إنجيل مرقس – الإصحاح ٢
خلاف يسوع مع القادة الدينيين
أولًا. سلطان يسوع على مغفرة الخطايا والشفاء
أ ) الآيات (١-٤): مقاطعة يسوع وهو يعلم.
١ثُمَّ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ. ٢وَلِلْوَقْتِ اجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلاَ مَا حَوْلَ الْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِالْكَلِمَةِ. ٣وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. ٤وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْجَمْعِ كَشَفُوا السَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا السَّرِيرَ الَّذِي كَانَ الْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ.
- اجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلاَ مَا حَوْلَ الْبَابِ: يخبرنا مرقس في ٢٨:١ أنه بعد إخراج الروح النجس من الرجل، خَرَجَ خَبَرُهُ لِلْوَقْتِ فِي كُلِّ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْجَلِيلِ. حتى هذه النقطة من خدمته، جذب يسوع الجموع إليه أينما مضى.
- فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِالْكَلِمَةِ: لا يخبرنا مرقس تحديداً ماذا علمهم يسوع، ولكنه يشدد ثانية على خدمة يسوع في التعليم كما فعل سابقاً في مرقس ٢٨:١، ٣٨:١-٣٩.
- “من الواضح أن يسوع تجنب الشوارع لأنها تحولت لأماكن تجمع من يطلبون الشفاء. فأينما ذهب، حاصره الناس بطلباتهم للشفاء وإخراج الأرواح، مما منعه من عمل ما جاء ليعمله وهو تعليم الكلمة.” ستيدمان (Steadman)
- وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْجَمْعِ كَشَفُوا السَّقْفَ حَيْثُ كَانَ: بسبب الازدحام، قام أصدقاء المفلوج بإنزاله عبر السقف. يا لها من طريقة غير عادية لمقاطعة الموعظة.
- كَشَفُوا السَّقْفَ: كانوا عادة يصعدون إلى السقف عن طريق سلم خارجي، ولأن السقف كان مصنوعاً من القش والتراب أو الطين تمكن أصدقاء المفلوج من إحداث فجوة فيه وإنزال صديقهم حيث كان يسوع.
- كتب مورغان (Morgan) تعليقاً على الجملة ’كَشَفُوا السَّقْفَ‘ كالتالي: “الترجمة هنا غير دقيقة (مضللة) بعض الشيء. فقوة الكلمة تشير إلى أنهم نقبوا (كسروا) سقف البيت ليتمكنوا من إنزال السرير الذي كان المفلوج مضطجعاً عليه حيث كان يسوع.”
- وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا السَّرِيرَ الَّذِي كَانَ الْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ: يبرهن هذا على عزيمة وإيمان أصدقاء الرجل المفلوج. فقد اعتمد أصدقاءه على شفاء يسوع، لأن رفعه عبر السقف حتماً سيكون أصعب من إنزاله منه. كانوا واثقين من أنه سيخرج من الغرفة واقفاً على قدميه.
ب) الآيات (٥-٧): يسوع يغفر خطايا الرجل المفلوج
٥فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». ٦وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: ٧«لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ؟»
- فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ: نظر يسوع إلى الرجال الأربعة المنشغلين بإنزال السرير من الجهات الأربعة ورَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ. كان إيمانهم واضحاً. فشجاعتهم وعزيمتهم في إحضار صديقهم إلى يسوع كانا دليلاً على أن إيمانهم كان حقيقياً.
- «يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ»: يمكننا أن نتخيل مشاعر هؤلاء الأصدقاء بعد سماعهم هذه العبارة. فقد تكبدوا الكثير من المتاعب لكي يبصروا شفاء صديقهم، ولكن المعلم كان مهتماً فقط بأن يغفر له خطاياه. ربما احتجوا قائلين: ’كلا، هو لا يحتاج هذا، فهو مشلول! نريده أن يمشي لا أن يحصل على المغفرة!‘
- ومع ذلك، عرف يسوع احتياج الرجل الحقيقي والأعظم. فما المنفعة إن كان يملك قدمين ودخل بهما مباشرة إلى الجحيم! فمهما كانت المشكلة، فالخطية هي السبب الحقيقي وهي المشكلة الحقيقية. لهذا تعامل يسوع مع المشكلة الحقيقية وعالجها.
- لم يقصد يسوع بهذا أن المفلوج كان مذنباً بصورة معينة أو أن مرضه كان بسبب خطية ما. بدلاً من ذلك، خاطب يسوع احتياج الرجل الأعظم وأصل كل ألم ومعاناة، أي طبيعة الإنسان الساقطة.
- “غفران الخطايا هو أعظم معجزة صنعها يسوع على الإطلاق. فغفران الخطايا يسدد أعظم احتياج، وثمنه كان باهظاً للغاية، ومن خلاله تأتي البركات الوفيرة ونتائجه أبدية.” ويرزبي (Wiersbe)
- مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ؟: كان منطق الكتبة سليماً. فإيمانهم بأن الله وحده هو القادر على مغفرة الخطايا كان صحيحاً تماماً، وكانوا أيضاً مُحقين في أن يفحصوا تعليم هذا المعلم الجديد. ولكن خطأهم كان في رفضهم رؤية وقبول أن يسوع هو ابن الله الذي له السلطان على مغفرة الخطايا.
- “تشير كلمات الأصحاح إلى سعي الكتبة الحثيث لمحاولة إيجاد ما يلومون به المسيح: إذ تعجبوا من كلامه في البداية، ثم شعروا أن كلامه لا يليق، وفي النهاية قالوا: ماذا؟! هذا تجديف!” بروس (Bruce)
- “نرى نفس المعضلة الفكرية تظهر مراراً في حياة يسوع: فإن لم يكن يسوع هو الله، فكلامه هذا لا بد أن يكون تجديفاً، فليس هناك احتمال آخر.” كولي (Cole)
ج) الآيات (٨-١٢): أظهر يسوع سلطانه على مغفرة الخطايا وعلى الشفاء
٨فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هَكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهَذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ ٩أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟١٠وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا» – قَالَ لِلْمَفْلُوجِ:١١«لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ».١٢فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلِّ حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللَّهَ قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا قَطُّ!».
- فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هَكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ: سرعان ما عرف هؤلاء الكتبة أن يسوع قادر على قراءة أفكارهم الشريرة. كان على هذا أن يقنعهم أن يسوع هو الله حقاً ويملك القدرة على مغفرة الخطايا.
- من الصعب أن نعرف إن عرف يسوع هذا بسبب طبيعته الإلهية أم بسبب طبيعته البشرية التي تتمتع بموهبة التمييز وكلام الحكمة. ويضع تراب (Trapp) أساساً كتابياً لكلا الفكرتين: “شَعَرَ يسوع بهذا بسبب طبيعته الإلهية كما نقرأ في تيموثاوس الأولى ١٦:٣ وعبرانيين ١٤:٩، أو عرف هذا بروحه كإنسان يتمتع بمواهب روحية مثل بطرس الأولى ٨:٣، مَسُوقِ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، مثل بطرس الثانية ٢١:١.”
- أَيُّمَا أَيْسَرُ: لا يمكن للإنسان أن يغفر الخطايا أو أن يشفي المرض، فكلاهما مستحيل بالنسبة للإنسان، أما بالنسبة لله فكلاهما سهل. فمن المنطقي إذاً أن نفترض أنه بما أن يسوع شفى الرجل من مرضه فلا بد أنه يملك السلطان ليغفر خطاياه أيضاً.
- كان شفاء الرجل “أصعب” نوعاً ما، من مغفرة خطاياه، فمغفرة الخطايا أمر غير مرئي ولا يستطيع أحد أن يتأكد أن الله قد غفر خطاياه في تلك اللحظة فعلاً. أما الشفاء فيمكن التأكد منه على الفور، إما أن يمشي الرجل أو لا يمشي. وكان يسوع مستعداً لهذا الاختبار.
- خاطب يسوع الكتبة بذات منطقهم. “إذ كان معلمو اليهود يقولون: ’لا يمكن لإنسان أن يبرأ من مرضه إلا إذا غفرت كل خطاياه.‘ فالمريض بالنسبة لليهود هو شخص فعل خطية ما أنزلت عليه غضب الله.” باركلي (Barclay)
- اِبْنِ الإِنْسَانِ: كثيراً ما استخدم يسوع هذا اللقب. والفكرة من هذا اللقب ليست أنه ’إنسان كامل‘ أو ’إنسان مثالي‘ أو ’إنسان عادي‘ ولكنها إشارة للآيات في سفر دانيال ١٣:٧-١٤ التي تتحدث عن مجيء ملك المجد الملقب ’ابن الإنسان‘ ليدين العالم.
- استخدم يسوع هذا اللقب كثيراً لأنه كان لقباً محصوراً بالمسيا في زمنه ولأنه كان بعيداً عن أي إشارات سياسية أو قومية. كان بإمكان يسوع أن يستخدم لقب ’الملك‘ أو ’المسيح،‘ لكن هذه الألقاب بالنسبة للمستمع اليهودي ستعني: أن المسيح جاء ليهزم الرومان. لهذا كان لقب ’اِبْنِ الإِنْسَانِ‘: “هو اللقب المفضل للمسيح، فالإعلان عن نفسه بأنه المسيا سيحميه من أي هجوم.” روبرتسون (Robertson)
- فَقَامَ لِلْوَقْتِ: تخيلوا التوتر الموجود في المشهد أمامنا: كان الكتبة متوترين لأن يسوع تحداهم وقال أنه سيظهر لهم أنه ابن الله حقاً، وكان الرجل المفلوج متوتراً لأنه تساءل عما إذا كان بإمكان يسوع أن يشفيه فعلاً، وكان الحضور متوترين لأنهم شعروا بتوتر الآخرين، وكان صاحب البيت متوتراً لأنه كان يفكر في تكلفة إصلاح السقف، وكان الأصدقاء الأربعة متوترين لأنهم بدأوا يشعرون بالتعب الآن. الشخص الوحيد الذي لم يشعر بأي توتر كان يسوع لأنه يملك السلام الكامل، فقال للرجل المفلوج بكل هدوء: ’قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ…‘ فَقَامَ لِلْوَقْتِ وهو يتمتع بالشفاء الكامل. فقد برهن يسوع عن سلطانه على الشفاء وعلى مغفرة الخطايا بشكل فوري… ’لِلْوَقْتِ.
- تخيلوا ماذا كان سيحدث لو لم ينجح يسوع: ستنتهي خدمته حتماً، سينسحب الناس من البيت تدريجياً، سوف يبتسم الكتبة ويقولون: “إنه غير قادر على الشفاء أو على مغفرة الخطايا،” سيعاني الأصدقاء الأربعة في رفع المفلوج ثانية عبر السقف، وسيشعر المفلوج بمزيد من الرفض والحرج. أما صاحب البيت فسوف ينظر إلى السقف ويقول في نفسه: كل هذا كان بلا فائدة.
- ولكن يسوع لم يفشل ولا يمكنه أن يفشل لأن كل ما عليه فعله لشفاء هذا الرجل هو أن يقول كلمة واحدة فقط. فهناك قوة رائعة للشفاء في كلام يسوع، وفي مواعيد يسوع لكل من يأتي إليه بالإيمان. فقد جاء هذا الرجل إلى يسوع بالإيمان، حتى لو كان ذلك الإيمان هو إيمان أصدقاءه.
- بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللَّهَ قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا قَطُّ!»: نجح يسوع ذلك اليوم، وبُهِتَ الْجَمِيع إِذَ رُؤُوا عمل الله.
- “وقع الكتبة في الفخ الذي نصبوه. فوفقاً لمعتقداتهم، لا يمكن للرجل أن يُشفى إلا إذا غفرت خطاياه. وها هو يشفى، إذاً خطاياه قد غفرت فعلاً. وهذا يعني أن إعلان يسوع عن أنه قادر على مغفرة الخطايا كان صحيحاً أيضاً.” باركلي (Barclay)
ثانياً. يسوع يأكل مع الخطاة
أ ) الآيات (١٣-١٤): دعوة لاوي ليكون تلميذاً
١٣ثُمَّ خرجَ أيضًا إلَى البحرِ. وأتَى إليهِ كُلُّ الجَمعِ فعَلَّمَهُمْ. ١٤وفيما هو مُجتازٌ رأى لاويَ بنَ حَلفَى جالِسًا عِندَ مَكانِ الجِبايَةِ، فقالَ لهُ: «اتبَعني». فقامَ وتَبِعَهُ.
- فعَلَّمَهُمْ: استمر يسوع في التركيز على الخدمة التي جاء ليعملها كما قال مرقس في الآية ٣٨:١ «لِنَذْهَبْ إلَى القُرَى المُجَاوِرَةِ حَتَّى أُبَشِّرَ هُنَاكَ أيْضًا، لِأنِّي مِنْ أجْلِ هَذَا جِئْتُ.» لم يبتعد يسوع أبداً عن هدفه.
- رأى لاويَ … جالِسًا عِندَ مَكانِ الجِبايَةِ: كان لاوي (المعروف أيضاً باسم مَتَّى في إنجيل متى ٩:٩) جابياً للضرائب. كان جباة الضرائب منبوذين في المجتمع ويعتبروا خونة ومبتزين.
- قد أصاب اليهود في اعتبارهم خونة لأنهم كانوا يعملون لحساب الرومان وكان بإمكانهم الاستعانة بالجنود لإجبار الناس على دفع الضرائب. فقد كانوا من اليهود الواضح تواطئهم مع روما.
- قد أصاب اليهود في اعتبارهم سراقاً ومبتزين لأنهم كانوا يأخذون من الناس مبالغ تفوق المطلوب ويحتفظون بالباقي لأنفسهم. كان جامع الضرائب يدخل في مناقصة كي يحصل على الوظيفة. فعلى سبيل المثال، قد يرغب العديد من جامعي الضرائب الحصول على ’عقد‘ جمع ضرائب مدينة مثل كفرناحوم. وكان الرومان يمنحون الوظيفة أو العقد لمن يدفع أعلى سعر، وبعدها يقوم جامع الضرائب بجمع أكبر قدر ممكن من المال من الشعب، ثم يدفع ما وعد به الرومان ويحتفظ بالباقي لنفسه وهكذا يحقق بعض الربح.
- “عندما كان اليهودي يعمل كجامع للضرائب كان يصبح منبوذاً إجتماعياً وغير مؤهل ليكون قاضياً أو شاهداً في المحكمة، وكان يُعزل من المجمع، وفي نظر المجتمع كان هذا العار يشمل عائلته أيضاً.” لاين (Lane)
- فقالَ لهُ: «اتبَعني»: رغم معرفة يسوع بكره الناس لجامعي الضرائب، من الرائع أن نرى كيف أحب ودعا لاوي. وكانت محبته في مكانها لأن لاوي تجاوب مع الدعوة وترك كل شيء وتبع يسوع.
- وبطريقة ما، كانت تضحيته تفوق تضحية أي تلميذ آخر. فقد كان سهلاً على بطرس ويعقوب ويوحنا العودة لصيد السمك، أما لاوي فكانت عودته لعمله كجامع للضرائب صعبة للغاية. “كانت وظيفة جمع الضرائب مطلوبة بشدة لأنها أسرع طريقة للثراء.” ويسيل (Wessel)
ب) الآيات (١٥-١٧): تهمة يسوع بمخالطة العشارين والخطاة
١٥وفيما هو مُتَّكِئٌ في بَيتِهِ كانَ كثيرونَ مِنَ العَشّارينَ والخُطاةِ يتَّكِئونَ مع يَسوعَ وتلاميذِهِ، لأنَّهُمْ كانوا كثيرينَ وتَبِعوهُ. ١٦وأمّا الكتبةُ والفَرّيسيّونَ فلَمّا رأوهُ يأكُلُ مع العَشّارينَ والخُطاةِ، قالوا لتلاميذِهِ: «ما بالُهُ يأكُلُ ويَشرَبُ مع العَشّارينَ والخُطاةِ؟». ١٧فلَمّا سمِعَ يَسوعُ قالَ لهُمْ: «لا يَحتاجُ الأصِحّاءُ إلَى طَبيبٍ بل المَرضَى. لَمْ آتِ لأدعوَ أبرارًا بل خُطاةً إلَى التَّوْبَةِ».
- وفيما هو مُتَّكِئٌ في بَيتِهِ كانَ كثيرونَ مِنَ العَشّارينَ والخُطاةِ يتَّكِئونَ مع يَسوعَ وتلاميذِهِ: اعتقد كثيرون أن هذا كان حفل وداعي أقامه لاوي لأصدقائه بعدما ترك عمله كجامع للضرائب. كان الجلوس حول طاولة الطعام علامة على الصداقة، وهذا ما فعله يسوع: جلس وتناول الطعام مع العَشّارينَ والخُطاةِ.
- الفضيحة: كان يسوع صديقاً للخطاة. لا شك أن الخطاة عرفوا هذا وتجاوبوا مع محبة وصداقة يسوع: لأنَّهُمْ كانوا كثيرينَ وتَبِعوهُ.
- وأمّا الكتبةُ والفَرّيسيّونَ فلَمّا رأوهُ يأكُلُ مع العَشّارينَ والخُطاةِ: اعترض الفَرّيسيّونَ لأن يسوع كان صديقاً للخطاة. فقد كان الفريسيون أناساً محافظين ومتدينين ويحظون بالاحترام، لكنهم كانوا على خلاف دائم مع يسوع.
- اسم الفريسيين يعني: ’المنفصلون/المعتزلون.‘ فقد عزلوا أنفسهم عن كل ما يعتقدون أنه نجس، كما اعتقدوا أيضاً أن الجميع عداهم قد أنفصلوا عن محبة الله.
- لا يَحتاجُ الأصِحّاءُ إلَى طَبيب: كانت إجابة يسوع بسيطة ولكنها عميقة. فيسوع هو طَبيب الروح، ومن الطبيعي، كونه طبيباً، أن يكون مع المرضى الذين يعانون من مرض الخطية.
- يسوع هو أعظم طبيب يمكنه أن يشفينا من مرض الخطية.
- هو دائماً معنا.
- هو دائماً يقدم لنا التشخيص الأمثل.
- هو يوفر العلاج الكامل.
- هو يدفع حتى أجرة الطبيب.
ثانياً. خلاف حول الصوم ويوم السبت
أ ) الآيات (١٨-٢٠): لماذا لا يصوم يسوع وتلاميذه؟
١٨وكانَ تلاميذُ يوحَنا والفَرّيسيّينَ يَصومونَ، فجاءوا وقالوا لهُ: «لماذا يَصومُ تلاميذُ يوحَنا والفَرّيسيّينَ، وأمّا تلاميذُكَ فلا يَصومونَ؟». ١٩فقالَ لهُمْ يَسوعُ: «هل يستطيعُ بَنو العُرسِ أنْ يَصوموا والعَريسُ معهُم؟ ما دامَ العَريسُ معهُمْ لا يستطيعونَ أنْ يَصوموا. ٢٠ولكن ستأتي أيّامٌ حينَ يُرفَعُ العَريسُ عنهُمْ، فحينَئذٍ يَصومونَ في تِلكَ الأيّامِ».
- لماذا يَصومُ تلاميذُ يوحَنا والفَرّيسيّينَ، وأمّا تلاميذُكَ فلا يَصومونَ؟: كان معروفاً عن الفريسيين أنهم يصومون مرتين في الأسبوع (لوقا ١٢:١٨). وكان من المنطقي أن يصوم تلاميذ يوحنا لأن خدمته شددت على التوبة. ومع ذلك، لم يشدد يسوع وتلاميذه على الصوم كما فعل هؤلاء.
- لا يعارض الله الصوم بل يؤيده. فهناك مكان وتوقيت للصوم في حياة كل مؤمن. لكن أغلبنا لا يقوم بهذا، ولهذا يغلب عدم الاتزان على حياتنا. لكن من سألوا هذه الأسئلة كانوا تلاميذ يوحنا والفريسيين.
- هل يستطيعُ بَنو العُرسِ أنْ يَصوموا والعَريسُ معهُم؟: استخدم يسوع مثل العرس (العَريسُ) ليرسم صورة معبرة لليهود. فقد كان معلمو اليهود يعتبرون أن الفرح والاحتفال طوال أسبوع العرس كان أهم من حفظ الطقوس والشعائر الدينية.
- كان معلمو اليهود زمن يسوع يقولون أنه يجوز للمرء ألا يحفظ الناموس إن كان ذلك سيؤثر على الاحتفال بالعرس. كل ما عليك فعله هو أن تذهب وتستمتع فقط. “فقد كانت أوقات الأعراس حافلة بالاحتفالات الصاخبة التي تصل إلى الشغب أحياناً.” كلارك (Clarke)
- كانت رسالة يسوع جريئة وواضحة: “أنا لست مثل الفريسيين أو مثل يوحنا المعمدان. أنا هو المسيا، عريس شعب الله. وحيثما أكون، يجب أن تفرحوا كما يحدث في الأعراس.”
- ولكن ستأتي أيّامٌ… فحينَئذٍ يَصومونَ في تِلكَ الأيّامِ: عرف يسوع أن وجوده على الأرض مع التلاميذ سينتهي قريباً. ولكن تأتي أيام ويصومون فيها عندما يصعد إلى السماء.
ب) الآيات (٢١-٢٢): مثل الثوب والزقاق وعلاقتهم بعمل يسوع الجديد
٢١«ليس أحَدٌ يَخيطُ رُقعَةً مِنْ قِطعَةٍ جديدَةٍ علَى ثَوْبٍ عتِيقٍ، وإلّا فالمِلءُ الجديدُ يأخُذُ مِنَ العتِيقِ فيَصيرُ الخَرقُ أردأَ. ٢٢وليس أحَدٌ يَجعَلُ خمرًا جديدَةً في زِقاقٍ عتِيقَةٍ، لئَلّا تشُقَّ الخمرُ الجديدَةُ الزِّقاقَ، فالخمرُ تنصَبُّ والزِّقاقُ تتلَفُ. بل يَجعَلونَ خمرًا جديدَةً في زِقاقٍ جديدَةٍ».
- ليس أحَدٌ يَخيطُ رُقعَةً مِنْ قِطعَةٍ جديدَةٍ علَى ثَوْبٍ عتِيقٍ: يوضح هذا المثل خطورة أن تحاك رقعة جديدة في ثوب عتيق. والمبدأ نفسه ينطبق على أزقة الجلد التي كانوا يستخدمونها لحفظ الخمر. فالأزقة الجلدية كانت تتمدد بسبب ضغط غازات الخمور المتخمرة، ووضع خمر جديد غير متخمر في زقاق قديمة كان سيؤدي لتمزقها.
- بل يَجعَلونَ خمرًا جديدَةً في زِقاقٍ جديدَةٍ: وضح يسوع وجهة نظره من خلال هذه الأمثلة. فلا يمكنك أن تعيش الحياة الجديدة ضمن إطار عاداتك القديمة. فقد استبدل يسوع الصيام بالاحتفال، والمسوح والرماد برداء البر، والروح اليائسة برداء التسبيح، والحزن بالفرح، والناموس بالنعمة.
- على مر القرون، نادراً ما تحتوي أشكال العبادة المتزمتة عمل الروح القدس. وعبر الأجيال، غالباً ما يبحث الله عن أزقة جديدة لأن القديمة لن تتمدد أكثر.
- جاء يسوع ليقدم شيئاً جديداً وليس كي يَرْقَع القديم. وهذا هو محول الخلاص. فيسوع لا يلغي القديم (الناموس) لكنه يتممه، تماماً كالجوز الذي يثمر على شجرة البلوط ثم يسقط عنها ليبدأ نمو شجرة بلوط عظيمة أخرى. فبعد سقوط الجوز، لا ينتهي غرض وجود الشجرة.
ج) الآيات (٢٣-٢٤): اتهام يسوع والتلاميذ بكسر السبت
٢٣واجتازَ في السَّبتِ بَينَ الزُّروعِ، فابتَدأَ تلاميذُهُ يَقطِفونَ السَّنابِلَ وهُم سائرونَ. ٢٤فقالَ لهُ الفَرّيسيّونَ: «انظُرْ! لماذا يَفعَلونَ في السَّبتِ ما لا يَحِلُّ؟».
- فابتَدأَ تلاميذُهُ يَقطِفونَ السَّنابِلَ: لم يكن هناك أي خطأ فيما فعلوه ولا يعتبر سرقة وفقاً لسفر التثنية ٢٥:٢٣. كانت المشكلة في اليوم الذي فعلوا به ذلك. فقد وضع معلمو اليهود قائمة طويلة مفصلة بالمسموحات والممنوعات لها علاقة بيوم السبت، وكان هذا يعتبر انتهاكاً لأحد البنود الواردة في هذه القائمة.
- من وجهة نظر القادة الدينيين، ارتكب التلاميذ أربع مخالفات عندما قاموا بقطف السنابل يوم السبت، وانتهكوا تقاليد الحصاد والدرس ونثر البذار وإعداد الطعام.
- في هذا الوقت، زاد معلمو اليهود على الديانة اليهودية طقوساً مفصلة فيما يتعلق بالسبت وبالوصايا الأخرى، وعلموا أنه لا يجوز للمرء أن يحمل شيئاً في يده اليمنى أو اليسرى أو على صدره أو كتفه يوم السبت. ولكن يمكنه حمل شيء مستخدماً الجزء الخلفي من يده أو قدمه أو كوعه أو أذنه أو شعره أو هدب ثوبه أو حذاءه. وكان محرماً ربط عقدة حبل أو خيط يوم السبت، ولكن يجوز للمرأة أن تربط الحزام الذي يحوط ردائها. وإن كان لا بد من رفع دلو ماءٍ من البئر، فلا يجوز ربط الدلو بالحبل، ولكن يجوز للمرأة أن تربط الدلو بحزامها.
- «انظُرْ! لماذا يَفعَلونَ في السَّبتِ ما لا يَحِلُّ؟»: لم ينتهك يسوع أبداً وصية الله لحفظ السبت ولم يوافق على أن يفعل تلاميذه شيئاً يسيء لوصية الله بشأن السبت. ولكنه اعتاد كثيراً كسر الوصايا التي من صنع الإنسان.
د ) الآيات (٢٥-٢٨): أجابهم يسوع مستخدماً مبدأين
٢٥فقالَ لهُمْ: «أما قَرأتُمْ قَطُّ ما فعَلهُ داوُدُ حينَ احتاجَ وجاعَ هو والّذينَ معهُ؟ ٢٦كيفَ دَخَلَ بَيتَ اللهِ في أيّامِ أبيأثارَ رَئيسِ الكهنةِ، وأكلَ خُبزَ التَّقدِمَةِ الّذي لا يَحِلُّ أكلُهُ إلّا للكهنةِ، وأعطَى الّذينَ كانوا معهُ أيضًا». ٢٧ثُمَّ قالَ لهُمُ: «السَّبتُ إنَّما جُعِلَ لأجلِ الإنسانِ، لا الإنسانُ لأجلِ السَّبتِ. ٢٨إذًا ابنُ الإنسانِ هو رَبُّ السَّبتِ أيضًا».
- أما قَرأتُمْ قَطُّ ما فعَلهُ داوُدُ: أظهر يسوع حينما استخدام قصة داود وكيف أكل من ’الخُبز المُقَدَّس‘ (صموئيل الأول ١:٢١-٦) مبدأً مهماً وهو أن حاجة الإنسان أهم من الفرائض الدينية. فالغاية من يوم السبت هي أن يخدم الإنسان (السَّبتُ إنَّما جُعِلَ لأجلِ الإنسانِ، لا الإنسانُ لأجلِ السَّبتِ).
- هذا تماماً ما يرفضه العديد من المتمسكين بحرفية الناموس والتقاليد: «إنّي أُريدُ رَحمَةً لا ذَبيحَةً (هوشع ٦:٦)؛ محبة الآخرين أهم من الفرائض الدينية (إشعياء ١:٥٨-٩)؛ ذَبائحُ اللهِ هي روحٌ مُنكَسِرَةٌ. القَلبُ المُنكَسِرُ والمُنسَحِقُ يا اللهُ لا تحتَقِرُهُ (مزمور ١٧:٥١).
- “أي استخدام لفرائض السبت ضد الإنسان لا ينسجم مع قصد الله.” مورغان (Morgan)
- في أيّامِ أبيأثارَ رَئيسِ الكهنةِ: هذه الآية تسبب مشكلة للبعض، فوفقاً للآية في سفر صموئيل الأول ١:٢١ كان أخيمالِكَ هو رئيس الكهنة في ذلك الوقت، وأن ابنه أبيأثارَ صار رئيساً للكهنة من بعده (صموئيل الأول ٢٠:٢٢، أخبار الأيام الأولى ١٦:١٨). ويربط معظم الناس الآية في صموئيل الأول ١:٢١ مع تصريح يسوع هنا بالقول أن كل من الأب والابن شغلا معاً منصب رئيس الكهنة في ذلك الوقت، أو بالقول أن يسوع قال ببساطة أن هذا حدث في أيّامِ أبيأثارَ، أي بينما كان حياً، وليس عندما كان يشغل منصب رئيس الكهنة.
- لدى ويرزبي (Wiersbe) حل مختلف: “من المحتمل أيضاً أن ربنا استخدم ’أبيأثارَ‘ للإشارة فقط إلى النص في العهد القديم الذي يتحدث عنه وليس للإشارة إلى أبيأثار نفسه. فهذه هي الطريقة التي حدد بها اليهود المقاطع الكتابية في العهد القديم لأن مخطوطاتهم لم يكن لها إصحاحات وآيات مثل كتبنا المقدسة اليوم.”
- إذًا ابنُ الإنسانِ هو رَبُّ السَّبتِ أيضًا: المبدأ الثاني كان أكثر قوة. أعلن يسوع أنه هو رَبُّ السَّبتِ. وإن لم يشعر رَبُّ السَّبتِ بالإهانة من تصرفات التلاميذ، فلا ينبغي إذاً أن يشعر هؤلاء المنتقدين بالإهانة أيضاً.