيهِ حِكْمَتِي تَحْتَ الشَّمْسِ؟ هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.” (سفر الجامعة ٢: ١٨-١٩).
٢. لأَنَّ السَّبَبَ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ: قد سمح الله بحدوث كل هذا، لكنه لم يجبر رحبعام على إتخاذ هذا العمل الآثم وغير الحكيم. إذ ترك الله رحبعام وشأنه، وسمح له بارتكاب الأخطاء الفادحة التي أراد قلبه الشرير أن يرتكبها.
• “لاحظوا أيضًا، أيها الأصدقاء الأعزاء، أن الله موجود في أحداث ناتجة عن خطية الإنسان وغبائه. فكان انقسام المملكة نتيجة لخطية سليمان وحماقة رحبعام. وكان الله في هذا. ’لِأَنَّ ٱلسَّبَبَ كَانَ مِنْ قِبَلِ ٱللهِ.‘ يقول الله: ’هذا مني.‘ لم تكن لله علاقة بالخطية أو بالحماقة، لكن بطريقة ما لا يمكننا أبدًا أن نفسرها، بطريقة غامضة ينبغي أن نؤمن بها من دون تردد، كان الله في ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (١٦-١٩): رفض الأسباط العشرة الشمالية رحبعام كملك.
١٦فَلَمَّا رَأَى كُلُّ إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ، رَدَّ الشَّعْبُ جَوَابًا عَلَى الْمَلِكِ قَائِلِينَ: «أَيُّ قِسْمٍ لَنَا فِي دَاوُدَ؟ وَلاَ نَصِيبَ لَنَا فِي ابْنِ يَسَّى! إِلَى خِيَامِكَ يَا إِسْرَائِيلُ. الآنَ انْظُرْ إِلَى بَيْتِكَ يَا دَاوُدُ». وَذَهَبَ إِسْرَائِيلُ إِلَى خِيَامِهِمْ. ١٧وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا فَمَلَكَ عَلَيْهِمْ رَحُبْعَامُ. ١٨ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ أَدُورَامَ الَّذِي عَلَى التَّسْخِيرِ فَرَجَمَهُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ. فَبَادَرَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ وَصَعِدَ إِلَى الْمَرْكَبَةِ لِيَهْرُبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ١٩فَعَصَى إِسْرَائِيلُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
١. أَيُّ قِسْمٍ لَنَا فِي دَاوُدَ؟: لم تدفع حماقة رحبعام إسرائيل إلى رفض رحبعام فقط، بل كل سلالة داود. رفضوا نسل أعظم ملوك إسرائيل.
٢. ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ أَدُورَامَ الَّذِي عَلَى التَّسْخِيرِ فَرَجَمَهُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ: يبدو أن رحبعام لم يأخذ التمرد مأخذ الجد إلى أن حدث هذا. وعندما قُتل كبير المشرفين على جمع الضرائب، عرف أن الأسباط العشرة كانوا جادّين في تمردهم.
• كان اختيار أدورام خطًأ كبيرًا. إذ كان مشهورًا بقسوته على العمال (١ ملوك ٤: ٦ و ٥: ١٤). ويرجح أن رحبعام أرسل أدورام للأيفاء بوعده بمعاقبة الذين يقاومونه. ولكن لم تنجح سياسته المتشددة.
٣. فَعَصَى إِسْرَائِيلُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ: من هذه النقطة فصاعدًا من تاريخ إسرائيل، صار اسم ’إسرائيل‘ يشير إلى الأسباط الشمالية العشرة، بينما أشار اسم ’يهوذا‘ إلى سبطي يهوذا وبنيامين.
• ساد توتر طويل الأمد بين الأسباط الشمالية وسبطي يهوذا وبنيامين. إذ كان هنالك تمردان سابقان على طول هذا الخط من التقسيم أعقب تمرد أبشالوم (٢ صموئيل ١٩: ٤٠-٤٣)، والذي تطور إلى تمرد شبع بن بكري (٢ صموئيل ٢٠: ١-٢).
• “كان يفترض أن يكون رحبعام ممتنًا لأن محبة الله لداود تركت له سبطين.” ناب (Knapp)
و ) الآيات (٢٠-٢٤): يحاول رحبعام توحيد الامة بالقوة.
٢٠وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِأَنَّ يَرُبْعَامَ قَدْ رَجَعَ، أَرْسَلُوا فَدَعَوْهُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَلَّكُوهُ عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. لَمْ يَتْبَعْ بَيْتَ دَاوُدَ إِلاَّ سِبْطُ يَهُوذَا وَحْدَهُ. ٢١وَلَمَّا جَاءَ رَحُبْعَامُ إِلَى أُورُشَلِيمَ جَمَعَ كُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا وَسِبْطَ بَنْيَامِينَ، مِئَةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ مُخْتَارٍ مُحَارِبٍ، لِيُحَارِبُوا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَرُدُّوا الْمَمْلَكَةَ لَرَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ. ٢٢وَكَانَ كَلاَمُ اللهِ إِلَى شِمَعْيَا رَجُلِ اللهِ قَائِلاً: ٢٣«كَلِّمْ رَحُبْعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ مَلِكِ يَهُوذَا وَكُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ قَائِلاً: ٢٤هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَصْعَدُوا وَلاَ تُحَارِبُوا إِخْوَتَكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، لأَنَّ مِنْ عِنْدِي هذَا الأَمْرَ». فَسَمِعُوا لِكَلاَمِ الرَّبِّ وَرَجَعُوا لِيَنْطَلِقُوا حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ.
١. وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِأَنَّ يَرُبْعَامَ قَدْ رَجَعَ، أَرْسَلُوا فَدَعَوْهُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَلَّكُوهُ عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ: وهكذا تحققت نبوءة أخيا في ملوك الأول ١١: ٢٩-٣٩. بدا الأمر غير مرجح في وقت النبوة – لكن كلمة الله تحققت فعلًا.
• يُطلق على هذا الملك أحيانًا اسم يربعام الأول لتمييزه عن ملك لاحق لإسرائيل يُدعى أيضًا يربعام، والمعروف أيضًا باسم يربعام الثاني (ملوك الثاني ١٤: ٢٣-٢٩).
٢. لِيُحَارِبُوا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَرُدُّوا الْمَمْلَكَةَ لَرَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ: نوى رحبعام أن يشن حربًا على أسباط إسرائيل الانفصاليين، لكن الله تكلم إليه من خلال نبي ومنعه من ذلك. استمع رحبعام – ربما لافتقاره إلى الشجاعة – إلى كلمة الله على فم شِمْعِيَا رجل الله. وهذا أمر يُحسَب له.
• “نجد هنا رجلًا اسمه شمعيا. لم يسمع به بعضكم من قبل، وربما لن تسمعوا عنه مرة أخرى. يظهر هذا الرجل مرة واحدة في هذا التاريخ، ثم يختفي. يظهر فجأة ويختفي فجأة. تخيّلوا أن هذا الرجل الواحد هو الذي فرض السلام على ١٨٠.٠٠٠ رجل محارب مستعد لمقاتلة بيت إسرائيل، بإعطائهم أمر الله البسيط بكلمات واضحة غير مصقولة. فلماذا لا نملك نحن مثل هذه القوة؟ ربما لأننا لا نتحدث باسم الرب، ولا نتحدث بكلمة الله على أنها كلمته. إذ نعبّر عن أفكارنا الخاصة. فما الذي يجبر الناس على الاستماع إلينا؟” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. زنا يربعام الروحي
أ ) الآية (٢٥): عاصمة يربعام الجديدة – شكيم.
٢٥وَبَنَى يَرُبْعَامُ شَكِيمَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَسَكَنَ بِهَا. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَبَنَى فَنُوئِيلَ.
١. وَبَنَى يَرُبْعَامُ شَكِيمَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ: أراد يربعام أن يكون لمملكته عاصمة، لأن أورشليم كانت في أراضي يهوذا وبنيامين. فأصبحت مدينة شَكِيم عاصمة لمملكة إسرائيل الشمالية.
٢. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَبَنَى فَنُوئِيلَ: يبدو أن عهد يربعام بدأ بقوة. كان لديه وعد كبير من الله من خلال النبي أخيا: فَإِذَا سَمِعْتَ لِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ، وَسَلَكْتَ فِي طُرُقِي، وَفَعَلْتَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ عَبْدِي، أَكُونُ مَعَكَ وَأَبْنِي لَكَ بَيْتًا آمِنًا كَمَا بَنَيْتُ لِدَاوُدَ، وَأُعْطِيكَ إِسْرَائِيلَ (١ ملوك ١١: ٣٨).
ب) الآيات (٢٦-٢٩): يربعام يوظف الدين في خدمة الدولة.
٢٦وَقَالَ يَرُبْعَامُ فِي قَلْبِهِ: «الآنَ تَرْجعُ الْمَمْلَكَةُ إِلَى بَيْتِ دَاوُدَ. ٢٧إِنْ صَعِدَ هذَا الشَّعْبُ لِيُقَرِّبُوا ذَبَائِحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ، يَرْجعْ قَلْبُ هذَا الشَّعْبِ إِلَى سَيِّدِهِمْ، إِلَى رَحُبْعَامَ مَلِكِ يَهُوذَا وَيَقْتُلُونِي، وَيَرْجِعُوا إِلَى رَحُبْعَامَ مَلِكِ يَهُوذَا». ٢٨فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ وَعَمِلَ عِجْلَيْ ذَهَبٍ، وَقَالَ لَهُمْ: «كَثِيرٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ أَصْعَدُوكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». ٢٩وَوَضَعَ وَاحِدًا فِي بَيْتِ إِيلَ، وَجَعَلَ الآخَرَ فِي دَانَ.
١. إِنْ صَعِدَ هذَا الشَّعْبُ لِيُقَرِّبُوا ذَبَائِحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ، يَرْجعْ قَلْبُ هذَا الشَّعْبِ إِلَى سَيِّدِهِمْ، إِلَى رَحُبْعَامَ: لا تعني حقيقة أن المملكة منقسمة أن الأسباط الشمالية معفاة من التزامات العهد. كانت شريعة موسى تطبق على كل من المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية، ولكن يربعام كان يخشى من الآثار السياسية التي ربما تنشأ بسبب الرحلات السنوية إلى عاصمة مملكة يهوذا الجنوبية.
٢. وَيَقْتُلُونِي، وَيَرْجِعُوا إِلَى رَحُبْعَامَ مَلِكِ يَهُوذَا: يبدو أن يربعام نسي أو تجاهل الوعد الذي قطعه الله له من خلال النبي أخيا في ملوك الأول ١١. كانت أفضل طريقة ليؤمن يربعام عرشه بها هي طاعة كلام الله، وليس بقيادة الأسباط في المملكة الشمالية إلى عبادة الأوثان.
٣. فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ: ليست هناك فائدة من طلب المشورة بشأن هذا الغرض الشرير. أراد يربعام أن يعرف ما هي أفضل طريقة للقيام بهذا الأمر السيئ.
• بدا يربعام أكثر غباءً مما كان عليه في بداية الأمر. “تقول الآية حرفيًا: ’وأخذ الملك مشورة نفسه.‘” ديلداي (Dilday) “تكشف العبارة منبع خطيته، فهو لم يستشر الله الذي أعطاه المُلك، وهو الأمر المنطقي والعادل والذي يعبر عن الامتنان الذي كان عليه أن يفعله.” بوله (Poole)
٤. «كَثِيرٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ أَصْعَدُوكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ»: ناشد يربعام رغبتهم الطبيعية بالراحة والرفاهية. فمن الطبيعي أن يأخذ الإنسان الطريق السهل عندما يستطيع ذلك؛ فاعتقد يربعام أن وجود أصنام في بيت إيل وفي مدينة دان سيغني الشعب عن الذهاب إلى أورشليم.
• أصبح يربعام قدوة للزعيم السياسي الذي يصوغ الدين لمقاصده. لم يهتم يربعام بمسألة الديانة الحقيقية، بل بالديانة التي تصب في مصلحة الإنسان.
• هُوَذَا آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: كرر يربعام نفس كلمات هارون قبل زمانه بنحو ٥٠٠ سنة (خروج ٣٢: ٤).
• ربما أراد يربعام – أو على الأرجح أراد أن تمثل العجول الذهبية إله إسرائيل. لم يكن هذا عرضًا لإله جديد، بل انحرافًا عن العبادة الحقيقية للإله الحقيقي. “يصبح الإنسان أكثر استعدادًا لعبادة الله إن سُمح له باستخدام الطقوس والرموز التي ابتكرها بنفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٣٠-٣٣): تأسيس ديانة يربعام.
٣٠وَكَانَ هذَا الأَمْرُ خَطِيَّةً. وَكَانَ الشَّعْبُ يَذْهَبُونَ إِلَى أَمَامِ أَحَدِهِمَا حَتَّى إِلَى دَانَ. ٣١وَبَنَى بَيْتَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَصَيَّرَ كَهَنَةً مِنْ أَطْرَافِ الشَّعْبِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي لاَوِي. ٣٢وَعَمِلَ يَرُبْعَامُ عِيدًا فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، كَالْعِيدِ الَّذِي فِي يَهُوذَا، وَأَصْعَدَ عَلَى الْمَذْبَحِ. هكَذَا فَعَلَ فِي بَيْتِ إِيلَ بِذَبْحِهِ لِلْعِجْلَيْنِ اللَّذَيْنِ عَمِلَهُمَا. وَأَوْقَفَ فِي بَيْتِ إِيلَ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا. ٣٣وَأَصْعَدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي عَمِلَ فِي بَيْتِ إِيلَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّامِنِ، فِي الشَّهْرِ الَّذِي ابْتَدَعَهُ مِنْ قَلْبِهِ، فَعَمِلَ عِيدًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَصَعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ لِيُوقِدَ.
١. وَكَانَ هذَا الأَمْرُ خَطِيَّةً: كان من الخطأ أن يقترح يربعام شيئًا كهذا، لكن هذا أصبح خطية بالفعل عندما تبعه الناس. اعجب الشعب كثيرًا بديانة يربعام لدرجة أنهم ذهبوا حَتَّى إِلَى دَان (أقصى شمال إسرائيل) ليعبدوا العجل الذهبي هناك.
٢. وَبَنَى بَيْتَ الْمُرْتَفَعَاتِ: لم تكن الأماكن الوحيدة للعبادة في بيت إيل ودان، بل بنى يربعام الكثير من المرتفعات الأخرى في المملكة. كانت هذه الْمُرْتَفَعَاتِ أكثر ملاءمة للناس.
٣. وَصَيَّرَ كَهَنَةً مِنْ أَطْرَافِ الشَّعْبِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي لاَوِي: رفض يربعام وصايا الرب في ما يتعلق بكهنوت إسرائيل، وأقام كهنة على مزاجه.
• ولم يعجب هذا الكهنة واللاويين الشرعيين الذين عاشوا في المملكة الشمالية. انتقل الكثير من الكهنة اللاويين، ومعهم مجموعة من الذين جعلوا قلوبهم لطلب الرب إله إسرائيل، من المملكة الشمالية إلى المملكة الجنوبية في تلك الفترة (٢ أخبار الأيام ١١: ١٣-١٦). من الناحية الروحية، ضربت المملكة الشمالية إسرائيل مرتين – من ديانة يربعام الفاسدة، ومن رحيل الأتقياء والمؤمنين منها. وبقيت تقية قليلة فقط في المملكة الشمالية.
• “أحس بأنه يمكنه أن يترك الكهنة والعابدين الأتقياء الذين كانت معاييرهم أعلى بالتخلي عن ممتلكاتهم والذهاب جنوبًا إلى يهوذا. (راجع أيضًا ٢ أخبار الأيام ١١: ١٣ وما يتبع).” باين (Payne)
• “لم يكن التخلص من الكهنة واللاويين ضربة سياسية، بل خطًأ فادحًا. لقد ذهبوا ككيان إلى خصم يربعام، وبالتالي قوّوا مملكة يهوذا.” ناب (Knapp)
٤. فِي الشَّهْرِ الَّذِي ابْتَدَعَهُ مِنْ قَلْبِهِ: هذا ملخص جيد لديانة يربعام – لقد ابْتَدَعَهُ مِنْ قَلْبِهِ. كان يربعام مثالًا جيدًا لمن يخلق دينه حسب ذوقه.
• وشكل عام، تعتنق أغلبية الناس اليوم ديانة يربعام. ليس بالضرورة أن تكون الديانة عجولًا ذهبية ومرتفعات، بل ديانة حسب الذوق. في كتاب بعنوان ’عادات القلب‘ (Habits of the Heart)، أجرى روبرت بيلا (Robert Bellah) وزملاؤه مقابلة مع ممرضة شابة اسمها شيلا لارسون وصفوها بأنها تمثّل خبرة معظم الأمريكيين ونظرتهم إلى الدين. قالت في حديثها عن إيمانها وكيفية تطبيقه على حياتها: “أنا أومن بالله. لكني لست متعصبة دينيًّا. ولا أتذكر آخر مرة ذهبتُ فيها إلى الكنيسة. لقد حملني إيماني أشواطًا طويلة. أسمي ديانتي ’الشيلاوية‘ (على اسمها شيلا). وهي مجرد صوتي الخفيض.” نهج ’الانتقاء والاختيار حسب صوتي الداخلي‘ هي النسخة الحديثة لديانة يربعام – وهذا النهج يتعارض مع الديانة المعلنة في الكتاب المقدس.
• وبالتالي، كان من الطبيعي أن يكون يربعام كاهنًا (قَدَّمَ ذَبَائِحَ وَأحرَقَّ بَخُورًا عَلَى المَذْبَحِ). “من المحتمل أن يربعام كان يقوم بوظائف رئيس الكهنة بنفسه، حتى يتمكن من تكثيف سلطته المدنية والكنسية.” كلارك (Clarke)