٢ صموئيل ٨
حروب داود
أولًا. حروب داود الكثيرة.
أ ) الآية (١): داود يُخضِع الفلسطيين.
١وَبَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبَ دَاوُدُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَذَلَّلَهُمْ، وَأَخَذَ دَاوُدُ «زِمَامَ ٱلْقَصَبَةِ» مِنْ يَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ.
١. ضَرَبَ دَاوُدُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَذَلَّلَهُمْ (وأخضعهم): كان الفلسطيون قد أزعجوا إسرائيل لقرون. وغالبًا ما كانوا يهيمنون على شعب الله. وفي عهد داود، هاجم وأخضع أولئك الأعداء المزعجين.
· لم يتجنب داود محاربة الفلسطيين لأن إسرائيل خسرت معارك كثيرة معهم من قبل. “والشيء الذي يبهرني هنا حول هذا الانتصار التام هو الازدراء التام الذي عامل به داود قوة الأعداء العظيمة.” ريدباث (Redpath)
٢. وَأَخَذَ دَاوُدُ زِمَامَ ٱلْقَصَبَةِ: هذا اسم آخر لمدينة جت الفلسطية المشهورة (انظر ١ أخبار ١٨: ١). قبل أن يصبح داود ملكًا، كان الفلسطيون يأخذون أراضي من شعب الله. وتحت قيادته، بدأ شعب الله بأخذ أراضٍ من الأعداء.
ب) الآية (٢): وضْع الموآبيين تحت الجزية.
٢وَضَرَبَ ٱلْمُوآبِيِّينَ وَقَاسَهُمْ بِٱلْحَبْلِ. أَضْجَعَهُمْ عَلَى ٱلْأَرْضِ، فَقَاسَ بِحَبْلَيْنِ لِلْقَتْلِ وَبِحَبْلٍ لِلِٱسْتِحْيَاءِ. وَصَارَ ٱلْمُوآبِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ هَدَايَا.
١. وَضَرَبَ ٱلْمُوآبِيِّينَ: قد تبدو الحرب ضد موآب ومعاملة داود لجيشها في غير محلها، في ضوء كون جدة أبيه، راعوث، موآبية، وفي ضوء حقيقة أنه عهد إلى الموآبيين برعاية أبويه (١ صموئيل ٢٢: ٣-٤). وربما قتلهما الموآبيون أو أساءوا معاملتهما.
٢. يُقَدِّمُونَ هَدَايَا (الجزية): لم يُرِد الله لإسرائيل أن تقضي على كل أمّة مجاورة. فبشكل عام، أراد الله لإسرائيل أن تكون مبارَكة وقوية بين الأمم الأخرى بحيث تفرض عليها ضرائب (جزية) في اعتراف بقوتها وهيمنتها.
ج) الآيات (٣-٨): داود يقهر تحالفًا آراميًّا.
٣وَضَرَبَ دَاوُدُ هَدَدَ عَزَرَ بْنَ رَحُوبَ مَلِكَ صُوبَةَ حِينَ ذَهَبَ لِيَرُدَّ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ. ٤فَأَخَذَ دَاوُدُ مِنْهُ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ. وَعَرْقَبَ دَاوُدُ جَمِيعَ خَيْلِ ٱلْمَرْكَبَاتِ وَأَبْقَى مِنْهَا مِئَةَ مَرْكَبَةٍ. ٥فَجَاءَ أَرَامُ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَدَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَضَرَبَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ ٱثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ. ٦وَجَعَلَ دَاوُدُ مُحَافِظِينَ فِي أَرَامِ دِمَشْقَ، وَصَارَ ٱلْأَرَامِيُّونَ لِدَاوُدَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَكَانَ ٱلرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. ٧وَأَخَذَ دَاوُدُ أَتْرَاسَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَى عَبِيدِ هَدَدَ عَزَرَ وَأَتَى بِهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. ٨وَمِنْ بَاطِحَ وَمِنْ بِيرَوَثَايَ، مَدِينَتَيْ هَدَدَ عَزَرَ، أَخَذَ ٱلْمَلِكُ دَاوُدُ نُحَاسًا كَثِيرًا جِدًّا.
١. حِينَ ذَهَبَ لِيَرُدَّ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ: اصطدم ملك صوبة (مملكة آرامية) مع داود وهو في طريقه إلى الاستيلاء على أراضٍ عند نهر الفرات. فقد امتدت هيمنة داود إلى نهر الفرات.
- “نُقِلت حدود إسرائيل إلى خط نهر الفرات، فتحقق بهذا وعد الله إلى إبراهيم: ’فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ قَطَعَ ٱلرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ ٱلْأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ، نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ.‘” ماير (Meyer)
· “ثم كانت هناك آرام، الأمة العظيمة الوثنية إلى الشمال، مقسّمة إلى مجموعتين ولهما عاصمتان هما صوبة ودمشق. وقد اتحدتا معًا من أجل الحماية. لكنهما وجدا نفسيهما عاجزتين أمام قوة داود.” ريدباث (Redpath)
٢. وَعَرْقَبَ دَاوُدُ جَمِيعَ خَيْلِ ٱلْمَرْكَبَاتِ: فعل داود هذا كضرورة عسكرية، لا كمجرد قسوة في التعامل مع الحيوانات. لم يكن داود يهتم كثيرًا بالخيول أثناء الحملات العسكرية، ولم يكن بمقدوره أن يعيدها إلى العدو.
٣. وَأَبْقَى مِنْهَا مِئَةَ مَرْكَبَةٍ: يدل احتفاظ داود بهذا العدد القليل منها على ضبط نفس كبير وثقة بالله. فقد أطاع داود مبدأ تثنية ١٧: ١٥-١٦، ورفض أن يضع ثقته في الخيول كأسلحة حربية. فكانت ثقته هي بالرب (مزمور ٢٠: ٧؛ ٣٣: ١٦-١٧).
٤. وَأَخَذَ دَاوُدُ أَتْرَاسَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَى عَبِيدِ هَدَدَ عَزَرَ: أخذ داود ما كان يمثل مجدًا للأعداء، وحوّله إلى جوائز لقوة الله وصلاحه. وقد وُضعت أتراس الذهب تلك في الهيكل كشهادة على عمل الله في داود ومن خلاله.
· يحب الرب أن يأخذ شعبه أشياء تمثل جوائز منتزعة من يد إبليس ويحوّلها إلى جوائز لقوته ونعمته.
د ) الآيات (٩-١٤): مجد مملكة داود.
٩وَسَمِعَ تُوعِي مَلِكُ حَمَاةَ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ ضَرَبَ كُلَّ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ، ١٠فَأَرْسَلَ تُوعِي يُورَامَ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْمَلِكِ دَاوُدَ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلَامَتِهِ وَيُبَارِكَهُ لِأَنَّهُ حَارَبَ هَدَدَ عَزَرَ وَضَرَبَهُ، لِأَنَّ هَدَدَ عَزَرَ كَانَتْ لَهُ حُرُوبٌ مَعَ تُوعِي. وَكَانَتْ بِيَدِهِ آنِيَةُ فِضَّةٍ وَآنِيَةُ ذَهَبٍ وَآنِيَةُ نُحَاسٍ. ١١وَهَذِهِ أَيْضًا قَدَّسَهَا ٱلْمَلِكُ دَاوُدُ لِلرَّبِّ مَعَ ٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي قَدَّسَهُ مِنْ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ أَخْضَعَهُمْ ١٢مِنْ أَرَامَ، وَمِنْ مُوآبَ، وَمِنْ بَنِي عَمُّونَ، وَمِنَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَمِنْ عَمَالِيقَ، وَمِنْ غَنِيمَةِ هَدَدَ عَزَرَ بْنِ رَحُوبَ مَلِكِ صُوبَةَ. ١٣وَنَصَبَ دَاوُدُ تَذْكَارًا عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ ضَرْبِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ أَرَامَ فِي وَادِي ٱلْمِلْحِ. ١٤وَجَعَلَ فِي أَدُومَ مُحَافِظِينَ. وَضَعَ مُحَافِظِينَ فِي أَدُومَ كُلِّهَا. وَكَانَ جَمِيعُ ٱلْأَدُومِيِّينَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ. وَكَانَ ٱلرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ.
١. فَأَرْسَلَ تُوعِي يُورَامَ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْمَلِكِ دَاوُدَ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلَامَتِهِ وَيُبَارِكَهُ: رأت الأمم المجاورة يد الله على داود، فقدمت له الإكرام والهدايا. فقد عرفوا أن قائدًا قويًّا تقيًّا لإسرائيل أمْر في مصلحة مجتمع الأمم كلها، لا لإسرائيل وحدها.
· لم تكن كل أمة وثنية مجاورة لإسرائيل معادية لها أو لإلهها. فلم يعاملها داود كما لو أنها عدوة. ونحن نخطئ عندما نتعامل مع كل شخص غير مؤمن على أنه عدو معاد صريح لله.
٢. وَهَذِهِ أَيْضًا قَدَّسَهَا ٱلْمَلِكُ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: عندما تلقّى داود هذا الاعتراف والمجد من الأمم الأخرى، كرّسه كله للرب. فقد عرف أن المجد لا يخصه، بل يخص الله وحده. وهكذا استطاع داود أن يتعامل مع النجاح كما مع الفشل.
٣. مِنْ أَرَامَ، وَمِنْ مُوآبَ، وَمِنْ بَنِي عَمُّونَ، وَمِنَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَمِنْ عَمَالِيقَ: من خلال قائمة الأمم التي أخضعها داود، نتعلم أن انتصاراته كانت تامة. فقد استخدمه الله ليقود إسرائيل إلى النصر على أعدائها في كل اتجاه.
· امتلكت إسرائيل من الأرض التي وعد بها الله إبراهيم (تكوين ١٥: ١٨-٢١) في عهد داود أكثر من أي وقت آخر.
· استطاع داود أن ينجز الكثير ضد أعداء الله لأنه، على عكس شاول، لم يكن مولعًا بمحاربة شعب الله.
٤. وَكَانَ ٱلرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ: هذا تلخيص للإصحاح كله. إذ كان كل انتصار، وكل إخضاع لعدو شهادة على قوة الرب الحافظة في حياة داود وحكمه.
ثانيًا. إدارة داود.
أ ) الآية (١٥): وصف عام لإدارة داود.
١٥وَمَلَكَ دَاوُدُ عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ دَاوُدُ يُجْرِي قَضَاءً وَعَدْلًا لِكُلِّ شَعْبِهِ.
١. وَمَلَكَ دَاوُدُ: يصف هذا الإصحاح، إصحاح الانتصار، والبركة، والازدهار، حياة إسرائيل القومية أثناء حكم داود. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل داود عمومًا أعظم ملك على إسرائيل على الإطلاق.
· هكذا أراد الله أن يملك على شاول، لكنه قاوم الرب ورفض روحه القدوس. ولأن داود سمح للرب بأن يخضعه، أخضع الرب الشعوب تحت داود.
٢. وَكَانَ دَاوُدُ يُجْرِي قَضَاءً وَعَدْلًا لِكُلِّ شَعْبِهِ: يبيّن هذا أن داود كان ملكًا عظيمًا بالنسبة لشعبه إسرائيل، لا ضد الأمم المجاورة فحسب. لقد أوفى بالواجب الأساسي للإدارة – أن يجري القضاء والعدل (رومية ١٣: ١-٧).
ب) الآيات (١٦-١٨): أشخاص مفتاحيّون في حكومة داود.
١٦وَكَانَ يُوآبُ ٱبْنُ صَرُويَةَ عَلَى ٱلْجَيْشِ، وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلًا، ١٧وَصَادُوقُ بْنُ أَخِيطُوبَ وَأَخِيمَالِكُ بْنُ أَبِيَاثَارَ كَاهِنَيْنِ، وَسَرَايَا كَاتِبًا، ١٨وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى ٱلْجَّلَادِينَ وَٱلسُّعَاةِ، وَبَنُو دَاوُدَ كَانُوا كَهَنَةً (مسؤولين في البلاط).
١. يُوآبُ… وَيَهُوشَافَاطُ… وَصَادُوقُ… وَأَخِيمَالِكُ… وَسَرَايَا… وَبَنَايَاهُو: ما مِن حاكم عظيم يمكن أن ينجح بمفرده. فأصغر المنظمات وحدها تُدار حسنًا من دون فريق موهوب مكرس. ويتمثل جزء من نجاح داود كحاكم في قدرته على جمع مثل هذا الفريق وتدريبه، وتمكينه، والمحافظة عليه.
· لم نجد مثل هذه القائمة في تنظيم إدارة شاول الحكومية. ويعود هذا إلى أنه كانت لإدارة داود شكل وبنية أكثر مما كان لإدارة شاول.
· هنالك حدود لما يمكن أن نكوْنه وما يمكن أن نفعله من أجل الرب من دون ترتيب وتنظيم. ليس الأمر أن التنظيم والترتيب هما من متطلبات التقدم للحياة المسيحية، بل هما تشكلان تقدُّمًا في الحياة المسيحية، حيث تساعداننا على أن نكون أكثر شبهًا بالمسيح.
· لا يمكن إنجاز شيء في ملكوت الله بلا عمل من خلال الترتيب والتنظيم. قد يبدو الأمر كذلك، لكن هذا مجرد وهم. فوراء الكواليس، يتحرك الله بأقصى درجات الترتيب والتنظيم، رغم أننا لا نرى هذا أحيانًا.