٢ صموئيل ٢٢
تسبيحة حمد لداود
أولًا. الجزء الأول: حمد، وإنقاذ، والسبب وراء الإنقاذ.
أ ) الآية (١): مقدمة للمزمور.
١وَكَلَّمَ دَاوُدُ ٱلرَّبَّ بِكَلَامِ هَذَا ٱلنَّشِيدِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أَنْقَذَهُ فِيهِ ٱلرَّبُّ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِ وَمِنْ يَدِ شَاوُلَ.
١. وَكَلَّمَ دَاوُدُ ٱلرَّبَّ بِكَلَامِ هَذَا ٱلنَّشِيدِ: يفترض معظم المفسرين، لأسباب كثيرة، أن داود كتب هذا المزمور وغنّاه قبل سنوات كثيرة من هذا الوقت، وأنه موضوع في نهاية صموئيل الثاني خارج ترتيبه الزمني. وهذا أمر ممكن، لكنه ليس ضروريًّا.
· “يظهر هذا المزمور على أنه كلمات داود الأخيرة تقريبًا. وهو بالتالي خلاصة شكر لله على المرات الكثيرة التي أنقذه فيها عبر حياته الطويلة في الخدمة.” بويس (Boice)
٢. بِكَلَامِ هَذَا ٱلنَّشِيدِ: هذا هو نفس المزمور ١٨ مع اختلافات طفيفة. ومن المحتمل أن داود ألّف هذه الترنيمة عندما كان شابًّا، أو عندما مات شاول، أو عندما نظر إلى العرش لأول مرة كما هو مذكور في ٢ صموئيل ٨: ١٤، أو عندما أخضع كل أعدائه وحفظه الرب حيثما ذهب. ومع ذلك، كان بإمكان داود في شيخوخته أن ينظر إلى الوراء بامتنان كبير ويرنم هذه الترنيمة مرة أخرى، ناظرًا إلى حياته كلها.
· هذا المزمور ملخص رائع لمعدن داود الأخلاقي كله ونظرته عبر حياته. “شكلت قناعاته بسيادة الرب المطلقة، وبقدرته الكلية على الإنقاذ، وبضرورة الطاعة لشريعة الرب، والتأكيد أن الله يعمل من أجل شعبه في حالة الطاعة هذه – القوة الكامنة وراء معدن داود الأخلاقي. مورجان (Morgan)
· “لدينا شكل آخر من هذا المزمور بتنويعات ذات دلالة…ويوحي هذا بفكرة أن داود رنمها في أوقات مختلفة عند مراجعة تاريخه الرائع وملاحظة يد الله الكريمة في هذا كله.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٢-٤): داود يحمد الله على إنقاذه.
٢فَقَالَ: اَلرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي، ٣إِلَهُ صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلَاصِي. مَلْجَإِي وَمَنَاصِي. مُخَلِّصِي، مِنَ ٱلظُّلْمِ تُخَلِّصُنِي. ٤أَدْعُو ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي.
١. صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي: يكوّم داود ألقاب الله واحدًا تلو الآخر في تسبيح وحمد لله. إذ كان عمل الله في داود كبيرًا وشاملًا حتى أنه لا يمكن احتواؤه في لقب واحد فقط.
· “يتعزز الإحساس بالحق في الجملة الافتتاحية، وهو الذي أكدناه، من خلال الضمير المتصل (الياء في صخرتي وحصني ومنقذي). ومن خلال هذا يكشف المرنم أن كل ما احتفل به في الترنيمة هو أكثر من نظرية. إذ كان اختبارًا.” مورجان (Morgan)
· اختبر داود إنقاذ الرب:
- أنقذ الله داود من جليات.
- أنقذ الله داود من شاول.
- أنقذ الله داود من الارتداد.
- أنقذ الله داود من أعداء إسرائيل.
- أنقذ الله داود من أبشالوم.
- أنقذ الله داود من رغباته القوية الآثمة.
٢. بِهِ أَحْتَمِي (عليه أتكل): عندما نرى الله كما هو، يسهُل علينا أن نثق به ونتكل عليه. فعندما نعرف أنه صخرتنا وحصننا ومنقذنا وتُرسنا ومخلّصنا، فإن من الطبيعي أن نتكل عليه بشكل كامل.
· لا يعتمد الإيمان على المعرفة بشكل كلي، لكن المعرفة السليمة بالله تمنح الإيمان قوة.
٣. مُخَلِّصِي… تُخَلِّصُنِي: كان لكل لقب معنى لداود، لأن الله حقّق معنى كل لقب في خبرة داود. فليست هذه قائمة بأسماء لله يمكن للمرء أن يجدها في علم اللاهوت النظامي. بل هي معرفة بالله ممزوجة بخبرة صحيحة به.
٤. أَدْعُو ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ: “إنه لأمر حسن أن نصلي إلى الله الذي يستحق الحمد (ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ)، لأننا بهذا نتضرع بفرح وثقة. فإن كنت أشعر بأني أستطيع بالفعل أن أبارك الرب على صلاحه في الماضي، فإني سأكون جسورًا في طلب أمور عظيمة منه.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٥-٢٠): إنقاذ داود يأتي من الرب.
٥لِأَنَّ أَمْوَاجَ ٱلْمَوْتِ ٱكْتَنَفَتْنِي. سُيُولُ ٱلْهَلَاكِ أَفْزَعَتْنِي. ٦حِبَالُ ٱلْهَاوِيَةِ أَحَاطَتْ بِي. شُرُكُ ٱلْمَوْتِ أَصَابَتْنِي. ٧فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ، وَإِلَى إِلَهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي دَخَلَ أُذُنَيْهِ. ٨فَٱرْتَجَّتِ ٱلْأَرْضُ وَٱرْتَعَشَتْ. أُسُسُ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱرْتَعَدَتْ وَٱرْتَجَّتْ، لِأَنَّهُ غَضِبَ. ٩صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ مِنْ فَمِهِ أَكَلَتْ. جَمْرٌ ٱشْتَعَلَتْ مِنْهُ. ١٠طَأْطَأَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. ١١رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ، وَطَارَ وَرُئِيَ عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلرِّيحِ. ١٢جَعَلَ ٱلظُّلْمَةَ حَوْلَهُ مِظَلَّاتٍ، مِيَاهًا حَاشِكَةً وَظَلَامَ ٱلْغَمَامِ. ١٣مِنَ ٱلشُّعَاعِ قُدَّامَهُ ٱشْتَعَلَتْ جَمْرُ نَارٍ. ١٤أَرْعَدَ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَٱلْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ. ١٥أَرْسَلَ سِهَامًا فَشَتَّتَهُمْ، بَرْقًا فَأَزْعَجَهُمْ. ١٦فَظَهَرَتْ أَعْمَاقُ ٱلْبَحْرِ، وَٱنْكَشَفَتْ أُسُسُ ٱلْمَسْكُونَةِ مِنْ زَجْرِ ٱلرَّبِّ، مِنْ نَسْمَةِ رِيحِ أَنْفِهِ. ١٧أَرْسَلَ مِنَ ٱلْعُلَى فَأَخَذَنِي، نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. ١٨أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّيَ ٱلْقَوِيِّ، مِنْ مُبْغِضِيَّ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنِّي. ١٩أَصَابُونِي فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي، وَكَانَ ٱلرَّبُّ سَنَدِي. ٢٠أَخْرَجَنِي إِلَى ٱلرَّحْبِ. خَلَّصَنِي لِأَنَّهُ سُرَّ بِي.
١. أَمْوَاجَ… سُيُولُ… شُرُكُ: أحاط الخطر بداود من كل جانب – جسميًّا، وروحيًّا، وعاطفيًّا، واجتماعيًّا. وكان على وشك الانهيار عندما صرخ إلى الرب.
٢. فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ: يريدنا عدو النفوس أن نصدق أننا لا نستطيع أن نصرخ إلى الرب في ضيقنا، كما لو أنه ينبغي أن نكون على علاقة سليمة بالله ونجلس بهدوء وسلام في كنيسة لنصلي بشكل سليم. وقد عرف داود أن الله يسمع علامات ضيقنا.
٣. فَسَمِعَ … صَوْتِي: كان الأمر بالنسبة لداود بهذه البساطة. فقد صرخ إلى الرب، فسمعه. وعرف داود أن الله لا يستطيع أن يسمع ضيق شعبه من دون أن يتحرك للعمل من أجلهم.
٤. فَٱرْتَجَّتِ ٱلْأَرْضُ: كان الله مهتمًّا بمشكلة داود حتى أنه بدا لداود كما لو أن الأرض ارتجّت لتلبية احتياجه.
· “إن الأمر الأكثر مدعاة للإعجاب هو الأسلوب الرائع الذي يصف به صاحب المزمور الله وهو يقوم من عرشه في السماء استجابة لصراخ عبده، فيشق السحاب وينزل ليقاتل معارك الملك مع زلازل ورعود وبروق وعواصف.” بويس (Boice)
٥. رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ، وَطَارَ: تَصوَّر داود الرب آتيًا لتلبية احتياجه بمجد وبسرعة. فقد جاء بسرعة كبيرة حتى أنه بدا لداود أن الرب يركب على أجنحة الريح.
· “في أصل هذا المقطع الرائع، هنالك ارتباط جميل بشكل مذهل بين المعنى والصوت…حيث يتم التعبير عن تصفيق الجناح والإثارة والاندفاع عبر الهواء بطريقة استثنائية جدًّا.” كلارك (Clarke)
٦. وَٱلْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ: عندما جاء الله، تكلّم من أجل داود آمِرًا الخليقة كلها للاستجابة لرغبته في إتقاذ ابنه.
· كل هذا انعكاس لثقة داود بمحبة الله. إذ يرى داود إلهًا محبًّا جدًّا حتى أنه لا يتسامح مع ضيق محبوبه. فعندما لا تكون الأمور مناسبة لمحبوبه، ستعمل كل الخليقة على تلبية شغف الله وإلحاح حاجة محبوبه.
٧. فَأَخَذَنِي، نَشَلَنِي… أَنْقَذَنِي: رأى داود أن الله يستخدم كل هذا الجلال والقوة لتلبية احتياجه.
٨. أَقْوَى مِنِّي… وَكَانَ ٱلرَّبُّ سَنَدِي: عرف داود أن الانتصار هو بيد الرب، لا ببراعته أو قدرته الشخصية. فمن دون الرب، سيسقط داود.
· خَلَّصَنِي لِأَنَّهُ سُرَّ بِي: أحس داود بأن الله سُرَّ به، فكان توسُّله من أجل الإنقاذ متجذرة في علاقة به، لا في مجرد رغبة في البقاء.
د ) الآيات (٢١-٢٥): لماذا خلّص الله داود.
٢١يُكَافِئُنِي ٱلرَّبُّ حَسَبَ بِرِّي. حَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ يَرُدُّ عَلَيَّ. ٢٢لِأَنِّي حَفِظْتُ طُرُقَ ٱلرَّبِّ، وَلَمْ أَعْصِ إِلَهِي. ٢٣لِأَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ أَمَامِي، وَفَرَائِضُهُ لَا أَحِيدُ عَنْهَا. ٢٤وَأَكُونُ كَامِلًا لَدَيْهِ، وَأَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي. ٢٥فَيَرُدُّ ٱلرَّبُّ عَلَيَّ كَبِرِّي، وَكَطَهَارَتِي أَمَامَ عَيْنَيْ.
١. حَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ: بسبب هذه الكلمات، يعتقد كثيرون أنه ما كان بمقدور داود أن يرنم هذا المزمور بعد خطيته مع بثشبع. غير أن النص يبدو أنه يشير إلى أن داود رنّمه نحو نهاية حياته (٢ صموئيل ٢٢: ١).
· يمكننا القول إن إن داود صدّق ببساطة ما أخبره النبي يوناثان في ٢ صموئيل ١٢: ١٣ ’ٱلرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ.‘ عرف داود أنه رجل مغفور له، وأن طهارة يديه جاءت لأن الله طهّرهما، لا لأنهما لم تتسخا قط.
· “إذا كان لنا أن نذكّر داود بخطيته مع بثشبع، فسيقول هذا كتوضيح وبرهان لهذا المبدأ.. لقد عانى كثيرًا وبطرق متنوعة نتيجة لتلك الخطية العظيمة. لكن رغم أن هذا حدث، تمامًا كما ارتكبنا جميعًا تعديات مماثلة، إلا أنه كان بشكل عام رجلًا بحسب قلب الرب ومبارَكًا من الله بشكل عظيم.” بويس (Boice)
٢. حَفِظْتُ طُرُقَ ٱلرَّبِّ… وَأَكُونُ كَامِلًا لَدَيْهِ: لا يدّعي داود أنه كان كاملًا بلا خطية. إذ تحدَّث عن بره العام، وعن بره في تباين مع شر أعدائه.
· “كان الرجل الذي بحسب الله خاطئًا متواضعًا أمام الرب. لكنه أمام افتراءات أعدائه، كان بإمكانه أن يتحدث بثقة ومن دون خجل عن “طهارة يديه” وحياته البارّة.” سبيرجن (Spurgeon)
· يمكننا أن نأتي إلى الله في الصلاة بنفس هذا التصريح، لكن ليس على أساس برّنا الخاص، لكن على أساس البر الذي لنا في يسوع المسيح (١ كورنثوس ١: ٣٠ و٢ كورنثوس ٥: ٢١).
٣. وَأَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي: يعتقد بعضهم أن هذا يمثل غطرسة وكبرياء من جانب داود. فقد اقتبس سبيرجن (Spurgeon) كلام مفسر قال: “حفِظ (حرِس) نفسه؟ من الذي جعل الإنسان حافظًا (حارسًا) لنفسه؟” ومع ذلك، فإننا نعلم أن هنالك معنى بموجبه يتوجب علينا أن نحفظ أنفسنا من الخطية، كما تحدَّث بولس عن تطهير الإنسان لنفسه لمجد الله ولخدمة أعظم (٢ تيموثاوس ٢: ٢١).
ثانيًا. الجزء الثاني: سبب الإنقاذ، والإنقاذ، والحمد.
أ ) الآيات (٢٦-٣٠): لماذا خلّص الرب داود.
٢٦مَعَ ٱلرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيمًا. مَعَ ٱلرَّجُلِ ٱلْكَامِلِ تَكُونُ كَامِلًا. ٢٧مَعَ ٱلطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِرًا، وَمَعَ ٱلْأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا. ٢٨وَتُخَلِّصُ ٱلشَّعْبَ ٱلْبَائِسَ، وَعَيْنَاكَ عَلَى ٱلْمُتَرَفِّعِينَ فَتَضَعُهُمْ. ٢٩لِأَنَّكَ أَنْتَ سِرَاجِي يَارَبُّ، وَٱلرَّبُّ يُضِيءُ ظُلْمَتِي. ٣٠لِأَنِّي بِكَ ٱقْتَحَمْتُ جَيْشًا. بِإِلَهِي تَسَوَّرْتُ أَسْوَارًا.
١. مَعَ ٱلرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيمًا: تناول يسوع هذا المبدأ في العظة على الجبل من منظور الإنسان، لا من منظور الله. “لِأَنَّكُمْ بِٱلدَّيْنُونَةِ ٱلَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ” (متى ٧: ٢).
· “في هذه الكلمات كشفْنا مبادئ علاقة الله بالإنسان. فالله هو للإنسان نفس ما هو الإنسان لله.” مورجان (Morgan)
· لم يتغنَّ داود بهذا المبدأ فحسب، بل عاشه واستفاد منه. فقد أظهر الله رحمة عظيمة لداود لأن داود أظهر رحمة عظيمة لآخرين، مثل شاول (١ صموئيل ٢٤: ١٠-١٣)، وشمعي (٢ صموئيل ١٦: ٧-١٢).
· “لاحظ هنا أنه حتى الرحماء يحتاجون إلى الرحمة. فلا يمكن لأي كرم نقدمه للفقراء، أو غفران للأعداء، أن يضعنا في مكان نتجاوز فيه حاجتنا إلى رحمة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَمَعَ ٱلْأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا: وجد المترجمون صعوبة في ترجمة النصف الثاني من الآية، لأنه يتضمن مفهومًا صعبًا. إنه لأمر سهل أن نقول إنه إذا كان شخص ما طاهرًا تجاه الله، فإن الله سيكون طاهرًا تجاهه بالمقابل. لكن لا يمكنك أن تقول إنه إذا كان شخص ما شريرًا تجاه الله، فإن الله سيكون شريرًا تجاهه بالمقابل، لأن الله لا يستطيع أن يفعل الشر.
· “يعبّر داود عن القسم التالي الموازي بكلمة غامضة تدل على الالتواء، كما هي في الترجمة العربية. تقول الآية فعلًا: “ومع الملتوي (الأعوج) تُظهرُ نفسك ملتويًا (أعوج)”…. والفكرة هنا، كما يبدو، أنه إذا أصر شخص على طرقه المعوجة أو الملتوية مع الله، فإن الله سيفوقه دهاءً، حيث إنه يستحق ذلك.” بويس (Boice)
٣. وَتُخَلِّصُ ٱلشَّعْبَ ٱلْبَائِسَ (الودعاء)، وَعَيْنَاكَ عَلَى ٱلْمُتَرَفِّعِينَ فَتَضَعُهُمْ: يعلن داود ثقته بالمبدأ المكرَّر في أمثال ٣: ٣٤، ويعقوب ٤: ٦، و١ بطرس ٥: ٥، وهو أن الله يحب أن يعطي نعمة للمتواضعين، وهو بنفس الطريقة يقاوم المتكبرين.
· هنالك شيء في التواضع الحقيقي يستدعي نعمة الله ورحمته، وهنالك شيء في الكبرياء والغطرسة يستدعي مقاومته واستياءه.
· ليس بالضرورة أن يكون التواضع رأيًا متدنّيًا في النفس. فهو مزيج من الرأي الدقيق ونسيان بسيط للنفس. فالتواضع متمحور على الآخرين، لا على النفس.
٤. يُضِيءُ ظُلْمَتِي: عندما لبّى الله احتياج داود، جلب له نورًا أولًا. فالقوة والمهارة العظيمتان لا تساعداننا كثيرًا إذا لم نتمكن من الرؤية في وسط الصراع.
٥. لِأَنِّي بِكَ ٱقْتَحَمْتُ جَيْشًا. بِإِلَهِي تَسَوَّرْتُ أَسْوَارًا: عندما لبّى الله احتياج داود، جلب قوة. فلا يُتوقع من الرجل الواحد أن يحارب جيشًا أو أن يقفز فوق سور يحمي مدينة. لكن قوة الله تُحْدث فرقًا.
· عرف داود مبدأ أفسس ٦: ١٠ قبل زمن طويل من كتابة بولس لهذه الكلمات: ’أخِيرًا يَا إِخْوَتِي، تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.‘ فالله مورد قوة يُتيحها لنا بالإيمان. فلسنا مضطرين لأن نكون أقوياء في قدرتنا، لكن يمكننا أن نكون كذلك في قدرته.
ب) الآيات (٣١-٤٦): خلاص داود يأتي من الله.
٣١ٱللهُ طَرِيقُهُ كَامِلٌ، وَقَوْلُ ٱلرَّبِّ نَقِيٌّ. تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ ٱلْمُحْتَمِينَ بِهِ. ٣٢لِأَنَّهُ مَنْ هُوَ إِلَهٌ غَيْرُ ٱلرَّبِّ؟ وَمَنْ هُوَ صَخْرَةٌ غَيْرُ إِلَهِنَا؟ ٣٣ٱلْإِلَهُ ٱلَّذِي يُعَزِّزُنِي بِٱلْقُوَّةِ، وَيُصَيِّرُ طَرِيقِي كَامِلًا. ٣٤ٱلَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَٱلْإِيَّلِ، وَعَلَى مُرْتَفَعَاتِي يُقِيمُنِي ٣٥ٱلَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ ٱلْقِتَالَ، فَتُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ. ٣٦وَتَجْعَلُ لِي تُرْسَ خَلَاصِكَ، وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي. ٣٧تُوَسِّعُ خَطْوَاتِي تَحْتِي، فَلَمْ تَتَقَلْقَلْ كَعْبَايَ. ٣٨أَلْحَقُ أَعْدَائِي فَأُهْلِكُهُمْ، وَلَا أَرْجِعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. ٣٩أُفْنِيهِمْ وَأَسْحَقُهُمْ فَلَا يَقُومُونَ، بَلْ يَسْقُطُونَ تَحْتَ رِجْلَيَّ. ٤٠تُنَطِّقُنِي قُوَّةً لِلْقِتَالِ، وَتَصْرَعُ ٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ تَحْتِي. ٤١وَتُعْطِينِي أَقْفِيَةَ أَعْدَائِي وَمُبْغِضِيَّ فَأُفْنِيهِمْ. ٤٢يَتَطَلَّعُونَ فَلَيْسَ مُخَلِّصٌ، إِلَى ٱلرَّبِّ فَلَا يَسْتَجِيبُهُمْ. ٤٣فَأَسْحَقُهُمْ كَغُبَارِ ٱلْأَرْضِ. مِثْلَ طِينِ ٱلْأَسْوَاقِ أَدُقُّهُمْ وَأَدُوسُهُمْ. ٤٤وَتُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ شَعْبِي، وَتَحْفَظُنِي رَأْسًا لِلْأُمَمِ. شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي. ٤٥بَنُو ٱلْغُرَبَاءِ يَتَذَلَّلُونَ لِي. مِنْ سَمَاعِ ٱلْأُذُنِ يَسْمَعُونَ لِي. ٤٦بَنُو ٱلْغُرَبَاءِ يَبْلَوْنَ وَيَزْحَفُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ.
١. تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ ٱلْمُحْتَمِينَ بِهِ: عندما لبّى الله احتياج داود، جلب حماية. كان بإمكان داود أن يرى بنور الله، ويصمد بقوة الله، لكنه ظل محتاجًا إلى حماية خارقة. فكانت ثقة داود هي الحلقة الحيوية التي تلقّى من خلالها حماية الرب.
٢. يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَٱلْإِيَّلِ، وَعَلَى مُرْتَفَعَاتِي يُقِيمُنِي: فكّر داود كيف أن الأيائل تقفز برشاقة من مكان إلى آخر من دون أن تفقد ثبات خطواتها. وقد أعطى الله داود نفس نوع المهارة في العمل من خلال التحديات التي جلبها أعداؤه.
٣. فَتُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ: فكّر داود بالقوة اللازمة لثني قوس من النحاس. لقد أعطاه الله نفس هذا النوع من القوة للتغلب على التحديات التي يجلبها أعداؤه.
٤. وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي: بالنسبة لداود، لم يكن الأمر كله متعلقًا بالمهارة والقوة. بل كان يتعلق أيضًا بنوال رحمة الله والتمتع بعلاقة بإله الوداعة العظيمة. فكان هذا موردًا للقوة لداود.
· “قد نتحدى الأسد، لكن ننهزم أمام الحمَل (الإلهي). يمكننا أن نحتمل نظرة الازدراء القاسية، لكن عندما ينظر السيد الوديع نظرة حنان لا يوصف، فإننا نخرج لنبكي بمرارة.” ماير (Meyer)
٥. أَلْحَقُ أَعْدَائِي فَأُهْلِكُهُمْ: ثمّن داود مكان الانتصار الذي كان له في الرب. فلم يتردد في الإعلان عنه بدافع من التواضع الزائف أو من عدم يقين بامتلاك النصر. عرف أن أعداءه سيقومون ثانية، لكنه نظر إلى الوراء إلى ميدان المعركة وقال: “يَسْقُطُونَ تَحْتَ رِجْلَيَّ … مِثْلَ طِينِ ٱلْأَسْوَاقِ أَدُقُّهُمْ وَأَدُوسُهُمْ.“
٦. وَتُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ شَعْبِي: لم يكن داود مضطرًّا للتصدي لمشكلاته مع أعدائه فحسب، بل أيضًا لمخاصمات شعبه. وفي وسط المعركة، كان عليه أن يتحمل مخاصمات شعبه، لكن الله دعمه عبر ذلك كله.
٧. وَتَحْفَظُنِي رَأْسًا لِلْأُمَمِ: عرف داود أن العرش يخص الله. وعرف أيضًا: “ليس العرش لي، لا لأمتلكه، أو أن آخذه، أو أن أحميه، أو أن أحتفظ به. فالعرش هو للرب.” ولهذا، عندما حصل داود على العرش، عرف أن الرب هو الذي أعطاه له.
ج) الآيات (٤٧-٥١): داود يحمد إله خلاصه.
٤٧حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، وَمُبَارَكٌ صَخْرَتِي، وَمُرْتَفَعٌ إِلَهُ صَخْرَةِ خَلَاصِي. ٤٨ٱلْإِلَهُ ٱلْمُنْتَقِمُ لِي، وَٱلْمُخْضِعُ شُعُوبًا تَحْتِي، ٤٩وَٱلَّذِي يُخْرِجُنِي مِنْ بَيْنِ أَعْدَائِي، وَيَرْفَعُنِي فَوْقَ ٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ، وَيُنْقِذُنِي مِنْ رَجُلِ ٱلظُّلْمِ. ٥٠لِذَلِكَ أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ فِي ٱلْأُمَمِ، وَلِٱسْمِكَ أُرَنِّمُ. ٥١بُرْجُ خَلَاصٍ لِمَلِكِهِ، وَٱلصَّانِعُ رَحْمَةً لِمَسِيحِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى ٱلْأَبَدِ.
١. حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، وَمُبَارَكٌ صَخْرَتِي: فكّر داود في الانتصار العظيم الذي أحرزه الرب عنه، فلم يملك إلا أن يعبد الرب.
٢. ٱلْإِلَهُ ٱلْمنْتَقِمُ لِي، وَٱلْمُخْضِعُ شُعُوبًا تَحْتِي: أكّد داود الفكرة: “إنه انتصار الرب. لقد فاز الرب بالمعركة عني. فالمجد له!”
٣. يُخْرِجُنِي مِنْ بَيْنِ أَعْدَائِي: نرى في هذا المزمور أن داود ينتقل باستمرار جيئة وذهابًا من الحديث عن الله بصفة الغائب (يُخْرِجُنِي) إلى مخاطبته بشكل مباشر (أَحْمَدُكَ). فلم يبدُ له أن هنالك مشكلة في الانتقال بين الجانبين، مشيرًا إلى أن هنالك مكانًا لكليهما في الحمد والتسبيح.
٤. وَلِٱسْمِكَ أُرَنِّمُ: “التسبيح علامة على الحصول الأكيد على الخلاص. هنالك كثيرون يَخْلُصون ويندبون ويشكّون. لكن كان لدى داود إيمان جعله يرنم وهو يقاتل. فكانت ما تزال كلمات الترنيمة في فمه وهو يقاتل في ميدان المعركة.” سبيرجن (Spurgeon)
· اقتبس بولس ٢ صموئيل ٢٢: ٥٠ (مزمور ١٨: ٤٩) (رومية ١٥: ٩)