ملوك الأول ١٩
تشجيع الرب لإيليا المُحبط
أولًا. هروب إيليا إلى البرية
أ ) الآيات (١-٣): تهديد إيزابل.
١وَأَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابَلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ إِيلِيَّا، وَكَيْفَ أَنَّهُ قَتَلَ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ بِالسَّيْفِ. ٢فَأَرْسَلَتْ إِيزَابَلُ رَسُولاً إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ: «هكَذَا تَفْعَلُ الآلِهَةُ وَهكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا». ٣فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَامَ وَمَضَى لأَجْلِ نَفْسِهِ، وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ الَّتِي لِيَهُوذَا وَتَرَكَ غُلاَمَهُ هُنَاكَ.
١. وَأَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابَلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ إِيلِيَّا: جاء الخبر بمثابة صدمة كبيرة للمدافعة الرئيسية عن عبادة بعل وعشتروت في إسرائيل. كانت تكن لهؤلاء الكهنة الاحترام والتقدير لدرجة أنها دعمتهم من خزينة المملكة، والآن باتوا أمواتًا على يد إيليا.
٢. «هكَذَا تَفْعَلُ الآلِهَةُ وَهكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا»: سمعت إيزابل بكل ما فعله إيليا، بما في ذلك المواجهة الكبيرة على جبل الكرمل. ومع ذلك لم يكن ردها: “أثبت صمت البعل ونزول نار من السماء أني على خطأ وأن الرب هو الله فعلًا.” بل تعهدت أنها في غضون ٢٤ ساعة القادمة ستقتل الرجل الذي فضح كذبة عبادة البعل وأظهر مجد الرب.
• “يرجّح أنه اعتقد أن المعجزة التي وقعت على جبل الكرمل ستُحدث تجديدًا في القصر والمدينة بأكملها. لكن، بعد أن عرف أنه كان مخطئًا، شعر بالإحباط الشديد.” كلارك (Clarke)
٣. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَامَ وَمَضَى لأَجْلِ نَفْسِهِ، وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ: لا يمكننا القول على نحو مؤكد إنه فعل هذا بإرشاد الرب أم لا. من الواضح أن الرب أراد أن يحمي إيليا، ولكن لا يمكننا القول أنه كان يريد حمايته أثناء وجوده في يزرعيل أو بإخراجه منها. وعلى أية حال، ذهب إيليا إلى بئر السبع التي تبعد حوالي ٨٠ ميلًا جنوبًا.
• “يرجح أن الخدعة انطلت على إيليا، ففعل ما أرادته أن تفعل. فلو أرادت موت إيليا فعلًا، لقبضت عليه من دون سابق إنذار وقتلته. أرادت أن يفقد إيليا وإلهه مصداقيتهما أمام المهتدين الجدد الذين ساعدوا إيليا على إعدام أنبياء البعل.” باترسون وأوستل (Patterson and Austel)
• “فشل إيليا في نفس النقطة التي كان الأقوى فيها، وهذا ما يفشل فيه معظم الرجال. يخبرنا الكتاب المقدس أن الإنسان الحكيم هو الذي يبرهن أنه أغبى الأغبياء؛ وهذا ما فعله إيليا الوديع حينما تكلم بكلمات متسرعة ومريرة. فشل إبراهيم في إيمانه، وأيوب في صبره. وهكذا هرب أشجع الرجال من امرأة غاضبة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (٤): كآبة إيليا.
٤ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، حَتَّى أَتَى وَجَلَسَ تَحْتَ رَتَمَةٍ وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: «قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي».
١. ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ: تجاوز إيليا بئر سبع البعيدة ، عازلًا نفسه أكثر.
٢. وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ: رجل الصلاة الجبار هذا – جبار بما يكفي ليمنع نزول المطر والندى لمدة ثلاث سنوات ونصف، ثم يعيده ثانية – يصلي الآن طالبًا الموت لنفسه.
• نشكر الله على أن صلاة إيليا هذ لم تُستجَب. بل في الواقع، كان إيليا أحد الرجال القلائل في الكتاب المقدس الذين لم يموتوا أبدًا. ويمكننا أن نتخيل ابتسامته عندما صعد إلى السماء وفكر في هذه الطلبة – وكم كانت استجابة ’كلا‘ بركة له. فالحصول على إجابة ’لا‘ من الله في هذه الحالة، أفضل بكثير من إجابة ’نعم.‘
٣. قَدْ كَفَى: نشعر وكأنه يقول: ’لا يمكنني تحمل المزيد، يا رب.‘ كان ما فعله مرهِقًا، وبدا أنه لم يحقق شيئًا. فلم يأتِ ما فعله على جبل الكرمل بنهضة قومية دائمة أو برجوع إلى الرب.
• ربما كان يأمل أن تغير الأحداث على جبل الكرمل قلب أخآب وإيزابل وقادة إسرائيل بشكل عام. وإن كان الأمر كذلك، يبدو أن إيليا نسي رفض الشعب لله رغم الدليل، وليس بسبب غياب الدليل.
• “قال إيليا ’هذا يكفي!‘ ولكن لم يكن هذا رأي الله حتى لو أراد إيليا ذلك. إذ كان هنالك المزيد من البركات له… وهذا ما حصل فعلًا، حيث تلقّى إعلان الله الرائع على جبل حوريب. كانت لديه الكثير من البركات ليستمتع بها، ويبدو أن حياة إيليا اللاحقة كانت حياة شركة هادئة مع إلهه؛ إذ يبدو أنه لم يُصَب بنوبة كآبة أخرى، ولكن كانت شمسه مشرقة وسماؤه صافية حتى النهاية. إذًا، لم يكن كافيًا، فكيف له أن يعرف ذلك؟ فالله وحده هو الذي يعلم أننا فعلنا ما يكفي، واستمتعنا بما يكفي؛ لكننا لا نعلم ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي: عندما تأمّل إيليا فشله البادي في عمله، وضع عفويًا اللوم على عدم استحقاقه. واعتقد أن عمله فشل لأنه إنسان خاطئ مثل بقية أسلافه.
ثانيًا. الله يخدم إيليا اليائس
أ ) الآيات (٥-٨): يلبي الرب احتياجات إيليا الجسدية.
٥وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلاَكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ». ٦فَتَطَلَّعَ وَإِذَا كَعْكَةُ رَضْفٍ وَكُوزُ مَاءٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ. ٧ثُمَّ عَادَ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ، لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ». ٨فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ.
١. وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ: كانت هذه رحمة الرب المقدمة لإيليا. فمن الناحية الجسدية، كان بحاجة إلى الراحة والتجديد. أعطاه الرب راحة تحت شجرة، ووفر له طعامًا بطريقة معجزية.
• لقد اهتم الله أولًا باحتياجات إيليا الجسدية. لا يضع الله عادة الاحتياجات الجسدية أولًا، لكنها مهمة. وربما من أكثر الأمور روحية التي يمكن للشخص أن يفعلها هو الحصول على قسط كافٍ من الراحة.
• “وكم عدد الجالسين اليوم تحت شجرة إيليا، والمستعدين والمتمنّين أن يتخلوا عن العبء الثقيل الذي فرضه عليهم القدير!” تراب (Trapp)
٢. فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ: أعطى الرب إيليا راحة وتجديدًا بشكل متكرر. لم تكن قيلولة واحدة ووجبة واحدة كافية.
• “قبل الدخول في شركة معه لتصحيح موقفه الخطأ وخوفه، أمره بأن يأكل، وبذلك تعامل مع ضعفه الجسدي.” مورجان (Morgan)
• “الروح بحاجة إلى تغذية، وكذلك الجسد أيضًا. لا تنس هذه الأمور؛ قد يبدو لبعضهم أنه لا يجب أن أذكر الأشياء الصغيرة مثل الطعام والراحة، ولكن ربما هذه الأمور البدائية هي ما يحتاج إليها الخادم المسكين المكتئب.” سبيرجن (Spurgeon)
• “كان هذا تعبيرًا عن إحسان الرب لخادمه. ربما كنا نتوقع توبيخًا أو احتجاجًا أو تعنيفًا أو تأديبًا؛ لكننا لا نتوقع معاملة لطيفة ملآنة بالمحبة كهذه.” ماير (Meyer)
٣. «قُمْ وَكُلْ، لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ»: أرسل الله إيليا في رحلة على بعد ٣٥٠ كيلومترًا، مدتها أربعون يومًا وليلة إلى جبل حُورِيب المعروف أيضًا باسم جبل سيناء. ويبين هذا أن الله لم يطالب بشفاء إيليا الفوري. بل سمح للنبي بوقت للتعافي من ضعفه الروحي.
• “لا تخلو رحلة إيليا التي كانت ستستغرق أربعين يومًا من الأهمية. فالرحلة المباشرة من بئر السبع لا تأخذ أكثر من ربع ذلك الوقت. وبالتالي، يمكننا القول إنها فترة رمزية مقصودة. وكما عانى بنو إسرائيل من فشل روحي ملحوظ وكان عليهم التجوال في البرية أربعين عامًا، كذلك كان على إيليا المهزوم أن يقضي أربعين يومًا في الصحراء.” باترسون وأوستل (Patterson and Austel)
ب) الآيات (٩-١٠): سمح الله لإيليا بالتنفيس عن إحباطاته.
٩وَدَخَلَ هُنَاكَ ٱلْمُغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا. وَكَانَ كَلَامُ ٱلرَّبِّ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ هَهُنَا يَا إِيلِيَّا؟» ١٠فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلَهِ ٱلْجُنُودِ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِٱلسَّيْفِ فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا».
١. وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمُغَارَةَ: كانت مغارة بكل معنى الكلمة وفقًا للغة العبرية. “ربما هي نفسها ’نُقْرَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ‘ التي وضع الرب موسى فيها (خروج ٣٣: ٢٢) بدلًا من مفهومنا للمغارة بشكل عام.” وايزمان (Wiseman)
• “ربما لا توجد بقعة على الأرض مرتبطة بحضور الله الظاهر أكثر من ذلك الجبل المقدس.” ماير (Meyer)
٢. «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟»: عرف الرب إجابة هذا السؤال، ولكن كان من الجيد أن يتحدث إيليا إلى الرب بحرية ويعبر عن مكنونات قلبه.
• “لدى الله طرق لتعليمنا جميعًا من خلال عظامنا وأجسادنا، لكنه يعرف كيف يفعل هذا تحديدًا مع أولئك الذين يكرمونه في الخدمة. فلا تتعجب، إن كانت مشيئة الله أن يباركك بخلاص النفوس، فإنه يمكنه أن يجعلك أيضًا ذكيًا أحيانًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ: احتج إيليا وقال: ’لقد خدمتك بكل إخلاص والآن انظر إلى الخطر الذي أنا فيه.‘ فبالنسبة لإيليا – والعديد من خدام الرب منذ ذلك الحين – بدا من الظلم أن يعاني خادم الرب الأمين.
٤. فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي: لم يكن هذا دقيقًا، لكنه عكس شعور إيليا. حتى أثناء المواجهة على جبل الكرمل، قال إيليا إنه النبي الوحيد للرب (١ ملوك ١٨: ٢٢). تجعل الأوقات المحبطة خدام الرب يشعرون بالعزلة والوحدة أكثر مما هم عليه في الواقع.
٥. فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا: الغريب أن الأسباب التي قدمها إيليا كانت في الواقع أسبابًا مهمة لبقائه على قيد الحياة. إن كان هو فعلًا آخر نبي أو مؤمن على قيد الحياة، أفلا ينبغي له أن يسعى ليعيش أطول ما يمكن؟ إن أراد أعداء الله مثل إيزابل موته، ألا ينبغي لإيليا أن يسعى إلى هزيمة إرادتها الشريرة؟ أظهر إيليا هنا طبيعة عدم الإيمان والخوف.
ج) الآيات (١١-١٢): يكشف الله عن ذاته لإيليا.
١١فَقَالَ: «اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ». وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ قَدْ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ الرِّيحِ زَلْزَلَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الزَّلْزَلَةِ. ١٢وَبَعْدَ الزَّلْزَلَةِ نَارٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ.
١. «اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ»: عرف الرب ما يحتاج إليه إيليا المكتئب والمحبَط. كان بحاجة إلى لقاء شخصي معه. لم يكن هنالك خطأ جوهري في فكر إيليا اللاهوتي، ولكن في ذلك الوقت كان اختباره ناقصًا.
٢. وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ: أظهر الرب حضوره لإيليا، ولكن ليبين له أين لم يكن موجودًا. لم يكن الرب في الريح، لم يكن في الزلزال، ولم يكن في النار. وكحال الكثيرين، يرجح أن إيليا لم يبحث عن مظاهر حضور الرب إلاّ في عرض درامي مثير. ومن المؤكد أن الرب يظهر أحيانا بهذه الطرق، ولكنه غالبًا يظهر في أجواء أقل إثارة.
• “علينا جميعًا أن نتعلم هذا الدرس مرارًا وتكرارًا: دعونا نكرره، ’لا بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.‘ من المؤسف أن معظم المعلمين يتمسكون بعناد بالخطأ الفادح المتمثل في البحث عن مظاهر القوة من نوع أو آخر. أسمع أن كنيسة معينة تبحث عن رجل ذكي جدًا: فهي تعتقد أن الله في مهب الريح… وسيُسكتون ذلك الصوت المنخفض الخفيف، بينما تدوي التفاخرات بحكمتك كرياح عاصفة أو رعد غير مصحوب بمطر.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ: تناقضت هذه الظاهرة الأخيرة تمامًا مع المظاهر السابقة. لقد تقابل الرب فعلًا مع إيليا من خلال ذلك الصوت المنخفض الخفيف، بدلًا من ظاهرة الهزة الأرضية التي كانت موجودة قبلًا.
• دعا وايزمان (Wiseman) الصوت الهادئ الهمس اللطيف.
• “والآن توقف الرعد، واختفى البرق، وكانت الأرض ساكنة، والريح صامتة. كان هناك هدوء كامل. ومن وسط الهواء الساكن جاء ما يسميه العبراني ’صوت حفيف لطيف‘ كما لو أن الصمت أصبح مسموعًا. لا يوجد شيء أروع من سكون فظيع بعد ضجة مخيفة.” سبيرجن (Spurgeon)
• ربما اعتقد إيليا أن العرض المثير للقوة على جبل الكرمل سيقلب الأمة رأسًا على عقب. أو ربما اعتقد أن العرض الجذري لدينونة الله على كهنة البعل بعد إثبات أنه الإله الحقيقي على جبل الكرمل سيغير قلب الأمة بالفعل. ولكن لم ينجح أي منهما. وهذا المثل مهم للخدام المؤمنين اليوم، وخاصة الوعاظ. إذ يبدو أن إظهار قوة الرب والوعظ عن غضبه لا يغيران القلوب بالضرورة. بل صوت الله الخافت لقلب الإنسان هو في الواقع أقوى من عروض القوة الظاهرة أو عرض دينونة الله.
• “لأن نجاح الكرمل ذاب مثل رذاذ الصباح، اعتقد أن حياته المهنية كانت فاشلة، وأنه لم يتمكن من إقناع أحد بتبجيل يهوه؛ لكنه كان يقرأ بعيون عدم الإيمان، ولم يكن خياله يقوده إلى وقائع الأمر. هنالك سبعة آلاف شخص منتشرين في جميع أنحاء البلاد تباركوا بشهادة إيليا. صحيح لم تأتِ البركة في أموره الكبيرة كما أراد، إلا أن أموره الصغيرة نجحت بشكل عظيم. كان سلوك إيليا اليومي وليس معجزاته هو الذي أثار بهؤلاء السبعة آلاف وقادهم إلى التمسك بإيمانهم.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٣-١٥): الرب يعطي إيليا مهمة ليقوم بها بعد هذا الاختبار.
١٣فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ، وَإِذَا بِصَوْتٍ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» ١٤فَقَالَ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». ١٥فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ،
١. فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ: شعر إيليا فورًا بحضور الله من خلال ذلك الصوت الخفيف الثابت أكثر بكثير من الظواهر السابقة الأكثر إثارة. ولأنه شعر بحضور الله الخاص، أذل إيليا نفسه على الفور عندما لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ.
• “فعل هذا بسبب حضور الله المهيب والمخيف، عالمًا أنه لم يكن جديرًا ولا قادرًا على تحمل رؤية الله بوجه مكشوف.” بوله (Poole)
• “قام أولًا بلف وجهه بردائه بكل وقار تعبيرًا عن خضوعه، وخشوعه، وتوقيره الكامل. أوه! إنه لأمر عظيم أن يكون الخاطئ على استعداد للف وجهه عندما يكون مرتبكًا، ويقول: ’لا أستطيع الدفاع عن نفسي؛ أنا مذنب فعلًا.‘ نحن نعلم أنه إذا اعترف إنسان في المحكمة بذنبه، سيعاقب؛ ولكن إن اعترف إنسان عند كرسي دينونة الإنجيل بذنبه، فسينال المغفرة حتمًا. فغطِ وجهك.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟»: سأل الرب إيليا نفس السؤال – وتلقى نفس الإجابة – في ١ ملوك ١٩: ٩-١٠. كانت عملية السؤال والجواب هذه مفيدة جدًا لإيليا.
٣. اذْهَبْ رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ… وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ (سوريا): أعطى الله لإيليا مهمة ليفعلها. لقد احتاج إلى مهمة ليتجنب رثاء النفس المفرط. كان عليه التوقف عن النظر إلى نفسه وإلى ظروفه الخاصة (لا جدل في أنها كانت ظروفًا صعبة). وكان عليه أن يبدأ بتنفيذ المهمة التي أوكلها الله إليه.
• “ثم فعل الرب ما يحتاج إليه إيليا فعلًا، أعطاه المزيد ليقوم به. أرسله سيده لإنجاز مهمة جديدة. وأؤكد لك أنه عندما عاد إلى تلك الطريق ثانية، سار بخطوات مختلفة تمامًا عن تلك التي أوصلته إلى بئر السبع. ذهب مرتعبًا ومكتئبًا، ولكنه يعود الآن بكل فخر كإِيلِيَّا التِّشْبِيّ، إذ لم يعد خائفًا من إيزابل.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (١٦-١٨): ضمانات أخرى لإيليا.
١٦وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ. ١٧فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. ١٨وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ».
١. وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إسرائيل: كان لدى الرب المزيد من المهام لإيليا. كان سيعلن أيضًا اختيار الله لياهو كخليفة للملك أخآب الشرير وزوجته إيزابل.
٢. وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ: أعطى الله للنبي المحبط والمكتئب شيئاً آخر ليقوم به. أعطاه أيضًا صديقًا وخليفة.
• كان إيليا بحاجة إلى صديق. إذ كان يشتكي باستمرار أمام الله أنه كان وحيدًا. أعلمه الرب أن هنالك رجلًا مستعدًا للتعلم من النبي العظيم وأنه سيكون تلميذه ورفيقه.
• احتاج إيليا أيضًا إلى بعض الأمل. وبما أن أليشع سيأخذ منصب إيليا النبوي، عرف إيليا أن عمله سيستمر حتى بعد وفاته.
٣. فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ: كان هذا مصدر تشجيع آخر لإيليا. عرف إيليا بهذا الوعد أن العدالة ستتحقق في النهاية. إذ لن يسمح الله للاضطهاد المؤسسي والترويج لعبادة الأصنام أن يمرّا من دون عقاب.
٤. وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إسرائيل سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ: كان هذا التشجيع الأخير لإيليا. لقد تحسر مرارًا على أنه التابع الوحيد لله (١ ملوك ١٨: ٢٢، ١٩: ١٠ ، ١٩: ١٤). أكد هذا لإيليا أنه لم يكن وحيدًا، وأن عمله كنبي كان حقًا مثمرًا.
• أظهر هذا لإيليا أن خدمته البسيطة على مر السنين أثمرت بالفعل أكثر بكثير من خدمته المبهرة على جبل الكرمل. “ومع ذلك، في الوقت الذي كانت تنتشر فيه عبادة الأوثان الفاسدة في إسرائيل، تمسكت سبعة آلاف نفس بإيمانها بالإله الحقيقي، رغم عدم معرفة إيليا بوجود شخص آخر معه. كيف آمن هؤلاء بيهوه؟ من المؤكد أنهم لم يؤمنوا من خلال عرض إيليا المثير للإعجاب على جبل الكرمل، لأنهم كانوا مخلصين للرب قبل ذلك… فقد آمنوا من خلال الصوت الخافت الذي كان يعمل في إسرائيل، وهو أمر لم يستطع إيليا عمله.” سبيرجن (Spurgeon)
ز ) الآيات (١٩-٢١): دعوة أليشع.
١٩فَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ وَوَجَدَ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ يَحْرُثُ، وَاثْنَا عَشَرَ فَدَّانَ بَقَرٍ قُدَّامَهُ، وَهُوَ مَعَ الثَّانِي عَشَرَ. فَمَرَّ إِيلِيَّا بِهِ وَطَرَحَ رِدَاءَهُ عَلَيْهِ. ٢٠فَتَرَكَ الْبَقَرَ وَرَكَضَ وَرَاءَ إِيلِيَّا وَقَالَ: «دَعْنِي أُقَبِّلْ أَبِي وَأُمِّي وَأَسِيرَ وَرَاءَكَ». فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ رَاجِعًا، لأَنِّي مَاذَا فَعَلْتُ لَكَ؟» ٢١فَرَجَعَ مِنْ وَرَائِهِ وَأَخَذَ فَدَّانَ بَقَرٍ وَذَبَحَهُمَا، وَسَلَقَ اللَّحْمَ بِأَدَوَاتِ الْبَقَرِ وَأَعْطَى الشَّعْبَ فَأَكَلُوا. ثُمَّ قَامَ وَمَضَى وَرَاءَ إِيلِيَّا وَكَانَ يَخْدِمُهُ.
١. فَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ وَوَجَدَ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ: أطاع إيليا صوت الله الخافت. لم يطع إيليا وصية الرب بنفس الترتيب الذي أمره به في المقطع السابق. وربما اعتقد أنه كان بحاجة أولًا إلى صديق وتلميذ.
٢. يَحْرُثُ، وَاثْنَا عَشَرَ فَدَّانَ بَقَرٍ قُدَّامَهُ: وجد إيليا أليشع وكلفه بالخدمة وهو يحرث الحقل.
٣. فَمَرَّ إِيلِيَّا بِهِ وَطَرَحَ رِدَاءَهُ عَلَيْهِ: كان الرداء (العباءة) رمزًا لسلطة إيليا كنبي. كان هذا رمزًا تمثيليًا يقول فيه: “أدعوك إلى الانضمام إلى عملي كنبي.”
• “كان الرداء أو العباءة، الزي الخاص للنبي، كما نرى في زكريا ١٣: ٤. ويرجح أنه كان مصنوعًا من الجلد المغطى بالصوف أو الشعر. انظر أيضًا ٢ ملوك ١: ٨.” كلارك (Clarke)
٤. لأَنِّي مَاذَا فَعَلْتُ لَكَ؟: “ربما يعني هذا السؤال، ’ارجع، لكن تذكر ما فعلته بك.‘ وربما كان هذا توبيخًا بسبب تأخر إليشع عن طاعة الدعوة مباشرة.” ايزمان (Wiseman)
• “تشير إجابة إيليا إلى أن الدعوة كانت من الله وليس منه شخصيًا. وقرار إتباع أليشع لهذه الدعوة كان قراره هو.” باترسون وأوستل (Patterson and Austel)
٥. وَأَخَذَ فَدَّانَ بَقَرٍ وَذَبَحَهُمَا، وَسَلَقَ اللَّحْمَ بِأَدَوَاتِ الْبَقَرِ وَأَعْطَى الشَّعْبَ فَأَكَلُوا: أظهر هذا التزام أليشع الكامل باتباع إيليا. دمر أدوات تجارته في حفل وداع عائلته وأصدقائه.
• “لا بد أن أليشع امتلك الكثير من العقارات، لأنه كان يحرث الأرض باثني عشر نيرًا من الثيران. فإن أطاع الدعوة النبوية، سيخسر كثيرًا وفقًا للنظرة الدنيوية أو العالمية.” كلارك (Clarke)
• “أظهر بطاعته كيف تخلى عن طيب خاطر عن كل أصدقائه ليخدم الرب في هذا العمل الرفيع والمشرف.” بوله (Poole)