تفسير انجيل يوحنا – الإصحاح ١٨
القبض على يسوع والمحاكمة
أولاً. الخيانة والاعتِقَال في البستان
تفسير انجيل يوحنا، أ ) الآيات (١-٣): يسوع يدخل البستان يتبعه يهوذا والجنود
١قَالَ يَسُوعُ هَذَا وَخَرَجَ مَعَ تَلَامِيذِهِ إِلَى عَبْرِ وَادِي قَدْرُونَ، حَيْثُ كَانَ بُسْتَانٌ دَخَلَهُ هُوَ وَتَلَامِيذُهُ. ٢وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ يَعْرِفُ ٱلْمَوْضِعَ، لِأَنَّ يَسُوعَ ٱجْتَمَعَ هُنَاكَ كَثِيراً مَعَ تَلَامِيذِهِ. ٣فَأَخَذَ يَهُوذَا ٱلْجُنْدَ وَخُدَّاماً مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ، وَجَاءَ إِلَى هُنَاكَ بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلَاحٍ.
- عَبْرِ وَادِي قَدْرُونَ: خرج يسوع من مدينة أورشليم وعبر إلى وَادِي قَدْرُونَ حيث كانت هناك قناة لتصريف الماء من المذبح في الهيكل، وكانت مياه القناة حمراء اللون نتيجة دم الآلاف من الذبائح التي قدمت في عيد الفصح. لا بد أن هذا ذكر يسوع بدمه الذي سيسكب قريباً.
- “ومن المذبح كانت هناك قناة لتصريف المياه إلى نهر قدرون، وكانت تجري من هذه القناة دماء ذبائح عيد الفصح. وحين كان يسوع يعبر القناة مع تلاميذه، لا بد أن المياه كانت لا تزال حمراء اللون من الذبائح.” باركي (Barclay)
- “ذكرته هذه القناة بالذبيحة التي اقترب موعدها والتي سيسيل دمها وسيرفضها أهل الهيكل.” سبيرجن (Spurgeon)
- حَيْثُ كَانَ بُسْتَانٌ: لم يسمِ يوحنا هذا البستان ’جثسيماني‘ أما كتبة الأناجيل الآخرين ففعلوا ذلك (متى ٣٦:٢٦ ومرقس ٣٢:١٤). ويقول يوحنا أن يَسُوعَ ٱجْتَمَعَ هُنَاكَ كَثِيراً مَعَ تَلَامِيذِهِ، ربما فعل ذلك للنوم هناك ليلاً تحت أشجار الزيتون أو في الكهوف القريبة.
- تخبرنا الآية في لوقا ٣٧:٢١ أن يسوع قضى معظم ليالي أسبوع عيد الفصح مع التلاميذ على جبل الزيتون، ويبدو أنه لم يفعل ذلك حينها فقط بل فعل ذلك عدة مرات: ٱجْتَمَعَ هُنَاكَ كَثِيراً مَعَ تَلَامِيذِهِ. “فسيبدو غريباً أن يقال هذا عن يسوع إن كان قد زار المكان مرة واحدة فقط، ولكن نفهم من الآية أنه اعتاد ارتياد البستان خلال السنوات الماضية.” موريس (Morris)
- كان مكاناً مألوفاً ليسوع. “بعد أن كرس نفسه للذبيحة الوشيكة، لم يحاول الآن الاختباء من أعدائه، بل ذهب إلى المكان الذي توقع يهوذا أن يجده فيه.” بروس (Bruce)
- “لا يذكر القديس يوحنا شيئاً عن الآلام التي تعرض لها المسيح في البستان، ربما كان هذا لأن باقي الأناجيل كتبت عنها بإسهاب.” كلارك (Clarke)
- فَأَخَذَ يَهُوذَا ٱلْجُنْدَ: جاء يهوذا إلى البستان ومعه فريق من الجند للقبض على يسوع. قاد يهوذا ٱلْجُنْدَ (عدد كبير من الجنود الرومان) وخُدَّاماً من حرس الهيكل. لا نعرف لماذا جاؤوا بكل هذا العدد، ربما خشي رؤساء اليهود أو الرومان نشوب نزاع أو مواجهة.
- بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ: “أرادوا أن يبحثوا عن يسوع إذ ظنوه مختبئاً في الزوايا والكهوف، فليس لتلك الأشياء أي استخدام آخر. فقد وقعت تلك الأحداث في ليلة الرابع عشر من شهر نيسان، وبالتالي كان القمر كاملاً ومشرقاً.” كلارك (Clarke)
- كان ٱلْجُنْدَ مسلحين بالسيوف والعصي، وذكر يسوع أن ذلك لم يكن ضرورياً حينما قال: “كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي” (متى ٥٥:٢٦).
- “لكلمة ٱلْجُنْدَ، إن استخدمت بالشكل الصحيح، ثلاث معاني: فهي كلمة يونانية تطلق على كتيبة من جند الرومان، والتي كانت لا تقل عن ستمائة جندي. أما إن كانت السرية قوامها من غير الرومان ’سبيرا speira ‘ فيمكن أن تعد ألف من الجند، ومائتين وأربعين من الفرسان، وسبعمائة وستون من المشاة. وفي صورة ثالثة، كانت الكلمة تستخدم نادراً للإشارة إلى فصيل صغير لا يتعدى المائتي جندي.” باركلي (Barclay)
- تشير أداة التعريف في الجند (τὴν σπεῖραν) إلى الكتيبة التي كانت تحرس قلعة أنطونيا في أورشليم. و’الخُدَّام‘ (ὑπηρέτας) كانوا من حرس الهيكل وينتمون لسبط لاوي.” ترينش (Trench)
- إنسان بلا خطية يقف في بستان ويوشك على الدخول في معركة مع ممثلي الشيطان (لوقا ٣:٢٢). ففي المرة الأولى التي حدث فيها هذا، فشل الإنسان الذي بلا خطية. ولكن آدم الثاني لن يفشل.
ب) الآيات (٤-٦): يسوع يتكلم مع يهوذا ومع الجند
٤فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟». ٥أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ. ٦فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى ٱلْأَرْضِ.
- فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ: تمنى يهوذا أن يفاجئ يسوع، لكن هذا كان مستحيلاً. فقد كانت حياة يسوع كلها مهيئة لتلك الساعة، وكان مستعداً لها تماماً.
- «مَنْ تَطْلُبُونَ؟»: أخذ يسوع زمام المبادرة، وقال هذا لسببين على الأقل. أراد أن يوَجه أي عنف محتمل نحوه هو وليس التلاميذ، لهذا أراد أن يُعرف عن نفسه. وأراد يسوع أيضاً من يهوذا والجند الإعلان عن نواياهم الشريرة.
- «يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ»: كان هذا اسمه الذي عُرف به. فلم يُعرف يسوع بدوره كمعلم يهودي أو كنجار، ولا من خلال والده الأرضي (يسوع ابن يوسف). بل اختار يسوع وقَبِل أن يُعرف باسم يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ.
- “سموه يسوع الناصري في إشارة تحمل بعض التهكم أو الدونية. وقَبِلَ هو بذلك، ولبسه كتاج. ألا ينبغي أن نحذو حذوه؟” تراب (Trapp)
- «أَنَا هُوَ»: أجابهم يسوع بهذه العبارة الغريبة (ego eimi). إنها كلمات غريبة فعلاً لأن يسوع لم يقل ’أنا هو‘ بل قال ببساطة ’أَنَا‘ – أضاف المترجمون (هو) لكنها ليست في النص الأصلي. وبهذه الكلمات أعلن يسوع أنه الله، وربط كلماته بالمرات العديدة التي قال فيها «أَنَا هُوَ» والمسجلة في إنجيل يوحنا، خاصة يوحنا ٥٨:٨ (وأيضاً في يوحنا ٤٨:٦، ١٢:٨، ٥:٩، ٩:١٠، ١١:١٠-١٤، ٣٦:١٠، ٢٥:١١، ٦:١٤).
- “جاء الجند سراً للقبض على فلاح هارب. لكنهم وجدوا أنفسهم في الظلام يتواجهون مع شخصية قيادية من المستحيل أن تهرب، بل خرج للقائهم وتحدث إليهم بلغة الألوهية ذاتها.” موريس (Morris)
- “الكلمة اليونانية (ego eimi) والتي ترجمت ’أنا هو‘ تحمل معنى يشير إلى الألوهية لمن هم على دراية بالإنجيل المكتوب باللغة اليونانية، إذ أنها صياغة مختلفة لاسم الله القدوس كما يرد في الترجمة السبعينية للعهد القديم (انظر خروج ١٤:٣).” تاسكر (Tasker)
- فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى ٱلْأَرْضِ: عندما أعلن يسوع عن ألوهيته (باستخدم عبارة «إِنِّي أَنَا هُوَ»)، سقط يهوذا والجند على الأرض. فبهذه الكلمات كان لها حضور إلهي ومجد وقوة جعلت أعداء يسوع عاجزين عن الوقوف أمامه.
- “أظهر مخلصنا هنا جزءاً بسيطاً جداً من عظمة ألوهيته مما أدى إلى سقوط ٥٠٠ رجل أمامه.” تراب (Trapp)
- هذا دليل على سيطرة يسوع التامة على الموقف. وإن فكرنا بالأمر بطريقة عملية، فسنجد أنه كان بإمكان يسوع أن يرفض اعتقال الجند له بقيادة يهوذا. فبقوة الله التي عبر عنها من خلال كلماته فقط، كان بإمكان يسوع التغلب عليهم والفرار بسهولة.
- “اختار ربنا أن يقدم لهم دليلاً على سلطانه المطلق ليعرفوا أن سلطانهم لن يسود عليه إن اختار استخدام سلطانه، وأنه بكل كلمة تخرج من فمه سيرجعون إِلَى ٱلْوَرَاءِ وسيسقطون عَلَى ٱلْأَرْضِ.” كلارك (Clarke)
- “لا يدور السؤال حول ما إذا كان ما حدث معجزة أم لا (فمن الواضح أنها كانت كذلك بالفعل)، بل السؤال هو إن كان ربنا قد قصد أن يفعل ذلك، أم أن ما حدث كان بسبب طبيعته الإلهية وإجابته الهادئة المليئة بالمجد.” آلفورد (Alford)
- “أظهر ربنا تواضعه في كل حادثة وقعت في حياته، ولكننا نرى هنا شيئاً يدل على عظمة مجده.” ماكلارين (Maclaren)
- ولد يسوع كطفل وديع، ومع ذلك أعلنت الملائكة عن ميلاده
- وضع يسوع في مذود حقير، ومع ذلك أشار النجم إليه
- تعمد يسوع وكأنه إنسان خاطئ، ومع ذلك أعلن صوت من السماء عن رضاه
- نام يسوع عندما كان منهكاً، ومع ذلك استيقظ لتهدئة العاصفة
- بكى يسوع على قبر، ومع ذلك دعا الميت إلى الحياة
- استسلم يسوع للاعتقال، ومع ذلك أعلن عن هويته السماوية حينما قال ’أنا هو‘ وأطاح بكل الجند أرضاً
- مات يسوع على الصليب، ومع ذلك انتصر على الخطية والموت والشيطان
ج) الآيات (٧-٩): يسوع ذهب طوعاً مع الجند.
٧فَسَأَلَهُمْ أَيْضاً: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟». فَقَالُوا: «يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ». ٨أَجَابَ يَسُوع: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هَؤُلَاءِ يَذْهَبُونَ». ٩لِيَتِمَّ ٱلْقَوْلُ ٱلَّذِي قَالَهُ: «إِنَّ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَداً».
- فَسَأَلَهُمْ أَيْضاً: لم يرغب يسوع بإرباك الجند وإلحاق الأذى بالتلاميذ، لهذا وجه انتباههم إليه وسألهم ثانية سؤالاً ربما ترددوا في إجابته.
- قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ: مع أن يسوع ردد نفس الكلمات كما فعل في السابق (أَنَا هُوَ، ego eimi) إلا أن يهوذا والجند لم يسقطوا على الأرض كما حدث من قبل. وهذا يدل على أنها لم تكن كلمات سحرية، رغم أنها أسقطت الجميع على الأرض قبلاً بسبب التأثير الواضح لقوة الله.
- فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هَؤُلَاءِ يَذْهَبُونَ: بعد عرض القوة الموصوف في يوحنا ٦:١٨، لم يقاوم يسوع اعتقاله بل استسلم طوعاً ليحمي التلاميذ. وكان هذا تعبيراً عن محبته المضحية التي ستصل إلى ذروتها على الصليب. وما حدث بين أيضاً سبب سقط الجند على الأرض، فإظهار القوة كان لحماية التلاميذ، لا يسوع نفسه.
- فَدَعُوا هَؤُلَاءِ يَذْهَبُونَ: “عبرت هذه الكلمات عن سلطانه أكثر من كونها التماساً أو سؤالاً. قال يسوع: أنا استسلم بالكامل لكم شريطة ألا تزعجوا تلاميذي أو تلحقوا بهم الأذى، دعوهم وشأنهم. ولقد أعطيتكم دليلاً كافياً على سلطاني: صحيح أني لن استخدمه لمصلحتي، حيث سأضع نفسي من أجل خرافي؛ لكني لن أسمح لكم بإيذائهم.” كلارك (Clarke)
- “بمعنى أو بآخر، قدم يسوع نفسه كذبيحة لسلامتهم. فقد وعد الآب بأنه سيحميهم (يوحنا ١٢:١٧) وحقق ذلك بالفعل عن طريق استسلامه بالكامل لهم.” تيني (Tenney)
- أخذ التلاميذ الكلمات: ’فَدَعُوا هَؤُلَاءِ يَذْهَبُونَ‘ كإشارة لهم بترك المكان. وعلى الأغلب غادروا المكان بكل سرعة وهدوء قدر استطاعتهم.
- إِنَّ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَداً: وبذلك، حقق يسوع ما وعد به في يوحنا ٣٩:٦ ويوحنا ١٢:١٧.
د ) الآيات (١٠-١٢): بطرس يهاجم أحد الجنود الذين جاؤوا لاعتقال يسوع
١٠ثُمَّ إِنَّ سِمْعَانَ بُطْرُسَ كَانَ مَعَهُ سَيْفٌ، فَٱسْتَلَّهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ ٱلْيُمْنَى. وَكَانَ ٱسْمُ ٱلْعَبْدِ مَلْخُسَ. ١١فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: «ٱجْعَلْ سَيْفَكَ فِي ٱلْغِمْدِ! ٱلْكَأْسُ ٱلَّتِي أَعْطَانِي ٱلْآبُ أَلَا أَشْرَبُهَا؟١٢ثُمَّ إِنَّ ٱلْجُنْدَ وَٱلْقَائِدَ وَخُدَّامَ ٱلْيَهُودِ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ.
- سِمْعَانَ بُطْرُسَ كَانَ مَعَهُ سَيْفٌ: على ما يبدو أن التلاميذ كانوا يحملون سيوفاً أحياناً. فتشير الآية في لوقا ٣٨:٢٢ إلى أنه كان معهم سَيْفَينِ وقتها. فقد كان امتلاك السيف في ذلك الوقت منطقياً لمواجهة اللصوص أو أي عنف محتمل.
- فَٱسْتَلَّهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ: يذكر كل كاتب من الأناجيل إن أحد التلاميذ فعل ذلك، لكن يوحنا هو الوحيد الذي يقول أن سِمْعَانَ بُطْرُسَ هو من قام بهذا الهجوم. فقد أراد بطرس الوفاء بالوعد الذي قطعه قبلاً للدفاع عن يسوع بأي ثمن: «وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لَا أُنْكِرُكَ!» (متى ٣٥:٢٦).
- “من غير المبرر لبطرس أن يثبت إيمانه بالسيف، بينما كان بإمكانه أن يفعل ذلك بلسانه.” (موريس عن كالفين)
- فَقَطَعَ أُذْنَهُ ٱلْيُمْنَى: وقد لوحظ (ولكنه لم يثبت بعد) أن بطرس هاجم عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ بيده اليمنى من الخلف، لأنه من المستحيل تقريباً أن يقطع أُذن مَلْخُسَ اليمنى إن كان يقف أمامه. ومن المحتمل أن بطرس اختار عمداً أن يضرب من الخلف عبداً وليس جندياً. فهذا لم يكن عرضاً مبهراً للشجاعة.
- قد يكون من المهم أن يوحنا وحده ذكر عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ وأن ٱسْمُ ٱلْعَبْدِ هو مَلْخُسَ. فهذا دليل آخر على أن يوحنا كان على علاقة وثيقة بأولئك الذين يعملون في بيت رئيس الكهنة (يوحنا ١٦:١٨). وقد يشير هذا أيضاً إلى أن مَلْخُسَ أصبح فيما بعد مؤمناً، فمعظم الأشخاص الذين تم ذكرهم في الأناجيل وأعمال الرسل كانوا معروفين في مجتمع الكنيسة الأولى.
- ٱجْعَلْ سَيْفَكَ فِي ٱلْغِمْدِ!: لم يمدح يسوع ما فعله بطرس، بل أمره أن يتوقف في الحال. وكان هذا لحماية بطرس ولحماية أولئك الذين جاءوا لاعتقال يسوع. والأهم من ذلك كله، لكي يتمكن يسوع من شرب ٱلْكَأْسُ ٱلَّتِي أَعْطَاه ٱلْآبُ ليشربها، تلك الكأس هي المعاناة والعقاب الذي سيضطر لاحتمالهما.
- “كان تصرف بطرس المندفع سيضعه ويضع زملائه في مأزق خطير وسيؤذي سيده كثيراً، وحتى لو نجح، فلن يسمح يسوع لأي شيء أن يقف في طريق تحقيقه للعمل الذي أعطاه الآب ليفعله.” بروس (Bruce)
- دعا كاتب إنجيل يوحنا بطرس بالمجرم، لكنه لم يذكر أن يسوع شفى أذن عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ (لوقا ٥١:٢٢).
- ثُمَّ إِنَّ ٱلْجُنْدَ وَٱلْقَائِدَ وَخُدَّامَ ٱلْيَهُودِ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ: هذا وصف لمجموعتين مختلفتين. كان ٱلْقَائِدَ رومانياً وكان خُدَّامَ ٱلْيَهُودِ هم حُراس الهيكل.
- ٱلْقَائِدَ: كان ’القائد‘ (chiliarchos) هو الضابط المسؤول، ومن الممكن أن يكون هو قائد المعسكر الروماني في أورشليم (راجع استخدام نفس الكلمة في أعمال الرسل ٢٤:٢٢، ٢٦-٢٨، ١٧:٢٣، ١٩، ٢٢). وتؤكد التعابير والألقاب المستخدمة على تأييد الرومان للهرم الاجتماعي والسلطوي لدى اليهود.” تيني (Tenney)
- وَأَوْثَقُوهُ: اعتبروا يسوع شخصاً خطيراً للغاية لدرجة أنهم أرسلوا هذا العدد الكبير من الجند ليلقوا القبض عليه ويربطوه ويعاملوه وكأنه يشكل تهديداً. ومع ذلك سمح يسوع لهم بأن يقيدوه لأنه استسلم لإرادة أبيه؛ إذ يمكن للأيدي التي شفت المرضى وأقامت الموتى أن تكسر تلك القيود بسهولة.
- ثمة تطبيق روحي لهذا الأمر:
- كان يسوع مربوطاً برباط المحبة.
- كان يسوع مربوطاً بقيودنا.
- “وقد تم ذلك، كما قال القديس إيرينيئوس، بينما ابتعدت ذاته الإلهية عن المشهد. فقد كان بإمكانه تخليص نفسه كما فعل مع التلاميذ، ولكن كان ينبغي على هذه الذبيحة أن تقيد بالحبال إلى المذبح؛ كان يسوع مقيداً ومكبلاً كمجرم.” تراب (Trapp)
- “لا أجد أي مؤشر على أن حَنَّان فك قيوده، أو أنه ارتاح لمدة دقيقة؛ وهكذا أخذوه بسرعة والقيود تكبله وسار عبر القاعة الكبرى في الجناح الآخر من القصر حيث يقيم قِيَافَا.” سبيرجن (Spurgeon)
- ثمة تطبيق روحي لهذا الأمر:
ثانياً. محاكمة يسوع أمام حَنَّان؛ خيانة بطرس
أ ) الآيات (١٣-١٤): أخذوا يسوع إلَى حَنَّان
١٣وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً، لِأَنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا ٱلَّذِي كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ. ١٤وَكَانَ قَيَافَا هُوَ ٱلَّذِي أَشَارَ عَلَى ٱلْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ.
- وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً: لم يكن حَنَّانَ هو رئيس الكهنة الرسمي، لكن كونه حَمَا قَيَافَا، عيّنه هو رئيساً للكهنة.
- “كان حَنَّان هو القوة الخفية التي تتحكم في كرسي الحكم في أورشليم. وبقي رئيساً للكهنة لمدة تسع سنوات كاملة، من السنة السادسة لميلاد المسيح حتى السنة الخامسة عشر، واحتل أربعة من أبنائه منصب رئيس الكهنة، وكان قَيَافَا زوج ابنته.” باركلي (Barclay)
- “نجد التلمود نفسه يتحدث عن الويلات على حَنَّان وأسرته قائلاً: ’ويل لبيت حَنَّان! ويل لفحيح الأفاعي! إنهم رؤساء كهنة، وسلالتهم حفظة الخزانة، وأنسباؤهم أوصياء الهيكل، وخدامهم يضربون الشعب بالعصى!‘ هكذا أشتهر حنان وأهل بيته.” باركلي (Barclay)
- “على أية حال، أُخِذَ الرب إلى حَنَّان أولاً، ولا بد من وجود دافع ما وراء ذلك. فقد كان حَنَّانَ على رأس القائمة التي تكره يسوع، فقد كان خبيثاً وقاسياً للغاية وأول المشتكين على يسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَكَانَ قَيَافَا هُوَ ٱلَّذِي أَشَارَ عَلَى ٱلْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ: ذكرت هذه النبوة غير المقصودة من قَيَافا في يوحنا ٤٩:١١-٥٣. ودون أن يعرف، تكلم قَيَافا بالحق وكيف أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ (أي يسوع) عَنِ ٱلشَّعْبِ.
- في تلك النبوة غير المقصودة، تكلم قَيَافا من الناحية المنطقية (خير في حق كثيرين أوجب من خير في حق شخص واحد) ولكنه لم يتكلم من الناحية الأخلاقية (كان من الخطأ الحُكم على إنسان بريء، يسوع المسيح الرب، بالموت).
- أحد الأسباب التي يذكرنا بها يوحنا بما قاله قَيَافا في يوحنا ٤٩:١١-٥٣ هو إظهار أن الحكم ضد يسوع كان قد تقرر بالفعل، مما يثبت أن المحاكمة لم تكن عادلة حتماً. “لم يتوقع يسوع الكثير من شخص كهذا. فهو لم يكن شخصاً مثالياً يريد تحقيق العدالة، بل سياسي فاسد حكم على يسوع بالموت.” موريس (Morris)
ب) الآيات (١٥-١٦): بطرس ويوحنا يتبعان يسوع إلى منزل رئيس الكهنة
١٥وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ، وَكَانَ ذَلِكَ ٱلتِّلْمِيذُ مَعْرُوفاً عِنْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إِلَى دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. ١٦وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفاً عِنْدَ ٱلْبَابِ خَارِجاً. فَخَرَجَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ ٱلَّذِي كَانَ مَعْرُوفاً عِنْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَكَلَّمَ ٱلْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ.
- وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ: أحرج بطرس نفسه في بستان جثسيماني حينما قطع أذن عبد رئيس الكهنة، فتبع يسوع إلى حيث كان محتجزاً منتظراً فرصة أخرى لإظهار ولائه. ويعتقد الكثيرين أن ٱلتِّلْمِيذُ ٱلْآخَر كان يوحنا نفسه، الذي كانت له علاقات سابقة مع رئيس الكهنة وأهل بيته (كَانَ مَعْرُوفاً عِنْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ).
- “ربما كان هناك روابط أسرية تجمعه مع الكهنة، إما عن طريق العلاقات التجارية أو ربما عن طريق العلاقات الزوجية.” تيني (Tenney)
- “ربما لهذا السبب كان هو وأبوه زبدي يعملان في تقديم السمك الطازج لأولئك الكهنة الشرهين (فهذا التلميذ الآخر كان يوحنا، الذي هرب أولاً مع الباقين، والآن جاء متسللاً لرؤية ما سيحدث مع سيده). تراب (Trapp)
- وَكَلَّمَ ٱلْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ: علاقة يوحنا برئيس الكهنة وعبيده يفسر كيف تمكن كل من بطرس ويوحنا من الدخول إلى بيت رئيس الكهنة في ليلة كهذه.
ج ) الآيات (١٧-١٨): إنكار بطرس الأول
١٧فَقَالَتِ ٱلْجَارِيَةُ ٱلْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضاً مِنْ تَلَامِيذِ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ؟». قَالَ ذَاكَ: «لَسْتُ أَنَا!». ١٨وَكَانَ ٱلْعَبِيدُ وَٱلْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْراً لِأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفاً مَعَهُمْ يَصْطَلِي.
- «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضاً مِنْ تَلَامِيذِ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ؟»: ٱلْجَارِيَةُ البسيطة التي كانت تقف عند بوابة ساحة بيت رئيس الكهنة استجوبت بطرس. ويبدو أن أول أختبار لولاء بطرس كان سهلاً؛ كان بإمكانه ألا يجيبها بشيء أو يغمغم بأي كلام أو يقول ببساطة: “هذا صحيح، أنا أعرفه.”
- أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضاً مِنْ تَلَامِيذِ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ؟: تُبين كلمة ’أَيْضاً‘ أنها كانت تعرف من قبل أن يوحنا كان تلميذاً ليسوع. “عرفت الجارية أن ’التلميذ الآخر‘ هو من تلاميذ يسوع، لهذا وعندما رأت بطرس معه، قالت: ’حتماً هذا تلميذٌ آخر!‘” بروس (Bruce)
- مِنْ تَلَامِيذِ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ: “تعبير ’هَذَا ٱلْإِنْسَانِ‘ في اليونانية هو تعبير ينم عن الازدراء، ويشبه تعبير ’هذا الرجل‘ أو ’هذا الشخص.‘” تاسكر (Tasker)
- “خادمة سخيفة تقسو على بطرس الذي كان يحاول تقصي أخبار يسوع.” تراب (Trapp)
- «لَسْتُ أَنَا!»: رد بطرس بسلبية على تصريحها السلبي. وبدلاً من أن يكون وفياً ومخلصاً ليسوع، أنكر أنه تلميذه. ويبدو أن هذا حدث عند الباب وربما كان الحوار سريعاً لم يفكر به بطرس كثيراً، ومع ذلك ما فعله كان إنكاراً واضحاً لعلاقته بيسوع.
- “كان الإنكار الأول متسرعاً وغير مقصود ومدفوعاً بشعوره بالخجل.” آلفورد (Alford)
- وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفاً مَعَهُمْ يَصْطَلِي: يبدو الأمر وكأن بطرس كان هناك لِأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ وَكَانَ يَتَدَفَّأُ مَعَهُمْ. فقد أراد بطرس الاختفاء بين الحشد الصغير كي لا يراه أو يلاحظه أحد. فثمة خطورة في أن يلحظ أحد أنه كان تلميذاً للرجل الذي ألقى القبض عليه وهو في مأزق خطير.
- وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفاً: “وضح لوقا أن بطرس كان جالساً معهم وكذلك متى. لكن يوحنا قال أن بطرس كان واقفاً معهم: لأن هذه الكلمة التي استخدمها يوحنا كثيراً، غالباً ما كانت تعني: ’الثبات‘ أو ’الاستمرار في الوقوف‘ أو ’التواجد هناك‘ أن يقف محدقاً – كلمات للتشديد على الثبات في الوقوف وهي نفس الكلمات التي استخدمت أكثر من ١٩ مرة في إنجيل يوحنا.” ترينش (Trench)
د ) الآيات (١٩-٢١): حَنَّان يستجوب يسوع
١٩فَسَأَلَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلَامِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. ٢٠أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَنَا كَلَّمْتُ ٱلْعَالَمَ عَلَانِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي ٱلْمَجْمَعِ وَفِي ٱلْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ ٱلْيَهُودُ دَائِماً. وَفِي ٱلْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. ٢١لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ ٱلَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هَؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا».
- فَسَأَلَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلَامِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ: أراد حَنَّان أن يعرف عَنْ تَلَامِيذِ يسوع، ربما بسبب الخوف أو الغيرة. ثم أراد أن يعرف عَنْ تَعْلِيمِهِ، فما علّمه يسوع قد يكون مصدر قلق للمؤسسة الدينية.
- أوقف حَنَّان السجين أمامه وسأله: “أخبرنا بكل ذنبك أنت ومن معك.” وفي رده، لم يقل يسوع شيئاً عن تلاميذه، بل حماهم بكل الطرق الممكنة.
- “كان معنى اسم حَنَّان يدل على الرحمة والرأفة، ولكنه كان الرجل الذي استخدم كلمات يسوع للإيقاع به، إن كان ذلك ممكناً.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنَا كَلَّمْتُ ٱلْعَالَمَ عَلَانِيَةً: قال يسوع لحَنَّان أنه تعاليمه لم تكن سرية وينبغي الكشف عنها عن طريق التحقيق. فقد علم علانية فِي ٱلْمَجْمَعِ وَفِي ٱلْهَيْكَلِ. وكان بإمكان يسوع أن يقول: وَفِي ٱلْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ.
- الحق جريء وواضح، أما البدعة فتخفي نفسها وتكره النور.” تراب (Trapp)
- لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ ٱلَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ: لم يكن يسوع غير متعاون حينما قال هذه الكلمات بل كان يؤكد على حقه القانوني. فلا يجوز توجيه تهمة ضد أي متهم دون الاستماع إلى الشهود والتأكد من صحة شهادتهم.
- كان من واجب رئيس الكهنة أن يستدعي الشهود أولاً، مبتدءاً بالذين سيدافعون عن المتهم. فهذه الإجراءات القانونية البسيطة لحماية المتهم بموجب الشريعة اليهودية لم تطبق في محاكمة يسوع. “لذلك قال يسوع إن كانت تعاليمه موضع تساؤل فيجب تقديم الدليل أولاً وفقاً للطريقة المتبعة.” بروس (Bruce)
- “يقول التلمود (سنهدريم iv. S. 1): ’لا يجوز النظر أو الحكم في الدعاوى الجنائية إلا في وقت النهار. وإن تمت تبرئة الشخص، فيمكن النطق بالحكم خلال ذلك اليوم، وإن أدين، لا يمكن النطق بالحكم حتى اليوم التالي. ولا يجوز تنفيذ أي نوع من الأحكام ليلة السبت أو في ليلة أي عيد.‘” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (٢٢-٢٤): نهاية مثول يسوع أمام حَنَّانُ
٢٢وَلَمَّا قَالَ هَذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفاً، قَائِلاً: «أَهَكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ ٱلْكَهَنَةِ؟». ٢٣أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً فَٱشْهَدْ عَلَى ٱلرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟». ٢٤وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقاً إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ.
- وَاحِدٌ مِنَ ٱلْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفاً: ما فعله هذا الخادم المجهول كان بداية للآلام الجسدية التي تعرض لها يسوع وانتهت بالصلب. فقد عرف يسوع اسم هذا الخادم لأنه الإله ويعرف كل شيء، ولكنه وبلطف الله لم يُسجل اسمه وهو كان من بين الأشخاص الذين لم يعلموا ماذا كانوا يفعلوا (لوقا ٣٤:٢٣).
- لَطَمَ يَسُوعَ: لم يُسجل اسمه، أما جريمته فسجلت. ودون سابق إنذار، لَطَمَ يَسُوعَ بقوة واتهمه بإهانة رئيس الكهنة.
- كانت هذه اللطمة مؤشراً على الإهانات التي تلت ذلك.” آلفورد (Alford)
- إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً فَٱشْهَدْ عَلَى ٱلرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟: سأل يسوع كلاً من الخادم المجهول وحَنَّان عن سبب تعرضه للضرب. فقد كشف يسوع عن الحقيقة المخزية، لدرجة جعلتهم يتخلون عن معاييرهم وممارساتهم في تحقيق العدالة مع يسوع الناصري.
- وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقاً إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ: لم يتمكن حَنَّان من الرد على يسوع، لهذا أرسله ليمثل أمام محكمة أكثر رسمية وأمام الرجل الذي يشغل فعلياً منصب رئيس الكهنة، وأَرْسَلَهُ مُوثَقاً وكأنه مجرم خطير.
و ) الآيات (٢٥-٢٧): بطرس ينكر يسوع مرتين أخريين
٢٥وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفاً يَصْطَلِي. فَقَالُوا لَهُ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضاً مِنْ تَلَامِيذِهِ؟». فَأَنْكَرَ ذَاكَ وَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا!». ٢٦قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ ٱلَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: «أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي ٱلْبُسْتَانِ؟». ٢٧فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضاً. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ ٱلدِّيكُ.
- وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفاً يَصْطَلِي: عندما كان بطرس يراقب يسوع من بعيد في بيت حَنَّان، وقف بين الحشد الصغير وكان يأمل ألا يراه أحد. ومع ذلك ولأن بطرس كان معهم، لاحظوه.
- تشير الآية في لوقا ٦١:٢٢ أن بطرس استطاع رؤية يسوع من بعيد. وعلى الأرجح رأى بطرس اللطمة العنيفة التي تلقاها يسوع، وفهم بأن الأمور ستصبح أكثر عنفاً وفوضى مما كان يعتقد. فصدمة هذا المشهد زادت من مستوى التوتر والهلع لدى بطرس بينما كَانَ وَاقِفاً يَصْطَلِي.
- «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضاً مِنْ تَلَامِيذِهِ؟»: لا نعرف اسم الشخص الذي كان واقفاً قرب الناس وسأل نفس السؤال الذي سألته الخادمة عند الباب (يوحنا ١٧:١٨)، حتى أنه سأله بنفس الطريقة السلبية كما فعلت هي. وللمرة الثانية، قال بطرس «لَسْتُ أَنَا!» وأنكر علاقته بيسوع.
- «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضاً مِنْ تَلَامِيذِهِ؟»: وللمرة الثانية نرى التلميذ الآخر حاضراً هناك – يوحنا، بلا شك. فقد عرف بطرس أن يوحنا كان حاضراً وأنه كان معروفاً كتلميذ ليسوع، لكنه لم يريد لأحد أن يعرفه.
- قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ ٱلَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: كان هذا أمراً سيعرفه يوحنا حتماً بسبب علاقته الوثيقة مع رئيس الكهنة وأهل بيته.
- «أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي ٱلْبُسْتَانِ؟»: كان قريب مَلْخُسَ سيميز الشخص الذي هاجم قريبه بكل تأكيد. وحتى في الضوء الخافت للنار في الساحة، تعرف الرجل على بطرس الذي هاجم مَلْخُسَ بسيف من الخلف.
- أَمَا رَأَيْتُكَ: “هذه الجملة مؤكدة في اللغة الأصلية وتعني: ’ألم أرك بأم عيني؟” آلفورد (Alford)
- فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضاً: تخبرنا الآية في متى ٧٤:٢٦ أن بطرس في إنكاره الثالث لعن وشتم ليقنعهم أنه لم يكن من تلاميذ يسوع. ويمكننا القول أن إيمان بطرس لم يخذله في هذه المرحلة بل ما خذله كان شجاعته.
- وَلِلْوَقْتِ صَاحَ ٱلدِّيكُ: كان هذا تحقيقاً لما قاله يسوع في يوحنا ٣٨:١٣، ولا بد أن بطرس تذكر على الفور النبوة التي قالها يسوع في العلية.
ثالثاً. يسوع يقف أمام بيلاطس
أ ) الآية (٢٨): أحضروا يسوع للمثول أمام القائد الروماني
٢٨ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ.
- ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا: أرسل حَنَّان يسوع إلى قيافا بعد التحقيق معه (يوحنا ٢٤:١٨) لتتم محاكمته على مرحلتين. فكانت محاكمته الأولى قبل اللقاء العاجل للمجمع كما هو مدون في متى ٥٧:٢٦-٦٨. وكانت المحاكمة الثانية هي المحاكمة الرسمية أثناء انعقاد السنهدريم في النهار (لوقا ٦٦:٢٢).
- كل ما يذكره إنجيل يوحنا هو أن يسوع أُخذ إلى قيافا، ومن ثم أرسله قيافا إلى بيلاطس. فقد ركز يوحنا على مثول يسوع أمام القائد الروماني، بيلاطس البنطي.
- إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ: تصف هذه الكلمة مقر بيلاطس في أورشليم، على الأرجح في قلعة أنطونيا الرومانية، حيث كان بيلاطس يدير محاكماته وأعماله.
- “يشير مصطلح ’دار الولاية‘ إلى مقر الحاكم العسكري الروماني (حاكم منطقة اليهودية). كانت دار الولاية في المعسكر الروماني تقع وسط مقر القيادة.” بروس (Bruce)
- “يخبرنا فيلو أنه في إحدى المناسبات قام بيلاطس بتعليق الدروع في قصر هيرودس (Ad Gai., 299). وبعد بضع سنوات، وعندما كان فلوروس حاكماً، سكن القصر نفسه (يوسيفوس Bell. Ii, 301, 328). لكن الأدلة ليست كافية لإثبات أن بيلاطس سكن هناك، فهذا أمر غير مؤكد.” موريس (Morris)
- وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسُوا: استخدم يوحنا بعض السخرية لفضح رياء القادة اليهود. فقد رفضوا كسر وصية صغيرة نسبياً لئلا يتنجسوا فلا يشتركوا في الشعائر، لكنهم كسروا وصايا أكبر بكثير في رفضهم للمسيا وإدانتهم لرجل بريء والحكم عليه بالموت.
- “بدأ الاستجواب في الهواء الطلق أمام المبنى.” دودز (Dods)
- “رياء فاضح! خافوا أن يتنجسوا من الخارج ولم يهمهم أن يتنجس ضميرهم بدم بريء. كما قال يسوع: ’يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ.‘” تراب (Trapp)
- “يخمن ويستكوت (Westcott) أن يوحنا قد دخل إلى دار الولاية لمراقبة ما كان يجري.” موريس (Morris)
- فَيَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ: تطرح هذه العبارة قضية جدلية: هل كان العشاء الأخير هو وجبة عيد الفصح الرئيسية، وهل صلب يسوع يوم عيد الفصح أم في اليوم التالي؟ يبدو أن هذه الآية في يوحنا ٢٨:١٨ تشير إلى أن عيد الفصح كان في اليوم التالي، أي في اليوم الذي سيصلب فيه يسوع، وأن العشاء الأخير كان قبل يوم من عيد الفصح. ومع ذلك، فهناك مقاطع عديدة تشير إلى أن العشاء الأخير كان وجبة عيد الفصح (متى ١٨:٢٦، مرقس ١٢:١٤، ١٦:١٤، لوقا ١٥:٢٢). ويبدو أن أفضل استنتاج لقضية التسلسل الزمني هو أن يسوع قد صلب في عيد الفصح، وأن الوجبة التي تناولوها كانت وجبة عيد الفصح وكانت قبل غروب الشمس (بداية اليوم وفقاً للتوقيت اليهودي). ويمكننا التكهن بأن الذبائح كانت تقدم طوال اليومين، وكان هذا أمراً ضرورياً بسبب العدد الهائل من الذبائح التي كانت تقدم في أورشليم بسبب العيد (قال يوسيفوس أن عددهم كان أكثر من مائتي ألف خروف).
- يفترض الأسقف بيرس (Pearce) أنه كان يُسمح لليهود أن يأكلوا من لحم الخروف ليلتي الخميس والجمعة من ذلك الأسبوع. وخمن أيضاً أن هذا كان ضرورياً بسبب العدد الهائل من الذبائح التي كان من المقرر تقديمها لهذا الغرض.” كلارك (Clarke)
- اقترح تاسكر (Tasker) تفسيراً آخر: “قد لا يكون القصد في هذه الآية يوم عيد الفصح بل الاحتفال الذي كان يصاحبه والذي كان يستمر لمدة أسبوع. والتعبير ’يَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ‘ قد لا يشير إلى وجبة الفصح الرئيسية التي ربما حدثت بالفعل، ولكن إلى الوجبات المتبقية التي يتم تناولها في موسم عيد الفصح.”
ب) الآيات (٢٩-٣٢): القادة اليهود يوضحون الأمر لبيلاطس
٢٩فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا ٱلْإِنْسَانِ؟». ٣٠أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!». ٣١فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَٱحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ ٱلْيَهُودُ: «لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً». ٣٢لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ ٱلَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ.
- فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ إِلَيْهِمْ: توقع القادة اليهود حكماً يرضيهم عندما أحضروا يسوع إلى الحاكم الروماني بِيلَاطُسُ البنطي. فالتاريخ يقدم لنا بيلاطس كرجل قاسٍ، لا يرحم، وغير حساس إطلاقاً لمشاعر الآخرين.
- تزوج بيلاطس من حفيدة أوغسطوس قيصر. “لولا هذا الزواج لما تمتع بكل هذه السطوة، ولما حصل على هذا المنصب كحاكم لمنطقة اليهودية.” بويس (Boice)
- وصف المؤرخ اليهودي فيلو الاسكندري بيلاطس قائلاً: “لم يتم أبداً محاكمة أو إدانة بيلاطس لفساده وأعماله البغيضة وسلبه للأموال وعادته في إهانة الناس ووحشيته وقتله المستمر لأشخاص أبرياء.” باركلي (Barclay)
- “قد كان رجلاً ضعيفاً يحاول تغطية ضعفه من خلال العناد والعنف … تميزت فترة حكمه بأحداث وحشية ودموية عديدة (راجع لوقا ١:١٣).
- «أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا ٱلْإِنْسَانِ؟»: وبحكم طبيعته كشخص روماني، تكلم بيلاطس مباشرة عن المسألة التي بين أيديهم، وطالب بمعرفة الشكاية المقدمة على هذا الرجل. سجل يوحنا تهربهم من السؤال حينما قالوا: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!».
- “كانوا قد تعاونوا في القبض عليه. ويبدو أنهم توقعوا الآن أنه سيثق بكلامهم بأن الرجل الذي ساهم الرومان في القبض عليه هو شخص خطير ويجب إعدامه.” موريس (Morris)
- “لذلك لم يرغبوا في أن يكون بيلاطس هو القاضي، بل مجرد منفذ للحُكم الذي اتخذوه بشكل غير قانوني.” كلارك (Clarke)
- “’هو مذنب برأينا، وهذا يكفي. وأتينا هنا لتنفيذ الحكم.‘ هكذا قالت ’السلطة الكنسية‘ في كثير من الأحيان ’للعلمانية‘ منذ ذلك الحين، وللأسف لم تكن السلطة المدنية حكيمة على الدوام كما كان بيلاطس.” ماكلارين (Maclaren)
- «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَٱحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ»: أخبرهم بيلاطس حينما تهربوا من سؤاله بأن يحلوا المسألة بأنفسهم. وفي حال لم يقدموه أمام بيلاطس بتهمة تثير اهتمامه، عليهم أن يأخذوه ويحكموا عليه حسب ناموسهم دون إزعاج الرومان.
- لم يسجل يوحنا ذلك، ولكن قدم القادة الدينيين في النهاية تهمة محددة للرد على بيلاطس: «إِنَّنَا وَجَدْنَا هَذَا يُفْسِدُ ٱلْأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ» ( لوقا ٢:٢٣).
- «لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً»: قبل أن يقدموا رداً على بيلاطس، أوضح القادة اليهود سبب عدم الحكم عليه حسب ناموسهم. فقد أرادوا قتل يسوع، ولكن الرومان لم يسمحوا لليهود بتنفيذ أحكام الإعدام بحسب شريعتهم.
- “يخبرنا يوسيفوس أنه كان يجوز قانونياً الحكم على أحد بالإعدام دون موافقة المدعي العام الروماني.” آلفورد (Alford)
- كان هناك أوقات خالف فيها القادة اليهود السلطات الرومانية وأعدموا من وجدوهم مذنبين دون إذن منهم. ويسجل أعمال الرسل ٥٤:٧-٦٠ تنفيذ حكم الموت عن طريق الرجم بالحجارة. وعندما كان القادة اليهود يريدون قتل شخص ما دون إذن من الرومان، كانوا عادة يستخدمون الرجم بالحجارة.
- ربما أصر القادة اليهود على الصلب لجلب اللعنة المذكورة في سفر التثنية ٢٢:٢١-٢٣ على يسوع. وبالفعل حمل يسوع تلك اللعنة ليخلصنا من لعنة الناموس (غلاطية ١٣:٣).
- “ربما حُرم اليهود من إمكانية تنفيذ أحكام الموت عندما تم نفي أرخيلاوس، ملك اليهودية، إلى فيينا، وأصبحت اليهودية مقاطعة رومانية. وحدث هذا قبل أكثر من خمسين سنة من دمار أورشليم.” كلارك (Clarke)
- لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ ٱلَّذِي قَالَهُ: إن مطلبهم بأن يموت يسوع على الصليب وفقاً للطريقة الرومانية كان تحقيقاً لكلمات يسوع (هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ، يوحنا ١٤:٣). إن نفذ اليهود حكم الموت على يسوع، كانوا سيرجمونه بالحجارة وبالتالي لن يتحقق ما قاله يسوع في هذه النبوة.
- أشار يوحنا إلى الإجابة عن السؤال: إن كان أعداء يسوع من بين القادة اليهود، فلماذا مات مصلوباً وفقاً للطريقة الرومانية؟ فقد وصف يوحنا المقاومة الكبيرة التي كانت تواجه يسوع، ولكنها لم تكن من الرومان. والأحداث التي أدت إلى موته بالصلب كانت غريبة نوعاً ما ومثيرة للاهتمام.
ج) الآيات (٣٣-٣٥): أسئلة بيلاطس وتوضيحات يسوع
٣٣ثُمَّ دَخَلَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: «أنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟». ٣٤أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟». ٣٥أَجَابَهُ بِيلَاطُسُ: «أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟».
- ثُمَّ دَخَلَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ: جمع يوحنا بين حادثتي وقوف يسوع أمام بيلاطس، وفصل بينهما بحادثة وقوفه أمام هيرودس أنتيباس (لوقا ٨:٢٣-١٢). وتمنى بيلاطس أن يتولى هيرودس هذه المشكلة لأنه كان حاكم الجليل، المنطقة التي كان منها يسوع. لكن هيرودس أرسل يسوع ثانية إلى بيلاطس، وهذه هي البداية المحتملة لمثوله الثاني.
- «أنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟»: كان بيلاطس على علاقة بالقضية بما أنه أرسل عدداً كبيراً من الجنود الرومان للقبض على يسوع (يوحنا ٣:١٨). وكانت هذه أول مرة يرى فيها الرجل الذي زعم القادة اليهود أنه خطير. ومع ذلك، كشف سؤال بيلاطس عن شكه.
- سبق لبيلاطس وأن رأى بعض الثوار الذين ادعوا أنهم ملوك. “قال يوسيفوس متحدثاً عن الفوضى السياسية التي عمت اليهودية بعد موت هيرودس سنة ٤ ق.م.: ’كان يمكن لأي شخص أن يدعي أنه ملك بترأسه عصابة من المتمردين تجمعوا حوله.‘” بروس (Bruce)
- سأل بيلاطس هذا السؤال لأن يسوع لم يكن يشبه شخصاً ثائراً أو مجرم. فمثل هؤلاء كانوا يدعون أنهم ملوك على اليهود وأنهم جاؤوا لمقاومة الهيمنة الرومانية. ولأن بيلاطس كان قد رأى هذا النوع من الرجال من قبل، عرف أن يسوع لم يشبههم أبداً.
- “توقع بيلاطس أن يلتقي بثائر متجهم أو عدواني، لكنه وجد شخصاً يتمتع بشموخ هادئ نابع من ثقته بعلو شأنه. لهذا لم يستطع التوفيق بين شخصية السجين والتهمة الموجهة إليه.” تيني (Tenney)
- أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا: أراد يسوع أن يعرف إن كان بيلاطس يريد حقاً أن يعرف أو أنه سأل السؤال نيابة عن أولئك الذين أدانوا يسوع. قد تختلف الإجابة باختلاف مصدر السؤال.
- “إن كان سؤال بيلاطس سأل هذا السؤال من ذاته، فإن السؤال قد يعني: ’هل أنت ملك سياسي، وتريد أن تتآمر ضد قيصر!‘ وإن سأل هذا السؤال مدفوعاً من قيافا، فإن هذا يعني: ’هل أنت المسيا ملك اليهود؟‘ والإجابة على السؤال الأول سيكون: ’لا‘ والإجابة على السؤال الثاني سيكون: ’نعم.‘ (موريس عن بيلشر)
- مَاذَا فَعَلْتَ؟: قال بيلاطس إنه، بصفته شخص روماني، لم يكن مهتماً بأفكار اليهود الروحية أو الاجتماعية. وفهم بيلاطس أنه إن أراد القادة اليهود قتل يسوع، فلا بد أنه ارتكب خطأ ما ولهذا أراد أن يعرف ماذا فعل.
- كان بإمكان يسوع أن يقدم أروع إجابة على السؤال: مَاذَا فَعَلْتَ؟
- كان بلا خطية، ولم يخطئ أبداً ضد الله أو الإنسان.
- شفى المرضى، وأعطى البصر للعميان، وهدأ العاصفة، وسار على الماء، وأطعم الحشود، وهزم الشياطين، وأقام الموتى.
- علّم الحق بكل وضوح وبسلطان مما أذهل سامعيه.
- واجه الفساد من دون خوف.
- استثمر حياته في عدد قليل من الرجال الذين اختارهم الله لقلب العالم رأساً على عقب.
- لم يأتِ ليُخدم، بل ليَخدم – ويبذل نفسه عن الكثيرين.
- “من الغريب أن تسأل سجيناً عمّا فعل! كان من الجيد لو تمسك بيلاطس بهذا السؤال، وبنى حُكمه على الإجابة!” ماكلارين (Maclaren)
د ) الآية (٣٦): يسوع يشرح عن ملكوته لبيلاطس
٣٦أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى ٱلْيَهُودِ. وَلَكِنِ ٱلْآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا».
- مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ: قال يسوع لبيلاطس بكل صراحة أنه كان ملكاً واستطاع أن يقول: مَمْلَكَتِي. كما أخبر بيلاطس بوضوح أن مملكته لم تكن مملكة سياسية منافسة، لكن مملكته لَيْسَتْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَم.
- على النقيض من ممالك هذا العالم، تأسس ملكوت يسوع في السموات (مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ).
- على النقيض من ممالك هذا العالم، السلام هو الأساس في ملكوت يسوع (لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ).
- “ليس بالإمكان نفي حقيقة أن ملكوته ليس من هذا العالم، ولكنه سيتأسس بقوة هذا العالم.” آلفورد (Alford)
- لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا: ربما شعر بيلاطس بالراحة وبالرضى حينما سمع أن ملكوت يسوع لم يكن مِنْ هُنَا. وربما استنتج بيلاطس أن روما ليس لديها ما تخشاه من يسوع وملكوته.
- اعتقد الرومان أنهم يعرفون عن الممالك وقوتهم؛ فالجيوش، والبحرية، والسيوف، والمعارك كانت هي المقياس لمعرفة قوة الممالك. وما عرفه يسوع هو أن ملكوته – رغم أنه ليس من هذا العالم – كان أقوى من روما وسيستمر في التوسع والتأثير حتى بعد انتهاء روما.
- لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا: لاحظ أوغسطينوس من هذه الآية أن الممالك الأرضية مبنية على القوة والكبرياء وحب الثناء والرغبة في الهيمنة والمصلحة الذاتية – كل هذه عرضها بيلاطس والإمبراطورية الرومانية بكل وضوح.
- إن الملكوت السماوي، المتمثل في يسوع والصليب، مبني على المحبة والتضحية والتواضع والبر، وهو بالنسبة لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! (كورنثوس الأولى ٢٣:١).
- “الاستنتاج الواضح من كلماته هو أنه جاء إلى العالم من عالم آخر، وكل من لا يستمع له لن يتسم بالحق، فإن أراد بيلاطس حقاً معرفة الحق، قينبغي عليه أن يولي كل اهتمامه له.” تيني (Tenney)
هـ) الآيات (٣٧-٣٨): يسوع وبيلاطس يناقشان الأمور المتعلقة بالحق
٣٧فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟». أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي». ٣٨قَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: «مَا هُوَ ٱلْحَقُّ؟!». وَلَمَّا قَالَ هَذَا خَرَجَ أَيْضاً إِلَى ٱلْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً».
- أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟: هذا ما كان يشغل بال بيلاطس. فهو لم يكن يمانع وجود القادة الدينين بين اليهود، حتى المجانين منهم، طالما أنهم يحافظون على الأمن والسلام ولم يتحدوا حكم روما. ولكن قد يتحداه ظهور ملك منافس، لهذا أراد بيلاطس التحقيق في هذا الأمر.
- “كلمة أَفَأَنْتَ في سؤال بيلاطس كانت هدفها السخرية. “أنت المقبوض عليك والمقيد وتقف أمامي كمجرم، ملك؟” آلفورد (Alford)
- “لم يكن للسؤال أن يكون محملاً بالسخرية أكثر مما كان. فقد كان بيلاطس يحتقر اليهود سراً، ولكن ها شخص يهودي بسيط، بلا حول ولا قوة ولا أصدقاء، مضطهد ومتهم من شعبه، يحدثه عن مملكته، مما جعل الحديث عن أي مملكة أمراً مثيراً للسخرية.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ: لم ينكر يسوع أنه مَلِك، بل أصر على أنه ولد ملكاً، وأنه سيكون ملكاً من نوع مختلف. وقال: وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ.
- “قدم يسوع نداءاً لبيلاطس، ليس للحصول على البراءة أو الرحمة، بل ليعترف بيلاطس بالحق.” تيني (Tenney)
- “بالحق وحده يمكنني التأثير على العقول وأن أسيطر على سلوك رعيتي.” كلارك (Clarke)
- لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ: بعد عقود من هذا الكلام، حث بولس الشاب تيموثاوس مستخدماً هذه الكلمات: “ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ ٱلَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلَاطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ بِٱلِٱعْتِرَافِ ٱلْحَسَنِ (تيموثاوس الأولى ١٣:٦). فهذا ٱلِٱعْتِرَافِ ٱلْحَسَنِ الذي قدمه يسوع كان إعلانه أنه ملك، وأن مملكته سماوية، وأنها مملكة الحق الأبدي على عكس السلطة الدنيوية.
- لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ: نرى تشديداً على كلمة ’أنا‘ في كلا الحالتين، وقد وجهها يسوع بشكل مهيب ورائع ضد إزدراء بيلاطس السابق.” آلفورد (Alford)
- “أعلن يسوع أنه ولد كملك، وأنه ولد لغاية محددة. هذه الكلمات ما هي إلا دليل على تجسد ابن الله.” آلفورد (Alford)
- “نستطيع أن نجد ما يشبه هذين التصريحين في موضع آخر، ولكن جمعها معاً هنا يعتبر أمراً غير طبيعي، وفي هذه الحالة بالذات، أمر غير متوقع بتاتاً.” موريس (Morris)
- مَا هُوَ ٱلْحَقُّ؟!: أظهر سؤال بيلاطس الساخر أنه لم يصدق إدعاء يسوع بأنه ملك الحق، بل اعتقد أنه إدعاء أحمق. فبيلاطس لم يصدق، على الأرجح، أنه لم يكن هناك حق، ولكنه لم يصدق ٱلْحَقُّ المتمثل في مملكة يسوع الروحية. فالحق بالنسبة لبيلاطس هو: الجنود والجيش وروما وقيصر والسلطة السياسية.
- “عرف بيلاطس جيداً كيف تسير أموره وكيف يزاول أعماله، لهذا كان الحديث معه حول طبيعة الحق ليس بالأمر المجدي. ولهذا قاطع الاستجواب بهذه الملاحظة اللاذعة.” بروس (Bruce)
- “كانت تلك طريقته في رفض النقاش. فقد تعلم بيلاطس كيف يحصل على المعلومات التي يريدها. وعرف أن يسوع لم يكن ثورياً وأنه لا يشكل أي خطر على الدولة، ويمكن إطلاق سراحه، بل يتوجب إطلاق سراحه.” موريس (Morris)
- مَا هُوَ ٱلْحَقُّ؟!: كثيرون في يومنا هذا يطرحون نفس سؤال بيلاطس ولكن من منظور مختلف. وهناك أشياء تعتبر من الحق فقط بناء على التفضيل أو المنظور الشخصي، إذ يعتقدون أن الحق هو رأي شخصي. ويعتقدون أيضاً بأنه ليس هناك حق مطلق فيما يتعلق بالله، وأن ما تؤمن به أنت ليس أفضل مما أؤمن به أنا. وهذا هو التفكير السائد في عصرنا الحالي الذي يرفض من قال: “إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ.“
- «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً»: أعلن بيلاطس بوضوح للقادة اليهود الذين أرادوا قتل يسوع، أنه لم يجد في يسوع علة واحدة. وأضاف بأن يسوع لم يكن مذنباً بجريمة تستحق الموت: «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». فقد عرف بيلاطس أن يسوع كان بريئاً.
و ) الآيات (٣٩-٤٠): حاول بيلاطس إطلاق سراح يسوع، لكن الحشد صرخ قائلاً: بَارَابَاسَ!
«وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِداً فِي ٱلْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟». ٤٠فَصَرَخُوا أَيْضاً جَمِيعُهُمْ قَائِلِينَ: «لَيْسَ هَذَا بَلْ بَارَابَاسَ!». وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصّاً.
- وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِداً فِي ٱلْفِصْحِ: كان إصدار حكم على يسوع البريء أمراً مختلفاً، لهذا كان بيلاطس يأمل أن يساعد هذا العُرف في إطلاق سراح رجل عرف أنه بريء.
- “لا نملك أي معلومات إضافية في مكان آخر، ولكن أشار يوسيفوس في كتاباته عن تاريخ اليهود (Antiquities 209,3) أن ألبينوس الحاكم (Albinus) أطلق سراح بعض اللصوص في عيد الفصح.” دودز (Dods)
- “لا يوجد مصدر واضح عن أصل أو سبب هذا العُرف. لكن المفسرون كان لديهم عدد من التخمينات حول هذه النقطة، لكن دون أي يقين.” كلارك (Clarke)
- أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟: صاغ بيلاطس السؤال بهذه الطريقة ليستميل عطف ومشاعر الحشد اليهودي. واعتقد أنهم سيرغبون بإنقاذ حياة الرجل الذي أطلق عليه لقب ’مَلِكَ ٱلْيَهُودِ.‘
- “وكحال أي بشر في موقف كهذا، لم يكن ضميره مرتاحاً، وقام بمحاولة غير مجدية لعمل الصواب، ولكنه لم يبذل أي مجهود في ذلك.” ماكلارين (Maclaren)
- لَيْسَ هَذَا بَلْ بَارَابَاسَ!: رفض الحشد يسوع واختار بَارَابَاسَ بدلاً منه. وتمنى بيلاطس أن ينقذ حياة يسوع، لكن الحشد أدانه.
- تقول الآية في إنجيل متى ٢٠:٢٧ أن هذا لم يكن استجابة عفوية من الحشد، وأن كِبَارَ الكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ أقنَعُوهم بِأنْ يَطْلُبُوا إطلَاقَ سَرَاحِ بَارَابَاسَ، وَيقتلوا يَسُوعَ (أنظر أيضاً لوقا ١١:١٥).
- اختيار الحشد لباراباس عوضاً عن يسوع، يعكس طبيعة البشر الساقطة. فالاسم بَارَابَاسَ يشبه كثيراً تعبير ’ابن الآب.‘ فقد اختاروا الابن المجرم بدلاً من الابن الحقيقي للآب. وفي هذا تصوير للمستقبل الذي سيختار فيه العالم باراباس الأكبر أو ما يسمى المسيح الدجال.
- لا يزال الناس اليوم يرفضون يسوع ويختارون آخر. قد يكون باراباسهم هو الشهوة أو السكر أو الذات أو ملذات الحياة. “يتم اتخاذ هذا القرار الغبي يومياً، ويفضل الإنسان السعي وراء شهوات الجسد بدلاً من الاهتمام بالروح.” تراب (Trapp)
- وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصّاً: يخبرنا إنجيل مرقس ٧:١٥ أن بَارَبَاسُ ورِفَاقِهِ ارتَكَبُوا جَرَائِمَ قَتلٍ أثْنَاءَ الثَّورَةِ. فبارباس، بالنسبة للرومان، كان شخصاً إرهابياً، أما بالنسبة للعديد من اليهود فقد كان مقاتلاً من أجل حرية بلادهم.
- “يبدو أن باراباس كان عضواً في حركة المقاومة المحلية. وكان يعتبر بطلاً، بالنسبة للعديدين من اليهود، بسبب مقاومته للرومان.” موريس (Morris)
- “يستخدم بيلاطس نفس المصطلح (كما يفعل يوسيفوس) للإشارة إلى ثائر غيور. وقد استخدم مرقس نفس الكلمة (مرقس ٢٧:١٥)، أنظر أيضاً متى ٣٨:٢٧، لوصف اللصين الذين صلبا مع يسوع.” بروس (Bruce)
- “من المحتمل جداً أن باراباس كان جزءاً من العصابات المسلحة ضد الرومان، وألقى القبض عليه وينتظر حكم الإعدام.” تيني (Tenney)
- اتهم باراباس بثلاث جرائم على الأقل: السرقة (يوحنا ٤٠:١٨) والتمرد (مرقس ٧:١٥) والقتل (مرقس ٧:١٥). “ويجدر بنا نحن أيضاً الوقوف مع باراباس. فقد سلبنا المجد من الله، وتمردنا على سيادة السماء، وإن كان كل من يبغض أخاه قاتلاً، فمن منا لم يرتكب هذا الذنب.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان بَارَابَاس أفضل من فهم ما يعنيه أن يموت يسوع بدلاً عنه. لقد كان إرهابياً وقاتلاً، لكن أطلق سراحه بينما صلب يسوع. وعلى الأغلب، كان الصليب الذي حمله يسوع مخصصاً لباراباس.