ملوك الأول ٤
مملكة سليمان
أولًا. حكومة سليمان وحُكّامه
أ ) الآيات (١-٦): كبار المسؤولين في مملكة سليمان
١وَكَانَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكًا عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. ٢وَهؤُلاَءِ هُمُ الرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ لَهُ: عَزَرْيَاهُو بْنُ صَادُوقَ الْكَاهِنِ، ٣وَأَلِيحُورَفُ وَأَخِيَّا ابْنَا شِيشَا كَاتِبَانِ. وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ الْمُسَجِّلُ، ٤وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى الْجَيْشِ، وَصَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ كَاهِنَانِ. ٥وَعَزَرْيَاهُو بْنُ نَاثَانَ عَلَى الْوُكَلاَءِ، وَزَابُودُ بْنُ نَاثَانَ كَاهِنٌ وَصَاحِبُ الْمَلِكِ. ٦وَأَخِيشَارُ عَلَى الْبَيْتِ، وَأَدُونِيرَامُ بْنُ عَبْدَا عَلَى التَّسْخِيرِ.
١. وَهؤُلاَءِ هُمُ الرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ لَهُ: كما أظهرت قصة الأُمين المتنازعتين على طفل واحد حكمة سليمان العظيمة، يُظهر هذا الإصحاح حكمة سليمان أيضًا. نرى بوضوح هنا طريقة سليمان الحكيمة في اختيار القادة وتدريبهم وتمكينهم والإشراف عليهم.
• كان سليمان قائدًا لقادة. لا يفعل القائد الحكيم كل شيء بمفرده. بل يعرف كيف يفوض المسؤولية والسلطة للآخرين لتحقيق الهدف. مكّنتْ حكمة سليمان العظيمة إياه من رؤية الحاجة إلى تعيين وتدريب الأشخاص المناسبين لتلبية تلك الاحتياجات.
٢. الْكَاهِنِ… كَاتِبَانِ… الْمُسَجِّلُ: يشبه تنظيم حكومة سليمان التنظيمات في الدول الحديثة. كان لديه الرُّؤَسَاءُ الذين عملوا كوزراء أو كوكلاء في اختصاصاتهم المحددة.
• كانت قيادة سليمان منظمة. كان يعلم أن الله هو إله التصميم والتنظيم، وأن الأشياء تعمل ببساطة بشكل أفضل وأكثر كفاءة عندما يتم تنظيمها.
• “يهوشافاط، الذي كان قد خدم تحت حكم داود (٢ صموئيل ٨: ١٦، ٢٠: ٢٤)، استمر يعمل كمسجّل أو كمؤرخ زمن سليمان. وبالتالي كان رئيسًا للمراسم أكثر من كونه مؤرخًا أو مُسجلًا للماضي. ويشبه منصبه منصب وزير الخارجية تقريبًا.” وايزمان (Wiseman)
• “وبما أن سليمان كان قد نفى أَبِيَاثَار سابقًا (راجع ٢ ملوك ٢: ٢٦)، يبدو أن إدراجه هنا ككاهن يمثل مشكلة. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنه في حين أن سليمان هو الوحيد القادر على إعادة تعيين أبياثار، إلا أنه لا يستطيع أن يسلب لقبه ولا كرامته ككاهن.” ديلداي (Dilday)
ب) الآيات (٧-١٩): وكلاء سليمان
٧وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ اثْنَا عَشَرَ وَكِيلاً عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ يَمْتَارُونَ لِلْمَلِكِ وَبَيْتَهِ. كَانَ عَلَى الْوَاحِدِ أَنْ يَمْتَارَ شَهْرًا فِي السَّنَةِ. ٨وَهذِهِ أَسْمَاؤُهُمُ: ابْنُ حُورَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. ٩ابْنُ دَقَرَ فِي مَاقَصَ وَشَعَلُبِّيمَ وَبَيْتِ شَمْسٍ وَأَيْلُونِ بَيْتِ حَانَانَ. ١٠ابْنُ حَسَدَ فِي أَرُبُوتَ. كَانَتْ لَهُ سُوكُوهُ وَكُلُّ أَرْضِ حَافَرَ. ١١ابْنُ أَبِينَادَابَ فِي كُلِّ مُرْتَفَعَاتِ دُورٍ. كَانَتْ طَافَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ لَهُ امْرَأَةً. ١٢بَعْنَا بْنُ أَخِيلُودَ فِي تَعْنَكَ وَمَجِدُّو وَكُلِّ بَيْتِ شَانٍ الَّتِي بِجَانِبِ صُرْتَانَ تَحْتَ يَزْرَعِيلَ، مِنْ بَيْتِ شَانَ إِلَى آبَلَ مَحُولَةَ، إِلَى مَعْبَرِ يَقْمَعَامَ. ١٣ابْنُ جَابَرَ فِي رَامُوتِ جِلْعَادَ. لَهُ حَوُّوثُ يَائِيرَ ابْنِ مَنَسَّى الَّتِي فِي جِلْعَادَ، وَلَهُ كُورَةُ أَرْجُوبَ الَّتِي فِي بَاشَانَ. سِتُّونَ مَدِينَةً عَظِيمَةً بِأَسْوَارٍ وَعَوَارِضَ مِنْ نُحَاسٍ. ١٤أَخِينَادَابُ بْنُ عُدُّو فِي مَحَنَايِمَ. ١٥أَخِيمَعَصُ فِي نَفْتَالِي، وَهُوَ أَيْضًا أَخَذَ بَاسِمَةَ بِنْتَ سُلَيْمَانَ امْرَأَةً. ١٦بَعْنَا بْنُ حُوشَايَ فِي أَشِيرَ وَبَعَلُوتَ. ١٧يَهُوشَافَاطُ بْنُ فَارُوحَ فِي يَسَّاكَرَ. ١٨شِمْعِي بْنُ أَيْلاَ فِي بَنْيَامِينَ. ١٩جَابِرُ بْنُ أُورِي فِي أَرْضِ جِلْعَادَ، أَرْضِ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ. وَوَكِيلٌ وَاحِدٌ الَّذِي فِي الأَرْضِ.
١. اثْنَا عَشَرَ وَكِيلاً عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ: كان هؤلاء الرجال مسؤولين عن الضرائب في مقاطعاتهم. لم تُقسم المقاطعات بحدود قبلية، بل كان يفصلها أحيانًا الجبال والأرض والمنطقة.
• كان سليمان خلاقًا في قيادته. يمكننا أن نتخيل أنه في الماضي، كان يعيَّن ١٢ واليًا على أسباط إسرائيل حسب انتمائهم إليها. علم سليمان أن هذا التقسيم القديم لم يكن بالضرورة أفضل طريقة للحكم في ذلك الوقت الحالي. وكان مستعدًا لتجربة أشياء جديدة.
• “يمكن تفسير عدم ذكر يهوذا في هذه القائمة على النحو التالي: ‘لم يكن هناك سوى مسؤول على المملكة‘ (أي مملكة يهوذا) – يقول بعضهم إن هذه المقاطعات الاثنتي عشرة أضيفت إلى مملكة يهوذا، ولم يتغير حالها، ويقول آخرون: ’إنها لم تخضع لنظام الضرائب.” وايزمان (Wiseman)
٢. كَانَ عَلَى الْوَاحِدِ أَنْ يَمْتَارَ شَهْرًا فِي السَّنَةِ: كانت الضرائب عبارة عن حبوب وماشية، وكانت تستخدم للحاشية الملكية والحكومة المركزية. كان كل حاكم مسؤولًا عن توفير الامدادات للقصر لمدة شهر واحد في السنة.
• لم يكن سليمان قائدًا ظالمًا. لا يبدو أن توزيع العمل على فرد أمر مبالغ فيه. فلم يشعر الحكام بأنهم مثقلون بعبء جمع الكثير من الضرائب.
ثانيًا. ازدهار سليمان وإسرائيل
أ ) الآيات (٢٠-٢١): السلام والازدهار.
٢٠وَكَانَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ كَثِيرِينَ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَفْرَحُونَ. ٢١وَكَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمَمَالِكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْهَدَايَا وَيَخْدِمُونَ سُلَيْمَانَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ.
١. كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَفْرَحُونَ: كان عهد سليمان عهدًا ذهبيًا لإسرائيل كمملكة. نما عدد السكان بشكل كبير وعاشوا في حالة من ازدهار عظيم، ما سمح بكثير من وقت الفراغ والسعي وراء الملذات.
٢. وَكَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمَمَالِكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ: لم يكن سليمان محاربًا أو جنرالًا. كان هذا سلامًا حققه الملك داود وتمتع به الملك سليمان. وقد ساعد في هذا أيضًا وجود حالة من التدهور والضعف بين الدول المجاورة لإسرائيل.
ب) الآيات (٢٢-٢٣): مؤونة سليمان اليومية.
٢٢وَكَانَ طَعَامُ سُلَيْمَانَ لِلْيَوْمِ الْوَاحِدِ: ثَلاَثِينَ كُرَّ سَمِيذٍ، وَسِتِّينَ كُرَّ دَقِيق، ٢٣وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ، وَعِشْرِينَ ثَوْرًا مِنَ الْمَرَاعِي، وَمِئَةَ خَرُوفٍ، مَا عَدَا الأَيَائِلَ وَالظِّبَاءَ وَالْيَحَامِيرَ وَالإِوَزَّ الْمُسَمَّنَ.
١. عَشَرَةَ ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ: تُظهر هذه الوجبة اليومية الهائلة لرجل واحد أن سليمان كان يعاني من مشكلة الشراهة (نكتة لمفسر الكتاب المقدس – نتجنبها عادة). قُدمت هذه الامدادات لكل بيت سليمان وحاشيته وبلاطه الملكي.
• يقدر بعضهم أن هذا القدر الهائل من الطعام يوميًا يمكن أن يُطعم ١٥٠٠٠ إلى ٣٦٠٠٠ شخص. كانت الكمية تفوق احتياجات كل سكان القصر، رغم عددهم الكبير.
• كانت الثيران المسمنة تُغذَّى في الحظائر على عكس الثيران التي ترعى في الأماكن المفتوحة.
٢. ثَلاَثِينَ كُرَّ سَمِيذٍ: يساوي الكُر ٢٢٠ لترًا أو حوالي ٥٥ جالون (أي نحو سبعة آلاف ومئتي لتر تقريبًا). يمكننا أن نتصور ٣٠ براميلًا بسعة ٥٥ جالون ملآنة بالسميذ يتم توصيلها إلى القصر يوميًا.
٣. مِئَةَ خَرُوفٍ، مَا عَدَا الأَيَائِلَ وَالظِّبَاءَ وَالْيَحَامِيرَ وَالإِوَزَّ الْمُسَمَّنَ: ليس الهدف من هذه الامدادات اليومية التأكيد على فكرة البذخ والرفاهية، بل التأكيد على ازدهار المملكة العظيم.
• “وسواء ساعدت المسيحية الإنسان على النجاح الدنيوي أم لا، إلا أنها ستساعده حتمًا على الاستفادة من كل الخيرات التي يمكن أن يقدمها العالم. وقد تعطي الثروة أو لا تعطيها، لكنها حتمًا تجعل ’القليل الذي يمتلكه الإنسان البار أفضل من ثروة الأشرار.‘” ماكلارين (Maclaren)
ج) الآيات (٢٤-٢٨): الاستقرار السياسي لمملكة سليمان.
٢٤لأَنَّهُ كَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ مَا عَبْرَ النَّهْرِ مِنْ تَفْسَحَ إِلَى غَزَّةَ، عَلَى كُلِّ مُلُوكِ عَبْرِ النَّهْرِ، وَكَانَ لَهُ صُلْحٌ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ حَوَالَيْهِ. ٢٥وَسَكَنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ آمِنِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، كُلَّ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ. ٢٦وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِذْوَدٍ لِخَيْلِ مَرْكَبَاتِهِ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ. ٢٧وَهؤُلاَءِ الْوُكَلاَءُ كَانُوا يَمْتَارُونَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ وَلِكُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ إِلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي شَهْرِهِ. لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَيْءٍ. ٢٨وَكَانُوا يَأْتُونَ بِشَعِيرٍ وَتِبْنٍ لِلْخَيْلِ وَالْجِيَادِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ قَضَائِهِ.
١. كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ: كان هذا تعبيرًا يُضرب به المثل عن زمن السلام والازدهار التي تمتعت به إسرائيل (إشعياء ٣٦: ١٦، ميخا ٤: ٤، زكريا ٣: ١٠)، ما يشير إلى كونها في مأمن من الأعداء الداخليين والخارجيين.
٢. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِذْوَدٍ لِخَيْلِ مَرْكَبَاتِهِ: تُبين إسطبلات سليمان الشهيرة حجم الجيش الذي جمعه لإسرائيل. النص في ٢ أخبار ٩: ٢٥ هو النص الموازي لهذا النص، ويشير إلى أنه كان هنالك أربعة آلاف مركبة، لا أربعين ألفًا – ويبدو أن العدد الأصغر هو الأصح. وربما يرجع العدد الأكبر إلى خطأ الناسخ.
• من المؤسف أن هذا يُظهر أن سليمان لم يهتم كثيرًا بوصية الرب. ففي سفر التثنية ١٧: ١٦ تكلم الرب على نحو محدد لملوك إسرائيل المستقبليين قائلًا: ’وَلكِنْ لاَ يُكَثِّرْ لَهُ الْخَيْلَ.‘ فإن كان اقتناء ٢٠ أو ١٠٠ خيلًا يخالف وصية الرب، فكم بالحري أربعين ألف إسطبل للخيول؟
٣. كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ قَضَائِهِ (مَهمته): ألقى سبيرجن (Spurgeon) عظة عن هذه الآية، ركز فيها على فكرة أن لكل منا قَضَائِهِ (مسؤولية/مهمة) في ملكوت الله عليه تتميمه، وعلينا أن نجتهد فيه، وأن نتوقع أن يسدد الله الاحتياجات المطلوبة لتتميمه.
• “كان على كل المسؤولين في بلاط سليمان القيام بمهام معينة، ’كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ قَضَائِهِ.‘ ويشبه هذا ما يحدث في ملكوت ربنا يسوع المسيح. إن كنا مُلكه حقًا، فقد دعانا إلى القيام بخدمة معينة، ويريد منا أن نقوم بمهمتنا بجدّ. لا ينبغي أن نكون رجالًا مرتاحين، بل جنودًا مستعدين دائمًا، لا متسكعين بل عاملين بجد، لا أقراصًا تلمع للزينة، بل أنوارًا مشتعلة ساطعة.” سبيرجن (Spurgeon)
• “تقدم خادمات بسيطات كثيرات أربع قطع كتقدمة للرب. وإذا طُبّقت نفس النسبة بين الأثرياء، فلن يكون الذهب معدنًا نادرًا في خزينة الرب. قد يكون العُشر مبلغًا كبيرًا بالنسبة لبعضهم، ولكن النصف ربما لا يكفي لآخر. فليعطِ إذًا ’كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ قَضَائِهِ (مهمته)‘ من حيث القياس وكذلك الأهمية.” سبيرجن (Spurgeon)
• اختتم سبيرجن رسالته بهذه الملاحظة المهمة: “كل شيء مُلك ليسوع، سليمان المجيد في قلوبنا، محبوب أرواحنا! الحياة ليسوع! الموت من أجل يسوع! الوقت ليسوع! الأبدية ليسوع! اليد والقلب ليسوع! العقل واللسان ليسوع! الليل والنهار ليسوع! المرض أو الصحة ليسوع! الشرف أو الخزي ليسوع! العار أو المجد يسوع! كل شيء ليسوع، ’كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ قَضَائِهِ.‘ فليكن كذلك. آمين.”
ثالثًا. حكمة سليمان
أ ) الآيات (٢٩-٣١): اشتهر سليمان بحكمته المعطاة له من الله.
٢٩وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. ٣٠وَفَاقَتْ حِكْمَةُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةَ جَمِيعِ بَنِي الْمَشْرِقِ وَكُلَّ حِكْمَةِ مِصْرَ. ٣١وَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنْ إِيثَانَ الأَزْرَاحِيِّ وَهَيْمَانَ وَكَلْكُولَ وَدَرْدَعَ بَنِي مَاحُولَ. وَكَانَ صِيتُهُ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ حَوَالَيْهِ.
١. وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا: استخدم سليمان في سنوات مجد مملكة الحكمة التي أعطاها الله له. ومن المؤسف أنه لم يستخدم هذه الحكمة دائمًا. وقد ابتعد في وقت لاحق عن تكريسه وعبادته للرب (١ ملوك ١١ :١-١١).
٢. وَكَانَ صِيتُهُ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ حَوَالَيْهِ: أصبح سليمان رجلاً بارزًا ومشهورًا حتى بين الملوك. وهناك احساس قوي بأن هذا كان تحقيقًا للوعود العظيمة التي قطعها الله لإسرائيل المطيعة الموصوف في سفر التثنية ٢٨.
• «وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ». (تثنية ١٨: ١)
• «فَيَرَى جَمِيعُ شُعُوبِ الأَرْضِ أَنَّ اسْمَ الرَّبِّ قَدْ سُمِّيَ عَلَيْكَ وَيَخَافُونَ مِنْكَ». (تثنية ٢٨: ١٠)
• أي أن سليمان تمتع بهذه البركات بسبب طاعة داود أكثر منه بسبب طاعته هو. كان داود أكثر أمانة وقُربًا من الله من سليمان؛ ومع ذلك فقد بارك الله سليمان ظاهريًا من أجل داود أكثر مما بارك داود نفسه.
٣. وَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنْ إِيثَانَ الأَزْرَاحِيِّ وَهَيْمَانَ: كتب إيثان المزمور ٨٩ وهيمان المزمور ٨٨. لا يوجد ذكر للأسماء الأخرى في هذا المقطع إلا هنا.
ب) الآيات (٣٢-٣٤): معرفة سليمان الواسعة بالعلم والطبيعة.
٣٢وَتَكَلَّمَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ مَثَل، وَكَانَتْ نَشَائِدُهُ أَلْفًا وَخَمْسًا. ٣٣وَتَكَلَّمَ عَنِ الأَشْجَارِ، مِنَ الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ إِلَى الزُّوفَا النَّابِتِ فِي الْحَائِطِ. وَتَكَلَّمَ عَنِ الْبَهَائِمِ وَعَنِ الطَّيْرِ وَعَنِ الدَّبِيبِ وَعَنِ السَّمَكِ. ٣٤وَكَانُوا يَأْتُونَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ لِيَسْمَعُوا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، مِنْ جَمِيعِ مُلُوكِ الأَرْضِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِحِكْمَتِهِ.
١. وَتَكَلَّمَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ مَثَل: تُشكل حكمة سليمان العظيمة – وهي حكمة موحى بها من الله – جزءًا كبيرًا من سفر الأمثال.
٢. وَكَانَتْ نَشَائِدُهُ أَلْفًا وَخَمْسًا: ألّف سليمان ترانيم كثيرة، لكنه كتب مزامير قليلة. ويوضح هذا أن داود هو مرنم اسرائيل الحلو (٢ صموئيل ٢٣: ١). والسبب في هذا هو علاقة سليمان الضعيفة بالله (مقارنة مع والده داود).
٣. وَتَكَلَّمَ عَنِ الأَشْجَار… وَتَكَلَّمَ عَنِ الْبَهَائِمِ وَعَنِ الطَّيْرِ وَعَنِ الدَّبِيبِ وَعَنِ السَّمَكِ: لم يستخدم سليمان حكمته لفهم الحياة ومشاكل البشر فحسب، لكنه استخدمها لفهم العالم من حوله أيضًا. أعطاه الله ذكاء غير طبيعي وقدرة على الإدراك والفهم.
• “وضعت التصنيفات القديمة شجرة الأرز على رأس قائمة النباتات، والزوفا في أدنى مستوى؛ وبالتالي كانت اهتمامات سليمان النباتية شاملة.” ديلداي (Dilday)
• “يعكس هذا النص تعليم سليمان كرجل حكيم مقارنة مع أقرانه في عصره في التحصيل الأدبي والعلمي، فلم يكن سليمان مجرد متكلم بليغ. كان إنشاء حدائق الحيوان والنبات في العاصمة إنجازًا تفاخر به العديد من الملوك.” وايزمان (Wiseman)
• قال معلمو اليهود القدامى إنه حتى الحيوانات جلبت نزاعاتها إلى سليمان. بينما كان رجلًا يتمشى في الحقل في يوم حار ومعه إبريق من الحليب البارد، رأى حية تموت من العطش. طلبت الحية من الرجل بعض الحليب، لكنه رفض. وعدت الحية الرجل في النهاية أن تخبره عن مكان كنز مخفي إذا أعطاها بعض الحليب، فوافق الرجل على الفور. عندما ذهبا حيث كان الكنز، حرك الرجل صخرة وكان على وشك أن يأخذ الكنز، ولكن سرعان ما انقضت الحية عليه ولفت نفسها حول عنقه. احتج الرجل وقال أن هذا غير عادل، لكن الحية أصرت على أن الرجل لن يأخذ الكنز أبدًا. قال الرجل: “لنأخذ قضيتنا إلى سليمان،” فوافقت الحية. عندما ذهبا إلى سليمان، كانت الحية ما زالت تلفّ نفسها حول عنق الرجل. سأل سليمان الحية عما تريد، فأجابت: “أريد أن أقتل هذا الرجل لأن الكتب المقدسة أوصت بذلك عندما قالت: وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ.‘” فأمرها سليمان بأن تترك الرجل أولًا، لأنه يتوجب أن يكون لطرفي المحاكمة وضعٌ متساو. عندما نزلت الحية إلى الأرض، سألها سليمان مرة أخرى عما تريد، فقالت ثانية إنها تريد أن تقتل الرجل بناءً على الآية: ’وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ.‘ فالتفت سليمان إلى الرجل وقال: “أوصاك الرب بأن تسحق رأس الحية – فافعل هذا إذًا!” وبالفعل، سحق الرجل رأس الحية. مقتبس في جينزبيرغ (Ginzberg)