٢ صموئيل ٣
انشقاق أبنير وموته
أولًا. أبنير ينشق عن إيشبوشث
أ ) الآيات (٢-٥): ولادة أبناء لداود في حبرون
٢وَوُلِدَ لِدَاوُدَ بَنُونَ فِي حَبْرُونَ. وَكَانَ بِكْرُهُ أَمْنُونَ مِنْ أَخِينُوعَمَ الْيَزْرَعِيلِيَّةِ، ٣وَثَانِيهِ كِيلآبَ مِنْ أَبِيجَايِلَ امْرَأَةِ نَابَالَ الْكَرْمَلِيِّ، وَالثَّالِثُ أَبْشَالُومَ ابْنَ مَعْكَةَ بِنْتِ تَلْمَايَ مَلِكِ جَشُورَ، ٤وَالرَّابعُ أَدُونِيَّا ابْنَ حَجِّيثَ، وَالْخَامِسُ شَفَطْيَا ابْنَ أَبِيطَالَ، ٥وَالسَّادِسُ يَثْرَعَامَ مِنْ عَجْلَةَ امْرَأَةِ دَاوُدَ. هؤُلاَءِ وُلِدُوا لِدَاوُدَ فِي حَبْرُونَ.
١. وَوُلِدَ لِدَاوُدَ بَنُونَ: أثناء السنوات السبع لحكم داود في حبرون، أنجبت زوجاته الست المختلفة ستة أبناء. ويبيّن هذا أن داود خالف وصية الله ضد أن يتخذ ملوك إسرائيل زوجات كثيرات.
· كان داود مخطئًا في اتخاذ زوجات كثيرات. إذ عارض وجود تعدد الزوجات أوامر الله للملوك (تثنية ١٧: ١٧) وقصد الله للزواج (تكوين ٢: ٢٤؛ متى ١٩: ٤-٦).
· كان اتخاذ عدة زوجات أمرًا شائعًا لدى الملوك. إذ كانت إضافة زوجات جديدات طريقة يقوم بها العظماء، ولاسيما الملوك، بالتعبير عن قوتهم ومكانتهم.
· تسَبَّب تعدد الزوجات في اضطراب حياة داود. ويتساءل بعضهم لماذا لم يُدن الكتاب المقدس داود على اتخاذ زوجات كثيرة هنا. لكن، كما هو الحال في الغالب، فإن كلمة الله تذكر ما هو واقع وتسجل لاحقًا الجزاء والعواقب التي حصدها داود على هذا النوع من الخطية في ما يتعلق بعائلته.
٢. هَؤُلَاءِ وُلِدُوا لِدَاوُدَ فِي حَبْرُونَ: يتوجب القول إن الله بارك داود رغم زوجاته الكثيرات. غير أن حياته العائلية وأبناءه لم تكن مباركة. “كان لدى داود ست زوجات وستة أبناء فقط. لم يكن الله راضيًا عن تعدد الزوجات في حياته.” تراب (Trapp)
· اغتصب أَمْنُون أخته غير الشقيقة وقُتِل على يد أخيه غير الشقيق.
· كان كِيلآب معروفًا باسم دانيئيل أيضًا في ١ أخبار ٣: ١. وربما توحي قلة الإشارات إلى هذا الابن بأنه مات صغيرًا، أو أنه كان فاجرًا أو غير جدير.
· قتل أَبْشَالُوم أخاه غير الشقيق وقاد حربًا أهلية ضد أبيه، داود، محاولًا قتله.
· حاول أَدُونِيَّا الاستيلاء على العرش من خليفة داود الممسوح، ثم حاول أن يأخذ إحدى محظيات داود، وقُتل بسبب غطرسته.
· يمكننا أن نفترض بإنصاف أن شَفَطْيَا ويَثْرَعَامَ ماتا صغيرين، أو أنهما كانا فاجرين أو غير جديرين، لأنهما لم يُذكرا إلا مرة واحدة في كلمة الله – في قائمة عامة لأبناء داود (١ أخبار ٣: ١-٤).
ب) الآيات (٦-٧): إيشبوشث يتهم أبنير بعدم اللياقة مع محظية الملك.
٦وَكَانَ فِي وُقُوعِ الْحَرْبِ بَيْنَ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَيْتِ دَاوُدَ، أَنَّ أَبْنَيْرَ تَشَدَّدَ لأَجْلِ بَيْتِ شَاوُلَ. ٧وَكَانَتْ لِشَاوُلَ سُرِّيَّةٌ اسْمُهَا رِصْفَةُ بِنْتُ أَيَّةَ. فَقَالَ إِيشْبُوشَثُ لأَبْنَيْرَ: «لِمَاذَا دَخَلْتَ إِلَى سُرِّيَّةِ أَبِي؟»
١. أَنَّ أَبْنَيْرَ تَشَدَّدَ لِأَجْلِ بَيْتِ شَاوُلَ: يبدو أن أبنير دعم رجلًا ضعيفًا مثل إيشبوشث لكي يكون هو السلطة والقوة وراء العرش. ومع مرور الوقت، ازداد قوة وتأثيرًا في بَيْتِ شَاوُلَ.
٢. لِمَاذَا دَخَلْتَ إِلَى سُرِّيَّةِ أَبِي؟: وجّه إيشبوشث تهمة خطيرة إلى أبنير. إذ كان اتخاذ حظية ملكية يُعَد انحلالًا أخلاقيًّا وخيانة.
· “يعني اتخاذ زوجة الملك الراحل أو سريّته الاستيلاء على ممتلكاته والمطالبة بالعرش.” بولدوين (Baldwin)
· قد يبدو غريبًا أن هنالك خلافًا حول سريّة شاول، ولاسيما أن شاول مات. غير أنهم في تفكيرهم، فإن عروس الملك تخص الملك وحده، ولا غيره، حتى لو كان غائبًا. وينطبق هذا المبدأ أكثر على يسوع المسيح وكنيسته (عروسه). فالكنيسة تخص يسوع وحده ولا غيره. وإنها لخيانة أن ’نأخذ‘ الكنيسة كما لو كانت مقتنى لنا.
ج) الآيات (٨-١١): رد أبنير الفظّ
٨فَاغْتَاظَ أَبْنَيْرُ جِدًّا مِنْ كَلاَمِ إِيشْبُوشَثَ وَقَالَ: «أَلَعَلِّي رَأْسُ كَلْبٍ لِيَهُوذَا؟ الْيَوْمَ أَصْنَعُ مَعْرُوفًا مَعَ بَيْتِ شَاوُلَ أَبِيكَ، مَعَ إِخْوَتِهِ وَمَعَ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ أُسَلِّمْكَ لِيَدِ دَاوُدَ، وَتُطَالِبُنِي الْيَوْمَ بِإِثْمِ الْمَرْأَةِ! ٩هكَذَا يَصْنَعُ اللهُ بِأَبْنَيْرَ وَهكَذَا يَزِيدُهُ، إِنَّهُ كَمَا حَلَفَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ كَذلِكَ أَصْنَعُ لَهُ ١٠لِنَقْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ، وَإِقَامَةِ كُرْسِيِّ دَاوُدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ». ١١وَلَمْ يَقْدِرْ بَعْدُ أَنْ يُجَاوِبَ أَبْنَيْرَ بِكَلِمَةٍ لأَجْلِ خَوْفِهِ مِنْهُ.
١. فَٱغْتَاظَ أَبْنَيْرُ جِدًّا: لا يخبرنا النص التفاصيل، لكن استجابة أبنير تقودنا إلى الاعتقاد أن الاتهام كان ملفّقًا. ومن الممكن أنه بينما كان يقوّي قبضته على بيت شاول، اتخذ المحظية تعبيرًا عن قوته وهيمنته. ويرجح أنه، بسبب قوة أبنير المتزايدة، أحس إيشبوشث بأن من الضروري اختلاق هذا الاتهام كسبب للتخلص من أبنير.
٢. هَكَذَا يَصْنَعُ ٱللهُ بِأَبْنَيْرَ وَهَكَذَا يَزِيدُهُ، إِنَّهُ كَمَا حَلَفَ ٱلرَّبُّ لِدَاوُدَ: أخبر أبنير إيشبوشث أنه سيدعم داود الآن على تحقيق وعد الله له (كَذَلِكَ أَصْنَعُ لَهُ لِنَقْلِ ٱلْمَمْلَكَةِ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ، وَإِقَامَةِ كُرْسِيِّ دَاوُدَ).
· لو كان أبنير يعرف أن الله اختار داود ملكًا، فلم يكن لديه سبب في محاربة داود من قبل. وأبنير مثلٌ جيد لأولئك الذين يعرفون أن أشياء معينة صحيحة وأنها حق، لكنهم لا يعيشون وفق هذه المعرفة.
· فعل أبنير الصواب بالانضمام إلى صفوف داود، لكنه فعل هذا للسبب الخطأ. فبدلًا من أن ينضم إلى داود لأن إيشبوشث أهانه شخصيًّا، كان عليه أن ينضم إليه لأنه عرف أن الله اختار داود ملكًا.
د) الآيات (١٢-١٦): يوافق داود على انضمام أبنير شريطة أن يجلب معه ميكال.
١٢فَأَرْسَلَ أَبْنَيْرُ مِنْ فَوْرِهِ رُسُلاً إِلَى دَاوُدَ قَائِلاً: «لِمَنْ هِيَ الأَرْضُ؟ يَقُولُونَ: اقْطَعْ عَهْدَكَ مَعِي، وَهُوَذَا يَدِي مَعَكَ لِرَدِّ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ إِلَيْكَ». ١٣فَقَالَ: «حَسَنًا. أَنَا أَقْطَعُ مَعَكَ عَهْدًا، إِلاَّ إِنِّي أَطْلُبُ مِنْكَ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ لاَ تَرَى وَجْهِي مَا لَمْ تَأْتِ أَوَّلاً بِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ حِينَ تَأْتِي لِتَرَى وَجْهِي». ١٤وَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً إِلَى إِيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ يَقُولُ: «أَعْطِنِي امْرَأَتِي مِيكَالَ الَّتِي خَطَبْتُهَا لِنَفْسِي بِمِئَةِ غُلْفَةٍ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». ١٥فَأَرْسَلَ إِيشْبُوشَثُ وَأَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ رَجُلِهَا، مِنْ فَلْطِيئِيلَ بْنِ لاَيِشَ. ١٦وَكَانَ رَجُلُهَا يَسِيرُ مَعَهَا وَيَبْكِي وَرَاءَهَا إِلَى بَحُورِيمَ. فَقَالَ لَهُ أَبْنَيْرُ: «اذْهَبِ. ارْجعْ». فَرَجَعَ.
١. لَا تَرَى وَجْهِي مَا لَمْ تَأْتِ أَوَّلًا بِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ: اتخذ داود ميكال زوجة له (١ صموئيل ١٨: ٢٦-٢٨). لكن شاول انتزعها منه نكاية فيه (١ صموئيل ٢٥: ٤٤).
٢. ٱلَّتِي خَطَبْتُهَا لِنَفْسِي بِمِئَةِ غُلْفَةٍ مِنَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ: تصف ١ صموئيل ١٨: ٢٠-٣٠ كيف أن داود استخدم هذه الدفعة كمهر يخوّله الحق في الزواج من ميكال، ابنة الملك شاول.
· “ربما كان بإمكانه أن يقول ’مئتي غلفة،‘ لكنه اعتقد أنه أفضل أن يذكر الكمية الأقل.” تراب (Trapp)
٣. أَعْطِنِي ٱمْرَأَتِي مِيكَالَ: من الواضح أن داود لم ينتهِ بعد من إضافة مجموعته من الزوجات. وقد أصر على استعادة ميكال كزوجة له مرة أخرى لثلاثة أسباب على الأقل.
· تَذَكّر داود أن ميكال زوجته لسببين، هما الحب والحق. وقد انتزعها منه شاول كإستراتيجية متعمدة للهجوم والقضاء عليه.
· أراد داود أن يبيّن أنه لا يضمر مرارة تجاه بيت شاول. وسيُظهر هذا من خلال حسن معاملته لابنة شاول.
· أراد داود أن يعطي نفسه حقًّا أكبر في عرش شاول بصفته صهره، أي بمثابة ابن له.
· “مهما كان الأمر مؤلمًا أن تؤخذ الزوجة من زوج يحبها كثيرًا، إلا أن الحكمة والسياسة تطلّبتا تعزيز مصلحته في المملكة قدر الإمكان.” كلارك (Clarke)
٤. فَقَالَ لَهُ أَبْنَيْرُ: «ٱذْهَبِ. ٱرْجِعْ». فَرَجَعَ: يتناسب كلام أبنير هنا مع شخصيته كما نعرفها في صموئيل الأول والثاني. إذ كان رجلًا صلبًا جدًّا.
هـ) الآيات (١٧-١٩): أبنير يحشد دعمًا لداود من بين الأسباط الأخرى.
١٧وَكَانَ كَلاَمُ أَبْنَيْرَ إِلَى شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: «قَدْ كُنْتُمْ مُنْذُ أَمْسٍ وَمَا قَبْلَهُ تَطْلُبُونَ دَاوُدَ لِيَكُونَ مَلِكًا عَلَيْكُمْ. ١٨فَالآنَ افْعَلُوا، لأَنَّ الرَّبَّ كَلَّمَ دَاوُدَ قَائِلاً: إِنِّي بِيَدِ دَاوُدَ عَبْدِي أُخَلِّصُ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ». ١٩وَتَكَلَّمَ أَبْنَيْرُ أَيْضًا فِي مَسَامِعِ بَنْيَامِينَ، وَذَهَبَ أَبْنَيْرُ لِيَتَكَلَّمَ فِي سَماعِ دَاوُدَ أَيْضًا فِي حَبْرُونَ، بِكُلِّ مَا حَسُنَ فِي أَعْيُنِ إِسْرَائِيلَ وَفِي أَعْيُنِ جَمِيعِ بَيْتِ بَنْيَامِينَ.
١. وَكَانَ كَلَامُ أَبْنَيْرَ إِلَى شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ: إنه لأمر ذو دلالة أن هذه الكلمة جاءت من أبنير بخصوص داود، لا من داود نفسه. فرغم أن داود هو الملك الشرعي، إلا أنه لن يحكم إسرائيل إلى أن تخضع له طوعًا. فلم يتحرك قيد أُنملة من دون دعوة.
· هذا مثل توضيحي لربوبية يسوع المسيح في حياتنا. فهو في الحقيقة ملك الملوك ورب الأرباب، لكنه يختار (في أغلب الأحيان) ألّا يمارس ربوبيته إلا بدعوة منا.
- بعضهم لا يدعو يسوع إلى أن يملك على أي شيء في حياتهم.
- يدعو بعضهم يسوع إلى أن يملك على ناحية بسيطة من حياتهم، مثل ’حبرون.‘
- يدعو بعضهم يسوع إلى أن يملك على كل شيء له سلطان عليه، أي كل شي.
· أبنير مثل جيد لشخص استسلم في النهاية للملك المختار من الله. وهو يريد أن يؤثر في الآخرين حتى يستسلموا لملك الله المختار.
٢. فَٱلْآنَ ٱفْعَلُوا: بسبب كلمة الرب عن داود، ولأن من الصواب فعل ذلك، كان ينبغي العمل بها فورًا (ٱلْآنَ). وبهذا المعنى، يشبه هذا تكريسنا لاتِّباع يسوع. وينبغي أن يقال لنا “فَٱلْآنَ ٱفْعَلُوا!”
· “ألقى تشارلز سبيرجن عظة رائعة بعنوان: “فَٱلْآنَ ٱفْعَلُوا!” وبيّن في تلك العظة كيف أن نفس مبادئ قبول الإسرائيليين لداود تنطبق على علاقتنا بيسوع. “قد يتحدث الإسرائيليون عن جعل داود ملكًا، لكنهم لا يشاؤون أن يتوّجوه. ربما يجتمعون معًا ويقولون إنهم يتمنون أن يحدث هذا، لكنهم لا يشاؤون أن يفعلوا هذا. قد يُعترفوا بشكل عام أنه ينبغي أن يكون الملك، وقد يأملون بإخلاص أن يصبح ذات يوم هكذا، لكنهم لا يشاؤون أن يفعلوا هذا. يتوجب عليهم أن يفعلوا شيئًا أكثر تحديدًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “كلما حدث هذا بشكل أسرع، كلما كان أفضل. وإلى أن يتم هذا الفعل، تذكّر أنك مقضي عليك. فإلى أن تقبل يسوع ملكًا على حياتك، وإلى أن تبغض الخطية، وإلى أن تضع ثقتك في يسوع، فإنك تحت سلطان ملك آخر. ومهما كان رأيك في هذا، فإن إبليس هو سيدك.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ كَلَّمَ دَاوُدَ: تبيّن حقيقة أن أبنير – الذي كان قائدًا عسكريًّا لا باحثًا كتابيًّا – يعرف هذه النبوات، وأنه يمكن أن يطلب من قادة إسرائيل أن يضعوها في اعتبارهم أن هذه النبوّات كانت معروفة. ومن المؤسف أنه لم تتم طاعتها على نطاق واسع. إذ كان معظم الإسرائيليين فاترين وغير متحمسين لقبول داود ملكًا.
· وفي هذا الصدد، يمثل داود صورة لابنه الأعظم. فقد حقق يسوع كل أنواع النبوات المتعلقة بالمسيّا، غير أنه رُفض من الجميع باستثناء بقية من إسرائيل.
· ليس لدينا سجل كتابي دقيق للبيان الذي قدمه أبنير عما قاله الرب بشأن داود. “لم نقرأ أن الله قال ذلك بعبارة صريحة كهذه. لكن إما أن أبنير سمع هذا الوعد الذي قطعه الله من خلال صموئيل عندما مسح داود، وإما أنه ابتكره من رأسه لتحقيق أهدافه الخاصة.” تراب (Trapp)
و ) الآيات (٢٠-٢١): داود يقبل أبنير رسميًّا بوليمة.
٢٠فَجَاءَ أَبْنَيْرُ إِلَى دَاوُدَ إِلَى حَبْرُونَ وَمَعَهُ عِشْرُونَ رَجُلاً. فَصَنَعَ دَاوُدُ لأَبْنَيْرَ وَلِلرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ وَلِيمَةً. ٢١وَقَالَ أَبْنَيْرُ لِدَاوُدَ: «أَقُومُ وَأَذْهَبُ وَأَجْمَعُ إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَيَقْطَعُونَ مَعَكَ عَهْدًا، وَتَمْلِكُ حَسَبَ كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ». فَأَرْسَلَ دَاوُدُ أَبْنَيْرَ فَذَهَبَ بِسَلاَمٍ.
١. فَصَنَعَ دَاوُدُ لِأَبْنَيْرَ: أظهر داود حكمته وكرمه تجاه خصم سابق. لكن شخصًا أقل من داود لن يسامح أبنير على قيادته جيشًا ضد ملك الله المختار. غير أن داود كان عظيمًا وحكيمًا وكريمًا.
٢. وَتَمْلِكُ حَسَبَ كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ: أراد أبنير أن يكون حُكم داود معترفًا به من كل شعب الله.
ثانيًا. يوآب يقتل أبنير.
أ ) الآيات (٢٢-٢٥): يوآب يعْلم بانضمام أبنير إلى داود.
٢٢وَإِذَا بِعَبِيدِ دَاوُدَ وَيُوآبُ قَدْ جَاءُوا مِنَ الْغَزْوِ وَأَتَوْا بِغَنِيمَةٍ كَثِيرَةٍ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ أَبْنَيْرُ مَعَ دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَهُ فَذَهَبَ بِسَلاَمٍ. ٢٣وَجَاءَ يُوآبُ وَكُلُّ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ. فَأَخْبَرُوا يُوآبَ قَائِلِينَ: «قَدْ جَاءَ أَبْنَيْرُ بْنُ نَيْرٍ إِلَى الْمَلِكِ فَأَرْسَلَهُ، فَذَهَبَ بِسَلاَمٍ». ٢٤فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ هُوَذَا قَدْ جَاءَ أَبْنَيْرُ إِلَيْكَ. لِمَاذَا أَرْسَلْتَهُ فَذَهَبَ؟ ٢٥أَنْتَ تَعْلَمُ أَبْنَيْرَ بْنَ نَيْرٍ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيُمَلِّقَكَ، وَلِيَعْلَمَ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ وَلِيَعْلَمَ كُلَّ مَا تَصْنَعُ».
١. أَنْتَ تَعْلَمُ أَبْنَيْرَ بْنَ نَيْرٍ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيُمَلِّقَكَ (ليخدعك): اتهم يوآب أبنير بأنه عميل مزدوج يعمل لمصلحة إيشبوشث. وقد غضب لأن داود تركه من دون أن يقتله أو أن يلقي القبض عليه.
٢. أَنْتَ تَعْلَمُ أَبْنَيْرَ بْنَ نَيْرٍ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيُمَلِّقَكَ (ليخدعك): هذا واحد من ثلاثة أسباب جعلت يوآب غير مسرور بانشقاق أبنير وانضمامه إلى داود.
· خشي أن يكون أبنير مخادعًا، عميلًا مزدوجًا، يعمل لمصلحة إيشبوشث، الملك المدّعي.
· قتل أبنير أخا يوآب، عسائيل. فصار يوآب وليّ الدم، أي المسؤول عن الانتقام لمقتل أخيه (كما في سفر العدد ٣٥: ٩-٢٨).
· كان أبنير، بصفته القائد العام للملك الراحل شاول، ذا خبرة عسكرية واسعة. ولهذا يمكن أن يحتل أبنير مكانته كمساعد لداود في الأمور العسكرية.
ب) الآيات (٢٦-٢٧): يوآب يقتل أبنير.
٢٦ثُمَّ خَرَجَ يُوآبُ مِنْ عِنْدِ دَاوُدَ وَأَرْسَلَ رُسُلاً وَرَاءَ أَبْنَيْرَ، فَرَدُّوهُ مِنْ بِئْرِ السِّيرَةِ وَدَاوُدُ لاَ يَعْلَمُ. ٢٧وَلَمَّا رَجَعَ أَبْنَيْرُ إِلَى حَبْرُونَ، مَالَ بِهِ يُوآبُ إِلَى وَسَطِ الْبَابِ لِيُكَلِّمَهُ سِرًّا، وَضَرَبَهُ هُنَاكَ فِي بَطْنِهِ فَمَاتَ بِدَمِ عَسَائِيلَ أَخِيهِ.
١. مَالَ بِهِ يُوآبُ إِلَى وَسَطِ ٱلْبَابِ: صمّم يوآب هذه الجريمة بعناية بحيث يتم القتل خارج بوابة حبرون، لأنها كانت مدينة ملجأ (يشوع ٢٠: ٧). فكان ضد الشريعة أن يقتل يوآب، ولي دم أخيه عسائيل، أبنير داخلها.
٢. فَمَاتَ بِدَمِ عَسَائِيلَ أَخِيهِ: جعلت المؤامرة التي حُبكت بعناية (لقتل أبنير خارج المدينة) أكثر قتامة. إذ بيّن هذا أنه كان لدى أبنير الحق في الدفاع عن نفسه، وأنه كان محميًّا داخل حبرون. لكنه قُتِل على أية حال.
· ربما برّر يوآب فعلته بهذه الفكرة: “أنا أفعل هذا دفاعًا عن ملكي وإكرامًا له.” لكن خطيتنا وخيانتنا لا تكرم ملكنا. ويتوجب علينا أن نتجنب الفخ الذي تكلم عنه سبيرجن (Spurgeon): “ربما نخدع أنفسنا بالاعتقاد أننا نكرم ربنا وسيدنا بينما نلحق العار باسمه طوال الوقت.”
ج) الآيات (٢٨-٣٠): يشجب داود قتل يوآب لأبنير.
٢٨فَسَمِعَ دَاوُدُ بَعْدَ ذلِكَ فَقَالَ: «إِنِّي بَرِيءٌ أَنَا وَمَمْلَكَتِي لَدَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ مِنْ دَمِ أَبْنَيْرَ بْنِ نَيْرٍ. ٢٩فَلْيَحُلَّ عَلَى رَأْسِ يُوآبَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِ أَبِيهِ، وَلاَ يَنْقَطِعُ مِنْ بَيْتِ يُوآبَ ذُو سَيْل وَأَبْرَصُ وَعَاكِزٌ عَلَى الْعُكَّازَةِ وَسَاقِطٌ بِالسَّيْفِ وَمُحْتَاجُ الْخُبْزِ». ٣٠فَقَتَلَ يُوآبُ وَأَبِيشَايُ أَخُوهُ أَبْنَيْرَ، لأَنَّهُ قَتَلَ عَسَائِيلَ أَخَاهُمَا فِي جِبْعُونَ فِي الْحَرْبِ.
١. إِنِّي بَرِيءٌ أَنَا وَمَمْلَكَتِي لَدَى ٱلرَّبِّ: عرف داود أنه لم يكن له ضلع في جريمة القتل هذه. ومن بين الشرور الأخرى، كانت هذه سابقة سيّئة ارتكبها يوآب. إذ ستعطي صورة وحشية لإدارة داود، وستصعِّب عليه أن يكسب بقية إسرائيل إلى جانبه.
٢. فَلْيَحُلَّ عَلَى رَأْسِ يُوآبَ: وضع داود لعنة قاسية على يوآب، لكنه لم يفعل شيئًا ليقوِّمه. ربما خشي داود من أن يفقده كقائد جيش له. لقد أظهرت قدرته على القتل من دون ندم أنه لم يكن شخصًا لطيفًا، لكن لم يكن بالضرورة قائدًا سيئًا.
د ) الآيات (٣١-٣٩): داود يقود الحداد على أبنير.
٣١فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِجَمِيعِ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ: «مَزِّقُوا ثِيَابَكُمْ وَتَنَطَّقُوا بِالْمُسُوحِ وَالْطِمُوا أَمَامَ أَبْنَيْرَ». وَكَانَ دَاوُدُ الْمَلِكُ يَمْشِي وَرَاءَ النَّعْشِ. ٣٢وَدَفَنُوا أَبْنَيْرَ فِي حَبْرُونَ. وَرَفَعَ الْمَلِكُ صَوْتَهُ وَبَكَى عَلَى قَبْرِ أَبْنَيْرَ، وَبَكَى جَمِيعُ الشَّعْبِ. ٣٣وَرَثَا الْمَلِكُ أَبْنَيْرَ وَقَالَ: «هَلْ كَمَوْتِ أَحْمَقَ يَمُوتُ أَبْنَيْرُ؟ ٣٤يَدَاكَ لَمْ تَكُونَا مَرْبُوطَتَيْنِ، وَرِجْلاَكَ لَمْ تُوضَعَا فِي سَلاَسِلِ نُحَاسٍ. كَالسُّقُوطِ أَمَامَ بَنِي الإِثْمِ سَقَطْتَ». وَعَادَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَبْكُونَ عَلَيْهِ. ٣٥وَجَاءَ جَمِيعُ الشَّعْبِ لِيُطْعِمُوا دَاوُدَ خُبْزًا، وَكَانَ بَعْدُ نَهَارٌ. فَحَلَفَ دَاوُدُ قَائِلاً: «هكَذَا يَفْعَلُ لِيَ اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنْ كُنْتُ أَذُوقُ خُبْزًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ». ٣٦فَعَرَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَحَسُنَ فِي أَعْيُنِهِمْ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا صَنَعَ الْمَلِكُ كَانَ حَسَنًا فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ الشَّعْبِ. ٣٧وَعَلِمَ كُلُّ الشَّعْبِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلِكِ قَتْلُ أَبْنَيْرَ بْنِ نَيْرٍ. ٣٨وَقَالَ الْمَلِكُ لِعَبِيدِهِ: «أَلاَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَئِيسًا وَعَظِيمًا سَقَطَ الْيَوْمَ فِي إِسْرَائِيلَ؟ ٣٩وَأَنَا الْيَوْمَ ضَعِيفٌ وَمَمْسُوحٌ مَلِكًا، وَهؤُلاَءِ الرِّجَالُ بَنُو صَرُويَةَ أَقْوَى مِنِّي. يُجَازِي الرَّبُّ فَاعِلَ الشَّرِّ كَشَرِّهِ».
١. وَرَفَعَ ٱلْمَلِكُ صَوْتَهُ وَبَكَى عَلَى قَبْرِ أَبْنَيْر: لم يُرِد داود أن تترسخ مملكته بالعنف. إذ أراد أن يقوم الله نفسه بترسيخ مملكته ومعاقبة أعدائه. وما زال يؤمن بأن الانتقام هو من اختصاص الرب وحده.
٢. وَعَلِمَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ ٱلْمَلِكِ قَتْلُ أَبْنَيْرَ بْنِ نَيْرٍ: كانت المسألة برمّتها فوضى، لكنها لن تكون أول فوضى أو آخر فوضى في مملكة داود.
· وفي هذا الصدد، فإن أشكال فوضى كهذه لا مفر منها. يقدم سفر الأمثال ١٤: ٤ مبدأ مهمًّا: “حَيْثُ لَا بَقَرٌ فَٱلْمَعْلَفُ فَارِغٌ (نظيف)، وَكَثْرَةُ ٱلْغَلَّةِ بِقُوَّةِ ٱلثَّوْرِ.”