إنجيل يوحنا – الإصحاح ٢١
عودة بطرس للإيمان
أولاً. معجزة صيد السمك الكثير
أ ) الآيات (١-٣): بطرس وستة من التلاميذ يعودون لمهنة الصيد.
١بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَيْضاً يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلَامِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هَكَذَا: ٢كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلتَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ ٱلَّذِي مِنْ قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَٱبْنَا زَبْدِي، وَٱثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلَامِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ. ٣قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنَا أَذْهَبُ لِأَتَصَيَّدَ». قَالُوا لَهُ: «نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضاً مَعَكَ». فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا ٱلسَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئاً.
- بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَيْضاً يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلَامِيذِ:يسجل يوحنا هنا آخر ظهور ليسوع المقام للتلاميذ، وحدث هذا في منطقة الجليل (عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ). كما يسجل متى ١٦:٢٨ أن يسوع المقام ظهر لتلاميذه في منطقة الجليل.
- سِمْعَانُ بُطْرُسُ: مرة أخرى نرى بطرس يتصدر قائمة التلاميذ. وكان هذه المرة من بين سبعة تلاميذ انضموا إليه ليصطادوا في بحر الجليل.
- وَٱثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلَامِيذِهِ:“كان هناك ’ٱثْنَانِ آخَرَانِ‘ لم تذكر أسماؤهم، وبرأيي كان هذا عن قصد. فهذان التلميذان يمثلان حشداً كبيراً مجهولاً ومخفياً من المؤمنين الأوفياء الذين لم تكتب أسماؤهم في الوثائق البشرية، ولم تسجل أعمالهم في التقارير البشرية. ولهؤلاء أظهر يسوع نفسه تماماً كما فعل مع الآخرين. وأغلبية القديسين يشبهون هذين التلميذين.” مورغان (Morgan)
- «أَنَا أَذْهَبُ لِأَتَصَيَّدَ»: يعتقد البعض أن بطرس كان مخطئاً بشأن ذهابه للصيد، وأن هذه كانت مساومة منه ليعود لمهنته السابقة. واعتقد آخرون أن بطرس لم يعصِ وصية يسوع بل كان تصرفه ببساطة حكيماً وعملياً. ففي نهاية الأمر، لا يمكن تحديد إن كان تصرف بطرس هذا عصياناً لأمر الرب أم لا، ما يحدد ذلك هو موقفه القلبي.
- من المهم أن نتذكر أنهم ذهبوا إلى الجليل لأن يسوع طلب منهم ذلك (متى ٧:٢٨، ١٠:٢٨).
- وصف آدم كلارك مشروع صيد الأسماك هذا بأفضل طريقة ممكنة: “قبل صلب الرب، يبدو أن ضروريات الحياة له وللتلاميذ كانت تأتيهم من الآخرين (لوقا ٣:٨). ومن المحتمل أن هذه المعونات قد توقفت الآن بسبب فضيحة الصلب، ولأن التلاميذ لا يعرفون سوى مهنة الصيد، عادوا لها لكسب عيشهم؛ وبناءاً على ذلك، أخذ التلاميذ السبعة المذكورين في يوحنا ٢:٢١ القارب وبدأوا رحلتهم في بحر طبرية أو ما يسمى بحر الجليل.” كلارك (Clarke)
- من الواضح أن بطرس والتلاميذ تساءلوا عن خطوتهم التالية. “كشفت رحلة الصيد بوضوح حيرة التلاميذ وهذا يتناقض تماماً مع إدراكهم للهدف الموضوع أمامهم يوم الخمسين.” موريس (Morris)
- وَفِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئاً: لم يصطادوا شيئاً في تلك الليلة. وسواء كانت دوافعهم جيدة أو سيئة، فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئاً.
- “تعبوا طوال الليل دون نتيجة؛ فقدوا الأمل وكانوا متعبين وجائعين ويائسين. وربما قالوا فيما بينهم: ’للأسف… يبدو أن هذه البحيرة تغيرت تماماً، كان هناك الكثير من السمك الجيد فيها، ولكننا لم نعثر على سمكة واحدة الآن.‘” موريس (Morrison)
- “إن كنت صياداً، فخيبة الأمل أمر متوقع، والحصول على أعشاب في الشبكة بدلاً من السمك أمر متوقع. هكذا الحال بالنسبة لخادم الرب، فعليه أن يعتاد خيبة الأمل وألا يفشل في عمل الخير رغم خيبات الأمل، وأن يستمر بالصلاة والخدمة بالإيمان، متوقعاً المكافأة في النهاية.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤-٦): يسوع يرشدهم
٤وَلَمَّا كَانَ ٱلصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى ٱلشَّاطِئِ. وَلَكِنَّ ٱلتَّلَامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. ٥فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَاماً؟». أَجَابُوهُ: «لَا!». ٦فَقَالَ لَهُمْ: «أَلْقُوا ٱلشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ ٱلسَّفِينَةِ ٱلْأَيْمَنِ فَتَجِدُوا». فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ ٱلسَّمَكِ.
- وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى ٱلشَّاطِئِ: كانت ظهورات يسوع الثلاثة الماضية في إنجيل يوحنا غير متوقعة. وَلَكِنَّ ٱلتَّلَامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ: وهذا أيضاً أمر غير متوقع.
- “يبدو أن هذا يشير إلى ظهور مفاجئ.” دودز (Dods)
- إنهُ لأمرٌ مدهش التفكير في كيف ظهر لهم يسوع أثناء عملهم. فقد كان مهتماً بكل شؤون حياتهم ليس فقط بحضورهم للخدمات الدينية. “أظهر الفادي المُقام والملك بحضوره للتلاميذ اهتمامه وسلطانه حتى بشؤون حياتهم العادية.” مورغان (Morgan)
- لا نعلم تماماً لماذا ٱلتَّلَامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. “ربما لم يتمكنوا من رؤيته بسبب انشغالهم بفشلهم أو بسبب ضباب الصباح الباكر الذي كان يكسو البحيرة.” تيني (Tenney)
- «يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَاماً؟»: استخدم يسوع التحية التي اعتاد العاملون استخدامها فيما بينهم، ثم جعلهم يشرحون فشلهم في الصيد تلك الليلة، فأَجَابُوهُ: «لَا!».
- “تُظهر طريقة كلامه وكأنه رب أسرة جاء لهؤلاء الصيادين وناداهم ليسأل عن السمك ليبتاعه لأسرته.” تراب (Trapp)
- «أَلْقُوا ٱلشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ ٱلسَّفِينَةِ ٱلْأَيْمَنِ فَتَجِدُوا»:قدم يسوع اقتراحاً غريباً لتلاميذه، فلم يكن منطقياً أن يكون الصيد في ضوء الصباح أفضل من ظلمة الليل. ولم يكن هناك أي سبب يجعل الصيد على جانب واحد من القارب أفضل من الجانب الآخر. ولم يكن الأمر اختباراً لمدى ثقتهم في يسوع، لأنهم لم يعرفوه في البداية إلى أن أمسكوا بالسمك. ربما كان هذا اختباراً لقدراتهم على تمييز مشيئة الله بطرق صغيرة وغير متوقعة – مثل شخص غريب يسألهم عن الصيد من الشاطئ.
- “لم أتمكن من العثور على أي دليل يشير إلى أي جانب من القارب كان الصيادون يستخدمونه عادة في بحر الجليل، ومن الصعب معرفة ما إذا كان هذا أمر غير عادي أم لا.” موريس (Morris)
- يوضح إنجيل يوحنا أننا لا ينبغي أن نخشى أبداً من تغيير منهجنا طالما أنه بإرشاد من يسوع.
- وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ ٱلسَّمَكِ: فعل التلاميذ تماماً كما طلب منهم الرجل الواقف عند الشاطئ، وكانت النتيجة تفوق التوقعات. وهذا يظهر وجود فرق بين العمل وفقاً لتوجيه إلهي والعمل بعيداً عن التوجيه الإلهي.
- “لا بد أن هذه التجربة ذكرت التلاميذ بحادثة مماثلة وقعت قبل عدة أشهر، وإن كانت الشبكة في تلك المناسبة مكسورة والقارب بدأ بالغرق (راجع لوقا ١:٥-١١).” تاسكر (Takser)
- “لا داعي للبحث عن المعنى الرمزي للجانب الأيمن والأيسر للقارب. فالفرق ليس بين الجهة اليمنى واليسرى، ولكن بين العمل مع أو دون إرشاد إلهي.” بلمر (Plummer)
- “غنيمة الأسماك الهائلة التي أمسك بها التلاميذ ما هي إلا رمز لنشاطهم الكرازي في الفترة الزمنية القادمة. ولكن هذا النشاط، بنتيجته الرعوية، سينجح فقط لأنهم اتبعوا توجيهات ربهم المقام.” بروس (Bruce)
- لأن يسوع هو من يوجه خدمتنا، نملك سبباً أعظم لتوقع البركة. فيسوع لم يأمر التلاميذ أبداً الذهاب للصيد، لكنه أمرنا بأن نبشر بالإنجيل ونحضر تلاميذ.
- “حضور المسيح، إن كان سيأتي بملء قوته فيما بيننا، سيفعل بنا أكثر جداً مما نتخيل وسنندهش بالوفرة التي سنحصل عليها تماماً كما حدث مع التلاميذ والسمك الوفير. لم يكن على المسيح إلا أن يأمر السمك لتسبح أفواجاً نحو الشبكة، وليس عليه إلا أن يأمر لتؤمن الملايين به وبإنجيله.” سبيرجن (Spurgeon)
- “كان ما حدث معجزة بالتأكيد، ولكننا لا نستطيع تجاهل الصياد ولا قاربه ولا ما اصطاده من سمك، فالكل قد استخدم ووظف لتحقيق الغاية. فلنتعلم إذاً أن الله يستخدم كل الموارد لربح النفوس؛ وطالما النعمة موجودة، سيسر الله بأي وعظ لخلاص الذين يؤمنون.” سبيرجن (Spurgeon)
- “ربما لو لم يصطاد التلاميذ في الليل، لما أعطاهم المسيح السمك في النهار، فهو لا يبارك المتكاسلين عادة. فالمسيح يعمل بموجب سيادته المطلقة، وكما قلت، يعطي البركات للكنائس التي تعمل بنشاط لأجله.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (٧-٨): ميز التلاميذ يسوع عند الشاطئ
٧فَقَالَ ذَلِكَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: «هُوَ ٱلرَّبُّ!». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ ٱلرَّبُّ، ٱتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عُرْيَاناً، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي ٱلْبَحْرِ. ٨وَأَمَّا ٱلتَّلَامِيذُ ٱلْآخَرُونَ فَجَاءُوا بِٱلسَّفِينَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ ٱلْأَرْضِ إِلَّا نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ ٱلسَّمَكِ.
- «هُوَ ٱلرَّبُّ!»: وصل يوحنا القبر قبل بطرس (يوحنا ٤:٢٠) وميز حقيقة قيامة يسوع قبل بطرس (يوحنا ٨:٢٠). ونرى يوحنا هنا يميز مرة أخرى هوية الغريب الذي كان يقف على الشاطئ قبل أن يفعل بطرس. عرف يوحنا أن هذا الشيء الرائع الذي حدث لا بد أن مصدره يسوع.
- وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي ٱلْبَحْرِ: كان يوحنا أول من اعتراف بيسوع، لكن بطرس سيكون أول من كرس نفسه. فٱتَّزَرَ بِثَوْبِهِ وَأَلْقَى بنَفْسَهُ فِي ٱلْبَحْرِ للوصول إلى يسوع بسرعة. فالقارب لم يتحرك بالسرعة الكافية بالنسبة لبطرس، ولم يكن يريد ليوحنا أن يكون الأول ثانية. وربما ظن بطرس أنه سيمشي على الماء حتى الشاطئ.
- “الاحتمالية هنا أن كلمة ’ٱتَّزَرَ‘ قد تعني أن الأجزاء من الجسم التي تغطى عادة كانت مكشوفة، ولكن بطرس لم يكن عرياناً ولكنه كان يلبس أقل من المعتاد للقيام بعمله.” موريس ((Morris مقتبساً بتصرف من باركلي Barclay))
- “كان يجذف وهو لا يرتدي سوى القليل، ربما قطعة من القماش فقط، والآن ٱتَّزَرَ بثوبه (ἐπενδύτη) الثوب الذي يلبسه الصيادون عادة (Theophylact)، وها هو يلقي بنفسه في البحر.” دودز (Dods)
- “نظر نحو الشاطئ وعرفه على الفور، فترك كل شيء ولبس ثوبه، فلا يجوز للشرقي أن يقابل رئيسه بملابسه الداخليه، وألقى بنفسه في البحر، مدفوعاً بمحبته للرب.” ترينش (Trench)
- وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ ٱلسَّمَكِ: تبعه التلاميذ الآخرون وهم يقومون بالعمل الشاق: يجرون شبكة السمك معهم.
د ) الآيات (٩-١١): يسوع يدعو التلاميذ لتناول الطعام
٩فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى ٱلْأَرْضِ نَظَرُوا جَمْراً مَوْضُوعاً وَسَمَكاً مَوْضُوعاً عَلَيْهِ وَخُبْزاً. ١٠قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «قَدِّمُوا مِنَ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُمُ ٱلْآنَ». ١١فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ ٱلشَّبَكَةَ إِلَى ٱلْأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكاً كَبِيراً، مِئَةً وَثَلَاثاً وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هَذِهِ ٱلْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ ٱلشَّبَكَةُ.
- نَظَرُوا جَمْراً مَوْضُوعاً وَسَمَكاً مَوْضُوعاً عَلَيْهِ وَخُبْزاً: عندما وصل التلاميذ إلى الشاطئ – بما في ذلك بطرس المبلل بالماء – لاحظوا أن يسوع الُمقام كان لا يزال خادماً متواضعاً. وتكبد عناء إعداد النار وطهي الطعام لتلاميذه.
- «قَدِّمُوا مِنَ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُمُ ٱلْآنَ»:يبين ترتيب الأحداث أن يسوع كان معه طعام لهم قبل إحضارهم للشبكة الممتلئة بالأسماك إليه. فما جلبوه كان مجرد إضافة لما أعده يسوع.
- فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ ٱلشَّبَكَةَ إِلَى ٱلْأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكاً كَبِيراً: “على الأرجح كان وزن مِئَة وَثَلَاثة وَخَمْسِينَ سمكة بالإضافة إلى شبكة مبللة كان ثقيلاً للغاية، ربما يصل إلى ١٣٦ كيلو أو أكثر. وإن ملاحظة العدد الدقيق للأسماك وحقيقة أن الشبكة لَمْ تَتَخَرَّقِ تعكس أن الكاتب كان شاهد عيان وأنه كان صياداً خبيراً.” تيني (Tenney)
- “قيام بطرس بجر الشبكة بمفرده دليل على قوته البدنية.” بروس (Bruce)
- مُمْتَلِئَةً سَمَكاً كَبِيراً، مِئَةً وَثَلَاثاً وَخَمْسِينَ: قام بطرس بزمام المبادرة وجر الشبكة الثقيلة كلها بنفسه. ولم تتخرق الشبكة بل احتفظت بالصيد الكبير الذي يحتوي على ١٥٣ سمكة. وعلى مر القرون كانت هناك محاولات عدة لشرح مغزى ذلك العدد.
- اعتقد بعض المفسرين (أمثال أوغسطينوس) أن العدد ١٥٣ هو مجموع الأرقام من ١ إلى ١٧، وأن مجموع ما اصطادوه ذلك اليوم يشير إلى الرقم ١٧ – الذي يمثل برأيه الوصايا العشرة والمواهب الروحية السبعة. فإذا أضفنا الرقم (١٠) إلى الرقم (٧)، تكون النتيجة (١٧).
- ولاحظ بعضهم أن العدد ١٥٣ هو مجموع الأحرف في الكلمتين بطرس والسمك في اللغة اليونانية.
- وقال بعضهم: “مجموع الأحرف في سِمْعَانُ بْنَ يُونَا في اللغة العبرية يعادل ١٥٣.” دودز (Dods)
- واعتقد بعض المفسرين القدماء (أمثال جيروم) أن هناك ١٥٣ نوعاً مختلفاً من الأسماك في العالم وأن هذه الشبكة الممتلئة سمكاً كثيراً تمثل العالم.
- واعتقد بعضهم (أمثال سيريل من الاسكندرية) أن الرقم ١٠٠ يمثل الأمم، والرقم ٥٠ يمثل اليهود، والرقم ٣ يمثل الثالوث.
- والحقيقة هي أن كل ما نعرفه هو أن الرقم ١٥٣ يمثل عدد الأسماك التي كانت في الشبكة. والتفسيرات المجازية العديدة للرقم تحذرنا من خلق معانٍ خفية في النص الكتابي.
- “لم يجر بطرس شبكة مليئة بالأسماك أبداً قبل أن يحصيها، ويوحنا، كونه صياداً، لا يمكنه أبداً أن ينسى هذا الكم الهائل من الأسماك.” دودز (Dods)
هـ) الآيات (١٢-١٤): التلاميذ يتناولون الطعام مع يسوع
١٢قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!». وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلرَّبُّ. ١٣ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ ٱلْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ ٱلسَّمَكَ. ١٤هَذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ.
- قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!»: نعجب مجدداً بطبيعة يسوع الخادم، فقد احتفظ بطبيعته المتواضعة حتى في قيامته. وأعد الطعام لتلاميذه، وبلا شك كانت وجبة لذيذة.
- تأمل بويس (Boice) في العديد من الدعوات التي قدمها يسوع في الأناجيل.
- تَعَالَيَا وَٱنْظُرَا (يوحنا ٣٩:١).
- تَعَالَوْا إِلَيَّ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي (متى ٢٨:١١-٢٩).
- تَعَالَوْا وَٱسْتَرِيحُوا قَلِيلاً (مرقس ٣١:٦).
- هَلُمُّوا تَغَدَّوْا (يوحنا ١٢:٢١).
- تَعَالَوْا … رِثُوا (متى ٣٤:٢٥-٣٦).
- تأمل بويس (Boice) في العديد من الدعوات التي قدمها يسوع في الأناجيل.
- وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلرَّبُّ: هذه إشارة أخرى إلى أن شكل يسوع بعد القيامة لم يتغير. ربما كان هناك آثار للضرب الذي تلقاه على الصليب، وبعض الندوب التي كانت لا تزال ظاهرة نوعاً ما.
- “لم يفكروا سابقاً في سؤاله: “من أنت؟” ولكنهم شعروا الآن بحاجتهم ليفعلوا ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أنه الرب.” بروس (Bruce)
- “لم يجسر أحد من التلاميذ على استجوابه؛ كلمة يسأله (ἐξετάσαι) تعني ’أن يفحص عن طريق الاستجواب.‘ كان كل تلميذ منهم مقتنعاً أنه الرب، ولكن احترامهم الشديد له منعهم من السؤال.” دودز (Dods)
- ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ ٱلْخُبْزَ: مشهد يسوع يأكل مع تلاميذه بعد القيامة، مشهد مألوف للغاية. فهذه صورة تعكس علاقة حميمة وودية.
- وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ ٱلسَّمَكَ:“من الواضح أنه كان هناك شيء مهيب ومهم في تصرفاته، مما يشير على أنهم كانوا يعتبرونه الشخص الذي سيسدد كل احتياجهم.” دودز (Dods)
- “لا بد أن شعورهم بالذنب جعلهم يأكلون الخبز والسمك بصمت في ذلك الصباح. نظر بطرس إلى النار والدموع في عينيه متذكراً كيف وقف ليستدفئ حينما أنكر سيده. كما وقف توما هناك، متسائلاً إن كان يجرؤ على طلب البراهين على حقيقة واضحة كهذه. فكلهم شعر بالعجز أمام حضوره الإلهي، بما أنهم تصرفوا بهذا السوء.” سبيرجن (Spurgeon)
- هَذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ:“يعني هذا على الأرجح ثالث ظهور ليسوع سجله عن نفسه.” تاسكر (Takser)
ثانياً. رد إيمان بطرس العلني
أ ) الآيات (١٥-١٦): تسائل يسوع عن محبة بطرس
١٥فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ؟». قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ٱرْعَ خِرَافِي». ١٦قَالَ لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟». قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ٱرْعَ غَنَمِي».
- قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ:تكلم يسوع مباشرة مع بطرس بعدما تغدوا. وكان يسوع قد التقى قبلاً مع بطرس يوم قيامته (لوقا ٣٤:٢٤، كورنثوس الأولى ٥:١٥). لا يسعنا إلا أن نتساءل عن الحديث الذي دار بين يسوع وبطرس في لقاءهم الأول. ومع ذلك، كان لا يزال من المهم بالنسبة ليسوع أن يعيد إيمان بطرس في حضور التلاميذ الآخرين.
- يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا: خاطب يسوع قائد التلاميذ المعروف باسم سِمْعَان، لا بطرس. ولعله أراد أن يذكره برفق بأنه لم يثبت كالصخرة في إخلاصه له كما وعد.
- “نرى الجدية من طرف يوحنا حينما استخدم الاسم الكامل لسمعان بطرس، وكيف أشار لاحقاً إلى استخدام يسوع لاسم بطرس الكامل، سمعان بن يونا.” موريس (Morris)
- أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ؟: طلب يسوع من بطرس أن يقارن محبته ليسوع بمحبة باقي التلاميذ ليسوع. فقد أعلن بطرس سابقاً، قبل إنكاره ليسوع ثلاث مرات، أن محبته ليسوع تفوق محبة الآخرين له (متى ٣٣:٢٦). لذا أراد يسوع أن يعرف ما إذا كان بطرس لا يزال يفتخر بمحبته وتفانيه ليسوع.
- ربما ’هَؤُلَاءِ‘ كانت تشير إلى السمك وإلى مهنة الصيد. وقد اعتقد البعض أن يسوع سأل بطرس إن كان مستعداً للتخلي عن الصيد ثانية ليتبعه. ولكن، إعلان بطرس السابق عن محبته الشديدة نحو يسوع، يقترح أن يسوع قصد بكلامه التلاميذ الآخرين وليس الصيد.
- لم يسأل يسوع بطرس هذا السؤال لأنه لم يعرف الإجابة، كان يعرفها جيداً، وبطرس كان يعرف ذلك جيداً. لكن الهدف من السؤال هو أن يفحص بطرس نفسه ويختبرها.
- أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ؟… أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ: طرح يسوع السؤال مرتين مستخدماً كلمة آغاباس (agapas)، التي تستخدم عادة في الكتاب المقدس للإشارة للمحبة الكاملة المضحية وغير الأنانية. ولكن استخدم بطرس كلمة فيليو (philio) للرد على سؤال يسوع، وهذه استخدمت في الكتاب المقدس للإشارة للمحبة الأخوية المتبادلة. وقد عبرت بعض الترجمات عن إجابة بطرس هكذا: ’أنا صديقك.‘
- يرى بعض المفسرين أنه لا يوجد فرق هام بين الكلمتين اليونانيتين القديمتين: ’آغابي‘ و’فيليو‘ في هذا المقطع. ويعتقد الكثيرون أن بطرس أصبح الآن أكثر تحفظاً في إعلانه عن ولاءه ليسوع. ولكن بالتأكيد هناك مغزى وراء طرح يسوع نفس السؤال على بطرس مرتين، مستخدماً الكلمة اليونانية القديمة ’محبة‘ وأن يرد بطرس مرتين مستخدماً كلمة مختلفة للمحبة.
- “إن بطرس يقول ببساطة هنا إن قلبه مفتوح للمسيح، وأن المسيح كان يعرف أنه يحبّه بأفضل طريقة يمكن أن يعرفها إنسان خاطئ مثله.” بويس (Boice)
- “فيما بيننا خدام للكلمة يجرون الشبكة الممتلئة سمكاً كثيراً نحو الشاطئ، وهم خُدام عظماء وناجحين، لكن هذا لا يمنعهم من الحاجة لفحص الذات. وقد يعرقلهم الرب أحياناً بشباكهم لفترة بهدف الشركة معهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- «ٱرْعَ خِرَافِي»… «ٱرْعَ غَنَمِي»: بعد الحوار الذي تم بين يسوع وبطرس، قدم يسوع تعليمات لبطرس حول كيفية التصرف تجاه شعب الله. وكان الهدف من ذلك أن يبرهن بطرس على محبته المزعومة ليسوع عن طريق الاهتمام بخراف يسوع. وقد أكد يسوع على أنهم كانوا غنمه هو لا غنم بطرس.
- “الفعل المستخدم هنا له معنى أوسع من مجرد إطعام الغنم، إنه يتكلم إلى دور ومنصب الراعي ككل.” موريس (Morris)
- «ٱرْعَ غَنَمِي»: “يبدو أنه يشير لعلاقة أكثر حميمية، فلا يكفي أن يقدم الراعي مجرد خبز الحياة لرعية الرب، بل عليه أن يهتم بجمع وبتنظيم وبإرشاد رعيته. ويبدو أن بطرس فهم تماماً كلام الرب، وعرف أنه لم يكن هو المقصود فحسب، بل باقي التلاميذ وكل من سيتبعهم فيما بعد في الخدمة.” كلارك (Clarke)
ب) الآية (١٧): يسوع يسأل بطرس للمرة الثالثة: أَتُحِبُّنِي؟
١٧قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟». فَحَزِنَ بُطْرُسُ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱرْعَ غَنَمِي».
- قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: لم يكتفِ يسوع بالسؤالين السابقين اللذان سألهما لبطرس لإنجاز قصده في حياته. لهذا: قَالَ لَهُ ثَالِثَةً.
- فَحَزِنَ بُطْرُسُ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أدرك بطرس أهمية السؤال لأن يسوع كرره ثلاث مرات. فكان هذا تذكير مباشر لبطرس بأنه أنكر سيده ثلاث مرات.
- “لقد أنكر بطرس سيده ثلاث مرات، وها هو يسوع يتيح الفرصة له ليصحح خطأه نوعاً ما، بإعلان ثلاثي عن محبته.” كلارك (Clarke)
- أَتُحِبُّنِي؟: غير يسوع سؤاله قليلاً في المرة الثالثة. فسأل بطرس إن كان يحبه ويخلص له فعلاً كأخ وكصديق (فيليز phileis).
- “استخدم بطرس في أول إجابتين له كلمة تظهر محبة أقل، وكانت إجابته تعبر عن إدراكه لضعفه، رغم أن مشاعره كانت عميقة ومقنعة. وفي السؤال الثالث، استخدم الرب نفس الكلمة التي استخدمها بطرس ليقرب له المعنى المنشود.” آلفورد (Alford)
- «يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ»: كان بطرس صادقاً في محبته ليسوع (حتى عندما استخدام كلمة فيليو)، ومع ذلك اعتمد على معرفة يسوع لكُلَّ شَيْءٍ، كما أدرك أن يسوع يعرفه أكثر بكثير من نفسه.
- لم يسأل يسوع بطرس: “هل أنت نادم؟” ولم يسأل: “أتعدني أنك لن تفعل ذلك ثانية؟” بل تحدى يسوع أن يحب أكثر.
- “لا يطلب يسوع المسيح منا الطاعة في المقام الأول ولا التوبة ولا قطع الوعود ولا السلوك بل يطلب ما في قلوبنا. فعندما نسلم له القلب بالكامل، كل شيء آخر يتبع.” ماكلارين (Maclaren)
- «ٱرْعَ غَنَمِي»: رد يسوع إيمان بطرس بحضور التلاميذ الآخرين بمساعدته على مواجهة نقطة فشله مباشرة، ثم تحداه ليركز عيناه على الخدمة الموضوعة أمامه.
ج) الآيات (١٨-١٩): دعوة يسوع على حياة بطرس
١٨اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلَكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لَا تَشَاءُ». ١٩قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يُمَجِّدَ ٱللهَ بِهَا. وَلَمَّا قَالَ هَذَا قَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي».
- اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ: استهل يسوع هذه الكلمات الختامية لبطرس بتأكيد واضح. فالكلام الذي كان على وشك أن يقوله ينبغي ألا ينسى.
- لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً: تكلم يسوع عن ماضي بطرس، وذكره بأيام شبابه عندما كانت مسؤوليته أقل وكان يفعل ما يحلو له. ومعظمنا يذكر جيداً كيف بدت السنوات الأكثر حَدَاثَة.
- وَلَكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ: تكلم يسوع عن مستقبل بطرس، عندما يربطه الآخرون ويأخذونه إلى حيث لا يريد – مكان سيمد فيه يديه ليسمر على الصليب. وموته هذا على الصليب سوف يُمَجِّدَ ٱللهَ.
- “سوف يُقيد، ولن يكون المسؤول عن تحركاته.” موريس (Morris)
- عرف يسوع أن بطرس فهم كلامه جيداً، ولا بد أن هذا جعله يقشعر. يا بطرس، أنت ستموت معلقاً على الصليب. وفَهِمَ يوحنا، كاتب الإنجيل، هذا الكلام أيضاً ولكنه كتب عنه بعد مرور عدة سنوات على وفاة بطرس.
- ومع ذلك، قدم هذا الكلام أيضاً الضمان لبطرس. فقبل عدة أسابيع، وفي لحظة صعبة، أنكر بطرس يسوع ثلاث مرات ليحمي نفسه من عقوبة الصلب. وها هو يسوع يؤكد لبطرس (اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ) أنه سيواجه تحدي الصليب ثانية وأنه سيقبله وسيعانقه. ولكن وعد يسوع بطرس بأنه سيموت بسبب إخلاصه الكامل لمسيحه وربه.
- “قال المفسرون القدمى أنه بعد حوالي أربع وثلاثين سنة، صُلب بطرس، واعتبر الموت على الصليب من أجل المسيح مجداً لا يستحقه لدرجة أنه توسل أن يصلب منكس الرأس كي لا يصلب مثل سيده. وهذا ما فعله أيضاً يوسابيوس وبرودينتيوس ويوحنا فم الذهب وأوغسطينوس.” كلارك (Clarke)
- “قال جيروم: ’لبس بطرس تاج الشهيد تحت حكم نيرون، وصلب مقلوباً، رأسه للأسفل وقدميه للأعلى، لأنه قال أنه غير مستحق أن يصلب بنفس طريقة سيده.‘” آلفورد (Alford)
- يستطيع المؤمن أن يُمَجِّدَ ٱللهَ حتى في موته. “اعترف جستين الشهيد، عندما رأى إيمان المؤمنين في الحياة وصبرهم في الموت، أن هذا جعله يدرك الحقيقة التي كانوا يعلنون عنها باستمرار ويختمونها بدمائهم.” تراب (Trapp)
- «ٱتْبَعْنِي»: في هذه اللحظة الدرامية، نطق يسوع بهذه الكلمات الأخيرة لبطرس. وقد وجه يسوع هذه الدعوة لبطرس قبل عدة سنوات (متى ١٨:٤-١٩)، ولكن بطرس أدرك الآن أن الاستمرار في تبعية يسوع سيعني تحمله لصليب ما. ومرة أخرى يضع يسوع أمام بطرس التحدي ليتبع المسيا المعلم والرب.
- “وضع يسوع بطرس في نفس الفئة معه – حياة كرسها بالكامل لله وضحى بها لمجد الله. وقد استخدم يوحنا لغة مماثلة لوصف يسوع في نص سابق من إنجيله (يوحنا ٢٧:١٢-٣٢؛ >٣١:١٣). وجاءت كلمة ٱتْبَعْنِي بصيغة الأمر المضارع التام وكأنه يقول: اتبعني واستمر باتباعي.” تيني (Tenney)
- “ربما توجد أهمية في استخدام الفعل المضارع التام هنا، و’استمرارية التبعية‘ هي القوة الدافعة. ففي الماضي، تبع بطرس المسيح ولكن ليس بصورة مستمرة. وفي المستقبل سيتبع طريق الرب بكل ثبات.” موريس (Morris)
د ) الآيات (٢٠-٢٣): ماذا عن يوحنا؟
٢٠فَٱلْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ ٱلتِّلْمِيذَ ٱلَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَيْضاً ٱلَّذِي ٱتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ ٱلْعَشَاءِ، وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يُسَلِّمُكَ؟». ٢١فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هَذَا، قَالَ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، وَهَذَا مَا لَهُ؟» ٢٢قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ ٱتْبَعْنِي أَنْتَ!». ٢٣فَذَاعَ هَذَا ٱلْقَوْلُ بَيْنَ ٱلْإِخْوَةِ: إِنَّ ذَلِكَ ٱلتِّلْمِيذَ لَا يَمُوتُ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لَا يَمُوتُ، بَلْ: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟».
- «يَا رَبُّ، وَهَذَا مَا لَهُ؟»: جدد يسوع التحدي الذي قدمه لبطرس: ٱتْبَعْنِي (يوحنا ١٩:٢١). ولكن بطرس لم يوافق على طلبة يسوع في البداية، ولكنه ٱلْتَفَتَ ونظر التلميذ الآخر، يوحنا. كان رد بطرس الأول على التحدي الشخصي الذي وضعه يسوع أمامه هو تغيير الموضوع عن طريق التساؤل عما سيفعله يسوع بخصوص شخص آخر.
- يبدو أن بطرس يمثل كل واحد منا. فمن السهل علينا التغاضي عن أي تحد شخصي يضعه يسوع أمامنا بالتساؤل والقلق حتى بشأن ما يفعله الآخرين أو ما قد يطلبه يسوع منهم.
- وَهَذَا (يوحنا) مَا لَهُ؟: “مساهمة يوحنا الفريدة ستأتي لاحقاً. فبعد استقراره في مدينة أفسس الوثنية، سوف يعمل على استرداد من انجرفوا وراء الاختبارات الروحية والتكهنات إلى مرسى الله الأكيد والثابت المعلن في الشخصية التاريخية: الكلمة صار جسداً.” تاسكر (Tasker)
- “ربما كان بولس هو بطل المسيح الأول، وبطرس راعي رعية المسيح، أما يوحنا فنستطيع أن نسميه شاهد المسيح.” باركلي (Barclay)
- إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟: رد يسوع على بطرس بوضع تحدي آخر أمامه. وعلى الرغم من أن بطرس كان مقدراً له أن يموت على الصليب (يوحنا ١٨:٢١-١٩)، إلا أن يسوع أراد لبطرس أن يفكر في إمكانية أن يكون مصيره مختلفاً تماماً عن مصير يوحنا. لهذا كان على بطرس أن يفكر في طلبة يسوع عالماً أن يسوع قد يطلب شيئاً مختلفاً من يوحنا أو من تلاميذه الآخرين.
- “نجد نوعاً من الاهتمام في توبيخه لبطرس لأنه حاول أن يكتشف مشيئة الله المتعلقة بشخص آخر.” مورغان (Morgan)
- ٱتْبَعْنِي أَنْتَ!: كان هذا التحدي القوي موجهاً مباشرة لبطرس. وبغض النظر عن كيفية تعامل يسوع مع يوحنا أو التلاميذ الآخرين، كان على بطرس أن يقرر بنفسه ما إذا كان سيتبع يسوع أم لا. وهذا التحدي موجه لكل تلاميذ يسوع.
- “استخدام ضمير الشخص الثاني في أمر يسوع، يؤكد البيان: ’ٱتْبَعْنِي أَنْتَ!‘” تيني (Tenney)
- “توصلت إلى الاستنتاج التالي: بدلاً من محاولة تصحيح الخدام الآخرين، عليَّ أن أركز على هدفي الأول والأهم وهو اتباع ربي، واعتقد يا أخي، أنه من الحكمة أن تصل أنت إلى نفس النتيجة أيضاً.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَذَاعَ هَذَا ٱلْقَوْلُ بَيْنَ ٱلْإِخْوَةِ: إِنَّ ذَلِكَ ٱلتِّلْمِيذَ لَا يَمُوتُ: التحدي الذي قدمه يسوع لبطرس أصبح إشاعة وانتشرت بَيْنَ ٱلْإِخْوَةِ في الكنيسة الأولى. وكانت الإشاعة أن يسوع قال أن يوحنا لن يموت حتى مجيئه الثاني. وحقيقة أن يوحنا كان آخر تلميذ بقي على قيد الحياة ونجا من عدة محاولات لقتله، عزز هذه الإشاعة.
- هذا يوضح كيف بسهولة قد يسيء الناس فهم الأمور، وكم عدد المرات التي يسيء فيها ٱلْإِخْوَةِ الفهم.
- وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لَا يَمُوتُ: أحد الأسباب التي جعلت يوحنا يضيف هذا الملحق إلى إنجيله هو توضيح ما قاله يسوع عن هذا الأمر وتصحيح الإشاعة. ولكن يسوع لَمْ يَقُلْ ليوحنا إِنَّهُ لَا يَمُوتُ، لكنه ببساطة استخدم إحتمالية ذلك كمثال لبطرس.
- “تقول الشائعات أن الرب يسوع تنبأ بعدم موت التلميذ الحبيب حتى مجيئه الثاني، لهذا كان كاتب الإنجيل مسارعاً لتوضيح أن يسوع تكلم من الناحية النظرية عن احتمالية حدوث شيء كهذا.” تاسكر (Tasker)
هـ) الآيات (٢٤-٢٥): ختام إنجيل يوحنا
٢٤هَذَا هُوَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ. ٢٥وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ ٱلْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ.
- هَذَا هُوَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا: يوضح يوحنا هنا أنه هو التلميذ الآخر المشار إليه في عدة أماكن سابقة. لهذا قدم يوحنا شهادة رسمية على حقيقة ما كتبه. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ.
- فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ ٱلْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمَكْتُوبَةَ: كتب يوحنا الحق عن يسوع، لكن كان من المستحيل عليه أو أي شخص آخر أن يكتب الحق الكامل عن يسوع. كان هناك أَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، وسيكون من المستحيل كتابتها كلها.
- “بهذا الأسلوب من المبالغة التي تنم عن سعادته أرادنا يوحنا أن ندرك أن هناك الكثير عن يسوع لا نعرفه بعد.” موريس (Morris)
- كانت الأشياء الأخرى الكثيرة التي صنعها يسوع تشمل عمله المستمر بين تلاميذه والعالم اليوم. لهذا تخيل يوحنا كتاباً لا تتوقف الكتابة فيه أبداً ويحوي مجلدات لن يسعها العالم بأسره.