٢ صموئيل ١٤
عودة أبشالوم إلى أورشليم
أولًا. يوآب يتوسط من أجل أبشالوم.
أ ) الآيات (١-٣): خطة يوآب للمصالحة بين داود وأبشالوم.
١وَعَلِمَ يُوآبُ ٱبْنُ صَرُويَةَ أَنَّ قَلْبَ ٱلْمَلِكِ عَلَى أَبْشَالُومَ، ٢فَأَرْسَلَ يُوآبُ إِلَى تَقُوعَ وَأَخَذَ مِنْ هُنَاكَ ٱمْرَأَةً حَكِيمَةً وَقَالَ لَهَا: «تَظَاهَرِي بِٱلْحُزْنِ، وَٱلْبَسِي ثِيَابَ ٱلْحُزْنِ، وَلَا تَدَّهِنِي بِزَيْتٍ، بَلْ كُونِي كَٱمْرَأَةٍ لَهَا أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ تَنُوحُ عَلَى مَيْتٍ. ٣وَٱدْخُلِي إِلَى ٱلْمَلِكِ وَكَلِّمِيهِ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ». وَجَعَلَ يُوآبُ ٱلْكَلَامَ فِي فَمِهَا.
١. وَعَلِمَ يُوآبُ ٱبْنُ صَرُويَةَ أَنَّ قَلْبَ ٱلْمَلِكِ عَلَى أَبْشَالُومَ: أدرك يوآب ابن صروية أن قلب داود منشغل بابنه أبشالوم. ومن الواضح أن داود كان منزعجًا بسبب اغترابه عن ابنه هذا. وأدرك يوآب، القائد العام لجيش داود، هذا الأمر، وقرر أن يفعل شيئًا ليجمع داود وأبشالوم معًا.
· “بقيت علاقة أبشالوم بالملك في طريق مسدود، حيث لم يكن لأي منهما حافز روحي لكسر الجمود فيها.” بولدوين (Baldwin)
· نحن نعلم أن يوآب كان شديد الولاء لداود. وربما فعل هذا ليحمي داود. فقد اعتقد أن من الخطر أن يبقى أبشالوم مختبئًا بعيدًا في بلد بعيد، وأحس بأن أَسْلم شيء يمكن أن يفعله هو أن يحقق المصالحة بين الأب والابن.
٢. فَأَرْسَلَ يُوآبُ إِلَى تَقُوعَ وَأَخَذَ مِنْ هُنَاكَ ٱمْرَأَةً حَكِيمَةً: قرر يوآب أن يليّن قلب داود تجاه أبشالوم. فجلب أرملة أمامه بقصة اغتراب مماثلة عن ابنها.
ب) الآيات (٤-١١): تروي المرأة التقوعية قصة لابن ميت ولابن مهدد بالموت.
٤كَلَّمَتِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلتَّقُوعِيَّةُ ٱلْمَلِكَ، وَخَرَّتْ عَلَى وَجْهِهَا إِلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَتْ وَقَالَتْ: «أَعِنْ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ». ٥فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلِكُ: «مَا بَالُكِ؟» فَقَالَتْ: «إِنِّي ٱمْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ. قَدْ مَاتَ رَجُلِي. ٦وَلِجَارِيَتِكَ ٱبْنَانِ، فَتَخَاصَمَا فِي ٱلْحَقْلِ وَلَيْسَ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا ٱلْآخَرَ وَقَتَلَهُ. ٧وَهُوَذَا ٱلْعَشِيرَةُ كُلُّهَا قَدْ قَامَتْ عَلَى جَارِيَتِكَ وَقَالُوا: سَلِّمِي ضَارِبَ أَخِيهِ لِنَقْتُلَهُ بِنَفْسِ أَخِيهِ ٱلَّذِي قَتَلَهُ، فَنُهْلِكَ ٱلْوَارِثَ أَيْضًا. فَيُطْفِئُونَ جَمْرَتِي ٱلَّتِي بَقِيَتْ، وَلَا يَتْرُكُونَ لِرَجُلِي ٱسْمًا وَلَا بَقِيَّةً عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ». ٨فَقَالَ ٱلْمَلِكُ لِلْمَرْأَةِ: «ٱذْهَبِي إِلَى بَيْتِكِ وَأَنَا أُوصِي فِيكِ». ٩فَقَالَتِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلتَّقُوعِيَّةُ لِلْمَلِكِ: «عَلَيَّ ٱلْإِثْمُ يَا سَيِّدِي ٱلْمَلِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي، وَٱلْمَلِكُ وَكُرْسِيُّهُ نَقِيَّانِ». ١٠فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «إِذَا كَلَّمَكِ أَحَدٌ فَأْتِي بِهِ إِلَيَّ فَلَا يَعُودَ يَمَسُّكِ بَعْدُ». ١١فَقَالَتِ: «ٱذْكُرْ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ حَتَّى لَا يُكَثِّرَ وَلِيُّ ٱلدَّمِ ٱلْقَتْلَ، لِئَلَّا يُهْلِكُوا ٱبْنِي». فَقَالَ: “حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، إِنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ ٱبْنِكِ إِلَى ٱلْأَرْضِ.”
١. أَعِنْ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ: في إسرائيل القديمة، كان الذين يشعرون بأن القضاة المحليين لا ينصفونهم في قضاياهم، كانوا يذهبون إلى محكمة الملك نفسه.
٢. سَلِّمِي ضَارِبَ أَخِيهِ لِنَقْتُلَهُ بِنَفْسِ أَخِيهِ ٱلَّذِي قَتَلَهُ: أشارت المرأة التقوعية إلى عادة وليّ الدم الذي تقع عليه مسؤولية الانتقام لمقتل أحد أفراد العائلة.
· كانت تهدف مدن الملجأ المذكورة في عدد ٣٥: ٩-٣٤ إلى حماية شخص مذنب بالقتل غير العمَد من أن يُقتل على يد ولي الدم قبل أن تُسمع قضيته بشكل سليم.
٣. لَا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ ٱبْنِكِ إِلَى ٱلْأَرْضِ: كان هذا هو ما انتظرته المرأة التقوعية – ويوآب من ورائها – أن تسمعه. فبقول داود هذا، تجاهل العدالة من أجل التعاطف والولاء العائليين في العلاقات الشخصية. وإنه لأمر جيد ومجيد أن نكون كرماء بالغفران والرحمة عندما يُساء إلينا. لكن كانت لدى داود مسؤوليته كملك ورئيس لقضاة إسرائيل. وعندما جُرّب بإهمال هذه المسؤولية، أهملها بالفعل.
· “لقد ضَمِن السلامة على حساب العدالة. وعلى الفور، اصطادته المرأة التقوعية بعيدة النظر قي فخها.” ريدباث (Redpath)
· جعلت عوامل احتكام المرأة ناجحًا.
- كانت أرملة، ما يستدعي التعاطف معها.
- كانت تعيش بعيدًا عن أورشليم، ما يَصْعُب عليها أن تعرف معطيات القضية أو الاستفسار عنها.
- كانت كبيرة السن، وهو أمر يعطيها مزيدًا من الكرامة في قصّتها.
- كانت ترتدي لباس الحداد لزيادة التأثير.
- رفعت إلى داود قضية اغتراب العائلة.
- جلبت قضية لم تكن مشابهة جدًّا لئلا تثير شكوك الملك.
ج) الآيات (١٢-١٧): تطبق المرأة التقوعية قصتها على داود وأبشالوم.
١٢فَقَالَتِ ٱلْمَرْأَةُ: «لِتَتَكَلَّمْ جَارِيَتُكَ كَلِمَةً إِلَى سَيِّدِي ٱلْمَلِكِ». فَقَالَ: «تَكَلَّمِي» ١٣فَقَالَتِ ٱلْمَرْأَةُ: «وَلِمَاذَا ٱفْتَكَرْتَ بِمِثْلِ هَذَا ٱلْأَمْرِ عَلَى شَعْبِ ٱللهِ؟ وَيَتَكَلَّمُ ٱلْمَلِكُ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ كَمُذْنِبٍ بِمَا أَنَّ ٱلْمَلِكَ لَا يَرُدُّ مَنْفِيَّهُ. ١٤لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ نَمُوتَ وَنَكُونَ كَٱلْمَاءِ ٱلْمُهْرَاقِ عَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّذِي لَا يُجْمَعُ أَيْضًا. وَلَا يَنْزِعُ ٱللهُ نَفْسًا بَلْ يُفَكِّرُ أَفْكَارًا حَتَّى لَا يُطْرَدَ عَنْهُ مَنْفِيُّهُ. ١٥وَٱلْآنَ حَيْثُ إِنِّي جِئْتُ لِأُكَلِّمَ ٱلْمَلِكَ سَيِّدِي بِهَذَا ٱلْأَمْرِ، لِأَنَّ ٱلشَّعْبَ أَخَافَنِي، فَقَالَتْ جَارِيَتُكَ: أُكَلِّمُ ٱلْمَلِكَ لَعَلَّ ٱلْمَلِكَ يَفْعَلُ كَقَوْلِ أَمَتِهِ. ١٦لِأَنَّ ٱلْمَلِكَ يَسْمَعُ لِيُنْقِذَ أَمَتَهُ مِنْ يَدِ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُهْلِكَنِي أَنَا وَٱبْنِي مَعًا مِنْ نَصِيبِ ٱللهِ. ١٧فَقَالَتْ جَارِيَتُكَ: لِيَكُنْ كَلَامُ سَيِّدِي ٱلْمَلِكِ عَزَاءً، لِأَنَّهُ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ إِنَّمَا هُوَ كَمَلَاكِ ٱللهِ لِفَهْمِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ، وَٱلرَّبُّ إِلَهُكَ يَكُونُ مَعَكَ.
١. أَنَّ ٱلْمَلِكَ لَا يَرُدُّ مَنْفِيَّهُ: تكلمت المرأة التقوعية بجسارة إلى داود، مواجِهةً إياه بخطيته في عدم المبادرة إلى التصالح مع أبشالوم. ولأن أبشالوم كان مغتربًا عن داود، وتعاظمت مرارته، صار تهديدًا لإسرائيل، وقد سمح داود بهذا – (وَلِمَاذَا ٱفْتَكَرْتَ بِمِثْلِ هَذَا ٱلْأَمْرِ عَلَى شَعْبِ ٱللهِ).
· كانت لدى داود بعض المسؤولية في المبادرة إلى المصالحة. فلو أنه فاتح أبشالوم في الأمر، ربما رُفضت مبادرته، لكن كانت لديه مسؤولية المحاولة. وكانت لداود كرئيس قضاة إسرائيل مسؤولية المبادرة إلى التصالح وإجرائها بشكل سليم. لكنه لم ينجح في هذا.
· “إنه مستعد للعفو عن أحد أدنى رعاياه عن قتل أخيه في قصة المرأة التقوعية. وهو الآن غير مستعد لمسامحة ابنه أبشالوم الذي ترغب الأمّة كلها في استرداده.” كلارك (Clarke)
٢. لَا بُدَّ أَنْ نَمُوتَ وَنَكُونَ كَٱلْمَاءِ ٱلْمُهْرَاقِ عَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّذِي لَا يُجْمَعُ أَيْضًا: تحدّثت المرأة التقوعية لداود حول إلحاح مسألة المصالحة. “يا داود، سنموت كلنا، وعندئذٍ سنفوّت فرصة المصالحة المتاحة الآن.”
٣. يُفَكِّرُ أَفْكَارًا حَتَّى لَا يُطْرَدَ عَنْهُ مَنْفِيُّهُ: عنت المرأة التقوعية: “جِدْ طريقة لفعل هذا، أيها الملك. فالله لا يعدم وسيلة لاسترداد أبنائه المنفيين.” صحيح أن الله يجد طريقة، لكن ليس على حساب العدالة. فالله يصالحنا بإرضاء عدالته، لا بتجاهلها.
· هذا هو أحد أفضل النصوص التي تحمل رسالة الإنجيل في العهد القديم. إن كنا تحت تأديب الله، ربما نحس بأننا مُبعَدون عنه. لكن يمكن أن نضع أنفسنا مكان منفييه، حيث ننتمي إليه، ونثق بأنه سيردّنا إليه ثانية.
· لقد أعد الله طريقة ليعيد من خلالها المنفيين إليه، حتى لا يطردوا عنه ثانية. والطريق هو من خلال شخص المسيح وعمله، والطريقة التي وقف بها مكان الخطاة المذنبين وهو معلق على الصليب ليتلقّى العقاب الذي نستحقه.
د ) الآيات (١٨-٢٠): داود يسأل المرأة التقوعية إن كان يوآب وراء هذه القصة.
١٨فَأَجَابَ ٱلْمَلِكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «لَا تَكْتُمِي عَنِّي أَمْرًا أَسْأَلُكِ عَنْهُ». فَقَالَتِ ٱلْمَرْأَةُ: «لِيَتَكَلَّمْ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ». ١٩فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «هَلْ يَدُ يُوآبَ مَعَكِ فِي هَذَا كُلِّهِ؟» فَأَجَابَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَقَالَتْ: «حَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ يَا سَيِّدِي ٱلْمَلِكَ، لَا يُحَادُ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا عَنْ كُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ، لِأَنَّ عَبْدَكَ يُوآبَ هُوَ أَوْصَانِي، وَهُوَ وَضَعَ فِي فَمِ جَارِيَتِكَ كُلَّ هَذَا ٱلْكَلَامِ. ٢٠لِأَجْلِ تَحْوِيلِ وَجْهِ ٱلْكَلَامِ فَعَلَ عَبْدُكَ يُوآبُ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَسَيِّدِي حَكِيمٌ كَحِكْمَةِ مَلَاكِ ٱللهِ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي ٱلْأَرْضِ.
١. هَلْ يَدُ يُوآبَ مَعَكِ فِي هَذَا كُلِّهِ؟: عرف داود بطريقة ما أن خطة بهذه الدقة لا بد أن تأتي من يوآب.
٢. هُوَ وَضَعَ فِي فَمِ جَارِيَتِكَ كُلَّ هَذَا ٱلْكَلَامِ: رتّب يوآب لكل هذا بدقّة. إذ عرف أي وتر يعزف عليه في قلب داود. كان يوآب مخْلِصًا لداود، لكنه لم يكن بلا أنانية.
هـ) الآيات (٢١-٢٤): أبشالوم يرجع إلى أورشليم، لكن لا إلى داود.
٢١قَالَ ٱلْمَلِكُ لِيُوآبَ: «هَأَنَذَا قَدْ فَعَلْتُ هَذَا ٱلْأَمْرَ، فَٱذْهَبْ رُدَّ ٱلْفَتَى أَبْشَالُومَ». ٢٢فَسَقَطَ يُوآبُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ وَبَارَكَ ٱلْمَلِكَ، وَقَالَ يُوآبُ: «ٱلْيَوْمَ عَلِمَ عَبْدُكَ أَنِّي قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي ٱلْمَلِكَ، إِذْ فَعَلَ ٱلْمَلِكُ قَوْلَ عَبْدِهِ». ٢٣ثُمَّ قَامَ يُوآبُ وَذَهَبَ إِلَى جَشُورَ وَأَتَى بِأَبْشَالُومَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ٢٤فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «لِيَنْصَرِفْ إِلَى بَيْتِهِ وَلَا يَرَ وَجْهِي». فَٱنْصَرَفَ أَبْشَالُومُ إِلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَرَ وَجْهَ ٱلْمَلِكِ.
١. فَٱذْهَبْ رُدَّ ٱلْفَتَى أَبْشَالُومَ: حصل يوآب على ما أراده وما اعتقده الأفضل لأمّة إسرائيل، لأن المصالحة بين الملك وأبشالوم ستمنع تمرُّدًا.
٢. لِيَنْصَرِفْ إِلَى بَيْتِهِ وَلَا يَرَ وَجْهِي: كان داود مفرطًا في التساهل مع أبنائه في الماضي (حيث غضب لكن لم يفعل شيئًا ضد أمنون في ٢ صموئيل ١٣: ٢١). وهو الآن مفرط في قسوته مع أبشالوم، رافضًا أن يراه بعد سبيه مدة ثلاث سنوات (٢ صموئيل ١٣: ٣٨).
· عندما لا يؤدب الآباء والأمهات أبناءهم منذ البداية، فإنهم يميلون إلى الإفراط في التعويض عن هذا باسم ’الصرامة‘ أو الحزم. وغالبًا ما يدفع هذا الأبناء إلى الغيظ الشديد (أفسس ٦: ٤) ويجعل العلاقة بين الأبناء والآباء أسوأ.
ثانيًا. أبشالوم يدخل إلى محضر أبيه.
أ ) الآيات (٢٥-٢٧): مظهر أبشالوم الجميل.
٢٥وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ جَمِيلٌ وَمَمْدُوحٌ جِدًّا كَأَبْشَالُومَ، مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ حَتَّى هَامَتِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ. ٢٦وَعِنْدَ حَلْقِهِ رَأْسَهُ، إِذْ كَانَ يَحْلِقُهُ فِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ، لِأَنَّهُ كَانَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ فَيَحْلِقُهُ، كَانَ يَزِنُ شَعْرُ رَأْسِهِ مِئَتَيْ شَاقِلٍ بِوَزْنِ ٱلْمَلِكِ. ٢٧وَوُلِدَ لِأَبْشَالُومَ ثَلَاثَةُ بَنِينَ وَبِنْتٌ وَاحِدَةٌ ٱسْمُهَا ثَامَارُ، وَكَانَتِ ٱمْرَأَةً جَمِيلَةَ ٱلْمَنْظَرِ.
١. وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ جَمِيلٌ وَمَمْدُوحٌ جِدًّا كَأَبْشَالُومَ: يبدأ هذا شرحًا لسبب شعبية أبشالوم في إسرائيل. وقد سبق أن انجذبت إسرائيل إلى شاول بسبب وسامته (١ صموئيل ٩: ٢).
· كان أبشالوم ذا مصير سياسي. كان الابن الثالث لداود (٢ صموئيل ٣: ٢-٥). وقد غاب البكر أمنون، ولا نسمع شيئًا عن الابن الثاني كيلآب. ومن المحتمل أن أبشالوم صار الآن ولي العهد، أي التالي في خط العرش.
٢. كَانَ يَزِنُ شَعْرُ رَأْسِهِ مِئَتَيْ شَاقِلٍ: كان شعر أبشالوم غزيرًا. وكان يصل وزنه عند قصّه كل سنة حوالي خمسة أرطال ونصف الرطل الأمريكي.
· كان أبشالوم معتزًّا بشعره الطويل كثيرًا، وقد فقد حياته بسببه.” ريدباث (Redpath)
٣. وَوُلِدَ لِأَبْشَالُومَ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ ٱسْمُهَا ثَامَارُ: كان أبشالوم رجلًا ذا مشاعر عميقة. وقد تعاطف مع أخته تامار وأطلق على ابنته اسمها.
ب) الآيات (٢٨-٣٢): رفْض دخول أبشالوم إلى محضر الملك.
٢٨وَأَقَامَ أَبْشَالُومُ فِي أُورُشَلِيمَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَرَ وَجْهَ ٱلْمَلِكِ. ٢٩فَأَرْسَلَ أَبْشَالُومُ إِلَى يُوآبَ لِيُرْسِلَهُ إِلَى ٱلْمَلِكِ، فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا ثَانِيَةً، فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْتِيَ. ٣٠فَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «ٱنْظُرُوا. حَقْلَةَ يُوآبَ بِجَانِبِي، وَلَهُ هُنَاكَ شَعِيرٌ. ٱذْهَبُوا وَأَحْرِقُوهُ بِٱلنَّارِ». فَأَحْرَقَ عَبِيدُ أَبْشَالُومَ ٱلْحَقْلَةَ بِٱلنَّارِ. ٣١فَقَامَ يُوآبُ وَجَاءَ إِلَى أَبْشَالُومَ إِلَى ٱلْبَيْتِ وَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا أَحْرَقَ عَبِيدُكَ حَقْلَتِي بِٱلنَّارِ؟» ٣٢فَقَالَ أَبْشَالُومُ لِيُوآبَ: «هَأَنَذَا قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ قَائِلًا: تَعَالَ إِلَى هُنَا فَأُرْسِلَكَ إِلَى ٱلْمَلِكِ تَقُولُ: لِمَاذَا جِئْتُ مِنْ جَشُورَ؟ خَيْرٌ لِي لَوْ كُنْتُ بَاقِيًا هُنَاكَ. فَٱلْآنَ إِنِّي أَرَى وَجْهَ ٱلْمَلِكِ، وَإِنْ وُجِدَ فِيَّ إِثْمٌ فَلْيَقْتُلْنِي.”
١. وَأَقَامَ أَبْشَالُومُ فِي أُورُشَلِيمَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَرَ وَجْهَ ٱلْمَلِكِ: يمكننا أن نتخيل أن أبشالوم ازداد مرارة أثناء هذه الفترة. صحيح أنه قد صولح مع أبيه داود، لكنه صولح جزئيًّا فقط. فلم تكن المصالحة المقدمة من داود كاملة.
· نُفي أبشالوم من إسرائيل لأنه اغتال أخاه أمنون (٢ صموئيل ١٣)، غير أنه أحس بأنه مبرر في قتل الرجل الذي اغتصب أخته. فجعل إحساسه بالتبرير المرارة أكثر حدّة.
٢. ٱنْظُرُوا. حَقْلَةَ يُوآبَ بِجَانِبِي، وَلَهُ هُنَاكَ شَعِيرٌ. ٱذْهَبُوا وَأَحْرِقُوهُ بِٱلنَّارِ: كان أبشالوم محبطًا تمامًا لأنه لم يكن بمقدوره أن يرى أباه الملك، فقام بإحراق حقول شعير يوآب لجذب الانتباه إليه. ويبيّن هذا مدى وحشية أبشالوم وافتقاره إلى الأخلاق.
· يصعُب التفكير في تباين أكبر من ذاك الذي بين أبشالوم والابن الضال في مثل يسوع. إذ رجع الابن الضال متواضعًا وتائبًا، بينما رجع أبشالوم ليحرق حقول يوآب.
· وفي الوقت نفسه، يجذب الله اهتمامنا بحرق “حقول شعيرنا”. “عندما يعرف أنه لا يحصل على مُراده بأية طريقة أخرى، فإنه يرسل محنة كبيرة، فيشعل حقول شعيرنا. وهو محق في فعل هذا حتى يرى أن حقول الشعير هي له أكثر بكثير مما هي لنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَإِنْ وُجِدَ فِيَّ إِثْمٌ فَلْيَقْتُلْنِي: تبيّن هذه العبارة إحساس أبشالوم بأنه مبرر تمامًا في ما فعله.
ج) الآية (٣٣): داود يستقبل أبشالوم.
٣٣فَجَاءَ يُوآبُ إِلَى ٱلْمَلِكِ وَأَخْبَرَهُ. وَدَعَا أَبْشَالُومَ، فَأَتَى إِلَى ٱلْمَلِكِ وَسَجَدَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ قُدَّامَ ٱلْمَلِكِ، فَقَبَّلَ ٱلْمَلِكُ أَبْشَالُومَ.
١. فَجَاءَ يُوآبُ إِلَى ٱلْمَلِكِ وَأَخْبَرَهُ: بقدر ما كان ما فعله أبشالوم وحشيًّا وغير أخلاقي، إلا أنه نجح. إذ جذب إحراق حقول يوآب انتباهه، وجعله يتوسط له لدى داود.
٢. فَأَتَى إِلَى ٱلْمَلِكِ وَسَجَدَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ قُدَّامَ ٱلْمَلِكِ، فَقَبَّلَ ٱلْمَلِكُ أَبْشَالُومَ: خضع أبشالوم لداود خارجيًّا، لكن سنوات الرفض من طرف داود تركت مرارة شديدة في نفس أبشالوم. وقد انعكس هذا سلبيًّا على داود وأبشالوم وإسرائيل كلها.
٣. فَقَبَّلَ ٱلْمَلِكُ أَبْشَالُومَ: قدم داود غفرانًا من دون توبة من جانب أبشالوم ومن دون حل للخطأ الذي قام به. وفي العلاقات الشخصية، غالبًا ما تكون القبلة علامة على المحبة واللطف وتجاهُل الإساءة. تقول أمثال ١٠: ١٢: “اَلْبُغْضَةُ تُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ، وَٱلْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ ٱلذُّنُوبِ.” لكن، بصفته ملكًا على إسرائيل، كان الأمر أكثر من مجرد مسألة شخصية. إذ كان رئيس قضاة إسرائيل، وقد عفا عن كل جرائم أبشالوم الواضحة.
· “كان عليه أن يركله بدلًا من أن يقبّله، فلا أن يقسّيه لمزيد من النذالة.” تراب (Trapp)
· “كان غفران داود لأبشالوم غير كافٍ على الإطلاق، ما أدى إلى مزيد من تفشّي الخطية. لكن غفران الله لنفس إنسان كافٍ تمامًا، وهو رادع للاستمرار في الخطية.” ريدباث (Redpath)
· “ليكتب الله هذا على نفسك: إن كان الغفران الذي تريده هو أن يتغاضى الله عن خطيتك، فإنه لن يعطيك إياه.” ريدباث (Redpath)