إنجيل يوحنا – الإصحاح ٤
لقاء يسوع مع المرأة السامرية وخادم الملك
أولاً. المرأة السامرية
أ ) الآيات (١-٤): يسوع يترك اليهودية ويمضي إلى الجليل ماراً بالسامرة
١فَلَمَّا عَلِمَ ٱلرَّبُّ أَنَّ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تَلَامِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا، ٢مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تَلَامِيذُهُ، ٣تَرَكَ ٱلْيَهُودِيَّةَ وَمَضَى أَيْضاً إِلَى ٱلْجَلِيلِ. ٤وَكَانَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ ٱلسَّامِرَةَ.
- فَلَمَّا عَلِمَ ٱلرَّبُّ… تَرَكَ ٱلْيَهُودِيَّةَ: عَلِمَ يسوع أنه بسبب شهرته وشعبيته المتصاعدة ستحدث مواجهة قريبة مع المؤسسة الدينية (ومن ضمنها ٱلْفَرِّيسِيِّينَ). ولكنه عَلِمَ أيضاً أن الوقت لم يكن مناسباً بعد للمواجهة في أورشليم لهذا عاد إلى ٱلْجَلِيلِ.
- يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تَلَامِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا، مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تَلَامِيذُهُ: أول مرة ذُكرت فيها خدمة المعمودية التي قام بها يسوع كانت في يوحنا ٢٢:٣. واعتبر يسوع خدمة يوحنا في التعميد ضرورية للغاية باعتبارها دليلاً على التوبة والتطهير استعداداً للمسيا ولهذا استمر فيها. ونعرف من هذا النص أن يسوع لم يكن يُعَمِّدُ بنفسه بَل فوض هذه الخدمة لتَلَامِيذُهُ.
- عندما بدأ التلاميذ بممارسة المعمودية يوم الخمسين (أعمال الرسل ٤١:٢) كانوا على دراية من تجربتهم السابقة بأن المعمودية مرتبطة بالتوبة والتطهير وانتمائهم للمسيح.
- “أكد يسوع من خلال المعمودية على تناغم خدمته مع الذي سبقه. ولأنه لم يكن يُعمد بنفسه، برهن على سمو مكانته مقارنة بيوحنا المعمدان.” (استشهد موريس من غوديت).
- وَكَانَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ ٱلسَّامِرَةَ: غالباً ما كان اليهود المتدينون يتجنبون الطريق عبر السامرة رغم أنها الأقصر للذهاب من أورشليم إلى الجليل. وفعلوا ذلك نظراً لانعدام الثقة وللكراهية القائمة بين الشعب اليهودي والسامريين.
- عندما غزا البابليون مملكة يهوذا الجنوبية أخذوا جميع السكان تقريباً كأسرى ونفوهم إلى الإمبراطورية البابلية. وتركوا وراءهم أدنى فئات المجتمع لأنهم لم يرغبوا بمثل هؤلاء في بابل. وهؤلاء بدورهم تزاوجوا مع الشعوب غير اليهودية الأخرى التي جاءت على مراحل إلى المنطقة وهكذا ظهر السامريون كمجموعة عرقية ودينية.
- ولأن للسامريين صلة تاريخية بشعب إسرائيل كان إيمانهم عبارة عن مزيح من الوصايا والطقوس المأخوذة من شريعة موسى مع بعض الخرافات المختلفة. كما كان معظم اليهود في عهد يسوع يحتقرون السامريين ويكرهونهم أكثر من الأمم لأنهم عبارة عن “هجين” (ليسوا يهوداً بالكامل) ولأن عقيدتهم كانت غريبة. وقد بنى السامريون معبدهم الخاص ليهوه على جبل جزريم ولكن اليهود أحرقوه عام ١٢٨ قبل الميلاد تقريباً. وهذا بالطبع جعل العلاقات بين اليهود والسامريين أكثر سوءاً.
- “كان الطريق من أورشليم إلى الجليل يقع في المنطقة خارج الأردن وكانت تلك الطريق أطول بكثير، ولكنها جعلتهم يتجنبون السامريين. أما اليهود غير المتعصبين فكانوا يمرون عبر السامرة بشكل عادي.” موريس (Morris)
- تقول الآية: وَكَانَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ ٱلسَّامِرَةَ. لم يجتار يسوع من السامرة لأنه كان مضطرًا أو كان لديه احتياج، ذهب هناك لأنه كان هنالك من يحتاج إلى الاستماع إليه.
ب) الآيات (٥-٩): يسوع يصل إلى بئر في سوخار بمدينة السامرة.
٥فَوَصَلَ إِلَى بَلْدَةٍ فِيهَا، تُدْعَى سُوخَارَ، قَرِيبَةٍ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ ِلابْنِهِ يُوسُفَ، ٦حَيْثُ بِئْرُ يَعْقُوبَ. وَلَمَّا كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ عَلَى حَافَةِ الْبِئْرِ، وَكَانَتِ السَّاعَةُ حَوَالَيْ السَّادِسَةِ. ٧وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ إِلَى الْبِئْرِ لِتَأْخُذَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «اسْقِينِي!» ٨فَإِنَّ تَلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ ذَهَبُوا إِلَى الْبَلْدَةِ لِيَشْتَرُوا طَعَاماً. ٩فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: «أَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا سَامِرِيَّةٌ، فَكَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي أَنْ أَسْقِيَكَ؟» فَإِنَّ الْيَهُودَ لَمْ يَكُونُوا يَتَعَامَلُونَ مَعَ أَهْلِ السَّامِرَةِ.
- حَيْثُ بِئْرُ يَعْقُوبَ: كانت بلدة سُوخَارَ هي شَكِيم في القديم وكانت عاصمة السامريين. في ما يلي الأحداث التي جرت فيها:
- أول بلدة وصل إليها أبرام بعد خروجه من بابل. (سفر التكوين ٦:١٢).
- البلدة التي ظهر الله فيها لأبرام لأول مرة وجدد العهد معه بإعطائه الأرض له ولنسله (سفر التكوين ٧:١٢).
- البلدة التي بنى فيها إبرام مذبحاً وصلى باسم الله (سفر التكوين ٨:١٢).
- البلدة التي وصل إليها يعقوب مع زوجاته وأطفاله بعد إقامته مع لَابَان. (سفر التكوين ١٨:٣٣)
- البلدة التي اشترى فيها يعقوب قطعة أرض من كنعاني اسمه حَمُورَ مقابل ١٠٠ قطعة من الفضة (سفر التكوين ١٩:٣٣)
- البلدة التي بنى فيها يعقوب مذبحاً للرب وَسَمّاهُ إيلَ إلَهَ إسْرائِيلَ (سفر التكوين ٢٠:٣٣). وبعدها أصبحت المكان الذي يُعرف باسم بِئْرُ يَعْقُوبَ.
- البلدة التي اغتصبت فيها دِينَة ابنة يعقوب، وذبح أبناء يعقوب رجال المدينة انتقاماً منهم. (سفر التكوين ٣٤).
- البلدة التي كانت بِقُرْبِ ٱلضَّيْعَةِ ٱلَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ٱبْنِهِ، وهي الأرْضِ التي أخذها يعقوب مِنَ الأمُورِيِّينَ بسيفه وقوسه في معركة لم يسجلها الكتاب (سفر التكوين ٢٢:٤٨).
- البلدة التي التي وضعت فيها عظام يوسف (سفر يشوع ٣٢:٢٤)
- البلدة التي جدد فيها يشوع والشعب عهدهم مع إله إسرائيل وأعلنوا: «وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ» (سفر يشوع ٢٤).
- “يعتقد بعضهم أن سُوخَارَ والتي تعني ’السكران‘ كانت في الأصل اسم ازدراء أطلقه اليهود على شَكِيم.” آلفورد (Alford)
- قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ: تَعِبَ يسوع بعد مسيرة يوم طويل، ورغم حرص يوحنا على إظهار حقيقة لاهوت المسيح، إلا أنه أرادنا أن نعرف أيضاً أنه لم يكن رجلاً خارقاً، لكنه أخضع نفسه للمحددات البشرية.
- “القصد من استخدام الكلمتين ’فَإِذْ كَانَ‘ هو للتأكيد على فكرة الكلل المطلق.” ماكلارين (Maclaren)
- “بينما يؤكد كاتب الإنجيل أن الله الكلمة هو من تجسد في يسوع، يؤكد لنا أيضاً أن الشكل الذي أخذه الكلمة كان جسداً.” بروس (Bruce)
- “فنبع يعقوب هذا هو بلا شك ما يُعرف اليوم بين السامريين واليهود والمسيحيين واليهود بنبع أو بئر يعقوب.” ترينش (Trench)
- وَكَانَتِ السَّاعَةُ حَوَالَيْ السَّادِسَةِ: وفقاً لحسابات يوحنا كان الوقت ظهراً خلال حر النهار الشديد. ولأن يسوع كان متعباً ويشعر بالحر كان يحتاج لشرب الماء.
ج) الآيات (٧-٩): حديث يسوع مع المرأة السامرية
٧فَجَاءَتِ ٱمْرَأَةٌ مِنَ ٱلسَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَعْطِينِي لِأَشْرَبَ». ٨لِأَنَّ تَلَامِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَاماً. ٩فَقَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ ٱلسَّامِرِيَّةُ: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا ٱمْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟». لِأَنَّ ٱلْيَهُودَ لَا يُعَامِلُونَ ٱلسَّامِرِيِّينَ.
- فَجَاءَتِ ٱمْرَأَةٌ مِنَ ٱلسَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً: جاءت هذه المرأة وحدها لتستقي ماء في ساعة غير معتادة. وقد اعتادت النساء عموماً المجيء لاستقاء الماء في وقت مبكر من النهار وكن يأتين في مجموعات. وربما جاءت المرأة بسبب حاجة غير متوقعة أو ربما كانت منبوذة اجتماعياً ومهمشة من نساء المجتمع.
- “فالنساء عادة يأتين لاستقاء الماء بصحبة أخريات وفي وقت أقل حراً.” بروس (Bruce)
- أضاف آدم كلارك (Adam Clarke) على هذه الفكرة ما يلي: “يقول اليهود إن الذين يبحثون عن زوجة كانوا يذهبون إلى البئر حيث اعتادت الفتيات الذهاب لنشل الماء؛ ولا بد أنه حتى النساء سيئات السمعة كن يترددن على المكان أيضاً.”
- وبشكل عام تمتعت تلك المرأة بشخصية رائعة. “إنها امرأة ناضجة ولكن بماضٍ سيء للغاية. وهي امرأة متحررة مستعدة لتبادل الحديث مع الغرباء وذات لسان قادر على تحويل كل ما هو جدي إلى مزاح. ومع ذلك كان بداخلها غرور زائف وفساد وشوق يتوق لشيء أفضل مما لديها.” ماكلارين (Maclaren)
- ربما مر بها التلاميذ حينما مَضَوْا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ. “في هذه المرحلة من حياة بطرس والآخرين يمكننا التأكد من أنهم لن يقفوا جانباً لفتح الطريق أمام أي امرأة وخاصة إن كانت امرأة سامرية وتملك مثل هذه السمعة السيئة. وربما دفعت جانباً أو اجبرت على الانتظار بينما شق الجليليون طريقهم عبر المدينة.” بويس (Boice)
- فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: ووفقاً للتقاليد، كان من غير اللائق أن يتكلم المعلم اليهودي مع أي امرأة علناً حتى وإن كانت زوجته. وكان من غير المألوف للشخص اليهودي في ذلك الوقت أن يطلب معروفاً من سامري أو حتى يقبل منه كأس ماء. ولهذا تفاجأت المرأة من طلب يسوع، كما تعجب التلاميذ لأن يسوع كان يتكلم معها (يوحنا ٢٧:٤).
- “كان التقليد اليهودي يُحرم على معلمي اليهود تحية المرأة في الطريق أو يتحدث إليها حتى لو كانت تلك المرأة زوجته أو ابنته أو شقيقته. وكان يطلق اسم “الفريسيون المضروبين والنازفين” على بعض الفريسيين المتزمتين لأنهم كانوا يغلقون أعينهم تماماً أثناء سيرهم في الطريق حتى لا تقع أنظارهم على إمرأة فكانوا يصدمون بالجدران والمنازل فتدمى جباههم.” باركلي (Barclay)
- «أَعْطِينِي لِأَشْرَبَ»: يتصور البعض أنه بدون مشاركة الإنسان يتعظم الله أكثر. ولكن يسوع لم يقلل من مجده عندما طلب مساعدة وتعاون المرأة السامرية. فقد تمجد الآب والابن أكثر حينما قدما المحبة والصلاح للمرأة مما ساهم في تحقيق القصد الإلهي.
- «أَعْطِينِي لِأَشْرَبَ»: “لم يُخف عليه أن الطريقة لربح النفوس غالباً ما تكون عبر طلب خدمة منها.” (موريس مقتبسًا من غوديت)
- نرى في كل هذا ما يبدو أنه مفارقات في خدمة يسوع:
- كان يسوع، الذي يُعطي الراحة، متعباً
- كان مسيا إسرائيل يتحدث مع امرأة سامرية
- طلب الذي يملك الماء الحي أن يشرب من البئر
- “استخدام يسوع سلطانه لمساعدة الآخرين وفي إنجاز عمله الرائع، ولكنه لم يستخدمه لتوفير احتياجاته الضرورية بل ترك طبيعته البشرية تعاني من عجزها وأن تمر بتجاربها الخاصة.” سبيرجن (Spurgeon)
- نميل للاعتقاد أنها أعطت يسوع ماء ليشرب، وأنها سألته السؤال المذكور في يوحنا ٩:٤ أثناء أو بعدما شرب الماء من البئر.
- «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا ٱمْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» اعجبت المرأة على الفور بلطف يسوع. فكان من غير المألوف بالنسبة لها أن تسمع تحية طيبة من رجل يهودي، لأن ٱلْيَهُودَ لَا يُعَامِلُونَ ٱلسَّامِرِيِّينَ بصفة عامة.
- رأى يوحنا أن ما حدث كان معروفاً للجميع في عصره ولا يحتاج لأي شرح إضافي. “كانت الكراهية المتفشية بين اليهود والسامريين معروفة للجميع. فقد لعنهم اليهود وصدقوا أن مصيرهم الهلاك. وكانوا يتمنون ألا يحصل السامريون على القيامة أو بعبارة أخرى أن يدانوا.” كلارك (Clarke)
- لقد احتقر القادة اليهود أيام يسوع هذه المرأة لعدة أسباب: لأنها كانت امرأة وسامرية وذات سمعة سيئة. غير أن يوحنا يظهر لنا أثناء مقابلة نيقوديموس رأي يسوع في المؤسسة الدينية. ويظهر لنا أثناء المقابلة مع المرأة السامرية عند البئر رأي يسوع في الذين يُحتقرون من قبل المؤسسة الدينية.
د ) الآيات (١٠-١٢): يسوع يثير إهتمام المرأة بالماء الحي
١٠أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ ٱللهِ، وَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لِأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً». ١١قَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، لَا دَلْوَ لَكَ وَٱلْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ ٱلْمَاءُ ٱلْحَيُّ؟ ١٢أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، ٱلَّذِي أَعْطَانَا ٱلْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟».
- لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ ٱللهِ، وَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لِأَشْرَبَ: أدخلها يسوع في الحوار معه وأثار فضولها حول عدة أمور.
- أثار فضولها حول الأمور التي تتعلق بالله (لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ ٱللهِ).
- أثار فضولها حول حقيقة يسوع (وَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَقُولُ لَكِ).
- أثار فضولها حول ما يستطيع أن يقدم لها (لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً).
- يوجد مبدأ يربط الجملة ’لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ‘ بالجملة ’لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ‘: لو عرفت أكثر، لصليت أكثر.
- ونرى هنا مبدأ آخر: فغالباً ما يتكلم معنا يسوع كما لو كنا أكثر روحانية أو فهم مما نحن عليه في الواقع. ويفعل ذلك عن قصد.
- فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً: سُميت ينابيع الماء في العصور القديمة بالماء الحي لأن المياه الجوفيّة تتدفّق خارج الأرض. ويبدو للوهلة الأولى أن يسوع كان يحدثها عن ينبوع آخر قريب. نرى هنا أن يسوع يتلاعب بالكلمات في العبارة مَاءً حَيّاً وكان القصد هو الماء الروحي الذي يروي العطش الروحي ويعطي حياة.
- “ربط العهد القديم أحياناً الرب بالماء الحي ودعاه: ’يَنْبُوعَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْحَيَّةِ‘ (أرميا ١٣:٢، ١٣:١٧).” موريس (Morris)
- “تقول الطقوس السامرية (التي اعترف بها الجميع لاحقاً) أنه في يوم الكفارة سيأتي النبي (نظير مسيا إسرائيل) وستَجْرِي مِيَاهٌ مِنْ مَسَاقِيهِ (أخذت اللغة من نبوة بلعام في سفر العدد ٧:٢٤).” بروس (Bruce)
- لَا دَلْوَ لَكَ: ربما أخذ التلاميذ معهم الحقيبة الجلدية التي تستخدم كدلو لسحب الماء حينما توجهوا إلى المدينة.”
- أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ: من الصعب معرفة ما إذا كانت المرأة قد طرحت سؤالاً صادقاً أم كان هدفها النقد الساخر. فهذا يعتمد على نبرة صوتها. ولكن حقيقة أنها آمنت في نهاية لقاءها مع يسوع قد تشير إلى أن سؤالها كان صادقاً.
هـ) الآيات (١٣-١٥): يصف يسوع تأثير الماء الحي الذي يقدمه
١٣أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا ٱلْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً. ١٤وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، بَلِ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». ١٥قَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، أَعْطِنِي هَذَا ٱلْمَاءَ، لِكَيْ لَا أَعْطَشَ وَلَا آتِيَ إِلَى هُنَا لِأَسْتَقِيَ».
- كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا ٱلْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً: عرف يسوع أن على هذه المرأة – وكل أهل القرية – أن تأتي إلى هذا البئر يومياً لسد العطش الطبيعي. فقد استخدم يسوع العطش كصورة عن الاحتياجات والاشتياق الروحي لدى الجميع.
- وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ: قدم يسوع عرضاً مدهشاً. فما قدمه – لهذه المرأة ولكل مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ – سيعطي شبعاً دائماً. ولكن السر هو أن يشرب المرء مِنَ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا (أي الماء الذي يعطيه يسوع).
- من الشائع أن يحاول الناس أن يرووا العطش الداخلي الذي خلقه الله من خلال أمور كثيرة أو من خلال أي شيء آخر عدا ما يقدمه يسوع. فالناس عطشى، وهم محتاجون ويسعون ويبحثون وقد يصلون لمبتغاهم في النهاية، ولكن ما يقدمه يسوع فقط سيسد شبع روح ونفس الإنسان من الداخل.
- الشرب والعطش هو تصوير مألوف للعطاء الإلهي واحتياج الإنسان الروحي. فالشرب فعل يتطلب القبول وهو كالإيمان، ينطوي على فعل، ولكن هذا الفعل بحد ذاته ليس سبب الفوز بالعطية.
- “ماذا يفعل العطشان ليروي ظمأه؟ يشرب. ربما لا نجد توضيحاً أفضل من ذلك للإيمان في كل الكتاب المقدس. فإن أردت أن تشرب فكل ما عليك فعله بكل بساطة هو أن تقبل أو أن تأخذ الماء لتروي عطشك. يستطيع المرء أن يشرب الماء حتى لو كان وجهه متسخاً؛ وربما يكون شخصاً لا يستحق، ومع ذلك سيروي الماء عطشه. فالشرب أمر سهل للغاية بل إنه أسهل بكثير من الأكل.” (سبيرجن، من كتاب ’أخبار سارة للنفوس العطشى.‘)
- قد يعترض أحدهم ويقول: “رغم أني شربت مما قدمه يسوع لكني ما زلت أشعر بالعطش والفراغ.” الإجابة بسيطة: أشرب مرة أخرى! فالشعور بالارتواء لا يأتي من مجرد رشفة لمرة واحدة من يسوع ولكن بالتواصل المستمر معه.
- بَلِ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ: تأثير هذا الماء يفعل أكثر بكثير من مجرد روي عطش من يشرب، فهو يخلق شيئاً جيداً ويعطي حياة لقلب من يشربه، ويصير يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ.
- يَا سَيِّدُ، أَعْطِنِي هَذَا ٱلْمَاءَ: كان رد المرأة السامرية منطقياً لا روحياً. أرادت تجنب المجيء إلى البئر كل يوم. وكأنها تقول: “إن أردت يا يسوع أن تجعل حياتي أسهل وأكثر راحة، إذاً أنا موافقة… أعطني هذا الماء!”
و ) الآيات (١٦-١٩): يكلمها يسوع عن حياتها الآثمة
١٦قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ٱذْهَبِي وَٱدْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هَهُنَا». ١٧أَجَابَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَقَالتْ: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «حَسَناً قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، ١٨لِأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَٱلَّذِي لَكِ ٱلْآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هَذَا قُلْتِ بِٱلصِّدْقِ». ١٩قَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ!».
- «ٱذْهَبِي وَٱدْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هَهُنَا»: لم يكن هذا طلباً غريباً. فحديث يسوع المطول والعلني مع هذه المرأة كان خرقاً كاملاً للتقاليد الاجتماعية ولكن حضور الزوج يجعل الحوار ملائماً.
- لَيْسَ لِي زَوْجٌ … لِأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ: زعمت المرأة أنه ليس لديها زوج، وهذا صحيح نظرياً، ولكن يسوع عرف – بطريقة معجزية – أن هناك المزيد من الخبايا في تاريخ هذه المرأة.
- “يملك المسيح طرق عديدة للوصول لأرواح الناس. فيكلم البعض عن طريق العقل ومع آخرين عن طريق المشاعر. ويصل للبعض عن طريق الخوف ولآخرين عن طريق الأمل. أما بالنسبة لهذه المرأة فكلمها عبر ضميرها.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَٱلَّذِي لَكِ ٱلْآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ: أثار يسوع هذه القضية المحرجة لأنه يجب مواجهة الخطية في حياتها. وكان على هذه المرأة أن تقرر من تحب أكثر: خطيتها أم المسيح.
- عندما قال يسوع أن الرجل الذي تعيش معه “لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ” أظهر يسوع أن العيش معاً دون زواج والزواج ليسا نفس الأمر. كما وأظهر يسوع أيضاً أنه لمجرد أن يطلق الشخص على علاقة ما اسم “الزواج” فهذا لا يعني أن يسوع يعتبره كذلك.
- “أنا متأكد بأننا نرى هنا هدف القصة والخطوة الأولى لتلبية طلبها: ’أَعْطِنِي هَذَا ٱلْمَاءَ.‘ فأول عمل يقوم به روح الله ويقوم به المسيح المتكلم هنا في ملء هذا الروح، هو التبكيت على الخطية.” آلفورد (Alford)
- «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ!»: كانت هذه ملاحظة بديهية من المرأة. ولا شك أنها تعجبت وربما شعرت بالذهول لأن معرفة يسوع لتفاصيل حياتها دلت على أن لديه معرفة خارقة.
- “كان من الأفضل لو رأت أنها كانت خاطئة.” سبيرجن (Spurgeon)
ز ) الآيات (٢٠-٢٦): المرأة السامرية ويسوع يتحدثان عن العبادة
٢٠آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا ٱلْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ». ٢١قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا ٱمْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لَا فِي هَذَا ٱلْجَبَلِ، وَلَا فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلْآبِ. ٢٢أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ. لِأَنَّ ٱلْخَلَاصَ هُوَ مِنَ ٱلْيَهُودِ. ٢٣وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ ٱلْآنَ، حِينَ ٱلسَّاجِدُونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلْآبِ بِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ، لِأَنَّ ٱلْآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلَاءِ ٱلسَّاجِدِينَ لَهُ. ٢٤ٱللهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». ٢٥قَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». ٢٦قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا ٱلَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».
- آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا ٱلْجَبَلِ: ومن الممكن أن يكون هذا سبباً حقيقياً للارتباك وسبب عثرة بالنسبة لها، ولكنه على الأرجح مجرد محاولة للتهرب من المشكلة الحقيقية وهي تعدد الأزواج والعيش مع شخص خارج الزواج.
- لم يسقط يسوع في فخ الجدل حول أماكن العبادة الذي ابتدأته المرأة هنا. فقد كان يسوع مهتماً بربح النفوس أكثر من الفوز بالنقاش.
- أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ: اعتقد السامريون أن موسى أمر ببناء الهيكل على جبل جرزيم، جبل البركة – ولهذا عبدوا على هذا الجبل. ومثل أي ديانة تجمع أموراً من أديان مختلفة ينتهي الأمر بتابعيها بأن يعبدوا ما لا يعلمون.
- أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ: “نرى تأكيد يسوع على ’أنتم‘ و’نحن‘ هنا بوضوح. ونراه يؤكد الفرق الواضح بين اليهود والسامريين بينما يشير لنفسه كشخص يهودي.” موريس (Morris)
- قَبِلَ السامريون أسفار موسى الخمسة فقط من أسفار العهد القديم ورفضوا البقية. “استخدم السامريون النصوص الكتابية كما يحلو لهم وأهملوا الباقي.” باركلي (Barclay)
- أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لَا فِي هَذَا ٱلْجَبَلِ، وَلَا فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلْآبِ: أخبرها يسوع عن الوقت الذي ستصبح فيه العبادة غير معتمدة على الأماكن (لا في أورشليم ولا على جبل جرزيم). فعمل يسوع العظيم على الصليب سيأتي بعبادة روحية أفضل.
- كتب دودز (Dods) تعليقاً على هذا الوعد وقال: “هذا من أعظم الإعلانات التي أعلنها ربنا على الإطلاق؛ وقدمه لامرأة خاطئة واحدة.”
- “نستطيع القول أن النبوة ’أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ‘ (وإن كانت تشمل البشرية جمعاء) قد تحققت في السامرة فعلاً كما نرى في أعمال الرسل ١:٨-٢٦.” لفورد (Alford)
- ٱللهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا: وصف يسوع بهذه الكلمات أساس العبادة الحقيقية: لا يمكن العثور عليها في الأماكن والشعائر بل بِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ.
- تعني العبادة بِالرُّوحِ أنك تهتم بالأمور الروحية وليس بالأماكن أو بالذبائح أو التطهير أو الشعائر.
- تعني العبادة بِٱلْحَقِّ أنك تعبد حسب الكلمة الموحى بها خاصة في ضوء وحي العهد الجديد. وتعني أيضاً أنك تأتي إلى الله بِٱلْحَقِّ (عبادة حَقِيْقِيَّة) وليس بالتظاهر أو مجرد عرض خارجي للتقوى.
- «أَنَا ٱلَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ»: على الرغم من أن هذه المرأة كانت خاطئة لكن يسوع كشف عن حقيقته لها. فيسوع يكشف نفسه للخطاة.
ح) الآيات (٢٧-٣٠): المرأة تخبر جيرانها
٢٧وَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تَلَامِيذُهُ، وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ ٱمْرَأَةٍ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: «مَاذَا تَطْلُبُ؟» أَوْ «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا؟». ٢٨فَتَرَكَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: ٢٩«هَلُمُّوا ٱنْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ؟». ٣٠فَخَرَجُوا مِنَ ٱلْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ.
- وَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تَلَامِيذُهُ، وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ ٱمْرَأَةٍ: تفاجأ التلاميذ أن يسوع تجاوز التقاليد وتكلم مطولاً مع المرأة السامرية. ولكنهم لم يسألوا يسوع عن الأمر ربما لأنهم شعروا أن ما حدث كان لائقاً.
- وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: “كان صمتهم بدافع الاحترام. فقد تعلموا مسبقاً أن هناك دائماً أسباب لتصرفاته قد لا تكون ظاهرة” (دودز Dods). “وتعلموا أنه في حين أن يسوع لم يحترم دائماً تقاليد رجال الدين اليهود، ولكن كان لديه أسباباً موجبة لتصرفاته” (موريس Morris).
- فَتَرَكَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ: ربما توقفت المرأة عن الكلام وعادت إلى مدينة سُوخَارُ لأنها شعرت بالاحراج من الصمت الذي ساد المكان. تركت المرأة المكان منبهرة من يسوع (ولأنها كانت متأكدة أنها سترجع ثانية إليه) تركت جَرَّتَهَا هناك.
- تذكر يوحنا، شاهد العيان، أنها تركت جرتها هناك لأنه كان واحداً من التلاميذ.
- «هَلُمُّوا ٱنْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ؟»: إنبهار هذه المرأة بيسوع دفعها لتخبر أهل مدينتها عنه ليأتوا إلى البئر ويقابلوه. أبهرها يسوع وجذبها رغم أنه واجهها بخطاياها (قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ).
- تأثرت المرأة السامرية جداً بمحبة يسوع لدرجة جعلتها تذهب إلى أهل قريتها رغم أنهم نبذوها في السابق. “تجنبت جيرانها من قبل، ولكن بسبب التغيير الذي اختبرته، أرادت أن تبحث عنهم وتخبرهم ما حدث معها.” بروس (Bruce)
- تأثرت المرأة السامرية جداً بمحبة يسوع – رغم مواجهته لخطيتها – مما جعلها تنسى وتتمنى من الجميع أن ينسى كُلَّ مَا فَعَلْت. “هذه المبالغة العفوية تشير إلى الانطباع الذي تركه يسوع فيها من معرفته الكاملة عن حياتها الخاصة.” موريس (Morris)
- قدم يسوع للمرأة السامرية محبة كبيرة وأشعرها بالأمان رغم أنه كشف عن خطيتها. من المهم لأتباع يسوع المسيح أن يجعلوا الناس يشعرون بالأمان لكي يعترفوا بخطاياهم ويتوبوا ويضعوا ثقتهم في يسوع.
- تفاعلها مع يسوع لم يعطيها الانطباع بأنه يكرهها أو يحكم عليها أو لا يريدها في المكان، بل شعرت أن يسوع قد يكون هو: ٱلْمَسِيحُ فعلاً (أَنَا ٱلَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ، يوحنا ٢٦:٤).
- قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ: “آمن اليهود أن أحد السمات الأساسية للمسيح هو قدرته على معرفة أسرار القلوب. وهذا ما تنبأ عنه أشعياء ٢:١١-٣” كلارك (Clarke). وليس من غير المعقول أن يؤمن بعض السامريين بأشياء مماثلة عن المسيح.
- فَخَرَجُوا مِنَ ٱلْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ: وجدت دعوة المرأة صدى. فقد جاء الناس عندما قالت لهم من هو يسوع وكيف غير حياتها بحديثه القصير معها.
ط) الآيات (٣١-٣٤): يُعلم يسوع تلاميذه عن مصدر قوته وشبعه
٣١وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، كُلْ». ٣٢فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لِآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ». ٣٣فَقَالَ ٱلتَّلَامِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَلَعَلَّ أَحَداً أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟» ٣٤قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ».
- «أَنَا لِي طَعَامٌ لِآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ»: ذهب التلاميذ إلى السامرة ليبتاعوا الطعام، وأرادوا ليسوع أن يأكل.
- “قد ينسى الإنسان الروحي جوعه، ولكن من الجيد أن يذكره الأصدقاء بأن عليه أن يأكل للحفاظ على صحته؛ ومن الجيد أن ينسى العامل ضعفه ويسعى نحو الخدمة المقدسة؛ ولكن من المناسب من الناحية الإنسانية والفكرية أن ينتبه لنفسه ويذكر الروح المتحمسة أن جسده ليس إلا تراباً. ولهذا اعتقد أن التلاميذ تصرفوا بطريقة جيدة حينما قالوا: “«يَا مُعَلِّمُ، كُلْ».” سبيرجن (Spurgeon)
- لم يقل يسوع أن الطعام والشراب والراحة ليست أموراً مهمة. بل أراد لتلاميذه أن يعرفوا أن في الحياة ما هو أهم من تلك الأمور؛ وأنه لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ.
- أَنَا لِي طَعَامٌ لِآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ: “الضمائر هنا مؤكدة: أَنَا أتغدى من مصدر لا تدركوه.” دودز (Dods)
- “كشف ربنا في هذه الكلمات عن سر قوته وعن ضعف تلاميذه.” مورغان (Morgan)
- «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ»: يملك يسوع مصدراً للقوة والشبع أعظم من الطعام العادي، لهذا يوضح للتلاميذ أن شبعه الحقيقي هو أن يعمل مَشِيئَةَ إلهه وأبيه السماوي.
- لم يكن تركيز يسوع في المقام الأول على الخدمة والاحتياج والاستراتيجية والتقنيات أو حتى على النفوس المِعْوَزَةُ، فشغله الشاغل هو أن يعمل مشيئة الذي أرسله: ’أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي.‘ وفي المقابل، الشيطان يجسد مثلاً صارخاً لمن يرفض مشيئة الله ويعمل جاهداً ضدها (أشعياء ١٢:١٤-١٥).
- “لا نراه يقول: ’طعامي هو أن أعمل مشيئة أبي‘ بل نراه يتواضع قليلاً عن مكانة الابن موجهاً نظره نحو مأموريته وخدمته ومشيئة الله التي سيتممها. ” سبيرجن (Spurgeon)
- وقد أثبتت اختبارات الكثيرين عبر الزمان أن يسوع عَنَى ما قاله تماماً. فلا يوجد شيء يمنح الشبع أكثر من تتميم مشيئة الله في حياة كل مؤمن. وعلى الرغم من أن هذا ينافي طبيعتنا البشرية التي تسعى لتحقيق الذات، ولكنه صحيح للغاية.
- وأضاف سبيرجن: “يعتقد الشخص العادي أنه إذا سارت الأمور بطريقته فسيكون في غاية السعادة، وأن سعادته مرهونة بإشباع رغباته وتحقيق أمنياته. ولكن هذا كله غير صحيح. فلن يشعر الإنسان بالسعادة بهذه الطريقة مطلقاً.”
- وجد يسوع شبعه الكامل في تحقيق مشيئة الله حتى وهو مُتعب. ولكن ما كان ينعش يسوع في قمة تعبه هو إدراكه لحقيقة أنه كان يعمل مشيئة الله. “نَسِيَ يسوع الجسد لهذا كان عطشاناً (ولعله كان جائعاً في مثل هذا الوقت من النهار) وهو ما شعر به ربنا من قبل، لأنه كان مشغولاً بعمله الإلهي لربح نفس هذه المرأة السامرية.” آلفورد (Alford)
- وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ: لم يجد يسوع شبعه في أن يبدأ عمل مشيئة أبيه بل في أن يتممها حتى النهاية. وهذا يُكمل الفكرة التي بدأت في الآية السابقة.
- كان يسوع مستسلماً لمشيئة السيد.
- كان يسوع في مهمة محددة.
- جاء يسوع لكي يعمل.
- جاء يسوع ليتمم عَمَلَهُ.
- وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ: “الفعل المستخدم هنا مماثل للفعل المستخدم في كلمات يسوع على الصليب حينما صرخ: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا ٣٠:١٩).” موريس (Morris)
ي) الآيات (٣٥-٣٨): يسوع يعلم تلاميذه عن أهمية الخدمة الروحية وأهمية استغلال الفرص.
٣٥أَمَا تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي ٱلْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ٱرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَٱنْظُرُوا ٱلْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ٱبْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. ٣٦وَٱلْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ ٱلزَّارِعُ وَٱلْحَاصِدُ مَعاً. ٣٧لِأَنَّهُ فِي هَذَا يَصْدُقُ ٱلْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ. ٣٨أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ».
- إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي ٱلْحَصَادُ: يحمل هذا المثل فكرة أنه ليس هناك استعجال لإنجاز مهمة ما لأن الأمور ببساطة تستغرق وقتاً طويلاً ولا يمكنك تجنب الانتظار. ولكن يسوع لا يريد لتلاميذه أن يفكروا بهذه الطريقة، بل يريدهم أن يفكروا ويتصرفوا كما لو كان ٱلْحَصَادُ جاهزاً الآن.
- “جملة ’إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي ٱلْحَصَادُ‘ في اليونانية لها شكل إيقاعي يوحي بأن لها علاقة بقول أو مثل شعبي.” بروس (Bruce)
- “الحصاد جاهز والأجرة جاهزة إذاً لا يجب على أحد أن يعطل العمل لأن الحصاد لن ينتظر.” موريس (Morris)
- ٱرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَٱنْظُرُوا ٱلْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ٱبْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ: استخدم يسوع فكرة الطعام والحصاد لتوصيل أفكار روحية. ففكرة الْحَصَاد تعني أن هناك الكثيرين مستعدين لدخول ملكوت الله وعلى التلاميذ أن يعتبروا أنفسهم الفعلة الذين سيحصدون هذا الْحَصَاد.
- “ابتدأ السامريين يتركون المدينة ويتوجهون نحو يسوع عبر الحقول أثناء حديثه. أظهر شغف الشعب، الذين كانوا برأي اليهود دخلاء ورفضوهم، أنهم كحبة القمح الجاهزة للحصاد.” تيني (Tenney)
- حَذَّرَ يسوع تلاميذه من الاعتقاد إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي ٱلْحَصَادُ (أنه لا تزال هناك أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد). إن فتحوا أعينهم فسيعرفون أن الحصاد كان جاهزاً الآن – حتى أن الحقول قَدِ ٱبْيَضَّتْ (قَدْ نَضِجَت)، مما يعني أن الحبوب صارت ناضجة تماماً وَحَانَ حَصَادُهَا.
- ينبغي أن نؤمن أن الحقول قَدِ ٱبْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. “توقع بركة حالية وآمن أنك ستحصل عليها واذهب للعمل لكي تحصل عليها ولا ترضى إلا حينما تحصل عليها.” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ ٱلزَّارِعُ وَٱلْحَاصِدُ مَعاً: شجع يسوع تلاميذه في خدمتهم معه في ثلاث طرق على الأقل:
- سيكافئون على عملهم في الحصاد (ٱلْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً).
- سيدوم الثمر الذي حصدوه إلى الأبد (وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ).
- سيفرح كل عامل اشتغل في الحصاد (لِكَيْ يَفْرَحَ ٱلزَّارِعُ وَٱلْحَاصِدُ مَعاً).
- أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ: كان بإمكان التلاميذ أن يجنوا الثمر على الفور. جنوا الثمر من بذورٍ لم يبذروها.
- نَثَرَ كل من يوحنا المعمدان ويسوع البذار، وأما الآن فسنحت الفرصة أمام التلاميذ ليجنوا الثمار. هكذا تسير الأمور في الخدمة مرات كثيرة – وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ (كورنثوس الأولى ٦:٣-٨).
ك ) الآيات (٣٩-٤٢): آمن بمُخَلِّصُ ٱلْعَالَم كثيرون من السامريين
٣٩فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلسَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كَلَامِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». ٤٠فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ ٱلسَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. ٤١فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كَلَامِهِ. ٤٢وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلَامِكِ نُؤْمِنُ، لِأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱلْمَسِيحُ مُخَلِّصُ ٱلْعَالَمِ».
- فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلسَّامِرِيِّينَ: لم تكن معرفتهم في تلك اللحظة كافية لوضع ثقتهم بيسوع وبعمله على الصليب، ولكن كان بإمكانهم بكل تأكيد أن يؤمنوا به كمسيح الله. آمنوا بِسَبَبِ كَلَامِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ.
- «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ»: اندهشت المرأة ليس لأن يسوع عرف تفاصيل حياتها فحسب بل لأنه أحبها رغماً عن ذلك. نخشى أحياناً إن عرف أحدهم كُلَّ مَا فَعَلْنا أنه لن يحبنا أبداً ولكن يسوع أحب هذه المرأة.
- فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ: وكان هذا رائعاً في ضوء آراء الشعب اليهودي في عهد يسوع فيما يتعلق بالسامريين. فقد حاول اليهود أن يتجنبوا مدينة السامرة والسامريين قدر الإمكان، وإذا كان من الضروري المرور بالسامرة، فينبغي أن يتم ذلك على وجه السرعة. غير أن يسوع مَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ.
- “يُظهر طلب السامريين من معلم يهودي أن يمكث معهم، دون خوف من الرفض، فوزه الكامل بثقتهم.” بروس (Bruce)
- “زاد مَنطِقهُ وكَلامَهُ أثناء إقامته هناك عدد المؤمنين مستكملاً عمل المرأة.” ترينش (Trench)
- فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كَلَامِهِ: عَلَمَ يسوع أهل السامرة أثناء إقامته معهم وَتَكَاثَرَ جِدّاً عَدَدُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ (الترجمة العربية المبسطة).
- “قد نتساءل عما إذا كانت ’مدينة السامرة‘ هي نفسها التي بَشَر فِيلِبُّسُ أَهْلَهَا بِالْمَسِيح بعد عدة سنوات (أعمال الرسل ٥:٨).” بروس (Bruce)
- وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱلْمَسِيحُ مُخَلِّصُ ٱلْعَالَمِ: ربطت شهادة المرأة عند البئر هؤلاء السامريين من سُوخارَ بيسوع بطريقة رائعة، ولكن كلام يسوع جعلهم يؤمنون بيسوع الذي هو المسيا (ٱلْمَسِيحُ) ومُخَلِّصُ ٱلْعَالَمِ على حد سواء.
- مُخَلِّصُ ٱلْعَالَم: “ليس مخلصاً لليهود فقط ولكن مخلصاً للسامريين ولكل الأمم أيضاً.” كلارك (Clarke)
- “كان الدافع وراء لقب ’مُخَلِّصُ ٱلْعَالَم‘ بالطبع هو تعليم يسوع أثناء إقامته التي دامت يومين.” دودز (Dods)
ثانياً. شفاء ابن خادم الملك: المعجزة الثانية.
أ ) الآيات (٤٣-٤٦): عودة يسوع إلى الجليل
٤٣وَبَعْدَ ٱلْيَوْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى ٱلْجَلِيلِ، ٤٤لِأَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ شَهِدَ أَنْ: «لَيْسَ لِنَبِيٍّ كَرَامَةٌ فِي وَطَنِهِ». ٤٥فَلَمَّا جَاءَ إِلَى ٱلْجَلِيلِ قَبِلَهُ ٱلْجَلِيلِيُّونَ، إِذْ كَانُوا قَدْ عَايَنُوا كُلَّ مَا فَعَلَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي ٱلْعِيدِ، لِأَنَّهُمْ هُمْ أَيْضاً جَاءُوا إِلَى ٱلْعِيدِ. ٤٦فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضاً إِلَى قَانَا ٱلْجَلِيلِ، حَيْثُ صَنَعَ ٱلْمَاءَ خَمْراً.
- «لَيْسَ لِنَبِيٍّ كَرَامَةٌ فِي وَطَنِهِ»: كانت الجليل وطن يسوع حيث نشأ وترعرع. ولأن يسوع كان معروفاً للناس هناك، لم يكرموه كما يجب. مما يجعلنا نفهم أنهم لم يعرفوه جيداً لأنهم لو عرفوه لكرموه أكثر.
- يشبه هذا أن يكذب أحدهم ويقول إنه يعرف يسوع جيداً. أخطر شعور هو أن ندّعي أننا نعرف كل شيء عنه. فمثل هذه المشاعر الخطيرة تؤدي لعدم تقديم الكرامة اللائقة ليسوع.
- من الصعب أن نعرف إن كان قصد يوحنا أن يربط اليهودية أم الجليل بما قاله يسوع: لَيْسَ لِنَبِيٍّ كَرَامَةٌ، فالأمر قد يجوز في الحالتين. ولكن اقتبست الأناجيل الأخرى بوضوح هذا المبدأ وربطته بالجليل (متى ٥٧:١٣ ومرقس ٤:٦).
- “عاد ثانية إلى الجليل لتجنب الشهرة، رغم أنه قَدْ أقَرَّ من قبل بِأنَّهُ لا كَرامَةَ لِنَبِيٍّ فِي وَطَنِهِ.” آلفورد (Alford)
- إِذْ كَانُوا قَدْ عَايَنُوا كُلَّ مَا فَعَلَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي ٱلْعِيدِ: اعتاد الجليليون الذهاب إلى أورشليم للاحتفال بالأعياد (تتميماً للآيات في سفر الخروج ١٤:٢٣-١٧). ولكنهم تذكروا هذه المرة بالذات كل ما فعله يسوع في أورشليم.
- لعلهم تذكروا عندما قلب موائد الصيارفة والباعة في الدار الخارجية للهيكل (يوحنا ١٣:٢-٢٧)، وحينما تنبأ عن قيامته (يوحنا ١٨:٢-٢٢) وأجرى العديد من المعجزات غير المحددة عندما كان في أورشليم (يوحنا ٢٣:٢-٢٥).
- “حماسة الجليليين لم يكن أساسها سليماً بل كانت معتمدة على المعجزات التي رأوها، فهم لم يعرفوا بالحقيقة أنه ٱلْمَسِيحُ مُخَلِّصُ ٱلْعَالَمِ. فقد كان قبولهم له بهذه الطريقة نوع من الرفض. قدموا له الكرامة نوعاً ما ولكنها لم تكن الكرامة اللائقة به.” موريس (Morris)
ب) الآيات (٤٦ب-٤٨): خادم الملك وابنه المريض
وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ٱبْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ. ٤٧هَذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ، ٱنْطَلَقَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ٱبْنَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفاً عَلَى ٱلْمَوْتِ. ٤٨فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَا تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ».
- ٱبْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ: بحلول هذا الوقت صارت كفرناحوم بيتاً ليسوع (يوحنا ١٢:٢). كان يسوع في قَانَا ٱلْجَلِيلِ (يوحنا ٤٦:٤أ)، ومع هذا قطع خادم الملك مسافة ٣٢ كيلومتراً تقريباً من كَفْرِنَاحُومَ إلى قَانَا ٱلْجَلِيلِ.
- خَادِمٌ لِلْمَلِكِ: “تعني الكلمة ’خادم الملك‘ في الأصل اليوناني أنه كان على الأغلب من حاشِيَةِ الملك هيرودس أنتيباس.” آلفورد (Alford)
- وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ٱبْنَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفاً عَلَى ٱلْمَوْتِ: كان هذا الرجل واحداً من العديد من الآباء الذين جاءوا إلى يسوع نيابة عن طفل مريض. ومن الواضح أنه جاء بلهفة الأب الخائف على طفله المريض – لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفاً عَلَى ٱلْمَوْتِ.
- “كيف بدت الحياة البراقة في البلاط الملكي تافهة ولا طعم لها عندما رن فيها صراخ من يحبه كثيراً من شدة آلام الحُمى.” موريسون (Morrison)
- «لَا تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ»: وبخ يسوع أولئك الذين يعتمدون على الآيات والعجائب قبل أن يؤمنوا. قد يبدو أن يسوع كان قاسياً مع هذا الرجل الذي أراد الشفاء لابنه، ولكنه تقابل مع الكثيرين في الجليل الذين كانوا مهتمين فقط بمعجزاته ولهذا شكك بنوايا هذا الرجل.
- يمكن للآيات والعجائب أن تقود الشخص للإيمان بالله وأن تثبت صحة رسالة الرسول – ولكن قد لا يكون لها أي تأثير أيضاً على الشخص، كما ويمكن للشيطان أن يستخدم آيات وعجائب كاذبة تسالونيكي الثانية ٩:٢).
- إن الآيات والعجائب الإلهية هي حتماً رائعة ولكن لا ينبغي أن تُشكل أساس إيماننا، ولا ينبغي أن نعتمد عليها لنثبت أن الله معنا. فالآيات والعجائب بحد ذاتها لن تغير القلب؛ فقد اختبر شعب إسرائيل معجزات لا تصدق على جبل سيناء، حتى أنهم سمعوا صوت الله نفسه (سفر الخروج ١٦:١٩–١:٢٠)، ومع ذلك وبعد فترة وجيزة عبدوا عجلاً مسبوكاً بالذهب (سفر الخروج ١:٣٢-٦).
- “تفترض هذه الكلمات ضمناً التناقض بين السامريين الذين آمنوا بسبب كلمته، واليهود الذين رفضوا الإيمان بمعزل عن الآيات والعجائب.” آلفورد (Alford)
ج ) الآيات (٤٩-٥٠): يسوع يُعلن شفاء ابن خادم الملك، وخادم الملك يؤمن بهذا الإعلان.
٤٩قَالَ لَهُ خَادِمُ ٱلْمَلِكِ: «يَا سَيِّدُ، ٱنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ٱبْنِي». ٥٠قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ». فَآمَنَ ٱلرَّجُلُ بِٱلْكَلِمَةِ ٱلَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ.
- قَالَ لَهُ خَادِمُ ٱلْمَلِكِ: كان هذا الرجل ذا مكانة رفيعة. ويبدو أن مكانته لم تعني له شيئاً في ضوء حاجته الماسة. اختبر هذا الرجل تأثير المحنة الساحق.
- «يَا سَيِّدُ، ٱنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ٱبْنِي»: يبدو أن يسوع لم يشجع في كلماته السابقة خادم الملك على طلب معجزة. ولكن يُظهر هذا الطلب أن خادم الملك فهم جيداً أن يسوع لم يرفض تقديم المساعدة، لكنه رفض الإيمان الذي يسعى وراء المعجزات فقط.
- إن خادم الملك لم يناشد يسوع بناءً على مكانته الرفيعة، ولكن بناءً على حاجة ابنه الكبيرة. فقدومه عند يسوع كرجل عظيم وهام لن يحقق شيئاً.
- “لم يطلب لأنه كان مستحقاً ولكن طلبته كانت قائمة على بؤس الحالة. فلم يناشد مكانة الصبي الرفيعة – فهذه الطريقة في الطلب لن تجدي نفعاً مع يسوع، ولم يطلب لأن الطفل كان جميلاً – فهذه حجة مثيرة للشفقة، ولكنه ناشد حالة ابنه الذي كان على وشك الموت. وكان السبب وراء استعجاله أن ابنه كان على حافة الموت لذلك توسل الأب لكي يُفتح باب الرحمة.” سبيرجن (Spurgeon)
- «ٱذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ»: اختبر يسوع إيمان هذا الرجل بشكل أجبره على الإيمان بكلمة يسوع دون أن يعتمد على أي مظاهرة خارجية للمعجزة. وعلى الرغم من هذا الاختبار، آمَنَ الرَّجُلُ بِما قالَهُ لَهُ يَسُوعُ وَذَهَبَ (الترجمة العربية المبسطة). برهن خادم الملك أن الإيمان الحقيقي هو تصديق كلام يسوع ببساطة.
- “كان شفاء الصبي يستحق اهتمامه بكل تأكيد، ولكن الهدف الأهم كان أن يقود هذا الشفاء الأب للإيمان.” ماكلارين (Maclaren)
- “لو ذهب ربنا معه كما طلب فلن يزول شكه بصورة كاملة ولظن أن قوة ربنا لا يمكنها أن تصل من قانا إلى كفرناحوم. ولكي يقضي على شكه في الحال ويجلبه لملء الإيمان بسلطانه الأعلى، شفاه على الرغم من أنه يبدو بعيداً عن مكان الصبي من خلال قوته التي تملأ كل من السماوات والأرض.” كلارك (Clarke)
- اِبْنُكَ حَيٌّ: لم يستخدم يسوع أي مؤثرات درامية في هذا الشفاء. فالكثيرين يريدون أن يشهدوا مثل هذه التأثيرات في عمل الله، وأحياناً يسمح الله بها. فالإيمان الحقيقي قد يقبل المظاهرة الخارجية للمعجزة ولكنه لا يطالب بها.
د ) الآيات (٥١-٥٤): اكتشف خادم الملك أن ابنه قد شفي ومتى حدث ذلك
٥١وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ ٱسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ». ٥٢فَٱسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ ٱلسَّاعَةِ ٱلَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى، فَقَالُوا لَهُ: «أَمْسِ فِي ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ ٱلْحُمَّى». ٥٣فَفَهِمَ ٱلْأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ ٱلَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ: «إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ». فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ. ٥٤هَذِهِ أَيْضاً آيَةٌ ثَانِيَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ لَمَّا جَاءَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ.
- «إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ»: آمن خادم الملك قبل أن يرى الدليل ولكن الدليل كان موضع ترحيب. لا يسعنا سوى أن نتخيل فقط وقع هذه الأخبار الرائعة على خادم الملك وأن يعرف أَنَّهُ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ ٱلَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ: «إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ».
- البرهان على هذه المعجزة كان بسيطاً. فعندما أعلن يسوع عن شفاء الولد، شفي على الفور وبطريقة جلية.
- حدث الشفاء وفقاً لعبيده «أَمْسِ فِي ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ ٱلْحُمَّى». وهذا يعني أن خادم الملك أخذ وقته في العودة إلى بيته في كفرناحوم بعد لقائه مع يسوع في قانا الجليل. كانت خطواته البطيئة دليلاً على إيمانه. ركض خادم الملك من الخوف من كفرناحوم إلى قانا الجليل؛ ولكنه سار بكل إيمان من قانا الجليل عائداً الى كفرناحوم.
- “كان خادم الملك واثقاً أن ابنه كان حياً وعلى ما يرام، لهذا لم يكن في عجلة لكي يعود. لم يعد إلى بيته في الحال ليتسنى له أن يطلب طبيباً آخر في حالة عدم نجاح يسوع، ولكنه ذهب في طريقه بكل هدوء وعلى مهل واثقاً بحقيقة كلام يسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ: عمقت قوة يسوع الخارقة إيمان خادم الملك وأسرته. لقد آمن قبلاً ولكن إيمانه قد زاد الآن. لقد ترسخ إيمانه لأنه اختبر شخصياً قوة الله.
- “آمن تلاميذه بعد أن حول الماء خمراً؛ آمن الأب وبيته كله نتيجة شفاء الصبي: والفعل في الحالتين في اللغة الأصلية هو فعل ماض استبدائي بسيط (أي يدل على بداية نقطة معينة): ’وضعوا إيمانهم به.‘” تاسكر (Tasker)
- “لم يكن من السهل على رجل البلاط أن يؤمن بيسوع في قصر هيرودس دون أن يلاقي الهزء والعار والسخرية؛ وبلا شك سينعته البعض بالجنون.” باركلي (Barclay)
- هَذِهِ أَيْضاً آيَةٌ ثَانِيَةٌ: قدم يوحنا الآيات في إنجيله لتقود القارئ إلى الإيمان بيسوع (يوحنا ٢٩:٣٠-٣١). العلاقة بين الإيمان والآيات واضحة جداً في إنجيل يوحنا الإصحاح ٢ والإصحاح ٤.
- أقنعت أول آية تلاميذه.
- أقنعت ثاني آية رجل البلاط وبيته.
- آمن أهل السامرة من دون آية.
- حدثت أول معجزتين في إنجيل يوحنا في قانا الجليل. حدثت الأولى في حفل عرس، وارتبطت الثانية بمأساة هي مرض ابن وموته الوشيك، ورأينا يسوع على حقيقته في الحالتين.