نشيد الأنشاد – الإصحاح ٤
جمال الحب المكتمِل
أولًا. الحبيب يمتدح مظهر الفتاة ومعدنها الأدبي
أ ) الآيات (١-٥): الحبيب يمتدح مظهر الفتاة.
١هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ. ٢أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ. ٣شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ. ٤عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلأَسْلِحَةِ. أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيْهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ. ٥ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ.
١. هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ!: يمكن أن نربط هذه اللقطة بسابقتها التي انتهت بموكب الزفاف بين الفتاة وحبيبها سليمان. ويصف هذا القسم أول حميمية بينهما بعد العرس. وهو يقدَّم لنا بشكل كامل تقريبًا على لسان الحبيب الذي كان يهيّئ فتاته لأول خبرة للحميمية الزوجية.
• “كانت تلك الليلة التي ستنتهي فيها مرحلة التودد ويبدأ الزواج. لقد انصرف ضيوف العرس، وحل المساء… فكان صمتًا بليغًا، صمْتَ توقُّع تحقيق الحب.” جليكمان (Glickman). وكان العريس الحبيب أول من يتكلم. وعندما فعل ذلك، امتدح جمال عروسه.
• كان واضحًا أثناء كلامه أنه كان ماهرًا في إظهار عواطفه تجاه عروسه. وكتب الرسول بولس لاحقًا: “لِيُوفِ ٱلرَّجُلُ ٱلْمَرْأَةَ حَقَّهَا ٱلْوَاجِبَ (من عاطفة المحبة)” (١ كورنثوس ٣:٧). فمن الخطأ أن يحجب الزوج عواطف محبته عن زوجته. وبما أن بولس قصد أن يطبق هذا على كل زواج مسيحي، فإن هذا يدل على أن لكل زوجة الحق في الحصول على عواطف الحب من زوجها. فلم يعتقد بولس أن الزوجات الشابات أو الجميلات أو الخاضعات هن وحدهن اللواتي تستحقن عواطف محبة أزواجهن. إذ تستحق كل زوجة ذلك لأنها زوجة رجل مؤمن بالمسيح. ويسوع حنون ورقيق حسب هذا النمط.
٢. هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ!: لم يبدأ الحبيب بأعمال عدوانية أو أنانية، بل بكلمات حنون تهدف إلى بناء الثقة في نفس عروسه. فقد سبق أن شكت في جمالها (نشيد الأنشاد ٥:١-٦). غير أنه أكد لها بصدق أنها أجمل امرأة في العالم له.
• “ما أعظم حساسية الملك في امتداحه ببلاغة عروسه في ليلة زفافهما. فحتى أروع فتاة يمكن أن تحس بعدم الأمان في هذه المناسبة. ومع ذلك، كان حساسًا نحوها، وحرص على أن يُشعرها بالأمان في حبه.” جليكمان (Glickman)
• تعامل سبيرجن (Spurgeon) مع هذا النص كقياس تمثيلي للكيفية التي يتكلم بها يسوع إلى شعبه ويمدحهم. “لكن يسوع يلتفت إلى كنيسته ويقول لها: “أنت مدحتِني، وأنا الآن سأمدحك. أنت تفكرين فيّ كثيرًا، وسأفكر فيك بنفس المقدار أيضًا. أنت تستخدمين تعابير رائعة في وصفي، وسأستخدم تعابير رائعة في وصفك أيضًا. تقولين إن حبي أطيب من الخمر، وحبك كذلك بالنسبة لي. تقولين إن ثيابي تعبق برائحة المر، لكن ثيابك تعبق بالمر أيضًا. تقولين إن كلمتي أطيب من الشهد على شفاهك، لكن كلماتك شهد بالنسبة لي. وكل ما تستطيعين أن تقوليه أشياء أستطيع أن أقولها في تعليمك. أنا أرى نفسي في عينيك. أستطيع أن أرى جمالي الخاص فيك. وكل ما يخصني يخصك. ولهذا، يا حبيبتي، سأعيد عليك غناء الأغنية التي غنيتِها لي. أنت غنيتِها لحبيبك، وسأغنيها لحبيبتي.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ: لم يكتفِ الحبيب بإعطاء وصف عام لجمال العروس (هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ)، لكنه أخبرها على نحو محدد كيف أنها كانت جميلة له. وفعل هذا بلغة شعرية أكثر ألفة لأذنيها مما هي لنا. لكن من الواضح أنه أراد لها أن تعرف مدى جمالها في عينيه.
• كتب جون تراب عن سمات عيون الحمام: ’إنها جميلة، وممتلئة، وصافية، وعفيفة.‘ لكن عندما أخذ نشيد الأنشاد على أنه في الأساس نص ترميزي، اعتقد أن هذه هي عينا الكنيسة الجميلتان، عينا عروس المسيح. “يُفترض أن نفهم بالعينين هنا بشكل أساسي الرعاة والخدام، أولئك ’الرائين‘ كما كانوا يُدعون قديمًا.” وهذا مثل آخر لضعف النهج الترميزي المفرط وخطره في ما يتعلق بنشيد الأنشاد.
• هذه هي أولى السمات الجسدية السبع التي ذكرها الحبيب وامتدحها في عروسه (العينين، الشَّعر، الأسنان، الشفتين، الصدغين-الخدين، العنق، والثديين). “كان الرقم ٧ في ثقافتهم عدد الكمال، ولذلك، حتى في الإطراءات التي يقدمها الملك، فإنه يخبر عروسه كم هي رائعة بالنسبة له.” جليكمان (Glickman)
• من الواضح أيضًا أن الحبيب استخدم قدراته على الملاحظة والوصف. فكان يركز عليها، لا على نفسه. ولأنه كان مأخوذًا بجمالها في حفل الزفاف، واصل التركيز على جمالها. ولمسها في حكمته بكلماته قبل أن يلمسها بيديه، مؤكدًا لها أنها آسِرَة ومثيرة للاهتمام بما يكفي لمراقبتها ووصفها. ويمكن للفتاة أن تستسلم بأمان لرجل اهتم بها بهذا المقدار، من دون أنانية.
• مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ: لم يكن النقاب لباسًا عاديًّا لامرأة يهودية في العهد القديم. “عادة ما كانت الفتيات والنساء يرتدين غطاء للرأس، لكن ليس حجابًا باستثناء المناسبات الخاصة. وكانت حفلات الخطوبة (تكوين ٢٤: ٦٥) والزفاف (تكوين ٢٩: ٢٣-٢٥) من تلك المناسبات.” كار (Carr)
٤. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ: ليست الفكرة هي أن شعرها يشبه شعر المعز. بل هي أن شعرها ينسدل من رأسها مثل قطيع من المعز ذي شعر أسود منحدر من جَبَلِ جِلْعَادَ. إذ كان شعرها طويلًا ومسترسلًا، وبدا نابضًا بالحياة.
• “لدى معظم المعز في فلسطين شعر أسود طويل مموج. وتجعل حركة قطيع كبير على تلة بعيدة الأمر كما لو أن جانب التل بأكمله كان نابضًا بالحياة.” كار (Carr)
٥. أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ ٱلْجَزَائِزِ ٱلصَّادِرَةِ: ليست الفكرة هي أن أسنانها صوفية، لكنها متشابهة كقطيع مجزوز، وهي نظيفة كأنها غُسلت للتو (ٱلصَّادِرَة مِنَ ٱلْغَسْلِ)، ويماثل بعضها بعضًا (ٱللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ)، وهي تامّة (وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ).
• فهِم ماثيو بول هذا النص في المقام الأول على أنه ترميزي، فربطه بوصف الكنيسة. “يفهم بعضهم بكلمة ’الأسنان‘ المعلمين. ويشبّهون المعلّمين بالأسنان لأنهم يُعِدّون طعامًا روحيًّا – كما لو أنهم يمضغونه – من أجل شعب الكنيسة.”
٦. شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ ٱلْقِرْمِزِ: الفكرة هنا هي أن شفتيها رفيعتان لا غليظتان (وكان يُعتقد أن هذا أكثر جاذبية في ذلك الوقت) وأنهما محددتا المعالم، وذات لون أحمر عميق جميل.
• “تحدد الخطوط العريضة الدقيقة لسمات الفتاة جمالها، ولا سيما في ما يتعلق بشفتيها. وهذا هو الشكل الدقيق الذي يمتدحه. وبهذا الخط القرمزي، يمكن لفنان أن يشكل شفتي امرأة بشكل رائع.” جليكمان (Glickman)
٧. خَدُّكِ (صَدغاك) كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ: الكلمة المستخدمة للإشارة إلى الخدين تشمل الصّدغين أيضًا. لقد رأى خديها وصدغيها ممتلئة بالحياة، وزاخرة بكل من الإثارة والجمال.
• “يعني هذا التعبير بشكل أوسع ’جانب الوجه،‘ أي الخدين.” كار (Carr)
• رُمَّانَةٍ: تحمل الرمّانة فكرة السطح الخارجي لهذه الفاكهة، لا داخلها. ” يبدو الجزء الداخلي من الرمّانة بلحمها الأحمر الغض، وبذورها البيض الصلبة وأغشيتها الميالة إلى الصُّفرة، وكأنه وصف لحالة متقدمة من حَبّ الشباب.” كار (Carr)
٨. عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ: ليست الفكرة هنا هي أن عنقها طويلة كبرج، أو أنها طويلة بشكل استثنائي بشكل غير منسجم مع جسمها. بل يدل هذا على الطبيعة النبيلة القوية التي تُظهرها العنق حرفيًّا ورمزيًّا. ففي العالم القديم، كان يُنظر إلى العنق كجزء من الجسم على أنها تعكس معدن الشخص الأدبي. فكانت الرقبة المنحنية صورة للإذلال، وكانت الرقبة المتصلة علامة على العناد.
• “كان برج داود حصنًا عسكريًّا للأُمة. واعتمد البلد على قوة هذا الحصن وأمانته ونزاهته. ولا بد أنه كان أمرًا مطمئنًا أن يدور المرء في أنحاء هذا المعقل المهيب الذي كان يضم كل دروع الحرب. وحمل الشعب احترامًا صحّيًّا له. ولهذا، عندما يشبّه الملك عنق عروسه بالحصن، فإنه يمتدحها كثيرًا. إذ دل هذا على أن الطريقة التي كانت بها تتصرف أمام الناس عكست نزاهة معدنها الأخلاقي، وولّدت احترامًا صحيًّا لدى كل من رآها.” جليكمان (Glickman)
٩. ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ ٱلسَّوْسَنِ: الفكرة هي أن ثديي العروس مثل ظبي صغير جذاب بريء. أو ربما أن ثدييها جميلتان مثل سوسن الحقول البيض التي تتميز بنفس لون الظبية.
• “الظبي الصغير ناعم ووديع. وكل من يرى مثل هذه الظباء الصغيرة لفترة يميل إلى مداعبتها واللعب معها. وهكذا، عندما يشبّه الملك ثدييها بظبيتين، فإنه يقول في واقع الأمر إنه يتوق إلى مداعبة ثدييها الناعمتين اللينتين.” جليكمان (Glickman)
• “ربما تكون الحلمتان على نحو محدد اللتين يشبّههما الشاعر بظبيتين. وقد يشير السوسن إلى بياض الثديين نفسيهما.” كلارك (Clarke). “ولأن زهور السوسن بيضاء اللون ومنتفخة، والظباء مائلة إلى الحمرة في لونها، وجسداهما مغطيان عن الأنظار بزهور السوسن بحيث لا يظهر إلا رأساهما، فإن هذا يعكس بعض الشبه بالحلمات الحمر التي تظهر في صدور زهور السوسن البيض…. وهما يشبَّهان بظبيتين لروعتهما، كما نرى في أمثال ٥: ١٩. ولكل واحد منهما، بسبب صغرهما، جمال. ويجعلهما الشبه الدقيق بينهما توأمين.” بوله (Poole)
• يتبع مفسرون كثيرون تردد تراب (Trapp) في الاعتقاد أن هذه إشارة إلى ثديي امرأة فعليين. “يقال هنا إن ثديي الكنيسة هنا جميلتان وممتلئتان ومتماثلتان على نحو دقيق. وبهذا، يفهم بعضهم أن هذين يشيران إلى العهدين… وهذان الثديان ملائمان تمامًا أيضًا.”
• “تسمح استعارات العاشق بعفة وتواضع قد يستبعدهما كلام أقل شعريةً.” كينلو (Kinlaw)
ب) الآية (٦): الحبيب يتوق إلى إتمام محبته للفتاة.
٦إِلَى أَنْ يَفِيحَ ٱلنَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ ٱلظِّلَالُ، أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ ٱلْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ ٱللُّبَانِ.
١. إِلَى أَنْ يَفِيحَ ٱلنَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ ٱلظِّلَالُ: رحّب الحبيب بقدوم الليل بعد الاحتفال بالزفاف الموصوف في اللقطة السابقة. وكانت ليلة زفافهما الإطار المناسب لإتمام حبهما العميق.
• “سيلبّي طِلْبتها، ومن هنا يعلن أنهما سيعطي أحدهما الآخر حبه إلى أن يطلع الفجر.” جليكمان
٢. أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ ٱلْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ ٱللُّبَانِ: يركز بعضهم على صورة الجبل والتل في هذه الآية، ويعتقدون أن الحبيب كان يتوق إلى احتضان ثديي العروس. وهذا ممكن، لكنه لا يقدم تفسيرًا جيدًا للمر واللبان. ولعله يكون أفضل أن ننظر إلى هذا على أنه إشارة شعرية إلى عزلتهما وهما محاطان بالفخامة والمتعة الحسية والروائح الغنية.
ج) الآيات (٧-٨): الحبيب يمتدح معدن العروس الأدبي، ويعبّر عن رغبته في معيّتها.
٧كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ. ٨هَلُمِّي مَعِي مِنْ لُبْنَانَ يَا عَرُوسُ، مَعِي مِنْ لُبْنَانَ! انْظُرِي مِنْ رَأْسِ أَمَانَةَ، مِنْ رَأْسِ شَنِيرَ وَحَرْمُونَ، مِنْ خُدُورِ الأُسُودِ، مِنْ جِبَالِ النُّمُورِ.
١. كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي: بعد أن قدّم الحبيب وصفًا سُباعيًّا لجمال عروسه، لخّص ملاحظاته. إنها أكثر من جميلة. إذ كلها جميلة بتفاصيلها وليس فيها عيبة.
• لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ: “لا تُستخدم هذه الكلمة في العهد القديم إلا ١٨ مرة… وهي تصف بشكل عام الحيوانات الذبيحية المطلوبة (يُشترط أن تكون الذبائح بلا أي عيب).” كار (Carr)
٢. هَلُمِّي مَعِي مِنْ لُبْنَانَ يَا عَرُوسُ (زوجتي): بما أن الفتاة جاءت من الشمال، فإن الحبيب يدعوها شعريًّا إلى ترك المنطقة الشمالية لتترك عائلتها ومخاوفها (المُلَمّح إليها بالأسود والنمورِ) – وهَلُمِّي مَعِي.
• قبل أن يطلب منها التعهد بمشاركة عذريّتها، تعهّد بأن يشاركها حياتها. “تُكرر كلمة ’معي‘ في ’هلُمّي معي‘ مرتين. وهي بالعبرية Itti وهي تُستخدم كدعوة. فهو يريدها معه. وتلخّص كلمة ’معي‘ رغبته.” كينلو (Kinlaw)
• هذه هي أولً مرة يخاطبها بها بصفتها عروسه، أو قرينته، أو زوجته. ثم تُستخدم الكلمة على نحو متكرر. وحسب كينلو (Kinlaw)، فإن هذه الكلمة مشتقة من الجذر ’يُتِم‘ أو ’يكمِّل‘ (بمعنى ’يا مكمّلتي‘).
• عَرُوْس: ينصب التركيز في هذه الكلمة على الحالة الزوجية للمرأة، ولاسيما العنصر الجنسي المفترض في هذه الحالة بصفتها ’المُكَمَّلة‘ أو ’المُتَمَّمة.‘” كار (Carr)
• مِنْ خُدُورِ ٱلْأُسُودِ، مِنْ جِبَالِ ٱلنُّمُورِ: “عندما يطلب منها أن تأتي معه من تلك الأماكن المخيفة، فإنه في الواقع يطلب منها أن تحضر أفكارها إليه بشكل تام وتترك مخاوفها. وربما تترك أفكار بيتها وراءها أيضًا. أراد لها أن تترك خوفها وقلقها من الحياة الجديدة، وأن تأتي إليه ببساطة… لذلك يستدعيها من مخاوفها إلى ذراعيه.” جليكمان (Glickman)
د ) الآيات (٩-١١): الحبيب يعبّر عن عمق رغبته القوية في عروسه.
٩قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ. قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي بِإِحْدَى عَيْنَيْكِ، بِقَلاَدَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُنُقِكِ. ١٠مَا أَحْسَنَ حُبَّكِ يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ! كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ! وَكَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ! ١١شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا. تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ، وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ.
١. قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي يَا أُخْتِي ٱلْعَرُوسُ: هنا يذهب الحبيب إلى أبعد من مجرد مدح جمال الفتاة ومعدنها الأدبي. فهو يصف تأثيرها فيه. فبنظرة واحدة من عينيها، صار رجلًا مختلفًا وغارقًا في حبها.
• سَبَيْتِ (اغتصبتِ، خطفتِ، سلبتِ) قَلْبِي: “لقد قَلَبتِ قلبي، أي سلبتِ قلبي مني.” كلارك (Clarke)
• يَا أُخْتِي: “وأخيرًا صارت زوجته، ولهذا يدعوها أخته. كان تعبير ’أخت‘ مصطلحًا رقيقًا للتحبب للإشارة إلى زوجة المرء.” جليكمان (Glickman)
• “يَا أُخْتِي – هو يدعوها كذلك، جزئيًّا لأن لكليهما نفس الأب، أي الله. وجزئيًّا، ليبيّن عظمة محبته لها، وهي محبة لا يمكن التعبير عنها بشكل كافٍ من خلال أية علاقة واحدة. ولهذا يتوجب عليه أن يستعير كمالات المحبة وعواطفها في كل العلاقات ليصفها بها.” بوله (Poole)
• “وكأنه لم يستطع التعبير عن علاقته القريبة والعزيزة بأي تعبير واحد، فاستخدم تعبيرين: أختي، أي بموجب الولادة، شريكة في الطبيعة نفسها. وعروسي، أي هما واحد في المحبة، في رباط مقدس من المحبة التي لا يمكن أن يُقطع على الإطلاق. أنت أختي بالميلاد، وعروسي بالاختيار. أنت أختي في التواصل، وعروسي في اتحاد مطلق معي.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ ٱلْخَمْرِ: يذكّرنا مديح الحبيب لفتاته بأنها ليست متلقّية سلبية لحبه. لقد بادر إلى العلاقة وتابعها، لكنها استجابت بحب جميل وثمين من جهتها.
• كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ ٱلْخَمْرِ: “هذا هو ما قالته في نشيد الأنشاد ٢:١. وهو الآن يعيده عليها، كما هو معتاد بين العشاق.” تراب (Trapp). طبّق سبيرجن (Spurgeon) هذا المبدأ على علاقة يسوع بشعبه. “والآن، هل تستطيع أن تصدق ذلك؟ إن ما تعتقده عن محبة المسيح هو ما يعتقده عن محبتك. أنت تثمّن محبته، وأنت مُحِق في فعل ذلك. لكنني أخشى أنك ما زلت تقلل من قيمتها. لكنه يثمّن محبتك، إن جاز التعبير، ويضع تقديرًا أعلى من تقديرك. وهو لا يقدّر ما يفعله شخص حسب القوة التي يبذلها، بل بمدى صدقه وإخلاصه.”
• تبيّن هذه المجاملة على أنها لم تكن سلبية في جماعهما. “لم يجدها رائعة فحسب، بل مُحِبة أيضًا. وقد جعلها هو كذلك. وهو الآن يشعر بالبهجة والرضا العظيمين في عمله.” تراب (Trapp)
• وَكَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ ٱلْأَطْيَابِ!: ليست الفكرة هي أن العطر الذي تستخدمه أفضل من أي عطر آخر. لكن بالنسبة له، كانت عطورها اليومية العادية أفضل من أكثر العطور إثارة.” كار (Carr)
٣. شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا. تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ: يصف الحبيب هنا عذوبة قبلات عروسه.
• قال الملك لعروسه في ذلك الزمن البعيد إن هنالك عسلًا ولبنًا تحت لسانها. لكن هذا التعبير قد يخبرنا أكثر أن التقبيل الفرنسي كان موجودًا قبل وقت طويل من وجود الفرنسيين.” جليكمان (Glickman)
٤. وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ: المشهد كله حميم، وممتلئ بالمشاهد الجميلة والروائح والتدفق والكلمات. وقد أوصلنا النص بشاعرية وبذوق إلى نقطة اكتمال حميميتهما.
• “ليست الثياب هي الكلمة العادية التي تشير إلى ارتداء الملابس. إذ تدل الكلمة العبرية Salma على الثوب الخارجي المستخدم كعباءة في النهار وكغطاء أثناء النوم. وأدى هذا الاستخدام الأخير إلى صعود في استخدام الكلمة التي تشير إلى غطاء الفراش، ربما يكون هنالك تلميح إلى نوع من قميص النوم (أو الروب).” كار (Carr)
ثانيًا. اكتمال المحبة بين الفتاة والحبيب
أ ) الآيات (١٢-١٥): الحبيب يمتدح عذرية الفتاة.
١٢أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ. ١٣أَغْرَاسُكِ فِرْدَوْسُ رُمَّانٍ مَعَ أَثْمَارٍ نَفِيسَةٍ، فَاغِيَةٍ وَنَارِدِينٍ. ١٤نَارِدِينٍ وَكُرْكُمٍ. قَصَبِ الذَّرِيرَةِ وَقِرْفَةٍ، مَعَ كُلِّ عُودِ اللُّبَانِ. مُرٌّ وَعُودٌ مَعَ كُلِّ أَنْفَسِ الأَطْيَابِ. ١٥يَنْبُوعُ جَنَّاتٍ، بِئْرُ مِيَاهٍ حَيَّةٍ، وَسُيُولٌ مِنْ لُبْنَانَ.
١. جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ: باستخدام هذه الصور الثلاث، يمتدح الحبيب عذرية فتاته. وقد فعل هذا قبل أن يتلقى هبة عذريتها. فلم تمنح حياتها الجنسية إلى شخص آخر. إذ كانت مثل بستان مغلق، وعين محمية، ونافورة مختومة (جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ).
• جَنَّةٌ: “ليست الجنة أرضًا مشتركة أو أرضًا لزراعة أشياء بشكل عشوائي. وليست أرضًا لأغراض زراعية بحتة، بل لإنتاج شيء للجمال والمتعة.” ني (Nee)
توحي فكرة هذه الجنة بالخصوصية. إذ كان مفترضًا أن تعبّر الفتاة عن نشاطها الجنسي بشكل خاص مع عريسها.
“توحي فكرة هذه الجنة بالانفصال. إذ كان عليها أن تركز نشاطها الجنسي على حبيبها مخصصة له وحده. إنها حديقة (جنة) حقًّا، لكنها لم تكن حديقة عامة.)” ني (Nee)
توحي فكرة هذه الجنة بالقداسة. إذ كان نشاط الفتاة الجنسي مقدسًا. وكان على كل من الفتاة وحبيها أن يَعُدّا الأمر كذلك.
توحي فكرة هذه الجنة بالأمان. إذ كان ينبغي احترام نشاط الفتاة الجنسي وعدم انتهاكه، حتى من قبل الحبيب نفسه. إذ لم يكن مسموحًا بأن يعبّر عنه إلا في سياق الأمان.
• عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ: “ليست الفكرة هنا هي أن هذه العين قد جفت أو أن ذلك الينبوع صار عديم الفائدة. لكنه محمي بحيث لا تذهب مياهه إلا إلى صاحبه الشرعي. فالقيام بختم ينبوع يعني إقفاله وحماية المياه لصاحبه الشرعي. وقد فعل حزقيا هذا عندما شق القناة من نبع العذراء في جيحون إلى بركة سلوام لحماية إمدادات مياه أورشليم (٢ ملوك ٢٠:٢٠).” كار (Carr)
• ولهذا، أقر الحبيب بالقيمة العظيمة لعذرية الفتاة، كما أقرت هي بها. ويعاني الأفراد والمجتمعات بشكل كبير عندما لا يعود هنالك تثمين للعذرية. ومن المهم للآباء والأمهات، والشباب، والشابات، والكنيسة ككل أن تثمّن العذرية وألا تعاملها كشيء محرِج. وفضلًا عن ذلك، ينبغي تعزيز مفهوم العذرية المستردة، أو “من الآن فصاعدًا” وتثمينها.
• تساعدنا رؤية القيمة العالية للعذرية أيضًا في فهم الوصايا الكتابية التي تنهى عن ممارسة الجنس قبل الزواج. ومن المفيد أن ندحض بعض الأساطير حول الجنس قبل الزواج.
تقول الأسطورة: “لا يقول الكتاب المقدس شيئًا ضد ممارسة الجنس قبل الزواج.” والحقيقة هي أن الكتاب المقدس يضع قيمة عالية على العذرية، كما نرى هنا وفي نصوص أخرى مثل تثنية ٢٢: ١٣-٢٩، حيث تبيّن أن ممارسة الجنس قبل الزواج أمر خطأ. وهذا واضح أيضًا في النصوص التي تنتقد الخطية الجنسية والمعروفة في العهد الجديد تحت تسمية ’بورنيا‘ Porneia والتي تترجم عادة إلى ’الزنا‘ (١ كورنثوس ٦: ١٣؛ ٦: ١٨؛ أفسس ٥: ٣؛ ٥: ٥؛ ١ تسالونيكي ٤: ٣). وتشير كلمة بورنيا بشكل واسع إلى كل أنواع النشاط الجنسي خارج الزواج (بما في ذلك الشذوذ الجنسي). وهو يضم عمليًّا كل سلوك جنسي يمارَس خارج الزواج من الزوج أو الزوجة في رباط زواجهما.
تقول الأسطورة: “يريد أن يمارس الجنس معي لأنه يحبني.” والحقيقة هي أنه يمكنه أن يثبت حبه لك بانتظاره للزواج. ولا تثبّت رغبة الرجل في ممارسة الجنس أنه يحب المرأة. وفي استطلاع، قال ٥٥% من الرجال ’نعم‘ للسؤال التالي: “إذا كنت متأكدًا من أن زوجتك أو خطيبتك لن تعرف ذلك أبدًا، هل يمكنك أن تمارس الجنس مع أيٍّ من صديقاتها؟” وردًّا على السؤال، “هل سبق أن مارست الجنس مع امرأة لم تعجبك على الإطلاق؟”، أجاب ٥٥% من الرجال ’نعم.‘ وأنت غبية إذا اعتقدت أن صبيًّا يحبك – أو حتى إنه معجب بك – لأنه يريد أن يمارس الجنس معك.
تقول الأسطورة: “صديقي (خطيبي) مؤمن بالمسيح، وهو يحب الرب. فلا داعي للقلق من هذا الأمر. والحقيقة هي أن الرجال المؤمنين بالمسيح يواجهون نفس التحديات التي يواجهها غير المؤمنين في ما يتعلق بالرغبات الجنسية والشهوات. ولديهم القدرة على التغلب على هذه الشهوات بقوة الروح القدس. لكن هذا ليس بالأمر السهل. فقد وقع في هذه الخطايا كثيرون كان يُعتقد أنهم أقوياء بما يكفي للصمود.
تقول الأسطورة: ’سنتزوج. فالأمر لا يهم.‘ والحقيقة هي أن الأمر يهم. أولًا، أنت تضعين قيمة على حياتك الجنسية. وهنالك معنى بموجبه بأن المرأة تمنح زوجها المستقبلي الحق في معاملتها وكأنها شيء. ثانيًا، أنت تضعين نمطًا. فأنت توافقين على أن ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج في بعض الظروف أمر مقبول. وهذا شيء لا تريدين أن تزرعيه في ذهن شريك حياتك، ولا سيما لأن الثقة هي من أهم العناصر في العلاقة الجنسية المشبعة طويلة الأمد. ثالثًا، أنت تنتزعين البركة التي قصدها الله للعلاقة الجنسية عند الزواج.
تقول الأسطورة: ’يمكننا أن نتزوج أمام الله.‘ والحقيقة هي إن كنتما تعيشان في جزيرة مهجورة من دون أي إحساس بوجود حكومة أو مجتمع، ربما تكون هذه حجة يمكنك أن تستخدميها. لكن الزواج بالمعنى الكتابي والثقافي يتم في احتفال عام ويُعترف به من قبل القانون والثقافة. فأنتما لا تسكنان في جزيرة مهجورة.
٢. أَغْرَاسُكِ فِرْدَوْسُ رُمَّانٍ مَعَ أَثْمَارٍ نَفِيسَةٍ، فَاغِيَةٍ وَنَارِدِينٍ: بما أن الحبيب استخدم تشبيه الحديقة (الجنة)، فإنه يصف بشكل شعري قيمة نشاط الفتاة الجنسي وجماله.
• يرى بعضهم أن تشبيه الحديقة إشارة مباشرة إلى الأعضاء التناسلية الأنثوية. وبالنظر إلى الوصف المجازي المستمر في هذه الآيات، إنه أفضل أن ننظر إلى الجنة هنا كإشارة إلى نشاط الفتاة الجنسي بشكل عام. وبطبيعة الحال، فإن هذه الفكرة مرتبطة بتركيبها البُنيوي، لكن هذا التصور أقل مباشرة.
٣. يَنْبُوعُ جَنَّاتٍ، بِئْرُ مِيَاهٍ حَيَّةٍ: تعزز الصور المستخدمة فكرة الغنى والوفرة. لقد فهم الحبيب أن فتاته لم تفرّط بعذريتها في الماضي. إذ لم تكن العذرية أمرًا غير ذي بال. بل كانت مهمة وثمينة ومحمية. والآن، بعد أن تُسلّم له عذريتها على نحو ملائم، سيرى ويختبر طبيعتها الواهبة للحياة.
• كما سبق أن ذكرنا، كان ينبغي أن يكون تعبير الفتاة عن نشاطها الجنسي خاصًّا، ومنفردًا، ومقدسًا، وآمنًا. غير أن صلاح مثل هذا التعبير التقي عن النشاط الجنسي وفائدته سيفيدان شخصها المتكامل. وستكون هذه المنفعة عامة، مثل يَنْبُوعِ جَنَّاتٍ، بِئْرِ مِيَاهٍ حَيّة.
• “حديقتها جنة من الثمار المُبهجة، والزهور الفواحة، والبراعم زاهية الألوان، والأشجار الشاهقة، والتوابل العطرية. وجمالها غامر، ومنعش، وراقٍ مثل زهور الربيع والتوابل الشهية. فكانت الفتاة تجسيدًا لحياة الربيع ذاتها.” جليكمان (Glickman)
• في ضوء صلاح العذرية، وكرامتها، وبركتها – حيث يُحمى نشاط المرأة الجنسي ولا يُنتهك إلى أن يكون جاهزًا لتقديمه في الزواج – فإنه أمر مستحيل تقريبًا للنساء اللواتي لم يقمن بحماية عذريتهن على نحو ملائم (أو أسوأ من ذلك، اللواتي سُلبت منهن عذريتهن) أن يشعرن بأنهن يستطعن أبدًا أن يتمتعن بهذه البركة، أو أية بركة من هذا القبيل. إذ صحيح أنه حالما يتم دخول الجنة، لا يمكن إلغاء هذه الحقيقة ومحوها من الماضي. لكن لأغراض توسيع صورة الحديقة، يمكن استرداد الحديقة التي تم انتهاكها وصارت في حالة من الفوضى، إلى الصحة والجمال من خلال الحكمة، وضبط والنفس، والجهد، وأهم من ذلك كله، من خلال عمل البستاني الماهر الذي خلق نشاط المرأة الجنسي. صحيح أنه لا يمكن إلغاء دخول الجنة حالما يتم ذلك، لكن يمكن استردادها إلى الصلاح.
• تنطبق هذه المبادئ على نحو مساوٍ على الرجال الذين قد يفقدون عذريتهم أيضًا بغير حكمة. ومثل المرأة التي أُمسِكت في ذات الفعل، والتي أُحضِرت إلى يسوع، يستطيع المرء أن يسمع كلمات المخلّص وهو يقول لها: “ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا.”
ب) الآيه (١٦): العروس تسلّم عذريتها لحبيبها.
١٦اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هَبِّي عَلَى جَنَّتِي فَتَقْطُرَ أَطْيَابُهَا. لِيَأْتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ النَّفِيسَ.
١. اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ ٱلشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ ٱلْجَنُوبِ! هَبِّي عَلَى جَنَّتِي: وللمرة الأولى والأخيرة في هذا القسم، تتحدث الفتاة. وهي تأخذ صورة الجنة التي استخدمها حبيبها، وفكرت في الرياح اللطيفة التي تحمل وتُطلق عبير حديقة (جنة) فعلية. وفي هذا طلبت من حبيبها (وربما من إلهها أيضًا) أن يطلق عبير نشاط جنسها الجميل والمحفوظ، وأن يأتي. وهي مستعدة الآن لتقديمه له.
• “بما أن نسائم الربيع هي رسل معطرة من الحدائق ومرسلة لإغراء العالم الخارجي فيها، فإنها تطلب من هذه النسائم أن تهب على حديقتها وتجلب معها حبيبها إليها. فهي تطلب من حبيبها بلغة شعرية جميلة ولبقة أن يمتلكها.” جليكمان (Glickman)
٢. لِيَأْتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ ٱلنَّفِيسَ: هذه هي لحظة تسليم العذرية، حيث يُدعى الحبيب إلى التمتع بنشاط عروسه الجنسي الذي كان محميًّا ومختومًا. وقد سمّته في سطر سابق بأنه ’جنّتي.‘ وهو الآن ’جنّته.‘ فكانت عذريتها (نشاطها الجنسي) محمية لكي تُمنح بشكل كامل لحبيبها.
• “تدعو الجنة جنتها وجنته في الوقت معًا، بسبب الوحدة بينهما، حيث لديهما الآن مصلحة مشتركة، واهتمام واحد أحدهما بالآخر.” بوله (Poole)
• الوصف شعري وخجول، وكانت الخبرة عميقة ومؤثرة.
• له وحده الحق في أن يأكل الثمار الطيبة لحديقتها. فهو وحده قادر على التمتع ببركة نشاط الفتاة الجنسي.
• يعتقد بعضهم ممن يأخذون صورة الجنة (الحديقة) على أنها إشارة مباشرة إلى الأعضاء التناسلية الأنثوية أن هذا يصف عملًا جنسيًّا معيَّنًا قام به الحبيب مع امرأته، متضمّنًا شفتيه وحديقة عروسه المجازية. وهذا تفسير زائد غير ضروري لهذا النص، رغم أن هذه الأفعال مسموح بها تمامًا بين الزوجين المتفقين من دون إكراه، وفقًا لمبدأ “لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ” (عبرانيين ١٣: ٤).
• أخذ ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan) هذه السطور على أنها ترميزية، مطبّقًا إياها على حياة المؤمنين مع المخلّص: “إن شغف المحبوب الغامر هو أن يرضي الرب ويمده بالثمار الثمينة التي يبحث عنها في محبته. ولكي نفعل هذا، فإننا نستدعي ريح الشمال وريح الجنوب، من أجل الشدائد والازدهار، من أجل الشتاء والصيف، لكي نكون بهذه الخدمات المتنوعة جنّات مَسَرَّة له.”
ج) الإصحاح ٥ الآية ١أ: الحبيب يتلقّى عذرية الفتاة المقدمة له.
١:٥أ قدْ دَخَلْتُ جَنَّتِي يَا أُخْتِي ٱلْعَرُوسُ. قَطَفْتُ مُرِّي مَعَ طِيبِي. أَكَلْتُ شَهْدِي مَعَ عَسَلِي. شَرِبْتُ خَمْرِي مَعَ لَبَنِي.
١. قدْ دَخَلْتُ جَنَّتِي يَا أُخْتِي ٱلْعَرُوسُ: قَبِل الحبيب دعوة عروسه وتلقّى عذريّتها كهبة ثمينة. وتحققت واكتملت بشكل صحيح وجميل تلك الرغبات القوية التي طال انتظارها.
• “هنا، ولأول مرة في نشيد الأنشاد، تُفتح الجنة وتتم الدعوة إلى دخولها، ويتم دخولها، ويتحقق ذلك.” كار (Carr)
• “اللغة المستخدمة لأتمام الحب ممتازة في عفتها. وهي سمة غير ممكنة إلا باستخدام لغة رمزية. وتلعب الاستعارة هنا نفس الدور الذي يلعبه الحجاب في الهيكل. إذ يحتاج الإنسان الخاطئ مثل هذا الشيء لحماية السر.” كينلو (Kinlaw)
٢. جَنّتِي: انتقلت العروس في الآية السابقة من ’جنتي‘ إلى ’جنته.‘ والآن تلّقى الحبيب هبتها، وجعل من جنتها، أي نشاطها الجنسي، جنته. فكان هنالك معنى بموجبه كان نشاطها الجنسي له (كما كان نشاطه الجنسي لها).
• عزز الرسول بولس هذا المبدأ في رسالته الأولى إلى مؤمني كورنثوس: “لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذَلِكَ ٱلرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ” (١ كورنثوس ٧: ٤).
• وبطبيعة الحال، فإن هذا المبدأ لا يبرر أبدًا قيام الزوج بالإساءة إلى زوجته وإكراهها جنسيًّا أو غير ذلك. إذ كانت وجهة نظر بولس هي أن لدينا التزامًا مُلزمًا بخدمة شريك حياتنا بمحبة جسمية. وهذا التزام مهيب. فمن بين بلايين البشر على الأرض، اختار الله لنا واحدًا فقط ليلبي احتياجاتنا الجنسية. ولا يوجد أي شخص آخر.
٣. قَطَفْتُ مُرِّي مَعَ طِيبِي. أَكَلْتُ شَهْدِي مَعَ عَسَلِي. شَرِبْتُ خَمْرِي مَعَ لَبَنِي: استخدم الحبيب صور الترف والإشباع، فوصف بشكل شعري كيف كانت خبرته الحميمة ممتعة ومُرْضية.
• “يبدو أن عددًا قليلًا من الأزواج يختبرون هذا النوع من ليلة العرس. ولماذا؟ ربما يعود أحد الأسباب إلى أن تودُّدهم (في فترة الخطوبة) لا يُعِدّهم لذلك.” جليكمان (Glickman)
د ) الإصحاح ٥ الآية ١ب: تعليق من السماء
كُلُوا أَيُّهَا ٱلْأَصْحَابُ. ٱشْرَبُوا وَٱسْكَرُوا أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ.
١. كُلُوا أَيُّهَا ٱلْأَصْحَابُ. ٱشْرَبُوا وَٱسْكَرُوا أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ: هنالك اختلاف كبير بين المفسرين حول هوية قائل هذه الكلمات. ويعتقد بعضهم أن العريس ترك غرفة نوم العرس وتحدث إلى بقية ضيوف حفل العرس. ويرى آخرون جوقة متخيلة مثل بنات أورشليم المذكورة سابقًا. وبشكل عام، يفضّل النظر إلى هذه الكلمات على أنها إلهية كبيان موافقة من السماء التي تمجد صلاح حبهما وطهارته.
• يرى آدم كلارك (Adam Clarke) أن هذه الكلمات كانت موجهة إلى ضيوف العرس: “يفترض عمومًا أن هذه كانت كلمات العريس بعد عودته من غرفة نوم العرس، وعرْضه لدليل طهارة عروسه، كما كانت تتطلب العادات في ذلك الوقت. ولأن هذا كان سببًا لفرح الجميع، تم تقديم الطعام والمشروبات. فهو يدعو أصحاب الطرفين (العريس والعروس) إلى أن يأكلوا ويشربوا، لأن هنالك سببًا شموليًّا للابتهاج.”
٢. أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ: كانت هذ أفضل العلاقات. فلم يكن طرفا الزواج هما وحدهما محبوبين أحدهما من الآخر فحسب. لكنهما كانا محبوبين من الله أيضًا. ويمكننا القول إنه لم يكن هنالك من هو أكثر سعادة من الله نفسه. فقد كانت هذه بداية لعلاقة جنسية مباركة.
• “يرفع (الله) صوته نفسه ويعطي استحسانًا لليلة كلها. إنه يؤيد ويثبّت حب هذين الزوجين. وهو يسعد بما يحدث.” جليكمان (Glickman)