إنجيل يوحنا – الإصحاح ٢
التغيير والتطهير
أولاً. تحويل الماء خمراً (نَبيذ) في عرس
أ ) الآيات (١-٢): يَسُوعُ وَأُمّه وَتَلَامِيذُهُ في العرس
١وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. ٢وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إِلَى ٱلْعُرْسِ.
- وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ: واصل يوحنا القصة التي بدأها في الأصحاح السابق والتي تسرد أحداث يوم معين (يوحنا ١٩:١-٢٨) وَفِي اليَوْمِ التّالِي (يوحنا ٢٩:١-٣٤) وَفِي اليَوْمِ التّالِي بعد ذلك (يوحنا ٣٥:١-٤٢) وَفِي اليَوْمِ التّالِي (يوحنا ٤٣-٥١) والآن فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ.
- “لجملة ’ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ‘ علاقة بالحدث الذي سبق ورواه، أي دعوة نَثَنائِيل. ونرى مرة أخرى الدقة المعهودة في الرواية. كان من الأفضل أن يقال: ’بعد يومين.‘” باركلي (Barclay)
- وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إِلَى ٱلْعُرْسِ: لم تكن تلك المرة الأولى التي نرى فيها يسوع يلقى ترحيباً وسط مظاهر الفرح لأنه لم يكن شخصاً كئيباً عابساً يعكر صفو المكان. ففي الثقافة اليهودية بتلك الأيام كان ٱلْعُرْسِ من أفضل الاحتفالات.
- تقول إحدى الروايات القديمة أن هذا كان عُرس يوحنا كاتب الإنجيل ويقال أنه ترك عروسه عند المذبح بعد رؤيته لهذه المعجزة. يا لها من قصة رائعة ولكن من المستبعد حدوثها.
- يأخذ المورمون هذه الفكرة خطوة أبعد من ذلك ولكنها سخيفة للغاية إذ يقولون إنه كان عرس يسوع نفسه. وهذا بطبيعة الحال يخالف المعنى المقصود لهذا النص ويخالف كل روايات الأناجيل الأربعة عن حياة يسوع.
- نستنتج التالي من دعوة يسوع لهذا العُرس:
- تخبرنا هذه الدعوة شيئاً عن شخصية يسوع كرجل.
- تخبرنا هذه الدعوة شيئاً عن حضور يسوع في الأعراس. “عندما يحضر يسوع حفل الزفاف ويباركه يؤكد لنا أن عائلاتنا تحت رعايته.” سبيرجن (Spurgeon)
- تخبرنا هذه الدعوة شيئاً عما يحدث عندما ندعو يسوع للتواجد في المناسبات في حياتنا.
- “لم يكن يسوع في هذه المرحلة قد دخل بعد مرحلة الصراع الداخلي المزعج، فمهمته لا تزال في انتظاره، تلك المهمة المليئة بالنزاع والخطر والألم؛ ومع ذلك وجدت الفرحة مكانها في عقله المشغول بكل هذه الأمور.” دودز (Dods)
- وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ: “لا نرى ذكراً ليوسف ومن المحتمل جداً أن يكون يوسف قد مات قبل فترة بسيطة. وهذا هو السبب الذي جعل يسوع يقضي ثمانية عشر عاماً كاملة من عمره في مدينة الناصرة وأن يأخذ على عاتقه خلالها عبء إعالة أمه الأرملة وعائلته. وعلى الأغلب غادر منزل عائلته عندما تمكن أخوته وأخواته الأصغر سناً من الاعتناء بأنفسهم.” باركلي (Barclay)
ب) الآيات (٣-٥): عُرس بلا خَمْرٌ (نَبيذ) وطلبة أُم
٣وَلَمَّا فَرَغَتِ ٱلْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». ٤قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا ٱمْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». ٥قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَٱفْعَلُوهُ».
- وَلَمَّا فَرَغَتِ ٱلْخَمْرُ: كان ما حدث خطأً اجتماعياً كبيراً قد يجلب العار على الزوجين لفترة طويلة. كان من المفترض أن يكون العرس أفضل حفل على الإطلاق وفشل المُضيف في توفير الضيافة المناسبة (خاصة فيما يتعلق بالطعام والشراب) كان عيباً مشيناً للغاية.
- يعتقد البعض أن وجود التلاميذ – كضيوف غير مدعوين – جعل النَّبيذ ينفد أسرع مما كان متوقعاً، ولكن النص لا يقدم أي دليل على صحة هذا. كان لدى موريس (Morris) فكرة أفضل: “قد يكون ذلك مؤشراً على أن أصحاب العُرس كانوا فقراء وقدموا كل ما عندهم.”
- “الفشل في توفير ما يكفي للضيوف كان إحراجاً اجتماعياً. وفي المجتمع الضيق الذي عاش وسطه يسوع مثل هذا الخطأ لن ينسى أبداً وسيطارد العروسين بقية حياتهما.” تيني (Tenney)
- وعلاوةً على ذلك اعتبر معلمو اليهود في ذلك الوقت أن الخمر هو رمزٌ للبهجةِ والسرور. “كان نفاد الخمر كالاعتراف بأن لا الضيوف ولا العروس والعريس كانوا سعداء.” بويس (Boice)
- “كانت المعاملة بالمثل، خاصة فيما يتعلق بالأعراس في الشرق الأدنى القديم، أمراً مهماً للغاية. وكان من الوارد جداً أن يتخذ المرء إجراءً قانونياً في ظروف معينة ضد شخص لم يقدم هدية الزفاف المناسبة. فنقص الخمر كان يعني أكثر بكثير من مجرد الحرج الاجتماعي وقد يتورط العريس وأسرته بدفع مبالغ باهظة.” موريس (Morris)
- «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ»: لا نعرف تحديداً لماذا عرضت مريم هذه المشكلة على ابنها يسوع. لعلها انتظرت بشوق ذلك اليوم الذي سيثبت فيه يسوع بأعجوبة أنه المسيا. فعندما يعرف الناس أن يسوع هو المسيح قد تتبرر مريم من نظرات الشك في عيون الكثيرين بشأن الحمل والولادة.
- لم يكن من الخطأ أن تشعر مريم بأن الوقت قد حان لابنها لبدء خدمته العامة. فقد عرفت أنه تعمد على يد يوحنا وتأكد أنه المسيا بعلامة سماوية نزلت عليه أثناء المعمودية، كما وعرفت أنه تعرض للتجربة في البرية وعرفت أنه قُدِمَ للعامة كحَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ (يوحنا ٢٩:١) وأنه بدء يجمع تلاميذاً لنفسه.
- «مَا لِي وَلَكِ يَا ٱمْرَأَةُ؟»: تكلم يسوع مع والدته بكل احترام ولكنه لم يدعوها “أمي.” أراد يسوع أن يؤكد في بداية خدمته العامة أن علاقته بمريم قد تغيرت الآن.
- كتب باركلي تعليقاً على ’يَا ٱمْرَأَةُ‘: “لم يكن هذا اللقب لقب خشونة وفظاظة بل كان عنواناً للاحترام. لعله كان من الأفضل أن تترجم الكلمة ’سيدة‘ للدلالة على الكياسة.”
- لم يكن من غير اللائق أن تقول ’أمي‘ وفي نفس الوقت لم تكن تلك الطريقة التي يخاطب بها الابن أمه. “لا بد أن نأخذ بالحسبان ندرة المراجع التي تتحدث عن كيفية مخاطبة الابن لوالدته في ذلك الوقت. ويبدو أنه لا توجد أمثلة على ذلك عدا ما نراه في هذا الإنجيل.” موريس (Morris)
- أشار يسوع أن ثمة علاقة جديدة بينه وبين مريم. “طلبها المساعدة منه الآن لا يجب أن تكون على أساس علاقتها به كأمه.” بروس (Bruce)
- وكأن يسوع يقول لمريم: “لن أفعل ما تطلبيه، فلم يحن الوقتُ بعد” ومع ذلك قام وفعل. ولكن ما قاله فعلاً لمريم كان كالتالي: “علاقتنا الآن مختلفة، دعيني استشير أبي السماوي.” لا بد وأن يسوع صلى ثم عرف ما عليه أن يفعل لأنه قال في وقت لاحق في هذا الإنجيل:
- «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَا يَقْدِرُ ٱلِٱبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلَّا مَا يَنْظُرُ ٱلْآبَ يَعْمَلُ. لِأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ ٱلِٱبْنُ كَذَلِكَ» (يوحنا ١٩:٥).
- «أَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً… لِأَنِّي لَا أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ ٱلْآبِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا ٣٠:٥).
- «لَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهَذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي» (يوحنا ٢٨:٨).
- «لِأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ» يوحنا ٢٩:٨).
- “سيفعل يسوع شيئاً بكل تأكيد؛ وكانت مريم واثقة أنه سيتصرف لأنها أوصت الخدم قائلة: مهما قال لكم فافعلوه ولكنه سيتصرف حتماً بطريقته الخاصة ولأسبابه الخاصة وبتوقيته الخاص.” تاسكر (Tasker)
- “لم يتصرف يسوع في خدمته العامة كابن مريم بل ’كابن الإنسان‘ الذي سيكشف عن الحق السماوي للإنسان. كان يسوع يبني علاقة جديدة مع مريم وعليها ألا تفترض شيئاً مغايراً.” موريس (Morris)
- “منع يسوع أي تدخل من مريم ولكن بكل حب واحترام. فملكوته يجب أن يكون بحسب الروح وليس بحسب الجسد. وأنا أؤمن أن والدة يسوع، على الرغم من أنها وقعت في خطأ طبيعي، لم تستمر في الخطأ بل تداركت الأمر على الفور ولم تخفي الأمر عن يوحنا بل على الأغلب حرصت أن تخبره بالتفاصيل كي لا يقع أحد في خطأ مماثل من خلال التفكير بها بطريقة غير مناسبة.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان ترينش (Trench) مُحقاً عندما قال: “شهدت المسيحية (الكاثوليكية أو الأرثوذكسية) ولفترة طويلة أن هذه المعجزة أظهرت الأهمية التي يوليها ربنا وسروره لتحقيق طلبات والدته.” ولكن لم يكن هذا هو بيت القصيد. فقد أوضح يسوع أنه لم يفعل ذلك على أساس علاقته بوالدته.
- «لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ»: يستخدم يوحنا هذه الكلمة ’سَاعَتِي‘ بشكل عام للدلالة على الوقت الذي سيموت فيه المسيح. فكان موته هو الموضوع الأساسي الكامن وراء عباراته. فكلمة ’ساعتي‘ تعني وقت ثابت أو محدد وكأنه يسير وفقاً لجدول معين قبل أن يظهر أنه المسيا صانع المعجزات.
- «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَٱفْعَلُوهُ»: لم تسجل الأناجيل الكثير من الكلمات لمريم. ومع ذلك من الجيد أن ننتبه لكلماتها المكتوبة لأنها باستمرار تعطي المجد ليسوع لا لنفسها. ومن الحكمة أن يطيع الكل توجيهات مريم: مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَٱفْعَلُوهُ.
- أن تذهب عن قصد إلى مريم للتواصل مع يسوع يُظهر أن يسوع قاسي القلب ومريم رقيقة القلب. “هذا المفهوم غريب تماماً على الكتاب المقدس ويأتي من أفكار العلاقة بين الأم والابن التي كانت سائدة في الوثنية.” بارنهوس (Barnhouse)
- “كلمات مريم المسجلة قليلة جداً ولكن هذه الكلمات بالتحديد لها تطبيق يفوق المناسبة التي جعلتها تنطق بها.” بروس (Bruce)
ج) الآيات (٦-٧): ملء الأجران
٦وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ ٱلْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. ٧قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ٱمْلَأُوا ٱلْأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ.
- سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ: بدأ يسوع هذه المعجزة باستخدام ما كان في متناول اليد. وكان بإمكانه أن يعطيهم خمراً بعدة طرق ولكنه بدأ بما كان متوفراً.
- حَسَبَ تَطْهِيرِ ٱلْيَهُودِ: استخدمت الأجران لمزاولة طقوس التطهير حسب الشريعة.
- يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً: رأى سبيرجن (Spurgeon) أهمية أن يتعلم الوعاظ درساً من عدد الأجران التقريبي الذي ذكره يوحنا هنا. “ليكن كلامنا دائماً بتدقيق، فالكلمات مثل ’تقريباً‘ أو ’حوالي‘ ستحافظ على مصداقيتنا. ودعونا ألا نتكلم بثقة عندما لا نعرف وعندما تكون الدقة ضرورية ولا نستطيع تقديمها بشكل حاسم دعونا نستخدم كلمات مثل: ’يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً.‘
- «ٱمْلَأُوا ٱلْأَجْرَانَ مَاءً»: كان الخُدّام الذين تحت إشراف يسوع في مكان يتيح لهم بركة رؤية هذه المعجزة عن قرب. أراد يسوع تعاون البشر معه في هذه المعجزة، كان بإمكانه بالطبع أن يملأ الأجران بنفسه أو بسهولة أن يخلق السائل فيها ولكنه كان يعلم أنه إذا شارك الخدام في العمل عندها سيشتركون في البركة أيضاً.
- لم يصنع الخدام المعجزة بأنفسهم لأن جهودهم وحدها غير كافية بالمرة، ولكن بسبب طاعتهم ليسوع اشتركوا في فرحة المعجزة.
- حصل الخدام على بركة خاصة لأن طاعتهم كانت كاملة ودون جدال (فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ)، وهذا يعني أن المعجزة تحققت على أكمل وجه. لو كانوا كُسَالَى وملأوا نصف الأجران فقط فلن يكون هناك خمر سوى تلك الكمية.
- فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ: ملأوا الأجران إلى الحافة ولم يكن من الممكن إضافة المزيد لأن يسوع لم ينو إضافة شيء للماء بل كان سيغيرها.
- هذا هو نمط إيماننا وطاعتنا. “عندما تؤمن به فليكن إيمانك به كاملاً (إلى فوق)، وعندما يُطلب منك أن تحبه فليكن حبك له كاملاً، وعندما يوصيك أن تخدمه فاخدمه بالكامل.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٨-١٠): تحويل الماء إلى خَمْرٌ جيد
٨ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «ٱسْتَقُوا ٱلْآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. ٩فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْمَاءَ ٱلْمُتَحَوِّلَ خَمْراً، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لَكِنَّ ٱلْخُدَّامَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدِ ٱسْتَقَوْا ٱلْمَاءَ عَلِمُوا، دَعَا رَئِيسُ ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْعَرِيسَ ١٠وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ ٱلدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ إِلَى ٱلْآنَ!».
- «ٱسْتَقُوا ٱلْآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَإِ»: تطلب هذا الكثير من الإيمان من هؤلاء الخدم. تخيل غضب رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَأ إن قدموا له ماءً ليتذوقه! ولكنهم بالإيمان أطاعوا كلمات يسوع.
- “عندما ذاق رئيس الحفل الماء المتحول خمراً، ولم يعلم من أين جاء، استطاع أن يميز اختلافه عن باقي الخمور.” دودز (Dods)
- أصر يسوع أن تخضع المعجزة للاختبار في الحال. فلم يأمر أن يقدم الماء المتحول خمراً للضيوف أولاً بل لرئيس الحفل. افحص المعجزة عبر السلطات المناسبة وافعل ذلك على الفور.
- “قبل صنع النبيذ على العنب أن ينمو وينضج وأن يسحق في أوعية مناسبة ثم تبدأ عملية التخمير. ولكن لم يحدث كل هذا هنا بل في لحظة تحول الماء إلى نبيذ، بنفس السلطان الذي وضع قوانين الطبيعة وخلق وكشف عن قدرات الإنسان.” آلفورد (Alford)
- لَكِنَّ ٱلْخُدَّامَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدِ ٱسْتَقَوْا ٱلْمَاءَ عَلِمُوا: عَلِمَ الخُدام الأمناء الذين أدوا عملهم على أكمل وجه عظمة المعجزة، أما رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَإِ فلم يعرف أن النبيذ كان نتيجة معجزة، لكنه عرف فقط أن ٱلْخَمْرَ جَيِّدَةَ. فهذه المعرفة كانت بركة مخصصة للْخُدَّامَ.
- لا نعرف بالضبط كيف صنع يسوع هذه المعجزة، ولكننا نفترض أن التحول حدث في الأجران ولكن قد يكون أيضاً قد تحول أثناء تقديم النبيذ. ومع ذلك ووفقاً للرواية هنا لم ينبس يسوع بكلمة واحدة ولم يقم بأية مراسم، بل ببساطة مارس سلطانه وحدثت المعجزة.
- “حلَّى موسى المياه الُمرة بشجرة من عند الرب. وطهر أليشع الينابيع بالملح. فليس فينا شيء.” سبيرجن (Spurgeon)
- “أليس هذا هو التوقيع الإلهي الذي لا يحتاج لوسائل ليشكل المادة كما يشاء بل بكلمة تطيعه؟” ماكلارين (Maclaren)
- طلب الشيطان من يسوع في التجربة الأولى في البرية أن يحول الحجارة إلى خبز ليأكل بنفسه. وفي أول معجزة طلبت مريم من يسوع أن يحول الماء إلى خمر للآخرين. ولكن يسوع رفض الأمرين على حد سواء.
- “من الواضح أن معجزة واحدة تثبت قدرته على عمل كل المعجزات. فإذا كان بإمكان المسيح أن يحول الماء إلى خمر، إن أراد، فبإمكانه أن يفعل أي شيء وكل شيء. وإذا مارس يسوع سلطانه الخارق للطبيعة مرة واحدة فيمكننا أن نؤمن أنه قادر على ممارسة سلطانه مرة أخرى، فلا يوجد حدود لسلطانه.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان هناك هدف من الكميات الكبيرة المتبقية من النبيذ (فقد كانت تفوق حاجة أي عرس). وكان الهدف على الأرجح أن يباع النبيذ الزائد ليكون مصدر دخل للبيت الجديد. بالإضافة لذلك “كان وجود النبيذ بعد انتهاء العرس دليلاً على أن تحويل الماء لخمر كان حقيقياً ولم يكن من صنع خيال الضيوف.” دودز (Dods). “لن تسقط الهبات الصغيرة أبداً من يد بهذا الحجم الكبير.” تراب (Trapp)
- «أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ إِلَى ٱلْآنَ!»: قدم رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَأ مجاملة رائعة وعلنية للعريس. كان نفاد الخمر سيجلب العار لهم ولكن معجزة يسوع حولت هذا العرس ليصبح أفضل عرس على الإطلاق.
- عندما صنع يسوع النبيذ كان نبيذاً جيداً (ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ). وهذا لا يعني أن به نسبة عالية من الكحول ولكنه كان نبيذاً جيد الصنع.
- يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليظهروا أن ما صنعه يسوع هنا كان مجرد عصير العنب. في حين يرى البعض أنه تفكير منطقي إلا أنه لا يعبر عن رأي المؤلف. فٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ هي خَمْرَ جَيِّدَةَ وليس عصير عنب جيد. صحيح أن النبيذ في ذلك اليوم يتم تخفيفه عند التقديم (كانوا يخلطون النبيذ بالماء بنسبة جزأين من الخمر إلى ثلاثة أجزاء من الماء، وفقاً لباركلي) ولكنه كان يحتوي على نسبة أقل من الكحول مقارنة مع النبيذ الحديث ومع ذلك كان لا يزال نبيذاً.
- “أما بالنسبة للنبيذ الذي كان يستخدم بشكل كبير في الشرق، كان على الشخص أن يشربه بشكل مفرط قبل أن يصبح مخموراً. وهذا وارد بسبب وجود حالات عن أشخاص وجدوا في حالة سكر، ولكن بصفة عامة كان السكر رذيلة نادرة في عهد المخلص وفي العصور الماضية.” سبيرجن (Spurgeon)
- “أليس هناك الكثير من الأشياء التي جلبها يسوع إلى العالم، أشياء من نفس النوع الموجود في العالم، ولكن تفوقها بالقيمة والروعة؟” موريسون (Morrison). كان هناك حب وفرح ولطف في العالم قبل يسوع ولكنه اختلف تماماً بعد يسوع.
- «أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ إِلَى ٱلْآنَ!»: ثمة مبدأ وراء هذه الكلمات وهو أنه بالنسبة لشعب الله الأفضل لم يأت بعد.
- “أستطيع أن أتخيل أيها الإخوة أنه في آخر لحظة من حياتكم أو بالأحرى في اللحظة الأولى من حياتكم ستعرفون أنه: ’أحتفظ بالنَّبيذ الجَيِّد إلَى الآنِ.‘ وعندما تبدأون في رؤيته وجهاً لوجه وعندما تدخلون في شركة معه دون أي إزعاج أو مقاطعات عندها ستقولون: ’احتفظ فعلاً بالنبيذ الجيد إلى الآن.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- “من دون الله ستكون النهاية هي الأسوأ… إن كانت الخطية تخفي الأسوأ وراء الغد لعلها لا تخفي الأسوأ وراء القبر؟” موريسون (Morrison)
- وأضاف سبيرجن: “أراهنك أنك إن نظرت داخل أبواب بيت الشيطان ستجد أن هذه القاعدة تنطبق عليه بالتمام، فهو يأتي أولاً بالنبيذ الجيد وعندما يصبح الرجال في حالة سكر وأدمغتهم مشوشة يحضر الأسوأ.”
هـ) الآيات (١١-١٢): بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ (المعجزات)
١١هَذِهِ بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلَامِيذُهُ.١٢وَبَعْدَ هَذَا ٱنْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلَامِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّاماً لَيْسَتْ كَثِيرَةً.
- هَذِهِ بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ: أول معجزة (بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ) ذُكرت في إنجيل يوحنا (أول معجزة من سبع معجزات) كانت تغيير النظام القديم من الطقوس والتطهير واستبداله بالحياة الجديدة مع يسوع.
- “اعتبر يوحنا أن كل المعجزات هي عبارة عن ’آيات‘ لأنها تدل على ما هو أبعد من المعجزة نفسها. فهذه المعجزة مثلاً ما هي إلا دليل على أن في يسوع قوة تغيير.” موريس (Morris)
- قام موسى بتحويل الماء إلى دم ليُظهر أن الناموس يؤدي إلى الموت (سفر الخروج ١٧:٧-٢١). ولكن معجزة يسوع الأولى حولت الماء إلى خمر ليظهر البهجة والفرح نتيجة عمله الجديد. وهذا يعكس ما قاله يوحنا في ١٧:١ “لِأَنَّ ٱلنَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا ٱلنِّعْمَةُ وَٱلْحَقُّ فَبِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ صَارَا.”
- بوسعنا أن نقول إن الماء يشبه علاقتنا بالله بموجب العهد القديم والخمر يشبه علاقتنا بالله بموجب العهد الجديد.
- كان الخمر بعد الماء وكان العهد الجديد بعد العهد القديم.
- جاء الخمر من الماء وجاء العهد الجديد من العهد القديم
- كان الخمر أفضل من الماء والعهد الجديد هو أفضل من العهد القديم.
- من بين الآيات السبعة التي قدمها يوحنا في إنجيله كانت هذه بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ وقد كتبت جميعها لجذب القارئ إلى الإيمان بيسوع المسيح. أوضح يوحنا قصده هذا حينما قال: “وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلَامِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا ٱلْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ” (يوحنا ٣٠:٢٠-٣١).
- يحسب الأغلبية الآيات السبعة في إنجيل يوحنا على النحو التالي:
- يوحنا ١:٢-١١ تحويل الماء إلى خمر
- يوحنا ٤٦:٤-٥٤ شفاء ابن خادم الملك
- يوحنا ١:٥-١٥ شفاء مريض بيت حسدا
- يوحنا ١:٦-١٤ إشباع الخمسة الآلاف
- يوحنا ١٥:٦-٢١ يسوع يمشي على الماء
- يوحنا ١:٩-١٢ شفاء المولود أعمى
- يوحنا ١:١١-٤٤ قيامة لعازر من الأموات
- استخدمت الكلمة اليونانية القديمة ’آية semeion‘ ٧٤ مرة في العهد الجديد. ٢٣ من أصل ٧٤ موجودة في كتابات يوحنا والباقي في أسفار أخرى كأعمال الرسل ورسائل بولس. “استخدم يوحنا semeion بالمعنى الرسمي البحت لكلمة ’آية‘ أو كلمة ’مؤشر.‘ لا شك أن الآية (semia) ترسخ اليقين وتزيد الإيمان ولكن الله هو جوهر الإيمان وليس الآية أو المعجزة.” كيتل (Kittel)
- “فكرة أن هذه الحادثة قد تكون قصة رمزية لا يثبت أنها رمزية فعلاً وليست تاريخية. فكل الحوادث والتاريخ يمكن أن تُفسر أو تقدم كرمز.” دودز (Dods)
- بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ: “يستبعد القديس يوحنا بهذا التأكيد مصداقية كل المعجزات الملفقة ونظيرها من الأعمال المذكورة في أسفار الأبوكريفا.” آلفورد (Aflord)
- وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ: وقعت هذه المعجزة وفقاً ليوحنا ١:٢ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِث. وهذا تلميح من يوحنا إلى فكرة أن يسوع أظهر مجده في اليوم الثالث وبأن تلاميذه آمنوا به عندما رأوا مجده.
- نرى مَجْدَ يسوع في رحمته الواضحة في هذه المعجزة. فالخمر لم يكن ضرورة حتمية فلن يموت أحد من شرب الماء. ولكن الأمر الحتمي والأكيد الذي سيلاحق العروسين كان سوء السمعة والاحراج وربما نقص في أموالهم. ومع ذلك رأى يسوع وأبيه السماوي أن هذا كان كافياً لصنع أول معجزة وآية علنية.
- فَآمَنَ بِهِ تَلَامِيذُهُ: كان لدى التلاميذ إيمان من قبل ولكن إيمانهم زاد الآن وأصبح جلياً. وهذا أمر مألوف في الحياة المسيحية. فإيماننا يزداد كلما صنع الله أمور عظيمة في حياتنا.
- “هل يمكنك يا من تستطيع قراءة الإنجيل باللغة الأصلية اليونانية أن تلاحظ أسلوب التعبير هنا؟ ستلاحظ أن تعبير ’فَآمَنَ به تَلَامِيذُهُ‘ يأتي بمعنى أنهم آمنوا فيه وكأنهم غمروا أنفسهم بيسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان إيمان التلاميذ بالغ الأهمية بالمقارنة مع أولئك الذين استفادوا من المعجزة ولكننا لا نقرأ شيئاً عن إيمانهم.
- رَئِيْسُ الحَفلِ لم يؤمن
- العَرِيْسَ لم يؤمن
- لا نقرأ حتى أن الخُدّامِ آمنوا
- أما من كانوا تلاميذه فآمنوا به
- يُظهر لنا كل من كان مع يسوع شيئاً فريداً عن يسوع وعن عمله.
- أظهرت مريم أن علينا توقع أموراً عظيمة من يسوع ولكن دون توجيهات منا.
- أظهر الخدم أهمية طاعة يسوع دون نقاش وعلى أكمل وجه وأن نستمتع بأن نكون جزءً من المعجزة.
- أظهر العريس أن يسوع يُحب أن ينقذ الموقف.
- أظهر رئيس الحفل أن يسوع يُبقي الأفضل للنهاية.
- أظهر التلاميذ أن ما حدث كان حقيقياً.
- وَبَعْدَ هَذَا ٱنْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ: أقام يسوع في قرية كَفْرِنَاحُومَ التي كانت تقع على الشاطئ الشمالي من بحر الجليل (متى ١٣:٤).
- “يبدو أن العائلة المقدسة بأكملها انتقلت من الناصرة إلى كفرناحوم التي أصبحت مقراً ليسوع أثناء خدمته في الجليل.” بروس (Bruce)
- “يبدو من شكل الجملة في النص الأصلي أن الجميع انتقل إلى هناك لأن إلهنا انتقل هناك.” ترينش (Trench)
- إِخْوَتُه: “تم تفسير كلمة أو تعبير ’إِخْوَتُه‘ بطرق شتى. ولكن أفضل طريقة لفهمها هي أنهم كانوا أولاد مريم ويوسف. وقد ظهر هذا التعبير عدة مرات في الأناجيل الإزائية (السينوبتيّة) ولكن لم تأتي معها أي إشارات لتعني شيئاً آخر.” موريس (Morris)
- “تظهر كلمة ابن العم أو الخال (anepsios) في النص الأصلي وكان بالإمكان استخدامها إذا لزم الأمر.” تيني (Tenney). وثمة مقطعين يوضحان ببساطة أن ليسوع نصف إخوة عن طريق مريم.
ثانياً. تطهير الهيكل
أ ) الآيات (١٣-١٧): يسوع يطرد الصّيارفة والباعة
١٣وَكَانَ فِصْحُ ٱلْيَهُودِ قَرِيباً، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ١٤وَوَجَدَ فِي ٱلْهَيْكَلِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً، وَٱلصَّيَارِفَ جُلُوساً. ١٥فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ ٱلْجَمِيعَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ ٱلصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. ١٦وَقَالَ لِبَاعَةِ ٱلْحَمَامِ: «ٱرْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا! لَا تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!». ١٧فَتَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي».
- وَكَانَ فِصْحُ ٱلْيَهُودِ قَرِيباً: كانت أورشليم مكتظة بالزوار القادمين للاحتفال بعيد الفصح. وحينما صعد يسوع إلى جبل ٱلْهَيْكَلِ المزدحم رأى الصَّيَارِفَةَ جَالِسِينَ إِلَى مَوَائِدِهِمْ في الساحة الخارجية.
- “وجود السوق هناك كان سبباً في وجود خليط غير لائق من المقايضات المرتبطة بشرائع الناموس وأخرى نجسة، عدا عن كل الأمور الأخرى غير اللائقة التي كانت تحدث وسط الزحام.” آلفورد (Alford)
- ’وَٱلصَّيَارِفَ جُلُوساً‘: “قد يبدو غريباً للقارئ أن يتكدس في المدينة المقدسة أكثر من مليونين وربع مليون من اليهود لإحياء عيد الفصح.” باركلي (Barclay). ووفقاً لباركلي كان التقليد يلزم كل يهودي بأن يدفع ضريبة الهيكل التي كانت تصل إلى نحو أجرة يومين كاملين للعامل العادي وكانت تدفع بعملة خاصة بالهيكل. لذا كانت تجارة الصيارفة مربحة جداً.
- يقول كثيرون من المفسّرين إن سبب عدم السماح باستخدام القِطَع النقدية الأجنبية في ما يُقدَّم للهيكل هو أنها كانت تحمل صورة الإمبراطور أو آلهة وثنية. “عُملة مدينة صور لم تكن مسموحة فقط بل كانت أيضاً ما ينص عليها القانون (كما يُرى في المشناة – Mishnah, Bekh. ٨:٧) وقد كانت هذه العُملة تحمل رموزاً وثنية.” موريس (Morris). يبدو أن القضية لم تكن ما كان يظهر على القِطَع النقدية ولكن ما تحتويه هذه القِطَع النقدية، إذ لم يكن مسموحاً إلا بالقِطَع النقدية التي تعرف بأنها ذات كتلة صحيحة ومكوِّناتٍ مسموح بها.
- “لأنه مألوف للجميع أصبح مشروعاً ولم يعتقد أحد أنه أمر غير لائق إلى أن جاء هذا الشاب الناصري المدفوع بغيرة على قداسة بيت أبيه.” ماكلارين (Maclaren)
- وَكَانَ فِصْحُ ٱلْيَهُودِ “أشار المبشر مراراً وتكراراً الاحتفال بالفصح باستخدام التعبير ’فصح اليهود‘ ليس لأنه هو نفسه لم يكن يهودياً بالولادة والتربية (لأنه كان) ولكن لأن العديد من قرائه هم من الأمميين غير الملمين بتفاصيل السنة اليهودية المقدسة.” بروس (Bruce)
- فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ: عندما طرد يسوع الصيارفة من ساحات الهيكل لم يفعل ذلك في لحظة غضب. بل أخذ وقته لصنع السوط وفكر ملياً بشأن ما سيفعله.
- اعتقد بعض المفسرين أن يسوع استخدم السوط على الحيوانات فقط واعتقد آخرون أنه استخدمه على كل من البشر والحيوانات. غير أن ما حدث كان استعراضاً لسلطان يسوع وليس لعنفه.
- وَطَرَدَ ٱلْجَمِيعَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ… وَكَبَّ دَرَاهِمَ ٱلصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ: أولئك الذين يتاجرون في الساحة الخارجة للهيكل لوثوا المكان الوحيد الذي يمكن أن يعبد فيه الأمميون. وتحولت هذه المنطقة (ساحة الأمميين) إلى بَيْتَ تِجَارَةٍ!
- تذكر أن التطهير كان جزءً من احتفال عيد الفصح. وكان إزالة كل ما هو مصنوع من الخميرة من البيت رمزاً أو صورة عن التطهير من الخطية.
- وصف كل من متى ومرقس ولوقا حادثة أخرى لتطهير الهيكل قام بها يسوع في نهاية خدمته على الأرض. وفي كلتا الحادثتين أفسد وجود هؤلاء التجار في ساحات الهيكل المكان الوحيد المسموح لصلاة الأمم. بالإضافة إلى أن عدم أمانتهم جعلت وجودهم أكثر ضرراً.
- “لم يحاول يوحنا أن يصحح خطأً في تسلسل الأحداث أو في التأريخ ارتكبه كاتبو الأناجيل الآخرين لمصلحة التفسير اللاهوتي، ولكن يمكننا أن نستنتج منطقياً أن الحادثة الثانية كان لها علاقة ’بتنظيف‘ إضافي قام به المسيح.” تاسكر (Tasker)
- “لا بد وأن هذه الممارسات الشريرة عادت للوجود بعد فترة. فتصرف يسوع وإن كان مفيداً لم يضع على الأغلب حداً نهائياً لهذه الممارسات.” موريس (Morris)
- «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي»: تذكر التلاميذ الآية منالمزمور ٩:٦٩ وربطوها بغَيْرَة يسوع على تطهير بيت الله والعبادة التي تمارس هناك.
- بدأ يوحنا بمعجزة التغيير (ٱلْمَاءَ ٱلْمُتَحَوِّل خَمْراً)، ثم قام بعملية التطهير (تطهير الهيكل). وهذه هي الطريقة التي يستخدمها يسوع دائماً في تعامله مع أولاده: التغيير أولاً ثم التطهير.
ب) الآيات (١٨-٢٢): يسوع يتكلم عن هيكلٍ جديد ومصيره
١٨فَأَجَابَ ٱلْيَهُودُ وَقَالوُا لَهُ: «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟». ١٩أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «ٱنْقُضُوا هَذَا ٱلْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». ٢٠فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا ٱلْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟». ٢١وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. ٢٢فَلَمَّا قَامَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا، فَآمَنُوا بِٱلْكِتَابِ وَٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ.
- «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟»: لم يكن هذا بالضرورة سؤالاً سيئاً. فحتماً من يقوم بهذا العمل ويطرد الباعة من ساحات الهيكل يملك سلطاناً لأن يفعل ذلك. لهذا أراد اليهود أن يعرفوا إن كان يسوع حقاً يملك هذا السلطان. وكانت المشكلة أنهم أرادوا رؤية آيَة أو معجزة ليثبتوا حق يسوع فيما فعله.
- “كان طلبهم لرؤية ’آية‘ مضللاً: فهل هناك أعظم من الآية التي شهدوها للتو؟” بروس (Bruce)
- «ٱنْقُضُوا هَذَا ٱلْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ»: كان يسوع يتكلم هنا عن هَيْكَلِ جَسَدِهِ ولعله أشار إلى نفسه عندما قال هذا. عرف يسوع أن هؤلاء القادة الدينيين سيحاولون تدمير جسده ولكنه عرف أيضاً أنهم لن ينجحوا.
- والمفارقة هنا أن القادة الدينيين أنفسهم كانوا الوسيلة لتحقيق النبوة. عندما قال يسوع: “ٱنْقُضُوا هَذَا ٱلْهَيْكَلَ” كان يعلم أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لتدميره فعلاً.
- كانت إحدى التهم الموجهة ليسوع أثناء محاكمته: “سَمِعْنَاهُ يَقُولُ سَأَهْدِمُ هَذَا الْهَيْكَل” (متى ٦٠:٢٦-٦١ ومرقس ٥٧:١٤-٥٩). وعندما مات يسوع على الصليب ذكَّرَهُ المستهزئون بما بدا وعداً مستحيلاً (متى ٤٠:٢٧ ومرقس ٢٩:١٥).
- ٱنْقُضُوا هَذَا ٱلْهَيْكَلَ: بالطبع لم يكن يسوع ضد الهيكل ولكنه كان يتطلع إلى ما هو أبعد منه. قال يسوع للمرأة السامرية أنه سيأتي يوم لن يعبد فيه الناس في الهيكل لا في السامرة ولا في أورشليم ولكنهم سيعبدون الله بالروح والحق.
- لا يزال جسد يسوع هو الهيكل. تربط الآية أفسس ١٩:٢-٢٢ والآية في بطرس الأولى ٥:٢ على حد سواء فكرة الكنيسة – التي تدعى مجازياً جسد المسيح – مع هيكل مبني على يسوع المسيح الذي بناه بنفسه.
- أُقِيمُهُ: أعلن يسوع بثقة عن سلطانه وقدرته على إقامة نفسه من الأموات وكرر هذا في يوحنا ١٨:١٠. ومن الجدير بالملاحظة أن العهد الجديد يقول أيضاً أن الله الآب أقام يسوع من الأموات (رومية ٤:٦ وغلاطية ١:١) وأن الروح القدس أقامه من الأموات (رومية ٤:١ و١١:٨). اشترك في قيامة يسوع كل أقنوم من الثالوث، والكل عمل معاً.
- لا يمكن لأحد أن يدعي القدرة على إقامة نفسه من الأموات حتى لو كانت لديه كل الثقة بأن الله سيقيمه. كان إعلان يسوع رائعاً وجريئاً ويدل على إدراكه لألوهيته.
- “يظهر باستمرار في إنجيل يوحنا أسلوب يسوع في استخدام العبارات المتناقضة التي تحيّر أعدائه والتي كان يشرحها لتلاميذه فيما بعد.” تيني (Tenney)
- تَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا، فَآمَنُوا بِٱلْكِتَابِ وَٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ: لم يفهم التلاميذ ولم يؤمنوا بالكتب وبوعود يسوع إلا بعد موته وقيامته.
- الكتب المقدسة التي آمنوا بها كانت في المقام الأول مزمور ١٠:١٦ وهو الوعد بأن الله القدوس لن يبقى في القبر.
- فَآمَنُوا بِٱلْكِتَابِ وَٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ: “إن ربط قول يسوع مع الكتب المقدسة أمر مثير للاهتمام وينبغي ألا نهمل التطبيقات المتعلقة بلاهوته.” موريس (Morris)
ج) الآيات (٢٣-٢٥): يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِن بعض المؤمنين عَلَى نَفْسِهِ
٢٣وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ ٱلْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِٱسْمِهِ، إِذْ رَأَوْا ٱلْآيَاتِ ٱلَّتِي صَنَعَ. ٢٤لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعَ. ٢٥وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ ٱلْإِنْسَانِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلْإِنْسَانِ.
- آمَنَ كَثِيرُونَ بِٱسْمِهِ، إِذْ رَأَوْا ٱلْآيَاتِ ٱلَّتِي صَنَعَ: عَلِمَ يسوع أن هذا كان إيماناً سطحياً هشاً لم يكن مبنياً سوى على الإعجاب بما هو مبهر. ولأنه عرف هذا لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ.
- “إذا كان الإيمان مجرد الإعجاب بكل ما هو مبهر فهذا لن يؤدي إلا إلى تهليل الحضور وثنائهم، لكن ابن الله لا يمكنه أن يقبل ويشجع مثل هذا النوع من الإيمان.” مورغان (Morgan)
- قد يكون الإيمان السطحي أفضل من عدمه ولكن لا ينبغي أن يعتقد أحد أنه يكفي – ويسوع يعرف هذا جيداً. “سمى لوثر هذا النوع من الإيمان: ’إيمان الأطفال‘ الذي قد ينمو ليصبح شيئاً جديراً بالثقة.” دودز (Dods)
- لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلْإِنْسَانِ: يسوع يحب البشرية رغم معرفته حقيقتها. فقد عرف ويعرف مدى سوء حالها ومع ذلك يرى فيها صورة الله حتى على الذين سقطوا في الخطية.
- لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ: “قد ينخدع القادة والمعلمون أحياناً بإعطاء ثقة عمياء لأتباعهم على ولائهم وتفهمهم الذي لا يمتلكونه فعلاً؛ أما يسوع، القادر على قراءة أعماق القلب مثل كتاب مفتوح، فلم يفعل ذلك.” بروس (Bruce)
- “عندما آمن كثيرون به لم يأتمنهم على نفسه. فهو لم يعتمد على رضى واستحسان الإنسان.” موريس (Morris)
- لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلْإِنْسَانِ: “المعرفة الإلهية واضحة للغاية هنا والنص يؤكد على معرفة الله الكاملة لما بداخل الإنسان.” آلفورد (Alford)