إنجيل لوقا – الإصحاح ٤
تجربة يسوع وخدمته الأولى في الجليل
أولاً. تجربة يسوع
أ ) الآيات (١-٢أ): قاد الروح القدس يسوع نحو البرية
١أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ ٱلْأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِٱلرُّوحِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٢أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ.
- مُمْتَلِئًا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: نقرأ في لوقا ٢١:٣-٢٢ عن نزول الروح القدس على يسوع بطريقة غير عادية في المعمودية. ولكن علينا ألا نستنتج أنه لم يكن ممتلئاً من الروح القدس من قبل، ولكنه أصبح ممتلئاً من الروح القدس الآن بطريقة نادرة ومعلنة للكل.
- يمكننا أن نقول أن يسوع عاش حياته وخدم كشخص مملوء من الروح القدس، واختار عدم الاعتماد على طبيعته الإلهية، بل أخلى نفسه وقيدها طوعاً كي يسمح لقيادة الله الآب والروح القدس.
- وَكَانَ يُقْتَادُ بِٱلرُّوحِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ: بعد إتحاده مع الخطاة في المعمودية (لوقا ٢١:٣-٢٢)، إتحد معهم الآن في التجربة. لِأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلَا خَطِيَّةٍ (عبرانيين ١٥:٤).
- نعتقد أحياناً أن التجربة التي تعرض لها يسوع لم تكن حقيقية لأنها لا تشبه ما نمر به نحن. فلم يكن بداخل يسوع خطية أو حتى ميل للخطية مثلنا، ومع هذا، كانت تجربته أكثر واقعية وأكثر شدة من الطبيعي. فضغط التجربة يخف قليلاً عندما نستسلم، أما يسوع فلم يستسلم أبداً. لهذا كان عليه أن يحتمل ضغط أكثر بكثير مما نتعرض له نحن.
- تستخدم كلمة أو فكرة “التجربة” في الكتاب المقدس لتشير إلى:
- الشيطان: الذي يعمل من خلال شهواتنا ويغرينا للقيام بأعمال شريرة – انجذاب وانخداع من الشر والشرير. (كورنثوس الأولى ٥:٧، ١٤).
- أنفسنا: فقد نُجرب الله أي نضعه في موقف ما لنختبره. (أعمال الرسل ٩:٥، كورنثوس الأولى ٩:١٠).
- الله: يمكن لله أن يختبرنا، ولكنه لن يخدعنا أو يغرينا لعمل الشر أبداً. (عبرانيين ١٧:١١).
- علّقَ باركلي (Barclay): “إن قصة التجربة من أقدس القصص، وذلك لأنها أتت من فمه الطاهر مباشرة لا من مصدر آخر … فهو بنفسه الذي يروي ما حدث له. ولا بد أنه في وقت ما شارك مع تلاميذه عن هذه التجربة المميزة.”
- مُمْتَلِئًا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ … وَكَانَ يُقْتَادُ بِٱلرُّوحِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: رغم أنه كان يسير بالروح، مع ذلك اقتاده الروح إلى البرية حيث جُرب. يقودنا الروح القدس في مواسم في البرية، كما ويقودنا أحياناً في المراعي الخضراء.
- هناك أوجه تشابه بين تجربة يسوع وتجربة آدم. ولكن آدم واجه تجربته في أفضل الظروف التي يمكن تصورها، أما يسوع فواجه تجربته في أسوأ وأقسى الظروف.
- أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ: جُرب يسوع أربعين يوماً دون توقف. ما تبع ذلك يسلط الضوء على ذلك الموسم في البرية.
ب) الآيات (٢ب-٤): التجربة الأولى: تحويل الحجر إلى خبز لتسديد احتياج شخصي
وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا. ٣وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ، فَقُلْ لِهَذَا ٱلْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». ٤فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ ٱللهِ».
- وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا… جَاعَ أَخِيرًا: إغراء أي رجل بعد صوم دام أربعين يوماً يبدو غير منصف البتة، رغم هذا، سمح الآب بهذا عالماً بقدرة يسوع على التحمل. فلن يسمح الله لنا أن نُجرب فوق ما نستطيع (١٣:١٠).
- حقيقة أن لوقا الطبيب أشار إلى أن يسوع جَاعَ أَخِيرًا هو أمر غاية في الأهمية. فبعد صوم يدوم مدة طويلة، الحاجة الماسة للطعام تزداد، مما يعني أن يسوع تضوّر جُوعًا.
- كان يسوع جائعاً، ولكنه كان ممتلئاً من الروح. أما نحن فعلى العكس تماماً: بطوننا ممتلئة أما أروحنا ففارغة.
- وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: يعلمنا الكتاب المقدس بوضوح عن وجود أرواح شريرة ناشطة تملك القوة والدهاء، وشغلهم الشاغل أن يعملوا ضد الله وشعبه. يدعى هذا إبليس وأحياناً يطلق عليه اسم الشيطان (لوقا ٨:٤)، وهناك العديد من الأسماء أو الألقاب الأخرى له.
- إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ: “بما أنك إبن الله” هي الترجمة الأدق هنا. لم يشك الشيطان بهوية يسوع، بل تحداه لكي يُظهر هويته الإلهية.
- يمكننا أن نُعيد صياغة التجربة كالتالي: “بما أنك المسيح، فلماذا تحرم نفسك؟ إفعل شيئاً لنفسك.” وهي نفس التجربة التي تهاجمنا: “إن كنت ابن الله، لماذا الحياة صعبة؟ إفعل شيئاً لنفسك.”
- فَقُلْ لِهَذَا ٱلْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا: حاول الشيطان أن يُغوي يسوع كي يستخدام قوة الله لأغراض أنانية. تجربة أكل ما هو غير لائق نجحت مع آدم الأول الذي كان بلا خطية (تكوين ٦:٣)، وبالتالي اعتقد الشيطان أنه سينجح إن استخدم نفس الحيلة مع آدم الثاني الذي كان بلا خطية.
- ويُعلّق باركلي (Barclay): “لم تتشكل البرية من الرمال فقط، بل كان بها قطعاً صغيرة من الحجر الجيري تشبه الأرغفة.”
- نرى من خلال هذا كيف تعمل التجربة أحياناً. ففي الغالب تأتي التجربة هكذا:
- خاطب الشيطان رغبة مشروعة داخل يسوع (الرغبة في تناول الطعام والبقاء على قيد الحياة).
- اقترح الشيطان على يسوع أن هذه الرغبة المشروعة بطريقة غير مشروعة.
- فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ ٱللهِ»: رد يسوع على الشيطان بكلمة الله (تثنية ٣:٨). ما قاله الشيطان كان منطقياً: “لماذا تموت من الجوع؟” ولكن أجابه يسوع: “مَكْتُوبٌ” كانت منطقية أكثر. وبهذا ذكر يسوع الشيطان بأن الحق الكتابي، كُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ ٱللهِ، كان أهم بكثير من الخبز الذي نتناوله.
- استخدم يسوع الكتاب المقدس لمحاربة الشيطان، ولم يستخدم قوة روحية لا يمكننا الحصول عليها. قاوم يسوع هذه المعركة كشخص ممتلئ بالروح وبكلمة الله، ولم يستعين بمصدر إلهي غير متوفر لنا.
- نستطيع مقاومة التجربة بنفس الطريقة التي فعلها يسوع: عندما نكون ممتلئين من الروح القدس نرد على أكاذيب الشيطان من خلال كلمة الله الساكنة فينا. إن كنا لا نعرف كلمة الله، فأسلحتنا ستكون ضعيفة في مقاومة التجربة.
ج ) الآيات (٥-٨): التجربة الثانية: أعطيك كل ممالك الأرض إن سجدت لي
٥ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ ٱلزَّمَانِ. ٦وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هَذَا ٱلسُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لِأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. ٧فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ ٱلْجَمِيعُ». ٨فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: «ٱذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».
- ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ ٱلزَّمَانِ: أفضل طريقة لفهم هذه الآية، هي أنها كانت رؤية عقلية أو روحية. ولكن التجربة حدثت بالفعل، ولكن ليس هناك جبل عالٍ فعلياً يمكنك من رؤية جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ ٱلزَّمَانِ.
- جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ … لَكَ أُعْطِي هَذَا ٱلسُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ: عرف الشيطان أن يسوع جاء ليربح جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ. كانت هذه دعوة لاستعادة العالم من دون الذهاب الى الصليب. كان الشيطان سيعطي يسوع كل ممالك المسكونة إن سجد له.
- لِأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ: نلاحظ هنا أن يسوع لم يطعن بكلام الشيطان عندما ادعى أن ممالك المسكونة دُفعت له. فكلام الشيطان كان صحيحاً لأن آدم وكل ذريته أعطوا السيادة التي أعطاها الله لهم على الأرض للشيطان عندما أخطأوا (سفر التكوين ١).
- أصبح الشيطان رئيس هذا العالم (يوحنا ٣١:١٢) ورئيس سلطان الهواء (أفسس ٢:٢) عن طريق الانتخابات الشعبية التي أجراها البشر منذ أيام آدم.
- بما أن الشيطان يملك مجد ممالك هذا العالم، ويمكنه أن يُعطيه لمن يريد، فلا ينبغي أن يدهشنا أن نرى الفجور في مواقع السلطة والنفوذ.
- فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ ٱلْجَمِيعُ: كانت خطة الله الآب ليسوع أن يتألم أولاً، ثم يدخل مجده (لوقا ٢٥:٢٤-٢٦). عرض الشيطان عليه وسيلة للخروج من الألم.
- يوماً ما، ستصبح مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، وسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ (رؤيا يوحنا ١٥:١١). أراد الشيطان أن يقدم هذا العرض ليسوع الآن قبل عذاب الصليب.
- إن قبل يسوع هذا العرض، لكان خلاصنا مستحيلاً. ربما سيكسب يسوع نوعاً من السلطة التي سيقدمها الشيطان له، ولكنه لن يتمكن من إفتداء البشر الخطاة من خلال تضحيته وموته على الصليب.
- فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: ٱذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! قدم الشيطان إغراءٍ قوي ليسوع، ولكن يسوع قاوم تأثير الشيطان، بقوله: ٱذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! وبهذا طبق يسوع النصيحة المذكورة في رسالة يعقوب ٧:٤ “قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ.”
- إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ: وللمرة الثانية، رد يسوع على خداع الشيطان بالحق الكتابي المأخوذ من سفر التثنية ١٣:٦. قد يبدو أن هناك ميزة في تجنب يسوع للصليب، ولكن يسوع ذكر الشيطان بأن الوصية: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ أسمى بكثير من أي ميزة ممكن أن يقدمها الشيطان عند السجود له.
- مرة أخرى، يستخدم يسوع نفس المصدر المتاح لكل مؤمن للرد على الشيطان: أي كلمة الله التي يستخدمها المؤمن المملوء بالروح القدس. في مقاومته لهذه التجارب كرجل، أثبت يسوع أن آدم كان بإمكانه ألا يخطئ، فآدم لم يعاني من أي عيب خُلقي. فقد واجه يسوع ما هو اسوأ من آدم ولكنه لم يخطئ أبداً.
د ) الآيات (٩-١٣): التجربة الثالثة: امتحان الله من خلال الآيات والعجائب
٩ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ ٱلْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ، ١٠لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، ١١وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لَا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». ١٢فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لَا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ». ١٣وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ.
- وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ (سطح) ٱلْهَيْكَلِ: أخذه الشيطان إلى مكان مرتفع. وقد كانت المسافة بين الجدار المحيط بجبل الهيكل والوادي الصخري في الأسفل مئات من الأقدام. لذا إن تجاوب يسوع مع طلب الشيطان: فٱطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ، فالنتيجة ستكون مثيرة بالفعل.
- كان الاعتقاد السائد وفقاً للكتابات اليهودية القديمة، أن المسيا سيُظهر نفسه لإسرائيل واقفاً على سقف الهيكل. فإذا فعل يسوع ما اقترحه الشيطان، فإنه سيكون قد حقق ما كان يتوقعه كل يهودي في ذلك العصر.
- فٱطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا: لا يستطيع الشيطان أن يرمي يسوع بنفسه من سطح الهيكل. ولكن كل ما يستطيع فعله هو أن يقترح، لذلك كان عليه أن يسأل يسوع أن يفعل ذلك بنفسه.
- لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ: : يقتبس الشيطان هذه المرة من الكلمة ويقول: لِأَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. عَلَى ٱلْأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلَّا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. (مزمور ١١:٩١-١٢).
- استخدام الشيطان للآية “لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ،” يذكرنا بأن لديه خبرة في الكتاب المقدس ويعرف كيف يشوه معنى المقاطع الكتابية ويستخدمها خارج السياق. للأسف، فإن العديد من الناس يقبلون أي شخص يقتبس آية من الكتاب المقدس ويقولون أنه يُعلم كلام الله، ولكن استخدام الآيات لا يعني بالضرورة أنهم ينقلون إرادة الله.
- يقول البعض أن الشيطان خبير ماهر في الكتاب المقدس لأنه أمضى عدة قرون يبحث عن الثغرات به.
- فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لَا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ»: رد يسوع على سوء استخدام الشيطان للآية من الكتاب المقدس باستخدامه السليم للآيات، واقتبس من سفر التثنية ١٦:٦. فلم يرفض يسوع سوء استخدام الشيطان للآيات فحسب، بل فصّلها باستقامة، وفهمها حسب سياقها الصحيح.
- فَهِمَ يسوع، لأنه كلي المعرفة، كل مشورة الله (أعمال ٢٧:٢٠)، وعَلِمَ أن الشيطان حرّف المقطع من المزمور ٩١. عَرِفَ يسوع كيف يُفَصِّل كلمة الحق بالإستقامة (تيموثاوس الثانية ١٥:٢).
- ويُعلّق موريس (Morris): “عَلِمَ يسوع أن الشيطان كان يدفعه لأخذ خطوة “إيمان” من شأنها اختبار أو امتحان الله بطريقة خبيثة. ربما كان مُفاد التجربة أن يصنع يسوع معجزة مبهرة، ولكن ما فائدة المعجزة إن كان هدفها الاستعراض وفرض إيمان مثل هذا – إيمان يُجرب الله.”
- وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ: عندما رأى الشيطان أنه فشل في التأثير على يسوع، تركه لفترة من الوقت. دائماً ما يسعى الشيطان إلى العودة لمحاربتنا في أقرب فرصة ممكنة لذا علينا ألا نعطيه الفرصة.
- كتب مورغان (Morgan): “لم يملك الشرير المزيد ليقترحه من الإغراءات. فكان التصدي الكامل للتجربة سبباً في إكتمال النصرة.”
- لم يكن الشيطان غبياً، فهو يعرف تماماً أهمية عدم وضع موارده المحدودة في معركة خاسرة. فإذا كنت تريد أن يتركك الشيطان وشأنك لفترة من الوقت، فعليك أن تقاومه باستمرار. كثيرون يُهاجمون باستمرار لأن مقاومتهم ضعيفة.
- قاوم يسوع هذه التجارب لأنه سار بالكلمة وبالروح. هذين أهم موردين في الحياة المسيحية. فحفظ الكلمة دون امتلاك الروح، يجعلك تنتفخ. والسير بالروح من غير الكلمة، يجعلك تنفجر. ولكن السير بالكلمة وبالروح معاً وبتساوي هو ما يجعلك تنمو.
ثانياً. رفض مدينة الناصرة
أ ) الآيات (١٤-١٥): بداية الخدمة في الجليل
١٤وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ، وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ. ١٥وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّدًا مِنَ ٱلْجَمِيعِ.
- وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ: رجع يسوع من التجربة بقوة أكثر مما سبق. رغم أنه كان ممتلئاً من الروح القدس منذ البداية (لوقا ١:٤)، إلا أنه بعد انتصاره على التجربة، استمر منقاداً بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ.
- علّقَ كلارك (Clarke): “من يقاوم التجربة بنعمة الله ويتغلب عليها، ينضج روحياً بسرعة أكبر. إحدى بركات نعمة الله هي تحويل الأشياء التي هدفها تدميرنا إلى آلات لخيرنا ولفائدتنا.
- إِلَى ٱلْجَلِيلِ … ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ: كانت منطقة الجليل خصبة ومتقدمة ومكتظة بالسكان. ووفقاً للأرقام الصادرة عن المؤرخ اليهودي يوسيفوس، كان عدد سكان الجليل ما يقرب ٣ ملايين نسمة. وهذا إشارة إلى أنها كانت منطقة مزدحمة بالسكان حتى وإن بالغ يوسيفوس بالتقدير.
- كتب يوسيفوس، الذي كان يوماً ما حاكم الجليل، أن هناك ٢٤٠ قرية ومدينة في الجليل (كتاب الحياة ٢٣٥)، وبلغ عدد سكان كل مدينة أو قرية ما يقارب ١٥٠٠٠ شخصاً على الأقل.
- وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ: كان تركيز يسوع الأول في خدمته على التعليم، ونرى أنه في البداية لم يواجه أية معارضة بل كان مُمَجَّدًا مِنَ ٱلْجَمِيعِ.
ب) الآيات (١٦-١٧): دخل يسوع إلى المجمع في مدينته الناصرة
١٦وَجَاءَ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، ١٧فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ ٱلسِّفْرَ وَجَدَ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ…
- وَجَاءَ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى: بما أنها كانت بداية خدمته، لم يمضِ وقت طويل منذ أن عاش يسوع في الناصرة وعمل بها. كان أهل القرية يعرفونه جيداً، فربما قد قام بأعمال نجارة أو بناء للعديد منهم.
- انتقل يسوع، قبل فترة وجيزة، من الناصرة إلى كفرناحوم، وعاش على شواطئ بحر الجليل (متى ١٢:٤-١٣).
- وَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ: جعل يسوع من الذهاب إلى المجمع وصرف وقت مع شعب الله في العبادة ودراسة الكلمة عادة. إذا كان هناك شخص لا يحتاج الذهاب إلى الكنيسة (إذا جاز التعبير)، فهو يسوع حتماً، ومع ذلك، كان يذهب حَسَبَ عَادَتِهِ.
- وَقَامَ لِيَقْرَأَ: كان ترتيب الخدمة في المجمع كالتالي: يبدأ الإجتماع بالصلاة الافتتاحية والتسبيح، ثم القراءة من الناموس والأنبياء، ومن ثم عظة يقدمها زائر مُعلم. في هذه المناسبة كان يسوع هو الزائر المُعلم. وبما أن هذا المجمع كان في الناصرة، فحتماً ذهب يسوع هناك مراراً كثيرة، والآن سيقرأ ويُعلم في المجمع حيث كان قد تربى.
ج ) الآيات (١٨-١٩): يسوع يقرأ من إشعياء ١:٦١-٢
١٨«رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لِأَنَّهُ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لِأَشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ، لِأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلْإِطْلَاقِ ولِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ، ١٩وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ ٱلرَّبِّ ٱلْمَقْبُولَةِ».
- رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ: المتكلم في هذا المقطع من إشعياء هو الممسوح، أي المسيا، أي يسوع المسيح.
- مَسَحَنِي: تعني كلمة “مَسحَني” فرك أو رش المرهم أو الدهن أو الزيت. وقد كان عدد كبير من الأشخاص في العهد القديم يُمسَحُونَ بالزيت. على سبيل المثال، كان الكهنة يُمسحون بالزيت تهيئة لخدمتهم في الهيكل (خروج ٤١:٢٨). رغم أنهم كانوا يستخدمون زيتاً عادياً، ولكنه كان دليلاً على تظليل الروح القدس على حياتهم وخدمتهم. مسح الرأس بالزيت ما هو سوى تمثيل خارجي لعمل الروح القدس الحقيقي في داخلهم.
- لِأَنَّهُ مَسَحَنِي لِـ …: يعلن المسيا في هذه النبوة، أنه جاء ليشفي الأضرار الخمسة التي سببتها الخطية. الحقت الخطية أضراراً كبيرة للإنسان، لذلك وجب أن يكون هناك فداءاً عظيماً.
- أُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ: تُضعف الخطية المساكين، ولكن المسيح يأتي بالخبر السار للمساكين.
- أشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ: تكسر الخطية القلوب، ولكن المسيح يأتي بالخبر السار لمنكسري القلوب.
- أُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلْإِطْلَاقِ: تأسر الخطية المأسورين وتستعبدهم، ولكن المسيح فينادي لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلْإِطْلَاقِ.
- ولِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ: تعمي الخطية الإنسان، ولكن المسيح يشفي روحياً وأخلاقياً.
- وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ: تسحق الخطية ضحاياه، ولكن المسيح يرسل ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ.
- قال موريسن (Morrison): “لحسن الحظ، لم يأتِ يسوع لينادي أو ليعطينا الخلاص فحسب، بل جاء ليكون هو خلاصنا. كان المسيح هو العدو الأكبر للقيود، وكان الحبيب الأول للحرية ونورها.”
- وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ ٱلرَّبِّ ٱلْمَقْبُولَةِ: يبدو أن هذا كان وصفاً لسنة اليوبيل في العهد القديم (لاويين ٩:٢٥-١٥ وما يتبع). وكانت سنة اليوبيل هي البداية الجديدة لكثير من الأشياء، حيث يُطلق سراح العبيد، وتُلغى الديون.
- قال بايت (Pate): “جاء يسوع يكرز بسنة الرب المقبولة، وهي اشارة الى سنة اليوبيل. فمن الممكن أن السبب وراء عودة يسوع إلى مسقط رأسه هو لأنها كانت سنة اليوبيل.”
- تبين نهاية الآية من إشعياء حيث توقف يسوع عن القراءة، طبيعة النبوة وعلاقتها بالفترة الزمنية. يصف باقي المقطع الكتابي من إشعياء ما سيفعله يسوع في مجيئه الثاني (وَبِيَوْمِ ٱنْتِقَامٍ لِإِلَهِنَا، إشعياء ٢:٦١). كانت الفترة الزمنية بين الجملتين ٢٠٠٠ عام.
د ) الآيات (٢٠-٢٢): عَلَمَ يسوع من إشعياء ١:٦١-٢
٢٠ثُمَّ طَوَى ٱلسِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى ٱلْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. ٢١فَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ ٱلْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». ٢٢وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: «أَلَيْسَ هَذَا ٱبْنَ يُوسُفَ؟».
- وَجَلَسَ:عندما جلس يسوع، استعد كي يُعلم بدلاً من العودة إلى مقعده للجلوس بين الشعب. وتعجب الجميع كيف كان بإستطاعته أن يفسر ما قد قرأه.
- «إِنَّهُ ٱلْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ»: بهذه الكلمات أجاب يسوع عن سؤالين.
- عن من يتحدث إشعياء؟” أجاب يسوع: “إنه يتحدث عني.”
- “متى سيتحقق هذا الأمر؟” أجاب يسوع: “إنه يكتب عن الآن.”
- وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ: هذا يعني أن يسوع استمر في الكلام حول نفس الموضوع وفعل ذلك بنعمة كبيرة. حيث شعر السامعين بصلاح الله وبنعمته عندما أعلن يسوع من خلال إشعياء بأن خدمة المسيا بدأت الآن.
- «أَلَيْسَ هَذَا ٱبْنَ يُوسُفَ؟»: تجاوب الناس مع كلام يسوع يبين أن تعليقهم لم يكن منصفاً. فبعدما تعجبوا، نراهم يستاؤون كيف يمكن لشخص يعرفونه جيداً (ابن يوسف) أن يتحدث بهذه النعمة ويدّعي أيضاً أنه التحقيق لهذه النبوة الرائعة.
هـ ) الآيات (٢٣-٢٧): يجيب يسوع على اعتراضاتهم
٢٣فَقَالَ لَهُمْ: «عَلَى كُلِّ حَالٍ تَقُولُونَ لِي هَذَا ٱلْمَثَلَ: أَيُّهَا ٱلطَّبِيبُ ٱشْفِ نَفْسَكَ! كَمْا سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَٱفْعَلْ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ». ٢٤وَقَالَ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولًا فِي وَطَنِهِ. ٢٥وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ ٱلسَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي ٱلْأَرْضِ كُلِّهَا، ٢٦وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلَّا إِلَى ٱمْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ. ٢٧وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ ٱلنَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَّا نُعْمَانُ ٱلسُّرْيَانِيُّ».
- كَمْا سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَٱفْعَلْ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ: لا يخبرنا لوقا إن كان الناس قد قالوا ذلك مباشرة؛ ربما فعلوا بالفعل ونقل يسوع ما قالوه. أو على الأغلب، فهم يسوع تماماً اعتراضهم وشرحه. فقد أرادوا أن يثبت يسوع ادعاءاته بآيات ومعجزات.
- يبدو أن يسوع صنع معجزات في كفرناحوم قبلاً، ولكن لوقا لم يكتب عنها (نجدها في يوحنا ١-٤). فأراد أهل الناصرة أن يروا نفس المعجزات كعلامة على صحة كلامه.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “لا شك أنهم اتفقوا قائلين: إنه رجل ناصري، ومن واجبه أن يساعد أهل الناصرة. وكأنهم يملكونه ولهم الحق أن يستخدموا قوته على هواهم.”
- لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولًا فِي وَطَنِهِ: فَهمِ يسوع سهولة أن يشك من يعرفونا جيداً بقوة الله وعمله. وكان من السهل على أهل الناصرة الشك بيسوع أو رفضه لأنه بدا بالنسبة لهم شخصاً عادياً ومألوفاً جداً.
- ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon): “تعلمت من هذه الحادثة في حياة الرب يسوع أن مهمة الواعظ ليست إرضاء رعيته. اذا كان يجتهد ليصل إلى هذه الغاية، فاحتمال تحقيقها ضئيل جداً، ولكن إن نجح فسيكون هذا النجاح بائساً حتماً.”
- وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلَّا إِلَى ٱمْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ… وَلَمْ ٱلسيُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَّا نُعْمَانُ ُّرْيَانِيُّ»: أراد الجمهور امتيازات خاصة لأنه كان في الناصرة حيث تربى. ولكن يسوع أخبرهم أن هذا الأمر ليس مهماً لأن الله يتعامل مع الجميع. واستخدام عمل الله وسط الأمم في أيام إيليا وأليشع كأمثلة.
- أثار يسوع نقطتين على الأقل هنا. أولاً، حقيقة رفضهم ليسوع ليس له علاقة به شخصياً، بل بهم. لم يقبلوه رغم أنه جاء حقاً من عند الله. رفضهم عكس حقيقتهم ولم يكن له أي علاقة بحقيقة يسوع.
- ثانياً، أظهر أن قوة الله الخارقة تعمل بطرق غير متوقعة وبسلطان. فالأشخاص الذين نعتبرهم غير مستحقين وربما غريبي الأطوار أحياناً، عادة ما يكونوا أكثر استقبالاً لقوة الله المعجزية.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “صحيح أن شفاء نعمان كان مثلاً رائعاً لنعمة الله واختياره المطلق، ولكن يمكننا القول أن كل أبرص أممي وثني جاء عند أليشع وفعل ما أمر به وصلى إلى الرب، نال الشفاء وحصل على البركة أيضاً.” فالله يتعامل مع الجميع.
- شُفيَّ نُعمان بالنعمة، ولكن لاحظ كيف حدث ذلك. أولاً صدق أنه يمكن أن يُشفى. ثم تجاوب بالإيمان المرتبط بالعمل (كان الفعل هو السفر إلى إسرائيل). بعد ذلك، أطاع نعمان كلمة النبي واغتسل في الأردن سبع مرات. وبكل تواضع تنازل عن كبريائه مقابل كلمة من الله على لسان النبي.
و ) الآيات (٢٨-٣٠): خرج يسوع من وسط الجموع
٢٨فَٱمْتَلَأَ غَضَبًا جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هَذَا، ٢٩فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةِ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. ٣٠أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى.
- فَٱمْتَلَأَ غَضَبًا جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هَذَا، فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ: يا لها من طريقة للتجاوب مع أي عظة. امتلئوا غضباً حينما سمعوا أن هناك شيء خطأ بهم، وأن طلبهم لعمل معجزة قد رُفض، وأن يسوع لمح أن الله يحب الأممين أيضاً.
- لم يسعى يسوع بالدرجة الأولى لإرضاء جمهوره ولم يستخدم موافقتهم كمقياس لنجاحه.
- حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ: دفع شخص من حافة الجبل عادة ما تكون الخطوة الأولى في عملية الرجم. وحال سقوط الضحية، كانوا يبدأون برشقها بالحجارة حتى الموت.
- يهيء لوقا في الإصحاح الرابع المسرح أمامنا ليعرض الواقع الأليم لحياة يسوع على الأرض. فقد جاء يسوع البار الذي لم يفعل سوى الخير للجميع، ولكنهم أرادوا قتله.
- أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى: أرادوا معجزة، ففعل يسوع معجزة غير متوقعة أمامهم بالفعل: جاز في وسطهم ومضى بأعجوبة.
- كان بإيمكان يسوع أن يطلب المساعدة من الملائكة – تماماً كما اقترح الشيطان عليه في التجربة الثالثة. ولكنه اختار، بدلاً من ذلك، أن يفعل معجزة عادية جداً، إن كان بإمكاننا أن نقول هذا عن أي معجزة. علّقَ تراب (Trapp) على هذا وقال: “كان بإمكانه أن يفعل كشمشون الجبار وينقذ نفسه بذراعيه. وربما أستطاع بهذا أن يقنع خصمه، ولكنهم كانوا ممتلئين بالحقد والغضب الشديد.
ثالثاً. خدمة أكثر في الجليل
أ ) الآيات (٣١-٣٧): يوبخ يسوع الروح النجس في مجمع كفرناحوم.
٣١وَٱنْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي ٱلسُّبُوتِ. ٣٢فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ. ٣٣وَكَانَ فِي ٱلْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ ٣٤قَائِلًا: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ ٱللهِ!». ٣٥فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «ٱخْرَسْ! وَٱخْرُجْ مِنْهُ!». فَصَرَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فِي ٱلْوَسْطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. ٣٦فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى ٱلْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «مَا هَذِهِ ٱلْكَلِمَةُ؟ لِأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ ٱلْأَرْوَاحَ ٱلنَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ!». ٣٧وَخَرَجَ صِيتٌ عَنْهُ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ فِي ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ.
- وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي ٱلسُّبُوتِ… فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ: استمر يسوع في تلبية دعوته الأساسية كمُعلم، مستفيداً من كياسة المجمع. لا نعلم ما علمه يسوع، ولكن ما نعلمه هو تأثير تعليمه على جمهوره. فَبُهِتُوا … لم يسبق وأن سمعوا أحد يُعلم بهذه الطريقة من قبل.
- لم يكن سُلطَان يسوع واضحاً في تعليمه فحسب، بل في حياته أيضاً. سيتضح ذلك في لقاءه مع الرجل الذي به روح شيطان.
- وَكَانَ فِي ٱلْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ: الكلمات “رُوحُ شَيْطَانٍ.. رُوحُ نَجِسٍ .. الشيطان” كلها متشابهة، وتشير الى قوى الشر المظلمة المعادية لله وللإنسان. هذه القوى منظمة (أفسس ١٢:٦) ويقودها الشيطان نفسه.
- مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ؟ من المثير للسخرية أن الشياطين عرفوا من كان يسوع، ولكن شعب الله المختار – من مدينته الناصرة – فلم يعرفوه.
- علّقَ بايت (Pate) على أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا!: “يعكس هذا السؤال الاعتقاد السائد بأن مجيء ملكوت الله يعني زوال سيطرة الشيطان على العالم.”
- أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ، قُدُّوسُ ٱللهِ: شَهِدَ الشيطان نفسه أن يسوع كان قدوسٌ وبار، واعترف أن التجربة في البرية فشلت في إفساد يسوع.
- فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «ٱخْرَسْ! وَٱخْرُجْ مِنْهُ!»: الطريقة التي تعامل بها يسوع مع الشيطان في هذا المقطع ما هي إلا دليل واضح على قوته وسلطانه على عالم الروح. تعجب الناس من سلطان كلمته عندما عَلمَ وكذلك في حياته الروحية.
- ويُعلّق بايت (Pate): “لا بد وأن هذا ميّز يسوع عن كل الضجة التي يحدثها طاردي الأرواح العاديين من سحر وشعوذة.”
ب) الآيات (٣٨-٣٩): شفاء حماة بطرس من الحُمى
٣٨وَلَمَّا قَامَ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ دَخَلَ بَيْتَ سِمْعَانَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ قَدْ أَخَذَتْهَا حُمَّى شَدِيدَةٌ. فَسَأَلُوهُ مِنْ أَجْلِهَا. ٣٩فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَٱنْتَهَرَ ٱلْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا! وَفِي ٱلْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدُمُهُمْ.
- دَخَلَ بَيْتَ سِمْعَانَ: صنع يسوع معجزة عامة في المجمع، والآن سيُظهر قوته في مكان خاص. فلم يكن مجرد ممثل (مُؤَدٍّ) يستعرض قوته أمام الحشود فقط.
- حَمَاةُ سِمْعَانَ:سنعرف لاحقاً أن سمعان هو نفسه بطرس، قائد التلاميذ. هذا يُظهر أيضاً أن سمعان بطرس كان متزوجاً. قال كليمنت من الاسكندرية، وهو كاتب مسيحي قديم، أن زوجة بطرس ساعدته في الخدمة عن طريق تلبية احتياجات النساء الأخريات.
- فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَٱنْتَهَرَ ٱلْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا: في هذه الحالة، رأى يسوع الحُمى على أنها شيء يمكن انتهاره. ربما رأى أن هناك سبب روحي من وراء هذا المرض الذي يبدو طبيعياً.
- علّقَ باركلي (Barclay) على جملة “حُمَّى شَدِيدَةٌ” هكذا: “كل كلمة استخدمها لوقا كانت طبية … وتعني هذه الجملة باليونانية: ’الشخص الذي اضطجع على سريرة من قسوة المرض…‘ فقد عرف لوقا كيف يصف هذا المرض تماماً.”
- وَفِي ٱلْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدُمُهُمْ: لم يكن هذا شفاء من المرض فحسب، بل منحها أيضاً القوة في الحال. ليس من الطبيعي أن ينتقل شخص من سرير المرض مباشرة ليخدم الآخرين.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “الذي شفاها من الحُمى لم يكن محتاجٌ لخدمتها… والذي يملك القدرة على شفاء الأمراض، بالتأكيد كانت لديه القدرة على العيش دون الحاجة لخدمة الإنسان. كونه الإله كلي القدرة، وهو الذي أقامها، فما حاجته إذاً لخدمة إمرأة؟”
ج ) الآيات (٤٠-٤١): يسوع يشفي المرضى ومن يسكنهم الشيطان
٤٠وَعِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ، جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ. ٤١وَكَانَتْ شَيَاطِينُ أَيْضًا تَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: «أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ!». فَٱنْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ، لِأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ أَنَّهُ ٱلْمَسِيحُ.
- وَعِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ: يُمثل هذا بداية يوم جديد، يوم بعد السبت (لوقا ٣١:٤). بعد التحرر من قيود يوم السبت حول السفر والحركة، ابتدأ الناس يأتون إليه بحرية طالبين الشفاء.
- فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ: عمل يسوع بجهد لسد احتياجات الآخرين، ووضع احتياجاتهم قبل احتياجاته.
- لَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ: لم يدع يسوع الشياطين تشهد عنه لأنه لا يريد الاعتماد على شهاداتهم.
- لم تُسجل الأناجيل كل الخدمة التي قام بها يسوع، ولكنها ركزت فقط على الأحداث الهامة والاستثنائية، ولكن نستطيع أن نقول أنه شفى أعداد هائلة من الأشخاص المسكونين بالأرواح الشريرة. وسجل الكتاب المقدس في الواقع، أقل من عشرة أفراد جاؤوا إليه بهم أرواح شريرة، ولكنه لم يذكر سوى حادثتين فقط عن تحريره لهم. لا يبدو أنه عدد كبير إذا اخذنا بالاعتبار خدمة يسوع في منطقة مكتظة على مدى ٣ سنوات.
د ) الآيات (٤٢-٤٤): استمر يسوع يكرز في الجليل
٤٢وَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلَاءٍ، وَكَانَ ٱلْجُمُوعُ يُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ. فَجَاءُوا إِلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ عَنْهُمْ. ٤٣فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ ٱلْمُدُنَ ٱلْأُخَرَ أَيْضًا بِمَلَكُوتِ ٱللهِ، لِأَنِّي لِهَذَا قَدْ أُرْسِلْتُ». ٤٤فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِ ٱلْجَلِيلِ.
- وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلَاءٍ: عَرِفَ يسوع قيمة الخلوة مع الله الآب. وقد قضى معظم وقته يخدم الناس، ولكنه كان يحتاج لأوقات يذهب فيها إلى موضع خلاء.
- لم يعتمد يسوع في خدمته على طبيعته الإلهية، بل على شركته المستمرة مع الله الآب وعلى سلطان الروح القدس. والوقت الذي كان يصرفه في مَوْضِعٍ خَلَاءٍ كان ضرورياً لذلك.
- إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ ٱلْمُدُنَ ٱلْأُخَرَ أَيْضًا بِمَلَكُوتِ ٱللهِ: عَلَمَ عن ملكوت الله، بمعنى أنه أعلن عن وصول الملك وقام بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يملكها الناس عن الملكوت.
- لِأَنِّي لِهَذَا قَدْ أُرْسِلْتُ: رأى يسوع أن خدمته الرئيسية في هذه المرحلة هي الكرازة بالملكوت. كانت المعجزات جزءً من هذه الخدمة، ولكنها لم تكن تركيزه الرئيسي.
- فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِ ٱلْجَلِيلِ: كان هذا التركيز الواضح لخدمة يسوع قبل عمله الكفاري العظيم على الصليب – كان مُعلماً وكارزاً، سواء في الهواء الطلق أ أو دور العبادة. كانت خدمة المعجزات والشفاء أكثر من رائعة، ولكنها لم تكن تركيزه الأول.