٢ صموئيل ١٧
أبشالوم يقرر اتجاهه
أولًا. نصيحتا أخيتوفل وحوشاي.
أ ) الآيات (١-٤): نصيحة أخيتوفل.
١وَقَالَ أَخِيتُوفَلُ لِأَبْشَالُومَ: «دَعْنِي أَنْتَخِبُ ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَأَقُومُ وَأَسْعَى وَرَاءَ دَاوُدَ هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ، ٢فَآتِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتْعَبٌ وَمُرْتَخِي ٱلْيَدَيْنِ فَأُزْعِجُهُ، فَيَهْرُبَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ، وَأَضْرِبُ ٱلْمَلِكَ وَحْدَهُ. ٣وَأَرُدَّ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ إِلَيْكَ. كَرُجُوعِ ٱلْجَمِيعِ هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي تَطْلُبُهُ، فَيَكُونُ كُلُّ ٱلشَّعْبِ فِي سَلَامٍ». ٤فَحَسُنَ ٱلْأَمْرُ فِي عَيْنَيْ أَبْشَالُومَ وَأَعْيُنِ جَمِيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ.
١. وَأَقُومُ وَأَسْعَى وَرَاءَ دَاوُدَ هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ: نصح أخيتوفل بهجوم سريع انتقائي ضد داود وحده (وَأَضْرِبُ ٱلْمَلِكَ وَحْدَهُ). نصح بالاستعجال بالهجوم بينما داود ما زال على الجانب الغربي من نهر الأردن.
٢. وَأَضْرِبُ ٱلْمَلِكَ: كانت زلّة اللسان هذه أشبه بنبوّة غير مدركة. فقد عرف أخيتوفل في أعماقه أن داود هو الملك الحقيقي.
٣. فَحَسُنَ ٱلْأَمْرُ فِي عَيْنَيْ أَبْشَالُومَ وَأَعْيُنِ جَمِيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ: كانت خطة أخيتوفل ذكية. كانت جريئة، وكان احتمال نجاحها كبيرًا، وكان من شأنها أن تجنّب إسرائيل حربًا أهلية بين أنصار داود وأنصار أبشالوم.
ب) الآيات (٥-١٠): حوشاي لا يوافق على نصيحة أخيتوفل.
٥فَقَالَ أَبْشَالُومُ: «ٱدْعُ أَيْضًا حُوشَايَ ٱلْأَرْكِيَّ فَنَسْمَعَ مَا يَقُولُ هُوَ أَيْضًا». ٦فَلَمَّا جَاءَ حُوشَايُ إِلَى أَبْشَالُومَ، كَلَّمَهُ أَبْشَالُومُ قَائِلًا: «بِمِثْلِ هَذَا ٱلْكَلَامِ تَكَلَّمَ أَخِيتُوفَلُ. أَنَعْمَلُ حَسَبَ كَلَامِهِ أَمْ لَا؟ تَكَلَّمْ أَنْتَ». ٧فَقَالَ حُوشَايُ لِأَبْشَالُومَ: «لَيْسَتْ حَسَنَةً ٱلْمَشُورَةُ ٱلَّتِي أَشَارَ بِهَا أَخِيتُوفَلُ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ». ٨ثُمَ قَالَ حُوشَايُ: «أَنْتَ تَعْلَمُ أَبَاكَ وَرِجَالَهُ أَنَّهُمْ جَبَابِرَةٌ، وَأَنَّ أَنْفُسَهُمْ مُرَّةٌ كَدُبَّةٍ مُثْكِلٍ فِي ٱلْحَقْلِ. وَأَبُوكَ رَجُلُ قِتَالٍ وَلَا يَبِيتُ مَعَ ٱلشَّعْبِ. ٩هَا هُوَ ٱلْآنَ مُخْتَبِئٌ فِي إِحْدَى ٱلْحُفَرِ أَوْ أَحَدِ ٱلْأَمَاكِنِ. وَيَكُونُ إِذَا سَقَطَ بَعْضُهُمْ فِي ٱلِٱبْتِدَاءِ أَنَّ ٱلسَّامِعَ يَسْمَعُ فَيَقُولُ: قَدْ صَارَتْ كَسْرَةٌ فِي ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي وَرَاءَ أَبْشَالُومَ. ١٠أَيْضًا ذُو ٱلْبَأْسِ ٱلَّذِي قَلْبُهُ كَقَلْبِ ٱلْأَسَدِ يَذُوبُ ذَوَبَانًا، لِأَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَاكَ جَبَّارٌ، وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ذَوُو بَأْسٍ.
١. ٱدْعُ أَيْضًا حُوشَايَ ٱلْأَرْكِيَّ: إنه لدليل رائع على يد الله وعلى استجابة الله لصلاة داود في ٢ صموئيل ١٥: ٣١ أن أبشالوم طلب رأيًا آخر بعد الاستماع إلى هذه المشورة الحكيمة التي لقيت استحسان الجميع.
٢. لَيْسَتْ حَسَنَةً ٱلْمَشُورَةُ ٱلَّتِي أَشَارَ بِهَا أَخِيتُوفَلُ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ: يمكننا أن نتخيل كيف أن قلب حوشاي سقط بين ضلوعه عندما سمع باقتراح خطة أخيتوفل الذكية. وكان عليه أن يفكر بسرعة في خطة مضادة من أجل إحباط خطة أخيتوفل، كما طلب منه داود في ٢ صموئيل ١٥: ٣٢-٣٥.
٣. أَنْتَ تَعْلَمُ أَبَاكَ وَرِجَالَهُ أَنَّهُمْ جَبَابِرَةٌ: تحدَّث حوشاي عن داود الماضي، لا عن داود في حالته الحالية. إذ رأى داود بأم عينيه، وعرف أنه ليس قويًّا وجبارًا. وأمِل أن يتذكر أبشالوم داود الماضي بشكل واضح.
٤. وَأَنَّ أَنْفُسَهُمْ مُرَّةٌ كَدُبَّةٍ مُثْكِلٍ فِي ٱلْحَقْلِ… هَا هُوَ ٱلْآنَ مُخْتَبِئٌ فِي إِحْدَى ٱلْحُفَرِ: عرف حوشاي أن داود لا يقوى على أن يستجمع نفسه ويفكر بهدوء، لكنه رسم بشكل فعال صورة داود ورجاله كأشخاص خطرين، ولهذا لا ينبغي الهجوم عليهم بسرعة.
٥. صَارَتْ كَسْرَةٌ فِي ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي وَرَاءَ أَبْشَالُومَ: قصَدَ حوشاي أن من المخاطرة الهجوم على داود فورًا. ويمكننا أن نتخيل أنه قال هذا داعيًا الله أن يستجيب صلاة داود ويحبط مشورة أخيتوفل.
ج) الآيات (١١-١٣): حوشاي ينصح أبشالوم بتجهيز جيش ضخم وإحضار داود شخصيًّا.
١١لِذَلِكَ أُشِيرُ بِأَنْ يَجْتَمِعَ إِلَيْكَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، كَٱلرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَحْرِ فِي ٱلْكَثْرَةِ، وَحَضْرَتُكَ سَائِرٌ فِي ٱلْوَسَطِ. ١٢وَنَأْتِيَ إِلَيْهِ إِلَى أَحَدِ ٱلْأَمَاكِنِ حَيْثُ هُوَ، وَنَنْزِلَ عَلَيْهِ نُزُولَ ٱلطَّلِّ عَلَى ٱلْأَرْضِ، وَلَا يَبْقَى مِنْهُ وَلَا مِنْ جَمِيعِ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ وَاحِدٌ. ١٣وَإِذَا ٱنْحَازَ إِلَى مَدِينَةٍ، يَحْمِلُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ إِلَى تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ حِبَالًا، فَنَجُرُّهَا إِلَى ٱلْوَادِي حَتَّى لَا تَبْقَى هُنَاكَ وَلَا حَصَاةٌ.
١. أُشِيرُ بِأَنْ يَجْتَمِعَ إِلَيْكَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ: سيستغرق هذا وقتًا. لم يُرِد حوشاي أن يحبط مشورة أخيتوفل فحسب، بل أراد أيضًا أن يفعل شيئًا ليشتري مزيدًا من الوقت لداود قبل الهجوم المحتوم.
٢. وَحَضْرَتُكَ سَائِرٌ فِي ٱلْوَسَطِ: أرضى هذا الاقتراح غرور أبشالوم. إذ يمكن أن يبرهن أنه جندي جبار مثل أبيه داود. وكانت خطة أخيتوفل هي أن يقود الهجوم بنفسه، بينما كانت خطة حوشاي هي أن يقود أبشالوم المعركة.
د ) الآية (١٤): أبشالوم والشيوخ يفضّلون نصيحة حوشاي.
١٤فَقَالَ أَبْشَالُومُ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ: «إِنَّ مَشُورَةَ حُوشَايَ ٱلْأَرْكِيِّ أَحْسَنُ مِنْ مَشُورَةِ أَخِيتُوفَلَ». فَإِنَّ ٱلرَّبَّ أَمَرَ بِإِبْطَالِ مَشُورَةِ أَخِيتُوفَلَ ٱلصَّالِحَةِ، لِكَيْ يُنْزِلَ ٱلرَّبُّ ٱلشَّرَّ بِأَبْشَالُومَ.
١. إِنَّ مَشُورَةَ حُوشَايَ ٱلْأَرْكِيِّ أَحْسَنُ مِنْ مَشُورَةِ أَخِيتُوفَلَ: كانت هذه أول مرة يقول فيها أحد هذا – إذ كان الناس يفضلون دائمًا مشورة أخيتوفل. وكان أحد الأسباب التي جعلت أبشالوم يستحسنها أنها دغدغت غروره.
٢. فَإِنَّ ٱلرَّبَّ أَمَرَ بِإِبْطَالِ مَشُورَةِ أَخِيتُوفَلَ ٱلصَّالِحَةِ: كان هذا هو السبب الأكبر لرفض نصيحة أخيتوفل. إذ كان الله متحكمًا في الأمور. فعرش إسرائيل يخصّه، ويمكنه أن يعطيه أو يمنعه كما يشاء.
· كان لدى أبشالوم أذكى رجل في إسرائيل إلى جانبه، لكن صلاة داود كانت أقوى من ذكاء أخيتوفل. لقد قاد الله أخيتوفل إلى إعطاء مشورة حمقاء استُمِع إليها (كما في ٢ صموئيل ١٦: ٢٠-٢٣). وسمح الله لأخيتوفل بإعطاء مشورة حمقاء، لكنه عمل على رفضها. فالله متحكم في الأمور. وقد قصد هذا.
· “هذا هو أحد المبادئ العظيمة التي تؤكدها وتوضحها كل صفحة من صفحات الكتاب المقدس. فلا يستطيع البشر أن يهربوا من الله. يمكنهم أن يسلكوا طرقهم الخاصة، لكنهم لا يتحررون على الإطلاق من سلطة الله وقوته التي لا تُقهر.” مورجان (Morgan)
· نرى أن الرب قصد أن يحبط مشورة أخيتوفل لأن داود صلى. فالصلاة تحرك يد الله. فقد صلى داود في ٢ صموئيل ١٥: ٣١ قائلًا: ’حَمِّقْ يَا رَبُّ مَشُورَةَ أَخِيتُوفَلَ.‘
٣. لِكَيْ يُنْزِلَ ٱلرَّبُّ ٱلشَّرَّ بِأَبْشَالُومَ: كان في كل هذا تأديب قاسٍ لداود، وقد عرف هذا. غير أن الله لم يتخلَّ عنه أثناء وقت التأديب هذا. بل كان إلى جانبه. إذ لم يكن يسعى إلى تدميره، بل إلى تقويمه.
ثانيًا. تحذير داود من خطة أبشالوم
أ ) الآيات (١٥-١٦): صادوق يرسل ابنيه ليخبر داود.
١٥وَقَالَ حُوشَايُ لِصَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ ٱلْكَاهِنَيْنِ: «كَذَا وَكَذَا أَشَارَ أَخِيتُوفَلُ عَلَى أَبْشَالُومَ وَعَلَى شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَكَذَا وَكَذَا أَشَرْتُ أَنَا. ١٦فَٱلْآنَ أَرْسِلُوا عَاجِلًا وَأَخْبِرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: لَا تَبِتْ هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ فِي سُهُولِ ٱلْبَرِّيَّةِ، بَلِ ٱعْبُرْ لِئَلَّا يُبْتَلَعَ ٱلْمَلِكُ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ.
١. وَقَالَ حُوشَايُ لِصَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ ٱلْكَاهِنَيْنِ: كان هذا بالضبط ما كان يفكر فيه داود عندما أرجع حوشاي والكهنة إلى أبشالوم (٢ صموئيل ١٥: ٣٥-٣٦).
٢. لَا تَبِتْ هَذِهِ ٱللَّيْلَةَ فِي سُهُولِ ٱلْبَرِّيَّةِ، بَلِ ٱعْبُرْ: عنى حوشاي أنه ينبغي لداود أن يعبر نهر الأردن، مفسحًا له المجال والوقت لإعادة التجمع قبل هجوم أبشالوم.
ب) الآيات (١٧-٢٢): إنذار داود.
١٧وَكَانَ يُونَاثَانُ وَأَخِيمَعَصُ وَاقِفَيْنِ عِنْدَ عَيْنِ رُوجَلَ، فَٱنْطَلَقَتِ ٱلْجَارِيَةُ وَأَخْبَرَتْهُمَا، وَهُمَا ذَهَبَا وَأَخْبَرَا ٱلْمَلِكَ دَاوُدَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْدِرَا أَنْ يُرَيَا دَاخِلَيْنِ ٱلْمَدِينَةَ. ١٨فَرَآهُمَا غُلَامٌ وَأَخْبَرَ أَبْشَالُومَ. فَذَهَبَا كِلَاهُمَا عَاجِلًا وَدَخَلَا بَيْتَ رَجُلٍ فِي بَحُورِيمَ وَلَهُ بِئْرٌ فِي دَارِهِ، فَنَزَلَا إِلَيْهَا. ١٩فَأَخَذَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَفَرَشَتْ سَجْفًا عَلَى فَمِ ٱلْبِئْرِ وَسَطَحَتْ عَلَيْهِ سَمِيذًا فَلَمْ يُعْلَمِ ٱلْأَمْرُ. ٢٠فَجَاءَ عَبِيدُ أَبْشَالُومَ إِلَى ٱلْمَرْأَةِ إِلَى ٱلْبَيْتِ وَقَالُوا: «أَيْنَ أَخِيمَعَصُ وَيُونَاثَانُ؟» فَقَالَتْ لَهُمُ ٱلْمَرْأَةُ: «قَدْ عَبَرَا قَنَاةَ ٱلْمَاءِ». وَلَمَّا فَتَّشُوا وَلَمْ يَجِدُوهُمَا رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. ٢١وَبَعْدَ ذِهَابِهِمْ خَرَجَا مِنَ ٱلْبِئْرِ وَذَهَبَا وَأَخْبَرَا ٱلْمَلِكَ دَاوُدَ، وَقَالَا لِدَاوُدَ: «قُومُوا وَٱعْبُرُوا سَرِيعًا ٱلْمَاءَ، لِأَنَّ هَكَذَا أَشَارَ عَلَيْكُمْ أَخِيتُوفَلُ». ٢٢فَقَامَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ وَعَبَرُوا ٱلْأُرْدُنَّ. وَعِنْدَ ضَوْءِ ٱلصَّبَاحِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لَمْ يَعْبُرِ ٱلْأُرْدُنَّ.
١. بَيْتَ رَجُلٍ فِي بَحُورِيمَ: أمْكنَ ليوناثان وأخيمعص أن يجدا عونًا في طريقهما. وقد ذهبت الأمة كلها وراء أبشالوم، ولا سيما بعد دخوله إلى سراري أبيه داود.
٢. فَقَامَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ وَعَبَرُوا ٱلْأُرْدُنَّ: بسبب نجاح العملية الاستخبارية، أفلت داود من الخطر المباشر من أبشالوم.
ج) الآية (٢٣): انتحار أخيتوفل.
٢٣وَأَمَّا أَخِيتُوفَلُ فَلَمَّا رَأَى أَنَّ مَشُورَتَهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا، شَدَّ عَلَى ٱلْحِمَارِ وَقَامَ وَٱنْطَلَقَ إِلَى بَيْتِهِ إِلَى مَدِينَتِهِ، وَأَوْصَى لِبَيْتِهِ، وَخَنَقَ نَفْسَهُ وَمَاتَ وَدُفِنَ فِي قَبْرِ أَبِيهِ.
١. وَأَمَّا أَخِيتُوفَلُ فَلَمَّا رَأَى أَنَّ مَشُورَتَهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا: لم يقتل أخيتوفل نفسه لأن مشاعره جُرحت بعد رفض مشورته. إذ رأى في بُعد نظره أن أبشالوم سيفشل في مسعاه عندما يتبنّى خطة حوشاي، وسيجرَّم في المؤامرة على داود، وسيلاقي مصيرًا مشؤومًا. أدرك أنه فقد كل شيء.
٢. وَأَوْصَى لِبَيْتِهِ، وَخَنَقَ نَفْسَهُ: انتحر أخيتوفل. ونحن نعرف أن الانتحار خطية، لأنها قتل للنفس، وأن الله أمرنا ’لا تقتل‘
خروج ٢٠: ١٣). ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى الانتحار على أنه خطية لا تُغتفر. لكن كل من ينتحر شخص استسلم لأكاذيب إبليس وخداعه، حيث هَمُّه أن يقتل ويهلك (يوحنا ١٠: ١٠).
· “الانتحار هو دائمًا الفعل الأقصى للجبن. وفي حالة شاول، كما في حالات مشابهة، فإنه أمر طبيعي تمامًا. لكن لا ينبغي أن يمجَّد على أنه عمل بطولي. وهو الملاذ الأخير للإنسان الذي لا يجرؤ على الوقوف في وجه الحياة.” مورجان (Morgan)
· “أود أن ألفت انتباهكم إلى طبيعة النص اللافتة للنظر: “وَأَوْصَى لِبَيْتِهِ (رتّب أمور بيته) وَخَنَقَ نَفْسَهُ.” كان ترتيبه لبيته أمرًا حكيمًا، لكن قيامه بشنق نفسه برهان على حماقته. وهذا مزيج غريب من التعقل واليأس والجنون. هل لدى إنسان حكمة كافية تدفعه إلى ترتيب أمور دنيوية باهتمام، ومع ذلك سيكون بائسًا عندما ينتزع حياته في ما بعد؟” سبيرجن (Spurgeon)
· “قامت آلاف بترتيب بيوتها، لكنها أهلكت نفسها. ينظر هؤلاء إلى قطعانهم ومواشيهم، لكن ليس إلى أفضل مصالح قلوبهم. يجمعون أصدافًا بجِد واستمرار، لكنهم يلقون بعيدًا الماس الذي لا يقدَّر بثمن. يمارسون التروّي، والحصافة، والرعاية، والاهتمام في كل موضع إلا حيث تشتد الحاجة الحقيقية. يدّخرون مالًا، لكنهم يهدرون السعادة. إنهم أوصياء على ممتلكاتهم، لكنهم ينحرون نفوسهم.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٢٤-٢٦): أبشالوم يعبر نهر الأردن لملاحقة داود.
٢٤وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى مَحَنَايِمَ. وَعَبَرَ أَبْشَالُومُ ٱلْأُرْدُنَّ هُوَ وَجَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ. ٢٥وَأَقَامَ أَبْشَالُومُ عَمَاسَا بَدَلَ يُوآبَ عَلَى ٱلْجَيْشِ. وَكَانَ عَمَاسَا ٱبْنَ رَجُلٍ ٱسْمُهُ يِثْرَا ٱلْإِسْرَائِيلِيُّ ٱلَّذِي دَخَلَ إِلَى أَبِيجَايِلَ بِنْتِ نَاحَاشَ أُخْتِ صَرُويَةَ أُمِّ يُوآبَ. ٢٦وَنَزَلَ إِسْرَائِيلُ وَأَبْشَالُومُ فِي أَرْضِ جِلْعَادَ.
١. وَعَبَرَ أَبْشَالُومُ ٱلْأُرْدُنَّ هُوَ وَجَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ: والآن صار أبشالوم القائد الأعلى لجيش إسرائيل. فكان هذا موافقًا لغروره، لكنه كان غير موافق للنجاح في ميدان المعركة.
· “ضَمِن غرور أبشالوم الخراب له.” مورجان (Morgan)
٢. وَأَقَامَ أَبْشَالُومُ عَمَاسَا بَدَلَ يُوآبَ عَلَى ٱلْجَيْشِ: جعل أبشالوم عماسا قائدًا للجيش بدلًا من يوآب. وكان عماسا هذا ابن ابنة أخت داود وابن عم يوآب.
هـ) الآيات (٢٧-٢٩): داود يجد داعمين في جلعاد.
٢٧وَكَانَ لَمَّا جَاءَ دَاوُدُ إِلَى مَحَنَايِمَ أَنَّ شُوبِيَ بْنَ نَاحَاشَ مِنْ رَبَّةِ بَنِي عَمُّونَ، وَمَاكِيرَ بْنَ عَمِّيئِيلَ مِنْ لُودَبَارَ، وَبَرْزَلَّايَ ٱلْجِلْعَادِيَّ مِنْ رُوجَلِيمَ، ٢٨قَدَّمُوا فَرْشًا وَطُسُوسًا وَآنِيَةَ خَزَفٍ وَحِنْطَةً وَشَعِيرًا وَدَقِيقًا وَفَرِيكًا وَفُولًا وَعَدَسًا وَحِمِّصًا مَشْوِيًّا ٢٩وَعَسَلًا وَزُبْدَةً وَضَأْنًا وَجُبْنَ بَقَرٍ، لِدَاوُدَ وَلِلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ لِيَأْكُلُوا، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: “ٱلشَّعْبُ جَوْعَانُ وَمُتْعَبٌ وَعَطْشَانُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ.”
١. شُوبِيَ… وَمَاكِيرَ… وَبَرْزَلَّايَ: يعطي الكاتب اهتمامًا خاصًا بهؤلاء الأشخاص المغمورين (بذِكر أسمائهم) بسبب دورهم هنا، حيث ساعدوا داود في وقت احتياج عظيم. والصديق هو حقًّا في وقت الضيق.
٢. ٱلشَّعْبُ جَوْعَانُ وَمُتْعَبٌ وَعَطْشَانُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: لم يكن مساعدو داود هؤلاء محاربين استثنائيين، لكنهم ساعدوا داود في هذه الأزمة بقدر ما يفعل أشجع الجنود. لقد أرسلهم الله لتعزية داود في محنته.
· “كان الأمر وكأن الله انحنى فوق هذه النفس المنكوبة. وبينما كانت ضربات العصا تشق أخاديد في ظهر هذه النفس المتألمة، سُكِب بلسم جلعاد في الجروح العميقة. تحدثت الأصوات برفق، ولمسته أيادٍ بحنان، وأمطرت الرأفة توكيدات رقيقة حول مساره. وأفضل من هذا كله هو أن ملائكة حماية الله حلّت حول طريقه ومضجعه.” ماير (Meyer)