ملوك الأول ١٨
انتصار إيليا في جبل الكرمل
أولًا. إيليا يلتقي أخآب
أ ) الآيات (١-٢): نهاية الجفاف.
١وَبَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِيلِيَّا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ قَائِلاً: «اذْهَبْ وَتَرَاءَ لأَخْآبَ فَأُعْطِيَ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ». ٢فَذَهَبَ إِيلِيَّا لِيَتَرَاءَى لأَخْآبَ. وَكَانَ الْجُوعُ شَدِيدًا فِي السَّامِرَةِ،
١. فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ: استمر هذا الجفاف الملحوظ لمدة ثلاث سنوات ونصف بسبب صلاة إيليا الحارة.
٢. اذْهَبْ وَتَرَاءَ لأَخْآبَ: سبق أن أمر الرب إيليا أن يختبئ. وها هو الآن يطلب منه أن يقف أمام أخآب. إذ يوجد وقت للاختباء والخلوة مع الله، ويوجد وقت آخر لتقديم نفسك للعالم. يرغب بعضهم في أن يظلوا مختبئين دائمًا عندما يتعين عليهم التقدم للأمام وتقديم أنفسهم للآخرين.
• أطاع إيليا أمر الرب بكل بساطة. ورغم أن هذا حدث من خلال صلاة إيليا، إلا أن صلواته كانت حساسة لقيادة الرب. لم يبدأ الجفاف ولم ينته بإرادة إيليا، بل بإرادة الرب.
ب) الآيات (٣-١٤): إيليا يقابل عُوبَدْيَا.
٣فَدَعَا أَخْآبُ عُوبَدْيَا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ، وَكَانَ عُوبَدْيَا يَخْشَى الرَّبَّ جِدًّا. ٤وَكَانَ حِينَمَا قَطَعَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ أَنَّ عُوبَدْيَا أَخَذَ مِئَةَ نَبِيٍّ وَخَبَّأَهُمْ خَمْسِينَ رَجُلاً فِي مُغَارَةٍ وَعَالَهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ. ٥وَقَالَ أَخْآبُ لِعُوبَدْيَا: «اذْهَبْ فِي الأَرْضِ إِلَى جَمِيعِ عُيُونِ الْمَاءِ وَإِلَى جَمِيعِ الأَوْدِيَةِ، لَعَلَّنَا نَجِدُ عُشْبًا فَنُحْيِيَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَلاَ نُعْدَمَ الْبَهَائِمَ كُلَّهَا». ٦فَقَسَمَا بَيْنَهُمَا الأَرْضَ لِيَعْبُرَا بِهَا. فَذَهَبَ أَخْآبُ فِي طَرِيق وَاحِدٍ وَحْدَهُ، وَذَهَبَ عُوبَدْيَا فِي طَرِيق آخَرَ وَحْدَهُ. ٧وَفِيمَا كَانَ عُوبَدْيَا فِي الطَّرِيقِ، إِذَا بِإِيلِيَّا قَدْ لَقِيَهُ فَعَرَفَهُ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: «أَأَنْتَ هُوَ سَيِّدِي إِيلِيَّا؟» ٨فَقَالَ لَهُ: «أَنَا هُوَ. اذْهَبْ وَقُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا». ٩فَقَالَ: «مَا هِيَ خَطِيَّتِي حَتَّى إِنَّكَ تَدْفَعُ عَبْدَكَ لِيَدِ أَخْآبَ لِيُمِيتَنِي؟ ١٠حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ، إِنَّهُ لاَ تُوجَدُ أُمَّةٌ وَلاَ مَمْلَكَةٌ لَمْ يُرْسِلْ سَيِّدِي إِلَيْهَا لِيُفَتِّشَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لاَ يُوجَدُ. وَكَانَ يَسْتَحْلِفُ الْمَمْلَكَةَ وَالأُمَّةَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوكَ. ١١وَالآنَ أَنْتَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ هُوَذَا إِيلِيَّا. ١٢وَيَكُونُ إِذَا انْطَلَقْتُ مِنْ عِنْدِكَ، أَنَّ رُوحَ الرَّبِّ يَحْمِلُكَ إِلَى حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ. فَإِذَا أَتَيْتُ وَأَخْبَرْتُ أَخْآبَ وَلَمْ يَجِدْكَ فَإِنَّهُ يَقْتُلُنِي، وَأَنَا عَبْدُكَ أَخْشَى الرَّبَّ مُنْذُ صَبَايَ. ١٣أَلَمْ يُخْبَرْ سَيِّدِي بِمَا فَعَلْتُ حِينَ قَتَلَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ، إِذْ خَبَّأْتُ مِنْ أَنْبِيَاءِ الرَّبِّ مِئَةَ رَجُل، خَمْسِينَ خَمْسِينَ رَجُلاً فِي مُغَارَةٍ وَعُلْتُهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ؟ ١٤وَأَنْتَ الآنَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا، فَيَقْتُلُنِي».
١. وَكَانَ حِينَمَا قَطَعَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ أَنَّ عُوبَدْيَا أَخَذَ مِئَةَ نَبِيٍّ وَخَبَّأَهُمْ خَمْسِينَ رَجُلاً فِي مُغَارَةٍ وَعَالَهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ: كان عوبديا رجلًا شجاعًا وقف مع الله وأنبيائه في وقت عصيب.
• قد يكون هو نفسه عوبديا الذي سجُلت نبوته على أدوم في أسفار الأنبياء الصغار. من الصعب التأكد من ذلك، لأنه كان هناك ١٣ عوبديا في العهد القديم. ويعني الاسم العبري عوبديا: ’عابد يهوه‘ أو ’خادم يهوه.‘
أرسل يهوشافاط ملك يهوذا شخصًا اسمه عوبديا ليُعلم الشريعة في مدن يهوذا (٢ أخبار الأيام ١٧: ٧).
كان أحد المشرفين الذين ساعدوا في ترميم الهيكل أيام يوشيا ملك يهوذا، شخص اسمه عوبديا (٢ أخبار الأيام ٣٤: ١٢).
كان هنالك شخص اسمه عوبديا خدم ككاهن أيام نحميا (نحميا ١٠: ٥).
• مِئَةَ نَبِيٍّ: “الأنبياء: لا يُطلق هذا اللقب على من أُنعِمَ عليه بروح نبوة استثنائية فحسب، بل كان يُعطى أيضًا للخدام الذين كرسوا أنفسهم لخدمة الله في الوعظ، والصلاة، والتسبيح وما شابه ذلك.” بوله (Poole)
• “يمكنك أن تفسر هذا الأمر كيفما تريد، إلا أنه كان في وسط التمرد على الله شخص ذو تكريس قوي متميز. وكما أنه أمر فظيع أن نجد خائنًا كيهوذا بين الرسل، فإنه رائع أن نكتشف وجود ’عوبديا‘ بين حاشية أخآب. يا لها من نعمة عملت على حفظ مثل هذه النار في وسط البحر، وعلى مثل هذه التقوى في وسط أكثر إثم خساسة.” سبيرجن (Spurgeon)
• “من الطبيعي ألا يجد عوبديا صعوبة في العثور على كهوف لأبناء الأنبياء، إذ يوجد أكثر من ألفي كهف في منطقة جبل الكرمل.” باترسون وأوستيل (Patterson and Austel)
٢. وَفِيمَا كَانَ عُوبَدْيَا فِي الطَّرِيقِ، إِذَا بِإِيلِيَّا قَدْ لَقِيَهُ: كان الجفاف شديدًا لدرجة أن الملك أخآب نفسه وخادمه الأمين عوبديا كانا يبحثان عن مراعٍ. رتب الله هذا اللقاء غير المتوقع بين عوبديا والنبي إيليا.
• “ربما افترضنا أن أخآب سيبحث عن طريقة للتخفيف من معاناة شعبه، وأنه، وهو الأهم، سيرجع إلى الله. ولكنه لم يفعل هذا، بل انصب كل تركيزه على خيوله وبغاله. إذ كان همه الوحيد إنقاذ بعضها. يا لها من أنانية! البغال والحمير قبل شعبه. وسعى وراء العُشب بدلًا من السعي وراء الله!” ماير (Meyer)
٣. مَا هِيَ خَطِيَّتِي حَتَّى إِنَّكَ تَدْفَعُ عَبْدَكَ لِيَدِ أَخْآبَ لِيُمِيتَنِي؟: عرف عوبديا أن الملك أخآب بحث مطولًا عن إيليا لمعاقبته على الجفاف الذي فرضته صلاته على إسرائيل. خشي عوبديا أنه إذا أعلن عن لقائه بإيليا واختفى النبي ثانية، فإن أخآب سيعاقبه لأنه ترك إيليا يفلت من يديه.
ج) الآيات (١٥-١٦): إيليا يؤكد لعوبديا أنه سيلتقي أخآب.
١٥فَقَالَ إِيلِيَّا: «حَيٌّ هُوَ رَبُّ الْجُنُودِ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ، إِنِّي الْيَوْمَ أَتَرَاءَى لَهُ». ١٦فَذَهَبَ عُوبَدْيَا لِلِقَاءِ أَخْآبَ وَأَخْبَرَهُ، فَسَارَ أَخْآبُ لِلِقَاءِ إِيلِيَّا.
١. إِنِّي الْيَوْمَ أَتَرَاءَى لَهُ: استجاب إيليا بلطف وحكمة لمخاوف عوبديا المشروعة. لم يكن إيليا ليسمح باستشهاد عوبديا بسببه.
د ) الآيات (١٧-١٩): إيليا وأخآب يتبادلان الاتهامات.
١٧وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: «أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟» ١٨فَقَالَ: «لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ. ١٩فَالآنَ أَرْسِلْ وَاجْمَعْ إِلَيَّ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ، وَأَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ أَرْبَعَ الْمِئَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَنْبِيَاءَ السَّوَارِي أَرْبَعَ الْمِئَةِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابَلَ».
١. «أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟»: كان أخآب أسوأ ملوك إسرائيل وشرّهم على الإطلاق. لكنه لم يتردد في لوم إيليا النبي الصالح على مشاكل إسرائيل. لو كان أخآب قد توقف على الأقل عن اضطهاد شعب الله، لخفف الله الجفاف. لكن ملك إسرائيل الشرير وجد أنه أسهل عليه إلقاء اللوم على النبي الصالح.
• وفقًا للاهوت أخآب، كان منطقيًا أن يلقي باللوم على إيليا. فقد سمحت حكومته وشجعت عبادة البعل، واضطهدت أولئك الذين يعبدون الإله الحقيقي. واعتقد أخآب أن إيليا أغضب إله السماء بعل، وبالتالي منع الإله بعل نزول المطر. وربما اعتقد أيضًا أن بعل سيمنع نزول المطر إلى أن يتم القبض على إيليا ويُعدم.
• كان يتوجب على أخآب أن يخضع لله. فقد وعدت الله في سفر التثنية ٢٨: ٢٣-٢٤ بأن الجفاف كان بسبب إسرائيل العاصية.
٢. فَالآنَ أَرْسِلْ وَاجْمَعْ إِلَيَّ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ: تحدى إيليا الملك أخآب وطلب منه أن يجمع أنبياء البعل وأنبياء السّواري في جبل الكرمل.
• “اجمع بني إسرائيل، وكل نوابهم، أو رؤسائهم، أو ممثليهم، ليكونوا شهودًا علينا.” بوله (Poole)
• توضح لنا الآية في ١ ملوك ١٨: ٣٦ أن إيليا فعل كل هذا بأمر من الرب. إذ لم تكن تلك فكرته العبقرية أو خطته. ولكن أطاع إيليا خطة الله.
• كان من المهم مواجهة أنبياء البعل والقضاء عليهم قبل أن يُنزل الله المطر على أرض إسرائيل ثانية. وكان من الضروري أن يفهم الجميع أن المطر أتى من الرب وليس من البعل.
٣. الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابَلَ: يشير هذا إلى حقيقة أن أنبياء البعل والسواري كانوا مدعومين من قبل حكومة إسرائيل وتحت رعاية الملكة الشريرة إيزابل.
• “لم ترضَ إيزابل بمكان عبادة خاص، ولا بولاء زوجها المصطنع للبعل، بل أرادت إزاحة إله إسرائيل من العرش، وجعل البعل الإله الرئيسي، وإيمانها الدين الرسمي للدولة.
ثانيًا. انتصار إيليا على حبل الكرمل
أ ) الآيات (٢٠-٢١): إيليا يتحدى اسرائيل لاتخاذ قرار.
٢٠فَأَرْسَلَ أَخْآبُ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَمَعَ الأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. ٢١فَتَقَدَّمَ إِيلِيَّا إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ وَقَالَ: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ». فَلَمْ يُجِبْهُ الشَّعْبُ بِكَلِمَةٍ.
١. فَأَرْسَلَ أَخْآبُ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: لا نعرف تمامًا لماذا وافق أخآب على طلب إيليا. لعله كان يأمل أن يغضب الشعب من إيليا بسبب الجفاف في الثلاث سنوات الأخيرة وينقلبوا عليه.
٢. وَجَمَعَ الأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ: كره هؤلاء الأنبياء إيليا كثيرًا. لقد أحبوا استحسان الملك أخآب والملكة إيزابل لهم، وشجعوا بحماس على اضطهاد أي تابع حقيقي للرب. ولكن على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، أذلّهم إيليا بشدة، بسبب الجفاف الذي صلى لأجله. إذ لم تنفع صلواتهم وصراخهم لإله الطقس بعل في شيء كل هذه السنوات. لقد كرهوا نبي الله الذي أذلهم وأهان كهنوتهم الوهمي بشدة.
• “لقد راقب الكهنة عن قرب كل حركة صدرت منه بنظراتهم الخبيثة. لم يسبق لنمر أن يراقب فريسته بنفس الشراسة! ولو كان الأمر بيدهم، لما ذاق طعم الحياة ثانية.” ماير (Meyer)
• “هذا الرجل الوحيد، ذو الروح البطولية، صد السيل المخيف من عبادة الأوثان. وقف بثبات في أرضه مثل صخرة في منتصف التيار. ورغم أنه كان يقف وحيدًا، إلا أنه تساوى مع كل كهنة القصر والإيكات، مثل الأسد الذي يشتت قطيعًا من الغنم.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ»: كان هذا سؤالًا منطقيًا ومفيدًا. وبشكل عام، كان شعب إسرائيل فاترًا روحيًا. إذ أرادوا أن يعبدوا الرب والبعل معًا، ولكن إله إسرائيل لم يكن مهتمًا بهذا النوع من العبادة المنقسمة.
• فمن الناحية الروحية، كانت إسرائيل مثل الشريك غير المخلص في الزواج الذي لا يريد أن يتخلى عن شريكه في الزواج، ولكنه أيضًا لا يريد التخلي عن عشيقه. يحق للشريك في الزواج أن يحظى بتفاني الشريك الآخر التام.
• حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ: تعني الكلمة العبرية القديمة المترجمة ’تَعْرُجُونَ‘ (كما هي في الترجمة العربية): “أن يتوقف أو يقفز أو يرقص.” ديلداي (Dilday) وهي نفس الكلمة المستخدمة في ١ ملوك ١٨: ٢٦ ’كَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْمَذْبَحِ.‘ لعل إيليا قصد أن يقول: “إلى متى سترقصون بين الفرقتين؟”
• كان لآدم كلارك (Adam Clarke) فهم مختلف قليلًا: “تعني الجملة حرفيًا: ’كم من الوقت ستحجلون بين الغصنين؟‘ وهذه استعارة مأخوذة من الطيور وهي تقفز من غصن إلى آخر، من دون أن تعرف على أي غصن ستستقر.”
• أوضح نداء إيليا أن هنالك فرقًا بين خدمة البعل وخدمة الرب. وربما يعتقد الكثيرون أنه ليس هنالك فرق كبير بينهما – فالشيء الوحيد المهم هو أن يكون لك دين من نوع ما، وأن تكون مخلصًا له، وأن تتبع قلبك لأي إله يقودك إليه. ولكن عرف إيليا أنه لا يمكن أن يكون الأمر بهذا الشكل. إما أن تخدم البعل أو تخدم يهوه، إذ أن هنالك فرقًا شاسعًا بين الأمرين.
• كما سأل إيليا مستمعيه أيضًا حتى متى لن يأخذوا قرارهم بشأن يهوه والبعل. “سألهم: حَتَّى مَتَى؟ كم عظة أخرى تريدون أيضًا؟ كم يوم أحد آخر يجب أن يضيع؟ كم عدد التحذيرات، وكم عدد الأمراض، وكم عدد المرات التي تشعر فيها بالإعياء لتحذيرك بأنه يجب أن تموت؟ كم عدد القبور التي يجب حفرها لعائلتك قبل أن تتأثر؟ كم عدد الأوبئة التي يجب أن تجتاح هذه المدينة قبل أن تلجأ إلى الله بصدق؟ إلى متى ستعرجون بين الفرقتين؟” سبيرجن (Spurgeon)
٤. فَلَمْ يُجِبْهُ الشَّعْبُ بِكَلِمَةٍ: لم يعترضوا ولم يتوبوا. كانت تعوزهم الشجاعة للدفاع عن موقفهم أو لتغييره. كانوا مستعدين لأن يعيشوا حياة متساهلة بقناعات متدنية.
• استطاع إيليا أن يرى قلوبهم بدقة لأنه كان يرى أفعالهم. شرح سبيرجن فكرة إيليا كالتالي: “أعلم أنكم لم تقرروا في أذهانكم بعد، لأنكم لم تقرروا في الممارسة بعد. إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل هو الله فاتبعوه. أنتم لم تقرروا في الممارسة بعد.”
ب) الآيات (٢٢-٢٤): إيليا يقترح اختبار الله والبعل.
٢٢ثُمَّ قَالَ إِيلِيَّا لِلشَّعْبِ: «أَنَا بَقِيتُ نَبِيًّا لِلرَّبِّ وَحْدِي، وَأَنْبِيَاءُ الْبَعْلِ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلاً. ٢٣فَلْيُعْطُونَا ثَوْرَيْنِ، فَيَخْتَارُوا لأَنْفُسِهِمْ ثَوْرًا وَاحِدًا وَيُقَطِّعُوهُ وَيَضَعُوهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلكِنْ لاَ يَضَعُوا نَارًا. وَأَنَا أُقَرِّبُ الثَّوْرَ الآخَرَ وَأَجْعَلُهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلكِنْ لاَ أَضَعُ نَارًا. ٢٤ثُمَّ تَدْعُونَ بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ وَأَنَا أَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ. وَالإِلهُ الَّذِي يُجِيبُ بِنَارٍ فَهُوَ اللهُ». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: «الْكَلاَمُ حَسَنٌ».
١. أَنَا بَقِيتُ نَبِيًّا لِلرَّبِّ وَحْدِي: عرف إيليا أن هذا لم يكن صحيحًا تمامًا. فقد أخبره عوبديا قبل فترة وجيزة أنه آوى ١٠٠ نبي ضد اضطهاد إيزابل وأخآب.
٢. لْيُعْطُونَا ثَوْرَيْنِ، فَيَخْتَارُوا لأَنْفُسِهِمْ ثَوْرًا وَاحِدًا: حرص إيليا من خلال هذا الامتحان المقترح، على أن يعطي أنبياء البعل كل ميزة محتملة. اختاروا ثورين، واختاروا أيهما سيضحون به وأيهما سيضحي إيليا به.
٣. وَالإِلهُ الَّذِي يُجِيبُ بِنَارٍ فَهُوَ اللهُ: لن يكون مصدر النار من إيليا ولا من أنبياء البعل. كان لا بد من أن تأتي من شيء خارق للطبيعة: البعل أو الرب.
• ومرة أخرى، يعطي إيليا الكثير من المزايا لأنبياء البعل. كان يُعتقد أن بعل هو إله السماء، رب الطقس، ومُرسل البرق (وهو النار من السماء). إن كان البعل إلهًا حقيقيًا فعلًا، فبإمكانه أن يرسل نارًا من السماء.
• تطلب قيام إيليا بوضع الله ونفسه على المحك أمام أمة إسرائيل المجتمعة الكثير من الإيمان. تعلّم إيليا هذا النوع من الإيمان بسبب اعتماده اليومي على الرب لعدة شهور، سواء أكان هذا عند نهر كريث أم في بيت الأرملة في صرفة.
• كان لدى إيليا بالطبع أسباب كثيرة للثقة بالرب الإله. أولًا، كان يتبع تعليمات الرب الدقيقة (١ ملوك ١٨: ٣٦). ثانيًا، كان يعلم من تاريخ إسرائيل أن الله يمكنه أن يرسل نارًا من السماء على ذبيحة (قضاة ٦: ٢٠-٢١ و٢ أخبار الأيام ٧: ١-٧).
ج) الآيات (٢٥-٢٧): أنبياء البعل يصلون لنزول نار.
٢٥فَقَالَ إِيلِيَّا لأَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ: «اخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ ثَوْرًا وَاحِدًا وَقَرِّبُوا أَوَّلاً، لأَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأَكْثَرُ، وَادْعُوا بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَضَعُوا نَارًا». ٢٦فَأَخَذُوا الثَّوْرَ الَّذِي أُعْطِيَ لَهُمْ وَقَرَّبُوهُ، وَدَعَوْا بِاسْمِ الْبَعْلِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الظُّهْرِ قَائِلِينَ: «يَا بَعْلُ أَجِبْنَا». فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ. وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْمَذْبَحِ الَّذِي عُمِلَ. ٢٧وَعِنْدَ الظُّهْرِ سَخِرَ بِهِمْ إِيلِيَّا وَقَالَ: «ادْعُوا بِصَوْتٍ عَال لأَنَّهُ إِلهٌ! لَعَلَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ فِي خَلْوَةٍ أَوْ فِي سَفَرٍ! أَوْ لَعَلَّهُ نَائِمٌ فَيَتَنَبَّهَ!»
١. وَدَعَوْا بِاسْمِ الْبَعْلِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الظُّهْرِ قَائِلِينَ: «يَا بَعْلُ أَجِبْنَا»: كان لأنبياء البعل حياة صلاة صادقة. نراهم هنا يصلون لمدة طويلة وبشغف. ولكن لأنهم لم يكونوا يصلّون إلى الإله الحقيقي، لم تعنِ صلاتهم شيئًا. فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ.
٢. وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْمَذْبَحِ الَّذِي عُمِلَ: كان لأنبياء البعل حياة صلاة نشطة. كانت عبادتهم ممتلئة بالحماس والنشاط. ولكن لأنها لم تكن موجهة إلى الإله الحقيقي، لم تعنِ صلاتهم شيئًا.
٣. سَخِرَ بِهِمْ إِيلِيَّا: لم يستطع إيليا مقاومة فرصة السخرية من أنبياء البعل بسبب إيمانهم الغبي الواضح.
• “وصل تهكم إيليا من تصرفات الكهنة إلى حد السخرية منهم شخصيًّا.” باترسون وأوستيل (Patterson and Austel) يمكن لجملة ’لَعَلَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ فِي خَلْوَةٍ‘ أن تترجم: ’ربما هو مشغولٌ.‘ أو ربما كناية بأن إلههم يشبه الناس.
• “قدم المعلم يهودي س. جارشي أكثر معنى انحطاطًا يمكن أن يستخدم، ولكني سأقوله باللاتينية، نظرًا لاحتوائه على لغة بذيئة يصعب التعبير عنها بالإنجليزية: (Fortassis ad locum secretum abiit, ut ventrem ibi exoneret). ومن المؤكد أن هذا يقلل من قيمة البعل إلى أدنى درجات الاحتقار. وبهذا يكون التهكم والازدراء تامّين.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٢٨-٢٩): اجتهد أنبياء البعل أكثر في صلاتهم.
٢٨فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَال، وَتَقَطَّعُوا حَسَبَ عَادَتِهِمْ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ حَتَّى سَالَ مِنْهُمُ الدَّمُ. ٢٩وَلَمَّا جَازَ الظُّهْرُ، وَتَنَبَّأُوا إِلَى حِينِ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ، وَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ وَلاَ مُصْغٍ.
١. فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَال، وَتَقَطَّعُوا حَسَبَ عَادَتِهِمْ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ حَتَّى سَالَ مِنْهُمُ الدَّمُ: كان أنبياء البعل مخلصين ومكرسين تمامًا لدينهم. وكانوا ملتزمين لدرجة أنهم عبروا عن ذلك بدمائهم. كانوا يملكون الغيرة، ولكن من دون معرفة – لذلك فإن غيرتهم لم تفدهم بشيء.
• “نقرأ في كتابات أوغاريت القديمة جدًا عن تجريح الذات لإثارة شفقة الإله أو تجاوبه ما يلي: ’يستحم الرجال بدمائهم مثل نبي منتشٍ.‘” وايزمان (Wiseman)
• “كانت هذه طقوس دينهم الهمجي، ولأن دم الثور لم تحرك إلههم، ظنوا أن دماءهم يمكن أن تحقق هذا الأمر، فكانوا يلطخون أنفسهم وذبيحتهم بالدماء.” كلارك (Clarke)
٢. وَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ وَلاَ مُصْغٍ: هذه هي النتيجة المحزنة لعبادة إله وهمي أو إله من صنعنا. قد نكون مخلصين جدًا ونضحي بالكثير لمثل هذه الآلهة، لكن هذا لا يعني شيئًا. إذ ليس هنالك من مجيب.
هـ) الآيات (٣٠-٣٥): إيليا يُعد مذبحه.
٣٠قَالَ إِيلِيَّا لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ». فَتَقَدَّمَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَيْهِ. فَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ الْمُنْهَدِمَ. ٣١ثُمَّ أَخَذَ إِيلِيَّا اثْنَيْ عَشَرَ حَجَرًا، بِعَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي يَعْقُوبَ، الَّذِي كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلاً: «إِسْرَائِيلَ يَكُونُ اسْمُكَ» ٣٢وَبَنَى الْحِجَارَةَ مَذْبَحًا بِاسْمِ الرَّبِّ، وَعَمِلَ قَنَاةً حَوْلَ الْمَذْبَحِ تَسَعُ كَيْلَتَيْنِ مِنَ الْبَزْرِ. ٣٣ثُمَّ رَتَّبَ الْحَطَبَ وَقَطَّعَ الثَّوْرَ وَوَضَعَهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَقَالَ: «امْلأُوا أَرْبَعَ جَرَّاتٍ مَاءً وَصُبُّوا عَلَى الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى الْحَطَبِ». ٣٤ثُمَّ قَالَ: «ثَنُّوا» فَثَنَّوْا. وَقَالَ: «ثَلِّثُوا» فَثَلَّثُوا. ٣٥فَجَرَى الْمَاءُ حَوْلَ الْمَذْبَحِ وَامْتَلأَتِ الْقَنَاةُ أَيْضًا مَاءً.
١. «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ»: عندما جاء دور إيليا، أراد أولًا لفت انتباه الشعب. وكان هذا لمصلحتهم، وليس لمصلحته أو لمصلحة الله في المقام الأول. كان عليهم أن ينتبهوا جيدًا ليروا أن الرب هو الإله الحقيقي، على عكس البعل الصامت.
٢. فَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ الْمُنْهَدِمَ: كان إيليا مدركًا تمامًا أنه أصلح شيئًا كان قويًا في يوم من الأيام. كان يوجد مذبح للرب في الكرمل وفي إسرائيل بشكل عام. تطلع إيليا إلى إحياء شيء كان موجودًا يومًا.
٣. «امْلأُوا أَرْبَعَ جَرَّاتٍ مَاءً وَصُبُّوا عَلَى الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى الْحَطَبِ»: في رغبته في ترك انطباع قوي في الناس، توقع إيليا الكثير من الرب وليس من البعل. لم يقترح إيليا حتى على أنبياء البعل أن يبللوا ذبيحتهم مرة أو مرتين، ناهيك عن ثلاث مرات. ولكن هذا ما فعله إيليا، واثقًا بأن الرب لن يجد صعوبة أكبر في إشعال ذبيحة رطبة من ذبيحة جافة.
• “لا يمكن أن يكون هنالك أي مجال للخداع، كاستخدام سائل قابل للاشتعال بدلًا من الماء، أو المرايا كما اقترح بعض الباحثين. كانت المواجهة ملتزمة وشبيهة.” وايزمان (Wiseman)
و ) الآيات (٣٦-٣٧): صلاة إيليا.
٣٦وَكَانَ عِنْدَ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ أَنَّ إِيلِيَّا النَّبِيَّ تَقَدَّمَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، لِيُعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ، وَبِأَمْرِكَ قَدْ فَعَلْتُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ. ٣٧اسْتَجِبْنِي يَا رَبُّ اسْتَجِبْنِي، لِيَعْلَمَ هذَا الشَّعْبُ أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ، وَأَنَّكَ أَنْتَ حَوَّلْتَ قُلُوبَهُمْ رُجُوعًا».
١. وَكَانَ عِنْدَ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ (الذبيحة المسائية): قبل حوالي ٥٠ عامًا من هذه الحادثة، كان يربعام ملك إسرائيل قد منع رسميًا مواطني المملكة الشمالية من عبادة إله إسرائيل في الهيكل في أورشليم. ومع ذلك، ما زال إيليا يتذكر الذبيحة المسائية التي كانت تقدم بحسب وصية الله يوميًا في الهيكل في أورشليم.
٢. لِيُعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ: كان الأمران مهمين. كان من المهم أن يعرف بني إسرائيل من هو إلههم ومن هو خادمه.
٣. وَبِأَمْرِكَ قَدْ فَعَلْتُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ: كان هذا أيضًا ضروريًا، ويساعدنا على فهم الحدث بأكمله. فعل إيليا كل هذا بأمر الرب. لم يفعل أيًّا من هذا بسبب ذكائه أو بسبب الافتراض أو بسبب المجد الباطل. الرب هو من قاد إيليا لمواجهة أنبياء البعل.
• “لم تكن نزوته هي التي دفعته إلى تأديب الأمة بالجفاف. ولم يكن تدبير من عقله أن يختبر يهوه أو البعل بذبيحة تلتهمها نار عجيبة.” سبيرجن (Spurgeon)
• أوصى سبيرجن المؤمنين باستخدام نفس المبدأ في الصلاة، وخاصة من يكرز بكلمة الله: “اذهب إلى كرسي الرحمة بهذه الحجة: ’يا رب، لقد فعلت حسب كلمتك. فاكشف للجميع أنه هذا منك فعلًا. لقد قدمت كلمتك، وأنت قلت: ’كَلِمَتِي لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَة.‘ صليت من أجل هؤلاء الناس، وأنت قلت: ’طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا،‘ ليعلم الجميع أنها فعلًا كلمتك.”
ز ) الآيات (٣٨-٤٠): النتيجة: يهوة يستجيب بالنار.
٣٨فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ. ٣٩فَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الشَّعْبِ ذلِكَ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا: «الرَّبُّ هُوَ اللهُ! الرَّبُّ هُوَ اللهُ!». ٤٠فَقَالَ لَهُمْ إِيلِيَّا: «أَمْسِكُوا أَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ وَلاَ يُفْلِتْ مِنْهُمْ رَجُلٌ». فَأَمْسَكُوهُمْ، فَنَزَلَ بِهِمْ إِيلِيَّا إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ وَذَبَحَهُمْ هُنَاكَ.
١. فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ: كان لأنبياء البعل شغف والتزام وإخلاص وتفانٍ وطاقة هائلة. ولكن لم يكن لديهم إله سماوي يستجيب بالنار.
• “نزلت هذه النار من فوق، على نقيض كل نار أرضية ومادية.” كلارك (Clarke)
• “لم يستغرق طلب إيليا أكثر من دقيقة، ومع ذلك كانت النتائج مذهلة. يكمن الفرق في الشخص المخاطب.” باترسون وأوستيل (Patterson and Austel)
٢. فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ: فاق عمل النار التي أنزلها الرب كل التوقعات. كان سيكفي أن يشعل النار في قطع الثور المقطعة على المذبح، لكن أراد الرب أكثر من مجرد دفاع بسيط عن نفسه – أراد أن يمجد نفسه بين الشعب.
٣. فَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الشَّعْبِ ذلِكَ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا: «الرَّبُّ هُوَ اللهُ! الرَّبُّ هُوَ اللهُ!»: في تلك اللحظة، اقتنع الشعب تمامًا. لم يكن لديهم أي خيار آخر، من الواضح أن الرب هو الله.
• ومن المؤسف أنها صحوة بني إسرائيل كانت مؤقتة. اقتنعوا تمامًا، ولكنهم لم يتغيروا بشكل دائم.
٤. فَقَالَ لَهُمْ إِيلِيَّا: «أَمْسِكُوا أَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ وَلاَ يُفْلِتْ مِنْهُمْ رَجُلٌ»: بما أنها كانت منافسة بين الرب والبعل، كان على كل نبي منهم أن يكون مسؤولًا عن النتائج. كانت خطية الملك أخآب الكبرى رعايته الرسمية لأنبياء البعل. والآن بعد أن تم الكشف عن غش البعل، كان على أنبيائه أن يتحملوا النتائج، وكان يتوجب محاسبتهم وفقًا لناموس موسى (تثنية ١٣: ٥، ١٣: ١٣-١٨، ١٧: ٢-٥، ١٨: ٩-٢٢).
• طلب إيليا ببساطة أن يُعامل أنبياء البعل نفس المعاملة التي نادوا بها تجاه أنبياء الرب.
ثالثًا. إيليا يذهب إلى يَزْرَعِيل
أ ) الآيات (٤١-٤٤): إيليا يصلي من أجل نزول المطر.
٤١وَقَالَ إِيلِيَّا لأَخْآبَ: «اصْعَدْ كُلْ وَاشْرَبْ، لأَنَّهُ حِسُّ دَوِيِّ مَطَرٍ». ٤٢فَصَعِدَ أَخْآبُ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، وَأَمَّا إِيلِيَّا فَصَعِدَ إِلَى رَأْسِ الْكَرْمَلِ وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. ٤٣وَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «اصْعَدْ تَطَلَّعْ نَحْوَ الْبَحْرِ». فَصَعِدَ وَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ». فَقَالَ: «ارْجعْ» سَبْعَ مَرَّاتٍ. ٤٤وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ قَالَ: «هُوَذَا غَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ». فَقَالَ: «اصْعَدْ قُلْ لأَخْآبَ: اشْدُدْ وَانْزِلْ لِئَلاَّ يَمْنَعَكَ الْمَطَرُ».
١. «اصْعَدْ كُلْ وَاشْرَبْ، لأَنَّهُ حِسُّ دَوِيِّ مَطَرٍ»: عرف إيليا أنه بمجرد هزيمة أنبياء البعل، تحقق الغرض من الجفاف. كان المطر وشيكًا. والآن سيفعل كل من إيليا وأخآب ما يشاء – إيليا صعد ليصلي، وأخآب صعد ليأكل.
٢. وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ: كانت وضعية الصلاة غير عادية بالنسبة لإيليا. لم يكن راكعًا، لم يكن جالسًا، لم يكن واقفًا، ولم ينبطح على وجهه أمام الرب. وهذا دليل على أن القوة في الصلاة تكمن فقط في الإيمان بالإله الحي.
• “أصبحنا بالكاد نعرفه، لقد تغير تمامًا وكأنه نسي من يكون. فقبل ساعات قليلة فقط، وقف منتصبًا مثل بلوط باشان، والآن ها هو ينحني مثل البردي. تضرع حينها كسفير لله أمام الإنسان، والآن بصفته شفيعًا للإنسان تضرع أمام الله. أليس هذا ما يحدث دائمًا – أن ينحني الرجال الذين يقفون مستقيمين في حضرة الخطية لأدنى مستوى في حضرة الله.” ماير (Meyer)
٣. وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ: كانت هذه صلاة مثابرة عنيدة. كما لو أنه يرفض “لا” كاستجابة، لأنه كان واثقًا بأن مشيئة الله هي إرسال المطر. عزز إيليا إرادة الله بصلواته المثابرة.
• “لنكررها سبع مرات؛ دعونا لا نشعر بالاكتئاب بسبب خيبة الأمل، ولكن لنواصل انتظارنا للرب، وهو سيستجيب حتمًا وبسرعة.” بوله (Poole)
• “وعود الله تُقدم لا لتكبح الصلاة بل لتحرض عليها. فهي توضح اتجاه السؤال، وإلى أي مدى قد نتوقع إجابة. إنها القالب الذي يمكننا أن نصب فيه أرواحنا المتقدة من دون خوف.” ماير (Meyer)
٤. «هُوَذَا غَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ»: صلى إيليا بإيمان أن يُنزل الله المطر. ومن الواضح أن إيليا شعر بأن هذه إرادة الله، ومع ذلك فإن صلاته الحارة هي التي جلبت المطر. جاء الدليل على نزول المطر ببطء شديد وبأبسط الطرق، ولكن من خلال هذا الدليل البسيط قام الله بعمل جبار.
• في طبعة ٩ نوفمبر ١٩٠٤ من صحيفة ’حياة الإيمان‘ في لندن، المكرسة لحركة الحياة الأعمق، كتبت الصحفية جيسي بن لويس عن خدمة رائعة بدأت تظهر نتائجها في ويلز بسبب خدمة أشخاص مثل إيفان روبرتس وسيث جوشوا. ذكرت أن سحابة لم تكن أكبر من كف الإنسان بدأت تظهر في ويلز. وكان هذا وصفًا مناسبًا لبداية واضحة وصغيرة لما أصبح لاحقًا خدمة جبارة.
• استخدم تشارلز سبيرجن هذا النص كتوضيح للعلامات الصغيرة التي تسبق عمل الله العظيم. تكلم عن أربع علامات: “آيات ورموز معينة للخير يدركها المُصلي بإيمان كعلامات على اقتراب حدوث نهضة وصحوة حقيقية.” على المؤمنين أن ينظروا إلى الأشياء التالية كغَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ:
استياء متزايد من الحالة الراهنة، ولهفة متزايدة بين أعضاء الكنيسة من أجل خلاص النفوس.
عندما يقود هذا القلق المؤمنين إلى أن يكونوا جادّين ولحوحين في الصلاة.
عندما يبدأ الخدام في التشاور ما بينهم، ويقولون: “ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟”
عندما يتحمل كل مؤمن عقيدة المسؤولية الفردية بجدية ويطبقها.
٥. «اشْدُدْ وَانْزِلْ لِئَلاَّ يَمْنَعَكَ الْمَطَرُ»: كانت هذه كلمة إيمان وجهها إيليا إلى أخآب. عرف إيليا أن الفيضان قادم بمجرد رؤيته لغَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ.
ب) الآيات (٤٥-٤٦): إيليا يركض مسافة ٢٢ كيلومتر.
٤٥وَكَانَ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا أَنَّ السَّمَاءَ اسْوَدَّتْ مِنَ الْغَيْمِ وَالرِّيحِ، وَكَانَ مَطَرٌ عَظِيمٌ. فَرَكِبَ أَخْآبُ وَمَضَى إِلَى يَزْرَعِيلَ. ٤٦وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى إِيلِيَّا، فَشَدَّ حَقْوَيْهِ وَرَكَضَ أَمَامَ أَخْآبَ حَتَّى تَجِيءَ إِلَى يَزْرَعِيلَ.
١. وَكَانَ مَطَرٌ عَظِيمٌ: تم إثبات صحة كلام الله من خلال إيليا. انتهى الجفاف الطويل، وتبين أن صلاة إيليا منعت المطر ثم جلبت المطر لاحقًا.
٢. وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى إِيلِيَّا، فَشَدَّ حَقْوَيْهِ وَرَكَضَ أَمَامَ أَخْآبَ: من الواضح أن القوة التي جعلت إيليا يركض كل هذه المسافة كانت قوة خارقة للطبيعة. لا نعرف بالضبط أهمية وصول إيليا إلى يزرعيل أولًا. ربما ليكون أول من يوصل الأخبار للملكة إيزابل.
• “لكي يثبت أنه لم يخجل مما فعله أو يخاف، ورغم معرفته بغضب إيزابيل، تجرأ أن يجازف بنفسه وسط أعدائه، واثقًا بقوة الله وحمايته.” بوله (Poole)
• “مقدرة إيليا على الجري كل هذه المسافة أمر يؤكده قدرة العدّائين العرب على قطع مئة ميل في يومين بسهولة.” باترسون وأوستل (Patterson and Austel)