٢ صموئيل ١٣
أمنون وثامار وأبشالوم
أولًا. أمنون وثامار.
أ ) الآيات (١-٢): افتتان أمنون بثامار.
١وَجَرَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِأَبْشَالُومَ بْنِ دَاوُدَ أُخْتٌ جَمِيلَةٌ ٱسْمُهَا ثَامَارُ، فَأَحَبَّهَا أَمْنُونُ بْنُ دَاوُدَ. ٢وَأُحْصِرَ أَمْنُونُ لِلسُّقْمِ مِنْ أَجْلِ ثَامَارَ أُخْتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَذْرَاءَ، وَعَسُرَ فِي عَيْنَيْ أَمْنُونَ أَنْ يَفْعَلَ لَهَا شَيْئًا.
١. كَانَ لِأَبْشَالُومَ بْنِ دَاوُدَ أُخْتٌ جَمِيلَةٌ ٱسْمُهَا ثَامَارُ: كان هذا الأخ والأخت من أبناء داود من زوجته معكة ابنة تلماي، ملك جشور (٢ صموئيل ٣: ٣).
٢. أَمْنُونُ بْنُ دَاوُدَ: كان أمنون بكر داود من أخينوعم اليزرعيلية (٢ صموئيل ٣: ٢). ولأنه كان البكر، كان ولي العهد، أي الأول في ترتيب عرش إسرائيل.
٣. فَأَحَبَّهَا أَمْنُونُ بْنُ دَاوُدَ: تاق أمنون إليها حتى إنه صار متيّمًا بها. وكان هذا أمرًا أكثر صعوبة له لأنها كانت عذراء، بمعنى أنها كانت متاحة للزواج، لكن ليس لأمنون، لأن زواج الأخ غير الشقيق بالأخت غير الشقيقة كان محرّمًا.
· يعني اسم ثامار ’شجرة نخيل،‘ ما يدل على الإثمار. ويعني اسم أبشالوم ’سلام أبيه.‘ ويعني اسم أمنون ’أمين، وفيّ، ثابت.‘ ’وليس واحد من بين هذه الأسماء اسمًا على مسمّى.‘ تراب (Trapp)
ب) الآيات (٣-٥): نصيحة يوناداب الشريرة.
٣وَكَانَ لِأَمْنُونَ صَاحِبٌ ٱسْمُهُ يُونَادَابُ بْنُ شِمْعَى أَخِي دَاوُدَ. وَكَانَ يُونَادَابُ رَجُلًا حَكِيمًا جِدًّا. ٤فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا يَا ٱبْنَ ٱلْمَلِكِ أَنْتَ ضَعِيفٌ هَكَذَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَى صَبَاحٍ؟ أَمَا تُخْبِرُنِي؟» فَقَالَ لَهُ أَمْنُونُ: «إِنِّي أُحِبُّ ثَامَارَ أُخْتَ أَبْشَالُومَ أَخِي». ٥فَقَالَ يُونَادَابُ: «ٱضْطَجِعْ عَلَى سَرِيرِكَ وَتَمَارَضْ. وَإِذَا جَاءَ أَبُوكَ لِيَرَاكَ فَقُلْ لَهُ: دَعْ ثَامَارَ أُخْتِي فَتَأْتِيَ وَتُطْعِمَنِي خُبْزًا، وَتَعْمَلَ أَمَامِي ٱلطَّعَامَ لِأَرَى فَآكُلَ مِنْ يَدِهَا.
١. وَكَانَ يُونَادَابُ رَجُلًا حَكِيمًا (ماكرًا) جِدًّا: كان ماكرًا وخبيثًا بالفعل. وقد أطلقتْ نصيحته الشريرة لأمنون سلسلة كارثية من الأحداث. وكان يوناداب ابن عم أمنون، حيث كان أبوه أخًا لداود (٢ صموئيل ١٣: ٣٢).
· “ليس هذا صديقًا لأحد. إنه صديقٌ جسديّ، وعدو روحيّ، ينصح بإنعاش الجسد وتدمير الروح.” تراب (Trapp)
٢. إِنِّي أُحِبُّ ثَامَارَ: كما ستظهر الأحداث اللاحقة، لم يحب ثامار على الإطلاق. لكنه اشتهى ثامار، وسمّى شهوته حبًّا. ومن المؤكد أنه ليس آخر شخص يفعل هذا. وغالبًا ما تتنكر الشهوة في صورة الحب.
٣. أُخْتَ أَبْشَالُومَ أَخِي: إن كان أبشالوم أخا أمنون، فمن الطبيعي أن تكون ثامار أختًا لأمنون أيضًا. لكن أمنون في شهوته لم يسمح لنفسه بالإشارة إلى ثامار على أنها أخته. بل كانت أخت أبشالوم. فالشهوة قوية بما تكفي لأن تلوي الحقائق والواقع.
٤. ٱضْطَجِعْ عَلَى سَرِيرِكَ وَتَمَارَضْ: نصح يوناداب بترتيب لقاء خاص مع ثامار مستخدمًا الخداع. ولم يكن محتاجًا إلى أن يضيف: ’ثم اغتصبْها،‘ لأنهما في شرهما المشترك، اشترك يوناداب وأمنون في نفس الأفكار الشريرة.
ج) الآيات (٦-١٠): تظاهر أمنون بالمرض لينفرد بثامار.
٦فَٱضْطَجَعَ أَمْنُونُ وَتَمَارَضَ، فَجَاءَ ٱلْمَلِكُ لِيَرَاهُ. فَقَالَ أَمْنُونُ لِلْمَلِكِ: «دَعْ ثَامَارَ أُخْتِي فَتَأْتِيَ وَتَصْنَعَ أَمَامِي كَعْكَتَيْنِ فَآكُلَ مِنْ يَدِهَا». ٧فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى ثَامَارَ إِلَى ٱلْبَيْتِ قَائِلًا: «ٱذْهَبِي إِلَى بَيْتِ أَمْنُونَ أَخِيكِ وَٱعْمَلِي لَهُ طَعَامًا». ٨فَذَهَبَتْ ثَامَارُ إِلَى بَيْتِ أَمْنُونَ أَخِيهَا وَهُوَ مُضْطَجِعٌ. وَأَخَذَتِ ٱلْعَجِينَ وَعَجَنَتْ وَعَمِلَتْ كَعْكًا أَمَامَهُ وَخَبَزَتِ ٱلْكَعْكَ، ٩وَأَخَذَتِ ٱلْمِقْلَاةَ وَسَكَبَتْ أَمَامَهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ. وَقَالَ أَمْنُونُ: «أَخْرِجُوا كُلَّ إِنْسَانٍ عَنِّي». فَخَرَجَ كُلُّ إِنْسَانٍ عَنْهُ. ١٠ثُمَّ قَالَ أَمْنُونُ لِثَامَارَ: «ٱيتِي بِٱلطَّعَامِ إِلَى ٱلْمِخْدَعِ فَآكُلَ مِنْ يَدِكِ». فَأَخَذَتْ ثَامَارُ ٱلْكَعْكَ ٱلَّذِي عَمِلَتْهُ وَأَتَتْ بِهِ أَمْنُونَ أَخَاهَا إِلَى ٱلْمِخْدَعِ.
١. دَعْ ثَامَارَ أُخْتِي فَتَأْتِيَ وَتَصْنَعَ أَمَامِي كَعْكَتَيْنِ فَآكُلَ مِنْ يَدِهَا: كان سلوك أمنون صبيانيًّا بشكل واضح. وتساهل داود مع هذا. تصرّف أمنون كطفل رضيع. وإنه لأمر صبياني أن نرفض الطعام إلا إذا قُدِّم بالطريقة التي نريدها.
· يَظهر من هذا النص ونصوص أخرى أن داود كان متساهلًا مع أبنائه. ربما يعود هذا إلى أنه أحس بالذنب، لأنه في اتخاذه زوجات كثيرة، وتولّيه مسؤوليات كثيرة في الدولة، لم يكن لديه الوقت الكافي ليكون أبًا حقيقيًّا لأبنائه. فتعامل مع هذا الإحساس بالذنب بكونه ليّنًا ومتسامحًا مع أبنائه.
· عمل أمنون بنصيحة يوناداب الخبيثة بسرعة وبشكل تام. وإنه لأمر سيئ للغاية أن الرجال لا يتجاوبون في الغالب مع النصيحة التقية بنفس الطريقة.
٢. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى ثَامَارَ إِلَى ٱلْبَيْتِ: هذا هو ما أراده أمنون. فإذا انفرد بثامار، فلأن داود قد أمر بهذا. وبهذا يشرك داود في المسؤولية.
٣. فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ: يبيّن هذا أن كل شيء قاله أمنون لأبيه كان كذبًا. وهو يواصل الخداع لكي يفرض نفسه على ثامار في غرفة النوم.
د ) الآيات (١١-١٤): أمنون يغتصب ثامار.
١١وَقَدَّمَتْ لَهُ لِيَأْكُلَ، فَأَمْسَكَهَا وَقَالَ لَهَا: «تَعَالَيِ ٱضْطَجِعِي مَعِي يَا أُخْتِي». ١٢فَقَالَتْ لَهُ: «لَا يَا أَخِي، لَا تُذِلَّنِي لِأَنَّهُ لَا يُفْعَلُ هَكَذَا فِي إِسْرَائِيلَ. لَا تَعْمَلْ هَذِهِ ٱلْقَبَاحَةَ. ١٣أَمَّا أَنَا فَأَيْنَ أَذْهَبُ بِعَارِي؟ وَأَمَّا أَنْتَ فَتَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنَ ٱلسُّفَهَاءِ فِي إِسْرَائِيلَ! وَٱلْآنَ كَلِّمِ ٱلْمَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ». ١٤فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَسْمَعَ لِصَوْتِهَا، بَلْ تَمَكَّنَ مِنْهَا وَقَهَرَهَا وَٱضْطَجَعَ مَعَهَا.
١. تَعَالَيِ ٱضْطَجِعِي مَعِي يَا أُخْتِي: كشف شر أمنون نفسه بشكل طبيعي. فهذا اعتراف برغبته في سفاح القربى عندما قدّم هذا الاقتراح الشرير لثامار. ويبدو أن أمنون كان أميرًا مدلّلًا يحصل على كل ما يريده.
٢. لَا تَعْمَلْ هَذِهِ ٱلْقَبَاحَةَ: رأت ثامار بسهولة كيف أن هذا الأمر شرير ومُخزٍ. ولم يستطع أمنون الذي أعمته الشهوة أن يرى ما كان واضحًا جدًّا على حقيقته.
٣. فَأَيْنَ أَذْهَبُ بِعَارِي؟ وَأَمَّا أَنْتَ فَتَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنَ ٱلسُّفَهَاءِ فِي إِسْرَائِيلَ: طلبت ثامار في حكمتها من أمنون أن يضع في اعتباره نتيجة هذه الرغبة بالنسبة لكليهما. إذ سيلحق بها العار، وسيكون أمنون واحدًا من السفهاء. وأبى أمنون الذي أعمته الشهوة أن يرى النتيجة المحتّمة لرغبته.
· “هنالك شيء يتسم بالحنان البالغ وقوة الإقناع في كلام ثامار، لكن أمنون كان كبهيم، فلم يؤثر شيء من هذا فيه.” كلارك (Clarke)
٤. وَٱلْآنَ كَلِّمِ ٱلْمَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ: حرّمت شريعة موسى زواج الأخ غير الشقيق بالأخت غير الشقيقة (لاويين ١٨: ١١). ربما قالت هذا كمجرد حيلة للابتعاد عنه.
٥. وَقَهَرَهَا وَٱضْطَجَعَ مَعَهَا: كان هذا اغتصابًا صريحًا. فقد فعلت ثامار كل ما بوسعها لتجنّب حدوث هذا. فاللوم كله يقع على أمنون وحده.
هـ) الآية (١٥): أمنون يرفض ثامار.
١٥ثُمَّ أَبْغَضَهَا أَمْنُونُ بُغْضَةً شَدِيدَةً جِدًّا، حَتَّى إِنَّ ٱلْبِغْضَةَ ٱلَّتِي أَبْغَضَهَا إِيَّاهَا كَانَتْ أَشَدَّ مِنَ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي أَحَبَّهَا إِيَّاهَا. وَقَالَ لَهَا أَمْنُونُ: “قُومِي ٱنْطَلِقِي.”
١. ثُمَّ أَبْغَضَهَا أَمْنُونُ بُغْضَةً شَدِيدَةً جِدًّا: تَكّشَّف انجذاب أمنون إلى ثامار عن شهوة لا حب. فكان منجذبًا إليها من أجل ما يمكن أن يحصل عليه منها، لا من أجل الاهتمام بها والحرص عليها. وفي كثير من العلاقات الشهوانية، يوجد مزيج من الحب والشهوة، لكن انجذاب أمنون كان شهوة محضة.
· في هذه العقلية التي لا تستحوذ عليها إلا الشهوة، بنى أمنون على مثال أبيه داود. صحيح أن الشهوة لم تهيمن على داود بهذه القوة، لكنه كان متجهًا في الاتجاه نفسه. فقد أظهرت زيجاته المتعددة (٢ صموئيل ٣: ٢-٥) وزناه مع بثشبع (٢ صموئيل ١١: ٢-٤) نفس الاتجاه.
· غالبًا ما تكون هذه هي الطريقة التي يُنقل بها الأبناء إثم الآباء إلى الجيلين الثالث والرابع (خروج ٢٠: ٥). فغالبًا ما يقوم الابن بتقليد أبيه (أمه) الآثم. وكثيرًا ما يذهب إلى أبعد ما وصل إليه في اتجاه الخطية مما فعله أبوه.
٢. إِنَّ ٱلْبِغْضَةَ ٱلَّتِي أَبْغَضَهَا إِيَّاهَا كَانَتْ أَشَدَّ مِنَ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي أَحَبَّهَا إِيَّاهَا: لم يكن لدى أمنون أي حب حقيقي نحو ثامار، بل شهوة محضة، ولهذا أحس فورًا بالذنب بسبب خطيته. وكانت ثامار مجرد تذكير بخطية حمقاء، فأراد إبعادها عنه.
· “دعوني أقدّم نصيحة أبوية ودّية لجميع الفتيات الصغيرات هنا اللواتي ربما يواجهن نفس وضع ثامار، حيث يضغط شخص ما بقوة لممارسة الجنس معك. إنه لطيف معك، بل إنه روح اللطف. وهو منتبه إليك، ويهاتفك طوال الوقت. وهو يفتح الأبواب لك، ويجلب الزهور إليك. لكنه يضغط عليك بقوة من أجل علاقة جنسية، فلا تستسلمي له. إن كنتِ تحبينه حقًّا، اطلبي منه أن ينتظر حتى الزواج. فإن كان يحبك حقًّا، فسينتظر. وأما الذي يضغط عليك مرارًا وتكرارًا إلى أن يتمكن من أخذك إلى السرير، فلن تري وجهه ثانية بعد ذلك. فلن تعودي تحدّيًا بالنسبة له. فقد نجح في غزوك. وهو الآن يبحث عن غزوات جديدة. إن كنت تحبينه وتريدينه، اجعليه ينتظر. إن كنت تحبين الله وتحبين نفسك، اجعليه ينتظر.” سميث (Smith)
و ) الآيات (١٦-١٨): أمنون يطرد ثامار من محضره.
١٦فَقَالَتْ لَهُ: «لَا سَبَبَ! هَذَا ٱلشَّرُّ بِطَرْدِكَ إِيَّايَ هُوَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلْآخَرِ ٱلَّذِي عَمِلْتَهُ بِي». فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا، ١٧بَلْ دَعَا غُلَامَهُ ٱلَّذِي كَانَ يَخْدِمُهُ وَقَالَ: «ٱطْرُدْ هَذِهِ عَنِّي خَارِجًا وَأَقْفِلِ ٱلْبَابَ وَرَاءَهَا». ١٨وَكَانَ عَلَيْهَا ثَوْبٌ مُلوَّنٌ، لِأَنَّ بَنَاتِ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَذَارَى كُنَّ يَلْبَسْنَ جُبَّاتٍ مِثْلَ هَذِهِ. فَأَخْرَجَهَا خَادِمُهُ إِلَى ٱلْخَارِجِ وَأَقْفَلَ ٱلْبَابَ وَرَاءَهَا.
١. هَذَا ٱلشَّرُّ بِطَرْدِكَ إِيَّايَ هُوَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلْآخَرِ ٱلَّذِي عَمِلْتَهُ بِي: كان ما فعله أمنون خطأ، لكن كان بإمكانه أن يفتدي الوضع بطريقة ما، بدفع مهر العروس وفق خروج ٢٢: ١٦-١٧ وتثنية ٢٢: ٢٨-٢٩. وكان المقصود من هذا الدفع أن يكون تعويضًا عن حقيقة أن ثامار صارت أقل قابلية للزواج لأنها لم تعد عذراء.
٢. ثَوْبٌ مُلوَّنٌ: كان الثوب الملون يمتد إلى الرسغين والكاحلين، بالمقابلة مع ثوب أقصر. وهو ثوب يدل على امتياز ومكانة. وهو يبيّن عدم احتياج صاحبته إلى العمل لتعيش.
٣. ٱطْرُدْ هَذِهِ عَنِّي خَارِجًا وَأَقْفِلِ ٱلْبَابَ وَرَاءَهَا: استحقت ثامار معاملة أفضل كإسرائيلية، واستحقت معاملة أفضل كقريبة له، واستحقت معاملة أفضل كأخت، واستحقت معاملة أفضل كأميرة، كابنة داود الملك. ورغم هذا كله، عامل أمنون ثامار بازدراء مشيرًا إليها على أنها ’هّذِهِ.‘
ز ) الآيات (١٩-٢٠): ثامار تندب وأبشالوم يعزّيها.
١٩فَجَعَلَتْ ثَامَارُ رَمَادًا عَلَى رَأْسِهَا، وَمَزَّقَتِ ٱلثَّوْبَ ٱلْمُلَوَّنَ ٱلَّذِي عَلَيْهَا، وَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَكَانَتْ تَذْهَبُ صَارِخَةً. ٢٠فَقَالَ لَهَا أَبْشَالُومُ أَخُوهَا: «هَلْ كَانَ أَمْنُونُ أَخُوكِ مَعَكِ؟ فَٱلْآنَ يَا أُخْتِي ٱسْكُتِي. أَخُوكِ هُوَ. لَا تَضَعِي قَلْبَكِ عَلَى هَذَا ٱلْأَمْرِ». فَأَقَامَتْ ثَامَارُ مُسْتَوْحِشَةً فِي بَيْتِ أَبْشَالُومَ أَخِيهَا.
١. فَجَعَلَتْ ثَامَارُ رَمَادًا عَلَى رَأْسِهَا، وَمَزَّقَتِ ٱلثَّوْبَ ٱلْمُلَوَّنَ ٱلَّذِي عَلَيْهَا: تعاملت ثامار مع هذا الأمر على أنه كارثة، ولم تُخفِ حقيقة أنها تعرّضت لارتكاب جريمة مروّعة. ولم تعطِ مكانًا لصوت الخزي الذي يقول: “هذا خطؤك بطريقة ما.”
٢. هَلْ كَانَ أَمْنُونُ أَخُوكِ مَعَكِ: ربما اعتقد أمنون أنه أخفى جريمته. غير أن من الواضح أن أبشالوم عرف فورًا أن أمنون كان هو المسؤول.
· يقود جزء من عمى الشهوة المرء إلى الاعتقاد أن تصرفاته وأعماله ليست واضحة للآخرين. فكان أمنون مخدوعًا بعمى الشهوة.
· لم تلجأ ثامار إلى أبيها داود لأنها عرفت أنه كان ميّالًا إلى تدليل أبنائه وإلى تبرير كل أنواع الشرور التي يمكن أن يمارسونها.
ح) الآيات (٢١-٢٢): غضب داود وتقاعُسه.
٢١وَلَمَّا سَمِعَ ٱلْمَلِكُ دَاوُدُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ ٱغْتَاظَ جِدًّا. ٢٢وَلَمْ يُكَلِّمْ أَبْشَالُومُ أَمْنُونَ بِشَرٍّ وَلَا بِخَيْرٍ، لِأَنَّ أَبْشَالُومَ أَبْغَضَ أَمْنُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَذَلَّ ثَامَارَ أُخْتَهُ.
١. وَلَمَّا سَمِعَ ٱلْمَلِكُ دَاوُدُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ ٱغْتَاظَ جِدًّا: كان داود محقًّا في غضبه، لكنه لم يفعل شيئًا ليحمي ثامار أو ليقوّم أمنون. ربما كان داود واعيًا بذنبه في مسألة مشابهة، ولهذا أحسّ بافتقار إلى سلطة أخلاقية لتأديب ابنه.
· إن كان هذا هو الحال، فقد كان خطأ فادحًا في التقدير من جانب داود. إذ كان بإمكانه أن يقول لأمنون: “أنا أعرف الشر الناتج عن عدم كبح الشهوات والعواطف. وهذا أمر يتوجب عليك أن تقهره بقوة الله.” “لماذا لم يوبخه داود بشدة على الأقل على هذه الفعلة القبيحة؟” تراب (Trapp)
· “يقولون إن الرجل لا يسمع صوته أبدًا إلى أن يعود إليه من خلال الحاكي (الفونوغراف). ومن المؤكد أن الرجل لا يرى أسوأ ما فيه حتى يَظهر ثانية في ابنه.” ماير (Meyer)
٢. وَلَمْ يُكَلِّمْ أَبْشَالُومُ أَمْنُونَ بِشَرٍّ وَلَا بِخَيْرٍ: تعامل أبشالوم مع هذا الأمر بهدوء. ومهّدت طبيعته الملتوية المسرح للانتقام في المستقبل. “لا يوجد ما هو أكثر خطورة من الثقة بمظهر جميل يخفي وراءه قلبًا متقيّحًا.” تراب (Trapp)
ثانيًا. أبشالوم يغتال أمنون.
أ ) الآيات (٢٣-٢٧): أبشالوم يدعو كل أبناء الملك إلى وليمة.
٢٣وَكَانَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنَ ٱلزَّمَانِ، أَنَّهُ كَانَ لِأَبْشَالُومَ جَزَّازُونَ فِي بَعْلَ حَاصُورَ ٱلَّتِي عِنْدَ أَفْرَايِمَ. فَدَعَا أَبْشَالُومُ جَمِيعَ بَنِي ٱلْمَلِكِ. ٢٤وَجَاءَ أَبْشَالُومُ إِلَى ٱلْمَلِكِ وَقَالَ: «هُوَذَا لِعَبْدِكَ جَزَّازُونَ. فَلْيَذْهَبِ ٱلْمَلِكُ وَعَبِيدُهُ مَعَ عَبْدِكَ». ٢٥فَقَالَ ٱلْمَلِكُ لِأَبْشَالُومَ: «لَا يَا ٱبْنِي. لَا نَذْهَبْ كُلُّنَا لِئَلَّا نُثَقِّلَ عَلَيْكَ». فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْهَبَ بَلْ بَارَكَهُ. ٢٦فَقَالَ أَبْشَالُومُ: «إِذًا دَعْ أَخِي أَمْنُونَ يَذْهَبْ مَعَنَا». فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «لِمَاذَا يَذْهَبُ مَعَكَ؟» ٢٧فَأَلَحَّ عَلَيْهِ أَبْشَالُومُ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ أَمْنُونَ وَجَمِيعَ بَنِي ٱلْمَلِكِ.
١. وَكَانَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنَ ٱلزَّمَانِ: مرّت سنتان كاملتان، ولم يتوقف أبشالوم أثناءها في التفكير في كيفية الانتقام من أمنون بسبب ما فعله بثامار.
٢. كَانَ لِأَبْشَالُومَ جَزَّازُونَ فِي بَعْلَ حَاصُورَ: كان موسم جزّ الأغنام موسم فرح واحتفالات. فكان طبيعيًّا أن يقيم أبشالوم وليمة عظيمة يدعو إليها أمنون وبقية أبناء الملك.
٣. فَأَرْسَلَ مَعَهُ أَمْنُونَ وَجَمِيعَ بَنِي ٱلْمَلِكِ: أظهر أبشالوم بعضًا من المكر الذي رأيناه في أمنون. فقد طلب من داود أن يسمح لأمنون وكل أبناء الملك بحضور الاحتفال. فجعل بهذا داود مسؤولًا بشكل جزئي عن ذلك الاحتفال، كما كان مسؤولًا أيضًا بشكل جزئي عن حضور ثامار إلى بيت أمنون وجلب الطعام له.
ب) الآيات (٢٨-٢٩): أبشالوم يقتل أمنون.
٢٨فَأَوْصَى أَبْشَالُومُ غِلْمَانَهُ قَائِلًا: «ٱنْظُرُوا. مَتَى طَابَ قَلْبُ أَمْنُونَ بِٱلْخَمْرِ وَقُلْتُ لَكُمُ ٱضْرِبُوا أَمْنُونَ فَٱقْتُلُوهُ. لَا تَخَافُوا. أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا أَمَرْتُكُمْ؟ فَتَشَدَّدُوا وَكُونُوا ذَوِي بَأْسٍ». ٢٩فَفَعَلَ غِلْمَانُ أَبْشَالُومَ بِأَمْنُونَ كَمَا أَمَرَ أَبْشَالُومُ. فَقَامَ جَمِيعُ بَنِي ٱلْمَلِكِ وَرَكِبُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى بَغْلِهِ وَهَرَبُوا.
١. مَتَى طَابَ قَلْبُ أَمْنُونَ بِٱلْخَمْرِ: انتظر أبشالوم، كقاتل ماكر، حتى استرخى أمنون وصار ضعيفًا. ومن المرجح أن أمنون جاء إلى الاحتفال وهو متوتر بعض الشيء بسبب وجوده مع أبشالوم، لكن بعد أن جرع كمية كافية من الخمر، استرخى. وفي تلك اللحظة، أعطى أبشالوم الأمر بضرب أمنون، فاغتالوه.
٢. فَفَعَلَ غِلْمَانُ أَبْشَالُومَ بِأَمْنُونَ كَمَا أَمَرَ أَبْشَالُومُ: سبق أن حذّر الله داود من أن السيف لن يفارق بيته (٢ صموئيل ١٢: ١٠) كدينونة على خطية داود. ومن المؤكد أن هذا تحقيق جزئي لهذا الوعد.
· “كما زنى داود، وأسكر أوريا، ثم قتله، كذلك ارتكب أمنون سفاح القربى، وتمّ إسكاره، ثم اغتيل.” تراب (Trapp)
ج) الآيات (٣٠-٣٦): يَعْلم داود بمقتل أمنون.
٣٠وَفِيمَا هُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ وَصَلَ ٱلْخَبَرُ إِلَى دَاوُدَ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ قَتَلَ أَبْشَالُومُ جَمِيعَ بَنِي ٱلْمَلِكِ، وَلَمْ يَتَبَقَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ». ٣١فَقَامَ ٱلْمَلِكُ وَمَزَّقَ ثِيَابَهُ وَٱضْطَجَعَ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَجَمِيعُ عَبِيدِهِ وَاقِفُونَ وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ. ٣٢فَأَجَابَ يُونَادَابُ بْنُ شِمْعَى أَخِي دَاوُدَ وَقَالَ: «لَا يَظُنَّ سَيِّدِي أَنَّهُمْ قَتَلُوا جَمِيعَ ٱلْفِتْيَانِ بَنِي ٱلْمَلِكِ. إِنَّمَا أَمْنُونُ وَحْدَهُ مَاتَ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ وُضِعَ عِنْدَ أَبْشَالُومَ مُنْذُ يَوْمَ أَذَلَّ ثَامَارَ أُخْتَهُ. ٣٣وَٱلْآنَ لَا يَضَعَنَّ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا قَائِلًا: إِنَّ جَمِيعَ بَنِي ٱلْمَلِكِ قَدْ مَاتُوا. إِنَّمَا أَمْنُونُ وَحْدَهُ مَاتَ». ٣٤وَهَرَبَ أَبْشَالُومُ. وَرَفَعَ ٱلْغُلَامُ ٱلرَّقِيبُ طَرْفَهُ وَنَظَرَ وَإِذَا بِشَعْبٍ كَثِيرٍ يَسِيرُونَ عَلَى ٱلطَّرِيقِ وَرَاءَهُ بِجَانِبِ ٱلْجَبَلِ. ٣٥فَقَالَ يُونَادَابُ لِلْمَلِكِ: «هُوَذَا بَنُو ٱلْمَلِكِ قَدْ جَاءُوا. كَمَا قَالَ عَبْدُكَ كَذَلِكَ صَارَ». ٣٦وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ ٱلْكَلَامِ إِذَا بِبَنِي ٱلْمَلِكِ قَدْ جَاءُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا، وَكَذَلِكَ بَكَى ٱلْمَلِكُ وَعَبِيدُهُ بُكَاءً عَظِيمًا جِدًّا.
١. قَدْ قَتَلَ أَبْشَالُومُ جَمِيعَ بَنِي ٱلْمَلِكِ، وَلَمْ يَتَبَقَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ: إنه لأمر ذو دلالة أن داود لم يستجب لهذه الأخبار السيئة بعدم التصديق. إذ أحس بأن أبشالوم كان قادرًا على فعل هذا الشر. فاستجاب داود بالنواح، لا بعدم التصديق.
٢. لَا يَظُنَّ سَيِّدِي أَنَّهُمْ قَتَلُوا جَمِيعَ ٱلْفِتْيَانِ بَنِي ٱلْمَلِكِ. إِنَّمَا أَمْنُونُ وَحْدَهُ مَاتَ: جلب يوناداب خبرًا ’سارًّا‘ أن أمنون وحده بين أبناء الملك هو الذي قُتل لأنه أَذَلَّ ثَامَارَ أُخْتَهُ. ويرجح أن يوناداب كان يطمع في رضا الملك بجلب أخبار مواتية له. لكن الله عرف أن يوناداب هو الذي حرّك مجرى الأحداث بنصيحته الشريرة لأمنون (٢ صموئيل ١٣: ٣-٥).
٣. وَكَذَلِكَ بَكَى ٱلْمَلِكُ وَعَبِيدُهُ بُكَاءً عَظِيمًا جِدًّا: تفجّع داود بحق عندما عرف أن بكره أمنون، وليّ العهد، مات. لكن عدم تقويمه لأمنون أسهم في مقتله. فلو أنه أجرى تقويمًا كتابيًّا وفق خروج ٢٢: ١٦-١٧ وتثنية ٢٢: ٢٨-٢٩، لما أحس أبشالوم بأنه حر في تنفيذ تقويمه الوحشي بنفسه.
· “ما كان قتْل أبشالوم لأمنون ليحدث لو أن داود اتّخذ إجراءات فورية لمعاقبة أمنون.” ماير (Meyer)
د ) الآيات (٣٧-٣٩): أبشالوم يهرب إلى جشور.
٣٧فَهَرَبَ أَبْشَالُومُ وَذَهَبَ إِلَى تِلْمَايَ بْنِ عَمِّيهُودَ مَلِكِ جَشُورَ. وَنَاحَ دَاوُدُ عَلَى ٱبْنِهِ ٱلْأَيَّامَ كُلَّهَا. ٣٨وَهَرَبَ أَبْشَالُومُ وَذَهَبَ إِلَى جَشُورَ، وَكَانَ هُنَاكَ ثَلَاثَ سِنِينَ. ٣٩وَكَانَ دَاوُدُ يَتُوقُ إِلَى ٱلْخُرُوجِ إِلَى أَبْشَالُومَ، لِأَنَّهُ تَعَزَّى عَنْ أَمْنُونَ حَيْثُ إِنَّهُ مَاتَ.