إنجيل يوحنا – الإصحاح ١٩
صلب يسوع
أولاً. الحكم بصلب يسوع
أ ) الآيات (١-٤): بيلاطس يحاول إرضاء الحشد بجلد يسوع وإهانته
١فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلَاطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. ٢وَضَفَرَ ٱلْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ، ٣وَكَانُوا يَقُولُونَ: «ٱلسَّلَامُ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ!». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. ٤فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً».
- فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلَاطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ: قال بيلاطس في وقت سابق أنه لم يجد في يسوع عِلَّةً وَاحِدَة (يوحنا ٣٨:١٨)، ومع ذلك أمر بهذه العقوبة القاسية والوحشية على رجل كان يعلم أنه بريء. وقد اقترح البعض أن بيلاطس أراد مساعدة يسوع حينما أسلمه للجلد ليسترضي الحشد.
- وَجَلَدَهُ: أصدر بيلاطس الأمر بأن يجلد يسوع وفقاً للطريقة الرومانية. وجاءت الضربات من سوط مصنوع من عدة حبال أو سيور من الجلد وفي نهايتها قطع من العظام أو المعدن كانت تغور في ظهر المحكوم وتنزع جلده. وتحت لذع الجلدات لم يكن من غير المألوف أن يموت المجرم حتى قبل صلبه.
- هناك ثلاثة أغراض للجلد: كان يستخدم لمعاقبة السجناء، وكان يستخدم للحصول على اعترافات منهم، وفي حالات الصلب، كان الجلد يستخدم لإضعاف الضحية حتى يموت بسرعة أكبر وهو على الصليب. فقد تمنى بيلاطس أن يرضي هذا العقاب الحشد. “لم يكن هذا إذاً، جزءاً من عقوبة الإعدام أو لمعرفة الحقيقة، بل أراد بيلاطس، بحكمه غير الحكيم، أن يرضي اليهود بهذا العقاب البسيط، لهذا أمر بالجلد.” دودز (Dods)
- “كان المحكوم بهذا العقاب الشديد يربط بعمود منخفض بحيث يصبح ظهره منحنياً، ثم يضرب بالقضبان أو بالسياط المثقلة بالرصاص والعظام المسننة التي تسبب تمزق الجلد.” دودز (Dods)
- “عندما تنزل الجلدات على الجسد كانت تمزقه في خطوط متوازية. وقليلون هم من كانوا يتحملون عذاب الجلد ويبقون أحياء. فمعظم الضحايا كان يموتون تحت الجلدات، والبعض كان يفقد عقله.” باركلي (Barclay)
- “هذا مثل آخر عن تحفظ كتبة الأناجيل، حيث استخدموا كلمة واحدة فقط لوصف هذه البشاعة. فلم يحاولوا حتى استدرار عواطفنا.” موريس (Morris)
- وَضَفَرَ ٱلْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: «ٱلسَّلَامُ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ!»: كل القصد من هذا إذلال يسوع. فقد سبق وسخر القادة اليهود من يسوع باعتباره المسيا (متى ٦٧:٢٦-٦٨). والآن ها هي السلطة الرومانية تسخر منه كملك.
- ضَفَرَ ٱلْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ: الملوك يلبسون التيجان لكن ليس تيجان بهدف التعذيب. أشواك أشجار تلك المنطقة طويلة وحادة وقاسية، وذلك التاج جرح وثقب وأدمى رأس الملك الذي ارتداه.
- أَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ: جرت العادة أن يلبس الملوك والحكام ثوباً أرجواني اللون، لأن الصبغة التي تنتج هذا اللون كانت باهظة الثمن. وكان الهدف من الثوب الأرجواني السخرية القاسية.
- ٱلسَّلَامُ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ!: يُرحب بالملوك عادة بألقاب ملكية، لذلك سخروا من يسوع بهذا اللقب. وكان المقصود به إذلال يسوع، ولكنه في الواقع إهانة لليهود أيضاً، لأنه يقول: “هذا أفضل ملك يمكنهم تقديمه.”
- وكان العسكر يَلْطِمُونَ يسوع ويضربونه ويسخرون منه لمجرد إرضاء قسوتهم وشرهم.
- يضيف إنجيل متى أن يسوع قد جُرد من ملابسه، وأنهم قدموا له صولجاناً ملكياً كنوع من الإزدراء والسخرية، وأن العسكر أنحنوا على ركبهم أمام يسوع وقدموا له تحيات ساخرة، كما أنهم بصقوا على يسوع.
- نستطيع أن نقرر أن نفعل عكس ما فعله هؤلاء بيسوع. “آه لو كان لنا فقط نصف حماس هؤلاء الجنود في تكريم ملكنا! دعونا نقدم للمسيح الإكرام الحقيقي الذي تظاهر هؤلاء الرجال بتقديمه.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً: كرر بيلاطس جملته المسجلة في يوحنا ٣٨:١٨، معلناً براءة يسوع وأنه لم يجد فيه علة واحدة. وكقاضي، كان بيلاطس يملك كل من الحجة والمسؤولية لإطلاق سراح يسوع دون أي عقوبة بدلاً من الإذلال والوحشية التي تحملها.
ب) الآيات (٥-٦): بيلاطس يقدم يسوع إلى الحشد
٥فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ ٱلشَّوْكِ وَثَوْبَ ٱلْأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «هُوَذَا ٱلْإِنْسَانُ!». ٦فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِلِينَ: «ٱصْلِبْهُ! ٱصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَٱصْلِبُوهُ، لِأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً».
- فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ ٱلشَّوْكِ وَثَوْبَ ٱلْأُرْجُوانِ: قدم بيلاطس يسوع إلى الحشد مضروباً مهاناً ومغطى بالدم والعرق والبصاق. ربما أراد بيلاطس أن يستعطف الحشد بهذا المنظر المحزن.
- “هذا التاج بقي على رأسه حتى النهاية. أكد كل من أوريجانوس وترتليان، أوائل آباء الكنيسة الشرقية والغربية، أن يسوع قد صلب وتاج الشوك على رأسه.” ترينش (Trench)
- كثيرون حصلوا على التاج بسفك دم الآخرين، أما تاج يسوع فكان لسفكه دمه هو. وكثيرون بنوا عروشهم على معاناة وآلام الآخرين، أما يسوع فقد ذاق الألم بنفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
- «هُوَذَا ٱلْإِنْسَانُ!»: دعا بيلاطس الحشد للنظر إلى هذا الإنسان المتألم وأن يمعنوا النظر به (هُوَذَا). وكأن بيلاطس يتحدث نيابة عن الله هنا، الله الذي يدعو البشرية كلها إلى النظر إلى الإنسان، وأن يروا هذا الإنسان الكامل والمجرب أمام كل البشرية.
- “كان الرَجل مُحْتَقَراً ومذلولاً. وكأن بيلاطس أراد أن يقول: ’ها هو هذا الرجل المسكين. فهل تعتقدون حقاً أن هذا النوع المضحك من الملوك يمكن أن يشكل أي خطر حقيقي على إسرائيل أو روما؟‘” تاسكر (Tasker)
- “إن كنتم رجالاً حقاً، فاشفقوا على رجل محتقر بائس كهذا؛ وان كنتم رجالاً صالحين، فدعوه يذهب، لأنه بريء.” تراب (Trapp)
- اعتقد بيلاطس أنه سيتمكن من إنقاذ يسوع بإذلاله. وهذا ما يفعله بعض الأشخاص اليوم. إذ يعتقدون أنه إن أنكروا أن يسوع هو الله أو أنه لم يكن محقاً في كل شيء، فإنه بإمكانهم ’إنقاذ‘ يسوع، وأن يجعلوه مواكباً للعالم وللعصر الحديث. لكن كل هذه المحاولات ستفشل كما حدث مع بيلاطس.
- “مهما كانت نية بيلاطس، إلا أن رؤية الحشد ليسوع لم تثر في قلوبهم أي شفقة نحوه، بل طالبوا بموته.” مورغان (Morgan)
- فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْخُدَّامُ: لا نعرف بالضبط ماذا كانت ردة فعل الحشد الأولى، ربما شعروا للحظة بالتعاطف مع هذا الإنسان الرائع والقوي. ولكن مهما كانت مشاعر الحشد، إلا أننا نرى رؤساء الكهنة يصرخون على الفور ويقولون: «ٱصْلِبْهُ! ٱصْلِبْهُ!.» كانت تلك كراهية نابعة من القلب… هذه هي كراهية الإنسان لله.
- “ربما شعر الحشد ببعض من الشفقة، لكن الكهنة وخدامهم أسكتوهم في الحال بصراخهم المليء بالكراهية عند رؤية السجين.” ماكلارين (Maclaren)
- “قال ترتيليان أنه بعد فترة وجيزة، صرخ المضطهدون الأوائل: ’ألقوا المسيحيين للوحوش وللأسود، وأرادوا بهذا أن يلقوا اللوم عليهم ويحملونهم مسؤولية كل المصائب في المجتمع.‘ تراب (Trapp)
- «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَٱصْلِبُوهُ، لِأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً»: يعلن بيلاطس للمرة الثالثة، براءة يسوع من كل التهم.
- “لا بد أن بيلاطس أدرك عدم قدرة السنهدريم على تنفيذ حكم الإعدام. لهذا كان تسليمه يسوع لهم نوعاً من السخرية.” تيني (Tenney)
ج) الآيات (٧-٩): بيلاطس يتعرف على التهم الموجهة ضد يسوع
٧أَجَابَهُ ٱلْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ ٱللهِ». ٨فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هَذَا ٱلْقَوْلَ ٱزْدَادَ خَوْفاً. ٩فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟». وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً.
- لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ ٱللهِ: أظهر القادة الدينين هنا، وفقاً لإنجيل يوحنا، تهمتهم الحقيقة ضد يسوع. فقد أراوا أن يقتلوه بأي ثمن ليس لأنه ادعى أنه ملك اليهود، ولكن لأنه ادعى أنه الله، ٱبْنَ ٱللهِ الوحيد.
- “من المؤكد أن اليهود فهموا معنى هذا الكلام جيداً. فعندما دعا المسيح نفسه ابن الله، فهموا تماماً أنه يساوي نفسه بالإله الأزلي.” كلارك (Clarke)
- ٱزْدَادَ خَوْفاً: لم يكن بيلاطس غاضباً أو مستمتعاً عندما علم أن يسوع جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ ٱللهِ، بل ٱزْدَادَ خَوْفاً من يسوع أكثر من أي وقت مضى. فقد رأى بيلاطس شيئاً في يسوع، رغم أنه كان مضروباً ومغطى بالدماء، جعله يصدق أن الإنسان الواقف أمامه كان أكثر من مجرد إنسان عادي.
- “قد يكون من الجيد أن نقارن هذا الخوف بالخوف المذكور مراراً في اللغة الأصلية والذي يعبر عن خوف شديد للغاية.” تاسكر (Tasker)
- “بالكاد كان شخصاً متديناً، ولكن خبر إدعاء سجينه بالألوهية أرعب الحاكم كثيراً. فكل شخص روماني في ذلك الوقت كان يعرف جيداً قصص الآلهة أو ذريتهم التي تتخذ شكل البشر.” موريس (Morris)
- «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟»: أراد بيلاطس من يسوع أن يدافع عن نفسه وأن يقنع بيلاطس بإطلاق سراحه. وأراد من يسوع أن يفسر سبب اختلافه عن باقي السجناء الذين حكمهم بيلاطس قبلاً. لكن يسوع قد سبق وأخبر بيلاطس أنه ملك مملكة ليست من هذا العالم (يوحنا ٣٦:١٨)، كما سبق وأخبره من أين جاء. ولهذا، لم يعطه يسوع جواباً.
- رغم أنه كان يعرف الإجابة جيداً، يمكننا القول أن بيلاطس سأل السؤال الصحيح. “إن سؤاله هو من أهم الأسئلة المتعلقة بيسوع، فمعرفة من أين جاء يسوع هو معرفة أهم شيء عنه.” تاسكر (Tasker)
د ) الآيات (١٠-١١): بيلاطس ويسوع يتحدثان عن السلطان
١٠فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟». ١١أَجَابَ يَسُوعُ: «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ ٱلْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ ٱلَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ».
- أَمَا تُكَلِّمُنِي؟: لم يصدق بيلاطس أن يسوع لن يتكلم للدفاع عن نفسه. ولم يصدق أن يسوع لم يطلب الرحمة كما فعل آخرون. ولم يصدق بيلاطس أيضاً أن يسوع لم يكن مرتعباً من وقوفه أمام ممثل روما الذي حكم عليه.
- “الضمير في كلمة ’تُكَلِّمُنِي‘ يفيد التأكيد في اللغة اليونانية. فرفض يسوع التكلم مع شخص يمتلك مثل هذا السلطان هو ما أذهل بيلاطس.” تاسكر (Tasker)
- صمت يسوع التام أمام متهميه وقضاته حقق نبوءة إشعياء ٧:٥٣ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.
- أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً: كان بيلاطس مندهشاً من أن يسوع لم يكن خائفاً من سلطانه كقاضٍ سيحكم عليه ويصلبه. ولأن بيلاطس كان يفهم معنى السلطان، تحير كيف أن يسوع لم ير هذا السلطان.
- اِعتقد بيلاطس أنه يملك السلطان، ولكنه كان يملكه لفعل الخطأ وليلحق الضرر بالآخرين. فلم يملك بيلاطس السلطان لفعل الصواب، أي أن يطلق سراح إنسان بريء بدلاً من إرساله إلى الموت. كان بيلاطس ضعيفاً أمام قوة القادة الدينيين والحشد الذي يحكمونه. والقول: “أملك السلطان على تنفيذ رغبة الحشد” هو كالقول بأنك لا تملك السلطان على الإطلاق.
- الرجل الذي ادعى أنه يملك كل السلطان حاول أن يغسل يديه من القرار (متى ٢٤:٢٧) وهو نفسه من قال: “أنا لم أكن أريد أن أفعل هذا حقاً.”
- لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ ٱلْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ: رد يسوع موضحاً طبيعة السلطان الذي يملكه بيلاطس. فحسب تفكير الحاكم الروماني، كانت روما هي من تملك كل السلطان. ولكن الواقع، أن الله هو من يملك كل السلطان.
- فهم يسوع أن بيلاطس كان يملك السلطان، وأصر ببساطة على أن هذا السلطان هو من الله لا من بيلاطس أو من روما.
- لِذَلِكَ ٱلَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ: لم يقل يسوع أن بيلاطس كان بلا خطية، بل قال ببساطة أن القادة اليهود كانوا مذنبين بخَطِيَّة أَعْظَم.
- عندما قال يسوع ’ٱلَّذِي أَسْلَمَنِي‘ ربما كان يشير إلى يهوذا أو قيافا، ويبدو أن الكاتب استخدم لغة غامضة عن قصد.” تاسكر (Tasker)
- اُستخدم الفعل ’أَسْلَمَنِي‘ (باليونانية paradidomai) بشكل مستمر في الجزء السابق من الرواية للدلالة على خيانة يهوذا.” بروس (Bruce)
هـ) الآيات (١٢-١٣): بيلاطس يخرج يسوع ليصدر حكمه عليه
١٢مِنْ هَذَا ٱلْوَقْتِ كَانَ بِيلَاطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلَكِنَّ ٱلْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!». ١٣فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هَذَا ٱلْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلَايَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «ٱلْبَلَاطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا».
- كَانَ بِيلَاطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ: يساورنا شعور بأن الحاكم الروماني كان خائفاً. وازداد خوفه عندما طلبت زوجته منه أن يطلق سراح المتهم بسبب حلم راودها (متى ١٩:٢٧-٢٠). كان يعلم أن هذا الإنسان البريء، والذي كان يختلف تماماً عن أي سجين آخر تعامل معه في السابق، يجب أن يطلق حراً – ومع ذلك لكنه شعر بضغط من الحشد والقادة اليهود الذين كانوا يطالبون بصلبه.
- مِنْ هَذَا ٱلْوَقْتِ: “يمكن تفسير هذه الجملة إما بالمعنى الزمني ’منذ تلك اللحظة‘ أو على نحو استنتاجي، كما تقول بعض الترجمات: ’مِنْ أَجْلِ ذلِكَ.‘ والأخيرة هي الأكثر احتمالاً. كان بيلاطس مسروراً بما قاله يسوع في الآية ١١، ولهذا حاول جاهداً إطلاق سراحه.” تاسكر (Tasker)
- إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ: حسب رأي بعض المفسرين (أمثال بويس Boice)، كان بيلاطس رجلاً عادياً للغاية، حصل على منصبه فقط لأنه تزوج من حفيدة إمبراطور روما. ولأن بقائه في السلطة كان بسبب علاقته، كان بيلاطس قلقاً من خراب تلك العلاقة. لقد عرف القادة اليهود والحشد نقطة ضعف بيلاطس واستغلوها للضغط عليه.
- “إن تكلمنا بعيداً عن الروحانيات، يمكننا القول بأن ذكر قيصر هنا وضع الختم على مصير يسوع وجعله مؤكداً.” موريس (Morris)
- “كانت العبارة ’مُحِبّاً (مُوالِياً) لِقَيْصَرَ‘ أكثر من مجرد تلميح عرضي للولاء لروما، وتشير عادة إلى مؤيد للإمبراطور أو شريك له، وعادة ما يكون هذا الشخص عضواً هاماً في الدائرة الداخلية.” تيني (Tenney)
- “أراد بيلاطس بشدة أن يكون صديقاً لقيصر. ولكنه لم يكن صديق قيصر، بل بالكاد كان يعرف قيصر. والأهم من ذلك أن قيصر لم يكن صديقه على الإطلاق.” بويس (Boice)
- أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلَايَةِ (كُرسِيِّ القَضَاءِ): كان بيلاطس مستعداً للإعلان عن حكمه النهائي، لهذا أخرج يسوع وأوقفه أمام الحشد وكُرْسِيِّ ٱلْوِلَايَةِ. ولكن الواقع هو أن بيلاطس البنطي هو من كان أمام كرسي القضاء لا يسوع.
- «جَبَّاثَا»: مأخوذة من الكلمة جبة (gabah) التي تعني منطقة مرتفعة أو منطقة عالية. وعلى الأغلب كان كرسي القضاء في المحكمة يقع في منطقة مرتفعة أو عالية، وكان على الحاكم أن يصعد على الدرج ليصل إليه؛ وربما كان الدرج هو الموضع الذي يُقَالُ لَهُ «ٱلْبَلَاطُ».” كلارك (Clarke)
و ) الآيات (١٤-١٦): الحشد يرفض يسوع وبيلاطس يحكم عليه بالموت
١٤وَكَانَ ٱسْتِعْدَادُ ٱلْفِصْحِ، وَنَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». ١٥فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! ٱصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟». أَجَابَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلَّا قَيْصَرَ!». ١٦فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ.
- وَكَانَ ٱسْتِعْدَادُ ٱلْفِصْحِ: هذه الجملة تثير مرة أخرى الأسئلة الصعبة التي تتعلق بالتسلسل الزمني التي ذكرت سابقاً في يوحنا ٢٨:١٨. ولكن نقطة يوحنا كانت واضحة للغاية: هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ (يوحنا ٢٩:١) مستعداً للذبح في ٱلْفِصْحِ.
- وَنَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ: هذه الجملة تثير بعض الجدل، لأن مرقس ذكر أن الصلب وقع في الساعة الثالثة (مرقس ٢٥:١٥). وقد بذلت عدة محاولات للتوفيق بين يوحنا ١٤:١٩ ومرقس ٢٥:١٥.
- اعتقد بعضهم أن كل من يوحنا ومرقس حسبا الوقت بطريقة مختلفة. “قدم ويستكوت (Westcott) أسباباً وجيهة لتأييد ما دونه كاتب هذا الإنجيل، فبدلاً من حساب الساعات من السادسة صباحاً حتى السادسة مساءاً، ومن السادسة مساءاً حتى السادسة صباحاً وفقاً للعادات اليهودية، حسبها يوحنا من منتصف الليل حتى الظهيرة ومن الظهر حتى منتصف الليل – وكان هذا شائعاً في آسيا الصغرى حسب وثيقة بعنوان: ’استشهاد بوليكارب‘ وهي عادة ما زالت سائدة في الغرب حتى يومنا هذا. وبناءاً على هذه الحسابات، كانت الساعة السادسة بالفعل عندما أصدر بيلاطس حكمه على يسوع.” تاسكر (Tasker)
- واعتقد آخرون أن يوحنا ومرقس لم يقصدا تحديد الوقت. “قد تشير ’الساعة الثالثة‘ إلى منتصف الصباح، و’الساعة السادسة‘ إلى وقت ما قبل الظهيرة. فالصباح المتأخر قد يتناسب مع التعبيرين ما لم يكن هناك سبب ما يدعونا لنعتقد عكس ذلك، ولكن لا يوجد سبب واضح هنا يدعونا لذلك.” موريس (Morris)
- واعتقد بعضهم أن نساخ الأناجيل ارتكبوا خطأ، وأن يوحنا كتب في الأصل الساعة الثالثة. “علينا أن نفترض، كما فعل يوسابيوس وثيوفيلكت وسفيروس، أنه يوجد بعض أخطاء النسخ في النسخ التي بين أيدينا. ولا يمكننا أن نجزم إن تم الخلط بين الرقم ٣ والرقم ٦ الذين يتشابه رسمهما في اليونانية.” آلفورد (Alford)
- «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!»: قدم بيلاطس هذا الحمل كذبيحة لينظرها الناس. ربما قصد أن يهين يسوع والحشد بهذا، فقد قدم رجلاً متوجاً بإكليل من شوك ومغطى بالدماء ومضروباً ويلبس ثوباً أرجوانياً على ظهره الممزق من الجلدات وقال: هُوَذَا مَلِكُكُمْ!. ومع أن الحشد رأى يسوع بهذا الشكل، إلا أن ردة فعلهم كانت عنيفة، فصرخوا قائلين: «خُذْهُ! خُذْهُ! ٱصْلِبْهُ!».
- “يبدو أن الكلمات «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!» قيلت في سخرية من اليهود، وبنفس هذه الروح المليئة بالسخرية كتبت اللافتة على الصليب بعد ذلك.” آلفورد (Alford)
- فَصَرَخُوا: “يوضح الفعل أنهم استمروا في الصراخ. فإصرار اليهود على تحويل الأمر إلى قضية سياسية ضغط على بيلاطس كثيراً.” تاسكر (Tasker)
- تأتي أوقات يشعر بها الناس بغضب شديد نحو الله ونحو صلاحه بحيث يتمنون له الموت. ومن الشائع جداً أن يطلب الناس أن يختفي الله ويصرخون قائلين: أبعِدْهُ عَنَّا! أبعِدْهُ!
- «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلَّا قَيْصَرَ!»: رفض الحشد يسوع واختار باراباس الثائر ضد روما. واتفقوا معاً على اختيار جنوني ومتناقض تماماً: الولاء للمجرم ولقيصر.
- “مدفوعين بالكراهية، تخلى اليهود عمداً عن رجائهم بمجيء المسيا، ورفضوا مجدهم القومي. فمن يرفض المسيح عليه أن يركع أمام طاغية. فالتمرد ضده يجلب العبودية.” ماكلارين (Maclaren)
- فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ: يبدو أن يسوع كان يقف أمام بيلاطس للمحاكمة، ولكن بمفهوم أعظم كان بيلاطس هو من يقف أمام يسوع للمحاكمة. ولكن فشل بيلاطس في الاختبار. وبسبب خوفه من الحشد، أرسل إنساناً يعرف أنه بريء إلى موت أليم. وبالتالي يقول قانون الإيمان القديم أن يسوع قد صلب في عهد بيلاطس البنطي.
- قد تفعل أنت اليوم ما فعله بيلاطس تماماً. فبيلاطس ما هو إلا مثل للإنسان ضعيف الشخصية، الذي لا يدافع عن قناعاته، ويساوم الخطأ، ويخالف ضميره خوفاً على مصلحته الشخصية.
ثانياً. صلب يسوع الناصري
أ ) الآيات (١٧-١٨): صلب يسوع
١٧فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ ٱلْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ»، ١٨حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا ٱثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي ٱلْوَسْطِ.
- فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ: حسب العادات الرومانية كان على يسوع أن يحمل صليبه من مكان المحاكمة إلى مكان الصلب «مَوْضِعُ ٱلْجُمْجُمَةِ». وقبل أن يضع الرومان رجلاً على الصليب، كانوا يضعون الصليب على ظهر الرجل، ثم يرغمونه على حمله في موكب علني لتوجيه الإنتباه له ولجريمته ومصيره.
- “جرت العادة أن يحمل المُدان الجزء الأفقي (patibulum) من الصليب وليس كله إلى مكان الإعدام؛ وعلى الأرجح كان الجزء العمودي مثبت هناك من قبل.” بروس (Bruce)
- “قال ترتيليان أن هذا الحمل يشابه ما ورد عن حمل اسحق لخشب المحرقة عندما صعد لتقديم الذبيحة.” دودز (Dods)
- صَلَبُوهُ: اخترع الفرس الإعدام بالصلب، ولكن يمكننا القول أن الرومان أتقنوه وتميزوا به. وكان الصلب مخصصاً لأسوأ المجرمين وأقل الطبقات. وكان هدف الصلب أن يموت المجرم مذلولاً أمام الجميع ببطء وبألم شديد. وكان هذا هو شكل الموت الذي رتبه الله ليسوع، وهكذا لم يرفض يسوع هذا الموت بل خضع بالكامل لمشيئة الله.
- كان الصلب شيئاً أليماً ومهيناً للغاية حتى أنه كان من الأدب عدم الحديث عنه علناً. قال رجل الدولة الروماني شيشرون التالي عن الصلب: “أليست جريمة أن تربط مواطن روماني، ألا يعتبر جلده عملاً شريراً، ألا يعتبر إعدامه قتلاً؟ ماذا أقول إذاً إن صُلب؟ لا يمكنني العثور على كلمات تعتبر عن هذا الفعل البغيض بشكل كافٍ.” ووصف المؤرخ الروماني تاسيتوس الصلب بأنه “عذاب لا يستحقه إلا العبيد.”
- لا يعطي كتّاب الإنجيل شرحاً مفصلاً لعملية الصلب. وهنالك عدة أسباب لذلك.
- كان القراء الأصليين على دراية بهذه الممارسة، لذلك لم يحتاجوا إلى تفسير.
- أهتم كتّاب الإنجيل بعدم استخدام أي لغة أو وصف بهدف التلاعب بالمشاعر، بل سردوا القصة بكل بساطة.
- إن معاناة يسوع الداخلية والروحية كانت أشد وأعظم بكثير من معاناته الخارجية والجسدية.
- اكتشف علماء الآثار في عام ١٩٦٨ بقايا رجل صُلب في حقبة يسوع. وكشفت دراسة البقايا أن الضحية كان مسمراً على الصليب في وضعية الجلوس، وساقيه مثبتتان بمسامير أسفل الكعب على جانبي الخشبة، ويداه ممدودتان ومثبتة بمسامير في الساعد. وصف الدكتور نيكو هاس، أستاذ علم التشريح في الجامعة العبرية، الصلب هكذا: “وضعية قهرية وصعبة وغير طبيعية” تهدف إلى زيادة معاناة الشخص. (تيني وآخرون)
- “كان يوجد قطعة من الخشب تحت قدمي المصلوب تساعد في حمل الجسم وتمنع تمزق اللحم من المسامير.” موريس (Morris)
- وفقاً للدكتور ويليام إدواردز في مجلة ’الجمعية الطبية الأمريكية‘ قد يموت الشخص على الصليب لأسباب عدة: صدمة حادة بسبب النزيف، أو عدم القدرة على التنفس بسبب التعب الشديد، أو الجفاف، أو نوبة قلبية ناجمة عن الإجهاد، أو احتقان القلب الذي يؤدي لتمزق الأوردة. وإن لم تمت الضحية بسرعة، تكسر الساقين، مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس ثم الموت اختناقاً.
- وَصَلَبُوا ٱثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا: كان هناك ثلاثة أشخاص محكوم عليهم بالصلب ذلك اليوم، ٱثْنَيْنِ آخَرَيْنِ وباراباس. أخذ يسوع مكان باراباس. حتى في موته، ربط يسوع نفسه مع الخطاة.
- “كان الجنس البشري كله ممثلاً هناك: المخلص البار، والتائب المُخلص، والُمدان غير التائب.” دودز (Dods)
- وَيَسُوعُ فِي ٱلْوَسْطِ: كان هذا موقع يسوع بالفعل، كان صليب يسوع وسط الصلبان الثلاثة. ولكن من مفهوم آخر، يمكننا القول أن هناك طرق عدة كان فيها يَسُوعُ فِي ٱلْوَسْطِ.
- كان يسوع وسط الجنس البشري. فهو لم يبعد نفسه أبداً عن الإنسان العادي، وتعامل بحرية مع من يعتقدون أنهم عظماء. فمنذ تجسده، وطوال حياته، عاش كواحد منا. مات يسوع وهو في الوسط بين الرجال والنساء، واليهود والأمم، والأغنياء والفقراء، والطبقة الراقية والطبقة المتدنية، والمثقفين وغير المثقفين، والمتدينين والعلمانيين، والمذنبين والأبرياء، والباكين والمستهزئين، ومن تأثروا ومن لم يبالوا، والذين كرهوه وأولئك الذين أحبوه.
- كان يسوع في الوسط مع الخطاة. فقد اعتقد أعداؤه أن هذا سيجعل معاناته أسوأ، واعتقدوا أنه سينزعج أكثر من رؤية الصحبة السيئة التي صلبت معه. وفي موته، سخر منه القادة اليهود وتركه تلاميذه، ومع ذلك كان يسوع في الوسط بين الخطاة حتى النهاية.
- كان يسوع في وسط الفوضى. متى ٤٨:٢٧-٤٩ يخبرنا أنه عندما صرخ للآب في ألم شديد، لم يفهم الناس من حوله ولكن البعض اعتقد أن هذا كان مسلياً.
- كان يسوع في الوسط بين الإيمان والرفض. يخبرنا متى ٤٤:٢٧ أن كلا اللصين سخروا منه، لكن لوقا ٣٩:٢٣-٤١ يخبرنا عن تغيير في أحد المجرمين. آخر صوت شهد عن يسوع كان مجرماً آمن قبل موته. لقد تركه التلاميذ وتركه كل من شفاهم يسوع وعلمهم. وسخر منه القادة اليهود وبصقوا عليه، حتى المؤمنات كن صامتات بسبب حزنهم الشديد. ومع ذلك، كان هناك صوت واحد يعلن الحق عن يسوع بينما الآخرون التزموا بالصمت.
- كان يسوع في الوسط بين المخلصين والهالكين. آخر رفيق ليسوع على هذه الأرض قبل موته كان اللص على الصليب الذي جلبه يسوع للخلاص. ليس من خلال عظة، بل من خلال كل عظة قالها، وكل عمل صالح قام به من قبل. ربما كان هذا التعزية الوحيدة التي لاقاها يسوع على الصليب. ومع ذلك، آمن اللص، وهلك الآخر، وكان يسوع في الوسط بينهما. فالطريقة الوحيدة لتنتقل من جهة لأخرى هي من خلال يسوع.
- كان يسوع في الوسط بين الله والإنسان. أخذ يسوع على الصليب كل عقاب خطايانا. وعلى الصليب كان يسوع هو الكاهن والتقدمة في آن واحد.
- كان يسوع في وسط كل تاريخ الله وعمله. وعلينا ألا ننظر إلى يسوع لأنه في الوسط بنظرة الشفقة أو الأسف. فهو الذي انتصر على الصليب، وكانت تلك أعظم نصرة على الإطلاق.
ب) الآيات (١٩-٢٢): وصف بيلاطس العلني ليسوع وجريمته المفترضة
١٩وَكَتَبَ بِيلَاطُسُ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى ٱلصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوباً: «يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ». ٢٠فَقَرَأَ هَذَا ٱلْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ، لِأَنَّ ٱلْمَكَانَ ٱلَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ وَٱلْيُونَانِيَّةِ وَٱللَّاتِينِيَّةِ. ٢١فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ ٱلْيَهُودِ لِبِيلَاطُسَ: «لَا تَكْتُبْ: مَلِكُ ٱلْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ ٱلْيَهُودِ!». ٢٢أَجَابَ بِيلَاطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ».
- وَكَتَبَ بِيلَاطُسُ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى ٱلصَّلِيبِ: كان هذا وفقاً للتقاليد الرومانية. فقد كانت جريمة الشخص الذي سيصلب تكتب وتعلق حول رقبته أثناء حمله للصليب وسيره نحو مكان الإعدام. ثم كانت تلك اللافتة تعلق فوق الصليب كي يراها الجميع ويعرفوا سبب الصلب.
- “جرت العادة أن يضع الشخص المدان لافتة تحمل اسمه وطبيعة جريمته.” تيني (Tenney)
- “كانت اللافتة عبارة عن لوح أبيض مصنوع من الجبس وكانت تستخدم عادة للإعلانات العامة.” دودز (Dods)
- وَكَانَ مَكْتُوباً: «يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ»: كتب بيلاطس اسم يسوع، وهو نفس الاسم الذي تم استخدامه للتعرف عليه واعتقاله في بستان جثسيماني (يوحنا ٥:١٨). ثم كتب، كما أشرنا سابقاً، جريمة يسوع (على الأقل التهمة التي وجهت إليه من الأساس) وهي إدعائه أنه مَلِكُ ٱلْيَهُودِ (يوحنا ٣٣:١٨-٣٤).
- حتى في موته، عُرف يسوع بالناصري، ذلك اللقب الوضيع وغير المعروف. حتى في موته، عُرف يسوع كالملك. فملوك هذا العالم يحتلون عروشهم عن طريق موت الآخرين. ولكن أعلن يسوع أنه الملك على كل العالم عن طريق موته على الصليب.
- كان هذا العنوان مناسباً تماماً ليسوع لأنه بلا خطية. فاللافتات التي كانت فوق المجرمين على كلا الجانبين كانت تصف جرائمهم، أما اللافتة التي كانت فوق صليب يسوع كانت ببساطة تصف من يكون، ولم يكتب عليها أي جريمة لأنه لم يرتكب أي جريمة.
- فَقَرَأَ هَذَا ٱلْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ، لِأَنَّ ٱلْمَكَانَ ٱلَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ ٱلْمَدِينَةِ: أراد الرومان أن يكون الصلب حدثاً عاماً، كي يرى كَثِيرُونَ الضحية البائسة، ويقرأوا سبب العقاب، ليتم تحذيرهم. كما تؤكد هذه الآية أن يسوع صُلب خارج أسوار المدينة (عبرانيين ١٢:١٣)، ولكن المكان كان قريباً من المدينة، وعلى الأرجح بالقرب من طريق كثير الاستخدام.
- وَكَانَ مَكْتُوباً بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ وَٱلْيُونَانِيَّةِ وَٱللَّاتِينِيَّةِ: أراد بيلاطس أن يرى أكبر عدد من الناس هذه اللافتة التي كتبها عن يسوع. وهذه نبوة أخرى قيلت دون دراية من القائل، عن كيف انتشرت رسالة يسوع المسيح المصلوب والمتوج كملك لكل أمة ولسان، وهي رسالة كان المقصود منها منذ البداية أن تكون موجهة لكل العالم.
- “بالآرامية للسكان المحليين، وباللاتينية للمسؤولين، وباليونانية لأنها اللغة التي كانت سائدة في المنطقة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.” تيني (Tenney)
- “بالعبرية لليهود الذين عظموا الناموس، باليونانية للإغريق الذين عظموا الحكمة، وباللاتينية للرومان الذين عظموا السلطة.” تراب (Trapp)
- بسبب استخدم القدماء، أمثال الرومان، للاختصارات كثيراً، قد يكون من الصعب إعادة كتابة نفس الحروف بدقة. ومع ذلك، استطاع آدم كلارك أن يفعل ذلك كما يلي:
- في العبرية: aydwhyd aklm ayrun ewsy
- في اليونانية: ihsouv o nazwreov o basileuv twn ioudaiwn
- في اللاتينية: iehsus nazarenus rex iudaeorum
- «لَا تَكْتُبْ: مَلِكُ ٱلْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ ٱلْيَهُودِ!»: اعترض القادة اليهود على ما كتبه بيلاطس. وقالوا أنه خطأ لأنهم لم يصدقوا أن يسوع كان حقاً مَلِكُ ٱلْيَهُودِ. واعتقدوا أيضاً أن ما كتبه كان مهيناً، لأنه يظهر قدرة الرومان على إذلال وتعذيب حتى ’مَلِكُ ٱلْيَهُودِ.‘
- «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ»: وجد بيلاطس أخيراً الشجاعة للتصدي للقادة اليهود، ولكنه فعل ذلك على مسألة غير مهمة نسبياً. وقد يقول أحدهم، أن بيلاطس أكرم الملك الذي جاء ليشهد عن الحق (يوحنا ١٨: ٣٧) دون أن يعلم، وذلك بإصراره على وضع هذا الوصف الحقيقي لتواضع يسوع ومجده.
- “تعني كلماته هذه أنه لن يغير ما كتبته. فالقوانين الرومانية كانت تمنع تعديل الحكم بعد النطق به؛ وبما أن هذا النقش كان الحكم المعلن ضد ربنا، فكان من المستحيل تغييره.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٢٣-٢٤): الجنود يتقاسمون ثياب يسوع تحقيقاً للنبوة
٢٣ثُمَّ إِنَّ ٱلْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا ٱلْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ ٱلْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. ٢٤فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَا نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: «ٱقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هَذَا فَعَلَهُ ٱلْعَسْكَرُ.
- ثُمَّ إِنَّ ٱلْعَسْكَرَ: كان الجنود هم من يشرفون على عملية الصلب، وذلك للحفاظ على النظام وللتأكد من موت المُدان.
- أَخَذُوا ثِيَابَهُ: لم يحتفظ يسوع بأية ممتلكات وهو على الصليب. حتى الملابس التي على ظهره أخذوها منه، وعملوا قرعة على ما تبقى عليه… القميص.
- “كان الشخص يصُلب عارياً في العادة (Artemidorus II. 61). ولكن بسبب حساسية اليهود، لم يعد الشخص يُصلب عارياً تماماً، والمحكوم عليهم بالرجم كان يسمح لهم بقطعة تغطي المناطق الحساسة ( Sanhedrin VI. 3). ولكن مسألة مراعاة الرومان لمشاعر اليهود لا زالت مسألة غير معروفة.” (لاين Laneفي تفسيره لإنجيل لوقا)
- كان ابيليوس (Apuleius) يستخدم هذه الجملة للمقارنة بين الأشياء: ’عار كطفل حديث الولادة أم كشخص مصلوب.” دودز (Dods)
- يدل هذا على أن يسوع وصل لأدنى نقطة ليتمم خلاصنا. فقد تخلى عن كل شيء – حتى آخر قطعة من ملابسه – وافتقر تماماً حتى نصبح أغنياء تماماً فيه، كما تقول الآية في كورنثوس الثانية ٩:٨ “فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ ٱفْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ.”
- وَكَانَ ٱلْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ: كان القميص (أو اللباس الداخلي) منسوجاً بدون خياطة، فتقسيمه أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ كان لا يفيد الجنود، خاصة وأنهم قد سبق وأخذوا ثيابه الأخرى.
- يذكّرنا قميص يسوع المنسوج معاً كقطعة واحدة بالدور الذي لعبه كرئيس الكهنة العظيم. فالآية في سفر الخروج ٣١:٢٨-٣٢ تصف الجُبَّة التي كان رئيس الكهنة يرتديها وكيف كانت منسوجة من أولها إلى آخرها دون أثر للخياطة فيها.
- «لَا نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ»: فعل الجنود هذا غير مدركين طبعاً أنهم كانوا يحققون النبوة المذكورة في مزمور ١٨:٢٢. وبينما مات ابن الله بدلاً عن خطية العالم، كان العالم يضحك بلا مبالاة ويلعب عند قدميه.
د ) الآيات (٢٥-٢٧): يسوع يكلف يوحنا برعاية أُمُّه.
٢٥وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ، مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ. ٢٦فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَٱلتِّلْمِيذَ ٱلَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً، قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا ٱمْرَأَةُ، هُوَذَا ٱبْنُكِ». ٢٧ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ أَخَذَهَا ٱلتِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ.
- وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ: من الصعب أن نفهم الألم الذي كانت مريم تشعر به وهي تنظر لإبنها المصلوب. لقد شهدت آلام ابنها والذل والعار الذي تعرض له ومن ثم رأته يموت.
- عندما صَعِد كل من مريم ويوسف إِلى الهيكل ليقدموا ابنهم المولود حديثاً للرب، رأى رجل تقي اسمه سمعان يسوع وأخذه بين ذراعيه وباركه، ثم قال لمريم: “وَأَنْتِ أَيْضاً يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ (لوقا ٣٥:٢). وهذا ما اختبرته مريم بالفعل طوال خدمة ابنها، فالناس رفضوه وقاوموه وشتموه وتآمروا ضده. ولكن كل هذا كان تحقيقاً لهذا الوعد. ومن بين كل الذين نظروا إلى يسوع على الصليب، لم يتعذب أحد كما فعلت مريم.
- وَأُخْتُ أُمِّهِ، مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ: هؤلاء النساء الأوفياء كن هناك مع يسوع وهو يعاني على الصليب، لتكريمه ولدعم أمه مريم. كانت مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا وَمَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ كن من اللواتي اكتشفن القبر الفارغ… الدليل على قيامة يسوع.
- “من المحتمل أن تكون ’أُخْتُ أُمِّهِ‘ هي نفسها سَالُومَةُ (مرقس ٤٠:١٥) و’أُمُّ ٱبْنَيْ زَبْدِي‘ (متى ٥٦:٢٧)، وكانت مع النساء الكثيرات تنظر من بعيد موت يسوع.” موريس (Morris)
- وَٱلتِّلْمِيذَ ٱلَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً: هذه كانت طريقة يوحنا المتواضعة في التعريف عن نفسه في القصة، وفعل ذلك أربع مرات في إنجيله (يوحنا ٢٣:١٣، ٢٦:١٩، ٧:٢١، ٢٠:٢١). يخبرنا يوحنا أنه كان حاضراً وقت صلب يسوع وعاين هذه الأشياء بنفسه (يوحنا ٣٥:١٩).
- قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا ٱمْرَأَةُ، هُوَذَا ٱبْنُكِ»: اهتم يسوع بأمه حتى آخر لحظة في حياته. حتى وهو على الصليب، كان مهتماً بالآخرين أكثر من نفسه. فإن كان هناك وقت مناسب ليركز فيه يسوع على نفسه، فهذا كان أنسب وقت، ومع ذلك، صب كل تركيزه على الآخرين حتى النهاية.
- كتب كلارك (Clarke) تعليقاً على جملة «يَا ٱمْرَأَةُ، هُوَذَا ٱبْنُكِ»: “لا تعني كلماته أي عدم احترام لها أو عدم اكتراث كما يفترض البعض عادة. فقد كان لقب: يا رجل! أو يا امرأة! من أكثر الألقاب إحتراماً بين اليهود في ذلك الوقت، تماماً كاستخدامنا اليوم للألقاب: سيدي! أو سيدتي!”
- اقترح كلارك أيضاً أن يسوع لم يدعوها ’أمي‘ وهو معلق على الصليب لأن وقع هذه الكلمة عليها في تلك الظروف كان سيزيد من معاناتها.
- وَمِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ أَخَذَهَا ٱلتِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ: أطاع كل من يوحنا ومريم أمر يسوع وهو الصليب، رغم أن هذا كان رائعاً بالمقارنة مع الحالة التي كان بها. كان لدى مريم أبناء غير يسوع ولدوا بعده، وتوجد إشارات عدة عن إخوته وأخواته غير الأشقاء (متى ٤٦:١٢-٤٧، ٥٥:١٣-٥٦، يوحنا ١٢:٢، ٣:٧-١٠). وعلى الرغم من هذا، ترك يسوع أمه مريم تحت رعاية يوحنا التلميذ والرسول.
- لعل يسوع فعل ذلك ليؤكد لنا أن علاقتنا معه في الملكوت هي أهم بكثير من علاقته بأشقائه بالدم.
- لعل يسوع فعل ذلك لتكريم التلميذ الوحيد (حسب معرفتنا) الذي كان شجاعاً بما فيه الكفاية للوقوف مع يسوع ويكون حاضراً معه وقت الصلب.
- لعل يسوع فعل ذلك لأن أشقائه لم يتبعوه كتلاميذ خلال خدمته الأرضية ولم يؤمنوا به بعد، لهذا أراد يسوع أن يترك والدته مع شخص مؤمن.
- لعل يسوع فعل ذلك عالماً أن يوحنا هو التلميذ الوحيد الذي سيموت موتاً طبيعياً وسيعيش أطول من أشقاء يسوع.
- لعل يسوع فعل ذلك ببساطة بسبب حكمته وبصيرته.
- «هُوَذَا أُمُّكَ»: من الملاحظ أن يسوع لم يحتاج أن يقول ليوحنا ’اعتني بأمي‘ بل كل ما كان عليه فعله هو وصف العلاقة الجديدة وبعدها ستسير الأمور بالشكل الطبيعي. وبنفس الطريقة، هناك عدة وصايا لنحيا حياة القداسة التي لا يحتاج يسوع شرحها لنا، فعندما تكون العلاقة صحيحة، تكون التصرفات صحيحة.
- “لم يقدم يسوع ليوحنا أي تعليمات محددة حول كيفية العناية بمريم. وكان كافياً أن يلفت الرب انتباهه إليها بالقول: «هُوَذَا أُمُّكَ». يا ليتنا جميعاً نملك مثل هذا القلب الذي لا يحتاج للتفاصيل، بل يكتفي بالتلميح.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٢٨-٣٠): إعلان يسوع العظيم ثم الموت
٢٨بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ ٱلْكِتَابُ قَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ». ٢٩وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلّاً، فَمَلَأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ ٱلْخَلِّ، وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. ٣٠فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخَلَّ قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ.
- بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ: عرف يسوع أن عمله العظيم وحياته وموته على الصليب قَد أُكمل، لهذا استعد ليسلم الروح لأن العمل قد تم.
- كان هناك وقت قبل أن تتحقق فيه كل الأشياء (لوقا ٥٠:١٢).
- كان هناك وقت تحققت فيه كل الأشياء، حينما سكب الله على يسوع كل غضبه ودينونته على الخطية، وحينما جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللهِ فِيهِ (كورنثوس الثانية ٢١:٥).
- سيأتي الوقت الذي ستكتمل فيه كل الأشياء، عندما يقدم يسوع نفسه بدلاً عن خطايا البشر.
- «أَنَا عَطْشَانُ»: لم يقبل يسوع بشرابٍ ليخفف ألمه في بداية محنته (إنجيل مرقس ٢٣:١٥)، لكنه الآن لم يرفض طعم النبيذ المخفف ليرطب الشفاه الجافة والحلق اليابس ليتمكن من إصدار إعلانه الأخير للعالم بصوت واضح وعالي.
- وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلّاً: “بما أن الكاتب ذكر أنه كان هناك وعاء مليءٌ بالخل، فهذا يؤكد على أن الكاتب كان شاهد عيان.” دودز (Dods)
- خَلّاً: “لا ينبغي الخلط بين هذا الخل وبين النبيذ الممزوج بالمرّ في مرقس ٢٣:١٥ الذي رفضه يسوع، فالأخير أخذه الجنود معهم إلى مكان الصلب للترفيه عن أنفسهم أثناء إنتظارهم الذي عادة ما يكون طويلاً.” تاسكر (Tasker)
- وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا: “إن مجرد ذكر نبات الزوفا، كان يرجع بخيال اليهودي إلى دم حمل الفصح.” باركلي (Barclay)
- يمكننا ربط جملة ’كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ‘ بجملة ’أَنَا عَطْشَانُ.‘ فعندما قال يسوع: «أَنَا عَطْشَانُ» نعلم أن الأسوأ كان قد انتهى وأن الثمن قد دُفع وأنه مستعدٌ الآن للإعلان عن ذلك. وهكذا الحال عندما يقول الخاطي “أنا عطشان” فالأسوأ قد انتهى، لأن يسوع سيروي روحه الظمآنة عندما يُقبل إليه.
- «قَدْ أُكْمِلَ»: كانت صرخة يسوع الأخيرة (tetelestai في اليونانية القديمة) هي صرخة النصرة. فقد أنهى يسوع الغاية من الصليب. وهذا العمل الذي أُكمل، صار الأساس لسلام وإيمان كل مؤمن، لأن الثمن الذي ندين به لله قد دفع بالكامل وحل السلام بين الله والإنسان.
- كلمة واحدة قد تغير كل شيء. فكلمة ’بريء‘ في المحكمة تغير كل شيء، ووجود ’العدل‘ في أي منافسة يغير كل شيء. وكلمة ’نعم‘ من إمرأة لحبيبها الذي يطلب منها الزواج يغير كل شيء. وكلمة ’وداعاً‘ قد تغير كل شيء. ومع ذلك، لم يكن هناك قط كلمة واحدة أثرت في التاريخ كالكلمة التي قالها يسوع في يوحنا ٣٠:١٩.
- في وقت ما قبل موته، وقبل أن ينشق الحجاب، وقبل أن يصرخ «قَدْ أُكْمِلَ» حدثت عملية روحية رائعة. فقد وضع الله الآب كل الدينونة والغضب الذي تستحقه خطايانا على الله الابن الذي حملها بكمال نفسه ليرضي ويسكِّن غضب الله نحونا.
- “كانت تلك صرخة شخص منتصر. فلم تكن صرخة ألم أو نحيب، بل صرخة شخص أنهى عمله الرائع بنجاح.” سبيرجن (Spurgeon)
- “مات يسوع بعد صرخة الانتصار. فلم تكن أنين الانهزام أو تنهيدة استسلام من مريض. بل صرخة النصرة لأنه أتم العمل الذي جاء ليعمله.” موريس (Morris)
- “اُستخدم الفعل ’أكمل‘ (teleo) في القرنين الأول والثاني بمعنى وفاء أو تسديد الدين، وكثيراً ما كانت الكلمة تستخدم في الإيصالات. فيمكننا تفسير عبارة يسوع: ’قد أُكمل‘ (tetelestai.) قد دُفع بالكامل.” تيني (Tenney)
- كُلَّ شَيْءٍ قَدِ اكْتَمَلَ، دُفع بالكامل، قَدْ تَمَّ.
- أُكمل الرموز والوعود والنبوات.
- أُكمل الذبائح والطقوس.
- أُكمل خضوعه الكامل.
- أُكمل عداله الله.
- أُكمل قوة الشيطان والخطية والموت.
- “بدأت دماء الذبائح من بوابات جنة عدن تتدفق وتزداد مع تعاقب السنين. ولكن منذ لحظة تتميم الفداء لم يعد هناك داع لسكب نقطة دم أخرى، فقد انتهت الرموز وصار ذلك الرمز حقيقة واقعة.” ماير (Meyer)
- “هل أكمل العمل عني؟ إذاً عليَّ أن أعمل وأثابر إلى أن أنتهي من عملي أيضاً، لا لخلاص نفسي، لأن هذا قد أُكمل، بل لأني قد نلت الخلاص.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَنَكَّسَ رَأْسَهُ: يتحدث هذا عن السلام الذي كان يتمتع به يسوع، وكأنه يستلقي على وسادة للنوم. فيسوع لم ينكس رأسه في انكسار، بل نكس رأسه في سلام.
- “استخدمت نفس عبارة ’وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ‘ في أماكن أخرى لتشير لمن يسند رأسه للنوم (متى ٢٠:٨، لوقا ٥٨:٩ أَمَّا ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ)؛ والمعنى الضمني هنا هو أن يسوع نكس رأسه طواعية، وكان مستعداً الآن للنوم، نوم الموت.” بروس (Bruce)
- وَنَكَّسَ رَأْسَهُ: “لدينا شاهد عيان يهتم جداً بالتفاصيل، فكل لحظة من هذا الحدث الرائع كان له أكبر الأثر عليه.” آلفورد (Alford)
- وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ: لم يأخذ أحد حياة يسوع منه، بل هو، بخلافِ أي إنسان، أَسْلَمَ ٱلرُّوحَ. فلم يمسك الموت ابن الله البار. ورغم أنه أخذ خطيتنا إلا أنه لم يخطئ أبداً. لذلك لن يموت إن لم يتخلَ عن روحه بنفسه.
- وكما قال يسوع: لِأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً (يوحنا ١٧:١٠-١٨).
- “تخلى عن حياته لأنه أراد ذلك، وفعل ذلك عندما أراد وكما أراد.” أوغسطينوس (Augustine)
- “لم يأخذ أحد حياته منه، بل استسلم طواعية للموت، وكان يملك السلطان لفعل ذلك، فله السلطان أن يقدم حياته وله السلطان ذاته ليستردها (يوحنا ١٨:١٠).” ترينش (Trench)
- عمل يسوع على الصليب يرتبط باستسلامه للموت طواعية على الصليب: كي يصنع أهم عمل في حياته. وقد انعكس هذا حتى على تاريخ العالم القديم. والإشارات المستمرة إلى يسوع في الكتابات المرتبطة بالمسيحية كانت تسلط الضوء دائماً على موته على الصليب.
- رسالة كتبها مارا بار سيرابيون لابنه (حوالي العام ٧٣ م)
- يوسيفوس المؤرخ اليهودي (حوالي العام ٩٠ م)
- تاسيتوس المؤرخ الروماني (ما بين الأعوام ١١٠-١٢٠م)
- التلمود البابلي (حوالي العام ٢٠٠ م)
ثالثاً. ما حدث مباشرة بعد موت يسوع بالصلب
أ ) الآيات (٣١-٣٢): الحاجة لإنزال الأجساد عن الصلبان.
٣١ثُمَّ إِذْ كَانَ ٱسْتِعْدَادٌ، فَلِكَيْ لَا تَبْقَى ٱلْأَجْسَادُ عَلَى ٱلصَّلِيبِ فِي ٱلسَّبْتِ، لِأَنَّ يَوْمَ ذَلِكَ ٱلسَّبْتِ كَانَ عَظِيماً، سَأَلَ ٱلْيَهُودُ بِيلَاطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا. ٣٢فَأَتَى ٱلْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلْآخَرِ ٱلْمَصْلُوبِ مَعَهُ.
- ثُمَّ إِذْ كَانَ ٱسْتِعْدَادٌ: تشير الآية هنا إلى تصريح يوحنا في ١٤:١٩ وتثير نفس الأسئلة الصعبة المتعلقة بالتسلسل الزمني التي سبق وذكرناها في يوحنا ٢٨:١٨.
- فَلِكَيْ لَا تَبْقَى ٱلْأَجْسَادُ عَلَى ٱلصَّلِيبِ فِي ٱلسَّبْتِ: جرت العادة أن تبقى الأجساد على الصلبان لعدة أيام لتكون بمثابة تحذير قاسٍ من عواقب التمرد على الحكم الروماني. ولكن بسبب اقتراب ٱلسَّبْتِ (فذَلِكَ ٱلسَّبْتِ كَانَ عَظِيماً لإرتباطه بعيد الفصح)، طالب القادة اليهود أن يتخلص الرومان من المشهد المقزز للمصلوبين الثلاثة.
- “لم تتأثر ضمائرهم بقتل يسوع، ولكنهم تأثروا كثيراً وخافوا من تدنيس الطقوس. فالوازع الديني قد يعيش داخل الضمير الميت.” سبيرجن (Spurgeon)
- سَأَلَ ٱلْيَهُودُ بِيلَاطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ: كانت تُكسر السيقان لأن هذا يسرع في موتهم. فعندما يفقد المصلوب ساقيه يصبح من الصعب عليه التنفس لأن ساقيه تسند جسده في عملية التنفس.
- “الطريقة الوحيدة لكي يتنفس المصلوب كانت في أن يرفع جسده مستخدماً الساقين لتخفيف الضغط عن عضلات الذراعين والصدر. فعندما تكسر الساقين، يصبح من الصعب التنفس وتكون النتيجة الموت السريع بسبب نقص الأوكسجين.” تيني (Tenney)
- فَأَتَى ٱلْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلْآخَرِ ٱلْمَصْلُوبِ مَعَهُ: رداً على طلب القادة اليهود، قام ٱلْعَسْكَرُ بتسريع عملية موت اللصين اللذين صُلبا مع يسوع.
- كان هذا عملاً وحشياً حتى بالنسبة لهؤلاء الرجال الخشنين. فعلى الأرجح استخدموا قضيباً حديدياً أو هراوة كبيرة. “كانوا يكسرون السيقان بمطرقة أو قضيب لتسريع عملية الموت، فبدون هذه الوسائل، قد يبقى المصلوب معلقاً لمدة ست وثلاثين ساعة في بعض الحالات” دودز (Dods). ولا بد أن عملية كسر الساقين كانت شيئاً مريعاً لا سيما إن كان الشخص لا يزال على قيد الحياة.
- “قال لاكتانتيوس أنه كان مألوفاً أن تكسر ساقي الشخص أو أي عظام أخرى وهو معلق على الصليب. ويبدو أن هذا العمل كان نوعاً من الرحمة، فالموت السريع حتماً سيخلصهم من الألم.” كلارك (Clarke)
- “دلت الاكتشافات الأثرية التي أشرنا إليها في تفسير يوحنا ١٨:١٩ على أن ذلك الشخص تعرض لمثل هذا الأمر: كانت إحدى الساقين تعاني من كسر جراء ضربة واحدة قوية أدت إلى شرخ في الساق الأخرى أيضاً.” بروس (Bruce)
- “دخل اللص التائب السماء ذلك اليوم، ولكن دخوله لم يكن دون معاناة. ويمكننا القول بالأحرى أن ما تعرض له ذلك اللص كانت الوسيلة الفورية لتحقيق وعد الرب به. فمن جراء تلك الضربة مات في ذلك اليوم، وإلا لبقي معلقاً هناك لمدة طويلة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣٣-٣٤): التأكيد على موت يسوع الناصري
٣٣وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. ٣٤لَكِنَّ وَاحِداً مِنَ ٱلْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ.
- وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ: أشرف هؤلاء العسكر على العديد من عمليات الصلب. وكانوا يعرفون جيداً إن كان الشخص المصلوب لا يزال حياً أم ميتاً. وبسبب خبرتهم هذه، أعلنوا أن يسوع قَدْ مَاتَ.
- أضاف مرقس ٤٤:١٥-٤٥ أن بيلاطس البنطي طلب من قائد المئة التأكد من موت يسوع، وهذا ما أكده قائد المئة تماماً.
- لَكِنَّ وَاحِداً مِنَ ٱلْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ: الطريقة المعتادة للتأكد من موت المصلوب كانت كسر الساقين. فحينا فعلوا ذلك مع الضحيتين، كان من الطبيعي أن يتجه هذا الجندي نحو يسوع ويفعل به ما فعله مع الباقين، فقد كان لديه أمر وعليه تنفيذه. إلا أنه لم يفعل ذلك، بل طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ وهكذا تمم النبوات دون أن يقصد.
- يبدو أن الطعنة كانت كبيرة بحجم اليد (يوحنا ٢٥:٢٠)، ويمكن أن نفترض أن الجندي أراد التأكد من موت يسوع ولهذا طعنة بهذه الطريقة، فإن لم يكن قد مات بعد، فهذه الطعنة كانت حتماً ستؤدي إلى موته.” دودز (Dods)
- وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ: كل هذا تأكيد تام على موت يسوع. فقد أدت الطعنة في جنبه إلى تدفق مادة تبدو وكأنها دَمٌ وَمَاءٌ.
- يرى البعض إن ما حدث كان تشريحاً فورياً لجثة يسوع، لأنه كشف عن السبب الحقيقي للموت وهو تمزق جدار القلب. وفي حالات كهذه يملأ الدم الغشاء الخارجي للقلب الذي يحوي عادة سائلاً مائياً، وفي حالة تمزق هذا الغشاء تتدفق محتوياته خارج الجسم فستبدو كالدم والماء، إذ أنها لا تختلط معاً، تماماً كالزيت والماء. وعادة تسيل هذه للخارج ببطئ، لكن يبدو أن ما حدث كان أمراً غير طبيعي بهدف إظهار هذه المعجزة.
- كان الدم والماء يستخدم كثيراً في العهد القديم لتطهير الخطية والتكفير عنها. “إن جمعت كل رموز العهد القديم ستدرك أن التطهير من الخطية كان يتم عادة بالدم والماء. فالدم كان واضحاً دائماً، فبدون الدم لا توجد مغفرة: لكن استخدام الماء كان أمراً مألوفاً جداً أيضاً.” سبيرجن (Spurgeon)
- قدم سبيرجن فكرة أخرى عما يوضحه هذا لنا: “قال أحد القدماء أن يسوع المسيح كان صورة عن آدم، أبونا الأول. فعندما نام آدم، خرجت حواء من جنبه، وعندما نام يسوع على الصليب نوم الموت، خرجت الكنيسة من جنبه المطعون.”
ج ) الآيات (٣٥-٣٧): تحقيق النبوات هو تأكيد يوحنا الرسمي
٣٥وَٱلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. ٣٦لِأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: «عَظْمٌ لَا يُكْسَرُ مِنْهُ». ٣٧وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: «سَيَنْظُرُونَ إِلَى ٱلَّذِي طَعَنُوهُ».
- وَٱلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ: قدم يوحنا تأكيده الرسمي على حضوره وقت صلب المسيح وأنه رأى كل هذه الأمور بأم عينيه. كما أوضح أيضاً سبب شهادته: لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ القراء.
- يبدو أن يوحنا تأثر بشكل خاص من رؤية الدم والماء المذكورين في الآيات السابقة. فنجده يصف يسوع لاحقاً في إحدى رسائله (يوحنا الأولى ٦:٥) بأنه هو ٱلَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ. ولقد حير هذا الوصف العديد من المفسرين، وكانوا غير متأكدين إن كان يوحنا يتكلم عن ماء المعمودية هنا أم عن الماء المذكور في يوحنا ٣٤:١٩.
- الطريقة التي مات بها يسوع وكل التأكيدات على ذلك يشكلان جزءاً أساسياً من إيماننا المسيحي. وكل هذا حقاً لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. فكل ما قدمه لنا يوحنا عن موت يسوع حتى هذه النقطة يقودنا بالفعل إلى الإيمان.
- براءة يسوع تقودنا إلى الإيمان.
- كرامة يسوع رغم العذاب إلى الإيمان.
- طريقة موته وصلبه تقودنا إلى الإيمان.
- اللافتة فوق صليبه تقودنا إلى الإيمان.
- القرعة على ثيابه تقودنا إلى الإيمان.
- حُبَهُ لأُمِه يقودنا تقودنا إلى الإيمان.
- صرخته: ’قد أكمل‘ تقودنا إلى الإيمان.
- التخلي عن روحه بسلام تقودنا إلى الإيمان.
- التأكدات على موته تقودنا إلى الإيمان بأنه قد قام من الأموات حقاً.
- لِأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ: ومن الملفت للنظر أن قرار الجندي الروماني المجهول الذي بدا عشوائياً في أن يطعن جنب يسوع بدلاً من كسر ساقيه، كان في الواقع تحقيقاً لما جاء في الكتب: ’ لِأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ.‘
- «عَظْمٌ لَا يُكْسَرُ مِنْهُ»: هذه نبوة من مزمور ٢٠:٣٤ (وسفر الخروج ٤٦:١٢ وسفر العدد ١٢:٩) لم تكن معروفة أو مشهورة، ومع ذلك حققها إنسان ما عن طريق الصدفة. وتحقيقها الدقيق يظهر عناية وإرشاد الله ويقودنا للإيمان.
- أُمِر الجندي الروماني بكسر سَاقَي الرَّجُلَينِ المَصلُوبَين، لكنه لسبب ما لم يفعل ذلك مع يسوع. وكان هذا تحقيقاً رائعاً للنبوة.
- «سَيَنْظُرُونَ إِلَى ٱلَّذِي طَعَنُوهُ»: والنبوة من زكريا ١٠:١٢ و٦:١٣ لم تكن معروفة أيضاً ولكنها تحققت أيضاً عن طريق الصدفة. وتحقيقها الدقيق يُظهر أيضاً تدبير وتسيير الله للأمور ويقودنا للإيمان.
- “الطعن قد حصل بالفعل، ولكن الجزء الذي يقول ’سَيَنْظُرُ النَّاسُ إلَى ذَاكَ الَّذِي طَعَنُوهُ وَسَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ‘ وفقاً لنبوة زكريا، سيحدث في المستقبل.” ترينش (Trench)
د ) الآيات (٣٨-٤٢): تلميذان خائفان يدفنان يسوع
٣٨ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ ٱلَّذِي مِنَ ٱلرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلَكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ ٱلْخَوْفِ مِنَ ٱلْيَهُودِ، سَأَلَ بِيلَاطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَأَذِنَ بِيلَاطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ. ٣٩وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ، ٱلَّذِي أَتَى أَوَّلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. ٤٠فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ ٱلْأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. ٤١وَكَانَ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي ٱلْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. ٤٢فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ ٱسْتِعْدَادِ ٱلْيَهُودِ، لِأَنَّ ٱلْقَبْرَ كَانَ قَرِيباً.
- ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ ٱلَّذِي مِنَ ٱلرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلَكِنْ خُفْيَةً: حتى في هذه المرحلة الأخيرة من عمله على الأرض وقبل قيامته، ابن الله يبقى مكتوف الأيدي. ولكن الله أقام تلميذين – أبقوا إيمانهما سراً – (يُوسُفَ ٱلَّذِي مِنَ ٱلرَّامَةِ ونِيقُودِيمُوسُ) ليأخذا جسد يسوع ويدفناه بأفضل طريقة في الوقت القصير المتبقي قبل غروب الشمس وبداية السبت (لوقا ٥٤:٢٣).
- سَأَلَ بِيلَاطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ: جرت العادة أن تترك الجثة على الصليب لتتعفن أو تؤكل من قبل الحيوانات البرية. ولكن اليهود لم يرغبوا ببقاء هذا المشهد المروع أثناء عيد الفصح، ومن المعروف أن الرومان لا يرفضون تسليم الجثث للأصدقاء أو الأقارب لدفنهم كما يليق.
- “كان الرومان يتركون الجثث لتأكلها الطيور الجارحة.” دودز (Dods)
- “كانت مراسم الدفن بالنسبة لليهود تعتبر أمراً هاماً جداً في تلك الأيام. وكثيرون كانوا يتكبدوا الكثير من العناء لدفن الشخص بطريقة لائقة، وربما لهذا السبب فعل يوسف ما فعله.” موريس (Morris)
- استخدم الله هؤلاء الرجال لحماية جسد يسوع. “وكما قام أخيل بجر جثة هيكتور حول أسوار طروادة، هكذا سيرغب الشيطان أن يفعل الإنسان بجسد يسوع الميت، وإن ترك الأمر له، فكان سيلقي به للكلاب حتماً، ولكن من المستحيل أن يحدث ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ: يبدو أن يوسف ونيقوديموس أخذا جسد يسوع بأنفسهم، ورغم أنهما كانا من الشخصيات الثرية وذات النفوذ (متى ٥٧:٢٧، مرقس ٤٣:١٥، يوحنا ١:٣) ورغم أنه كان بإمكانهما استخدام الخدم لهذا الأمر، إلا أنهما فعلا ذلك بأنفسهم.
- “لا يشير يوحنا بوضوح هنا (كما فعل كل من القديس مرقس والقديس لوقا) ولكننا نفهم ضمنياً أن يوسف نفسه أنزل جسد يسوع من على الصليب.” آلفورد (Alford)
- لا بد أن إنزال جسد يسوع ونزع المسامير الحديدية من يديه كان عملية صعبة من الناحية العملية والعاطفية.
- وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ ٱلْأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا: قام يوسف ونيقوديموس بدهن جسد يسوع بمَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ يَزِنُ نَحْوَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ كِيلُو غَرَاماً أحضره نيقوديموس، إذ ينبغي دهن الجسد بالأطياب قبل لفه بالأكفان. وإحدى الطقوس التي يتبعها اليهود لإعداد الجسد للدفن كان إزالة كل ما هو غريب من الجسم وغسله بعناية.
- فحصوا جسده بالكامل وعثروا على قطع من الشوكة على رأسه، ورأوا شعره المتلبد من كثرة الدماء، والكدمات الرهيبة على وجهه، واللحية المنزوعة، والشفتين الجافة والمشققة. وعندما قلبوه على بطنه، رأوا كتفيه والذراعين المليئة بالشظايا؛ وكان عليهم إزالتها كلها بعناية، وكان الظهر، من الكتفين للأسفل، ممزقاً بسبب الجلد الذي تعرض له قبل الصلب. وكانت يداه ورجلاه محطمة وملطخة بالدماء. وكان جنبه مطعوناً من الحربة التي أكدت على موته. والأسوأ من كل هذا، عيونه التي لم تفتح، وصوته الذي لم يتكلم.
- من الصعب أن نتخيل حتى التأثير الذي تركه هذا المشهد على الرجلين، فحتى رائحة الطيب ستعيد إليهم ذكريات ذلك اليوم.
- من المؤكد أن هذين الرجلين العارفين بالناموس، علما بينما يقومان بهذا الأمر بأنهما كانا يحققان النبوة في إشعياء ٩:٥٣ التي تقول: ’وَمَدفَنَهُ مَعَ غَنِيٍّ.‘ وهذا ما حدث بالفعل، وها هو جسد يسوع بين أيدي رجلين غنيين. كان من الطبيعي أن يطلبا من الخدم فعل هذا العمل الوضيع، إلا أنهما عرفا أن عليهما القيام بذلك بأنفسهما.
- ما قام به هذان الرجلان كان غريباً، ولكن الأغرب هو أن يسوع، ضمن الخطة الإلهية، اتخذ موقف المتفرج. فتخيل مثلاً، لو أن يسوع بعدما أنهى كل شيء وأسلم الروح، طار من الصليب مثل البطل الخارق كالبرق بكل قوة ومجد لمدة خمسة دقائق أو حتى خمس ثوانٍ بعد موته. ولكن خطة الله الآب كانت أن يبقى يسوع معلقاً على الصليب بلا حراك لفترة من الوقت – فترة كافية حتى يتمكن يوسف من المثول أمام بيلاطس ويطلب الجثة. وبقيَّ يسوع على ذلك الصليب إلى أن أنزلت جثته بمشقة، وبسرعة تم دفنه حسب التقاليد اليهودية.
- كان دفن يسوع، وفقاً لخطة الله، مهماً للغاية إذ يقال إنه أحد المكونات الأساسية للإنجيل نفسه (كورنثوس الأولى ٣:١٥-٤). وهناك عدة أسباب لذلك.
- كان هذا الدفن لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ. تقول الآية في إشعياء ٩:٥٣ “وَجُعِلَ مَعَ ٱلْأَشْرَارِ قَبْرُهُ” مما يعني أن المسيا سيدفن في قبر – وهذا ما حدث بالفعل.
- حقق هذا الدفن الوعد والنبوة عن يسوع. قال يسوع أنه سيُدفن ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تماماً مثل يونان (متى ٤٠:١٢)، ولذلك ينبغي أن يحدث هذا.
- أثبت هذا الدفن أن يسوع مات حقاً، وكان برهان على مجد القيامة القادم. فمن المستحيل أن يقنع أحد يوسف من الرامة ونيقوديموس أن يسوع لم يمت حقاً.
- كان هذا الدفن مهماً لأن الأطياب لم تجعل جسده التَّقِيِّ يَتَعَفَّنُ. وكما قيل في مزمور ١٠:١٦ “لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً.”
- أعطى هذا الدفن يوسف من الرامة ونيقوديموس طريقة للإعلان عن إيمانهما بيسوع؛ فما فعلاه أخرجهم من حالة السرية التي كانا يعيشانها كتلاميذ.
- اختبر هذا الدفن والأيام التي قضاها يسوع في القبر إيمان وإخلاص التلاميذ. فالفترة التي قضاها يسوع في القبر، جعل التلاميذ يموتون، نوعاً ما، لأنهم عرفوا أن سيدهم كان ميتاً في القبر.
- أثبت هذا الدفن أنه لم يهزم الخطية وهو على الصليب فحسب، بل هزم الموت أيضاً. فيظهر الدفن والقبر الفارغ أن يسوع انتصر على الخطية والموت.
- كانت الفترة التي قضاها يسوع في القبر مهمة للغاية لأنها سمحت ليسوع بإنجاز أمرًا مهمًا. تخبرنا الآيات في بطرس الأولى ١٨:٣-٢٠ أن يسوع ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلْأَرْوَاحِ ٱلَّتِي فِي ٱلسِّجْنِ، وعلى الرغم من أننا لا نملك الكثير من التفسير حول هذا، ولكن يبدو أنه بينما كان جسد يسوع مستلقياً في القبر، ذهبت روحه إلى الهاوية، مسكن الموتى. وأثناء وجوده هناك قاد المؤمنين الموتى إلى السماء، في ضوء العمل الذي أكمله على الصليب، وكرز عن الدينونة القادمة للأرواح التي في السجن وعصت قديماً.
- كان هذا الدفن آخر رابط يجمع بين ابن الله والإنسان. صحيح أن عمل يسوع العظيم على الصليب كان له طابع المقايضة أو الاستبدال، ولكن الأمر كان أعمق من ذلك بكثير. فعمل يسوع على الصليب يظهر اتحادنا به، فيسوع يريد أن يتواصل معك بكل الوسائل الممكنة، ويدعوك للتواصل معه. فقد دُفن معنا في جسد بشريتنا الوضيع، ودفنا نحن معه روحياً بالإيمان، ومن خلال المعمودية. اتحد معنا ونحن اتحدنا معه بالإيمان به.
- مُرٍّ وَعُودٍ يَزِنُ نَحْوَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ كِيلُو غَرَاماً: “ربما كانت هذه الكمية الهائلة تمُثل تفاني وولاء الرجل الغني، أو قد تكون هي الكمية المطلوبة لتغطية الجسد بأكمله.” دودز (Dods)
- “تُظهر هذه الكمية (٣٥ كيلو غراماً) ثراء وتقدير نيقوديموس ليسوع.” تيني (Tenney)
- وَفِي ٱلْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ: تخبرنا الآية في متى ٦٠:٢٧ أن هذه المقبرة كانت ملكاً ليوسف الرامي نفسه. فكان من الطبيعي أن يملك شخص غني مثل يوسف قبراً محفوراً في الصخر. وكان هذا القبر في بستان على مقربة من مكان الصلب.
- كان لهذه المقابر عادة مدخل صغير وعدة مقصورات توضع فيها الجثث بعد تحنيطها بالأطياب وبعد لفها بالأكفان. وجرت العادة أن يترك اليهود هذه الجثث لبضع سنوات إلى أن يتحلل الجسد ولا يبقى سوى الهيكل العظمي فقط، ثم يحتفظون بالعظام في صندوق حجري صغير يُعرف باسم ossuary، ويبقى الصندوق في القبر مع رفات أفراد العائلة الآخرين.
- كانت أبواب القبور عادة تصنع من حجر دائري ثقيل يتم دحرجته عند الحاجة في قناة محفورة يستقر فيها، ولكن بسبب وزنه الثقيل، كان من المستحيل أن يتحرك دون مساعدة عدد من الرجال الأقوياء. وكانت هذه وسيلة ضمان ألا يعبث أحد برفات الموتى.
- وَكَانَ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ: “بالنسبة لشخص دقيق الملاحظة كيوحنا، لا يمكن لهذه الملاحظة عن قرب الصلب من البستان أن تكون مجرد صدفة. ربما شعر يوحنا بوجود ارتباط بين البستان والصلب.” موريسون (Morrison)
- “سقط آدم وهو في البستان، وفي البستان فدى آدم الثاني البشرية من تعديات آدم الأول.” تاسكر (Tasker)
- لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ: “إن دُفن يسوع في قبر قديم، فسيقول اليهود أنه قام من الموت لأنه لامس عظام نبي ما أو شخص تقي.” سبيرجن (Spurgeon)