٢ صموئيل ٦
داود يجلب تابوت العهد إلى أورشليم
المزمور ١٣٢ مرتبط بأحداث هذا الإصحاح
أولًا. فشل المحاولة الأولى.
أ ) الآيات (١-٢): داود يجلب تابوت الله إلى أورشليم.
١وَجَمَعَ دَاوُدُ أَيْضًا جَمِيعَ ٱلْمُنْتَخَبِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، ثَلَاثِينَ أَلْفًا. ٢وَقَامَ دَاوُدُ وَذَهَبَ هُوَ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ مِنْ بَعَلَةِ يَهُوذَا، لِيُصْعِدُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ ٱللهِ، ٱلَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ بِٱلٱسْمِ، ٱسْمِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ، ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْكَرُوبِيمِ.
١. وَجَمَعَ دَاوُدُ أَيْضًا جَمِيعَ ٱلْمُنْتَخَبِينَ فِي إِسْرَائِيلَ: جمع داود عددًا كبيرًا من أفضل جنود إسرائيل، لأن إحضار التابوت إلى أورشليم كان خطوة مهمة نحو توفير مكان مركزي للعبادة لكل إسرائيل.
٢. لِيُصْعِدُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ ٱللهِ: كان هذا تابوت العهد الذي أمر الرب موسى بصنعه قبل ما يزيد عن أربع مئة من زمن داود. وكان صندوقًا خشبيًّا (تعني الكلمة العبرية المستخدمة ’الصندوق‘) مغطى تمامًا بالذهب، وبغطاء ذهبي مزخرف أو غطاء يُدعى كرسي الرحمة.
· كان طول تابوت الله ثلاثة أقدام وتسع بوصات، وعرضه قدمين وثلاث بوصات، وارتفاعه قدمين وثلاث بوصات أيضًا. وكان يحتوي على لوحي الشريعة اللذين جلبهما موسى من جبل سيناء، وقسط المن، وعصا هارون التي أفرخت بشكل معجزي كتثبيت لقيادته.
٣. رَبِّ ٱلْجُنُودِ، ٱلْجَالِسِ عَلَى (بين) ٱلْكَرُوبِيمِ: كان تابوت الله يمثل حضوره المباشر ومجده في إسرائيل. وقد عدّ داود إحضار التابوت من مكان مغمور إلى مكان بارز أولوية قصوى. إذ أراد أن يكون شعب إسرائيل حيًّا بإحساس قرب الرب ومجده.
· كان آخر ذكر لتابوت الله عندما عاد من أرض الفلسطيين في ١ صموئيل ٧: ١. وقد بقي في بيت أبيناداب مدة عشرين عامًا. وقد كان لدى داود دافع عظيم، وهو توكيد حضور الله ومجده في إسرائيل.
ب) الآيات (٣-٥): يُحْضر داود التابوت بفرح عظيم.
٣فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ ٱللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ، وَحَمَلُوهُ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ ٱلَّذِي فِي ٱلْأَكَمَةِ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو، ٱبْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ ٱلْعَجَلَةَ ٱلْجَدِيدَةَ. ٤فَأَخَذُوهَا مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ ٱلَّذِي فِي ٱلْأَكَمَةِ مَعَ تَابُوتِ ٱللهِ. وَكَانَ أَخِيُو يَسِيرُ أَمَامَ ٱلتَّابُوتِ، ٥وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ ٱلْآلَاتِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّرْوِ، بِٱلْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ.
١. فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ ٱللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ: كان نقل التابوت على عربة (عجلة) مخالفًا لأمر الله المحدد. إذ صُمم التابوت ليُحمل (خروج ٢٥: ١٢-١٥) من قِبل لاويين من عائلة قهات (عدد ٤: ١٥).
· “أراد الله للتابوت أن يُحمل، لأنه لا يريد شيئًا آليًّا (ميكانيكيًّا) يرتبط بالتابوت الذي يمثّل حضور الله. فكان حمل التابوت ثِقَلًا أو عبئًا لله. إذ كان تَثَقٌّل الله هو أن يُحمل التابوت على قلوب اللاويين.” ريدباث (Redpath)
· يمكننا أن نتخيل ما فكّر فيه هؤلاء الرجال. “انظروا! لدينا عربة جديدة فخمة لتابوت الله. لا بد أن الله سيُسَر كثيرًا بعربتنا الفخمة الجديدة.” اعتقدوا أن تقنية جديدة أو اختراعًا جديدًا يمكن أن يغطي على عصيانهم المتسم بالجهل.
· “نحن نرغب كثيرًا في حضور الله. أليس كذلك؟ لكننا نحب أن نربط حضوره ببعض من عرباتنا الجديدة. نحب أن نضيفه إلى قائمة منظماتنا، وأن نحمّله على آليّات حياتنا المزدحمة، ثم نسوق. وأنا أتساءل: كم قدرًا من خدمتنا يتم بطاقة الجسد؟ وغالبًا ما نمد أيدينا، لكن ليس قلوبنا.” ريدباث (Redpath)
· “لا نحتاج إلى أشياء جديدة، بل إلى نار جديدة.” جون ويسلي (John Wesley)
· نقل الفلسطيون التابوت على عربة في ١ صموئيل ٦: ١٠-١١. وقد أفلتوا من العقاب لأنهم كانوا فلسطيين. لكن الله توقع من شعبه أكثر. إذ كان على إسرائيل أن تأخذ مثالها من كلمة الله، لا من ابتكارات الفلسطيين.
٢. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو، ٱبْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ ٱلْعَجَلَةَ ٱلْجَدِيدَةَ: يرسم معنى هذين الاسمين صورة ذات مغزى. فكلمة عُزّة تعني ’القوة،‘ وتعني كلمة أخيو ’ودود.‘
· إن قدرًا كبيرًا من خدمتنا للرب مثل هذا – عربة جديدة، إنتاج جديد، بقوة وود يقودان في المقدمة. لكن هذا يتم كله من دون سؤال من الرب، أو من دون وضع إرادته في الاعتبار. من المؤكد أن داود صلى من أجل بركة الله على هذا الإنتاج الكبير، لكنه لم يسأل الرب عن الإنتاج نفسه. فكان شيئًا صالحًا تمّ بطريقة خطأ.
٣. وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ ٱلْآلَاتِ: في ضوء أهمية المناسبة وكل الآلات الموسيقية المذكورة، كان هذا إنتاجًا رائعًا. كان الجو فرِحًا ومثيرًا وجذابًا. لكن المشكلة هي أن شيئًا من هذا لم يسُر الله، لأنه تمّ في عصيان لكلمته.
· غالبًا ما نجرَّب بالحكم على خبرة عبادة من خلال شعورنا أثناءها. لكن عندما ندرك أن العبادة أمر متعلق بإرضاء الله، فإننا نُقاد إلى كلمته لكي نعرف كيف يريد أن يُعبَد.
· يصعُب علينا أن نحصل على العبادة في ثقافتنا الموجهة نحو الاستهلاك. لكن العبادة لا تتعلق بما يرضينا، بل بما يرضي الله.
ج) الآيات (٦-٧): عُزّة يُضرَب ميّتًا للمسه للتابوت.
٦وَلَمَّا ٱنْتَهَوْا إِلَى بَيْدَرِ نَاخُونَ مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ ٱللهِ وَأَمْسَكَهُ، لِأَنَّ ٱلثِّيرَانَ ٱنْشَمَصَتْ. ٧فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ، وَضَرَبَهُ ٱللهُ هُنَاكَ لِأَجْلِ غَفَلِهِ، فَمَاتَ هُنَاكَ لَدَى تَابُوتِ ٱللهِ.
١. وَلَمَّا ٱنْتَهَوْا إِلَى بَيْدَرِ نَاخُونَ: في البيدر تجمع سيقان الحنطة الكاملة ويُفصل القش عن الحنطة. كان هنالك قش كثير في هذا الإنتاج، وقد أطار الله القش عند بيدر ناخون.
٢. مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ ٱللهِ وَأَمْسَكَهُ: كان هذا محظورًا حظرًا تامًا. ففي ما يتعلق بنقل التابوت، تقول عدد ٤: ١٥: “لَا يَمَسُّوا ٱلْقُدْسَ لِئَلَّا يَمُوتُوا.”
· اتخذ عُزة قرارًا في لحظة متجاهلًا أمر الله ليفعل ما بدا صوابًا له. وحتى قراراتنا التي نتخذها في لحظة أمر مهم لدى الله.
٣. وَضَرَبَهُ ٱللهُ هُنَاكَ لِأَجْلِ غَفَلِهِ: حقق الله الوعد المشؤوم في عدد ٤: ١٥، فضرب عُزة. أراد داود أن يعرف حضور الله، فأظهر له الرب هذا الحضور عند بيدر ناخون، لكن ليس بالطريقة التي أرادها أي أحد.· كان خطأ عُزة أكثر من مجرد رد فعل غريزي لاإرادي. إذ ضربه الله لأن تصرُّفه ارتكز على خطأ فادح في التفكير.
- أخطأ عُزة في الاعتقاد أنه لا يهم من يحمل التابوت.
- أخطأ عُزة في الاعتقاد أنه لا يهم كيف يُحمل التابوت.
- أخطأ عُزة في الاعتقاد أنه عرف كل شيء عن التابوت لأنه كان في بيت أبيه فترة طويلة.
- أخطأ عُزة في الاعتقاد أن الله لا يستطيع أن يهتم بالتابوت بنفسه.
- أخطأ عُزة في الاعتقاد أن أرض بيدر ناخون أقل قداسة من يده.
· “لم يرَ عُزة أي فرق بين التابوت وأي شيء ثمين آخر. كانت نيّته في المساعدة صحيحة بما يكفي. لكن كان هنالك غياب كامل لإدراك قداسة التابوت المهيبة التي منعت حتى اللاويين من أن يضعوا أيديهم عليه.” ماكلارين (Maclaren)
د ) الآيات (٨-٩): رد فعل داود بالغضب والخوف.
٨فَٱغْتَاظَ دَاوُدُ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱقْتَحَمَ عُزَّةَ ٱقْتِحَامًا، وَسَمَّى ذَلِكَ ٱلْمَوْضِعَ «فَارِصَ عُزَّةَ» إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ. ٩وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ ٱلرَّبِّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ وَقَالَ: “كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ.”
١. فَٱغْتَاظَ دَاوُدُ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱقْتَحَمَ عُزَّةَ ٱقْتِحَامًا: استند غضب داود إلى ارتباك في تفكيره. إذ لم يستطع أن يفهم أن النيّات الحسنة لا تكفي. فالله يهتم بكل من نيّاتنا وأعمالنا.
٢. كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ؟: عرف داود أن إحضار تابوت الله إلى مركز عبادة إسرائيل مهم. فأراد للشعب كله أن يتحمس لحضور الرب ومجده. وبسبب ما حدث لعُزة، أحس داود بأنه لا يستطيع أن يفعل ما أراده الله أن يفعله.
· يُظهر رد فعل داود في بقية الإصحاح أنه وجد جوابًا على سؤاله. فقد أجابت على هذا السؤال نصوص مثل إشعياء ٨: ٢٠: “إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ.” وجد داود الجواب في كلمة الله.
ثانيًا. المحاولة الثانية الناجحة.
أ ) الآيات (١٠-١٢أ): داود يترك التابوت مع عوبيد أدوم.
١٠وَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَنْقُلَ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ إِلَيْهِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، فَمَالَ بِهِ دَاوُدُ إِلَى بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ ٱلْجَتِّيِّ. ١١وَبَقِيَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ فِي بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ ٱلْجَتِّيِّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ ٱلرَّبُّ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ بَيْتِهِ. ١٢فَأُخْبِرَ ٱلْمَلِكُ دَاوُدُ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ بَارَكَ ٱلرَّبُّ بَيْتَ عُوبِيدَ أَدُومَ، وَكُلَّ مَا لَهُ بِسَبَبِ تَابُوتِ ٱللهِ.
١. فَمَالَ بِهِ دَاوُدُ إِلَى بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ ٱلْجَتِّيِّ: فعل داود هذا تحقيقًا لكلمة الله. إذ كان عوبيد أدوم لاويًّا من عائلة قهات (١ أخبار ٢٦: ٤). وهي العائلة – ضِمن سبط لاوي – التي كلّفها الرب بأن تحمل التابوت وتهتم به (عدد ٤: ١٥).
٢. وَبَارَكَ ٱلرَّبُّ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ بَيْتِهِ: عندما تطاع كلمة الله وتُحترم قداسته، تَتْبع البركة. لقد أراد الله التابوت بركة لإسرائيل، لا لعنة. ويمكننا القول إن اللعنة لم تأتِ من قلب الله، لكن من عصيان الإنسان.
ب) الآيات (١٢ب-١٥): يأتي التابوت بنجاح إلى أورشليم.
١٢فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْعَدَ تَابُوتَ ٱللهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ. ١٣وَكَانَ كُلَّمَا خَطَا حَامِلُو تَابُوتِ ٱلرَّبِّ سِتَّ خَطَوَاتٍ يَذْبَحُ ثَوْرًا وَعِجْلًا مَعْلُوفًا. ١٤وَكَانَ دَاوُدُ يَرْقُصُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. وَكَانَ دَاوُدُ مُتَنَطِّقًا بِأَفُودٍ مِنْ كَتَّانٍ. ١٥فَأَصْعَدَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ بِٱلْهُتَافِ وَبِصَوْتِ ٱلْبُوقِ.
١. فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْعَدَ تَابُوتَ ٱللهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ: سعِدَ داود بمعرفة بأن حضور الرب ومجده يمكن أن يجلب بركة بدلًا من لعنة. وسعِد أيضًا لمعرفة أن إطاعة الكلمة تجلب البركة.
· شرح داود للكهنة لماذا جاءت الضربة من الله في أول محاولة لجلب التابوت إلى أورشليم في ١ أخبار ١٥: ١٣: “لِأَنَّهُ إِذْ لَمْ تَكُونُوا فِي ٱلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى، ٱقْتَحَمَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا، لِأَنَّنَا لَمْ نَسْأَلْهُ حَسَبَ ٱلْمَرْسُومِ.”
· عندما كانت العبادة مرتبة بشكل سليم، كانت ما زالت ممتلئة بالبهجة والفرح. ومن الخطأ أن نشعر بأنه يتوجب إخضاع العبادة ’الحقيقية،‘ بحيث يقلل وقارها بهجتها وتخفيف نغمة الفرح فيها.
٢. وَكَانَ كُلَّمَا خَطَا حَامِلُو تَابُوتِ ٱلرَّبِّ سِتَّ خَطَوَاتٍ يَذْبَحُ ثَوْرًا وَعِجْلًا مَعْلُوفً: كانت هذه الذبائح محسوبة، ومفرطة (كريمة جدًّا)، وفائضة. وكانت هذه توصل فكرة الكفارة والتكريس والشوق إلى الشركة.
· تبيّن ١ أخبار ١٥: ١١-١٥ أن داود أمر الكهنة على نحو خاص بحمل التابوت بطريقة سليمة، أي على أكتافهم. غالبًا ما نعتقد أن ’عربة جديدة‘ أو ’قوة‘ أو أسلوبًا ’ودودًا‘ هو الطريق السليم لجلب حضور الله ومجده. لكن الله يريد أن يأتي حضوره ومجده دائمًا على أكتاف رجال ونساء مكرسين ومطيعين ومسبّحين.
· يبيّن هذا أن داود جلب التابوت إلى أورشليم بإنتاج أكبر – أكبر من المحاولة الأولى. كان داود حكيمًا بما يكفي لمعرفة أن المشكلة في المحاولة الأولى لم تكن غياب إنتاج كبير. لكنها تمثلت في أن ذلك الإنتاج جاء من بشر، لا من الله.
٣. وَكَانَ دَاوُدُ يَرْقُصُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ: لم يبخل داود بتقديم أي شيء في تعبيره عن العبادة. فلم يرقص بدافع من الالتزام، بل من عبادة قلبية صادقة. وقد سُرّ بجلب تابوت الرب إلى أورشليم حسب كلمته.
· أظهر هذا التعبير القلبي من داود أنه كانت لديه صلة عاطفية حقيقية. وهنالك خطآن كبيران في هذا المجال – خطأ جعل العواطف مركز حياتنا المسيحية، وخطأ أن تكون الحياة المسيحية منفصلة عن العواطف. وفي الحياة المسيحية، لا يتوجب التلاعب بالعواطف، كما لا يتوجب قمعها.
· لا نعتقد أن الرقص أمر غريب عندما يسجّل لاعب أهدافًا رائعة تمكن فريقه من الفوز. ولا نعتقد أن الرقص غريب عندما يسجل ابننا هدفًا. ونحن لا نستغرب رفع الأيادي في حفلة موسيقية، أو عند تسجيل أهداف في مباريات رياضية. ولا ينبغي أن يكون هذا غريبًا في عبادتنا لله.
٤. وَكَانَ دَاوُدُ مُتَنَطِّقًا بِأَفُودٍ مِنْ كَتَّانٍ: من الخطأ أن نستنتج أن داود لم يكن غير محتشم. تشير ١ أخبار ١٥: ٢٧ إلى أن داود ارتدى هكذا مثل كل الكهنة اللاويين في الموكب.
· من معرفتنا بالثقافات القديمة والحديثة، يمكننا أن نستنتج أن داود كان يقدم في رقصه عرضًا منفردًا. ويرجح أنه رقص بخطوات إيقاعية بسيطة مع رجال آخرين على غرار الرقص الذي يقوم به الرجال اليهود الأورثوذوكس اليوم. وفي هذا السياق، فإن أفود داود الكتّاني يعني أنه وضع ثيابه الملكية جانبًا مرتديًا مثل أي شخص آخر في الموكب.
· يمكننا أن نوضح أن رقص داود كان ملائمًا للسياق. إذ كان موكبًا مصحوبًا بفرقة موسيقية تسير بشكل إيقاعي. كان موكبًا فخمًا. فكان رقص داود مناسبًا. فلو فعل داود هذا عند اجتماع الشعب في يوم الكفارة، لكان هذا خارج السياق وخطأ.
ج) الآيات (١٦-١٩): يقود داود جميع الحاضرين إلى خبرة عبادة ووجبة شركة.
١٦وَلَمَّا دَخَلَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ مَدِينَةَ دَاوُدَ، أَشْرَفَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ ٱلْكُوَّةِ وَرَأَتِ ٱلْمَلِكَ دَاوُدَ يَطْفُرُ وَيَرْقُصُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَٱحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. ١٧فَأَدْخَلُوا تَابُوتَ ٱلرَّبِّ وَأَوْقَفُوهُ فِي مَكَانِهِ فِي وَسَطِ ٱلْخَيْمَةِ ٱلَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ. وَأَصْعَدَ دَاوُدُ مُحْرَقَاتٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَذَبَائِحَ سَلَامَةٍ. ١٨وَلَمَّا ٱنْتَهَى دَاوُدُ مِنْ إِصْعَادِ ٱلْمُحْرَقَاتِ وَذَبَائِحِ ٱلسَّلَامَةِ بَارَكَ ٱلشَّعْبَ بِٱسْمِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ. ١٩وَقَسَمَ عَلَى جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ، عَلَى كُلِّ جُمْهُورِ إِسْرَائِيلَ رِجَالًا وَنِسَاءً، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ. ثُمَّ ذَهَبَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ.
١. فَٱحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا: لم تقدِّر زوجة داود، ميكال، عبادة داود المتفجرة بالفرح. وشعرت بأنه ليس من الكرامة أن يعبّر ملك إسرائيل عن مشاعره أمام الله.
· “لا شك أن هنالك أشخاصًا لطيفين ومهذبين جدًّا سيوبّخوننا، نحن شعب الله، إذا كنا نعيش بشكل كلي من أجل تسبيحه، وسيصفوننا بأننا غريبو الأطوار، وعنيدون، وعبثيون، وما إلى ذلك. وهم ينظرون إلينا من نوافذ تفوُّقهم (مثل ميكال)، ويحتقروننا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. فَأَدْخَلُوا تَابُوتَ ٱلرَّبِّ وَأَوْقَفُوهُ فِي مَكَانِهِ فِي وَسَطِ ٱلْخَيْمَةِ: بعد سنوات – منذ فقدان التابوت في المعركة – أُعيد التابوت إلى خيمة الاجتماع ووُضع في قدس الأقداس. وهكذا وُضع رمز حضور الله ومجده في مكانه الملائم في إسرائيل.
٣. وَأَصْعَدَ دَاوُدُ مُحْرَقَاتٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَذَبَائِحَ سَلَامَةٍ: عكست المحرقات التكريس لله، بينما عكست ذبائح السلامة الشركة مع الرب. فكان يومًا مشهودًا من التكريس لله والشركة معه. وكانت هنالك حفلة شواء عظيمة أيضًا!
د ) الآية (٢٠): شكوى ميكال.
٢٠وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ. فَخَرَجَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ لِٱسْتِقْبَالِ دَاوُدَ، وَقَالَتْ: “مَا كَانَ أَكْرَمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ ٱلْيَوْمَ، حَيْثُ تَكَشَّفَ ٱلْيَوْمَ فِي أَعْيُنِ إِمَاءِ عَبِيدِهِ كَمَا يَتَكَشَّفُ أَحَدُ ٱلسُّفَهَاء.”
١. وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ: بعد يوم من الانتصار العظيم، رجع داود إلى بيته جالبًا بركة لكل عائلته.
٢. مَا كَانَ أَكْرَمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ ٱلْيَوْمَ: كان بإمكان ميكال بسخريتها اللاذعة أن تفسد يوم داود كله. ربما توقّع داود مثل هذا الهجوم بعد يوم من الانتصار. “يبحث القراصنة عن السفن المحمّلة بالبضائع.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. حَيْثُ تَكَشَّفَ ٱلْيَوْمَ: يبدو أن ميكال أشارت إلى أنها لم تعترض على رقص داود، بل على ما ارتداه عندما ترك رداءه جانبًا ورقص مثل الرجال الآخرين المحتفلين في الموكب. لقد رقص داود كما لو كان مجرد عابد آخر في إسرائيل.
هـ) الآيات (٢١-٢٣): داود يوبّخ ميكال.
٢١فَقَالَ دَاوُدُ لِمِيكَالَ: «إِنَّمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي ٱخْتَارَنِي دُونَ أَبِيكِ وَدُونَ كُلَّ بَيْتِهِ لِيُقِيمَنِي رَئِيسًا عَلَى شَعْبِ ٱلرَّبِّ إِسْرَائِيلَ، فَلَعِبْتُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. ٢٢وَإِنِّي أَتَصَاغَرُ دُونَ ذَلِكَ وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي، وَأَمَّا عِنْدَ ٱلْإِمَاءِ ٱلَّتِي ذَكَرْتِ فَأَتَمَجَّدُ». ٢٣وَلَمْ يَكُنْ لِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ وَلَدٌ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهَا.
١. إِنَّمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ: لم يسمح داود لانتقادات ميكال اللاذعة بأن تفسد يومه. بل شرح لها الحقيقة ببساطة: “لقد رقصت من أجل الرب، لا من أجلك.”
· ليس هذا تبريرًا لكل شيء في سياق العبادة. عندما وضع داود في اعتباره سياق الموكب وخلفية الحدث كله، كان ضميره مرتاحًا. إذ عرف أن رقصه لم يكن غير لائق للخلفية والسياق. ولا يمكن للشخص الذي يتصرف بشكل غير لائق في إطار اجتماع وسياقه أن يبرر تصرفه بالقول: ’إِنَّمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ.‘
٢. ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي ٱخْتَارَنِي دُونَ أَبِيكِ وَدُونَ كُلَّ بَيْتِهِ لِيُقِيمَنِي رَئِيسًا عَلَى شَعْبِ ٱلرَّبِّ: “لم يقل داود ’على شعبي.‘ فقد كان مجرد مساعد للحاكم المطلق. إذ كان الرب ما زال ملك إسرائيل العظيم.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي: إن ما فعله داود كان تعبيرًا عن تواضعه الكبير أمام الرب. فلم يرقص ليظهر للآخرين مدى روحانيته.
· “كان داود مستعدًّا أن يفعل المزيد ليذل نفسه أمام الرب. فأحسَّ بأنه مهما كان رأي ميكال فيه، فإنه لن يكون أقل من نظرته إلى نفسه. أخي، إذا أساء أحدهم النظر بك، فلا تغضب، فإنك أسوأ مما اعتقده ذلك الشخص.” سبيرجن (Spurgeon)