ملوك الأول ١٣
رجل الله من يهوذا
أولًا. نبوءة من رجل الله
أ ) الآيات (١-٢): التدمير القادم للمذبح في بيت إيل.
١وَإِذَا بِرَجُلِ اللهِ قَدْ أَتَى مِنْ يَهُوذَا بِكَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، وَيَرُبْعَامُ وَاقِفٌ لَدَى الْمَذْبَحِ لِكَيْ يُوقِدَ. ٢فَنَادَى نَحْوَ الْمَذْبَحِ بِكَلاَمِ الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا مَذْبَحُ، يَا مَذْبَحُ، هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هُوَذَا سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ابْنٌ اسْمُهُ يُوشِيَّا، وَيَذْبَحُ عَلَيْكَ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّذِينَ يُوقِدُونَ عَلَيْكَ، وَتُحْرَقُ عَلَيْكَ عِظَامُ النَّاسِ».
١. وَإِذَا بِرَجُلِ اللهِ قَدْ أَتَى مِنْ يَهُوذَا بِكَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى بَيْتِ إِيلَ: يبدو أنه لم يكن هناك رُسل مؤهلون داخل مملكة إسرائيل الشمالية. هذا تعقيب محزن على الحالة الروحية لمملكة يربعام.
• استُخدِم رجل الله المجهول هذا بطريقة مهمة. ويبرهن هذا أن المرء لا يحتاج إلى أن يكون مشهورًا لكي يستخدمه الله بطريقة مميزة.
٢. هُوَذَا سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ابْنٌ اسْمُهُ يُوشِيَّا، وَيَذْبَحُ عَلَيْكَ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّذِينَ يُوقِدُونَ عَلَيْكَ: ستتحقق هذه النبوة المهمة بعد ٣٤٠ سنة. تسجل ٢ ملوك ٢٣: ١٥ تحقيق هذه النبوة في أيام يوشيا ملك يهوذا: وَهَدَمَ يُوشِيَّا أيْضًا المَذْبَحَ وَالمُرتَفَعَةَ فِي بَيْتِ إيلَ اللَّذَيْنِ بَنَاهُمَا يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ الَّذِي جَرَّ إسْرَائِيلَ إلَى الخَطِيَّةِ. ثُمَّ دَقَّ المَذْبَحَ إلَى غُبَارٍ وَأحْرَقَ عَمُودَ عَشْتَرُوتَ. (الترجمة العربية المبسطة).
• كان هذا أكثر من مجرد النطق بالدينونة على المذبح، كان أيضًا إعلانًا على أن الدينونة ستأتي من رئيس على يهوذا (بَيْتِ دَاوُدَ). كان هذا توبيخًا خاصًا ومصدر قلق بالنسبة ليربعام، الذي كان يشعر بالتهديد المستمر من جاره في الجنوب (كما في ١ ملوك ١٢: ٢٧).
• نحن نعلم أن هذا لم يحدث إلا بعد ٣٥٠ عامًا تقريبًا، ولكن لم يعرف يربعام ذلك مسبقًا. ذهب إلى قبره قلقًا من تحقيق هذه النبوة التي كانت نوعًا من الدينونة الفورية عليه.
ب) الآيات (٣-٥): علامات تثبّت كلام النبي.
٣وَأَعْطَى فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلاَمَةً قَائِلاً: «هذِهِ هِيَ الْعَلاَمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ: هُوَذَا الْمَذْبَحُ يَنْشَقُّ وَيُذْرَى الرَّمَادُ الَّذِي عَلَيْهِ». ٤فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ رَجُلِ اللهِ الَّذِي نَادَى نَحْوَ الْمَذْبَحِ فِي بَيْتِ إِيلَ، مَدَّ يَرُبْعَامُ يَدَهُ عَنِ الْمَذْبَحِ قَائِلاً: «أَمْسِكُوهُ». فَيَبِسَتْ يَدُهُ الَّتِي مَدَّهَا نَحْوَهُ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ. ٥وَانْشَقَّ الْمَذْبَحُ وَذُرِيَ الرَّمَادُ مِن عَلىَ الْمَذبَحِ حَسَبَ الْعَلاَمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا رَجُلُ اللهِ بِكَلاَمِ الرَّبِّ.
١. وَأَعْطَى فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلاَمَةً: لن تتحقق نبوة رجل الله إلا بعد مئات السنين، ولكن أعطيت العلامة للمستمعين الحاليين لتأكيد تحقيق النبوة.
٢. هُوَذَا الْمَذْبَحُ يَنْشَقُّ وَيُذْرَى الرَّمَادُ الَّذِي عَلَيْهِ: ستكون العلامة مقنعة تمامًا، وتوبيخًا مباشرًا لمن يعبدون الأوثان عند ذلك المذبح.
٣. «أَمْسِكُوهُ»: كان رد فعل يربعام فوريًا – سعى إلى إسكات الرسول بدلًا من التجاوب مع رسالته. تشبه نبوة رجل الله كل رسالة عن دينونة قادمة – وهي دعوة ضمنية إلى التوبة. ولكن من الواضح أن يربعام لم يقبل هذه الدعوة.
• “إن كان يربعام يرفض كهنة الرب، فسيرسل الله نبيه إلى أرضه.” ناب (Knapp)
٤. فَيَبِسَتْ يَدُهُ الَّتِي مَدَّهَا نَحْوَهُ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ: ثبّت الرب كلمته عن الدينونة القادمة بطريقتين. أولًا، أدان خطية الملك المتمرد الواضحة (يده الممدودة ضد رجل الله). ثانيًا، حقق النبوة المباشرة ضد المذبح (وَانْشَقَّ الْمَذْبَحُ).
• “فعل الله هذا جزئيًا لتأديب يربعام لأنه عامل نبي الله بالعنف، وجزئيًا ليمنع وقوع المزيد من العنف ضد نبيه؛ وجزئيًا، في هذا المثال بالذات، ليُظهر مدى استيائه من الأذى الذي لحق بخدامه أثناء تأديتهم خدمتهم بأمانة.” بوله (Poole)
ج) الآية (٦): التماس يربعام.
٦فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِرَجُلِ اللهِ: «تَضَرَّعْ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَصَلِّ مِنْ أَجْلِي فَتَرْجعَ يَدِي إِلَيَّ». فَتَضَرَّعَ رَجُلُ اللهِ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ فَرَجَعَتْ يَدُ الْمَلِكِ إِلَيْهِ وَكَانَتْ كَمَا فِي الأَوَّلِ.
١. «تَضَرَّعْ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَصَلِّ مِنْ أَجْلِي فَتَرْجعَ يَدِي إِلَيَّ»: في ظل دينونة الله الواضحة، لم تعد العجول الذهبية أو المذابح تنفع يربعام بشيء. كان يعلم أن رجاءه الوحيد هو في الرب وممثله.
• لم تكن توبة يربعام حقيقية هنا، كما سنرى في الإصحاحات اللاحقة، وإن كانت حقيقية فعلًا، فقد كانت مؤقتة. فالرغبة في الحصول على شيء من الله أمر يختلف تمامًا عن التوبة.
٢. فَتَضَرَّعَ رَجُلُ اللهِ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ فَرَجَعَتْ يَدُ الْمَلِكِ إِلَيْهِ: أظهر رجل الله نعمة كبيرة ليربعام، وهذا أمر يُحسب له. وسرعان ما تحول من رهن الاعتقال إلى شفيع لمن يضطهده. كانت هذه رحمة عظيمة من رجل الله، ولا سيما من الله، الذي استجاب صلاته.
• فعل الله هذا “ليؤكد ليربعام جزئيًا، أن الضربة كانت منه، وجزئيًا لأنه تاب عن العنف الذي قصده ضد النبي بسبب ما فعله الله، وجزئيًا، لكي يقوده صلاح الله إلى التوبة. ولكن إن استمر في العصيان من دون توبة، فسييركه هذا بلا عذر.” بوله (Poole)
د ) الآيات (٧-١٠): يرفض رجل الله دعوة يربعام.
٧ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِرَجُلِ اللهِ: «ادْخُلْ مَعِي إِلَى الْبَيْتِ وَتَقَوَّتْ فَأُعْطِيَكَ أُجْرَةً». ٨فَقَالَ رَجُلُ اللهِ لِلْمَلِكِ: «لَوْ أَعْطَيْتَنِي نِصْفَ بَيْتِكَ لاَ أَدْخُلُ مَعَكَ وَلاَ آكُلُ خُبْزًا وَلاَ أَشْرَبُ مَاءً فِي هذَا الْمَوْضِعِ. ٩لأَنِّي هكَذَا أُوصِيتُ بِكَلاَمِ الرَّبِّ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً وَلاَ تَرْجعْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتَ فِيهِ». ١٠فَذَهَبَ فِي طَرِيق آخَرَ، وَلَمْ يَرْجعْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ إِلَى بَيْتِ إِيلَ.
١. فَأُعْطِيَكَ أُجْرَةً: وبسرعة – وبطبيعة الحال، بالنظر إلى الظروف – احتضن يربعام رجل الله كصديق. أراد أن يكافئ رجل الله من دون توبة حقيقية عن الخطية التي شجبها.
٢. لَوْ أَعْطَيْتَنِي نِصْفَ بَيْتِكَ لاَ أَدْخُلُ مَعَكَ وَلاَ آكُلُ خُبْزًا وَلاَ أَشْرَبُ مَاءً فِي هذَا الْمَوْضِعِ: رفض رجل الله الدعوة، بناءً على إنذار الله المسبق. إذ سيظهر قبوله لدعوة يربعام دخوله في شركة مع عبادة الأوثان.
ثانيًا. عصيان رجل الله وموته
أ ) الآيات (١١-١٧): دعوة نبي شيخ في بيت إيل رجل الله لتناول العشاء.
١١وَكَانَ نَبِيٌّ شَيْخٌ سَاكِنًا فِي بَيْتِ إِيلَ، فَأَتَى بَنُوهُ وَقَصُّوا عَلَيْهِ كُلَّ الْعَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ رَجُلُ اللهِ ذلِكَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِ إِيلَ، وَقَصُّوا عَلَى أَبِيهِمِ الْكَلاَمَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ. ١٢فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: «مِنْ أَيِّ طَرِيق ذَهَبَ؟» وَكَانَ بَنُوهُ قَدْ رَأَوْا الطَّرِيقَ الَّذِي سَارَ فِيهِ رَجُلُ اللهِ الذَّي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا. ١٣فَقَالَ لِبَنِيهِ: «شُدُّوا لِي عَلَى الْحِمَارِ». فَشَدُّوا لَهُ عَلَى الْحِمَارِ فَرَكِبَ عَلَيْهِ ١٤وَسَارَ وَرَاءَ رَجُلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ، فَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ رَجُلُ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ». ١٥فَقَالَ لَهُ: «سِرْ مَعِي إِلَى الْبَيْتِ وَكُلْ خُبْزًا». ١٦فَقَالَ: «لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَرْجعَ مَعَكَ وَلاَ أَدْخُلُ مَعَكَ وَلاَ آكُلُ خُبْزًا وَلاَ أَشْرَبُ مَعَكَ مَاءً فِي هذَا الْمَوْضِعِ، ١٧لأَنَّهُ قِيلَ لِي بِكَلاَمِ الرَّبِّ: لاَ تَأْكُلْ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ هُنَاكَ مَاءً. وَلاَ تَرْجعْ سَائِرًا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتَ فِيهِ».
١. وَكَانَ نَبِيٌّ شَيْخٌ سَاكِنًا فِي بَيْتِ إِيلَ: يبدو أنه كان نبيًا أمينًا للرب. يبين هذا أنه لم يترك كل الأتقياء إسرائيل إلى يهوذا. إذ ما زالت هناك بقية تقية.
• “نبي شيخ: من المحتمل أن يكون نبيًا للرب تزعزع إيمانه، ولكنه لم يخسر معرفته للإله الحقيقي، وانضم إلى يربعام وعبادته للأوثان.” كلارك (Clarke)
٢. سِرْ مَعِي إِلَى الْبَيْتِ وَكُلْ خُبْزًا: دعا هذا النبي من بيت إيل رجل الله، الذي لم يذكر اسمه، إلى منزله، كما فعل يربعام. رفض رجل الله الدعوة، للسبب نفسه الذي جعله يرفض دعوة يربعام – لقد أمره الله تحديدًا بأن يعود إلى يهوذا، وأن لا يقبل ضيافة أحد، وأن يأخذ طريقًا مختلفًا في العودة (أيضًا في ١ ملوك ١٣: ١٠).
ب) الآيات (١٨-١٩): النبي من بيت إيل يكذب على رجل الله من يهوذا.
١٨فَقَالَ لَهُ: «أَنَا أَيْضًا نَبِيٌّ مِثْلُكَ، وَقَدْ كَلَّمَنِي مَلاَكٌ بِكَلاَمِ الرَّبِّ قَائِلاً: ارْجعْ بِهِ مَعَكَ إِلَى بَيْتِكَ فَيَأْكُلَ خُبْزًا وَيَشْرَبَ مَاءً». كَذَبَ عَلَيْهِ. ١٩فَرَجَعَ مَعَهُ وَأَكَلَ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ وَشَرِبَ مَاءً.
١. كَذَبَ عَلَيْهِ: لم يتكلم النبي من بيت إيل بكلام الله، محاولًا أن يقنع رجل الله بأن يغير مساره في اتِّباع كلام الرب.
• “عندما وجد رجل الله جالسًا تحت بلوط، على الأرجح متعبًا وصائمًا ومن دون أية مرطبات، ربما قادته إنسانيته إلى ممارسة هذا الخداع ليقنعه بقبول شيء من الطعام.” كلارك (Clarke)
• “ولكن خطيته كانت عظيمة، فهو لم يكتف بالكذب المتعمد، بل جعل الله كاذبًا ويناقض نفسه. ولم يكن كل هذا ضروريًا ولم يَعُد عليه بالفائدة.” بوله (Poole)
٢. وَقَدْ كَلَّمَنِي مَلاَكٌ: ربما كان هذا صحيحًا، وربما كان ملاكًا مخادعًا. إذ يمكن أن يظهر الشيطان ورسله كملائكة نور (٢ كورنثوس ١١: ١٤-١٥).
٣. فَرَجَعَ مَعَهُ وَأَكَلَ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ وَشَرِبَ مَاءً: صدق رجل الله من يهوذا كذبة نبي بيت إيل. لقد فعل هذا لعدة أسباب:
• يرجح أن النبي من بيت إيل كان أكبر سنًا (نَبِيٌّ شَيْخٌ، ١ ملوك ١٣: ١١) وكانت له هيبته كرجل الله.
• تعاطف النبي من بيت إيل مع رجل الله (أَنَا أَيْضًا نَبِيٌّ مِثْلُكَ).
• ادعى النبي من بيت إيل أنه اختبر شيئًا مدهشًا (وَقَدْ كَلَّمَنِي مَلاَكٌ).
• قال النبي من بيت إيل إنه يتكلم بكلام الرب (بِكَلاَمِ الرَّبِّ).
• لم يبدُ النبي من بيت إيل كعابد أوثان يتوجب تجنبه (ارْجعْ بِهِ مَعَكَ إِلَى بَيْتِكَ).
• لم يقدم النبي من بيت إيل مكافأة، بل طعامًا بسيطًا (فَيَأْكُلَ خُبْزًا وَيَشْرَبَ مَاءً).
مهما كان هذا الإغراء طبيعيًا وجذابًا، كان من واجب رجل الله مقاومته. كان يعرف جيدًا قول الله، وكان عليه أن يرفض أي قول آخر إلا إذا كان بتأكيد واضح ومباشر من روح الله. وقد أنهى فشله في هذه المرحلة فائدته كرجل الله.
“عندما نتلقى أمرًا مباشرًا من شفاه المسيح، يجب أن نتصرف وفقًا له، ولا ننحرف عن الطريق بسماع اقتراح آخر يقدم إلينا من خلال شفاه المؤمنين… تعاملوا مع الله مباشرة.” ماير (Meyer)
“من المستحيل أن يناقض الله نفسه أثناء تعامله مع خدامه. لنكن مخلصين لأوامره، رافضين الانحراف عن طريق الطاعة، حتى لو ظهر لنا ملاك من السماء.” مورغان (Morgan)
ج) الآيات (٢٠-٢٢): يتنبأ النبي من بيت إيل بهلاك رجل الله.
٢٠وَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عَلَى الْمَائِدَةِ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى النَّبِيِّ الَّذِي أَرْجَعَهُ، ٢١فَصَاحَ إِلَى رَجُلِ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا قَائِلاً: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ خَالَفْتَ قَوْلَ الرَّبِّ وَلَمْ تَحْفَظِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ، ٢٢فَرَجَعْتَ وَأَكَلْتَ خُبْزًا وَشَرِبْتَ مَاءً فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَكَ: لاَ تَأْكُلْ فِيهِ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً، لاَ تَدْخُلُ جُثَّتُكَ قَبْرَ آبَائِكَ».
١. كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى النَّبِيِّ الَّذِي أَرْجَعَهُ: كذب هذا النبي من بيت إيل مستخدمًا اسم الرب في ١ ملوك ١٣: ١٨. وهو الآن يتلقى نبوة حقيقية بينما كان رجل الله من يهوذا يأكل على مائدته.
٢. مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ خَالَفْتَ قَوْلَ الرَّبِّ: لقد وعد الله رجل الله من يهوذا بالدينونة بسبب عصيانه. كان هذا اختبارًا صعبًا فعلًا، ولكنه فشل فيه. كان عليه أن يحفظ ’الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ‘ مهما كانت التجربة لعدم الطاعة تبدو بريئة.
٣. لاَ تَدْخُلُ جُثَّتُكَ قَبْرَ آبَائِكَ: كان حُكم الله على رجل الله من يهوذا أقسى بكثير من حكمه على يربعام أو نبي بيت إيل. رغم أنهما كانا مذنبين بارتكاب خطايا أسوأ (قيادة الأمة في عبادة الأوثان وتقديم نبوة كاذبة متعمدة)، إلا أن رجل الله نال دينونة أسوأ.
• “كان يُعَد بقاء الجسد من دون أن يُدفن لعنة، ولهذا كان التركيز على تفاصيل مكان الدفن مهمًا في العهد القديم. كان من العار أن يتم دفن المرء بين الغرباء بعيدًا عن عائلته.” وايزمان (Wiseman)
• هذا مثال لمبدأ مهم يُظهر طريقة عمل الله. نعتقد أن الدينونة الصارمة يجب أن تبدأ بين من هم أكثر شرًا، ولكن غالبًا ما يبدأ الله دينونته الصارمة بين شعبه (١ بطرس ٤: ١٧). وعادة ما يكون هذا هو الحال لأن الله يعلم أن العالم لن يسمع برسالة الإنجيل إن كان شعبه يعيش حياة مساومة وعصيان.
• “بالسماح لنفسه بأن يُغوى من النبي الشيخ، في الوقتِ الذي كانّ عليه أن يتبع فقط مشورة الله المعلنة بوضوح، ارتكب خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ [١ يوحنا ٥: ١٦-١٧]، أي خطية سيعاقب عليها الله بموت الجسد، بينما يقدم رحمة لروحه.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٢٣-٢٥أ): تحقيق لكلمة النبي من بيت إيل.
٢٣ ثُمَّ بَعْدَمَا أَكَلَ خُبْزًا وَبَعْدَ أَنْ شَرِبَ شَدَّ لَهُ عَلَى الْحِمَار،ِ أَيْ لِلنَّبِيِّ الَّذِي أَرْجَعَهُ، ٢٤ وَانْطَلَقَ. فَصَادَفَهُ أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ وَقَتَلَهُ. وَكَانَتْ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمَارُ وَاقِفٌ بِجَانِبِهَا وَالأَسَدُ وَاقِفٌ بِجَانِبِ الْجُثَّةِ. ٢٥ وَإِذَا بِقَوْمٍ يَعْبُرُونَ فَرَأَوْا الْجُثَّةَ، مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ وَالأَسَدُ وَاقِفٌ بِجَانِبِ الْجُثَّةِ.
١. فَصَادَفَهُ أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ وَقَتَلَهُ: تحققت نبوة النبي الذي من بيت إيل – نبوته الثانية. لم يقل إن رجل الله سيؤكل من أسد، لكنه قال إنه لن يدفن في قبر آبائه.
• “كانت الأسود موجودة في فلسطين حتى القرن الثالث عشر الميلادي على الأقل.” وايزمان (Wiseman)
٢. وَإِذَا بِقَوْمٍ يَعْبُرُونَ فَرَأَوْا الْجُثَّةَ، مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ وَالأَسَدُ وَاقِفٌ بِجَانِبِ الْجُثَّةِ: هذا دليل على أن هذا لم يكن مجرد حادث، بل شيئًا فريدًا من الله. لم يهاجم الأسد الحمار (كان الحمار واقفًا بجانب الجثة)، ولم يهاجم المارة. كان لدى الأسد مهمة خاصة: تنفيذ دينونة الله. ويبدو أنه كان أكثر طاعة من رجل الله من يهوذا.
هـ) الآيات (٢٥ب-٣٢): دفن رجل الله بطريقة لائقة، ويشهد النبي من بيت إيل على نبوته.
٢٥… فَأَتَوْا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ الشَّيْخُ سَاكِنًا بِهَا. ٢٦وَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ الَّذِي أَرْجَعَهُ عَنِ الطَّرِيقِ قَالَ: «هُوَ رَجُلُ اللهِ الَّذِي خَالَفَ قَوْلَ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُ الرَّبُّ لِلأَسَدِ فَافْتَرَسَهُ وَقَتَلَهُ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ». ٢٧وَكَلَّمَ بَنِيهِ قَائِلاً: «شُدُّوا لِي عَلَى الْحِمَارِ». فَشَدُّوا. ٢٨فَذَهَبَ وَوَجَدَ جُثَّتَهُ مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ، وَالْحِمَارَ وَالأَسَدَ وَاقِفَيْنِ بِجَانِبِ الْجُثَّةِ، وَلَمْ يَأْكُلِ الأَسَدُ الْجُثَّةَ وَلاَ افْتَرَسَ الْحِمَارَ. ٢٩فَرَفَعَ النَّبِيُّ جُثَّةَ رَجُلِ اللهِ وَوَضَعَهَا عَلَى الْحِمَارِ وَرَجَعَ بِهَا، وَدَخَلَ النَّبِيُّ الشَّيْخُ الْمَدِينَةَ لِيَنْدُبَهُ وَيَدْفِنَهُ ٣٠فَوَضَعَ جُثَّتَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَاحُوا عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «آهُ يَا أَخِي». ٣١وَبَعْدَ دَفْنِهِ إِيَّاهُ كَلَّمَ بَنِيهِ قَائِلاً: «عِنْدَ وَفَاتِي ادْفِنُونِي فِي الْقَبْرِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَجُلُ اللهِ. بِجَانِبِ عِظَامِهِ ضَعُوا عِظَامِي. ٣٢لأَنَّهُ تَمَامًا سَيَتِمُّ الْكَلاَمُ الَّذِي نَادَى بِهِ بِكَلاَمِ الرَّبِّ نَحْوَ الْمَذْبَحِ الَّذِي فِي بَيْتِ إِيلَ، وَنَحْوَ جَمِيعِ بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ».
١. وَدَخَلَ النَّبِيُّ الشَّيْخُ الْمَدِينَةَ لِيَنْدُبَهُ وَيَدْفِنَهُ: كان النبي الشيخ من بيت إيل متعاطفًا مع رجل الله من يهوذا، حتى في عصيانه ودينونته الناتجة. لم يكن النبي من بيت إيل رجلاً بارًا أو نبيًا صالحًا بشكل خاص، لأنه استخدم نبوة كاذبة ليوقع رجل الله في الخطية والدينونة. لقد أدرك الضعف المشترك بينه وبين رجل الله.
• كم كان غريبًا عندما نظر النبي الشيخ إلى جثة النبي الميت مدركًا: “كانت خطيتي أسوأ من خطيته بكثير.” فمن الصعب أحيانًا اكتشاف طرق دينونة الله، وهي غير قابلة للفهم إلا في الأبدية.
٢. فَوَضَعَ جُثَّتَهُ فِي قَبْرِهِ: عدم وضع رجل الله في قبر آبائه من نسل يهوذا، كان تحقيقًا للنبوة السابقة.
٣. عِنْدَ وَفَاتِي ادْفِنُونِي فِي الْقَبْرِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَجُلُ اللهِ. بِجَانِبِ عِظَامِهِ ضَعُوا عِظَامِي: رغم أن النبي من بيت إيل كذب على رجل الله من يهوذا وقاده إلى الخطية وتنبأ بالدينونة عليه، إلا أنه ظل يحترمه. لعله فهم أن الكلمة التي قالها ضد يربعام تتطلب شجاعة لم تكن لديه، لذلك ثبّت نبوة رجل الله على يربعام ومذبح بيت إيل.
و ) الآيات (٣٣-٣٤): عدم توبة يربعام.
٣٣بَعْدَ هذَا الأَمْرِ لَمْ يَرْجعْ يَرُبْعَامُ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيَّةِ، بَلْ عَادَ فَعَمِلَ مِنْ أَطْرَافِ الشَّعْبِ كَهَنَةَ مُرْتَفَعَاتٍ. مَنْ شَاءَ مَلأَ يَدَهُ فَصَارَ مِنْ كَهَنَةِ الْمُرْتَفَعَاتِ. ٣٤وَكَانَ مِنْ هذَا الأَمْرِ خَطِيَّةٌ لِبَيْتِ يَرُبْعَامَ، وَكَانَ لإِبَادَتِهِ وَخَرَابِهِ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ.
١. بَعْدَ هذَا الأَمْرِ لَمْ يَرْجعْ يَرُبْعَامُ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيَّةِ: كان عليه أن يرجع عن طرقه الردية، لكنه لم يفعل ذلك. كان تعامل الله مع رجل الله من يهوذا تحذيرًا كافيًا ليربعام، لكن يربعام تجاهله تمامًا.
• “تشبه كل هذه الحوادث الرائعة مطرقة الرب التي تضرب الحديد البارد.” تراب (Trapp)
٢. فَصَارَ مِنْ كَهَنَةِ الْمُرْتَفَعَاتِ: في إسرائيل القديمة، أمر الله الفصل التام بين منصبي الملك والكاهن. طمس يربعام هذا الفصل، وَكَانَ مِنْ هذَا الأَمْرِ خَطِيَّةٌ لِبَيْتِ يَرُبْعَامَ.
• حظي يربعام بفرصة كبيرة، لا سيما في ضوء وعد الله من خلال أخيا المسجل في ١ ملوك ١١: ٣٨ “فَإِذَا سَمِعْتَ لِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ، وَسَلَكْتَ فِي طُرُقِي، وَفَعَلْتَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ عَبْدِي، أَكُونُ مَعَكَ وَأَبْنِي لَكَ بَيْتًا آمِنًا كَمَا بَنَيْتُ لِدَاوُدَ، وَأُعْطِيكَ إِسْرَائِيلَ.” لكن يربعام لم يطع الله ويحفظ وصاياه، ولم يحقق إمكاناته أو يختبر الوعد.
• وينطبق نفس المبدأ على خدام الله اليوم. لم نُدعَ إلى الخدمة بسبب طاعتنا أو استحقاقنا؛ لكن عصياننا يعيق استخدام الله الكامل لإمكاناتنا. أوضح بولس الأمر كالتالي: فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ (٢ تيموثاوس ٢: ٢١). يستخدم الله الإناء الكريم والمقدس والمكرس والمفيد إلى أقصى حد ممكن.
• بسبب فشل يربعام، أصبح النموذج الأولي لملوك إسرائيل العصاة. فقد استخدمت الآية ’وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَسَارَ فِي طَرِيقِ أَبِيهِ وَطَرِيقِ أُمِّهِ، وَطَرِيقِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ‘ لتصف العديد من ملوك إسرائيل اللاحقين. وتضمن هذا:
بَعْشَا (١ ملوك ١٥: ٣٣-٣٤).
عُمْرِي (١ ملوك ١٦: ٢٥-٢٦).
أَخَزْيَا (١ ملوك ٢٢: ٥١-٥٢).
يَهُورَام (٢ ملوك ٣: ١-٣).
يَاهُو (٢ ملوك ١٠: ٢٩-٣١).
يَهُوأَحَاز (٢ ملوك ١٣: ١-٢).
يَهُوآش (٢ ملوك ١٣: ١٠-١١).
يَرُبْعَام الثاني (٢ ملوك ١٤: ٢٣-٢٤).
زَكَرِيَّا (٢ ملوك ١٥: ٨-٩).
مَنَحِيم (٢ ملوك ١٥: ١٧-١٨).
فَقَحْيَا (٢ ملوك ١٥: ٢٣-٢٤).
فَقْح (٢ ملوك ١٥: ٢٧-٢٨).
• كان أَخْآب أحد الاستثناءات الغريبة، فقد عمل الشر أكثر من جميع الذين قبله (١ ملوك ١٦: ٣٠-٣١).
• حظي يربعام بفرصة عظيمة، ولكن بدلًا من ذلك أصبح لعنة كبيرة على كل جيل من أجيال المملكة الشمالية. حتى في نهاية مملكة إسرائيل، يذكر الكتاب خطية يربعام: أَنَّهُ شَقَّ إِسْرَائِيلَ عَنْ بَيْتِ دَاوُدَ، فَمَلَّكُوا يَرُبْعَامَ بْنَ نَبَاطَ، فَأَبْعَدَ يَرُبْعَامُ إِسْرَائِيلَ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ وَجَعَلَهُمْ يُخْطِئُونَ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. وَسَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي جَمِيعِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّتِي عَمِلَ. لَمْ يَحِيدُوا عَنْهَا حَتَّى نَحَّى الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ، فَسُبِيَ إِسْرَائِيلُ مِنْ أَرْضِهِ إِلَى أَشُّورَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. (٢ ملوك ١٧: ٢١-٢٣).
• ومجمل القول أن يربعام كان نموذجًا للفاشل الآثم.
لقد فشل رغم نعمة الله وفضله.
فشل لمجرد سعيه وراء الميزات السياسية.
فشل وقاد أمة بأكملها إلى عبادة الأصنام.
فشل رغم تحذيرات محددة للتوبة.
فشل رغم وجود دينونة محددة والنجاة منها.
فشل رغم الرسالة الواضحة ووجود مثال للنزاهة.